مرتضى علي الحلي
24-11-2011, 12:08 PM
((وقفاتٌ قيَميّةٌ مع نصوص الإمام الحُسَين (عليه السلام) في نهضته الشريفة ))
القسم الأول:
==============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
وسلامٌ على الإمام الحسين في العالمين
لما جاء كتاب مسلم بن عيقل إلى الإمام الحسين(عليه السلام) عزم على الخروج
فجمع أصحابه في الليلة الثامنة من ذي الحجة لسنة/60/للهجرة فخطبهم
فقال :
(( الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله ، خُطَّ الموتُ على ولدِ آدم مَخط القلادة ، على جيد الفتاة ،
وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه ،
فكأني بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ،
لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم
رضاء الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين
ولن تشذ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لُحمَتُه (يقصد /ع/ نفسه الشريفة وأهل بيته/ع/)
وهي مجموعةٌ في حظيرة القدس ، تقرُّ بهم عينه وينجز بهم وعده ،
فمن كان باذلاً فينا مُهجته مُوطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحلٌ مُصبّحا إن شاء الله))
إنظر/اللهوف /السيد ابن طاووس/ص126.
و/مقتل الخوارزمي/ج1/ص186.
إنّ هذا النص الشريف يضعنا أمام كتلة قوية وصلدة من القيم المعنوية والعرفانية والأخلاقية والدينية.
إذ أنّ الإمام الحسين /ع/ في ذلك الموقف كان الأمر عنده من الوضوح بدرجة عالية جداً بحيث كشف عنه في خطاباته
وخصوصا هذا النص المُؤسس للمفاهيم القيمية الحقة والمُحرّك لفاعلية الإيمان والمبدأ.
فالإنسان المؤمن حينما يعتقد بحقانية الدين ومشروعيته عقيدةً وشريعةً وفكرا ومنهجا ويقتنع بذلك تماماً
فسيكون الخيار الصعب والأخير عنده سهلاً بحكم اليقين بالفوز والظفر برضا الله تعالى ورسوله /ص/.
فمن هنا رسم لنا الإمام الحسين/ع/ ملامح حركته ونهضته القيمية الشريفة والتي كلفته الشهادة والتضحية بنفسه وبأهل بيته وأصحابه.
وفق معالم محددة وأهمها:
المَعلَمُ الأول
====
فقال/ع/:
الحمد لله :::
وهذا هوأدب المعصومين في الحديث مع الله تعالى المُتسحِق لوحده وحصرا الحمد كله.
وهنا عندما يَحمدُ الإمام الحسين /ع/ الله تعالى فيقينا أنه يحمده على الحال الذي هو فيه وعلى ما سيجري عليه/ع/.
ولذا فرض علينا الله تعالى :في الصلاة وغيرها التّحميد له سبحانه دوما بالثناء عليه وفي كل حال .
كماهو مسنون في سورة الحمد الواجبة القراءة في كل صلاة
ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب.
وما شاء الله :::
وهذه لغة المُوقنين بالقضاء والقدر الألهي الحكيم.
بمعنى لايكون إلاّ ما أراد الله تعالى لعباده وأختار لما فيه صلاحهم ومصلحتهم الوجودية حياتيا.
والقرآن الكريم ركّز على هذا المعنى معنى التسليم بإرادة الله تعالى الحكيمة.
وقال تعالى:
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ))الأحزاب36
ولا قوة إلا بالله::
وهذه هي الأخرى مفردة يقينية وقطعية في أثرها التكويني على الإنسان في هذه الحياة الدنيا فالحول والقوة مُنحصرة بالله تعالى واقعا وثبوتا
وما عند الإنسان من قدرة نسبية وبسيطة فهي بتمكين الله تعالى .
وحينما يدرك الأنسان أنّ القوة لله جميعا وبيقين قطعي فسوف يتحرك في تطبيق المبدأ والمشروع الحق بقوة الله تعالى وتمكينه .
والقرآن الكريم من أول الأمر بثّ هذه القيم المعنوية في وعي الإنسان المؤمن والمسلم في نصوصه الشريفة
فقال تعالى:
((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِوَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ))البقرة165
((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) الذاريات58
فكل الذي تقدم أعلاه كان هو حاضراً وبيقين نهائي ومبين في وعي وذهن الإمام الحسين/ع/.
ثم أردف /ع/ قوله أعلاه ب::
( خُطَّ الموتُ على ولدِ آدم مَخط القلادة ، على جيد الفتاة )
فإذا كان الإنسان المُصلِح والثائر في مجتمعه يخشى الموت في نهاية حركته فهو شخصٌ غير مُكتمل الوعي والإيمان والعقيدة.
