المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فضائل علي في القرآن الكريم من کتب المخالفین(2)


حبیب عساکره
16-12-2011, 01:02 AM
الله {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ}»(1). وأخرج الحاكم بسنده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُقِـيمُونَ الصَّـلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد والناس يصلّون بين راكع وقائم فصلّى فإذا سائل، قال يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا؛ إلاّ هذا الراكع (لعلي) أعطاني خاتماً»(2).
وأخرج ابن مردويه بسنده إلى ابن عباس قال: «كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ} الآية(3).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى سلمة بن كهيل، قال: «تصدّق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ} الآية(4).
و الروايات مستفيضة كما قلنا والملاحظ أن ابن حجر العسقلاني في تخريجه لروايات تفسير «الكشاف للزمخشري» أخرج رواية ابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم، ولم يقدح في سندهما مع أنه أخرج غيرهما وقدح في سنده مما يدل على قبوله بما ذكر(5).

____________
(1) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 104، دار الفكر.
(2) معرفة علوم الحديث: 102، دار الآفاق الجديدة.
(3) تفسير ابن كثير: 2 / 74، دار المعرفة.
(4) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 105، دار الفكر.
(5) تفسير الكشاف: 1 / 649، الحاشية.
الصفحة 58 ومهما يكن من أمر؛ فإن خبر تصدق علي بالخاتم في أثناء الركوع له طرق متعددة يعضد بعضها بعضاً؛ ولذا فإن السيوطي في «لباب النقول» بعد أن ذكر عدة طرق للرواية، قال: «فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً»(1).
فالحادثة ـ إذن ـ ثابتة والآية نازلة في علي بن أبي طالب (عليه السلام).
و في ذلك أنشأ حسان بن ثابت قائلاً:

أبا حسن تفديك نـفـسي ومهجتيوكل بطيء فـي الهدى ومسارع أيذهب مـدحي والـمحبر ضائعاًوما المدح في جنب الإله بضائع وأنتَ الذي أعطيت إذ كنت راكعاًزكـاة فدتك النفس يا خير راكع فـأنـزل فـيك الله خـير ولايةفبيَّنها في نـيرات الـشـرائع(2)

الأمر الثاني: في دلالتها على الخلافة:
دلّت الآية الكريمة على حصر الولاية في ثلاثة وهم: الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتقدم الجواب من قبل الزمخشري كيف أن المراد واحد واللفظ القرآني جاء بصيغة الجمع، وهناك أجوبة أخرى تعرض لها العلماء، ليس غرضنا بحثها والتعرض لها، بل فقط أحببنا التنويه إلى أن هذا الإشكال غير وارد.
فلابدّ أن نصبّ الكلام على معنى كلمة «وليـّكم» الواردة في الآية، وعند النظر في القرائن المحيطة بالآية يتضح أن المراد من الولي هنا هو: منْ له حق
____________
(1) لباب النقول: 81، دار الكتب العلمية.
(2) انظر «شواهد التنزيل» للحاكم الحسكاني: 1 / 236، و «نظم درر السمطين»: 88.
الصفحة 59 التصرف في شؤون الأمة الإسلامية من قبيل ما جاء في حق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) {النَّبِيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فهذه الأولوية الثابتة لرسول الله، ثابتة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بموجب هذه الآية الكريمة، ولا يمكن حملها على النصرة؛ أي أن المراد أن النصرة محصورة بموجب أداة الحصر «إنما» بالله والرسول وعلي (عليه السلام)؛ لأن النصرة عامة ومطلوبة من كل المؤمنين، كما جاء في الذكر الحكيم: {والمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أوْلِياءُ بَعْضٍ}.
مضافاً إلى أن ذيل الآية لا ينسجم مع تفسير كلمة «وليكم» بـ «ناصركم»؛ لأن النصرة مطلوبة على كل حال ولايمكن أن تكون متصفة بحال الركوع، سواء فسرناه بالركوع الحقيقي أو المجازي وهو الخشوع؛ لأن المؤمن ناصر لأخيه المؤمن، سواء في حال الركوع أو غيره، فتكون هذه الإضافة لغواً، ولا قيمة لها وحاشا لله ذلك فلابد ـ إذن ـ أن نحمل الولاية على ولاية الأمر، والتصرف، ويكون ذيل الآية مبيّناً لصفات ذلك الولي، وتلك الصفات ـ كما اتّضح ومرّ ـ لا تنطبق إلا على علي (عليه السلام)، فيتعين أن المراد من الولاية هي ولاية الأمر وهي الإمامة والخلافة، ويكون ولي الأمر والإمام الشرعي بموجب ما تقدم هو علي بن أبي طالب، وأداة الحصر دالة على نفي من يكون خليفة في عرضه، وحتى لايطول بنا المقام فإنّا نقف عند هذا الحد من ذكر الآيات القرآنية الشاملة لعلي أو المختصة به؛ إذ ليس غرضنا استيفاء ذلك، ولا إثبات الإمامة بل كما عرفت ـ قارئي الكريم ـ إن هدف الكتاب يصبّ في ذكر جملة من كلمات علماء وأعلام أهل السنّة في أئمة أهل البيت، ولكثرة ما ورد في فضائل علي والحسنين، اقتصرنا في الفصلين الأول والثاني على ذكر الصفحة 60 نبذ من فضائلهم، سواء من القرآن أو السنّة الشريفة.
لذا نتوقّف عن ذكر بقية الآيات، كآية البلاغ والإكمال، وغيرهما ونحيل مَن شاء المراجعة والتفصيل إلى الكتب المختصة في ذلك، مثل «دلائل الصدق» للمظفر، و «عبقات الأنوار» للنقوي، و «الغدير» للأميني، وغيرها، وننقل الكلام الآن إلى السنة الشريفة ونضع بين يدي القارئ جملة من الروايات الواردة في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) مشمولاً بها مع غيره أو مختصاً بها، ومنه تعالى نستمد العون والتسديد.

