بو هاشم الموسوي
15-11-2011, 12:32 AM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
وصلّى الله على علّة الوجود النبيّ الأعظم محمّد وعلى أهل بيته الطّاهرين ولعنة الله تعالى جاحدي إمامتهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم ومخالفيهم إلى قيام يوم الدّين لا سيّما صنمي قريش وابنتيهما وأتباعهم ومن والاهم ومن مال إليهم
- قال تعالى:
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا". [سورة المائدة: آية3].
- قال سيّد الأوصياء وأمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه:
" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي آخِرِ خُطْبَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ وَ جَمَعَ بَيْنَ مُسَبِّحَتَيْهِ وَلَا أَقُولُ كَهَاتَيْنِ وَ جَمَعَ بَيْنَ الْمُسَبِّحَةِ وَ الْوُسْطَى فَتَسْبِقَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَا تَزِلُّوا وَلَا تَضِلُّوا وَ لَا تَقَدَّمُوهُمْ فَتَضِلُّوا". [الكافي الشريف: 2/ 415، ح1، باب أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أو كافرًا أو ضالًا].
حديث الغدير الشّريف والنواصب
- قال الحافظ ابن كثير الدمشقي في تاريخه:
"روى النسائي في سننه: عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال:
لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال: "كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثمّ قال: الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه". فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه".
تفرّد به النسائي من هذا الوجه. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح"(1).
- قال المحقّق الدَّاني بن منير آل زهوي في تعليقه على كتاب "خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب" للحافظ النسائي:
"حديث الموالاة حديث صحيح ثابت بل هو متواتر كما قال الألباني في "الصحيحة" (4/ 343). أمّا قول ابن تيمية في "المنهاج" (4/ 104) : "أنّه كذب مخالف للقواعد الحديثيّة"!! فهو مردود عليه. وكذا قول محمّد خليل هراس في تعليقه على كتاب "التوحيد" لابن خزيمة: "الحديث غير صحيح! ويُشتبه أن يكون من وضع الشيعة"!!!.
أقول: من تتبع طُرق هذا الحديث علم أنّها صحيحة كالشمس في أغلبها ومنها الحسن، والضعف فيها قليل. والحديث صحيح لا شكّ في ذلك كما مرَّ.
بل إنّ الذهبي قال في "سير أعلام النبلاء" (5/ 415) : "الحديث ثابت بلا ريب". وقال في "تذكرة الحفّاظ" (2/ 713) : "ولما بلغ ابن جرير أنّ ابن أبي داود تكّلم في حديث "غدير خم" عمل كتاب الفضائل، وتكلّم في تصحيح الحديث، وقد رأيتُ مجلدًا من طرق الحديث لابن جرير؛ فاندهشتُ له ولكثرة الطرق".
وقال ابن الجزري في "مناقب الأسد الغالب": "هذا حديث صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين عليّ، وهو متواتر عن النبيّ صلى الله عليه [وآله] وسلم، رواه الجمّ الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممّن لا اطلاع له في هذا العلم، فقد ورد مرفوعًا عن . ." ثمّ ذكر نحوًا من ثلاثين صحابيًّا.
قال المحدّث الألباني في "الصحيحة" (5/ 263-264) :
"فمن العجب حقًّا أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في "منهاج السنة" (4/ 104)"(2).
- قال العلامة الأميني (رضي الله عنه) في موسوعته الخالدة "الغدير في الكتاب والسنّة والأدب":
"واقعة الغدير أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره، وأذن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته تلك التي يقال عليها حجة الوداع. وحجّة الإسلام. وحجّة البلاغ. وحجة الكمال. وحجة التمام ولم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله، فخرج صلى الله عليه وآله من المدينة مغتسلا متدهنا مترجلا متجردا في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلهن في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامة - المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس. وعند خروجه صلى الله عليه وآله أصاب الناس بالمدينة جدري (بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه صلى الله عليه وآله، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد يقال: خرج معه تسعون ألف، ويقال: مائة ألف وأربعة عشر ألفا، وقيل: مائة ألف وعشرون ألفا، وقيل: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، و يقال أكثر من ذلك، وهذه عدة من خرج معه، وأما الذين حجوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع علي (أمير المؤمنين) وأبي موسى. أصبح صلى الله عليه وآله يوم الأحد بملل، ثم راح فتعشى بشرف السيالة، وصلى هناك المغرب والعشاء، ثم صلى الصبح بعرق الظبية، ثم نزل الروحاء، ثم سار من الروحاء فصلى العصر بالمنصرف، وصلى المغرب والعشاء بالمتعشى وتعشى به، وصلى الصبح بالأثابة، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل "وهو عقبة الجحفة "ونزل السقياء يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء، وصلى هناك ثم راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة، ومنها إلى قديد وسبت فيه، وكان يوم الأحد بعسفان، ثم سار فلما كان بالغميم اعترض المشاة فصفوا صفوفا فشكوا إليه المشي، فقال: استعينوا باليسلان" مشي سريع دون العدو" ففعلوا فوجدوا لذلك راحة، وكان يوم الاثنين بمر الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف فلم يصل المغرب حتى دخل مكة، ولما انتهى إلى الثنيتين بات بينهما فدخل مكة نهار الثلاثاء.
فلما قضى مناسكه وانصرف راجعا إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات و وصل إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية. وأمره أن يقيم عليا علما للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقم ما تحتهن حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف صلى الله عليه وآله من صلاته قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، رافعا عقيرته فقال: الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله - أما بعد -: أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجبت، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل و طرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغايب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي، ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه وممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ثم قال: يناد بهم يوم الغدير نبيهم * بخم فاسمع بالرسول مناديا
هذا مجمل القول في واقعة الغدير وسيوافيك تفصيل ألفاظها، وقد أصفقت الأمة على هذا وليست في العالم كله وعلى مستوى البسيط واقعة إسلامية غديرية غيره، ولو أطلق يومه فلا ينصرف إلا إليه، وإن قيل محله فهو هذا المحل المعروف على أمم من الجحفة، ولم يعرف أحد من البحاثة والمنقبين سواه، نعم: شذ عنهم (الدكتور ملحم إبراهيم الأسود) في تعليقه على ديوان أبي تمام فإنه قال: هي واقعة حرب معروفة. ولنا حول ذلك بحث ضاف تجده في ترجمة أبي تمام من الجزء الثاني إن شاء الله.
العناية بحديث الغدير كان للمولى سبحانه مزيد عناية بإشهار هذا الحديث، لتتداوله الألسن وتلوكه أشداق الرواة، حتى يكون حجة قائمة لحامية دينه الإمام المقتدى صلوات الله عليه، ولذلك أنجز الأمر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير عند منصرف نبيه صلى الله عليه وآله من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة وكراديس الناس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفة به، فرد المتقدم، وجعجع بالمتأخر، وأسمع الجميع وأمر بتبليغ الشاهد الغايب ليكونوا كلهم رواة هذا الحديث، و هم يربون على مائة ألف ولم يكتف سبحانه بذلك كله حتى أنزل في أمره الآيات الكريمة تتلامع مر الجديدين بكرة وعشيا، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين، و ليعرفوا رشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم. ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الأعظم صلى الله عليه وآله حيث استنفر أمم الناس للحج في سنته تلك، فالتحقوا به ثبا ثبا، وكراديس كراديس، وهو صلى الله عليه وآله يعلم أنه سوف يبلغهم في منتهى سفره نبأ عظيما، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه، وتسود به أمته الأمم، ويدب ملكها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها، وأبصرت طريق رشدها ولكن.. ولهذه الغاية بعينها لم يبرح أئمة الدين سلام الله عليهم يهتفون بهذه الواقعة، ويحتجون بها لإمامة سلفهم الطاهر، كما لم يفتأ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بنفسه يحتج بها طيلة حياته الكريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجة الوداع في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس، كل ذلك لتبقى غضة طرية، بالرغم من تعاور الحقب والأعوام ولذلك أمروا شيعتهم بالتعيد في يوم الغدير والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر، إعادة لجدة هاتيك الواقعة العظيمة، كما ستمر عليك تفاصيل هذه الجمل في هذا الكتاب إنشاء الله تعالى، فإلى الملتقى. وللإمامية مجتمع باهر يوم الغدير عند المرقد العلوي الأقدس، يضم إليه رجالات القبائل ووجوه البلاد من الدانين والقاصين، إشادة بهذا الذكر الكريم، ويروون عن أئمة دينهم ألفاظ زيارة مطنبة فيها تعداد أعلام الإمامة، وحجج الخلافة الدامغة من كتاب وسنة، وتبسط في رواية حديث الغدير، فترى كل فرد من أفراد تلكم الآلاف المألفة يلهج بها، رافعا عقيرته، مبتهجا بما اختصه الله من منحة الولاية والهداية إلى صراطه المستقيم، ويرى نفسه راويا لتلك الفضيلة، مثبتا لها، يدين الله بمفادها، ومن لم يتح له الحظوة بالمثول في ذلك المشعر المقدس فإنه يتلوها في نائية البلاد، ويومي إليه من مستقره، وليوم الغدير وظائف من صوم وصلاة ودعاء فيها هتاف بذكره، تقوم بها الشيعة في أمصارها، وحواضرها، وأوساطها، و القرى، والرساتيق فهناك تجد ما يعدون بالملايين، أو يقدرون بثلث المسلمين أو نصفهم رواتا للحديث، مخبتين إليه معتنقين له دينا ونحلة. وأما كتب الإمامية في الحديث والتفسير والتاريخ وعلم الكلام فضع يدك على أي منها تجده مفعما بإثبات قصة الغدير والاحتجاج بمؤداها، فمن مسانيد عنعنتها الرواة إلى منبثق أنوار النبوة، ومراسيل أرسلها المؤلفون إرسال المسلم، حذفوا أسانيدها لتسالم فرق المسلمين عليها. ولا أحسب أن أهل السنة يتأخرون بكثير من الإمامية في إثبات هذا الحديث، والبخوع لصحته، والركون إليه، والتصحيح له، والاذعان بتواتره، اللهم إلا شذاذ تنكبت عن الطريقة، وحدت بهم العصبية العمياء إلى رمي القول على عواهنه، وهؤلاء لا يمثلون من جامعة العلماء إلا أنفسهم، فإن المثبتين المحققين للشأن المتولعين في الفن لا تخالجهم أية شبهة في اعتبار أسانيدهم التي أنهوها متعاضدة متظافرة بل متواترة إلى جماهير من الصحابة والتابعين"
- وقد ذكر العلاّمة الأميني (رضي الله عنه) أسماء 110 من الصحابة الّذين رووا حديث الغدير-، وقال:
"هؤلاء مائة وعشرة من أعاظم الصحابة الذين وجدنا روايتهم لحديث الغدير ولعل فيما ذهب علينا أكثر من ذلك بكثير ، وطبع الحال يستدعى أن تكون رواة الحديث أضعاف المذكورين ، لأن السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف أو يزيدون، وبقضاء الطبيعة إنهم حدثوا به عند مرتجعهم إلى أوطانهم شأن كل مسافر ينبئ عن الأحداث الغريبة التي شاهدها في سفره، نعم : فعلوا ذلك إلا أشذاذ منهم صدتهم الضغاين عن نقله، والمحدثون منهم وهم الأكثرون فمنهم هؤلاء المذكورون، ومنهم من طوت حديثه أجواز الفلى بموت السامعين في البراري والفلوات قبل أن ينهوه إلى غيرهم، ومنهم من أرهبته الظروف والأحوال عن الإشادة بذلك الذكر الكريم وقد مرّ تلويح إلى ذلك في رواية زيد بن أرقم، وجملة من الحضور كانوا من أعراب البوادي لم يتلق منهم حديث ولا إنتهى إليهم الاسناد، ومع ذلك كلّه ففي من ذكرناه غنى لإثبات التواتر"(3).
فهل بعد هذا ينكر النواصب إسناد أو دلالة حديث الغدير الشريف؟
قال تعالى: "وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا". [سورة الإسراء: آية72].
فهنيئًا لشيعة عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام
والحمد لله رب العالمين الّذين جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد والعن أعداءهم ،،،
ـــــــــــــــــــ
(1) إسماعيل بن عمر بن كثير الدّمشقي، البداية والنهاية، (بيروت، دار ابن حزم، 1430/ 2009)، مج2، ص1031.
(2) أحمد بن شعيب النسائي، خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، تحقيق الدَّاني بن منير آل زهوي، (بيروت، المكتبة العصريّة، 1426/ 2005)، هامش ص78، تعليقة رقم 88.
(3) عبد الحسين أحمد الأميني النجفي، موسوعة الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، تحقيق مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، (ط4، قم (إيران)، مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي)، ج1، ص31، ص144.
وصلّى الله على علّة الوجود النبيّ الأعظم محمّد وعلى أهل بيته الطّاهرين ولعنة الله تعالى جاحدي إمامتهم ومبغضيهم ومنكري فضائلهم ومخالفيهم إلى قيام يوم الدّين لا سيّما صنمي قريش وابنتيهما وأتباعهم ومن والاهم ومن مال إليهم
- قال تعالى:
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا". [سورة المائدة: آية3].
- قال سيّد الأوصياء وأمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه:
" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي آخِرِ خُطْبَتِهِ يَوْمَ قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ وَ جَمَعَ بَيْنَ مُسَبِّحَتَيْهِ وَلَا أَقُولُ كَهَاتَيْنِ وَ جَمَعَ بَيْنَ الْمُسَبِّحَةِ وَ الْوُسْطَى فَتَسْبِقَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَا تَزِلُّوا وَلَا تَضِلُّوا وَ لَا تَقَدَّمُوهُمْ فَتَضِلُّوا". [الكافي الشريف: 2/ 415، ح1، باب أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أو كافرًا أو ضالًا].
حديث الغدير الشّريف والنواصب
- قال الحافظ ابن كثير الدمشقي في تاريخه:
"روى النسائي في سننه: عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال:
لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قال: "كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثمّ قال: الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد عليّ فقال: من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه". فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه".
تفرّد به النسائي من هذا الوجه. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح"(1).
- قال المحقّق الدَّاني بن منير آل زهوي في تعليقه على كتاب "خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب" للحافظ النسائي:
"حديث الموالاة حديث صحيح ثابت بل هو متواتر كما قال الألباني في "الصحيحة" (4/ 343). أمّا قول ابن تيمية في "المنهاج" (4/ 104) : "أنّه كذب مخالف للقواعد الحديثيّة"!! فهو مردود عليه. وكذا قول محمّد خليل هراس في تعليقه على كتاب "التوحيد" لابن خزيمة: "الحديث غير صحيح! ويُشتبه أن يكون من وضع الشيعة"!!!.
أقول: من تتبع طُرق هذا الحديث علم أنّها صحيحة كالشمس في أغلبها ومنها الحسن، والضعف فيها قليل. والحديث صحيح لا شكّ في ذلك كما مرَّ.
بل إنّ الذهبي قال في "سير أعلام النبلاء" (5/ 415) : "الحديث ثابت بلا ريب". وقال في "تذكرة الحفّاظ" (2/ 713) : "ولما بلغ ابن جرير أنّ ابن أبي داود تكّلم في حديث "غدير خم" عمل كتاب الفضائل، وتكلّم في تصحيح الحديث، وقد رأيتُ مجلدًا من طرق الحديث لابن جرير؛ فاندهشتُ له ولكثرة الطرق".
وقال ابن الجزري في "مناقب الأسد الغالب": "هذا حديث صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين عليّ، وهو متواتر عن النبيّ صلى الله عليه [وآله] وسلم، رواه الجمّ الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممّن لا اطلاع له في هذا العلم، فقد ورد مرفوعًا عن . ." ثمّ ذكر نحوًا من ثلاثين صحابيًّا.
قال المحدّث الألباني في "الصحيحة" (5/ 263-264) :
"فمن العجب حقًّا أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في "منهاج السنة" (4/ 104)"(2).
- قال العلامة الأميني (رضي الله عنه) في موسوعته الخالدة "الغدير في الكتاب والسنّة والأدب":
"واقعة الغدير أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره، وأذن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته تلك التي يقال عليها حجة الوداع. وحجّة الإسلام. وحجّة البلاغ. وحجة الكمال. وحجة التمام ولم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله، فخرج صلى الله عليه وآله من المدينة مغتسلا متدهنا مترجلا متجردا في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلهن في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامة - المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس. وعند خروجه صلى الله عليه وآله أصاب الناس بالمدينة جدري (بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه صلى الله عليه وآله، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد يقال: خرج معه تسعون ألف، ويقال: مائة ألف وأربعة عشر ألفا، وقيل: مائة ألف وعشرون ألفا، وقيل: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، و يقال أكثر من ذلك، وهذه عدة من خرج معه، وأما الذين حجوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع علي (أمير المؤمنين) وأبي موسى. أصبح صلى الله عليه وآله يوم الأحد بملل، ثم راح فتعشى بشرف السيالة، وصلى هناك المغرب والعشاء، ثم صلى الصبح بعرق الظبية، ثم نزل الروحاء، ثم سار من الروحاء فصلى العصر بالمنصرف، وصلى المغرب والعشاء بالمتعشى وتعشى به، وصلى الصبح بالأثابة، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل "وهو عقبة الجحفة "ونزل السقياء يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء، وصلى هناك ثم راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة، ومنها إلى قديد وسبت فيه، وكان يوم الأحد بعسفان، ثم سار فلما كان بالغميم اعترض المشاة فصفوا صفوفا فشكوا إليه المشي، فقال: استعينوا باليسلان" مشي سريع دون العدو" ففعلوا فوجدوا لذلك راحة، وكان يوم الاثنين بمر الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف فلم يصل المغرب حتى دخل مكة، ولما انتهى إلى الثنيتين بات بينهما فدخل مكة نهار الثلاثاء.
