حبیب عساکره
16-12-2011, 01:02 AM
الله {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ}»(1). وأخرج الحاكم بسنده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُقِـيمُونَ الصَّـلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد والناس يصلّون بين راكع وقائم فصلّى فإذا سائل، قال يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا؛ إلاّ هذا الراكع (لعلي) أعطاني خاتماً»(2).
وأخرج ابن مردويه بسنده إلى ابن عباس قال: «كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ} الآية(3).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى سلمة بن كهيل، قال: «تصدّق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ} الآية(4).
و الروايات مستفيضة كما قلنا والملاحظ أن ابن حجر العسقلاني في تخريجه لروايات تفسير «الكشاف للزمخشري» أخرج رواية ابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم، ولم يقدح في سندهما مع أنه أخرج غيرهما وقدح في سنده مما يدل على قبوله بما ذكر(5).
____________
(1) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 104، دار الفكر.
(2) معرفة علوم الحديث: 102، دار الآفاق الجديدة.
(3) تفسير ابن كثير: 2 / 74، دار المعرفة.
(4) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 105، دار الفكر.
(5) تفسير الكشاف: 1 / 649، الحاشية.
الصفحة 58 ومهما يكن من أمر؛ فإن خبر تصدق علي بالخاتم في أثناء الركوع له طرق متعددة يعضد بعضها بعضاً؛ ولذا فإن السيوطي في «لباب النقول» بعد أن ذكر عدة طرق للرواية، قال: «فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً»(1).
فالحادثة ـ إذن ـ ثابتة والآية نازلة في علي بن أبي طالب (عليه السلام).
و في ذلك أنشأ حسان بن ثابت قائلاً:
أبا حسن تفديك نـفـسي ومهجتيوكل بطيء فـي الهدى ومسارع أيذهب مـدحي والـمحبر ضائعاًوما المدح في جنب الإله بضائع وأنتَ الذي أعطيت إذ كنت راكعاًزكـاة فدتك النفس يا خير راكع فـأنـزل فـيك الله خـير ولايةفبيَّنها في نـيرات الـشـرائع(2)
الأمر الثاني: في دلالتها على الخلافة:
دلّت الآية الكريمة على حصر الولاية في ثلاثة وهم: الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتقدم الجواب من قبل الزمخشري كيف أن المراد واحد واللفظ القرآني جاء بصيغة الجمع، وهناك أجوبة أخرى تعرض لها العلماء، ليس غرضنا بحثها والتعرض لها، بل فقط أحببنا التنويه إلى أن هذا الإشكال غير وارد.
فلابدّ أن نصبّ الكلام على معنى كلمة «وليـّكم» الواردة في الآية، وعند النظر في القرائن المحيطة بالآية يتضح أن المراد من الولي هنا هو: منْ له حق
____________
(1) لباب النقول: 81، دار الكتب العلمية.
(2) انظر «شواهد التنزيل» للحاكم الحسكاني: 1 / 236، و «نظم درر السمطين»: 88.
الصفحة 59 التصرف في شؤون الأمة الإسلامية من قبيل ما جاء في حق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) {النَّبِيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فهذه الأولوية الثابتة لرسول الله، ثابتة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بموجب هذه الآية الكريمة، ولا يمكن حملها على النصرة؛ أي أن المراد أن النصرة محصورة بموجب أداة الحصر «إنما» بالله والرسول وعلي (عليه السلام)؛ لأن النصرة عامة ومطلوبة من كل المؤمنين، كما جاء في الذكر الحكيم: {والمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أوْلِياءُ بَعْضٍ}.
مضافاً إلى أن ذيل الآية لا ينسجم مع تفسير كلمة «وليكم» بـ «ناصركم»؛ لأن النصرة مطلوبة على كل حال ولايمكن أن تكون متصفة بحال الركوع، سواء فسرناه بالركوع الحقيقي أو المجازي وهو الخشوع؛ لأن المؤمن ناصر لأخيه المؤمن، سواء في حال الركوع أو غيره، فتكون هذه الإضافة لغواً، ولا قيمة لها وحاشا لله ذلك فلابد ـ إذن ـ أن نحمل الولاية على ولاية الأمر، والتصرف، ويكون ذيل الآية مبيّناً لصفات ذلك الولي، وتلك الصفات ـ كما اتّضح ومرّ ـ لا تنطبق إلا على علي (عليه السلام)، فيتعين أن المراد من الولاية هي ولاية الأمر وهي الإمامة والخلافة، ويكون ولي الأمر والإمام الشرعي بموجب ما تقدم هو علي بن أبي طالب، وأداة الحصر دالة على نفي من يكون خليفة في عرضه، وحتى لايطول بنا المقام فإنّا نقف عند هذا الحد من ذكر الآيات القرآنية الشاملة لعلي أو المختصة به؛ إذ ليس غرضنا استيفاء ذلك، ولا إثبات الإمامة بل كما عرفت ـ قارئي الكريم ـ إن هدف الكتاب يصبّ في ذكر جملة من كلمات علماء وأعلام أهل السنّة في أئمة أهل البيت، ولكثرة ما ورد في فضائل علي والحسنين، اقتصرنا في الفصلين الأول والثاني على ذكر الصفحة 60 نبذ من فضائلهم، سواء من القرآن أو السنّة الشريفة.