لذا نبّه الإمام الحسين/ع/ على هذه الحقيقة الوجدانية في نفوس الناس والتي تنتابهم دوما.
وقال/ع/:
( خُطَّ الموتُ على ولدِ آدم مَخط القلادة ، على جيد الفتاة )
بمعنى أنّ النهاية الحتمية المُتمثلة بالموت للإنسان هي مُحيطةٌ به شاء أم أبى وسيصل إليها يقيناً .
ولكن مفهوم الموت يختلف عند الناس فمنهم من يراه خسارة للحياة ومنهم من يراه فوزا بالآخرة والحياة الحقة الباقية.
وبما أنّ الإمام الحسين/ع/ هو أحد أفراد البشر ولكن تصوره وتصديقه بالموت يختلف تماما عمّا هو معهود عند الأعم الأغلب في وقته وخاصة الذين حاربوه وخذلوه.
فشبّه /ع/ الموت بالزينة والجمال الذي يتحلى به الإنسان الشهيد والمُضحي في حال موته قتلا في سبيل الله تعالى والمبدأ.
ومعلوم أنّ الفتاة إنما تضع القلاة على جيدها (رقبتها) لأجل الزينة والجمال.
وهذه المفردة الحسينية القيمية هي رسالة معنوية وعَقَدية وحتى فكرية وأخلاقية لنا جميعا.
فنحن المؤمنون مُطالبون بحكم إيماننا بالله ورسوله والأئمة المعصومين/ع/.
بالتأسي بقول وبفعل وبيان المعصوم/ع/ وأعني هنا الحسين/ع/
والقرآن الكريم طرح وجه العبرة والحكمة من التعاطي مع المعصومين /ع/ حتى بعد مماتهم/ع/:
فقال الله تعالى:
((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))الممتحنة6
وهذه الآية الشريفة هي الآخرى تضعنا في الصورة الحقة لملامح الطريق :
وهي أن نكون متأسين بالمعصومين /ع/ بإعتبارهم السبل السديدة والمُوصِلةُ الى الله تعالى والتي من خلالها نضمن الدخول الى الجنة ورضا الله سبحانه.
لاحظواالربط القرآني بين وجه وحكمة الحاجة الى التأسي الفعلي بالمعصومين/ع/ وبين الرجاء لله تعالى واليوم الآخر.
وهذا الربط القيمي لن يكون جزافا بل جاء وفق علم الله تعالى وحكمته بضرورة إرتباط الإنسان بالمعصومين/ع/.
والخيار متروك للإنسان بعد إتمام الحجة عليه ولهذا جاء في ذيل هذه الآية :
((وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))
بمعنى أنه من يعرض ويترك التأسي بالمعصومين/ع/ فالله غني عنه وغير محتاج له
والخاسر في النهاية هو الإنسان المُعرض عن إرشاد ربه تعالى.
ثانيا::
===
والمَعلَمُ الثاني هو قول الحسين/ع/:
((وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه ،))
وهنا يطرح الإمام الحسين/ع/ عناصر القوة المعنوية والإيمانية في حركته الى الله تعالى و أهمها:
الشوق الى النبي محمد/ص/ والإمام علي/ع/ والصديقة الزهراء/ع/ والحسن/ع/ وهم أسلافه/ع/ الذين مضوا الى ربه بنفوس راضية مرضية.
وحتى أنه /ع/ عبّر عنه بإشتياق المعصوم الى المعصوم ووجه التشبيه هنا بإشتياق يعقوب الى يوسف
بإعتبار أنّ يعقوب/ع/ قد فارق يوسف وهوغلام وحُرِمَ من رؤيته سنين طوال وكذا الحال مع الحسين/ع/ الذي فارقه جده النبي محمد/ص/ وأمه الزهراء/ع/ وهو صغير السن/ع/ أيضا.
وهذه النقطة تُركّز في ذاتها قيمة حب المعصومين/ع/ وأهميتها في وجود الإنسان الصالح والذي حينما يشتاق الى نبيه وإمامه والمعصومين/ع/ تخفف عنه وطأة المعاناة التي يعيشها نتيجة الغربة التي تحل به بفعل إنحراف الأمة .
ثم بعد ذلك يقول الإمام الحسين/ع/:
(وخِيِرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه)
خِيرَ: هو فعل ماضٍ مبنيٌ للمجهول (إشارة الى تعظيم الفاعل المحذوف وهنا في المقام هو الله تعالى :بمعنى إختار الله تعالى لي مصرعاً أنا لاقيه).
هذا على مستوى المعنى النحوي واللغوي.
