عبود مزهر الكرخي
26-11-2011, 12:21 PM
الأمام علي بن أبي طالب (ع) وحقوق الإنسان
الجزء الثالث
ولنكمل بحثنا والذي يتناول سيرة حقوق الإنسان لأمير المؤمنين وأمام المتقين وسيد الوصيين ويعسوب الدين سيدي مولاي علي أبي طالب(ع) والذي أجد كل المتعة في تناول سيرته والتي هي مدرسة كاملة ينهل كل طالب للحقيقة والعدل والمساواة لأن الأمام هو القران الناطق والذي قال عنه نبينا الأكرم محمد(ص) وبالنص
وروى ابن حجر الهيثمي في صواعقه : أخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا على الحوض ( 1 ) .
ولنعرج على الحكم ونناقش المعسكرين ولنأخذ مثالين على ذلك الأول من معسكر الأمام علي(ع) وهو الصحابي الجليل مالك بن الأشتر(رض) والثاني من معسكر معاوية وهو الحجاج الثقفي.
فالصحابي مالك بن الأشتر من الصحابة الأجلاء ومن الذين يشهد لهم بالشجاعة والبطولة بحيث كان يقاتل ومع الأمام علي(ع) وفي نفس الصف وكان يقال له أنه إذا داس على اللبوة لا يتهيب لشجاعته واللبوة تكون أشرس من الأسد كما هو معروف وفي مرة كان يتمشى في أحد شوارع الكوفة ونتيجة لتواضعه وزهده لا يسير ومعه حماية او حرس أو هيلمان كما يفعل الطغاة وحدث إن رماه أحد الرجال بنواة للتقليل من شأنه وهذا حال الناس الغوغاء فأنهم لايخافون إلا من الشخص القوي وذهب ولم يكلمه فجاء الرجال الذين بقربه وقالوا أتعرف من رميت قال : لا ! قالوا انه نائب أمير المؤمنين عند ذاك خاف وأخذ يركض يبحث عنه فوجده في مسجد الكوفة يصلي وعند الفراغ جاء يطلب منه السماح ويقبل يده .فقال له مالك : ماذا تفعل؟ أطلب منك السماح. فقال له : والله أنا كنت اصلي لكي يغفر الله لك على مافعلته.
فأنظر لهذا الخلق الرفيع والسامي وهو الذي خلق الإسلام والذين تربوا في مدرسة الأمام والتي تنظر بعين الرحمة والرأفة للرعية ولايؤاخذهم بجريرة أعمالهم وسواتهم والذين هو مايسمى الآن بحقوق الإنسان والذي هو كان بمقام رئيس الوزراء أي نائب امير المؤمنين وهو ما يعبر عن أنهم قد نهلوا من النبع والعطاء الثر للمدرسة العلوية والتي هي القرآن الناطق والذي يمشي على الأرض.
ولنأتي الى الرجل الثاني الحجاج من معسكر معاوية وهو طاغية معروف وكل كتب التاريخ والمراجع تشهد بذلك والذي كان في سجونه يقبع أكثر من (150)ألف سجين (50)ألف منهم من النساء و(30) من النساء مقيدات وعرايا فأي ظلم ودكتاتورية مارسها ذلك الطاغية والذي لايتورع عن فعل أي شيء ، والذين يقولون عنه فاتح وأداري ناجح ووالي حكيم فأنظر لطغيان هذا الرجل الذي لو حدثت معه هذه الحادثة أكيد لكن قتل الرجل وقبل أن يتلفظ الشهادتين.
ولنلاحظ الفرق بين المعسكرين معسكر الزاهدين والمتقين الذين هم طلاب الآخرة وهم الذين يتمثل العدل والمساواة بين رعاياهم وبأبهى صوره والذي مايطلق عليها في مصطلحنا حقوق الإنسان والذي كان موجود وبأكثر من ألف سنة عند هذا المعسكر ومخطوط في وجدانهم وضمائرهم لأنهم تربوا ونهلوا من النبع الصافي وهي المدرسة العلوية والتي كلها عطاء ثر وخير ورحمة لاينضب وهم وليس طلاب الدنيا وزخرفها والمعسكر الثاني معسكر الطغيان والمكر والظلم والذي تفوح كل معاني الظلم والدكتاتورية.
فهذا هو معسكر معاوية معسكر الظلم والقهر للناس والجريمة والغدر بكل أشكالها وفي أعلى قممها والذي يقال عن الحجاج أنه فاتح ومسلم وإداري ناجح وهو الذي أشتهر بظلمه وطغيان ويضرب به المثل.
وأردت ان اضرب هذا المثال لأبين مدى هي حقوق الإنسان التي عند أمير المؤمنين روحي له الفداء والتي عرفها وطبقها على رعيته وقام بترجمتها كل أصحابه المنتجبين والتي سبقت كل المواثيق والدساتير العالمية باكثر من (1300)سنة.
ولندخل الى موضوع مهم وهو :
الإمام علي بن أبي طالب(ع) ونظرته للإنسان
فالمعلوم ان كل الثورات وكل المفكرين والثوار يعتبرون إن الإنسان هو المعول الأكبر والغاية القصوى التي ينشدها كل من يريد المطالبة بالثورة أو الأفكار التي تصب في هذا الاتجاه لأنه يعتبر الإنسان هو الغاية التي يتم بناء المجتمع والوصول به الى المجتمع السليم الذي تبنى عليه كل الأفكار والقيم السامية.
