مرتضى علي الحلي
09-11-2011, 11:07 AM
(الإمامُ عليٌ (عليه السلام) إنسانُ العدالة الألهية )
=============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنّ مشكلة الناس في وقتها مع الامام علي /ع/ تكمن في عدالته الحقه التي لم يحتملوها لأنها لاتتفق ومصالحم الذاتية .
فكان /ع/ رجلا غير قابل للتبديل
ومرت السنون بعد وفاة الرسول الأكرم /ص/ وقد أعتاد فيها المجتمع الاسلامي على تقديم الامتيازات للأفراد ذوي النفوذ وخاصة في وقت حكومات الخلفاء الثلاثة من قبله /ع/
وبعد ما رجعت الخلافة السليبة الى علي /ع/ فقد أبدى /ع/ في مجال تطبيق العدالة الالهية بين الناس صلابة عجيبة سجلها التاريخ المؤالف والمخالف
وكان /ع/ يؤكّد على أنه ليس ممن ينحرف عن العدالة قيد شعره
حتى أن أصحابه كانوا يطلبون منه شيئا من المداراة فكان /ع/ يرفض ذلك.
ويعني بذلك أنه /ع/ لايريد الحصول على المكاسب السياسية بالظلم والتخلي عن تحصيل الحق للضعفاء فهو لايفعل ذلك ما كلّفه الأمر .
(وروى علي بن محمد بن أبي سيف المدائني أن طائفة من أصحاب علي عليه السلام مشوا إليه
فقالوا :
يا أمير المؤمنين : أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ، واستمل من تخاف خلافه من الناس وفراره
وإنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال
فقال لهم/ع/ : أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور ، لا والله لا أفعل ما طلعت شمس ، وما لاح في السماء نجم ، والله لو كان المال لي لواسيت بينهم ، فكيف وإنما هي أموالهم . ثم سكت طويلا واجما ،
ثم قال : الامر أسرع من ذلك . قالها ثلاثا)
إنظر/شرح نهج البلاغة/ابن أبي الحديد/ج2/204.
فالإمام علي/ع/ عندما مسك بزمام الأمور في فترة حكمه الشريف أعلن/ع/ وقال/ع/:
((فلما أفضت إليّ(أي الحكومة) نظرتُ إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته
وما إستسن النبي صلى الله عليه وآله فاقتديته .
فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما(الزبير بن العوام+طلحة بن عبيد الله)
ولا رأي غيركما ، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخواني المسلمين
ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما .
وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني .
بل وجدتُ أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله قد فرغ منه
فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه وأمضى فيه حكمه .
فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى .
أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق ، وألهمنا وإياكم الصبر
ثم قال عليه السلام :
رحم الله امرأ رأى حقا فأعان عليه ، أو رأى جورا فرده وكان عونا بالحق على صاحبه ))
إنظر/نهج البلاغة/ج2/ص185.
فلذا عمل /ع/ جاهدا على إزالة كل صور الأنحراف التطبيقي التي مارسها الخلفاء من قبله في أوساط المجتمع الأسلامي .
فألغى/ع/ كل أشكال التمايز في توزيع الثروة على الناس على أساس الحسب والنسب والمصالح أو على اساس الصحبة
وجعل/ع/ من الناس سواسية في الحقوق المالية وطبق العدالة كليّاً.
حتى أنّ الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله أنكرا ذلك على الإمام علي/ع/ .
فقال لهما الإمام علي/ع/:
ما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ (أي معارضته/ع/)
قالا:
إنّكَ جعلتَ حقنا في القسْم كحق غيرنا وسويّتَ بيننا وبين من لا يُمائلنا.
فكان ما أجابهما به الإمام علي/ع/:
هو:
(( وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة(أي التسوية في العطاء وتوزيع المال)
فإنّ ذلك أمرٌ لم أحكم أنا فيه برأيي ولا ولّيته هوى مني بل وجدتُ أنا أنتما ما جاء به رسول الله/ص/ قد فرغ فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه وأمضى فيه حكمه .
فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى .
أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق ، وألهمنا وإياكم الصبر
ثم قال عليه السلام :
رحم الله امرأ رأى حقا فأعان عليه ، أو رأى جورا فرده وكان عونا بالحق على صاحبه))
إنظر/نهج البلاغة/رقم النص/205.
وهكذا كان عليٌ /ع/ إنساناً عادلاً ولايُحابي أحدا مهما كان .
كان همه الكبير هو إعادة توزيع المال والثروات بالتسوية بين الناس كافة مسلمين وغير مسلمين
فالكل له حقه وعليه واجبات في حكومة علي/ع/ التي لاتشبهها إلاّ حكومة رسول الله محمد/ص/ وحكومة الإمام المهدي/ع/ في آخر الزمان إن شاء الله تعالى.
وهذا ما صرّحَ به علنا حين قال/ع/:
(( ألا لا يقُولَنَّ رجالٌ منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فإتخذوا العقار وفجّروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الروقة (الخادمات الحِسان)
فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتُهم الى حقوقهم التي يعلمون فينقِمون ذلك ويستنكرون ويقولون :
حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا.))
إنظر/نهج البلاغة/ شرح ابن أبي الحديد/ج7/ص37.
وفعلا باشر الإمام علي /ع/ بعد إعلان هذا البيان العادل في تطبيقاته فقال/ع/ لكاتبه (عبيد الله ابن أبي رافع)
إبدأ بالمهاجرين فنادِهم وأعطِ كل رجلٍ ممن حضر ثلاثة دنانير ثمّ ثنّ بالأنصار فإفعل معهم مثل ذلك
ومن حضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فإصنع به مثل ذلك.
فتخلّفَ عن هذا القسم يومئذٍ رجالٌ فيهم : طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم.
حتى صار هولاء ينتقدون عليا/ع/ علناً بسبب عدالته الحقة التي لم تتوائم ورغباتهم الذاتية
مما جعل علي/ع/ يخطب بهم ثانيةً فذّكر بكتاب الله تعالى وحكمه وبعهد رسول الله/ص/ وسيرته
فقال/ع/:
((هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد رسول الله/ص/ وسيرته فينا لايجهل ذلك إلاّ جاهل عاندَ عن الحق مُنك
قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))الحجرات13
ثم صاح/ع/ بأعلى صوته –أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنّ الله لايُحب الكافرين .
أتمنون على الله ورسوله إسلامكم ؟
((بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين))الحجرات/17.
أنا أبو الحسن ألا إنّ هذه الدنيا التي أصبحتم تَمنّونها وترغبون فيها وأصبحتْ تُغضبكم وتُرضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خُلِقتُم له فلا تغرنكم فقد حّّّذرتكموها.
فأما هذا الفيء(وهو ما حَصل لِلمُسلِمينَ من أَموالِ الكُفَّار من غير حَرْبٍ ولا جِهادٍ))
فليس لأحدٍ على أحد ٍ فيه أثَرَةً
وقد فَرَغَ الله من قسمته فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون ...وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا وعهدُ نبينا بين أظهرنا فمن لم يرضَ به فليتولّ كيف شاء.
فإنّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه))
إنظر/شرح نهج البلاغة /ابن أبي الحديد/ج7/ص40.
ورغم إعتراض المعترضين ممن إنتفعوا وحققوا رغباتهم في وقت الحكومات السابقة على حكومة علي/ع/
والتي فيها إصطدمت مصالحهم بجدار العدالة العلوية القوية إلا أنّ روح العدالة العلوية بقت تسري وبقوة في وقتها ولو كره الكارهون.
ومن جملة الخطوات القوية التي سار عليها الإمام علي/ع/ هو العمل على إسترجاع المال العام المنهوب عدوانا والموزّع ظلما من قبل الحكام من قبله وخاصة في حكومة عثمان بن عفان.