أما على مستوى المعنى القيمي والأخلاقي والعَقدي
فيكون المعنى أنّ الله تعالى هو من إختار للإمام الحسين /ع/ هذا الدور الرسالي العظيم وهذه الشهادة الحتمية .
وهذا الإختيار إنما جاء وفق ملاك عصمة الحسين/ع/ ومحبوبيته وقدسيته عند الله تعالى.
والحسين /ع/ يعلم يقنيا بذلك الإختيار الألهي الحكيم لذلك سلّمَ به وأفصح عنه علنا.
ولسائل أن يسأل لماذا هذا الإختيار وبصورة الشهادة والتضحية للدم من لدن الحسين/ع/ فممكن أن يكون الخطاب وإلقاء الحجة كافية في النهضة الحسينية آنذاك؟
الجواب:
إنّ كلا الأمرين مطلوبان :الخطاب الرسالي وإلقاء الحجة والتضحية بالدم.
فتارة لايجدي الخطاب الرسالي وإلقاء الحجة على الآخر المتبع لمنهج الباطل والظلم والفساد
بفعل موت القلوب وضلالة العقول وفساد الأنفس
فحينها يكون ممارسة دور التضحية والمواجهة العسكرية هو الخيار الأفضل في الميدان تحريكاً للساكن وضخاً للحياة في الموتى من الناس.
فالله تعالى حينما إختار الحسين/ع/ ليكون شهيدا لله تعالى وعلى الأمة
إنما إختاره من موقع الوجود القيمي والقدسي للحسين/ع/ في نفوس المسلمين والمؤمنين وبحكم كونه إمام الوقت والإنسان
وهذا الوجود الكلي القيمي إذا نزل بنفسه الى الميدان فسيُشكّل قوة دافعة آنيا ومستقبليا في إمكانية التضحية بالنفس من أجل إبقاء الرسالة الألهية صحيحة وقويمة.
فضلاً عن ندب الله تعالى في الكتاب العزيز القرآن الكريم لقضية الجهاد والدفاع في سبيل الله تعالى.
وإعطاء الإنسان الشهيد الأجر العظيم والحياة الحقيقية .
::
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)){169}
(( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)){170}
((يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ))171 /آل عمران:
المَعلّمُ الثالث::
========
((فكأني بأوصالي تُقطّعها عَسلان الفلوات (الصحاري)
بين النواويس(اسم مكان) وكربلا فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ،
لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم ))
في نظرة واعية وفاحصة لهذا المقطع من نصوص الحسين/ع/ يتبين مدى حذاقة وفطنة الإمام الحسين/ع/ وعلمه ومعرفته لما سيحل به من الأعداء
إذ يحملُ هذا المقطع النصي في متنه قراءة واقعية حتمية للمستقبل القريب الذي ينتظره الحسين/ع/ من أفعال الأعداء الخبيثة
فالحسين/ع/ يدرك ويعلم يقيناً أنه ستمزق أشلائه الشريفة وسيقتل غيلة وغدرا وإفتراسا كما تفعل (عَسلان الفلوات)
الذئاب الغادرة والسريعة في الإنقضاض على فريستها
وحتى يعرف موقع المكان الذي ستُنتهك فيه حرمته ولذا حدده ميدانيا وجغرافيا في وادي الغاضرية بين النواويس وكربلاء
وهذه الذئاب الغادرة والوحشية ذئاب بني أمية ستنال من الحسين/ع/ وعيالة وأخوته وأصحابة ما تنال الوحوش الكاسرة من فريستها كما عبّر هو /ع/ بقوله:
فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ،
إشارة منه /ع/ الى تعطّش المجرمين من الأعداء الى إراقة دمه الطاهر وهتك قدسيته
كما تفعل الذئاب الجائعة فتملء أكراشها(معدتها) من فريستها
ولذا شبّه الإمام الحسين /ع/ فعل الأعداء به بفعل الحيوانات الوحشية التي لاتهدأ في سلوكها مع الفريسة حتى تملء أجربتها (أوعيتها ) الجائعة من دم الحسين/ع/.
ثم بعد ذلك التصوير المهول والفجيع يقول الإمام الحسين/ع/
::
((لا محيصَ عن يوم خُطّ بالقلم ))
يا له من تعبير مميز ورائع من لدن المعصوم الإمام الحسين/ع/
يحكي عن يقينية ملاقاة الإنسان ليومه المحتوم يوم الموت أو الشهادة لطالما كتبته عليه يدٌ الغيب الألهي التي لا تتخلف في تحققها أبدا.
وفعلا لا محيصَ :لامهربَ:عن يوم خُطّ بالقلم .