فلما قضى مناسكه وانصرف راجعا إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات و وصل إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية. وأمره أن يقيم عليا علما للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريبا من الجحفة فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى إذا أخذ القوم منازلهم فقم ما تحتهن حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوما هاجرا يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف صلى الله عليه وآله من صلاته قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، رافعا عقيرته فقال: الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله - أما بعد -: أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجبت، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل و طرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد علي الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغايب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي، ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه وممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر كل يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ثم قال: يناد بهم يوم الغدير نبيهم * بخم فاسمع بالرسول مناديا
هذا مجمل القول في واقعة الغدير وسيوافيك تفصيل ألفاظها، وقد أصفقت الأمة على هذا وليست في العالم كله وعلى مستوى البسيط واقعة إسلامية غديرية غيره، ولو أطلق يومه فلا ينصرف إلا إليه، وإن قيل محله فهو هذا المحل المعروف على أمم من الجحفة، ولم يعرف أحد من البحاثة والمنقبين سواه، نعم: شذ عنهم (الدكتور ملحم إبراهيم الأسود) في تعليقه على ديوان أبي تمام فإنه قال: هي واقعة حرب معروفة. ولنا حول ذلك بحث ضاف تجده في ترجمة أبي تمام من الجزء الثاني إن شاء الله.
العناية بحديث الغدير كان للمولى سبحانه مزيد عناية بإشهار هذا الحديث، لتتداوله الألسن وتلوكه أشداق الرواة، حتى يكون حجة قائمة لحامية دينه الإمام المقتدى صلوات الله عليه، ولذلك أنجز الأمر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير عند منصرف نبيه صلى الله عليه وآله من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة وكراديس الناس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفة به، فرد المتقدم، وجعجع بالمتأخر، وأسمع الجميع وأمر بتبليغ الشاهد الغايب ليكونوا كلهم رواة هذا الحديث، و هم يربون على مائة ألف ولم يكتف سبحانه بذلك كله حتى أنزل في أمره الآيات الكريمة تتلامع مر الجديدين بكرة وعشيا، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين، و ليعرفوا رشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم. ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الأعظم صلى الله عليه وآله حيث استنفر أمم الناس للحج في سنته تلك، فالتحقوا به ثبا ثبا، وكراديس كراديس، وهو صلى الله عليه وآله يعلم أنه سوف يبلغهم في منتهى سفره نبأ عظيما، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه، وتسود به أمته الأمم، ويدب ملكها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها، وأبصرت طريق رشدها ولكن.. ولهذه الغاية بعينها لم يبرح أئمة الدين سلام الله عليهم يهتفون بهذه الواقعة، ويحتجون بها لإمامة سلفهم الطاهر، كما لم يفتأ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بنفسه يحتج بها طيلة حياته الكريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجة الوداع في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس، كل ذلك لتبقى غضة طرية، بالرغم من تعاور الحقب والأعوام ولذلك أمروا شيعتهم بالتعيد في يوم الغدير والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر، إعادة لجدة هاتيك الواقعة العظيمة، كما ستمر عليك تفاصيل هذه الجمل في هذا الكتاب إنشاء الله تعالى، فإلى