المبحث الثاني
فضائل علي (عليه السلام) في السنّة النبوية الشريفة
ولا يخفى ما ورد في علي (عليه السلام) من كثرة الأخبار المشيدة بفضله، والآمرة بالتمسك به، والسير وفق نهجه. نذكر في بحثنا طرفاً يسيراً من ذلك نبتدئه بذكر الأحاديث العامة الشاملة له، ثم نذكر الأحاديث الواردة في خصوصه (عليه السلام):

أ ـ الأحاديث العامة:

الحديث الأول: حديث الثقلين:
من الأحاديث المشهورة المعروفة الواردة في حق أهل البيت هو حديث الثقلين، وهو حديث متفق على صحته بين الفريقين، بل هو متواتر عند الشيعة الإمامية وله طرق عدة عند أهل السنة، وصحّح الحديث كبار علمائهم، وحيث أن الحديث متفاوت في بعض ألفاظه؛ لذا سنذكر للقارئ أكثر من صيغة له، ثم ننتقل للبحث عن دلالاته ومعطياته.
الصفحة 61
1 ـ صيغ حديث الثقلين:
الصيغة الأولى: ما أخرجه مسلم في «صحيحه» في باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسنده إلى زيد بن أرقم قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر. ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»...»(1).
الصيغة الثانية: أخرج الترمذي بسنده إلى أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم، قالا: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).
وصحّحه السيد حسن السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية(3).
وكذا الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير(4).

____________
(1) صحيح مسلم: 4 / 1873، دار الفكر، باب فضائل علي بن أبي طالب.
(2) سنن الترمذي: 5 / 329، دار الفكر.
(3) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 654، دار الإمام النووي.
(4) صحيح الجامع الصغير: 1 / 482، المكتب الإسلامي.
الصفحة 62 الصيغة الثالثة: أخرج أحمد بسنده إلى زيد بن ثابت قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
قال حمزة أحمد الزين في تحقيقه على «المسند»: «إسناده حسن»(1).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال عنه: «رواه أحمد وإسناده جيد»(2).
وقال عنه الشيخ الألباني: «صحيح»(3).
الصيغة الرابعة: أخرج الطبراني في «المعجم الكبير» بسنده إلى زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّي تركت فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وأنّهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(4).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال: «رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات»(5).
وقد أخرجه أحمد في «مسنده» بلفظ يقرب من ذلك وبسنده إلى زيد بن ثابت أيضاً، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم
____________
(1) مسند أحمد: 16 / 28، دار الحديث القاهرة. والحديث في (5 / 182) من طبعة دار صادر.
(2) مجمع الزوائد: 9 / 162، دار الكتب العلمية.
(3) صحيح الجامع الصغير للألباني: 1 / 482، المكتب الإسلامي.
(4) المعجم الكبير: 5 / 153، دار إحياء التراث العربي. والناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
(5) مجمع الزوائد: 1 / 170، دار الكتب العلمية.
الصفحة 63 خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض جميعاً»، وقال عنه المحقق حمزة أحمد الزين: «إسناده حسن»(1).
الصيغة الخامسة: أخرج النسائي في «السنن الكبرى» بسنده إلى زيد بن أرقم قال: «لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات(2) فقممن(3) ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد(4): سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه»(5).
وقد أخرج هذا الحديث الحاكم النيسابوري في المستدرك وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله»(6).
ورواه ابن كثير في «البداية والنهاية» عن «السنن» وقال: «قال شيخنا أبو
____________
(1) مسند أحمد: 16 / 50، دار الحديث القاهرة، والحديث في (5 / 190) من طبعة دار صادر.
(2) الدوحات: جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة.
(3) قممن: كنِسْنَ.
(4) القائل هو أبوالطفيل.
(5) السنن الكبرى: 5 / 46، دار الكتب العلمية.
(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 109، في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دار المعرفة.
الصفحة 64 عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح»(1).
الصيغة السادسة: ما أورده الحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري عن مسند إسحاق بن راهويه بسنده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام): «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم. ثم خرج آخذاً بيده علي فقال: ألستم تشهدون أن الله ربّكم قال(2): بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه وقد تركت فيكم ما إنْ اخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم وأهل بيتي».
قال البوصيري (840 هـ) بعد ذكره للحديث: «رواه إسحاق بسند صحيح...»(3)، كما أورده ابن حجر في «المطالب العالية» وقال: «هذا إسناد صحيح»(4)، كما أورده السخاوي مقتصراً على الشطر الأخير منه في «استجلاب ارتقاء الغرف»، وقد علّق المحقّق عليه قائلاً: «إسناده صحيح»(5).
وقال الألباني: «ورجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه»، ثم تنـبّه إلى أن هذا تحريف من الطبّاع وأن الصحيح هو كثير بن زيد خصوصاً أن ابن أبي
____________
(1) البداية والنهاية: 5 / 228، مؤسسة التاريخ العربي.
(2) كذا في المطبوع، ولعل الصحيح «قالوا».
(3) إتحاف الخيرة المهرة: 9 / 279، برقم (8974)، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ ـ 1998م.
(4) المطالب العالية: 4/65، حديث رقم (3972)، دار المعرفة.
(5) استجلاب ارتقاء الغرف، بتحقيق خالد بن أحمد الصمي: 1 / 357، دار البشائر الإسلامية.
الصفحة 65 عاصم في كتابه «السنة» ذكر الرواية وفي طريقها كثير بن زيد وليس يزيد بن كثير(1).
وقال الألباني في تحقيقه على كتاب «السنّة»: «وفي كثير بن زيد كلام لا ينحط به حديثه عن مرتبة الحسن»(2).
فتكون الرواية حسنة بطريقها هذا عند الألباني.
وقال الحاكم في تعليقه على رواية فيها كثير بن زيد وأبو عبدالله القراظ: «كثير بن زيد وأبو عبدالله القراظ مدنيان لا نعرفهما إلا بالصدق وهذا حديث صحيح»(3)، ووافقه الذهبي.
وعلّق الشيخ الألباني على كلام الحاكم وموافقة الذهبي قائلاً: «قلت: بل هو إسناد حسن... وكثير بن زيد قال الحافظ: صدوق يخطئ، قال الذهبي: صدوق فيه لين»(4).
فالحديث صحيح بلفظه هذا عند كبار الحفّاظ ولا أقل من كونه حسناً كما هو عند الألباني، وهو صالح للاحتجاج به على كل حال.
وهناك صيغ أخرى، وطرق كثيرة للحديث نغمض عن ذكرها، توخياً للاختصار. وقد عرفت أن الطرق التي مرّت بعضها صحيح، وبعضها جيد
____________
(1) انظر «سلسلة الأحاديث الصحيحة»: 4 / 357، في تعليقه على حديث رقم 1761، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
(2) السنة: 345، المكتب الإسلامي، بيروت، بتحقيق الألباني.
(3) المستدرك على الصحيحين: 1 / 217، دار المعرفة.
(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 3 / 285، في تعليقه على حديث: 1296. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.
الصفحة 66 وبعضها حسن، وهي صالحة للاحتجاج بحدّ ذاتها، لكن يمكن القول، بل هو المتعين أن حديث الثقلين حديث متواتر عند أهل السنّة لا حاجة معه لذكر الأسانيد وتصحيحها. قال الشيخ أبو المنذر سامي بن أنور المصري الشافعي: «فحديث العترة بعد ثبوته من أكثر من ثلاثين طريقاً وعن سبعة من صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي الله عنهم، وصحته التي لا مجال للشك فيها يمكننا أن نقول أنه بلغ حد التواتر...»(1). والصحابة السبعة الذين ذكر الحديث صاحب الزهرة العطرة من طريقهم هم:
1 ـ زيد بن أرقم رضي الله عنه.
2 ـ زيد بن ثابت رضي الله عنه.
3 ـ أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
4 ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
5 ـ أبو ذر رضي الله عنه.
6 ـ حذيفة بن أسيد رضي الله عنه.
7 ـ جابر بن عبد الله رضي الله عنه(2).
فطرق الحديث ـ إذن ـ ثلاثون على القول أنّ رواة الحديث من الصحابة هم سبعة فقط، ومع ذلك قال صاحب الزهرة بالتواتر، فما بالك لو زاد عددهم على العشرين فكم يصل عدد طرق الحديث وكيف لا نجزم بتواتره! فإن صاحب الزهرة لم يجزم بانحصار الرواية في السبعة، بل ذكر ذلك بحسب
____________
(1) الزهرة العطرة في حديث العترة: 69 ـ 70، دار الفقيه، القاهرة.
(2) المصدر نفسه: 44.
الصفحة 67 تتبعه الشخصي وأشار إلى ذلك بقوله: «... وذلك على حدّ علمنا»(1).
وقد صرّح غير واحد بأن عدد الصحابة فاق العشرين صحابياً. قال السمهودي في «جواهر العقدين»: «وفي الباب عن زيادة على عشرين من الصحابة رضوان الله عليهم»(2).
وقال ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة»: «ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً...»(3).
فتكون طرق الحديث متعددة جداً، ونجزم معها بتواتر الحديث. والحديث المتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث كما هو معلوم عند أهل هذا الفن(4).

2 ـ دلالات ومعطيات حديث الثقلين:
الدلالة الأولى: دلالته على إمامة أهل البيت ووجوب التمسك بهم والأخذ عنهم.
وهذه الدلالة جلية للعيان لاتحتاج إلى مزيد بيان؛ فألفاظ الحديث صريحة في ذلك فانظر قوله «إني تركت فيكم خليفتين...» فهو صريح في أن العترة خلفاء الرسول وانظر قوله: «وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا...» وقوله: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي...» فالأخذ
____________
(1) المصدر نفسه: 67.
(2) جواهر العقدين: 234، دار الكتب العلمية.
(3) الصواعق المحرقة: 342، دار الكتب العلمية.
(4) انظر مثلا «أصول الحديث» للدكتور محمد عجاج الخطيب: 197، الباب الرابع، دار الفكر.
الصفحة 68 والتمسك بالعترة منجٍ من الضلال والهلكة، وموجب للهداية الحقة.
وصرّح بهذه الدلالة جمع من علماء أهل السنة:
قال الملاّ علي القاري: «والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم...»(1).
ونقل الملاّ عن بعضهم قال: «ومعنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم»(2).
وقال المناوي في تعليقه على الحديث بعد فقرة (حتى يردا علي الحوض): «أي الكوثر يوم القيامة، زاد في رواية، كهاتين ـ وأشار بإصبعيه ـ وفي هذا مع قوله أولاً إني تارك فيكم، تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين، خلّفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما، وإيثار حقهما على أنفسهما، والاستمساك بهما في الدين»(3).
وقال السيد حسن السقاف العالم السني المعاصر: «والمراد بالأخذ بآل البيت والتمسك بهم هو محبتهم، والمحافظة على حرمتهم، والتأدّب معهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم والعمل برواياتهم والاعتماد على رأيهم ومقالتهم واجتهادهم وتقديمهم في ذلك على غيرهم»(4).
ومما يؤكد دلالته على الإمامة أيضاً اقترانه في بعض طرقه الصحيحة
____________
(1) مرقاة المفاتيح: 9 / 3974، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الثاني، دار الفكر.
(2) المصدر نفسه: 9 / 3974.
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 3 / 20، دار الكتب العلمية.
(4) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 653، دار الإمام النووي، الأردن.
الصفحة 69 بسياق واحد مع حديث الغدير المعروف (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، فهو يعطي دلالة واضحة على أن المراد من الحديثين أمر واحد، وهو خلافة أهل البيت وأولهم من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) سيد العترة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وفي لفظ الثقلين الوارد في الحديث إشارة واضحة إلى إمامة أهل البيت أيضاً، وذلك يظهر بسهولة لكل من تأمل في كلمات علماء أهل السنّة في ذلك:
قال ابن الأثير في «النهاية»: «سمّاهما ثقلين: لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس: ثَقَل، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما»(1).
قال النووي في «شرح صحيح مسلم»: «قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما وقيل لثقل العمل بهما»(2).
وقال جلال الدين السيوطي في ديباجته ما يقرب من القول المتقدم(3).
وقال الزمخشري في «الفايق في غريب الحديث»: «الثَقَل: المتاع المحمول على الدابة، وإنما قيل للجن والأنس: الثقلان لأنهما قُطّانُ الأرض فكأنهما أثقلاها، وقد شبـّه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يُستصلَحُ بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين»(4).