هذه الحكومة التي جعلت من بني أمية دولة في ظل دولة بتوزيعها الأراضي عليهم ومنحهم قدرا كبيرا من المال لتقوية نفوذهم الإجتماعي والأقتصادي وحتى السياسي .
وهنا يُصرّح الإمام علي /ع/ وبقوة وبقسم بالله تعالى على ضرورة العمل على إعادة المال المنهوب الى مكانه الصحيح لينتفع به سائر المسلمين.
فقال/ع/:
((والله لو وجَدتَه (أي المال المنهوب) قد تُزوِّجَ به النساء ومُلِكَ به الإماء(الخدم) لرددته فإنّ في العدل سعة ومن ضاق عليه العدلُ فالجور عليه أضيق))
إنظر/ نهج البلاغة/خطبة/57/ص/15.
فالشجاعة والقدرة والحقانية التي أظهرها الإمام علي/ع/ في تطبيقه لمشروع العدالة الألهية جعلت من أعداءه يقفون في الصف المعادي له فكريا وعسكريا
وهنا يقول المؤرخون والمفكرون إنّ أحد أسباب الحروب الثلاثة التي واجهها علي/ع/ في الجمل وصفين والنهروان هو عدالته الحقة وصلابته في تطبيقها مجتمعيا وعمليا.
ونحن اليوم في زمننا هذا بأمس الحاجة العملية لتطبيق القدر الممكن واليسير من عدالة علي/ع/ في مجتمعنا المسلم والمؤمن ففي ذلك العدل سعة ورحمة وعون للناس كافة وشدّا لهم للدين وعقيدته وشرعته الشريفة.
فالمال مال الله تعالى والعباد عباده .
ولا حاجة لنا بإعادة المكرور من التمايز التطبيقي بين الناس وتصنيفهم في الحقوق والثروة
فإنّ ذلك سيفضي في يوم ما الى الثورة الإجتماعية ضد المترفين والمتلاعبين بأموال المسلمين
ولو في الأمد البعيد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف.
=============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنّ مشكلة الناس في وقتها مع الامام علي /ع/ تكمن في عدالته الحقه التي لم يحتملوها لأنها لاتتفق ومصالحم الذاتية .
فكان /ع/ رجلا غير قابل للتبديل
ومرت السنون بعد وفاة الرسول الأكرم /ص/ وقد أعتاد فيها المجتمع الاسلامي على تقديم الامتيازات للأفراد ذوي النفوذ وخاصة في وقت حكومات الخلفاء الثلاثة من قبله /ع/
وبعد ما رجعت الخلافة السليبة الى علي /ع/ فقد أبدى /ع/ في مجال تطبيق العدالة الالهية بين الناس صلابة عجيبة سجلها التاريخ المؤالف والمخالف
وكان /ع/ يؤكّد على أنه ليس ممن ينحرف عن العدالة قيد شعره
حتى أن أصحابه كانوا يطلبون منه شيئا من المداراة فكان /ع/ يرفض ذلك.
ويعني بذلك أنه /ع/ لايريد الحصول على المكاسب السياسية بالظلم والتخلي عن تحصيل الحق للضعفاء فهو لايفعل ذلك ما كلّفه الأمر .
(وروى علي بن محمد بن أبي سيف المدائني أن طائفة من أصحاب علي عليه السلام مشوا إليه
فقالوا :
يا أمير المؤمنين : أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الاشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ، واستمل من تخاف خلافه من الناس وفراره
وإنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال
فقال لهم/ع/ : أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور ، لا والله لا أفعل ما طلعت شمس ، وما لاح في السماء نجم ، والله لو كان المال لي لواسيت بينهم ، فكيف وإنما هي أموالهم . ثم سكت طويلا واجما ،
ثم قال : الامر أسرع من ذلك . قالها ثلاثا)
إنظر/شرح نهج البلاغة/ابن أبي الحديد/ج2/204.