الملتقى. وللإمامية مجتمع باهر يوم الغدير عند المرقد العلوي الأقدس، يضم إليه رجالات القبائل ووجوه البلاد من الدانين والقاصين، إشادة بهذا الذكر الكريم، ويروون عن أئمة دينهم ألفاظ زيارة مطنبة فيها تعداد أعلام الإمامة، وحجج الخلافة الدامغة من كتاب وسنة، وتبسط في رواية حديث الغدير، فترى كل فرد من أفراد تلكم الآلاف المألفة يلهج بها، رافعا عقيرته، مبتهجا بما اختصه الله من منحة الولاية والهداية إلى صراطه المستقيم، ويرى نفسه راويا لتلك الفضيلة، مثبتا لها، يدين الله بمفادها، ومن لم يتح له الحظوة بالمثول في ذلك المشعر المقدس فإنه يتلوها في نائية البلاد، ويومي إليه من مستقره، وليوم الغدير وظائف من صوم وصلاة ودعاء فيها هتاف بذكره، تقوم بها الشيعة في أمصارها، وحواضرها، وأوساطها، و القرى، والرساتيق فهناك تجد ما يعدون بالملايين، أو يقدرون بثلث المسلمين أو نصفهم رواتا للحديث، مخبتين إليه معتنقين له دينا ونحلة. وأما كتب الإمامية في الحديث والتفسير والتاريخ وعلم الكلام فضع يدك على أي منها تجده مفعما بإثبات قصة الغدير والاحتجاج بمؤداها، فمن مسانيد عنعنتها الرواة إلى منبثق أنوار النبوة، ومراسيل أرسلها المؤلفون إرسال المسلم، حذفوا أسانيدها لتسالم فرق المسلمين عليها. ولا أحسب أن أهل السنة يتأخرون بكثير من الإمامية في إثبات هذا الحديث، والبخوع لصحته، والركون إليه، والتصحيح له، والاذعان بتواتره، اللهم إلا شذاذ تنكبت عن الطريقة، وحدت بهم العصبية العمياء إلى رمي القول على عواهنه، وهؤلاء لا يمثلون من جامعة العلماء إلا أنفسهم، فإن المثبتين المحققين للشأن المتولعين في الفن لا تخالجهم أية شبهة في اعتبار أسانيدهم التي أنهوها متعاضدة متظافرة بل متواترة إلى جماهير من الصحابة والتابعين"
- وقد ذكر العلاّمة الأميني (رضي الله عنه) أسماء 110 من الصحابة الّذين رووا حديث الغدير-، وقال:
"هؤلاء مائة وعشرة من أعاظم الصحابة الذين وجدنا روايتهم لحديث الغدير ولعل فيما ذهب علينا أكثر من ذلك بكثير ، وطبع الحال يستدعى أن تكون رواة الحديث أضعاف المذكورين ، لأن السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف أو يزيدون، وبقضاء الطبيعة إنهم حدثوا به عند مرتجعهم إلى أوطانهم شأن كل مسافر ينبئ عن الأحداث الغريبة التي شاهدها في سفره، نعم : فعلوا ذلك إلا أشذاذ منهم صدتهم الضغاين عن نقله، والمحدثون منهم وهم الأكثرون فمنهم هؤلاء المذكورون، ومنهم من طوت حديثه أجواز الفلى بموت السامعين في البراري والفلوات قبل أن ينهوه إلى غيرهم، ومنهم من أرهبته الظروف والأحوال عن الإشادة بذلك الذكر الكريم وقد مرّ تلويح إلى ذلك في رواية زيد بن أرقم، وجملة من الحضور كانوا من أعراب البوادي لم يتلق منهم حديث ولا إنتهى إليهم الاسناد، ومع ذلك كلّه ففي من ذكرناه غنى لإثبات التواتر"(3).
فهل بعد هذا ينكر النواصب إسناد أو دلالة حديث الغدير الشريف؟
قال تعالى: "وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا". [سورة الإسراء: آية72].
فهنيئًا لشيعة عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام
والحمد لله رب العالمين الّذين جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين عليه السّلام
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد والعن أعداءهم ،،،
ـــــــــــــــــــ
(1) إسماعيل بن عمر بن كثير الدّمشقي، البداية والنهاية، (بيروت، دار ابن حزم، 1430/ 2009)، مج2، ص1031.
(2) أحمد بن شعيب النسائي، خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، تحقيق الدَّاني بن منير آل زهوي، (بيروت، المكتبة العصريّة، 1426/ 2005)، هامش ص78، تعليقة رقم 88.
(3) عبد الحسين أحمد الأميني النجفي، موسوعة الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، تحقيق مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، (ط4، قم (إيران)، مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلامي)، ج1، ص31، ص144.