فكيف وأن ابو الثوار في موضوع بحثتا الأمام علي(ع)فبالتأكيد فهو يمثل الأنموذج السامي والعالي بكل قيمه والذي لم يجد الزمان بأحدٍ مثله لا في الأولين والآخرين بعد نبي الرحمة محمد(ص) ، لأنه المؤيد من الله ورسوله وهو الفاروق بين الحق والباطل والذي يعرف الحق فمن الضروري أنه ولأنه الحق والحق مع الإنسانية دوماً وهو الحاني عليها والمدافع عنها والذي يكون للإنسان أقرب من الوالد لأبنه ولنأخذ ماقاله وأسوق وصف إلى ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية بن أبي سفيان حتى أبكاه وأبكى القوم وجعله يترحم عليه وهو عدوه فأي منزلة اكتسبت يا سيدي ويا مولاي أمير المؤمنين والوصف هو (كان والله بعيد المدى شديد القوى،يقول فصلاً ويحكم عدلاً،يتفجر العلم من جوانبه،وتنطق الحكمة من نواحيه،ويستوحش من الدنيا وزهرتها،ويستأنس بالليل ووحشته،وكان غزير العبرة طويل الفكرة،يقلب كفّه ويخاطب نفسه،يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب،وكان فينا كأحدنا،يدنينا إذا أتيناه،ويجيبنا أذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه وينبئنا إذا استنبأناه،ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منّا لانكاد نكلمه هيبةً،فأذا أبتسم فعن اللؤلؤ المنظوم،يعظّم أهل الدين ويقّرّب المساكين،لا يطمع القوّي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله).
فهذا هو أبو تراب والذي وضعت الخط تحت بعض العبارات لكي نعلم مدى الرحمة والإنسانية التي تفوح من هذه الشخصية العظيمة والخالدة والتي هي ينبوع تتفجر كل معاني قيم الحق والعدالة ومبادئ الخير والتي تفوح عبقها وأريجها العطر على الإنسانية جمعاء وعلى مدى التاريخ وهذا ليس الكلام وكما يقال عندنا بالمثل العامي من جيوبنا بل هو الواقع و الحقيقة التي لايحجبها غربال الغش والتضليل والتي حاول كل الأفاقين والحاقدين من وعاظ السلاطين والكتاب المرجفين التعتيم على ذلك التألق البراق والمتوهج ولكن أزداد ذلك النور الرباني من سيرة أمير المؤمنين شعاعاً ونوراً. ولنطلع ما نستخرجه من المصادر والكتب لكي نقرن القول بالدليل.
"ويجعل الإمام هذا المخلوق افضل الموجودات ، اذا ما حقق إنسانيته ، إذ يقول(ع) بنظرة تحليلية:" ان الله عز وجل ركب في الملائكة عقل بلا شهوة ،وركب في البهائم شهوة بلا عقل وركب في بني ادم كليهما ، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلب شهوته عقله فهو شر من البهائم "(2).
وتحسب أنك جرم صغير...وفيك انطوى العالم الأكبر.(3)
وهنا نتلمس معيار قيمة الإنسان حين يربطها الإمام بمسألتين :
الاولى : إنه انسان منتم الى الأسرة البشرية من أبناء ادم وحواء ، فيترتب على هذا الموقع حقوقاً أساسية ومن أهمها (حق الحياة ) .
الثانية : درجة الإيمان والعمل الصالح ، وهي درجة أسمى ، لا ينالها الجميع ،ولكن لا تجعل من يملكها أفضل الأوفق المعيار الإيماني وهو معيار معنوي ، " ليس على وجه الأرض أكرم على الله من النفس المطيعة لأمره "(4) على وفق قول الإمام علي (ع) وان الإنسان هو خليفة الله في أرضه (5) والكائن الذي امتاز بمعرفة الخالق وتكليفه بالعبادة فلقد كان من دعاء
الإمام علي (ع) : " الهي كفى بي عزا إن أكون لك عبدا وكفى بي فخرا إن تكون لي ربا "(6) . ويجمل المفكر جورج جرداق الرؤية العلوية الجليلة إلى معنى الحياة بأنها هي " الاصل وعليه تنمو الفروع "(7) .
لقد تعامل الإمام مع الحياة بواقعية ، فلم يشغل فكره بمسائل الخلود وما شابه إذ آمن إن الموت مسالة حتمية و " إن الموت طالب حثيث لايفوته مقيم ، ولا يعجزه هارب "(8) وان " الدنيا دار فناء " (9)
ووفقا للفكر العلوي ، فان الحياة قيمة عليا تتغلب على الموت ،وان أي اعتداء لإزهاق حياة إنسان ، وبغض النظر عن ماهية ذلك الإنسان ، هو اعتداء على الإرادة الإلهية الموجدة والمانحة الوحيدة للحياة من جهة وجريمة بحق الإنسانية جمعاء، وسلب لحق أساسي من حقوق الإنسان إلا وهو (حق الحياة ) من جهة أخرى ، لذا فان الإمام نظر إلى القتل بأنه جريمة كبرى فيقول(ع) ان من " الكبائر الكفر بالله ،وقتل النفس .." (10)
بل ان الإمام وقف بالضد من التهديد باستخدام القتل وما دونه من تعذيب وإهانة وما شابه من وسائل انتقاص الإنسان وتحت أي ذريعة ليقر بذلك (حق الأمن ) للمجتمع ،فقد أشار (ع) ، إلى أنَّ من سلبيات مجتمع الجاهلية ،قبل عهد الرسالة الإسلامية ، هو تفشي ظاهرة انعدام الأمن وشيوع سفك الدماء فيتوجه بخطابه الى العقول أين ما كانت أو وجدت فيقول:"ان الله بعث محمداً(صلى الله عليه وآله) نذيرا للعالمين وأمينا على التنزيل وشهيدا على هذه الأمة،وانتم يا معشر العرب على غير دين وفي شر دار تسفكون دماءكم.
وتقتلون أولادكم ،وتقطعون أرحامكم"(11)،وان سمات الدنيا في ظل انعدام الأمن تكون " متجهمة لأهلها،عابسة في وجه طالبها،ثمرها الفتنة وطعامها الجيفة وشعارها الخوف ودثارها السيف"(12) .
فهل يوجد أعظم من هذه المفاهيم السامية والتي هي كلها تدخل في مجال حقوق الإنسان والتي نادى بها أمير المؤمنين والتي يتبجح الغرب بوجود الأم تيريزا أو مارتن لوثر كينج وغيرهم ولكن لو كانوا مطلعين على هذا الفكر والقيم الخصبة للإمام علي(ع) والتي وحيها من السماء لكنت متأكداً وباعتقادي المتواضع أن يرفع الإمام روحي له الفداء إلى عليين من ناحية نظرة الغربيين لأنه لاحاجة لهذه المنزلة من ناحية الرب لأنه له المنزلة العليا والمقام الرفيع عند الله سبحانه وتعالى ونحن نفتخر بأننا نوالي أمامنا روحي له ونقر له بالولاية والثبات عليها ومن شيعته ولكن كانت قد اختلفت النظرة للإسلام من ناحية أنه دين دموي وقائم على الإرهاب والقتل بفضل ما قاموا به من السلفية والوهابية من تشويه لديننا الحنيف القائم على الحب والتسامح والأخوة.
ولنتزود من هذا المنهل العظيم ونكمل ماذا يوجد في نظرة أمير المؤمنين روحي له الفداء لمفهوم المن بالنسبة للإنسان ولنقرأ ونعلق بعدها .
وبدلا من مجتمع الخوف الذي رسم الإمام ملامحه في كلماته السابقة يطرح(ع) المشروع البديل في تحقيق الأمن وهو(الإسلام) فيقول : "الحمد لله الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه،لمن ورده،واعز أركانه على من غالبه فجعله أمنا لمن علقه(13) وسلما لمن دخله"(14) . ان المشروع الإسلامي لبناء المجتمع الأمن ، في رؤية الإمام علي (ع) يتمثل بعدة إبعاد لعل من أهمها:
- الأمن المعنوي أو الروحي والسعي لإشاعة مفاهيم وسلوكيات التقوى والهداية :" فان جار الله امن وعدوه خائف " (15).
.
- الأمن الداخلي والحدودي : إذ يقول (ع)عن احد ثقاته " وأسد به لهاه الثغر المخاوف "(16) ويمتدح (ع) القوة العسكرية قائلاً : " فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم "(17)،ومن واجبات الحكومة والحاكم إن " تأمن فيه السبل"(18).
- الأمن الخارجي واستتاب السلام الذي جعله الإمام هدف لسياسة الحاكم وحق للأمة ، اذ يقول (ع) " لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضي فان في الصلح دعة لجنودك وراحة لهمومك وامناً لبلادك "(19) .
- الأمن السياسي والاجتماعي : في هذا المضمار يرفض الإمام ان يروع الإنسان وان تكون السلطة ، مهما كان موقعها في المجتمع (سلطة الأب ، الزوج ، رئيس العشيرة ، رجل دين ، والي او موظف كبير ، رئيس دولة )، عامل لإثارة الخوف في نفوس الآخرين إذ يقول : " لا يحل لمسلم إن يروع مسلما"(20) وكذلك فأن "من نظر إلى مؤمن ليخيفه أخافه الله يوم القيامة "(21).
- الأمن الاقتصادي.
-الأمن القضائي.
ومن هنا نلاحظ ماهي المفاهيم التي أتى بها الأمام والتي كلها تقود الى العدل والمساواة ورعاية الرعية أليس في الفقرة الأخيرة تطبيق للمفهوم الذي كنا نعرفه عندما كنا في الغرب هناك الذي يقول ((أن حريتك تنهي عندما تبدأ حرية الآخرين)والتي بهذه المفاهيم السامية المضامين والقيم والتي لو أتبعوها لسعدت المجتمعات في ظل الخير الكثير الذي سوف تنعم به البشرية بأتباع الصديق الأكبر والفاروق بين الحق نرجع لحديث الثقلين الذي قاله نبي الرحمة محمد(ص) في بيعة الغدير حيث يقول : ـ
" أخـرج مـسـلـم فـي صحـيحه بـسنـده عـن زيـد بـن أرقـم - فـي حـديـث طـويـل - أن الـنـبــي ( ص)
قـال : - أمـــا بـعـد ، ألا أيـهـا الـنـاس ، فـإنـمـا أنـا بــشــر ، يــوشــك أن يـأتـي رســـول ربـــي فـأجـيـب ،
وأنـا تـارك فـيـكم الثـقـلـيـن : أولـهــمـا كـتـاب الله فـيـه الـهـدى والـنـور ، فـخـذوا بـكـتـاب الله واسـتـمـسـكـوا بـه . فـحـث عــلـى كـتـاب الله ورغـب فـيـه ، ثـم قـال : وأهــــل بـيـتـي ،أذكـركـم الله فـــي أهــــل بـيـتـي ، أذكـركـم الله فـي أهـــل بـيـتـي ، أذكـركـم الله فــي أهـــل بـيـتـي...
وليزيد في أحاديث مسنودة أخرى" ولن يفترقا حتى يردا الحوض" وهذا الحديث مسنود في كل صحاحهم
فهل صانت أمة محمد هذه الوصية والتي لو أتبعت العترة لأكلوا من فوقهم وتحتهم ولكن كانواهم من حاربوا و فرقواونكلوا العترة الهادية وبأبشع صورها فقد خذلوا وصيه ولم يتبعوه بل حاربوه وكذلك ابنه الحسن(ع)ولتصبح قمة المأساةوكانوا كما ذكر نبينا الأكرم محمد(ص) بأن أمتي تقتل سبطي الحسينولتسبى حرائر رسول الله حاسرات الرأس وعلى أقتاب الأبل الهزال ولهذا كان الرسول قد أكد على أهل بيته لمعرفته بما سوف يجري على أهل بيته.
وللحديث بقية لنتعرف وفي جزئنا الأخير ونتحدث عن علم أمير المؤمنين والتي قد أطلت في هذا الجزء وخوفاً من الإطالة والملل لدى القارئ نكتفي بهذا الجزء فيما يخص الإنسان لأنه لو أردنا لكتبنا مجلدات عن هذا الفكر والقيم التي يحملها أمير المؤمنين(ع).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------------------------------------------------
المصادر:
1 ـ ابن حجر الهيثمي : الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقةص 76 ( دار الكتب العلمية - بيروت 1403 ه / )1983.
2- محمد بن علي بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق )،علل الشرائع،ج2،( النجف،المكتبة الحيدرية ، 1966)،ص4 .
3- الإمام علي بن ابي طالب ، ديوان الإمام علي ، (قم ، دار نداء الإسلام ، 1411) ، ص179 ، ومما يستحق ذكره ان نسبة هذه الابيات الى الإمام علي قد اكدها كثير من الفقهاء والمفكرين ينظر: المولى محمد محسن ، (الفيض الكاشاني) ، الصافي في تفسير القرآن ، تحقيق مركز الابحاث والدراسات الاسلامية ، ج1، (قم ، مكتب الأعلام الاسلامي ، 1376 هـ) ، ص112 ؛ فخر الدين الطريحي ، مجمع البحرين ، ترتيب محمد عادل ، ج1، (د. م، د. ن،د. ت ) ،ص122.
4- كافي الدين ابو الحسن علي بن محمد الليثي الواسطي ، عيون الحكم والمواعظ ، تحقيق حسين الحسيني ، (قم، دار الحديث ، 1376هـ) ، ص412 .
5- في اشارة إلى قوله تعالى " اني جاعل في الارض خليفة " سورة البقرة/ الاية 30 . حول الاستخلاف ونظرياته وارائه ينظر : خليل مخيف لفته ، قضية الإمامة في الفكر السياسي للغزالي، رسالة ماجستير ،غير منشورة ، كلية العلوم السياسية ، جامعة بغداد ، 1995 ، ص ص51-57 .
6- محمد باقر المحمودي ، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ، ج6، (بيروت ، مؤسسة المحمودي ،د. ت) ، ص41 .
7- جورج جرداق ، الإمام علي صوت العدالة الانسانية ، ج1، ط2،(قم ، دار ذوي القربى ، 1424هـ) ،ص410.
8- محمد بن الحسين الموسوي البغدادي ، الشريف الرضي (الجامع) ، نهج البلاغة ، شرح محمد عبده ، ج2، (بيروت ، دار المعرفة ، د. ت ) ، ص2.
9- الشريف الرضي (الجامع) ، نهج البلاغة ، تعليق وفهرسة ، د. صبحي ، خطبة 113، ص207
10- جمال الدين ابي المنصور الحسن بن زين الدين الشهيد ، منتقى الجمان في الاحاديث الصحاح والحسان، تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري ،ج2، (قم ، جامعة المدرسين ، د. ت) ، ص352.
11- ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ، مصدر سابق ، ج1 ، ص174 .
12- الشريف الرضي (الجامع) ، نهج البلاغة ، تعليق وفهرسة د. صبحي ، مصدر سابق، خطبة 88 ، ص140 .
13- أي تعلق به . ان كل شرح لمعنى من الناحية اللغوية في متن نهج البلاغة هو شرح للدكتور صبحي صالح ، في هذا النص والنصوص الاخرى .
14- المصدر السابق ، خطبة ، 105 ، ص185 .
15- المصدر السابق ، خطبة ، 14 ، ص251 .
16- المصدر السابق ، كتاب 46 ، ص538 .
17- المصدر السابق ، كتاب 53 ، ص553 .
18- المصدر السابق ، خطبة 40 ، ص83 .
19- المصدر السابق ، كتاب 53 ، ص568 .
20- محمد بن الحسن الحر العاملي ، وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة ، تحقيق عبد الرحيم رباني ، ج8 ، (بيروت ، دار احياء التراث ، د.ت) ، ص592 .
21- ينظر : المجلسي ، مصدر سابق ،ج27 ، ص363؛ زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني)، رسائل الشهيد الثاني،( قم ، مكتبة البصيرة،د.ت)، ص330 .
الجزء الثالث
ولنكمل بحثنا والذي يتناول سيرة حقوق الإنسان لأمير المؤمنين وأمام المتقين وسيد الوصيين ويعسوب الدين سيدي مولاي علي أبي طالب(ع) والذي أجد كل المتعة في تناول سيرته والتي هي مدرسة كاملة ينهل كل طالب للحقيقة والعدل والمساواة لأن الأمام هو القران الناطق والذي قال عنه نبينا الأكرم محمد(ص) وبالنص
وروى ابن حجر الهيثمي في صواعقه : أخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ، لا يفترقان حتى يردا على الحوض ( 1 ) .
ولنعرج على الحكم ونناقش المعسكرين ولنأخذ مثالين على ذلك الأول من معسكر الأمام علي(ع) وهو الصحابي الجليل مالك بن الأشتر(رض) والثاني من معسكر معاوية وهو الحجاج الثقفي.
فالصحابي مالك بن الأشتر من الصحابة الأجلاء ومن الذين يشهد لهم بالشجاعة والبطولة بحيث كان يقاتل ومع الأمام علي(ع) وفي نفس الصف وكان يقال له أنه إذا داس على اللبوة لا يتهيب لشجاعته واللبوة تكون أشرس من الأسد كما هو معروف وفي مرة كان يتمشى في أحد شوارع الكوفة ونتيجة لتواضعه وزهده لا يسير ومعه حماية او حرس أو هيلمان كما يفعل الطغاة وحدث إن رماه أحد الرجال بنواة للتقليل من شأنه وهذا حال الناس الغوغاء فأنهم لايخافون إلا من الشخص القوي وذهب ولم يكلمه فجاء الرجال الذين بقربه وقالوا أتعرف من رميت قال : لا ! قالوا انه نائب أمير المؤمنين عند ذاك خاف وأخذ يركض يبحث عنه فوجده في مسجد الكوفة يصلي وعند الفراغ جاء يطلب منه السماح ويقبل يده .فقال له مالك : ماذا تفعل؟ أطلب منك السماح. فقال له : والله أنا كنت اصلي لكي يغفر الله لك على مافعلته.
فأنظر لهذا الخلق الرفيع والسامي وهو الذي خلق الإسلام والذين تربوا في مدرسة الأمام والتي تنظر بعين الرحمة والرأفة للرعية ولايؤاخذهم بجريرة أعمالهم وسواتهم والذين هو مايسمى الآن بحقوق الإنسان والذي هو كان بمقام رئيس الوزراء أي نائب امير المؤمنين وهو ما يعبر عن أنهم قد نهلوا من النبع والعطاء الثر للمدرسة العلوية والتي هي القرآن الناطق والذي يمشي على الأرض.
ولنأتي الى الرجل الثاني الحجاج من معسكر معاوية وهو طاغية معروف وكل كتب التاريخ والمراجع تشهد بذلك والذي كان في سجونه يقبع أكثر من (150)ألف سجين (50)ألف منهم من النساء و(30) من النساء مقيدات وعرايا فأي ظلم ودكتاتورية مارسها ذلك الطاغية والذي لايتورع عن فعل أي شيء ، والذين يقولون عنه فاتح وأداري ناجح ووالي حكيم فأنظر لطغيان هذا الرجل الذي لو حدثت معه هذه الحادثة أكيد لكن قتل الرجل وقبل أن يتلفظ الشهادتين.
ولنلاحظ الفرق بين المعسكرين معسكر الزاهدين والمتقين الذين هم طلاب الآخرة وهم الذين يتمثل العدل والمساواة بين رعاياهم وبأبهى صوره والذي مايطلق عليها في مصطلحنا حقوق الإنسان والذي كان موجود وبأكثر من ألف سنة عند هذا المعسكر ومخطوط في وجدانهم وضمائرهم لأنهم تربوا ونهلوا من النبع الصافي وهي المدرسة العلوية والتي كلها عطاء ثر وخير ورحمة لاينضب وهم وليس طلاب الدنيا وزخرفها والمعسكر الثاني معسكر الطغيان والمكر والظلم والذي تفوح كل معاني الظلم والدكتاتورية.
فهذا هو معسكر معاوية معسكر الظلم والقهر للناس والجريمة والغدر بكل أشكالها وفي أعلى قممها والذي يقال عن الحجاج أنه فاتح ومسلم وإداري ناجح وهو الذي أشتهر بظلمه وطغيان ويضرب به المثل.
وأردت ان اضرب هذا المثال لأبين مدى هي حقوق الإنسان التي عند أمير المؤمنين روحي له الفداء والتي عرفها وطبقها على رعيته وقام بترجمتها كل أصحابه المنتجبين والتي سبقت كل المواثيق والدساتير العالمية باكثر من (1300)سنة.
ولندخل الى موضوع مهم وهو :
الإمام علي بن أبي طالب(ع) ونظرته للإنسان
فالمعلوم ان كل الثورات وكل المفكرين والثوار يعتبرون إن الإنسان هو المعول الأكبر والغاية القصوى التي ينشدها كل من يريد المطالبة بالثورة أو الأفكار التي تصب في هذا الاتجاه لأنه يعتبر الإنسان هو الغاية التي يتم بناء المجتمع والوصول به الى المجتمع السليم الذي تبنى عليه كل الأفكار والقيم السامية.
فكيف وأن ابو الثوار في موضوع بحثتا الأمام علي(ع)فبالتأكيد فهو يمثل الأنموذج السامي والعالي بكل قيمه والذي لم يجد الزمان بأحدٍ مثله لا في الأولين والآخرين بعد نبي الرحمة محمد(ص) ، لأنه المؤيد من الله ورسوله وهو الفاروق بين الحق والباطل والذي يعرف الحق فمن الضروري أنه ولأنه الحق والحق مع الإنسانية دوماً وهو الحاني عليها والمدافع عنها والذي يكون للإنسان أقرب من الوالد لأبنه ولنأخذ ماقاله وأسوق وصف إلى ضرار بن ضمرة الكناني لمعاوية بن أبي سفيان حتى أبكاه وأبكى القوم وجعله يترحم عليه وهو عدوه فأي منزلة اكتسبت يا سيدي ويا مولاي أمير المؤمنين والوصف هو (كان والله بعيد المدى شديد القوى،يقول فصلاً ويحكم عدلاً،يتفجر العلم من جوانبه،وتنطق الحكمة من نواحيه،ويستوحش من الدنيا وزهرتها،ويستأنس بالليل ووحشته،وكان غزير العبرة طويل الفكرة،يقلب كفّه ويخاطب نفسه،يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب،وكان فينا كأحدنا،يدنينا إذا أتيناه،ويجيبنا أذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه وينبئنا إذا استنبأناه،ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منّا لانكاد نكلمه هيبةً،فأذا أبتسم فعن اللؤلؤ المنظوم،يعظّم أهل الدين ويقّرّب المساكين،لا يطمع القوّي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله).
فهذا هو أبو تراب والذي وضعت الخط تحت بعض العبارات لكي نعلم مدى الرحمة والإنسانية التي تفوح من هذه الشخصية العظيمة والخالدة والتي هي ينبوع تتفجر كل معاني قيم الحق والعدالة ومبادئ الخير والتي تفوح عبقها وأريجها العطر على الإنسانية جمعاء وعلى مدى التاريخ وهذا ليس الكلام وكما يقال عندنا بالمثل العامي من جيوبنا بل هو الواقع و الحقيقة التي لايحجبها غربال الغش والتضليل والتي حاول كل الأفاقين والحاقدين من وعاظ السلاطين والكتاب المرجفين التعتيم على ذلك التألق البراق والمتوهج ولكن أزداد ذلك النور الرباني من سيرة أمير المؤمنين شعاعاً ونوراً. ولنطلع ما نستخرجه من المصادر والكتب لكي نقرن القول بالدليل.
"ويجعل الإمام هذا المخلوق افضل الموجودات ، اذا ما حقق إنسانيته ، إذ يقول(ع) بنظرة تحليلية:" ان الله عز وجل ركب في الملائكة عقل بلا شهوة ،وركب في البهائم شهوة بلا عقل وركب في بني ادم كليهما ، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة ومن غلب شهوته عقله فهو شر من البهائم "(2).
وتحسب أنك جرم صغير...وفيك انطوى العالم الأكبر.(3)
وهنا نتلمس معيار قيمة الإنسان حين يربطها الإمام بمسألتين :
الاولى : إنه انسان منتم الى الأسرة البشرية من أبناء ادم وحواء ، فيترتب على هذا الموقع حقوقاً أساسية ومن أهمها (حق الحياة ) .
الثانية : درجة الإيمان والعمل الصالح ، وهي درجة أسمى ، لا ينالها الجميع ،ولكن لا تجعل من يملكها أفضل الأوفق المعيار الإيماني وهو معيار معنوي ، " ليس على وجه الأرض أكرم على الله من النفس المطيعة لأمره "(4) على وفق قول الإمام علي (ع) وان الإنسان هو خليفة الله في أرضه (5) والكائن الذي امتاز بمعرفة الخالق وتكليفه بالعبادة فلقد كان من دعاء
الإمام علي (ع) : " الهي كفى بي عزا إن أكون لك عبدا وكفى بي فخرا إن تكون لي ربا "(6) . ويجمل المفكر جورج جرداق الرؤية العلوية الجليلة إلى معنى الحياة بأنها هي " الاصل وعليه تنمو الفروع "(7) .
لقد تعامل الإمام مع الحياة بواقعية ، فلم يشغل فكره بمسائل الخلود وما شابه إذ آمن إن الموت مسالة حتمية و " إن الموت طالب حثيث لايفوته مقيم ، ولا يعجزه هارب "(8) وان " الدنيا دار فناء " (9)
ووفقا للفكر العلوي ، فان الحياة قيمة عليا تتغلب على الموت ،وان أي اعتداء لإزهاق حياة إنسان ، وبغض النظر عن ماهية ذلك الإنسان ، هو اعتداء على الإرادة الإلهية الموجدة والمانحة الوحيدة للحياة من جهة وجريمة بحق الإنسانية جمعاء، وسلب لحق أساسي من حقوق الإنسان إلا وهو (حق الحياة ) من جهة أخرى ، لذا فان الإمام نظر إلى القتل بأنه جريمة كبرى فيقول(ع) ان من " الكبائر الكفر بالله ،وقتل النفس .." (10)
بل ان الإمام وقف بالضد من التهديد باستخدام القتل وما دونه من تعذيب وإهانة وما شابه من وسائل انتقاص الإنسان وتحت أي ذريعة ليقر بذلك (حق الأمن ) للمجتمع ،فقد أشار (ع) ، إلى أنَّ من سلبيات مجتمع الجاهلية ،قبل عهد الرسالة الإسلامية ، هو تفشي ظاهرة انعدام الأمن وشيوع سفك الدماء فيتوجه بخطابه الى العقول أين ما كانت أو وجدت فيقول:"ان الله بعث محمداً(صلى الله عليه وآله) نذيرا للعالمين وأمينا على التنزيل وشهيدا على هذه الأمة،وانتم يا معشر العرب على غير دين وفي شر دار تسفكون دماءكم.
وتقتلون أولادكم ،وتقطعون أرحامكم"(11)،وان سمات الدنيا في ظل انعدام الأمن تكون " متجهمة لأهلها،عابسة في وجه طالبها،ثمرها الفتنة وطعامها الجيفة وشعارها الخوف ودثارها السيف"(12) .
فهل يوجد أعظم من هذه المفاهيم السامية والتي هي كلها تدخل في مجال حقوق الإنسان والتي نادى بها أمير المؤمنين والتي يتبجح الغرب بوجود الأم تيريزا أو مارتن لوثر كينج وغيرهم ولكن لو كانوا مطلعين على هذا الفكر والقيم الخصبة للإمام علي(ع) والتي وحيها من السماء لكنت متأكداً وباعتقادي المتواضع أن يرفع الإمام روحي له الفداء إلى عليين من ناحية نظرة الغربيين لأنه لاحاجة لهذه المنزلة من ناحية الرب لأنه له المنزلة العليا والمقام الرفيع عند الله سبحانه وتعالى ونحن نفتخر بأننا نوالي أمامنا روحي له ونقر له بالولاية والثبات عليها ومن شيعته ولكن كانت قد اختلفت النظرة للإسلام من ناحية أنه دين دموي وقائم على الإرهاب والقتل بفضل ما قاموا به من السلفية والوهابية من تشويه لديننا الحنيف القائم على الحب والتسامح والأخوة.
ولنتزود من هذا المنهل العظيم ونكمل ماذا يوجد في نظرة أمير المؤمنين روحي له الفداء لمفهوم المن بالنسبة للإنسان ولنقرأ ونعلق بعدها .
وبدلا من مجتمع الخوف الذي رسم الإمام ملامحه في كلماته السابقة يطرح(ع) المشروع البديل في تحقيق الأمن وهو(الإسلام) فيقول : "الحمد لله الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه،لمن ورده،واعز أركانه على من غالبه فجعله أمنا لمن علقه(13) وسلما لمن دخله"(14) . ان المشروع الإسلامي لبناء المجتمع الأمن ، في رؤية الإمام علي (ع) يتمثل بعدة إبعاد لعل من أهمها:
- الأمن المعنوي أو الروحي والسعي لإشاعة مفاهيم وسلوكيات التقوى والهداية :" فان جار الله امن وعدوه خائف " (15).
.
- الأمن الداخلي والحدودي : إذ يقول (ع)عن احد ثقاته " وأسد به لهاه الثغر المخاوف "(16) ويمتدح (ع) القوة العسكرية قائلاً : " فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم "(17)،ومن واجبات الحكومة والحاكم إن " تأمن فيه السبل"(18).
- الأمن الخارجي واستتاب السلام الذي جعله الإمام هدف لسياسة الحاكم وحق للأمة ، اذ يقول (ع) " لا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضي فان في الصلح دعة لجنودك وراحة لهمومك وامناً لبلادك "(19) .
- الأمن السياسي والاجتماعي : في هذا المضمار يرفض الإمام ان يروع الإنسان وان تكون السلطة ، مهما كان موقعها في المجتمع (سلطة الأب ، الزوج ، رئيس العشيرة ، رجل دين ، والي او موظف كبير ، رئيس دولة )، عامل لإثارة الخوف في نفوس الآخرين إذ يقول : " لا يحل لمسلم إن يروع مسلما"(20) وكذلك فأن "من نظر إلى مؤمن ليخيفه أخافه الله يوم القيامة "(21).
- الأمن الاقتصادي.
-الأمن القضائي.
ومن هنا نلاحظ ماهي المفاهيم التي أتى بها الأمام والتي كلها تقود الى العدل والمساواة ورعاية الرعية أليس في الفقرة الأخيرة تطبيق للمفهوم الذي كنا نعرفه عندما كنا في الغرب هناك الذي يقول ((أن حريتك تنهي عندما تبدأ حرية الآخرين)والتي بهذه المفاهيم السامية المضامين والقيم والتي لو أتبعوها لسعدت المجتمعات في ظل الخير الكثير الذي سوف تنعم به البشرية بأتباع الصديق الأكبر والفاروق بين الحق نرجع لحديث الثقلين الذي قاله نبي الرحمة محمد(ص) في بيعة الغدير حيث يقول : ـ
" أخـرج مـسـلـم فـي صحـيحه بـسنـده عـن زيـد بـن أرقـم - فـي حـديـث طـويـل - أن الـنـبــي ( ص)
قـال : - أمـــا بـعـد ، ألا أيـهـا الـنـاس ، فـإنـمـا أنـا بــشــر ، يــوشــك أن يـأتـي رســـول ربـــي فـأجـيـب ،
وأنـا تـارك فـيـكم الثـقـلـيـن : أولـهــمـا كـتـاب الله فـيـه الـهـدى والـنـور ، فـخـذوا بـكـتـاب الله واسـتـمـسـكـوا بـه . فـحـث عــلـى كـتـاب الله ورغـب فـيـه ، ثـم قـال : وأهــــل بـيـتـي ،أذكـركـم الله فـــي أهــــل بـيـتـي ، أذكـركـم الله فـي أهـــل بـيـتـي ، أذكـركـم الله فــي أهـــل بـيـتـي...
وليزيد في أحاديث مسنودة أخرى" ولن يفترقا حتى يردا الحوض" وهذا الحديث مسنود في كل صحاحهم
فهل صانت أمة محمد هذه الوصية والتي لو أتبعت العترة لأكلوا من فوقهم وتحتهم ولكن كانواهم من حاربوا و فرقواونكلوا العترة الهادية وبأبشع صورها فقد خذلوا وصيه ولم يتبعوه بل حاربوه وكذلك ابنه الحسن(ع)ولتصبح قمة المأساةوكانوا كما ذكر نبينا الأكرم محمد(ص) بأن أمتي تقتل سبطي الحسينولتسبى حرائر رسول الله حاسرات الرأس وعلى أقتاب الأبل الهزال ولهذا كان الرسول قد أكد على أهل بيته لمعرفته بما سوف يجري على أهل بيته.
وللحديث بقية لنتعرف وفي جزئنا الأخير ونتحدث عن علم أمير المؤمنين والتي قد أطلت في هذا الجزء وخوفاً من الإطالة والملل لدى القارئ نكتفي بهذا الجزء فيما يخص الإنسان لأنه لو أردنا لكتبنا مجلدات عن هذا الفكر والقيم التي يحملها أمير المؤمنين(ع).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------------------------------------------------
المصادر:
1 ـ ابن حجر الهيثمي : الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقةص 76 ( دار الكتب العلمية - بيروت 1403 ه / )1983.
2- محمد بن علي بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق )،علل الشرائع،ج2،( النجف،المكتبة الحيدرية ، 1966)،ص4 .
3- الإمام علي بن ابي طالب ، ديوان الإمام علي ، (قم ، دار نداء الإسلام ، 1411) ، ص179 ، ومما يستحق ذكره ان نسبة هذه الابيات الى الإمام علي قد اكدها كثير من الفقهاء والمفكرين ينظر: المولى محمد محسن ، (الفيض الكاشاني) ، الصافي في تفسير القرآن ، تحقيق مركز الابحاث والدراسات الاسلامية ، ج1، (قم ، مكتب الأعلام الاسلامي ، 1376 هـ) ، ص112 ؛ فخر الدين الطريحي ، مجمع البحرين ، ترتيب محمد عادل ، ج1، (د. م، د. ن،د. ت ) ،ص122.
4- كافي الدين ابو الحسن علي بن محمد الليثي الواسطي ، عيون الحكم والمواعظ ، تحقيق حسين الحسيني ، (قم، دار الحديث ، 1376هـ) ، ص412 .
5- في اشارة إلى قوله تعالى " اني جاعل في الارض خليفة " سورة البقرة/ الاية 30 . حول الاستخلاف ونظرياته وارائه ينظر : خليل مخيف لفته ، قضية الإمامة في الفكر السياسي للغزالي، رسالة ماجستير ،غير منشورة ، كلية العلوم السياسية ، جامعة بغداد ، 1995 ، ص ص51-57 .
6- محمد باقر المحمودي ، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ، ج6، (بيروت ، مؤسسة المحمودي ،د. ت) ، ص41 .
7- جورج جرداق ، الإمام علي صوت العدالة الانسانية ، ج1، ط2،(قم ، دار ذوي القربى ، 1424هـ) ،ص410.
8- محمد بن الحسين الموسوي البغدادي ، الشريف الرضي (الجامع) ، نهج البلاغة ، شرح محمد عبده ، ج2، (بيروت ، دار المعرفة ، د. ت ) ، ص2.
9- الشريف الرضي (الجامع) ، نهج البلاغة ، تعليق وفهرسة ، د. صبحي ، خطبة 113، ص207
10- جمال الدين ابي المنصور الحسن بن زين الدين الشهيد ، منتقى الجمان في الاحاديث الصحاح والحسان، تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري ،ج2، (قم ، جامعة المدرسين ، د. ت) ، ص352.
11- ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ، مصدر سابق ، ج1 ، ص174 .
12- الشريف الرضي (الجامع) ، نهج البلاغة ، تعليق وفهرسة د. صبحي ، مصدر سابق، خطبة 88 ، ص140 .
13- أي تعلق به . ان كل شرح لمعنى من الناحية اللغوية في متن نهج البلاغة هو شرح للدكتور صبحي صالح ، في هذا النص والنصوص الاخرى .
14- المصدر السابق ، خطبة ، 105 ، ص185 .
15- المصدر السابق ، خطبة ، 14 ، ص251 .
16- المصدر السابق ، كتاب 46 ، ص538 .
17- المصدر السابق ، كتاب 53 ، ص553 .
18- المصدر السابق ، خطبة 40 ، ص83 .
19- المصدر السابق ، كتاب 53 ، ص568 .
20- محمد بن الحسن الحر العاملي ، وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة ، تحقيق عبد الرحيم رباني ، ج8 ، (بيروت ، دار احياء التراث ، د.ت) ، ص592 .
21- ينظر : المجلسي ، مصدر سابق ،ج27 ، ص363؛ زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني)، رسائل الشهيد الثاني،( قم ، مكتبة البصيرة،د.ت)، ص330 .