____________
(1) النهاية في غريب الحديث: 1 / 216، المكتبة الإسلامية.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي: 15 / 180، دار الكتاب العربي.
(3) الديباج على مسلم: 5 / 390، دار ابن عفان، المملكة العربية السعودية.
(4) الفايق في غريب الحديث: 1 / 150، دار الكتب العلمية.
الصفحة 70 إلى غير ذلك من الكلمات(1) التي تفيد أن التمسك بالعترة أمر عظيم ثقيل وأن شأنها كبير وبها يُستصلَح الدين، أفهل يرتاب بعد هذا ذو لب في دلالة حديث الثقلين على الإمامة ووجوب التمسك بأهل البيت؟!.
الدلالة الثانية: دلالته على عصمة أهل البيت (عليهم السلام):
وتوضيح ذلك ببيانين:
الأول: إنّ النبي أمرنا بالتمسك المطلق بأهل البيت، فلابدّ أن تكون كل أعمالهم وأقوالهم مطابقة للشريعة المقدسة؛ حتى يكون التمسك بهم منجياً من الضلال، وإلاّ لو كانوا يخطئون، لما أمرنا النبي بالتمسك المطلق بهم، ولهذا أشار العلاّمة القاري في «المرقاة»، فقال: «في إطلاقه [أي عدم تقييد التمسك بهم في أمر دون آخر] إشعار بأن من يكون من عترته في الحقيقة لا يكون هديه وسيرته إلاّ مطابقاً للشريعة والطريقة»(2).
الثاني: إن النبي قرنهم بالقرآن الكريم، وأوضح بأنهما لن يفترقا، والقرآن معصوم من كل خطأ وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، فالذي يكون مع القرآن بحيث لا يفترق عنه أبداً لابد أن يكون معصوماً من كل خطأ ومخالفة للشريعة، وإلاّ كان مفارقاً للقرآن، ويؤيد ذلك ما رواه الحاكم في «المستدرك» وتبعه الذهبي في «التلخيص» من قول
____________
(1) انظر مثلاً «مرقاة المفاتيح»: 9 / 3976، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الأول، دار الفكر، و «لسان العرب»: 11 / 88، دار إحياء التراث.
(2) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 9 / 3974، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الثاني، دار الفكر.
الصفحة 71 النبي (صلى الله عليه وآله): «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»، والحديث صحيح كما صرحا بذلك(1).
الدلالة الثالثة: دلالته على وجود إمام من أهل البيت في كل عصر وزمان. ويدل على ذلك قول النبي: «لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» ومقتضى عدم الافتراق هو وجود إمام من أهل البيت في كل عصر، يجب على الناس اتّباعه كما أن القرآن موجود في كل زمان إلى يوم القيامة. وقد صرح بعض علماء أهل السنة بذلك:
قال السمهودي: «إن ذلك يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا ـ كما سيأتي ـ أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض»(2). ونقل ذلك المنّاوي مقراً له عليه(3).
وقال ابن حجر الهيتمي: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أنّ الكتاب العزيز كذلك؛ ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض ـ كما يأتي ـ ويشهد لذلك الخبر السابق: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي»(4).

____________
(1) انظر «المستدرك على الصحيحين» وبهامشه تلخيص الذهبي: 3 / 124، دار المعرفة.
(2) جواهر العقدين: 244، دار الكتب العلمية.
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 3 / 19، دار الكتب العلمية.
(4) الصواعق المحرقة: 232، دار الكتب العلمية.

melika
16-12-2011, 01:16 AM
شکرا اخی عساکره
احسنتم..

حبیب عساکره
16-12-2011, 01:12 PM
اللهم صلی علی محمد وال محمد وعجل فرجهم
السلام علیکم:اختی ملیکا شکرالحضورچ ومرورچ
نورتی وعطرتی بقدومچ

حبیب عساکره
16-12-2011, 01:28 PM
اللهم صلی علی محمد وال محمد وعجل فرجهم


ومن هنا يتوجه السؤال إلى الأخوة من أهل السنّة: مَنْ هو إمام المسلمين من أهل البيت الذي يجب التمسك به في زماننا هذا؟ بل من هم أئمة أهل البيت الذين يجب التمسك بهم من وفاة الرسول وإلى يومنا فإنه في كل عصر وزمان لابد أن يوجد واحد من أهل البيت صالح للتمسك به؟ الشيعة الإمامية عندهم الجواب واضح، وصريح وهو أنّ الائمة من أهل البيت اثنا عشر إماماً، أولهم علي بن أبي طالب ثم ولده الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد الباقر بن علي، ثم جعفر الصادق بن محمد، ثم موسى الكاظم بن جعفر، ثم علي الرضا بن موسى، ثم محمد الجواد بن علي، ثم علي الهادي بن محمد، ثم الحسن العسكري بن علي، ثم محمد بن الحسن المهدي، المنتظر، الموعود، الغائب عن الأنظار، وهو إمام العصر والزمان.
هذا جوابنا فأين جوابكم؟ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
ولحديث الثقلين دلالات ومعطيات أخرى كدلالته على أعلمية أهل البيت على غيرهم؛ إذ أمر غيرهم باتباعهم، ولم يأمرهم باتباع الغير، ودلالته على أفضليتهم وغير ذلك مما يفيده هذا الحديث الغني بالمعطيات، ولمن أراد الاطلاع على حديث الثقلين، وما حواه من كنوز، عليه بمراجعة الكتب المختصة بذلك من قبيل «خلاصة عبقات الأنوار»، الجزء الثاني، تلخيص السيد علي الميلاني، وغيرها.
وقبل أنْ نختم الكلام عن هذا الحديث نحاول أنْ نبيـّن، مختصراً، المراد من العترة التي يجب التمسك بها في الحديث الشريف في المبحث التالي:
الصفحة 73
من هم أهل البيت الذين أمرنا باتباعهم؟
اتضح مما سبق إن لحديث الثقلين دلالات عديدة: منها دلالته على أن أهل البيت هم خلفاء النبي والأئمة من بعده الذين ينجو المتمسك بهم من الضلال، ومنها عصمتهم من الخطأ والزلل، ومنها أعلميتهم على سائر من سواهم... لذا لا يمكن لأحد القول بأن أهل البيت هم كل من انتسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله)؛ لأنه من المقطوع والمجزوم به أنّ كثيراً ممن انتسب إليه، لا تتوفر فيهم تلك الشروط والصفات المعينة.
وكذا لا يمكن القول بأن منهم نساء النبي؛ لأنه عُلِم بعدم عصمتهن أولاً، ولأنّ منهن من قاتل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهي السيدة عائشة فكيف يمكن أن تكون مأموراً باتباعها، والتمسك بها، وهي قاتلت علياً، وهو بلا كلام داخل ضمن أهل البيت، بل هو سيد العترة، أفهل يأمر النبي باتباع المتقاتلين معاً؟!
وكذا الكلام يرد على الصحابة فمنهم من خالف الرسول وعصاه، ومنهم من فرَّ من الزحف في أحُد، ومنهم من قاتل علي بن أبي طالب، مضافاً لما هو معلوم من اختلافات كثيرة بينهم أنفسهم، فكيف يكون التمسك بهم منجياً من الضلال؟! على أن غالبية الصحابة ليسوا من عترة النبي فلا يشملهم قوله بلا كلام.
إذن، لابد أنْ يكون المقصودون من أهل البيت مجموعة معـيّنة، تتوفر فيهم مواصفات خاصة معـيَّنة، وقد بـيّنهم الرسول بطرق عديدة، منها:
1 ـ أشار فيما صحّ من أقواله إلى أنّ عدد خلفائه اثنا عشر خليفة، وهذا الحديث رواه مسلم في «صحيحه» والبخاري وأحمد بن حنبل وغيرهم، وسيأتي الكلام عنه بعد حديث الثقلين.
الصفحة 74 فهذا الحديث مفسر لحديث الثقلين ومبيـّن بتحديد رقمي لما هو المراد من حديث الثقلين فالأول (حديث الثقلين) يوجب التمسك بالثقلين، بالخليفتين (القرآن والعترة)، والثاني (حديث الاثني عشر) يبيِّن أن عدد خلفائه الذين يجب التمسك بهم هم اثنا عشر خليفة.
فهذا التحديد يبين بوضوح أن لفظ أهل البيت ليس عاماً.
2 ـ ما مرّ سابقاً في آية التطهير من أن النبي (صلى الله عليه وآله) حدد المقصودين من أهل البيت، الموجودين في زمانه، وهم أصحاب الكساء، علي وفاطمة والحسن الحسين وقد مرّ تفصيل ذلك، فلا نعيد.
3 ـ ما مرّ أيضاً من اصطحاب النبي أصحاب الكساء معه إلى المباهلة، وقوله فيهم: «اللهم هؤلاء أهلي» وقد مرّ أيضاً في آية المباهلة، فراجع.
إلى غير ذلك من الإشارات العديدة، إلى المراد من أهل البيت في زمانه وقد تقدم بعضها وسيأتي في طيـّات البحث غيرها.
فهذه البيانات من الرسول (صلى الله عليه وآله) تحدد المراد من العترة، التي يجب التمسك بها؛ ولذا نرى العلامة المنّاوي من علماء أهل السنّة يقول في تفسيره للفظ (وعترتي أهل بيتي) من حديث الثقلين: «و هم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»(1).
إذن، فالنبي (صلى الله عليه وآله) حدد رقمياً العترة التي يجب التمسك بها وهم اثنا عشر خليفة وأوضح الموجودين منهم في زمانه (صلى الله عليه وآله).

____________
(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 3 / 19، دار الكتب العلمية.
الصفحة 75 وبهذا يثبت أن حديث الثقلين يثبت مزيّة خاصّة لأناس محدّدين معينين آتاهم الله مقاماً لم يؤته أحداً من العالمين، وعلى رأس هؤلاء الطيبين الطاهرين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه.
ومَنْ يتأمل، لا يجد أئمة اثنى عشر يمكن عدّهم المصداق الواقعي لهذا الحديث الشريف غير الذين ذكرهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، ابتداء من سيد العترة علي بن أبي طالب، وختاماً بالمهدي المنتظر.
وقد صرّح بعض علماء أهل السنة بأن أحق من يجب التمسك به من العترة هو علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال السمهودي: «وأحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فضله ودقائق مستنبطاته وفهمه وحسن شيمه ورسوخ قدمه»(1).
وقال ابن حجر الهيتمي المكي: «ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، لما قدمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته»(2).
أقول: الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بعلي بن أبي طالب (عليه السلام).
وإذ شارفنا على الانتهاء من حديث الثقلين يحسن بنا أنْ ننبه على أن الحديث الوارد بصيغة كتاب الله وسنتي بدل لفظ وعترتي إنما هو حديث موضوع مكذوب.

____________
(1) جواهر العقدين: 245، دار الكتب العلمية.
(2) الصواعق المحرقة: 232، دار الكتب العلمية.
الصفحة 76 قال العلامة حسن السقاف أحد علماء أهل السنّة المعاصرين: «وأما حديث (تركت فيكم ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) فحديث موضوع كما بيّنته في كتابي «صحيح صفة صلاة النبي» ص (289) وذكرت جميع طرقه وهو من وضع النواصب أعداء آل البيت النبوي، ليصرفوا الأمة عن اتباع آل البيت واقتفاء آثارهم، وليضعوا لهم ما شاءوا من الأحاديث المكذوبة ليقودونهم كيف ماشاءوا!! فانتبهوا لذلك!»(1).
ولو سلّمنا جدلاً وقلنا بصحة الحديث بلفظ «وسنتي» فلا يوجد هناك أي تعارض بين الحديثين؛ إذ أنّ من سنة النبي (صلى الله عليه وآله) هو قوله: «إني تارك فيكم الثقلين... كتاب الله وعترتي»، فيكون حديث «وسنتي» دالاً على وجوب الأخذ بحديث «وعترتي».

الحديث الثاني: حديث الاثني عشر خليفة
ورد هذا الحديث بصياغات مختلفة متقاربة نصّت على أنّ عدد الخلفاء بعد النبي اثنا عشر خليفة.
فقد أخرج مسلم في «صحيحه» في كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش بسنده عن حصين عن جابر بن سمرة قال: «دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، قال: فقلت لأبي ما قال؟ قال: كلّهم من قريش»(2).

____________
(1) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 178، دار الإمام النووي، الأردن.
(2) صحيح مسلم: 6/3، دار الفكر.
الصفحة 77 وأخرج بسنده إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكتب إلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة عشية رجم الأسلمي يقول: لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش»(1).
وأخرج البخاري في «صحيحه» في كتاب الأحكام بسنده عن جابر بن سمرة، قال: يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلهم من قريش»(2).
وأخرج أحمد في «مسنده» عن مسروق قال: «كنّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو يُقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلّم كم تملك هذه الأمة من خليفة فقال عبد الله بن مسعود ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل»(3).
وأخرجه أبو يعلى في «مسنده»(4) والطبراني في «الكبير»(5).
قال أحمد محمد شاكر: «إسناده صحيح»(6).

____________
(1) المصدر نفسه: 6/4، دار الفكر.
(2) صحيح البخاري: 8/127، دار الفكر.
(3) مسند أحمد: 1/398، 406، دار صادر.
(4) مسند أبي يعلى: (8/444) و(9/222)، دار المأمون للتراث.
(5) المعجم الكبير: 10/158، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
(6) مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر: 4/28، 62، حديث (3781) و(3859)، دار الحديث، القاهرة.
الصفحة 78 والحديث أورده السيوطي وحسّنه في «تاريخ الخلفاء»(1).
وحديث الاثني عشر خرّجه كبار أئمة الحديث وامتلأت الكتب بذكره ولا نرى حاجة لذكر مصادره بعد وجوده في البخاري ومسلم، إذ لا كلام ولا نقاش في صحته، بل يمكن القول أنه من المجمع على صحته لأنه في صحيح مسلم وقد صرّح بأنه لم يخرج في كتابه إلا ما أجمعوا عليه.
قال السيوطي في «تدريب الراوي»: «... وقال مسلم ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه»(2).
فالحديث مجمع عليه، ودلالته على أن خلفاء النبي اثنا عشر خليفة جلية ظاهرة للعيان، وهذا العدد كما هو واضح ينطبق على ما تذهب إليه الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، من وجود الاثني عشر إماماً من أهل البيت، أولهم علي وآخرهم المهدي.
أما أهل السنّة فبقوا في حيرة من أمر هذا الحديث ولم يجدوا له مخرجاً؛ لأنهم إنْ قالوا هم الخلفاء الأربعة نقص عددهم، وإن أدخلوا فيهم الخلفاء الأمويين أو العباسيين زاد عددهم، لذا راحوا ينتقون انتقاء حسب أهوائهم وكأنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ترك هذا الأمر المهم الخطير في مهبّ الريح.
ومن الغريب أنّ بعضهم أدخل ضمن انتقائه معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد بن معاوية(3) مع أنّ معاوية خرج على خليفة زمانه علي بن أبي
____________
(1) تاريخ الخلفاء: 17، دار المعرفة، بيروت.
(2) تدريب الراوي: 1 / 98، مكتبة الرياض الحديثة.
(3) وهو الحافظ ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري»: 13 / 184، دار المعرفة. وانظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: 15، دار الكتاب العربي.
الصفحة 79 طالب (عليه السلام) وقاتله في صفين وقُتل في هذه المعركة الصحابي الجليل عمّار بن ياسر فيكون معاوية مصداقاً لأمرين:
أولاً: لقول النبي لعلي (عليه السلام): «لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق» فالمبغض لعلي منافق فما بالك بمن قاتله(1).
وثانياً: لقول النبي (صلى الله عليه وآله) بأن عماراً تقتله الفئة الباغية فقد أخرج البخاري في «صحيحه» عن أبي سعيد قال: «كنّا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمرّ به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار»(2).
وأخرج مسلم عن أمّ سلمة: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعمار «تقتلك الفئة الباغية»(3).
قال المنّاوي في «فيض القدير»: «(فائدة) قال ابن حجر: «حديث تقتل عماراً الفئة الباغية، رواه جمع من الصحابة منهم قتادة وأمّ سلمة وأبو هريرة وابن عمر وعثمان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأميّة وأبو اليسر، وغالب طرقه كلّها صحيحة أو حسنة وفيه علمٌ من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار ورَدّ على النواصب الزاعمين أنّ علياً لم يكن مصيباً في حروبه»(4).

____________
(1) تقدم الحديث في آخر البحث عن آية التطهير وهو موجود في صحيح مسلم وستأتي الإشارة إليه منفرداً إن شاء الله.
(2) صحيح البخاري: 3 / 207، كتاب الجهاد والسير، دار الفكر.
(3) صحيح مسلم: 8 / 186، كتاب الفتن وأشراط الساعة، دار الفكر.
(4) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 4 / 613، دار الكتب العلمية.
الصفحة 80 فهل يكون معاوية بعد هذا إماماً عادلاً، وخليفة لرسول الله على الأمة الإسلامية؟!!(1).
وأما يزيد بن معاوية فهو غني عن التعريف وأطبقت كتب التاريخ والسير على قبح وشناعة أفعاله فهو الذي قتل الحسين بن علي (عليه السلام) سيد شباب أهل الجنة وهو الذي استباح المدينة المنورة وهتك الأعراض والنواميس وهو الذي تجاسر على البيت الطاهر فضرب الكعبة بالمنجنيق(2)، فهل بعد هذا يكون خليفة رسول الله وإماماً من أئمة المسلمين؟!!.
و هذا التخبط في تشخيص الخلفاء هو نتيجة الابتعاد عن وصايا وتوجيهات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فإن السنة النبوية يُفسِّر بعضها بعضاً فحيث أن الرسول (صلى الله عليه وآله) أوصى بالتمسك بأهل البيت في حديث الثقلين عُلِم من ذلك أن
____________
(1) تنبيه: صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «قاتل عمار وسالبه في النار».
أخرج الحاكم وصحّحه، ووافقه الذهبي، «المستدرك على الصحيحين» وبهامشه «تلخيص المستدرك» للذهبي: 3 / 387، دار المعرفة.
وأورده الهيثمي عن أحمد وقال: «ورجال أحمد ثقات»، انظر «مجمع الزوائد»: 7 / 244، كتاب الفتن، باب فيما كان بينهم يوم صفين، دار الكتب العلمية.
و معلوم أن الذي قتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر في معركة صفين، هو صحابي آخر كان ضمن صفوف جيش معاوية يدعى أبو الغادية الجهني، «تعجيل المنفعة» لابن حجر العسقلاني: 509، دار الكتاب العربي.
فهذا الصحابي في النار بنصّ قول النبي فهل يمكن بعد هذا القول بأنّ كلّ الصحابة عدول؟ فهل يتصوّر أنّ من يكون في النار عادلاً وصحابياً جليلاً يجب احترامه؟!!
(2) انظر على سبيل المثال ترجمة يزيد في «تاريخ الخلفاة» للسيوطي: 182 ـ 186، دار المعرفة.
الصفحة 81 خلفاءه الاثني عشر هم من أهل بيته الطاهرين، وبذا يتضح الحال ويتبين المقصود، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله.

الحديث الثالث: حديث السفينة
و هو قول النبي (صلى الله عليه وآله): «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق».
و هذا الحديث رواه عدة من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أبوذر الغفاري، أبو سعيد الخدري، ابن عباس، عبدالله بن الزبير، وأنس بن مالك، واستفاضت طرق نقل الحديث إليهم، ووقفنا على ستة طرق مختلفة في طبقاتها وعدة طرق أخرى تتداخل في بعض طبقاتها(1). وهذه الطرق بضم بعضها إلى بعض ترفع الحديث إلى درجة الصحة ومن دون حاجة إلى ملاحظة لآحاد رواة أسانيده؛ ولذا قال الحافظ السخاوي في «استجلاب ارتقاء الغرف» بعد أن ذكر طرقاً عديدة للحديث: وبعض هذه الطرق يقوي بعضاً(2). وقال ابن حجر الهيتمي في «صواعقه»: «وجاء من طرق كثيرة يقوي بعضها
____________
(1) انظر الحديث في: «فضائل الصحابة» لأحمد بن حنبل: 2 / 785، مؤسسة الرسالة و «المصنف» لابن أبي شيبة: 7 / 503، دار الفكر. و «المعجم الكبير» للطبراني: 3 / 44 ـ 45، دار إحياء التراث، و «المعجم الأوسط»: (4/10) و(5 / 306 ـ 355) و(6/85)، دار الحرمين. و «المعجم الصغير»: (1/193) و(2/22)، دار الكتب العلمية. و «المستدرك» للحاكم: (2/343) و(3/151)، دار المعرفة، وتاريخ بغداد: 12 / 91، دار الكتب العلمية. و «الحلية» لأبي نعيم: 4 / 306، دار الكتاب العربي، و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: 209، دار الكتاب العربي. و «مجمع الزوائد» للهيثمي: 9 / 168، دار الكتب العلمية.
(2) استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف: 2 / 484، دار البشائر.
الصفحة 82 بعضاً: مثل أهل بيتي وفي رواية: إنما مثل أهل بيتي، وفي أخرى: أن مثل أهل بيتي، وفي رواية: ألا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وفي رواية: من ركبها سلم ومن تركها غرق، وأن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له...»(1).
وعقد السمهودي في «جواهر العقدين» باباً أسماه «ذكر أنهم أمان الأمة وأنهم كسفينة نوح عليه الصلاة والسلام، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق»(2). وذكر طرقاً عديدة للحديث ثم قال: «وهذه الطرق يقوي بعضها بعضاً»(3).
فالحديث صحيح ولا غبار عليه، وقد صحّحه الحاكم في «المستدرك»، كما تتبع السيد الميلاني ـ وهو من علماء الشيعة الإمامية ـ أكثر من طريق للحديث وأثبت صحتها على مباني أهل السنّة(4).
ودلالة الحديث على وجوب التمسك بأهل البيت، وضلالة وهلاك المتخلّف عنهم أوضح من أنْ تُبيَّن، فالحديث يدل على إمامة أهل البيت كما يدل على عصمتهم من الزلل وإلا لو كانوا يخطئون لما قال الرسول بأن من ركب في سفينتهم نجا، فنجاة من يركب سفينة أهل البيت، تدل على أن المشار إليهم لا يفارقون الشريعة المقدسة في كل حركاتهم وسكناتهم، فهذا
____________
(1) الصواعق المحرقة: 352، دار الكتب العلمية.
(2) جواهر العقدين: 259، دار الكتب العلمية.
(3) المصدر نفسه: 261.
(4) انظر «دراسات في منهاج السنة لمعرفة ابن تيمية»: 299 ـ 303.
الصفحة 83 الحديث يصب في مجرى واحد مع حديث الثقلين وحديث الاثني عشر خليفة المتقدمين، وله نفس الدلالات المتقدمة هناك، فتأمل واغتنم.
وأمير المؤمنين (عليه السلام) داخل فيمن يجب ركوب سفينتهم؛ لأنه سيد العترة بلا خلاف.

الحديث الرابع: قول النبي (صلى الله عليه وآله): «النجوم أمانٌ لأهل السماء وأهل بيتي أمانٌ لأمتي».
رُوي هذا الحديث بألفاظ متقاربة مع بعض الزيادات المتفاوتة عن جمع من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وابن عباس وسلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله الأنصاري، وغيرهم.
وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في «فضائل الصحابة»(1) والطبراني في «المعجم الكبير»(2) والحاكم في «المستدرك» في مواضع ثلاثة(3). والروياني في «مسنده»(4)، وعزاه السخاوي أيضاً إلى مسدّد، وابن أبي شيبة، وأبي يعلى في مسانيدهم(5).
والحديث مضافاً إلى اعتباره عند جمع من علمائهم؛ فإن له طرقاً عديدة يقوّي بعضها بعضاً.

____________
(1) فضائل الصحابة: 2 / 671، مؤسسة الرسالة.
(2) المعجم الكبير: 7 / 22، دار إحياء التراث.
(3) المستدرك على الصحيحين: (2 / 448) و(3 / 149) و(3 / 457)، دار المعرفة.
(4) مسند الروياني: 2 / 258، مؤسسة قرطبة.
(5) انظر «استجلاب ارتقاء الغرف» للسخاوي: 2 / 477، دار البشائر الإسلامية.
الصفحة 84 وممن صرّح باعتباره الحاكم في «المستدرك» حيث قال بصحته(1) وكذا ابن حجر الهيتمي في «صواعقه»(2) وحسّنه السيوطي في الجامع الصغير وأشار المنّاوي إلى كثرة طرقه في «فيض القدير»(3).
وعقد السخاوي في كتابه «استجلاب ارتقاء الغرف» باباً أسماه «باب الأمان ببقائهم والنجاة في اقتفائهم»(4)، وذكر فيه نحواً من طرق الحديث المتقدم مما يدل على اعتباره عنده وثبوته لديه، وكذا السمهودي في «جواهر العقدين» عقد باباً أسماه «ذكر أنهم أمان الأمة وأنهم كسفينة نوح عليه الصلاة والسلام من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق»(5) وذكر فيه جملة من الأحاديث الدالة على ذلك؛ مما يدل على اعتبار ذلك عنده أيضاً، خصوصاً أنه جزم فيما تقدم بأنهم أمان لأهل الأرض عند تعليقه على حديث الثقلين حيث قال: «إن ذلك يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا ـ كما سيأتي ـ أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض»(6).

____________
(1) المستدرك على الصحيحين: (2 / 488) و(3 / 149)، دار المعرفة.
(2) الصواعق المحرقة: 351، دار الكتب العلمية.
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 6 / 386، دار الكتب العلمية.
(4) استجلاب ارتقاء الغرف: 2 / 477، دار البشائر.
(5) جواهر العقدين: 259، دار الكتب العلمية.
(6) المصدر نفسه: 244.
الصفحة 85 فتحصل أنّ حديث الأمان الوارد في أهل البيت حديث معتبر وله طرق متعددة، أما دلالته على وجوب التمسك بأهل البيت فلا خلاف فيها؛ إذ لا معنى لكونهم أماناً لأهل الأرض ومع ذلك تجوز مخالفتهم والسير على غير طريقتهم. قال المنّاوي في «فيض القدير»: عند شرحه للحديث المذكور: «شبَّههم بنجوم السماء وهي التي يقع بها الاهتداء وهي الطوالع والغوارب والسيارات والثابتات، فكذلك بهم الاقتداء وبهم الأمان من الهلاك»(1).
ومن وجوب التمسك بهم والسير وفق منهجهم وكونهم أماناً لأهل الأرض يتضح أمر عصمتهم وعدم مخالفتهم للشريعة؛ إذ مع احتمال خطئهم ومخالفتهم للشريعة لا يتحقق الأمان معهم.
و الحديث له دلالات أخرى لا تخفى على النبيه، فهو يصبّ في مجرى واحد مع حديث السفينة وحديث الثقلين المتقدمين.

الحديث الخامس: قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي وفاطمة والحسن والحسين: «أنا حرب لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم».
أخرج هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل في «مسنده» من طريق أبي هريرة(2).
وأخرجه ابن ماجة في «سننه» من طريق زيد بن أرقم بلفظ: «أنا سلمٌ لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم»(3). وأخرجه الترمذي في «سننه» بلفظ: «أنا
____________
(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 6 / 386، دار الكتب العلمية.
(2) مسند أحمد: 2 / 442، دار صادر.
(3) سنن ابن ماجة: 1 / 52، دار الفكر.
الصفحة 86 حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم»(1)، كما أخرج الحديث كل من: ابن أبي شيبة في «المصنف»(2) وابن حبان في «صحيحه»(3) والطبراني في «الكبير»(4) و «الأوسط»(5) و «الصغير»(6) والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد»(7) وابن عساكر في «تاريخ دمشق»(8) وغيرهم.
وهو من الأحاديث المعتبرة عند أهل الفن، فقد أخرجه الحاكم من طريق أبي هريرة وقال: هذا «حديث حسن...» وذكر له شاهداً، وهو حديث زيد بن أبي أرقم المتقدم، ووافقه الذهبي في «التلخيص» على ذلك؛ إذ سكت عن تحسينه للحديث وذكر حديث زيد بن أبي أرقم بعنوان شاهد له أيضاً(9)، كما أخرج الحديث ابن حبان في «صحيحه» كما تقدم، ومعلوم من مقدمة ابن حبان في كتابه أنه لا يخرّج إلا الصحيح.
و الحديث أيضاً موجود في كتاب «مشكاة المصابيح»(10) للخطيب
____________
(1) سنن الترمذي: 5 / 360، ما جاء في فضل فاطمة، دار الفكر.
(2) المصنف: 7 / 512، دار الفكر.
(3) صحيح ابن حبان: 15 / 434، مؤسسة الرسالة.
(4) المعجم الكبير: (3 / 40، الأحاديث: 2619 ـ 2620 ـ 2621) و(5 / 184)، دار إحياء التراث.
(5) المعجم الأوسط: (3 / 179) و(5 / 182) و(7 / 197)، دار الحرمين.
(6) المعجم الصغير: 2 / 3، دار الكتب العلمية.
(7) تاريخ بغداد: 7 / 144، دار الكتب العلمية.
(8) تاريخ دمشق: (13 / 218 ـ 219) و(14 / 144 ـ 157 ـ 158)، دار الفكر.
(9) انظر «المستدرك على الصحيحين» وبهامشه تلخيص الذهبي: 3 / 149، دار المعرفة.
(10) مشكاة المصابيح: باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الثاني: 3 / 1735، المكتب الإسلامي.
الصفحة 87 التبريزي تبعاً لوجوده في «المصابيح» للبغوي، ومعلوم أيضاً من مقدمة البغوي في «المصابيح» أنه إذا لم يشر إلى ضعف الحديث وكان موجوداً في كتب «السنن» فهو من الحسان عنده.
مضافاً إلى أن الحديث روي بطريق ثالث، أيضاً بلفظ يقرب من ذلك وليس فيه الحسنان؛ لأنهما لم يولدا بعد، فقد أخرج الحافظ عمر بن شاهين المتوفى سنة (385هـ) في «فضائل سيدة النساء» بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: «لما دخل علي بفاطمة جاء النبي صلّى الله عليه وسلم أربعين صباحاً إلى بابها فيقول: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم»(1).
فالنبي (صلى الله عليه وآله) إذن، كان يكرر هذه العبارة على هذا البيت الطاهر قبل ولادة الحسنين وبعد ولادتهما فماذا يعني ذلك؟ وماذا يريد الرسول أن يقول للأمة؟.
لا يشك أحدٌ بأن الحديث يدلّ صراحة على عظم مقام أبناء هذا البيت وعلوّ درجاتهم؛ بحيث صار المحارب لهم محارباً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومعلوم أن المحارب لرسول الله إنّما هو محارب للإسلام المحمدي ومحارب لله عزّ وجلّ.
فالرسول، إذن، جعلهم مداراً ومعياراً يُعرف من خلاله من حارب الإسلام ومن يكون معه في سلم، بل ويعرف من خلاله من يسير على خط الإسلام وينهج نهجه؛ فإنهم (عليهم السلام) الممثلون الحقيقيون للإسلام بعد النبي، فهم الثقل الأصغر، وعدل القرآن، وهم السفينة، وهم أمان هذه الأمة فكان طبيعياً ومن
____________