والقرآن الكريم أيضا قد بثّ حقيقة هذا الحتم المخطوط الذي سيواجهه الإنسان شاء أم أبى؟
والإمام الحسين /ع/ هوترجمان القرآن الكريم فعليا
فقال الله تعالى:
((نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ))الواقعة60
وإذا توفرت القناعات اليقينية في شخصية الإنسان أيّا كان وخصوصا قناعة حتمية الموت والرجوع الى الله تعالى في يومٍ ما.
فعليه العمل على كسب رضا الله تعالى ورسوله والمعصومين/ع/
ومن هنا ضخّ الإمام الحسين/ع/ هذه القيمة المعنوية في ذهن السامع ووعي المتلقي لنصوصه الشريفة وقال/ع/:
((رضاء الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين
ولن تشذ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لُحمَتُه (يقصد /ع/ نفسه الشريفة وأهل بيته/ع/)
وهي مجموعةٌ في حظيرة القدس ، تقرُّ بهم عينه وينجز بهم وعده ))
وهذا المقطع القيمي فيه من التربية الذاتية والذهنية للإنسان ما يستطيع معه من الصمود في مواجهة الصعاب من البلاآت والمحن .
والأمر المهم الذي ينبغي الإلتفات إليه هو الربط والتعليق بين رضا المعصومين (أهل البيت) /ع/ ورضا الله تعالى
بمعنى أنّ الله يرضى لرضا المعصومين هذا بحسب مفهوم الموافقة
ويغضب لغضبهم هذا بسحب مفهوم المخالفة في النص.
وهذه الحقيقة أكدها الرسول الأكرم محمد /ص/ حينما قال/ص/:
(( يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك))
إنظر/مناقب آل أبي طالب/ابن شهر آشوب/ج3/ص106.
ففي مفهوم ومنظومة الإمام الحسين/ع/ كل شيء يَهون ويُصَبرُ عليه لطالما فيه رضا الله تعالى.
ذرية بعضها من بعض والحسين/ع/ هوابن رسول الله/ص/ نسبا ومنهجا وتطبيقا والأبن البار لن يترك برّ أبيه حتى بعد مماته
ولذا قال/ع/:
ولن تشذ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لُحمَتُه (يقصد /ع/ نفسه الشريفة وأهل بيته/ع/)
وهي مجموعةٌ في حظيرة القدس ، تقرُّ بهم عينه وينجز بهم وعده ))
فمن المستحيل أن تخرج حركة المعصوم عن دائرة العصمة والعدالة والتقوى والصلاح
لأنه بالتالي إنّ كل المعصومين/ع/ مجموعون في حظرة الله تعالى وسينالون الرحمة والنعمة والأجر كاملاً وينجز الله تعالى لهم وعده الغير مكذوب.
المَعلَم الرابع::
======
((فمن كان باذلاً فينا مُهجته(أي مُستَعِدّا للتضحية)
مُوطّنا(مُثَبِِّتاً) على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحلٌ مُصبّحا إن شاء الله))
وهنا تقترب قافلة العشق الألهي من لقاء الله تعالى
وأيُّ قافلة هذه التي لايكون من أهلها إلاّ من بذل نفسه لله تعالى وأطاع أمر الحسين/ع/ في الدفاع المقدس عن الدين الحق
وسبحان الله فالحسين/ع/ هنا يضع أصحابه وأنصاره أمام الحقيقة الواقعة حتماً ويطرح لهم الصورة بوضوح وصفاء
فالرحيل قد دنا والقوم يسيرون والمنايا تسير بهم
فلقاء الله تعالى يتطلب العمل الصالح والتوحيد الحق
وهو هنا في المقام قد إختزله الإمام الحسين/ع/ في مشروعه مشروع الشهادة الإصلاحية والقيمية .
وحيثُ يقول الله تعالى::
((مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))العنكبوت5
((فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))الكهف110
إذن بحسب الإرتباط القيمي بيننا وبين الإمام الحسين/ع/ علينا أن نرحل الى الهك تعالى بعمل صالح وبنفس راضية مرضية وبإعتقاد يقنيني بإمامة المعصومين/ع/ من الأئمة /ع/ وخاصة إمام وقتنا الإمام المهدي/ع/.
هذا ما ممكن أن نستلهمه من قيم وأهداف الحسين/ع/ في نهضته الشريفة نهضة إسترجاع القيم الحقة وتأصيلها في أرض الواقع وإزاحة الباطل والظلم والفساد عن واجهة الحياة البشرية.