فالإمام علي/ع/ عندما مسك بزمام الأمور في فترة حكمه الشريف أعلن/ع/ وقال/ع/:
((فلما أفضت إليّ(أي الحكومة) نظرتُ إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته
وما إستسن النبي صلى الله عليه وآله فاقتديته .
فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما(الزبير بن العوام+طلحة بن عبيد الله)
ولا رأي غيركما ، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما وإخواني المسلمين
ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما .
وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي ولا وليته هوى مني .
بل وجدتُ أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله قد فرغ منه
فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه وأمضى فيه حكمه .
فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى .
أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق ، وألهمنا وإياكم الصبر
ثم قال عليه السلام :
رحم الله امرأ رأى حقا فأعان عليه ، أو رأى جورا فرده وكان عونا بالحق على صاحبه ))
إنظر/نهج البلاغة/ج2/ص185.
فلذا عمل /ع/ جاهدا على إزالة كل صور الأنحراف التطبيقي التي مارسها الخلفاء من قبله في أوساط المجتمع الأسلامي .
فألغى/ع/ كل أشكال التمايز في توزيع الثروة على الناس على أساس الحسب والنسب والمصالح أو على اساس الصحبة
وجعل/ع/ من الناس سواسية في الحقوق المالية وطبق العدالة كليّاً.
حتى أنّ الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله أنكرا ذلك على الإمام علي/ع/ .
فقال لهما الإمام علي/ع/:
ما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ (أي معارضته/ع/)
قالا:
إنّكَ جعلتَ حقنا في القسْم كحق غيرنا وسويّتَ بيننا وبين من لا يُمائلنا.
فكان ما أجابهما به الإمام علي/ع/:
هو:
(( وأما ما ذكرتما من أمر الأسوة(أي التسوية في العطاء وتوزيع المال)
فإنّ ذلك أمرٌ لم أحكم أنا فيه برأيي ولا ولّيته هوى مني بل وجدتُ أنا أنتما ما جاء به رسول الله/ص/ قد فرغ فلم أحتج إليكما فيما فرغ الله من قسمه وأمضى فيه حكمه .
فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتبى .
أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق ، وألهمنا وإياكم الصبر
ثم قال عليه السلام :
رحم الله امرأ رأى حقا فأعان عليه ، أو رأى جورا فرده وكان عونا بالحق على صاحبه))
إنظر/نهج البلاغة/رقم النص/205.
وهكذا كان عليٌ /ع/ إنساناً عادلاً ولايُحابي أحدا مهما كان .
كان همه الكبير هو إعادة توزيع المال والثروات بالتسوية بين الناس كافة مسلمين وغير مسلمين
فالكل له حقه وعليه واجبات في حكومة علي/ع/ التي لاتشبهها إلاّ حكومة رسول الله محمد/ص/ وحكومة الإمام المهدي/ع/ في آخر الزمان إن شاء الله تعالى.
وهذا ما صرّحَ به علنا حين قال/ع/:
(( ألا لا يقُولَنَّ رجالٌ منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فإتخذوا العقار وفجّروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الروقة (الخادمات الحِسان)
فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتُهم الى حقوقهم التي يعلمون فينقِمون ذلك ويستنكرون ويقولون :
حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا.))
إنظر/نهج البلاغة/ شرح ابن أبي الحديد/ج7/ص37.
وفعلا باشر الإمام علي /ع/ بعد إعلان هذا البيان العادل في تطبيقاته فقال/ع/ لكاتبه (عبيد الله ابن أبي رافع)
إبدأ بالمهاجرين فنادِهم وأعطِ كل رجلٍ ممن حضر ثلاثة دنانير ثمّ ثنّ بالأنصار فإفعل معهم مثل ذلك
ومن حضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فإصنع به مثل ذلك.
فتخلّفَ عن هذا القسم يومئذٍ رجالٌ فيهم : طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم.
حتى صار هولاء ينتقدون عليا/ع/ علناً بسبب عدالته الحقة التي لم تتوائم ورغباتهم الذاتية
مما جعل علي/ع/ يخطب بهم ثانيةً فذّكر بكتاب الله تعالى وحكمه وبعهد رسول الله/ص/ وسيرته
فقال/ع/:
((هذا كتاب الله بين أظهرنا وعهد رسول الله/ص/ وسيرته فينا لايجهل ذلك إلاّ جاهل عاندَ عن الحق مُنك
قال تعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))الحجرات13
ثم صاح/ع/ بأعلى صوته –أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنّ الله لايُحب الكافرين .
أتمنون على الله ورسوله إسلامكم ؟
((بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين))الحجرات/17.
أنا أبو الحسن ألا إنّ هذه الدنيا التي أصبحتم تَمنّونها وترغبون فيها وأصبحتْ تُغضبكم وتُرضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خُلِقتُم له فلا تغرنكم فقد حّّّذرتكموها.
فأما هذا الفيء(وهو ما حَصل لِلمُسلِمينَ من أَموالِ الكُفَّار من غير حَرْبٍ ولا جِهادٍ))
فليس لأحدٍ على أحد ٍ فيه أثَرَةً
وقد فَرَغَ الله من قسمته فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون ...وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا وعهدُ نبينا بين أظهرنا فمن لم يرضَ به فليتولّ كيف شاء.
فإنّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه))
إنظر/شرح نهج البلاغة /ابن أبي الحديد/ج7/ص40.
ورغم إعتراض المعترضين ممن إنتفعوا وحققوا رغباتهم في وقت الحكومات السابقة على حكومة علي/ع/
والتي فيها إصطدمت مصالحهم بجدار العدالة العلوية القوية إلا أنّ روح العدالة العلوية بقت تسري وبقوة في وقتها ولو كره الكارهون.
ومن جملة الخطوات القوية التي سار عليها الإمام علي/ع/ هو العمل على إسترجاع المال العام المنهوب عدوانا والموزّع ظلما من قبل الحكام من قبله وخاصة في حكومة عثمان بن عفان.
هذه الحكومة التي جعلت من بني أمية دولة في ظل دولة بتوزيعها الأراضي عليهم ومنحهم قدرا كبيرا من المال لتقوية نفوذهم الإجتماعي والأقتصادي وحتى السياسي .
وهنا يُصرّح الإمام علي /ع/ وبقوة وبقسم بالله تعالى على ضرورة العمل على إعادة المال المنهوب الى مكانه الصحيح لينتفع به سائر المسلمين.
فقال/ع/:
((والله لو وجَدتَه (أي المال المنهوب) قد تُزوِّجَ به النساء ومُلِكَ به الإماء(الخدم) لرددته فإنّ في العدل سعة ومن ضاق عليه العدلُ فالجور عليه أضيق))
إنظر/ نهج البلاغة/خطبة/57/ص/15.
فالشجاعة والقدرة والحقانية التي أظهرها الإمام علي/ع/ في تطبيقه لمشروع العدالة الألهية جعلت من أعداءه يقفون في الصف المعادي له فكريا وعسكريا
وهنا يقول المؤرخون والمفكرون إنّ أحد أسباب الحروب الثلاثة التي واجهها علي/ع/ في الجمل وصفين والنهروان هو عدالته الحقة وصلابته في تطبيقها مجتمعيا وعمليا.
ونحن اليوم في زمننا هذا بأمس الحاجة العملية لتطبيق القدر الممكن واليسير من عدالة علي/ع/ في مجتمعنا المسلم والمؤمن ففي ذلك العدل سعة ورحمة وعون للناس كافة وشدّا لهم للدين وعقيدته وشرعته الشريفة.
فالمال مال الله تعالى والعباد عباده .
ولا حاجة لنا بإعادة المكرور من التمايز التطبيقي بين الناس وتصنيفهم في الحقوق والثروة
فإنّ ذلك سيفضي في يوم ما الى الثورة الإجتماعية ضد المترفين والمتلاعبين بأموال المسلمين
ولو في الأمد البعيد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف.