المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوب تقليد الاعلم ... لسماحة الاستاذ العلامة الشيخ فاضل البديري


السيد الكربلائي
31-10-2011, 09:37 AM
دليل تقليد الفقيه الأعلم

http://c.shia4up.net/uploads/13196443021.jpg

استجابة لالتماس بعض الأخوة المؤمنين من فضلاء الحوزة العلمية في اعطاء الدليل على وجوب تقليد الأعلم من الفقهاء.فها أنا ساستعرض هذه الأدلة المهمة...
ولكن قبل ذلك فلابد لي من تعريف الأعلمية على مذاقنا: فأقول: الأعلمية هي صفة من كان الأجود والأدق في فهم الضوابط الشارعية وقوانينه أصلاً وحدوثاً وتحديداً وسعة وضيقاً وأكثر عمقاً في إقتناص الكبريات وتطبيقها على الصغريات وتفريع الفروع من الأصول، فالأعلم هو الذي يكون أجود فهماً للأخبار والآثار وأشد إحاطة بمذاق الشارع الأقدس وأدق إنتهاءً الى بناءات الكتاب والسنة ، فهو من الذين رُزقوا فهم الإشارات في كلامه تبارك وتعالى وكلام أوليائه (صلوات الله عليهم) ولذا قالوا: (علينا الأصول وعليكم الفروع) فالأعلم هو من تكون فتواه أقرب الى إصابة الواقع، وليست الأعلمية هي كثرة الإستنباط الفعلية للأحكام الشرعية في الأبواب المتعددة أو الإطّلاع على كثرة المصادر وإن كان لها دخل واضح في تحقق الأعلمية إلاّ أنها ليست عينها، فاذن الأعلمية بهذا المعنى هي ملازِمة للأقربية للواقع بالملازمات البيّنة الواضحة وبها يتم المطلوب، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الدليل عند تعرّض المصنّف اليها .
ومن هذا نستفيد امراً مهماً وهو أن الأعلم هو الأعرف بمذاق الشارع الحكيم، وأدق نظراً ومأنوسية بتصرفات المعصوم (عليه السلام) فالنائب كلما كان أعرف بما يريده المنوب عنه كان أفضل في الرجوع اليه من غيره، وهذا لا يكون الا إذا أحاط بكل علومه وأجال النظر في لحن كلامه، حتى نأمن منه على ديننا وعلى الوصول بنا الى درجة الكمال المطلوبه.

إشكال ودفع

أما الإشكال: فهو إن تفسير الأعلم بهذا الشكل وأنه ممن تكون فتواه أقرب الى إصابة الواقع لا يمكن أن يطّلع عليه أحد إلاّ علام الغيوب، فالأعلمية متعذرة فيكون إشتراطها لغواً .
واما الدفع: فإن معرفة الأعلمية أمر سهل يسير لا يخفى على أهل الخبرة الذي يكون المرجع اليهم حصراً في تشخيصها، لأن الأعلمية من الموضوعات الفنية الصناعية التي تدور مدار الخبرة والممارسة، فالتباني العقلائي قد حكم في تشخيص مثل هذه الأمور الى من لهم القدرة على تمييز الخبير من غيره والأشد خبرة من غيره في مجال إعمال خبرته، فهم يستطيعون تمييز الأعرف بقواعد الأحكام والمدارك للمسألة والأكثر إطّلاعاً والأجود فهماً للأخبار والأدق في النظر والإستدلال، والأجود في تخريج الفروع على أصولها ، وفي تطبيق الكبريات على صغرياتها، وإذا حصل هذا الأمر فلابد من حصول لازمه البيّن الواضح وهو الأقربية للواقع، لأنه إذا كانت فتوى الأعلم بهذه المثابة من الدقة فهذا يعني أنها كاشفة بالكشف الشديد عن الواقع وعن حكم الله سبحانه وتعالى، ويكون هو الأعرف بمذاق الشارع والإمام (عليه السلام).

وبعد ذلك البيان نقول: إن أهم الأدلة وأقواها التي تجول في بالي والتي عليها أعتمد وهي حجة بيني وبين ربي ولم يسبقني أحد الى ترتيبها بهذا الشكل والإستعراض، وبالله الإستعانة:

أولاً: الحكمة المعلومة من العقل وهو التثبّت من الوصول الى معرفة الحكم الشرعي الى أكبر قدر ممكن، لأنه بعد توارد الأجيال وانقطاع المصدر التشريعي المجزوم به، فان الشارع الأقدس بعد علمه بذلك لابد وأن يسنّ قواعد توصلهم الى الحكم الشرعي وهي سن قواعد يتكفل أصول الفقه ببيانها، وهذا يعني لابدية تقليد الأعلم لأنه أعلم ببيان تلك القواعد من الأصول فيكون إخباره عن الحكم الشرعي أوضح في الذهن وأقرّ في القلب وأكثر أيصالاً للواقع.

ثانياً: التباني العقلائي المحقق غاية التحقيق والمبرم غاية الإبرام على رجوع الجاهل الى من هو أشد خبرة من الخبراء لإحراز الإصابة للواقع أو غلبة الإصابة للواقع لدى إختلاف الخبراء في درجة الخبرة قلّت المخالفة أم كثُرت، وأن السيرة العقلائية حاكمة بالرجوع الى افضل الخبراء إذا كان المورد من أمور الدنيا كصحة البدن وبناء منـزل، فكيف لا نحكم بالرجوع الى أفضل الخبراء إذا كان المورد من أمور الدين والوفاء بحق المولوية له سبحانه وتعالى، ولا مجال لإنكار هذا التباني ولا للوسوسة فيه، لأن الأعلم هو الأجود تفريعاً للفروع من أصولها والأشد إنتهاءً الى حكم الخطاب التشريعي فلا ريب في أن إصابته للواقع تكون غالبية، إذن ففرض الأعلمية هو فرض غلبة إصابة الواقع بالضرورة وإلاّ لخرج عن كونه أعلماً.

ثالثاً: إن العقل المُذعن بمولوية المولى يحكم بالحكم الإستقلالي الجزمي بلابدية الخروج عن عهدة تكاليف المولى المعلومة، وقد انحصر المؤمّن والمبرّئ في وجدان العقل بالتقليد كما قلنا سابقاً، لأن المؤمّن محصور في (القطع والضرورة والإحتياط والإجتهاد والتقليد) والقطع بالحكم الشرعي لا يتسنى للعامي، والضروريات قليلة جداً والإحتياط لا يراه العقل طريقاً مع وجود الطريق المنصوب من قِبل الشارع وهو التقليد أو الإجتهاد، والإجتهاد على خلاف الفرض، لأننا فرضناه عامياً فتعيّن التقليد بحقه، فيرى العقل إن فتوى الأعلم إذا خالفت فتوى العالم معنى ذلك أنها كسرت صولة حجية فتوى العالم فلا تكون لها طريقية للواقع والواقع كله مفتوح امام فتوى الأعلم، والمعروف إن الأمارة إذا أبتليت بانثلام الكاشفية سقطت عن الإعتبار والأمارية والحكائية عن الواقع، وعليه فان العقل يحكم حكماً جزمياً بقبحية ترك تقليد الأعلم واللجوء الى تقليد غير الأعلم.

رابعاً: الإجماع المدّعى من قِبل السيد المرتضى والشيخ المحقق الثاني، فهو وإن كان إجماعاً مدركياً أعني إجماعاً يعتمد على بعض الأدلة ولعل مدركه هو ذلك الإستقلال العقلي بتقديم الفاضل على المفضول، ولكن مدرك هذا الإجماع صحيح ومتين وهو ما قلناه من الإستقلالية العقلية تلك، ومسألة المرجعية هي صغرى لمسألة الامامة العظمى وهي صغرى من صغريات كبرى (وجوب تقديم الفاضل على المفضول) وبذلك سمعت من أساتذتنا المحققين هذه العبارة المهمة جداً: (من إدّعى المرجعية الكبرى وليس هو الأعلم فهو شريك للمنافق في العار واستحقاق النار) .

خامساً: الرواية الموثقة لعمر بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السلام): (الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يُلتفت الى ما حكم به الآخر) وهي واضحة الدلالة من أن الإختلاف بين الحاكمين كان ناشئاً من إختلافهما في إستفادة الأحكام من أدلتها، فالامام (عليه السلام) حصر طبيعة الحكم الصادر من الأفقه وسلخه عن غير الأفقه، فنستفيد أنه (عليه السلام) كان في مقام تمييز ما فيه الكاشفية والطرقية عن الواقع عن غيره .

سادساً: إن فتوى الأعلم أقرب الى الواقع من فتوى غيره فيجب الأخذ بها، فتكون فتوى الأعلم بما هي هي موجبة للظن بالواقع إن لم توجب الوصول الى الحكم بشكل قطعي، فهي أقوى من فتوى غير الأعلم بما هي هي التي لا توجب الظن بالواقع مع وجود فتوى الأعلم، ومع وجود الظن القوي بالواقع لا مكان للظن غير القوي.

ومع هذه الأدلة لا مجال يبقى لأدلة القوم القائلين بعدم وجوب تقليد الأعلم، اما الأدلة اللفظية كالإطلاق في الآيات والروايات فهو مقيد بمقيّد لبي وهو تلك السيرة العقلائية المستحكمة غاية الإحكام، لأنك تعرف إن أدلة رجوع الجاهل الى العالم هي أدلة امضائية ناظرة الى السيرة العقلائية على رجوع الجاهل الى العالم، وحيث أن السيرة العقلائية في مقام إختلاف الخبراء جارية على الرجوع الى الخبير الأشد خبرة من دون غيره، فاذن الأدلة اللفظية تتضيق بهذا المضيّق اللبي، لأن الممضي وهو الشارع يتقدر بقدر الممضى...
وهذا الكلام كله استقصيناه في كتابنا الهام جدا
(اسرار العالمين في شرح منهج الصالحين).

السيد الكربلائي
31-10-2011, 09:38 AM
توجه الينا سؤال من السيد الكربلائي وبعض من فضلاء الحوزة العلمية حاصله :
اذا كان هناك فقيه اعلم الأحياء والأموات ما هو التكليف تجاهه، وهل يجوز الرجوع اليه بعد مماته لمن أدركه في حياته ولم يقلده أو كان صبيا مميزا؟
وكان جوابنا هو الآتي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا الكريم وآله الطاهرين وعلى أولياء الله الصالحين، وبعدُ:
إذا وُجد فقيه وثبت أنه أعلم الأحياء والأموات في زمانه وعصره، فعلى جميع المكلفين في زمانه تقليده ، ولا يجوز تقليد غيره، وذلك لأن قوله هو الحجة الوحيدة على أحكام الله تعالى بحكم العقل، فكل حجة أخرى سوف تنكسر ولا يبقى لها أي قيمة، لأن الشارع عندما جعل فتوى الفقيه حجة على أحكامه هذا يعني انه نزل الفتوى منزلة القطع فكل ما يترتب على القطع من أحكام عقلية وشرعية سوف تترتب على هذه الفتوى، ومن هذه الآثار وجوب متابعتها عقلا، ومعنى جعل الأمارة حجة أي ان الشارع تمم الكشف الذي فيها والغى احتمال الخلاف فجعلها كالقطع.
اذا عرفت هذا البيان المهم: فنقول :
1) لو مات ذلك الفقيه الأعلم والتفت المكلف اليه بعد موته فانه يجب الرجوع اليه وان لم يقلده في حياته، بل وان كان صبيا مميزا في حياته مطلقاً سواءٌ أكان ملتفتا ام لا، عاصيا ام لا، وعلى كل الإحتمالات، وهذا ليس من التقليد الإبتدائي أبداً، لأنه رجوع الى الحجة المحكمة في عنقه وتصحيح لمسار عمله.
2) وعليه الرجوع اليه في كل المسائل التي عمل بها لو كان يقلده في حياته أو التي لم يعمل بها .
3) يجب الرجوع اليه وان كان قد قلد غيره من الفقهاء ظنا منه أنه هو الأعلم، ثم تبين له ان هذا الفقيه الميت هو الأعلم، تمسكاً بالحجة الثابتة في عنقه عقلاً.
4) يجب الرجوع اليه وان منع الفقيه الأعلم الميت من الرجوع اليه كأن يقول (لا يجوز البقاء على تقليدي أو يجوز فقط في المسائل التي عمل بها أو لا يجوز العدول الي أو لا يجوز الرجوع الي بعد موتي) لأن قوله هذا لا عبرة فيه لأنه سيكون مخالفا لحجية العقل لأن العقل يحكم حكما استقلاليا بوجوب متابعة الحجة الثابتة.
والدليل على ذلك كله هو مسلكنا الصحيح في عملية وضع الشارع وجعله للفتوى وسائر الأمارات، فهي موضوعة على نحو تتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف، والا لا معنى لأن يجعل الظن بمنزلة القطع الا من هذه الناحية، فاذا انكشف الواقع سوف يكون التحريك نحوه بالواقع نفسه لأنه هو المحرك، ولا يفرق في انكشاف الواقع وجدانا كما في القطع أو تعبداً جعليا كما في الظن ومنه الفتوى، فاذا انكشف الواقع فان العقل سيلزم العبد بالجري العملي على طبقه، ومادام الواقع قد انكشف بفتوى المجتهد فيجب عقلا المتابعة مطلقاً، وكل الحجج الأخرى أي فتاوى الفقهاء الآخؤين لا يبقى لها أي قيمة، مادام العقل قد حكم للحجة الأقوى، فحكمه حكم تمميزي وليس ترجيحياً، وهذا كله على نظريتنا الأصولية الرائعة في وجه جعل الجاعل - ايا كان سواء أكان الشارع ام العقلاء – للظن كأمارة على الحكم الشرعي، والفتوى من أرقى أنواع الظنون التي اعطاها الشارع هذه الحجية.
نعم: لو لم يكن موجودا في حياته ولم يكن صبيا مميزاً فلا يجوز له الرجوع اليه، لأنه من التقليد الإبتدائي،ويأتي الخلاف فيه، وان كنا نقول بجواز التقليد الإبتدائي للفقيه الأعلم، أو ظهر من هو أعلم منه.
وللكلام تتمة كلها استقصيناها في مباحثنا الأصولية (ثمرات الأفكار في علم الأصول) وفي كتابنا (اسرار العالمين في شرح منهج الصالحين) .. اقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين...فاضل البديري.

السيد منير الصافي
15-05-2012, 04:42 PM
كل الرسائل العملية واكثره واتفقت بان الوجوب التقليد الاعلم الموجودين

السيد الكربلائي
25-06-2012, 08:34 AM
نعم اخي الفاضل .. و الوجوب لابد من ان يستند الى ادلة قطعية قد تم ذكرها اعلاه