معراج
28-10-2011, 10:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العاالمين وصل الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
نريد ان نبين في هذه الاسطر البعد المعرفي والتكاملي للأمام المهدي ونقصد به ابداعاته العلمية والمعرفية الللا متناهيه ونقصد من ذالك علومه ومعارفه .
ان الامام ( ع) هو وريث التركة العظيمة لمدينة العلم وهو رسول الله والباب الوحيدة لهذه المدينة وهو امير المؤمنين (ع)وهذا يعني ن هذه العلم وراثي
يرثه الامام عن ابيه عن جده ، بطريقة السلسلة الذهبية ولا يخفى عليكم ان اعلم الانبياء هو النبي الخاتم (ص) والعلم الوراثي عند المعصومين ليس هو كل شي ، فكما ان طالب العلم في المدرسة لا يدرس كل المواد
بدرس واحد ولا بطريقة واحدة فان الامام يعطى العلوم بعده طرق كما سيتبين لنا ذالك . فالعلم الوراثي الذي يرثه الامام يعد بمثابة القاعده والمقدمة لبقية العلوم فهو شيئ اساسي وعليه يستند في الطرق الاخرى وهو بحد ذاته اعجاز فهو محصور بألائمه المعصومين ع ، وطريقه الميراث تشبه ميراث الاموال والاملاك من حيث عدم النقيصه ولاكن قابل للزياده ولو انه عليه السلام لو عمله فقط بهذه التركه لاداره شؤن العالمين لكفى فما بالك ببقيه علومه .
ان ميراث العلم استعمله اغلب الائمة في اقامة الحجج على خصومهم فترى ان الامام يقول عن ابي عن جدي عن رسول الله (ص) في مقام الاحتجاج لمن لا يؤمن بحجية الامام بينما ترى ان اتباعه يكفيهم ان يتحدث اليهم الامام بأي حديث دون ان يسند الحديث الى ابائه مما يؤكد اهمية العلم الوراثي في مقام الاحتجاج .
وهناك طرق اخرى يستلم الامام علومة بها مثل طريقة الواسطة التي بينة وبين الله كم اشارت بعض الروايات الواردة عنة عن وجود ( المحدث) وهو ملك عظيم رافق نبينا الخاتم ص ورافق امير المؤمنين وكل المعصومين الهداة وهذا مالايستطيع احد انكاره حتى من بقية المذاهب حيث وصفوا حسب اعتقادهم ان هناك بعض الصحابة ( محدثين) فلا ريب ان الائمة ثابت لهم ذالك بلدلالة العقلية والنقلية وهذة الطريقة يكون العلم ملازم لهم وقد اشارت بعض الروايات الى ذالك منها حين سؤل الامام الرضى عن سم ابيه موسى الكاظم (ع) في حين ان الامام يعلم كل شيئ فاجاب قائلا : ( غاب عنه المحدث ) اي انه ساعة قدم له الطعام المسموم غاب عنه المحدث .
وهناك طريقة اخرى وهذه الطريقة الثالثة هي بلا واسطة ويعني ذالك انة يأخذ علومة من الله تعالى مباشرة يقذفها الله في روعة فينطق لسانه بما علمه ربه والالهام سريع جدا لذا ترى ان المؤمنين بهم يكفيهم ان ينطق الامام يحرف واحد دونما سند ليؤمنوا به وياخذوه كحجة لذلك تسمع من الروايات ان الامة الاسلامية ستواجه الامام المهدي قائلين من اين جئت بهذا ومن هنا ورد في الخبر عنهم ع (انه يأتي يأمر جديد على العرب شديد) في حين ان اصحابه ومواليه يؤمنون بكل ما ينطق به وهي نفس عقيدتهم بالرسول ص (لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحا) .
والعلم الذي نحن بصدده في زيادة مستمرة مما يسبب في تكامل الامام .أنه ورد في الأخبار أن الله تعالى قد يحجب الالهام عن الالمام (ع) متى شاء . فمن ذلك : ما أخرجه الكُليني في الكافي (1) بسنده عن الإمام الباقر (ع) أنه قال : يبسط لنا العلم فنعمل ، ويقبض عنا فلا نعمل . ومعه فمن المحتمل ـ على أقل تقدير ـ أن تكون بعض القوانين العليا أو الكلية للتاريخ ، يحجب الالهام بها عن الإمام المهدي (ع) لكي يعيشها في الحياة ،ويستنتجها عن طريق التجارب الحسية المباشرة لتطورات التاريخ .
إن هذه القاعدة : إذا أراد الإمام أن يعلم أعلمه الله ذلك ، التي نطقت بها الأخبار ، بالرغم من عمقها وسعتها ، وأفضلية الواجد لها على كل الآخرين . إلا أنه ـ مع ذلك ـ لا ينبغي المبالغة في نتائجها .
فإن فيها نقطة ضعف رئيسية ، وهي تعليقها على الإرادة ،فإن الإمام إذا أراد أن يعلم أعلمه الله تعالى ، وأما إذا لم يرد أن يعلم فإن إعلام الله تعالى له لا يتحقق . فإذا استطعنا أن نضم إلى هذه القاعدة أمرين آخرين استطعنا أن نعرف كيف أنه لا ينبغي المبالغة في نتائجها .
الأمر الأول:
إن الإمام عليه السلام ، بالرغم مما يستدل عليه في الفلسفة من استحالة الغفلة عليه ... لا يمكن الالتزام بكونه ملتفتاً إلى كل الأمور في الكون دفعة واحدة. فإن ذلك من خصائص الله عز وجل وحده .ولا يقوم ذلك البرهان بإثباته.
إذن فالغفلة ، بهذا المعنى ضرورية الثبوت للإمام بلا إشكال. ومع الغفلة لا يمكن أن يريد أن يعلم . فإن إرادة العلم تتوقف على الالتفات لا محالة ، وبدونه لا معنى لهذه الإرادة.
فإذا لم يرد الإمام أن يعلم ، لا تنطبق هذه القاعدة بطبيعة الحال ، وإعلام الله تعالى إياه لا يتحقق .
الأمر الثاني :
المظنون جداً ، ارتباط هذه القاعدة بالموارد الجزئية ،والحوادث المتجددة ، ففي كل حادث معين إذا لم يجد الإمام (ع) حلاً لمشكلته وأراد أن يعلم ذلك أعلمه الله تعالى إياه . وأما شمول هذه القاعدة لعمومات واسعة ، كالعلم بكل شيء أو بكل الحوادث في الأرض أو بكل التاريخ البشري مثلاً ، فمن المستبعد جداً أن الإمام يطلب من الله تعالى العلم بذلك دفعة واحدة . والمدلول العام للقاعدة الذي يعطيه سياقها ، يأبى شمولها لمثل ذلك .
فإذا تمّ هذا الأمران ، كان من المتعين للمهدي (ع) حين تتعلق المصلحة بإطلاعه على القوانين العامة للتاريخ ، أن يعيش هذا التاريخ ، وينظر تفاصيل حوادثه وترابطها وتسلسلها ، لكي يستنتج ، هو بفكره الثاقب وبالالهامات المتتابعة في كل واقعة ، ما يمكن التوصل إليه من هذه القوانين.
السبب الثالث :
من أسباب تكامل الإمام المهدي (ع) ،في تكامل ما بعد العصمة ... خلال غيبته : ما يقوم به عليه السلام من أعمال وتضحيات اختيارية في سبيل الإسلام والمسلمين .
ويتم الاطلاع على ذلك بعد ثبوت مقدمتين سبق أن عرفناهما :
المقدمة الأولى :
إن الفعل الاختياري للفرد يسعى به إلى الكمال والأكمل ، حسب مرتبته السابقة من الكمال . وقد سبق أن سميناه في تكامل ما قبل العصمة بالتمحيص الاختياري . فإن كان قائداً عالمياً ، معصوماً ، كان الكمال الذي يحوزه بتضحياته التي تكبر وتتسع تبعاً لاتساع مسؤولياته ... عظيماً وجليلاً .
المقدمة الثانية :
إن الإمام المهدي (ع) كما طرحه السيد الشهيد محمد الصدر في موسوعة الامام المهدي ع (اطروحة خفاء العنوان) ج2 تاريخ الغيبة المبرى ، يقوم بالعمل في مصلحة الإسلام والمسلمين ، ضن شرائط عرفناها .
ينتج من هاتين المقدمتين ، إن ما يقدمه المهدي (ع) من أعمال في سبيل الله والإسلام ، يكون سبباً في تكامله المستمر ، من الكامل إلى الأكمل ، وخاصة فيما يعود إلى القرب الالهي والرقيّ المعنوي .
فإن قال قائل : إن ما يقوم به من هذه الأعمال ، هينة وقليلة بالنسبة إلى منزلته العليا ... بحيث لا تكاد تسبب له التكامل .
قلنا في جوابه : أولاً : أننا لو سلمنا ضآلة هذه الأعمال ، بالنسبة إليه ، لا نستطيع أن ننفي تكامله بمقدارها .... وإن أوجبت له تصاعداً قليلاً في درجات الكمال ... بعد أن عرفنا أن التضحيات الاختيارية سبب للتكامل على أي حال
ثانياً : إن الأعمال التي يقوم بها المهدي (ع) ليست بالقليلة ولا الهينة ، كيف وقد يتوفق عليها حفظ المجتمع الإسلامي ، ودفع البلاء عن المسلمين . وقد سبق أن سمعنا في رسالته التي أرسلها إلى الشيخ المفيد ، برواية الطبرسي في الاحتجاج (1) : أنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطملكم الاعداء .
فهذه الاعمال ، بالرغم من ضآلتها النسبية لو قيست بأعمال يوم الظهور ... إلا أنها ذات أثر عظيم في نفس الوقت ،في إيجاد التكامل . وما يناله من الكمال تابع للنتائج التي يصل إليها ، لا الأسلوب الذي يقوم به . كما هو الحال في كل فرد عامل في سبيل الحق ، بل في كل عمل على الإطلاق ، فإنه تقاس الأعمال بالنتائج لا بالمقدمات .
وأشد هذه الأدلة صراحة ما أخرجه الكليني في الكافي (1) بسند صحيح عن الامام الباقر (ع) أنه قال : لولا انا نزداد، لنفذنا . ومثله أخبار أخرى عن الامام الصادق والهادي عليهما السلام بسندين آخرين
وفي خبر آخر عن ابي جعفر الباقر )ع) انه قال : لولا انا نزداد لانفذنا . قال الراوي : قلت : تزدادون شيئاً لا يعلمه رسول الله (ص) . قال : اما انه إذا كان ذلك عرض على رسول الله (ص) ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر الينا .
وعقد الكليني (2) أيضاً باب بعنوان : ان الأئمة (ع) يزدادون في كل ليلة جمعة
وأورد فيها ثلاثة أحاديث ، مما يدل على ذلك . وفيها التصريح باستفادة علم جديد عن طريق الالهام ، وهو السبب الأول للتكامل الذي ذكرناه . وفيه التعبير بقوله : ولولا ذلك لانفدنا . وبقوله : لولا ذلك لنفد ما عندي .
ولفهم هذا النفاد المشار اليه في هذه الأخبار أطروحتان :
الأطروحة الأولى :
ان هذا النفاد ناشئ من الأعمال العظام والتضحيات الجسام التي يقوم بها الامام طبقاً لمسؤولياته العظمى . فانها توجب تضاؤل الطاقة المختزنة فيه ، لولا التوفيق الالهي للتكامل .
__________________
ان هذا النفاد ناشيء من مواجهة المشاكل المستجدة التي لا تكفي القابليات السابقة للامام لتغطية حلولها وتذليل مشاكلها ، مما يجعل الدعوة الالهية متوقفة على ازدياد الامام وتلقيه للالهام .
ويمكن أن تصبح هاتان الأطروحتان ، بعد تدقيقهما ، وجهاً واحداً مشتركاً لتفسير هذا الأمر ، لا حاجة إلى الدخول في تفاصيله .
وعلى أي حال ، فقد دلت هذه الأخبار ، بكل صراحة ، على تكامل الامام وتزايده المستمر ، من تكامل ما بعد العصمة . لوضوح ان المراتب المسبقة لهذا الكمال ، تمثل درجة العصمة بأحسن صورها ، طبقاً للفهم الامامي الذي انطلقت منه هذه الأخبار .. فكيف بالتكامل الجديد الذي يحصلون عليه .
ويمكن ان يستفاد ذلك من القرآن الكريم ، الذي يحصلون عليه .
منها : قوله تعالى مخاطباً نبيه العظيم : وقل رب زدني علماً (1) . وهو صريح بما نريد التوصل اليه ، من حيث أن النبي (ص) خير البشر وأعلمهم ، ولكنه مع ذلك قابل للزيادة في العلم .
منها : قوله تعالى : وإذ قال إبراهيم : رب ارني كيف تحي الموتى . قال : أولم تؤمن ؟ قال : بلى : ولكن ليطئمن قبلي . قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ، ثم اجعل كل جبل منهن جزءا يأتينك سعيا ، واعلم ان الله عزيز حكيم (2) .
فان ابراهيم عليه السلام ، ازداد بعد هذه الحادثة اطمئنانا ويقينا ، وتزايد في مراتب التكامل العليا ، بكل وضوح . فان الهدف منها لم يكن سوى حصول الاطمئنان . قود تحقق الهدف بعد وقوعها .
ومنها قوله تعالى : ﴿ وإن يونس لمن المرسلين اذ ابق إلى الفلك المشحون ، فساهم فكان من المدحضين ، فالتقمه الحوت وهو مليم . فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ (3) . فقد أوجب تسبيحه في بطن الحوت له كمالا استحق به النجاة من هذا السجن الذي كان يقدر له التأبيد لو لم ينل هذا الكمال بالتضرع إلى الله تعالى والعمل الاختياري في التقرب اليه عز وجل .
_______ومنها : قوله تعالى : "ونادى نوح ربه فقال : رب ابني من أهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين . قال : يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح ، فلاتسْألْنِ ما ليس لك به علم . اني اعظك ان تكون من الجاهلين . قال : رب ، اعوذ بك ان أسألك ما ليس لي به علم . والا تغفر لي وترحمني أكن من
الخاسرين "(1) .
فانه لا شك ان نوح عليه السلام ازداد بعد وعظ الله عز وجل اياه وتعليمه له ، ازداد كمالا عما كان عليه قبل ذلك ، واذ تنتج هذه الزيادة الجديدة ، فانها تسير مع سائر التضحيات في سبيل الدعوة الالهية ، بما فيها الاستغناء عن الولد ، اذا كان عملا غير صالح ، وعضوا فاسدا في التخطيط الالهي . ومن هنا نسمعه يقول : "رب أعوذ بك أن أسألك ما ليس بك علم " .
ومنها قوله تعالى : "وان كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره . واذن لاتَّخذوك خليلا . ولولا ان ثبتناك ، لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا ، اذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ، ثم لا تجد علينا نصيرا " (2) .
فان الآية ، وان كانت دالة على ان النبي (ص) لم يركن ، إلى الكفار ، ولم يقارب الركون اصلا ، باعتبار جعل ذلك في جواب لولا الامتناعية .. الا انها تدل – بكل وضوح - : ان عدم الركون ناشئ من التثبيت الالهي ، ذلك التثبيت الذي ازداد به النبي (ص) كمالا إلى كماله العظيم . ولولا ذلك لكان الكمال السابق على التثبيت غير مانع من مقارنة الركون . ومن هنا اقتضت مصلحة الدعوة الالهية ، افاضة هذا التثبيت عليه صلى الله عليه وآله , إلى غير ذلك من الموارد والآيات في القرآن الكريم .
_________________________
(1) هود : 11/46-47 . (2) الاسراء : 17/73-75 .
وبذلك نستطيع – بكل وضوح – ان ننفي نقاط الضعف والذنوب عن الانبياء ، كما يريد المنحرفون أن يفهموه من القرآن الكريم . فانه بعيد كل البعد عن ذلك ، وانما هو من التسامي من كمالٍ عظيمٍ إلى اعظم ، من تكامل ما بعد العصمة . مع توفر قابلية القيادة الكبرى، في الدرجة السابقة من الكمال ، فضلا عن المراتب العليا منها . وللتوسع في الكمال عن هذا الموضوع مجال آخر في العقائد الاسلامية .
وعلى اي حال ، فقد ثبت بالكتاب الكريم والسنة الشريفة ، وجود التكامل ، بل ضرورته للدعوة الالهية ، بالنسبة إلى كل من أُوْكِلَ اليه قيادة العالم من الانبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام اجمعين .
الجانب الثالث :
في تطبيق هذه القاعدة على المهدي (ع) بعد ثبوتها بالادلة الاسلامية .. وبه نتبين دخالة الغيبة في التخطيط الالهي، بشكل اكيد وشديد ، لا يمكن التخلي عن افتراض في طريق كمال التطبيق في اليوم الموعود .
والمتحصل مما سبق ، هو انه عليه السلام يتكامل – بعد العصمة – خلال غيبته ، بعدة اسباب :
السبب الأول :
الالهام بالمعنى الذي قلنا بصحته ، ودلت الاخبار على وجوده . فلئن كان آباؤه عليهم السلام يتكاملون في كل ليلة جمعة ، خلال عدد محدود من السنين ، فهو يتكامل خلال عدد غير محدود ، يصل إلى عدة مئات ، بل قد يصل إلى الآلاف من السنين .. من يدري ؟ .. ومعه تكون النتيجة أكبر وأضخم من النتائج التي وصل اليها آاؤه عليهم السلام في اثناء حياتهم .
فان قيل : بانه يلزم من ذلك كون الامام المهدي (ع) خيراً من آبائه ، وهو خلاف الادلة الدالة على ان الأئمة المعصومين من نور واحد ، وانهم متساوون في الفضل ليس فيهم أفضل سوى أمير المؤمنين (ع) وصي رسول الله (ص) .
قلنا يمكن الجواب على ذلك بجوابين :
الجواب الأول :
أنه لا خير في ذلك . فليكن المهدي (ع) أفضل من آبائه ، باعتبار أن التخطيط الالهي منعقد بإيكال اليوم الإلهي الموعود دونهم .
وقد دلت على ذلك الروايات ، ولعل اوضحها الخبر السابق الذي اخرجه النعماني في الغيبة (1) عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام حين سئل : هل ولد القائم ؟ فقال : لا ولو ادركته لخدمته ايام حياتي .
وفي حديث آخر (2) عن الريان بن الصلت قال : للرضا عليه السلام : انت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : انا صاحب هذا الأمر ، ولكني لست بالذي أملؤها عدلا كما ملئت جورا . وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني . وان القائم هو الذي اذا خرج كان في في سن الشيوخ ومنظر الشبان .. الحديث .
واما الادلة المشار اليها الدالة على تساوي الأئمة (ع) فيمكن ان تحمل على تساويهم في الامامة ، أو في قابليتهم للقيادة العالمية بغض النظر عن تكامل ما بعد العصمة . كما يمكن ان يستثنى منها المهدي (ع) بالخصوص نظرا إلى هذه الادلة الاخرى .
الجواب الثاني :
انه لا يلزم مما افضلية المهدي (ع) على آبائه ، خلافا لما تخيله السائل ، ولما قلناه في الجواب الأول .
وذلك : لان نفس تلك الروايات دلت على ان كل ما يحصل عليه امام متأخر من الكمال ، يعطيه الله تعالى لكل الأئمة المتقدمين عليه ولرسول الله (ص) أيضاً وقد سبق أن سمعنا قول الإمام الباقر (ع) – في حديث- : أما أنه إذا كان ذلك عرض على رسول الله (ص) ثم الأئمة ثم انتهى الأمر إلينا .
وفي خبر آخر للكُليني في الكافي (3) عن أبيعبدالله (ع) انه قال : ليس يخرج شيء من عند الله عز وجل ، حتى يبدأ برسول الله (ص) ، ثم بامير المؤمنين صلوات الله عليه . ثم بواحد بعد واحد ، لكي لا يكن آخرنا اعلم من اولنا .
_______________________
نريد ان نبين في هذه الاسطر البعد المعرفي والتكاملي للأمام المهدي ونقصد به ابداعاته العلمية والمعرفية الللا متناهيه ونقصد من ذالك علومه ومعارفه .
ان الامام ( ع) هو وريث التركة العظيمة لمدينة العلم وهو رسول الله والباب الوحيدة لهذه المدينة وهو امير المؤمنين (ع)وهذا يعني ن هذه العلم وراثي
يرثه الامام عن ابيه عن جده ، بطريقة السلسلة الذهبية ولا يخفى عليكم ان اعلم الانبياء هو النبي الخاتم (ص) والعلم الوراثي عند المعصومين ليس هو كل شي ، فكما ان طالب العلم في المدرسة لا يدرس كل المواد
بدرس واحد ولا بطريقة واحدة فان الامام يعطى العلوم بعده طرق كما سيتبين لنا ذالك . فالعلم الوراثي الذي يرثه الامام يعد بمثابة القاعده والمقدمة لبقية العلوم فهو شيئ اساسي وعليه يستند في الطرق الاخرى وهو بحد ذاته اعجاز فهو محصور بألائمه المعصومين ع ، وطريقه الميراث تشبه ميراث الاموال والاملاك من حيث عدم النقيصه ولاكن قابل للزياده ولو انه عليه السلام لو عمله فقط بهذه التركه لاداره شؤن العالمين لكفى فما بالك ببقيه علومه .
ان ميراث العلم استعمله اغلب الائمة في اقامة الحجج على خصومهم فترى ان الامام يقول عن ابي عن جدي عن رسول الله (ص) في مقام الاحتجاج لمن لا يؤمن بحجية الامام بينما ترى ان اتباعه يكفيهم ان يتحدث اليهم الامام بأي حديث دون ان يسند الحديث الى ابائه مما يؤكد اهمية العلم الوراثي في مقام الاحتجاج .
وهناك طرق اخرى يستلم الامام علومة بها مثل طريقة الواسطة التي بينة وبين الله كم اشارت بعض الروايات الواردة عنة عن وجود ( المحدث) وهو ملك عظيم رافق نبينا الخاتم ص ورافق امير المؤمنين وكل المعصومين الهداة وهذا مالايستطيع احد انكاره حتى من بقية المذاهب حيث وصفوا حسب اعتقادهم ان هناك بعض الصحابة ( محدثين) فلا ريب ان الائمة ثابت لهم ذالك بلدلالة العقلية والنقلية وهذة الطريقة يكون العلم ملازم لهم وقد اشارت بعض الروايات الى ذالك منها حين سؤل الامام الرضى عن سم ابيه موسى الكاظم (ع) في حين ان الامام يعلم كل شيئ فاجاب قائلا : ( غاب عنه المحدث ) اي انه ساعة قدم له الطعام المسموم غاب عنه المحدث .
وهناك طريقة اخرى وهذه الطريقة الثالثة هي بلا واسطة ويعني ذالك انة يأخذ علومة من الله تعالى مباشرة يقذفها الله في روعة فينطق لسانه بما علمه ربه والالهام سريع جدا لذا ترى ان المؤمنين بهم يكفيهم ان ينطق الامام يحرف واحد دونما سند ليؤمنوا به وياخذوه كحجة لذلك تسمع من الروايات ان الامة الاسلامية ستواجه الامام المهدي قائلين من اين جئت بهذا ومن هنا ورد في الخبر عنهم ع (انه يأتي يأمر جديد على العرب شديد) في حين ان اصحابه ومواليه يؤمنون بكل ما ينطق به وهي نفس عقيدتهم بالرسول ص (لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحا) .
والعلم الذي نحن بصدده في زيادة مستمرة مما يسبب في تكامل الامام .أنه ورد في الأخبار أن الله تعالى قد يحجب الالهام عن الالمام (ع) متى شاء . فمن ذلك : ما أخرجه الكُليني في الكافي (1) بسنده عن الإمام الباقر (ع) أنه قال : يبسط لنا العلم فنعمل ، ويقبض عنا فلا نعمل . ومعه فمن المحتمل ـ على أقل تقدير ـ أن تكون بعض القوانين العليا أو الكلية للتاريخ ، يحجب الالهام بها عن الإمام المهدي (ع) لكي يعيشها في الحياة ،ويستنتجها عن طريق التجارب الحسية المباشرة لتطورات التاريخ .
إن هذه القاعدة : إذا أراد الإمام أن يعلم أعلمه الله ذلك ، التي نطقت بها الأخبار ، بالرغم من عمقها وسعتها ، وأفضلية الواجد لها على كل الآخرين . إلا أنه ـ مع ذلك ـ لا ينبغي المبالغة في نتائجها .
فإن فيها نقطة ضعف رئيسية ، وهي تعليقها على الإرادة ،فإن الإمام إذا أراد أن يعلم أعلمه الله تعالى ، وأما إذا لم يرد أن يعلم فإن إعلام الله تعالى له لا يتحقق . فإذا استطعنا أن نضم إلى هذه القاعدة أمرين آخرين استطعنا أن نعرف كيف أنه لا ينبغي المبالغة في نتائجها .
الأمر الأول:
إن الإمام عليه السلام ، بالرغم مما يستدل عليه في الفلسفة من استحالة الغفلة عليه ... لا يمكن الالتزام بكونه ملتفتاً إلى كل الأمور في الكون دفعة واحدة. فإن ذلك من خصائص الله عز وجل وحده .ولا يقوم ذلك البرهان بإثباته.
إذن فالغفلة ، بهذا المعنى ضرورية الثبوت للإمام بلا إشكال. ومع الغفلة لا يمكن أن يريد أن يعلم . فإن إرادة العلم تتوقف على الالتفات لا محالة ، وبدونه لا معنى لهذه الإرادة.
فإذا لم يرد الإمام أن يعلم ، لا تنطبق هذه القاعدة بطبيعة الحال ، وإعلام الله تعالى إياه لا يتحقق .
الأمر الثاني :
المظنون جداً ، ارتباط هذه القاعدة بالموارد الجزئية ،والحوادث المتجددة ، ففي كل حادث معين إذا لم يجد الإمام (ع) حلاً لمشكلته وأراد أن يعلم ذلك أعلمه الله تعالى إياه . وأما شمول هذه القاعدة لعمومات واسعة ، كالعلم بكل شيء أو بكل الحوادث في الأرض أو بكل التاريخ البشري مثلاً ، فمن المستبعد جداً أن الإمام يطلب من الله تعالى العلم بذلك دفعة واحدة . والمدلول العام للقاعدة الذي يعطيه سياقها ، يأبى شمولها لمثل ذلك .
فإذا تمّ هذا الأمران ، كان من المتعين للمهدي (ع) حين تتعلق المصلحة بإطلاعه على القوانين العامة للتاريخ ، أن يعيش هذا التاريخ ، وينظر تفاصيل حوادثه وترابطها وتسلسلها ، لكي يستنتج ، هو بفكره الثاقب وبالالهامات المتتابعة في كل واقعة ، ما يمكن التوصل إليه من هذه القوانين.
السبب الثالث :
من أسباب تكامل الإمام المهدي (ع) ،في تكامل ما بعد العصمة ... خلال غيبته : ما يقوم به عليه السلام من أعمال وتضحيات اختيارية في سبيل الإسلام والمسلمين .
ويتم الاطلاع على ذلك بعد ثبوت مقدمتين سبق أن عرفناهما :
المقدمة الأولى :
إن الفعل الاختياري للفرد يسعى به إلى الكمال والأكمل ، حسب مرتبته السابقة من الكمال . وقد سبق أن سميناه في تكامل ما قبل العصمة بالتمحيص الاختياري . فإن كان قائداً عالمياً ، معصوماً ، كان الكمال الذي يحوزه بتضحياته التي تكبر وتتسع تبعاً لاتساع مسؤولياته ... عظيماً وجليلاً .
المقدمة الثانية :
إن الإمام المهدي (ع) كما طرحه السيد الشهيد محمد الصدر في موسوعة الامام المهدي ع (اطروحة خفاء العنوان) ج2 تاريخ الغيبة المبرى ، يقوم بالعمل في مصلحة الإسلام والمسلمين ، ضن شرائط عرفناها .
ينتج من هاتين المقدمتين ، إن ما يقدمه المهدي (ع) من أعمال في سبيل الله والإسلام ، يكون سبباً في تكامله المستمر ، من الكامل إلى الأكمل ، وخاصة فيما يعود إلى القرب الالهي والرقيّ المعنوي .
فإن قال قائل : إن ما يقوم به من هذه الأعمال ، هينة وقليلة بالنسبة إلى منزلته العليا ... بحيث لا تكاد تسبب له التكامل .
قلنا في جوابه : أولاً : أننا لو سلمنا ضآلة هذه الأعمال ، بالنسبة إليه ، لا نستطيع أن ننفي تكامله بمقدارها .... وإن أوجبت له تصاعداً قليلاً في درجات الكمال ... بعد أن عرفنا أن التضحيات الاختيارية سبب للتكامل على أي حال
ثانياً : إن الأعمال التي يقوم بها المهدي (ع) ليست بالقليلة ولا الهينة ، كيف وقد يتوفق عليها حفظ المجتمع الإسلامي ، ودفع البلاء عن المسلمين . وقد سبق أن سمعنا في رسالته التي أرسلها إلى الشيخ المفيد ، برواية الطبرسي في الاحتجاج (1) : أنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطملكم الاعداء .
فهذه الاعمال ، بالرغم من ضآلتها النسبية لو قيست بأعمال يوم الظهور ... إلا أنها ذات أثر عظيم في نفس الوقت ،في إيجاد التكامل . وما يناله من الكمال تابع للنتائج التي يصل إليها ، لا الأسلوب الذي يقوم به . كما هو الحال في كل فرد عامل في سبيل الحق ، بل في كل عمل على الإطلاق ، فإنه تقاس الأعمال بالنتائج لا بالمقدمات .
وأشد هذه الأدلة صراحة ما أخرجه الكليني في الكافي (1) بسند صحيح عن الامام الباقر (ع) أنه قال : لولا انا نزداد، لنفذنا . ومثله أخبار أخرى عن الامام الصادق والهادي عليهما السلام بسندين آخرين
وفي خبر آخر عن ابي جعفر الباقر )ع) انه قال : لولا انا نزداد لانفذنا . قال الراوي : قلت : تزدادون شيئاً لا يعلمه رسول الله (ص) . قال : اما انه إذا كان ذلك عرض على رسول الله (ص) ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر الينا .
وعقد الكليني (2) أيضاً باب بعنوان : ان الأئمة (ع) يزدادون في كل ليلة جمعة
وأورد فيها ثلاثة أحاديث ، مما يدل على ذلك . وفيها التصريح باستفادة علم جديد عن طريق الالهام ، وهو السبب الأول للتكامل الذي ذكرناه . وفيه التعبير بقوله : ولولا ذلك لانفدنا . وبقوله : لولا ذلك لنفد ما عندي .
ولفهم هذا النفاد المشار اليه في هذه الأخبار أطروحتان :
الأطروحة الأولى :
ان هذا النفاد ناشئ من الأعمال العظام والتضحيات الجسام التي يقوم بها الامام طبقاً لمسؤولياته العظمى . فانها توجب تضاؤل الطاقة المختزنة فيه ، لولا التوفيق الالهي للتكامل .
__________________
ان هذا النفاد ناشيء من مواجهة المشاكل المستجدة التي لا تكفي القابليات السابقة للامام لتغطية حلولها وتذليل مشاكلها ، مما يجعل الدعوة الالهية متوقفة على ازدياد الامام وتلقيه للالهام .
ويمكن أن تصبح هاتان الأطروحتان ، بعد تدقيقهما ، وجهاً واحداً مشتركاً لتفسير هذا الأمر ، لا حاجة إلى الدخول في تفاصيله .
وعلى أي حال ، فقد دلت هذه الأخبار ، بكل صراحة ، على تكامل الامام وتزايده المستمر ، من تكامل ما بعد العصمة . لوضوح ان المراتب المسبقة لهذا الكمال ، تمثل درجة العصمة بأحسن صورها ، طبقاً للفهم الامامي الذي انطلقت منه هذه الأخبار .. فكيف بالتكامل الجديد الذي يحصلون عليه .
ويمكن ان يستفاد ذلك من القرآن الكريم ، الذي يحصلون عليه .
منها : قوله تعالى مخاطباً نبيه العظيم : وقل رب زدني علماً (1) . وهو صريح بما نريد التوصل اليه ، من حيث أن النبي (ص) خير البشر وأعلمهم ، ولكنه مع ذلك قابل للزيادة في العلم .
منها : قوله تعالى : وإذ قال إبراهيم : رب ارني كيف تحي الموتى . قال : أولم تؤمن ؟ قال : بلى : ولكن ليطئمن قبلي . قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ، ثم اجعل كل جبل منهن جزءا يأتينك سعيا ، واعلم ان الله عزيز حكيم (2) .
فان ابراهيم عليه السلام ، ازداد بعد هذه الحادثة اطمئنانا ويقينا ، وتزايد في مراتب التكامل العليا ، بكل وضوح . فان الهدف منها لم يكن سوى حصول الاطمئنان . قود تحقق الهدف بعد وقوعها .
ومنها قوله تعالى : ﴿ وإن يونس لمن المرسلين اذ ابق إلى الفلك المشحون ، فساهم فكان من المدحضين ، فالتقمه الحوت وهو مليم . فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾ (3) . فقد أوجب تسبيحه في بطن الحوت له كمالا استحق به النجاة من هذا السجن الذي كان يقدر له التأبيد لو لم ينل هذا الكمال بالتضرع إلى الله تعالى والعمل الاختياري في التقرب اليه عز وجل .
_______ومنها : قوله تعالى : "ونادى نوح ربه فقال : رب ابني من أهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين . قال : يا نوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح ، فلاتسْألْنِ ما ليس لك به علم . اني اعظك ان تكون من الجاهلين . قال : رب ، اعوذ بك ان أسألك ما ليس لي به علم . والا تغفر لي وترحمني أكن من
الخاسرين "(1) .
فانه لا شك ان نوح عليه السلام ازداد بعد وعظ الله عز وجل اياه وتعليمه له ، ازداد كمالا عما كان عليه قبل ذلك ، واذ تنتج هذه الزيادة الجديدة ، فانها تسير مع سائر التضحيات في سبيل الدعوة الالهية ، بما فيها الاستغناء عن الولد ، اذا كان عملا غير صالح ، وعضوا فاسدا في التخطيط الالهي . ومن هنا نسمعه يقول : "رب أعوذ بك أن أسألك ما ليس بك علم " .
ومنها قوله تعالى : "وان كادوا ليفتنوك عن الذي أوحينا اليك لتفتري علينا غيره . واذن لاتَّخذوك خليلا . ولولا ان ثبتناك ، لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا ، اذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ، ثم لا تجد علينا نصيرا " (2) .
فان الآية ، وان كانت دالة على ان النبي (ص) لم يركن ، إلى الكفار ، ولم يقارب الركون اصلا ، باعتبار جعل ذلك في جواب لولا الامتناعية .. الا انها تدل – بكل وضوح - : ان عدم الركون ناشئ من التثبيت الالهي ، ذلك التثبيت الذي ازداد به النبي (ص) كمالا إلى كماله العظيم . ولولا ذلك لكان الكمال السابق على التثبيت غير مانع من مقارنة الركون . ومن هنا اقتضت مصلحة الدعوة الالهية ، افاضة هذا التثبيت عليه صلى الله عليه وآله , إلى غير ذلك من الموارد والآيات في القرآن الكريم .
_________________________
(1) هود : 11/46-47 . (2) الاسراء : 17/73-75 .
وبذلك نستطيع – بكل وضوح – ان ننفي نقاط الضعف والذنوب عن الانبياء ، كما يريد المنحرفون أن يفهموه من القرآن الكريم . فانه بعيد كل البعد عن ذلك ، وانما هو من التسامي من كمالٍ عظيمٍ إلى اعظم ، من تكامل ما بعد العصمة . مع توفر قابلية القيادة الكبرى، في الدرجة السابقة من الكمال ، فضلا عن المراتب العليا منها . وللتوسع في الكمال عن هذا الموضوع مجال آخر في العقائد الاسلامية .
وعلى اي حال ، فقد ثبت بالكتاب الكريم والسنة الشريفة ، وجود التكامل ، بل ضرورته للدعوة الالهية ، بالنسبة إلى كل من أُوْكِلَ اليه قيادة العالم من الانبياء والمرسلين والأئمة عليهم السلام اجمعين .
الجانب الثالث :
في تطبيق هذه القاعدة على المهدي (ع) بعد ثبوتها بالادلة الاسلامية .. وبه نتبين دخالة الغيبة في التخطيط الالهي، بشكل اكيد وشديد ، لا يمكن التخلي عن افتراض في طريق كمال التطبيق في اليوم الموعود .
والمتحصل مما سبق ، هو انه عليه السلام يتكامل – بعد العصمة – خلال غيبته ، بعدة اسباب :
السبب الأول :
الالهام بالمعنى الذي قلنا بصحته ، ودلت الاخبار على وجوده . فلئن كان آباؤه عليهم السلام يتكاملون في كل ليلة جمعة ، خلال عدد محدود من السنين ، فهو يتكامل خلال عدد غير محدود ، يصل إلى عدة مئات ، بل قد يصل إلى الآلاف من السنين .. من يدري ؟ .. ومعه تكون النتيجة أكبر وأضخم من النتائج التي وصل اليها آاؤه عليهم السلام في اثناء حياتهم .
فان قيل : بانه يلزم من ذلك كون الامام المهدي (ع) خيراً من آبائه ، وهو خلاف الادلة الدالة على ان الأئمة المعصومين من نور واحد ، وانهم متساوون في الفضل ليس فيهم أفضل سوى أمير المؤمنين (ع) وصي رسول الله (ص) .
قلنا يمكن الجواب على ذلك بجوابين :
الجواب الأول :
أنه لا خير في ذلك . فليكن المهدي (ع) أفضل من آبائه ، باعتبار أن التخطيط الالهي منعقد بإيكال اليوم الإلهي الموعود دونهم .
وقد دلت على ذلك الروايات ، ولعل اوضحها الخبر السابق الذي اخرجه النعماني في الغيبة (1) عن ابي عبدالله الصادق عليه السلام حين سئل : هل ولد القائم ؟ فقال : لا ولو ادركته لخدمته ايام حياتي .
وفي حديث آخر (2) عن الريان بن الصلت قال : للرضا عليه السلام : انت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : انا صاحب هذا الأمر ، ولكني لست بالذي أملؤها عدلا كما ملئت جورا . وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني . وان القائم هو الذي اذا خرج كان في في سن الشيوخ ومنظر الشبان .. الحديث .
واما الادلة المشار اليها الدالة على تساوي الأئمة (ع) فيمكن ان تحمل على تساويهم في الامامة ، أو في قابليتهم للقيادة العالمية بغض النظر عن تكامل ما بعد العصمة . كما يمكن ان يستثنى منها المهدي (ع) بالخصوص نظرا إلى هذه الادلة الاخرى .
الجواب الثاني :
انه لا يلزم مما افضلية المهدي (ع) على آبائه ، خلافا لما تخيله السائل ، ولما قلناه في الجواب الأول .
وذلك : لان نفس تلك الروايات دلت على ان كل ما يحصل عليه امام متأخر من الكمال ، يعطيه الله تعالى لكل الأئمة المتقدمين عليه ولرسول الله (ص) أيضاً وقد سبق أن سمعنا قول الإمام الباقر (ع) – في حديث- : أما أنه إذا كان ذلك عرض على رسول الله (ص) ثم الأئمة ثم انتهى الأمر إلينا .
وفي خبر آخر للكُليني في الكافي (3) عن أبيعبدالله (ع) انه قال : ليس يخرج شيء من عند الله عز وجل ، حتى يبدأ برسول الله (ص) ، ثم بامير المؤمنين صلوات الله عليه . ثم بواحد بعد واحد ، لكي لا يكن آخرنا اعلم من اولنا .
_______________________