وسلامٌ على الحسين في العالمين:
والسلام عليكم ورحمة الهع وبركاته
مرتضى علي الحلي: النجف الأشرف:
:من جوار الرامز المُقدّس الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام):
القسم الأول:
==============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
وسلامٌ على الإمام الحسين في العالمين
لما جاء كتاب مسلم بن عيقل إلى الإمام الحسين(عليه السلام) عزم على الخروج
فجمع أصحابه في الليلة الثامنة من ذي الحجة لسنة/60/للهجرة فخطبهم
فقال :
(( الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله ، خُطَّ الموتُ على ولدِ آدم مَخط القلادة ، على جيد الفتاة ،
وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه ،
فكأني بأوصالي تُقطّعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ،
لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم
رضاء الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين
ولن تشذ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لُحمَتُه (يقصد /ع/ نفسه الشريفة وأهل بيته/ع/)
وهي مجموعةٌ في حظيرة القدس ، تقرُّ بهم عينه وينجز بهم وعده ،
فمن كان باذلاً فينا مُهجته مُوطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحلٌ مُصبّحا إن شاء الله))
إنظر/اللهوف /السيد ابن طاووس/ص126.
و/مقتل الخوارزمي/ج1/ص186.
إنّ هذا النص الشريف يضعنا أمام كتلة قوية وصلدة من القيم المعنوية والعرفانية والأخلاقية والدينية.
إذ أنّ الإمام الحسين /ع/ في ذلك الموقف كان الأمر عنده من الوضوح بدرجة عالية جداً بحيث كشف عنه في خطاباته
وخصوصا هذا النص المُؤسس للمفاهيم القيمية الحقة والمُحرّك لفاعلية الإيمان والمبدأ.
فالإنسان المؤمن حينما يعتقد بحقانية الدين ومشروعيته عقيدةً وشريعةً وفكرا ومنهجا ويقتنع بذلك تماماً
فسيكون الخيار الصعب والأخير عنده سهلاً بحكم اليقين بالفوز والظفر برضا الله تعالى ورسوله /ص/.
فمن هنا رسم لنا الإمام الحسين/ع/ ملامح حركته ونهضته القيمية الشريفة والتي كلفته الشهادة والتضحية بنفسه وبأهل بيته وأصحابه.
وفق معالم محددة وأهمها:
المَعلَمُ الأول
====
فقال/ع/:
الحمد لله :::
وهذا هوأدب المعصومين في الحديث مع الله تعالى المُتسحِق لوحده وحصرا الحمد كله.
وهنا عندما يَحمدُ الإمام الحسين /ع/ الله تعالى فيقينا أنه يحمده على الحال الذي هو فيه وعلى ما سيجري عليه/ع/.
ولذا فرض علينا الله تعالى :في الصلاة وغيرها التّحميد له سبحانه دوما بالثناء عليه وفي كل حال .
كماهو مسنون في سورة الحمد الواجبة القراءة في كل صلاة
ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب.
وما شاء الله :::
وهذه لغة المُوقنين بالقضاء والقدر الألهي الحكيم.
بمعنى لايكون إلاّ ما أراد الله تعالى لعباده وأختار لما فيه صلاحهم ومصلحتهم الوجودية حياتيا.
والقرآن الكريم ركّز على هذا المعنى معنى التسليم بإرادة الله تعالى الحكيمة.
وقال تعالى:
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ))الأحزاب36
ولا قوة إلا بالله::
وهذه هي الأخرى مفردة يقينية وقطعية في أثرها التكويني على الإنسان في هذه الحياة الدنيا فالحول والقوة مُنحصرة بالله تعالى واقعا وثبوتا
وما عند الإنسان من قدرة نسبية وبسيطة فهي بتمكين الله تعالى .
وحينما يدرك الأنسان أنّ القوة لله جميعا وبيقين قطعي فسوف يتحرك في تطبيق المبدأ والمشروع الحق بقوة الله تعالى وتمكينه .
والقرآن الكريم من أول الأمر بثّ هذه القيم المعنوية في وعي الإنسان المؤمن والمسلم في نصوصه الشريفة
فقال تعالى:
((وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِوَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ))البقرة165
((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ )) الذاريات58
فكل الذي تقدم أعلاه كان هو حاضراً وبيقين نهائي ومبين في وعي وذهن الإمام الحسين/ع/.
ثم أردف /ع/ قوله أعلاه ب::
( خُطَّ الموتُ على ولدِ آدم مَخط القلادة ، على جيد الفتاة )
فإذا كان الإنسان المُصلِح والثائر في مجتمعه يخشى الموت في نهاية حركته فهو شخصٌ غير مُكتمل الوعي والإيمان والعقيدة.
لذا نبّه الإمام الحسين/ع/ على هذه الحقيقة الوجدانية في نفوس الناس والتي تنتابهم دوما.
وقال/ع/:
( خُطَّ الموتُ على ولدِ آدم مَخط القلادة ، على جيد الفتاة )
بمعنى أنّ النهاية الحتمية المُتمثلة بالموت للإنسان هي مُحيطةٌ به شاء أم أبى وسيصل إليها يقيناً .
ولكن مفهوم الموت يختلف عند الناس فمنهم من يراه خسارة للحياة ومنهم من يراه فوزا بالآخرة والحياة الحقة الباقية.
وبما أنّ الإمام الحسين/ع/ هو أحد أفراد البشر ولكن تصوره وتصديقه بالموت يختلف تماما عمّا هو معهود عند الأعم الأغلب في وقته وخاصة الذين حاربوه وخذلوه.
فشبّه /ع/ الموت بالزينة والجمال الذي يتحلى به الإنسان الشهيد والمُضحي في حال موته قتلا في سبيل الله تعالى والمبدأ.
ومعلوم أنّ الفتاة إنما تضع القلاة على جيدها (رقبتها) لأجل الزينة والجمال.
وهذه المفردة الحسينية القيمية هي رسالة معنوية وعَقَدية وحتى فكرية وأخلاقية لنا جميعا.
فنحن المؤمنون مُطالبون بحكم إيماننا بالله ورسوله والأئمة المعصومين/ع/.
بالتأسي بقول وبفعل وبيان المعصوم/ع/ وأعني هنا الحسين/ع/
والقرآن الكريم طرح وجه العبرة والحكمة من التعاطي مع المعصومين /ع/ حتى بعد مماتهم/ع/:
فقال الله تعالى:
((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))الممتحنة6
وهذه الآية الشريفة هي الآخرى تضعنا في الصورة الحقة لملامح الطريق :
وهي أن نكون متأسين بالمعصومين /ع/ بإعتبارهم السبل السديدة والمُوصِلةُ الى الله تعالى والتي من خلالها نضمن الدخول الى الجنة ورضا الله سبحانه.
لاحظواالربط القرآني بين وجه وحكمة الحاجة الى التأسي الفعلي بالمعصومين/ع/ وبين الرجاء لله تعالى واليوم الآخر.
وهذا الربط القيمي لن يكون جزافا بل جاء وفق علم الله تعالى وحكمته بضرورة إرتباط الإنسان بالمعصومين/ع/.
والخيار متروك للإنسان بعد إتمام الحجة عليه ولهذا جاء في ذيل هذه الآية :
((وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ))
بمعنى أنه من يعرض ويترك التأسي بالمعصومين/ع/ فالله غني عنه وغير محتاج له
والخاسر في النهاية هو الإنسان المُعرض عن إرشاد ربه تعالى.
ثانيا::
===
والمَعلَمُ الثاني هو قول الحسين/ع/:
((وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه ،))
وهنا يطرح الإمام الحسين/ع/ عناصر القوة المعنوية والإيمانية في حركته الى الله تعالى و أهمها:
الشوق الى النبي محمد/ص/ والإمام علي/ع/ والصديقة الزهراء/ع/ والحسن/ع/ وهم أسلافه/ع/ الذين مضوا الى ربه بنفوس راضية مرضية.
وحتى أنه /ع/ عبّر عنه بإشتياق المعصوم الى المعصوم ووجه التشبيه هنا بإشتياق يعقوب الى يوسف
بإعتبار أنّ يعقوب/ع/ قد فارق يوسف وهوغلام وحُرِمَ من رؤيته سنين طوال وكذا الحال مع الحسين/ع/ الذي فارقه جده النبي محمد/ص/ وأمه الزهراء/ع/ وهو صغير السن/ع/ أيضا.
وهذه النقطة تُركّز في ذاتها قيمة حب المعصومين/ع/ وأهميتها في وجود الإنسان الصالح والذي حينما يشتاق الى نبيه وإمامه والمعصومين/ع/ تخفف عنه وطأة المعاناة التي يعيشها نتيجة الغربة التي تحل به بفعل إنحراف الأمة .
ثم بعد ذلك يقول الإمام الحسين/ع/:
(وخِيِرَ لي مصرعٌ أنا لاقيه)
خِيرَ: هو فعل ماضٍ مبنيٌ للمجهول (إشارة الى تعظيم الفاعل المحذوف وهنا في المقام هو الله تعالى :بمعنى إختار الله تعالى لي مصرعاً أنا لاقيه).
هذا على مستوى المعنى النحوي واللغوي.
أما على مستوى المعنى القيمي والأخلاقي والعَقدي
فيكون المعنى أنّ الله تعالى هو من إختار للإمام الحسين /ع/ هذا الدور الرسالي العظيم وهذه الشهادة الحتمية .
وهذا الإختيار إنما جاء وفق ملاك عصمة الحسين/ع/ ومحبوبيته وقدسيته عند الله تعالى.
والحسين /ع/ يعلم يقنيا بذلك الإختيار الألهي الحكيم لذلك سلّمَ به وأفصح عنه علنا.
ولسائل أن يسأل لماذا هذا الإختيار وبصورة الشهادة والتضحية للدم من لدن الحسين/ع/ فممكن أن يكون الخطاب وإلقاء الحجة كافية في النهضة الحسينية آنذاك؟
الجواب:
إنّ كلا الأمرين مطلوبان :الخطاب الرسالي وإلقاء الحجة والتضحية بالدم.
فتارة لايجدي الخطاب الرسالي وإلقاء الحجة على الآخر المتبع لمنهج الباطل والظلم والفساد
بفعل موت القلوب وضلالة العقول وفساد الأنفس
فحينها يكون ممارسة دور التضحية والمواجهة العسكرية هو الخيار الأفضل في الميدان تحريكاً للساكن وضخاً للحياة في الموتى من الناس.
فالله تعالى حينما إختار الحسين/ع/ ليكون شهيدا لله تعالى وعلى الأمة
إنما إختاره من موقع الوجود القيمي والقدسي للحسين/ع/ في نفوس المسلمين والمؤمنين وبحكم كونه إمام الوقت والإنسان
وهذا الوجود الكلي القيمي إذا نزل بنفسه الى الميدان فسيُشكّل قوة دافعة آنيا ومستقبليا في إمكانية التضحية بالنفس من أجل إبقاء الرسالة الألهية صحيحة وقويمة.
فضلاً عن ندب الله تعالى في الكتاب العزيز القرآن الكريم لقضية الجهاد والدفاع في سبيل الله تعالى.
وإعطاء الإنسان الشهيد الأجر العظيم والحياة الحقيقية .
::
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)){169}
(( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)){170}
((يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ))171 /آل عمران:
المَعلّمُ الثالث::
========
((فكأني بأوصالي تُقطّعها عَسلان الفلوات (الصحاري)
بين النواويس(اسم مكان) وكربلا فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ،
لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم ))
في نظرة واعية وفاحصة لهذا المقطع من نصوص الحسين/ع/ يتبين مدى حذاقة وفطنة الإمام الحسين/ع/ وعلمه ومعرفته لما سيحل به من الأعداء
إذ يحملُ هذا المقطع النصي في متنه قراءة واقعية حتمية للمستقبل القريب الذي ينتظره الحسين/ع/ من أفعال الأعداء الخبيثة
فالحسين/ع/ يدرك ويعلم يقيناً أنه ستمزق أشلائه الشريفة وسيقتل غيلة وغدرا وإفتراسا كما تفعل (عَسلان الفلوات)
الذئاب الغادرة والسريعة في الإنقضاض على فريستها
وحتى يعرف موقع المكان الذي ستُنتهك فيه حرمته ولذا حدده ميدانيا وجغرافيا في وادي الغاضرية بين النواويس وكربلاء
وهذه الذئاب الغادرة والوحشية ذئاب بني أمية ستنال من الحسين/ع/ وعيالة وأخوته وأصحابة ما تنال الوحوش الكاسرة من فريستها كما عبّر هو /ع/ بقوله:
فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا ،
إشارة منه /ع/ الى تعطّش المجرمين من الأعداء الى إراقة دمه الطاهر وهتك قدسيته
كما تفعل الذئاب الجائعة فتملء أكراشها(معدتها) من فريستها
ولذا شبّه الإمام الحسين /ع/ فعل الأعداء به بفعل الحيوانات الوحشية التي لاتهدأ في سلوكها مع الفريسة حتى تملء أجربتها (أوعيتها ) الجائعة من دم الحسين/ع/.
ثم بعد ذلك التصوير المهول والفجيع يقول الإمام الحسين/ع/
::
((لا محيصَ عن يوم خُطّ بالقلم ))
يا له من تعبير مميز ورائع من لدن المعصوم الإمام الحسين/ع/
يحكي عن يقينية ملاقاة الإنسان ليومه المحتوم يوم الموت أو الشهادة لطالما كتبته عليه يدٌ الغيب الألهي التي لا تتخلف في تحققها أبدا.
وفعلا لا محيصَ :لامهربَ:عن يوم خُطّ بالقلم .
والقرآن الكريم أيضا قد بثّ حقيقة هذا الحتم المخطوط الذي سيواجهه الإنسان شاء أم أبى؟
والإمام الحسين /ع/ هوترجمان القرآن الكريم فعليا
فقال الله تعالى:
((نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ))الواقعة60
وإذا توفرت القناعات اليقينية في شخصية الإنسان أيّا كان وخصوصا قناعة حتمية الموت والرجوع الى الله تعالى في يومٍ ما.
فعليه العمل على كسب رضا الله تعالى ورسوله والمعصومين/ع/
ومن هنا ضخّ الإمام الحسين/ع/ هذه القيمة المعنوية في ذهن السامع ووعي المتلقي لنصوصه الشريفة وقال/ع/:
((رضاء الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين
ولن تشذ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لُحمَتُه (يقصد /ع/ نفسه الشريفة وأهل بيته/ع/)
وهي مجموعةٌ في حظيرة القدس ، تقرُّ بهم عينه وينجز بهم وعده ))
وهذا المقطع القيمي فيه من التربية الذاتية والذهنية للإنسان ما يستطيع معه من الصمود في مواجهة الصعاب من البلاآت والمحن .
والأمر المهم الذي ينبغي الإلتفات إليه هو الربط والتعليق بين رضا المعصومين (أهل البيت) /ع/ ورضا الله تعالى
بمعنى أنّ الله يرضى لرضا المعصومين هذا بحسب مفهوم الموافقة
ويغضب لغضبهم هذا بسحب مفهوم المخالفة في النص.
وهذه الحقيقة أكدها الرسول الأكرم محمد /ص/ حينما قال/ص/:
(( يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك))
إنظر/مناقب آل أبي طالب/ابن شهر آشوب/ج3/ص106.
ففي مفهوم ومنظومة الإمام الحسين/ع/ كل شيء يَهون ويُصَبرُ عليه لطالما فيه رضا الله تعالى.
ذرية بعضها من بعض والحسين/ع/ هوابن رسول الله/ص/ نسبا ومنهجا وتطبيقا والأبن البار لن يترك برّ أبيه حتى بعد مماته
ولذا قال/ع/:
ولن تشذ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لُحمَتُه (يقصد /ع/ نفسه الشريفة وأهل بيته/ع/)
وهي مجموعةٌ في حظيرة القدس ، تقرُّ بهم عينه وينجز بهم وعده ))
فمن المستحيل أن تخرج حركة المعصوم عن دائرة العصمة والعدالة والتقوى والصلاح
لأنه بالتالي إنّ كل المعصومين/ع/ مجموعون في حظرة الله تعالى وسينالون الرحمة والنعمة والأجر كاملاً وينجز الله تعالى لهم وعده الغير مكذوب.
المَعلَم الرابع::
======
((فمن كان باذلاً فينا مُهجته(أي مُستَعِدّا للتضحية)
مُوطّنا(مُثَبِِّتاً) على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحلٌ مُصبّحا إن شاء الله))
وهنا تقترب قافلة العشق الألهي من لقاء الله تعالى
وأيُّ قافلة هذه التي لايكون من أهلها إلاّ من بذل نفسه لله تعالى وأطاع أمر الحسين/ع/ في الدفاع المقدس عن الدين الحق
وسبحان الله فالحسين/ع/ هنا يضع أصحابه وأنصاره أمام الحقيقة الواقعة حتماً ويطرح لهم الصورة بوضوح وصفاء
فالرحيل قد دنا والقوم يسيرون والمنايا تسير بهم
فلقاء الله تعالى يتطلب العمل الصالح والتوحيد الحق
وهو هنا في المقام قد إختزله الإمام الحسين/ع/ في مشروعه مشروع الشهادة الإصلاحية والقيمية .
وحيثُ يقول الله تعالى::
((مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))العنكبوت5
((فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ))الكهف110
إذن بحسب الإرتباط القيمي بيننا وبين الإمام الحسين/ع/ علينا أن نرحل الى الهك تعالى بعمل صالح وبنفس راضية مرضية وبإعتقاد يقنيني بإمامة المعصومين/ع/ من الأئمة /ع/ وخاصة إمام وقتنا الإمام المهدي/ع/.
هذا ما ممكن أن نستلهمه من قيم وأهداف الحسين/ع/ في نهضته الشريفة نهضة إسترجاع القيم الحقة وتأصيلها في أرض الواقع وإزاحة الباطل والظلم والفساد عن واجهة الحياة البشرية.
وسلامٌ على الحسين في العالمين:
والسلام عليكم ورحمة الهع وبركاته
مرتضى علي الحلي: النجف الأشرف:
:من جوار الرامز المُقدّس الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام):