حبيبة الحسين
20-10-2011, 10:50 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التربية الاقتصادية (http://www.almoaod.net/vb/)عند الامام (http://www.almoaod.net/vb/)الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)(عليه (http://www.almoaod.net/vb/)السلام) (http://www.almoaod.net/vb/).. لا إفراط (http://www.almoaod.net/vb/)ولا تفريط (http://www.almoaod.net/vb/).
ينطلق الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام في منهجه التربوي إلى تكوين معرفة صحيحة لدى الفرد؛ لأنّ هذه المعرفة هي مادة الحركة الإنسانية ووقودها، ولا شك بأنّ سلوك الإنسان ونشاطه نابع من النظام الفكري القابع في عقله وباطنه، وبالتالي فإنّ المحتوى الفكري لدى الإنسان إذا لم يبن على أسس سليمة فإنّه سينعكس سلباً على تصرفاته، ولن يكون صالحاً أو مؤهلاً لأنّ يصبح إنساناً سويّاً ناجحاً في مسيرة حياته. من هنا فإنّ الإمام عليه السلام يعتمد في منهجه التربوي الإقتصادي على تصحيح نظرة أفراد المجتمع إلى المال وكل ما يتعلق به، على أساس معطيات الكتاب والسُّنة.
ويبدو أن معظم النشاطات الإقتصادية والمعيشية للفرد تنشأ من نظرته إلى الثروة. وتقويم هذا التصور سوف يؤدي بلا شك إلى محاولة إنشاء السلوك السليم، أو بمعنى آخر، فإنّ تنظيم الحياة الإقتصادية للفرد يرتبط إرتباطاً وثيقاً بنظرته الشاملة والمتكاملة إلى المال. فالمال هو عصب الحياة الإقتصادية، إذ إنّ الإنسان يستطيع من خلاله تحقيق الخير والرفاهية له ولأسرته ولأفراد المجتمع الذي يعيش فيه. "وهو بالنسبة للفرد وسيلة لإشباع الحاجيات وبالنسبة للمجتمع وسيلة التنمية ومصدر القوة".
إنطلاقاً من هذا المفهوم، فقد عنيت مدرسة الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام بهذا الأمر في المجتمع، وأولته إهتماماً بالغاً، وذلك من خلال التركيز على نواحٍ عدة تبين كل منها بعداً خاصّاً لهذا التصور، ومنها:
1- بلورة مفهوم المال والملكية :
إنّ المال في الأصل: "ما يملك من الذهب والفضة ثمّ أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان" وسمّي المال مالاً لميل النفس إليه. أمّا المفهوم الإقتصادي للمال فإنّه يعدّ كل ما ينتفع به على أي وجه من وجوه النفع مالاً، كما أنّه يعد "كل ما يقوّم بثمن مالاً، أيّاً كان نوعه، وأيّاً كانت قيمته". وقد بيّن الإسلام أنّ الله جلّ ثناؤه هو المالك الحقيقي لكلّ ما في السماوات والأرض، كما يتضح من قوله عزّوجلّ: "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران/ 189). وعليه فإنّ ملكية الإنسان للمال ليست ملكية أصلية وحقيقية، بل هو مستخلف من الله في تملك المال كما ورد في الكتاب العزيز: "وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" (الحديد/ 7).
وعلى هذا الأساس فقد ركّز الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام على هذا المبدأ الأساس في منهجه التربوي لكي تستقيم نظرة تلاميذه إلى المال، فهو يعبّر عنها تارة بالوديعة في قوله: (إنّ المال مال الله جعله ودائع عند خلقه). وتارة بالعارية كقوله: (إجعل مالك كعارية تردّها).
ويظهر لنا مدى تركيز الإمام عليه السلام على ترسيخ هذا التصور في نفوس الناس، عندما اعتبره جزءاً من حقيقة العبودية، في قوله: (حقيقة العبودية ثلاثة أشياء، الأوّل أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك يرون المال مال الله، يضعونه حيث أمرهم الله به...).
من خلال هذا المفهوم الرائع يربّي الإمام الفرد المسلم على أصل هام، وهو أنّ الإنسان ليس مستقلاً في إمتلاكه ولا حرّاً بتصرفه في المال بغير إذن صاحبه الحقيقي، أو بخلاف مراده ومقصوده ومشيئته ومطلوبه، لأنّه عبد لله ومستخلف في مال الله. و "هذا التصور الإسلامي الخاص لجوهر الملكيّة متى تركز وسيطر على ذهنية المالك المسلم، أصبح قوة موجهة في مجال السلوك وقيداً صارماً يفرض على المالك إلتزام التعليمات والحدود المرسومة من قبل الله عزّوجلّ، كما يلتزم الوكيل والخليفة دائماً بإرادة الموكل والمستخلف".
حقيقة الملكية
إنّ ملكية الله لكل شيء، لا تعني حرمان الإنسان من جهده أو منعه من التصرف في ما يحصل عليه نتيجة جهده وعمله، بل إنّ الملكية الفردية حق أساس ثابت وواضح في الإسلام، كما أنّ الإستخلاف يجيز التملك والإنتفاع، منعاً من الإعتداء والظلم وبغي الناس بعضهم على بعض.
ورغم أنّ المال لله تعالى والناس خلفاؤه فيه، إلا أنّ الشارع الكريم يسمي الإنسان مالكاً ويعدّه صاحباً له باعتبار أنّه المتسبب في تحصيل المال وجمعه، ولم يغفل الحق تبارك وتعالى مجهود الفرد وحق الإنتفاع به في هذا الصدد، فنسب القرآن الأموال إلى الناس فقال جلّ من قائل: "وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة /188)، وأقر بملكية الإنسان إستجابة لغريزة حب المال في فطرته: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (الفجر/ 20).
ولقد أعطى الإسلام الفرد حقوقاً كاملة من ملكيته تقابل بها المسؤولية عن كل تصرف فيه؛ "لأنّ المال في نظر الإسلام له وظيفة إجتماعية والتصرف به، كسباً وإنفاقاً، مرهون بتحقيق تلك الوظيفة للفرد والأُمّة على حد سواء".
وقد ورد ذكر المال في القرآن الكريم ستاً وثمانين مرّة، مفرداً وجمعاً، ومعرفاً ومنكراً، ومضافاً وغير مضاف... ولا ريب أن تكرار لفظ المال على هذا النحو في القرآن دليل على إهتمام القرآن به، وتقديراً لآثاره في الحياة. ومن البديهي أنّ الإنسان لن يتمكن من تحقيق العيش الهادئ المطمئن في الحياة والتوصل إلى الأهداف المنشودة من خلق العالم وأداء رسالته وتعميره الكون وإرتقائه في سلم الرقي والتحضّر إلا بالمال. وعندما يدرك الفرد وظيفة المال والغرض المنشود منه في الحياة، ينظم نشاطاته الإقتصادية وفقاً له.
ولذا فقد أكد الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)في تربيته الإقتصادية بوجه عام، وفي مجال تصحيح النظرة المعرفية بوجه خاص على دور المال في حياة الإنسان. وقد تناولت التعابير التي أوردها الإمام الجانبين السلبي والإيجابي للمال، ليتمكن الإنسان من الإطلاع على مضاره وفوائده، فيمكنه أن يحترز من شرّه ويستدرّ من خيره... فقد عرّف المال بما يلي:
أوّلاً: المال قوام الدين والعون على الآخرة:
لقد عبر الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام عن المال بقوام الدين، ونهى عن تضييعه وإهماله، كما أوصى واحداً من تلاميذه: (احتفظ بمالك فإنّه قوام دينك)، ثمّ يستدل بالآية الشريفة: "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا..." (النساء/ 5).
ثانياً: المال قوام الدنيا وتحقيق السعادة فيه:
يرى الإمام عليه السلام أنّ المال قوام الدنيا، وبه يحقق الخير والعدل، ولذا فسّر قوله تعالى: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار" (البقرة/ 201)، ويظفر برضوان الله والجنة في الآخرة، والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا.
ثالثاً: في المال اطمئنان النفس وراحتها:
يرى الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام: "أنّ النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت". وقد عبّر الإمام عن المال بما يُعتمد عليه، لأنّ الناس يعتمدون عليه في قضاء حوائجهم في الحضر والسفر، فلذا يؤكد على ضرورة صيانته.
رابعاً: المنافع الإجتماعية للمال:
المال في رأي الإمام عليه السلام سبب للشرف والعلو في المجتمع، يستغني به صاحبه عن الآخرين، فقال: (عليك بإصلاح المال، فإنّه فيه منبهة للكريم وإستغناء عن اللئيم). ويؤكد الإمام على طلب المال والسعي إلى زيادته لما فيه من الخير للفرد والمجتمع، فيقول: (لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال، يكفّ به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه).
2- تصحيح المفاهيم الخاطئة في طلب المعاش
من أهمّ ما أولاه الامام (http://www.almoaod.net/vb/)الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام إهتمامه في المجال المعرفي هو ترسيخ النظرة الصحيحة في طلب الرزق وكسب المعيشة؛ لأنّه يشكل نسبة كبيرة من النشاطات الإقتصادية للفرد.
ونظراً للأهمية المادية لهذا الأمر، توهّم بعض المسلمين من بدء الرسالة بأنّ السعي في طلب الرزق يتعارض مع الإهتمام بالعبادات والحياة المعنوية للمسلم، وتبعاً لهذه النظرة الخاطئة، أهملوا السعي في طلب الرزق وأقبلوا على العبادة والعزلة. وكذلك جرى هذا الأمر في عصر الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)أيضاً، فقام الإمام عليه السلام بإزالة هذا التصور الخاطئ وبيّن أنّه لا يجوز ترك العمل بحجة الإنقطاع إلى العبادة مثل الصلاة والصوم، فلمّا أخبروه عن رجل قال: لأقعدنّ ولأصلينّ، ولأصومنّ ولأعبدنّ الله، فأما رزقي فيأتيني. قال الإمام: هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم!
فلا يجوز الإعراض عن العمل بدعوى التوكل على الله، وإنتظار الفرج والرزق منه سبحانه، بل لابدّ من السعي إليه، وإلا اعتبر هذا تواكلاً، لا توكلاً، فشتّان بينهما، والتوكل لا ينافي العمل والأخذ بالأسباب؛ لأنّ "الإسلام لا يريد من المسلم العزوف عن الحياة الدنيا وطيباتها فهو يأمر بعمارة الأرض وإستخراج خيراتها ليكون المسلمون أهل العزّة والسيادة والقيادة".
ومما ينبغي أن ننظر فيه بإمعان، أنّ الامام (http://www.almoaod.net/vb/)الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام رغم ترغيبه الشديد بالسعي في طلب الرزق، يتحدث عن تكفّل الله بالرزق للناس كقوله: (لو كان العبد في حجر لأتاه الله برزقه فأجملوا في الطلب)، غير أنّ الملاحظ لهذا المفهوم في ضوء نصوص الإمام، -للوهلة الأولى – يجد تناقضاً بين معطياته الفكرية المتعلقة بطلب المال وبين الرزق المقدّر من الله تبارك وتعالى، ولكنّ الإمام نفسه يبيّن هذا التفاوت ويجمع بين الأمرين فيقول ما نصه ليزيل هذا الإشكال: (الرزق مقسوم، على ضربين: أحدهما واصل إلى صاحبه وإن لم يطلبه، والآخر معلّق بطلبه، فالذي قُسِمَ للعبد على كل حالٍ آتيه وإن لم يسع له، والذي قُسمَ له بالسعي فينبغي أن يلتمسه من وجوهه، وهو ما أحلّه الله له دون غيره، فإن طلبه من جهة الحرام فوجده حُسِبَ عليه برزقه وحوسب به).
من هنا نفهم بأنّ الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام يرغّب تلاميذه في طلب الرزق، ويشجعهم على السعي لتأمين معيشتهم، توجه بكلامه من خلال الأسباب الطبيعية لكسب الرزق في حين أنّه لما نهى عن الحرص والطمع فيه توجه بكلامه إلى الوجه المقدر من الرزق، أي ما قد يحصل عليه الإنسان دون سعي منه إليه.
وهكذا، ومن خلال هذه النظرة الشاملة، يربّي الإمام تلاميذه على إعتماد التوازن بأن لا يفرطوا في الطلب بالحرص والطمع، مقابل عدم ترك السعي والطلب بحجة التقدير الإلهي في الرزق.
نسألكم الدعاء
التربية الاقتصادية (http://www.almoaod.net/vb/)عند الامام (http://www.almoaod.net/vb/)الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)(عليه (http://www.almoaod.net/vb/)السلام) (http://www.almoaod.net/vb/).. لا إفراط (http://www.almoaod.net/vb/)ولا تفريط (http://www.almoaod.net/vb/).
ينطلق الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام في منهجه التربوي إلى تكوين معرفة صحيحة لدى الفرد؛ لأنّ هذه المعرفة هي مادة الحركة الإنسانية ووقودها، ولا شك بأنّ سلوك الإنسان ونشاطه نابع من النظام الفكري القابع في عقله وباطنه، وبالتالي فإنّ المحتوى الفكري لدى الإنسان إذا لم يبن على أسس سليمة فإنّه سينعكس سلباً على تصرفاته، ولن يكون صالحاً أو مؤهلاً لأنّ يصبح إنساناً سويّاً ناجحاً في مسيرة حياته. من هنا فإنّ الإمام عليه السلام يعتمد في منهجه التربوي الإقتصادي على تصحيح نظرة أفراد المجتمع إلى المال وكل ما يتعلق به، على أساس معطيات الكتاب والسُّنة.
ويبدو أن معظم النشاطات الإقتصادية والمعيشية للفرد تنشأ من نظرته إلى الثروة. وتقويم هذا التصور سوف يؤدي بلا شك إلى محاولة إنشاء السلوك السليم، أو بمعنى آخر، فإنّ تنظيم الحياة الإقتصادية للفرد يرتبط إرتباطاً وثيقاً بنظرته الشاملة والمتكاملة إلى المال. فالمال هو عصب الحياة الإقتصادية، إذ إنّ الإنسان يستطيع من خلاله تحقيق الخير والرفاهية له ولأسرته ولأفراد المجتمع الذي يعيش فيه. "وهو بالنسبة للفرد وسيلة لإشباع الحاجيات وبالنسبة للمجتمع وسيلة التنمية ومصدر القوة".
إنطلاقاً من هذا المفهوم، فقد عنيت مدرسة الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام بهذا الأمر في المجتمع، وأولته إهتماماً بالغاً، وذلك من خلال التركيز على نواحٍ عدة تبين كل منها بعداً خاصّاً لهذا التصور، ومنها:
1- بلورة مفهوم المال والملكية :
إنّ المال في الأصل: "ما يملك من الذهب والفضة ثمّ أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان" وسمّي المال مالاً لميل النفس إليه. أمّا المفهوم الإقتصادي للمال فإنّه يعدّ كل ما ينتفع به على أي وجه من وجوه النفع مالاً، كما أنّه يعد "كل ما يقوّم بثمن مالاً، أيّاً كان نوعه، وأيّاً كانت قيمته". وقد بيّن الإسلام أنّ الله جلّ ثناؤه هو المالك الحقيقي لكلّ ما في السماوات والأرض، كما يتضح من قوله عزّوجلّ: "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (آل عمران/ 189). وعليه فإنّ ملكية الإنسان للمال ليست ملكية أصلية وحقيقية، بل هو مستخلف من الله في تملك المال كما ورد في الكتاب العزيز: "وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" (الحديد/ 7).
وعلى هذا الأساس فقد ركّز الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام على هذا المبدأ الأساس في منهجه التربوي لكي تستقيم نظرة تلاميذه إلى المال، فهو يعبّر عنها تارة بالوديعة في قوله: (إنّ المال مال الله جعله ودائع عند خلقه). وتارة بالعارية كقوله: (إجعل مالك كعارية تردّها).
ويظهر لنا مدى تركيز الإمام عليه السلام على ترسيخ هذا التصور في نفوس الناس، عندما اعتبره جزءاً من حقيقة العبودية، في قوله: (حقيقة العبودية ثلاثة أشياء، الأوّل أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك يرون المال مال الله، يضعونه حيث أمرهم الله به...).
من خلال هذا المفهوم الرائع يربّي الإمام الفرد المسلم على أصل هام، وهو أنّ الإنسان ليس مستقلاً في إمتلاكه ولا حرّاً بتصرفه في المال بغير إذن صاحبه الحقيقي، أو بخلاف مراده ومقصوده ومشيئته ومطلوبه، لأنّه عبد لله ومستخلف في مال الله. و "هذا التصور الإسلامي الخاص لجوهر الملكيّة متى تركز وسيطر على ذهنية المالك المسلم، أصبح قوة موجهة في مجال السلوك وقيداً صارماً يفرض على المالك إلتزام التعليمات والحدود المرسومة من قبل الله عزّوجلّ، كما يلتزم الوكيل والخليفة دائماً بإرادة الموكل والمستخلف".
حقيقة الملكية
إنّ ملكية الله لكل شيء، لا تعني حرمان الإنسان من جهده أو منعه من التصرف في ما يحصل عليه نتيجة جهده وعمله، بل إنّ الملكية الفردية حق أساس ثابت وواضح في الإسلام، كما أنّ الإستخلاف يجيز التملك والإنتفاع، منعاً من الإعتداء والظلم وبغي الناس بعضهم على بعض.
ورغم أنّ المال لله تعالى والناس خلفاؤه فيه، إلا أنّ الشارع الكريم يسمي الإنسان مالكاً ويعدّه صاحباً له باعتبار أنّه المتسبب في تحصيل المال وجمعه، ولم يغفل الحق تبارك وتعالى مجهود الفرد وحق الإنتفاع به في هذا الصدد، فنسب القرآن الأموال إلى الناس فقال جلّ من قائل: "وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة /188)، وأقر بملكية الإنسان إستجابة لغريزة حب المال في فطرته: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (الفجر/ 20).
ولقد أعطى الإسلام الفرد حقوقاً كاملة من ملكيته تقابل بها المسؤولية عن كل تصرف فيه؛ "لأنّ المال في نظر الإسلام له وظيفة إجتماعية والتصرف به، كسباً وإنفاقاً، مرهون بتحقيق تلك الوظيفة للفرد والأُمّة على حد سواء".
وقد ورد ذكر المال في القرآن الكريم ستاً وثمانين مرّة، مفرداً وجمعاً، ومعرفاً ومنكراً، ومضافاً وغير مضاف... ولا ريب أن تكرار لفظ المال على هذا النحو في القرآن دليل على إهتمام القرآن به، وتقديراً لآثاره في الحياة. ومن البديهي أنّ الإنسان لن يتمكن من تحقيق العيش الهادئ المطمئن في الحياة والتوصل إلى الأهداف المنشودة من خلق العالم وأداء رسالته وتعميره الكون وإرتقائه في سلم الرقي والتحضّر إلا بالمال. وعندما يدرك الفرد وظيفة المال والغرض المنشود منه في الحياة، ينظم نشاطاته الإقتصادية وفقاً له.
ولذا فقد أكد الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)في تربيته الإقتصادية بوجه عام، وفي مجال تصحيح النظرة المعرفية بوجه خاص على دور المال في حياة الإنسان. وقد تناولت التعابير التي أوردها الإمام الجانبين السلبي والإيجابي للمال، ليتمكن الإنسان من الإطلاع على مضاره وفوائده، فيمكنه أن يحترز من شرّه ويستدرّ من خيره... فقد عرّف المال بما يلي:
أوّلاً: المال قوام الدين والعون على الآخرة:
لقد عبر الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام عن المال بقوام الدين، ونهى عن تضييعه وإهماله، كما أوصى واحداً من تلاميذه: (احتفظ بمالك فإنّه قوام دينك)، ثمّ يستدل بالآية الشريفة: "وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا..." (النساء/ 5).
ثانياً: المال قوام الدنيا وتحقيق السعادة فيه:
يرى الإمام عليه السلام أنّ المال قوام الدنيا، وبه يحقق الخير والعدل، ولذا فسّر قوله تعالى: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وقنا عذاب النار" (البقرة/ 201)، ويظفر برضوان الله والجنة في الآخرة، والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا.
ثالثاً: في المال اطمئنان النفس وراحتها:
يرى الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام: "أنّ النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما يعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت". وقد عبّر الإمام عن المال بما يُعتمد عليه، لأنّ الناس يعتمدون عليه في قضاء حوائجهم في الحضر والسفر، فلذا يؤكد على ضرورة صيانته.
رابعاً: المنافع الإجتماعية للمال:
المال في رأي الإمام عليه السلام سبب للشرف والعلو في المجتمع، يستغني به صاحبه عن الآخرين، فقال: (عليك بإصلاح المال، فإنّه فيه منبهة للكريم وإستغناء عن اللئيم). ويؤكد الإمام على طلب المال والسعي إلى زيادته لما فيه من الخير للفرد والمجتمع، فيقول: (لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال، يكفّ به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه).
2- تصحيح المفاهيم الخاطئة في طلب المعاش
من أهمّ ما أولاه الامام (http://www.almoaod.net/vb/)الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام إهتمامه في المجال المعرفي هو ترسيخ النظرة الصحيحة في طلب الرزق وكسب المعيشة؛ لأنّه يشكل نسبة كبيرة من النشاطات الإقتصادية للفرد.
ونظراً للأهمية المادية لهذا الأمر، توهّم بعض المسلمين من بدء الرسالة بأنّ السعي في طلب الرزق يتعارض مع الإهتمام بالعبادات والحياة المعنوية للمسلم، وتبعاً لهذه النظرة الخاطئة، أهملوا السعي في طلب الرزق وأقبلوا على العبادة والعزلة. وكذلك جرى هذا الأمر في عصر الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)أيضاً، فقام الإمام عليه السلام بإزالة هذا التصور الخاطئ وبيّن أنّه لا يجوز ترك العمل بحجة الإنقطاع إلى العبادة مثل الصلاة والصوم، فلمّا أخبروه عن رجل قال: لأقعدنّ ولأصلينّ، ولأصومنّ ولأعبدنّ الله، فأما رزقي فيأتيني. قال الإمام: هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم!
فلا يجوز الإعراض عن العمل بدعوى التوكل على الله، وإنتظار الفرج والرزق منه سبحانه، بل لابدّ من السعي إليه، وإلا اعتبر هذا تواكلاً، لا توكلاً، فشتّان بينهما، والتوكل لا ينافي العمل والأخذ بالأسباب؛ لأنّ "الإسلام لا يريد من المسلم العزوف عن الحياة الدنيا وطيباتها فهو يأمر بعمارة الأرض وإستخراج خيراتها ليكون المسلمون أهل العزّة والسيادة والقيادة".
ومما ينبغي أن ننظر فيه بإمعان، أنّ الامام (http://www.almoaod.net/vb/)الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام رغم ترغيبه الشديد بالسعي في طلب الرزق، يتحدث عن تكفّل الله بالرزق للناس كقوله: (لو كان العبد في حجر لأتاه الله برزقه فأجملوا في الطلب)، غير أنّ الملاحظ لهذا المفهوم في ضوء نصوص الإمام، -للوهلة الأولى – يجد تناقضاً بين معطياته الفكرية المتعلقة بطلب المال وبين الرزق المقدّر من الله تبارك وتعالى، ولكنّ الإمام نفسه يبيّن هذا التفاوت ويجمع بين الأمرين فيقول ما نصه ليزيل هذا الإشكال: (الرزق مقسوم، على ضربين: أحدهما واصل إلى صاحبه وإن لم يطلبه، والآخر معلّق بطلبه، فالذي قُسِمَ للعبد على كل حالٍ آتيه وإن لم يسع له، والذي قُسمَ له بالسعي فينبغي أن يلتمسه من وجوهه، وهو ما أحلّه الله له دون غيره، فإن طلبه من جهة الحرام فوجده حُسِبَ عليه برزقه وحوسب به).
من هنا نفهم بأنّ الإمام الصادق (http://www.almoaod.net/vb/)عليه السلام يرغّب تلاميذه في طلب الرزق، ويشجعهم على السعي لتأمين معيشتهم، توجه بكلامه من خلال الأسباب الطبيعية لكسب الرزق في حين أنّه لما نهى عن الحرص والطمع فيه توجه بكلامه إلى الوجه المقدر من الرزق، أي ما قد يحصل عليه الإنسان دون سعي منه إليه.
وهكذا، ومن خلال هذه النظرة الشاملة، يربّي الإمام تلاميذه على إعتماد التوازن بأن لا يفرطوا في الطلب بالحرص والطمع، مقابل عدم ترك السعي والطلب بحجة التقدير الإلهي في الرزق.
نسألكم الدعاء