لذا نتوقّف عن ذكر بقية الآيات، كآية البلاغ والإكمال، وغيرهما ونحيل مَن شاء المراجعة والتفصيل إلى الكتب المختصة في ذلك، مثل «دلائل الصدق» للمظفر، و «عبقات الأنوار» للنقوي، و «الغدير» للأميني، وغيرها، وننقل الكلام الآن إلى السنة الشريفة ونضع بين يدي القارئ جملة من الروايات الواردة في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) مشمولاً بها مع غيره أو مختصاً بها، ومنه تعالى نستمد العون والتسديد.
المبحث الثاني
فضائل علي (عليه السلام) في السنّة النبوية الشريفة
ولا يخفى ما ورد في علي (عليه السلام) من كثرة الأخبار المشيدة بفضله، والآمرة بالتمسك به، والسير وفق نهجه. نذكر في بحثنا طرفاً يسيراً من ذلك نبتدئه بذكر الأحاديث العامة الشاملة له، ثم نذكر الأحاديث الواردة في خصوصه (عليه السلام):
أ ـ الأحاديث العامة:
الحديث الأول: حديث الثقلين:
من الأحاديث المشهورة المعروفة الواردة في حق أهل البيت هو حديث الثقلين، وهو حديث متفق على صحته بين الفريقين، بل هو متواتر عند الشيعة الإمامية وله طرق عدة عند أهل السنة، وصحّح الحديث كبار علمائهم، وحيث أن الحديث متفاوت في بعض ألفاظه؛ لذا سنذكر للقارئ أكثر من صيغة له، ثم ننتقل للبحث عن دلالاته ومعطياته.
الصفحة 61
1 ـ صيغ حديث الثقلين:
الصيغة الأولى: ما أخرجه مسلم في «صحيحه» في باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسنده إلى زيد بن أرقم قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر. ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»...»(1).
الصيغة الثانية: أخرج الترمذي بسنده إلى أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم، قالا: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).
وصحّحه السيد حسن السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية(3).
وكذا الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير(4).
____________
(1) صحيح مسلم: 4 / 1873، دار الفكر، باب فضائل علي بن أبي طالب.
(2) سنن الترمذي: 5 / 329، دار الفكر.
(3) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 654، دار الإمام النووي.
(4) صحيح الجامع الصغير: 1 / 482، المكتب الإسلامي.
الصفحة 62 الصيغة الثالثة: أخرج أحمد بسنده إلى زيد بن ثابت قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
قال حمزة أحمد الزين في تحقيقه على «المسند»: «إسناده حسن»(1).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال عنه: «رواه أحمد وإسناده جيد»(2).
وقال عنه الشيخ الألباني: «صحيح»(3).
الصيغة الرابعة: أخرج الطبراني في «المعجم الكبير» بسنده إلى زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّي تركت فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وأنّهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(4).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال: «رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات»(5).
وقد أخرجه أحمد في «مسنده» بلفظ يقرب من ذلك وبسنده إلى زيد بن ثابت أيضاً، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم
____________
(1) مسند أحمد: 16 / 28، دار الحديث القاهرة. والحديث في (5 / 182) من طبعة دار صادر.
(2) مجمع الزوائد: 9 / 162، دار الكتب العلمية.
(3) صحيح الجامع الصغير للألباني: 1 / 482، المكتب الإسلامي.
(4) المعجم الكبير: 5 / 153، دار إحياء التراث العربي. والناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
(5) مجمع الزوائد: 1 / 170، دار الكتب العلمية.
الصفحة 63 خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض جميعاً»، وقال عنه المحقق حمزة أحمد الزين: «إسناده حسن»(1).
الصيغة الخامسة: أخرج النسائي في «السنن الكبرى» بسنده إلى زيد بن أرقم قال: «لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات(2) فقممن(3) ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد(4): سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه»(5).
وقد أخرج هذا الحديث الحاكم النيسابوري في المستدرك وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله»(6).
ورواه ابن كثير في «البداية والنهاية» عن «السنن» وقال: «قال شيخنا أبو
____________
(1) مسند أحمد: 16 / 50، دار الحديث القاهرة، والحديث في (5 / 190) من طبعة دار صادر.
(2) الدوحات: جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة.
(3) قممن: كنِسْنَ.
(4) القائل هو أبوالطفيل.
(5) السنن الكبرى: 5 / 46، دار الكتب العلمية.
(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 109، في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دار المعرفة.
الصفحة 64 عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح»(1).
الصيغة السادسة: ما أورده الحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري عن مسند إسحاق بن راهويه بسنده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام): «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم. ثم خرج آخذاً بيده علي فقال: ألستم تشهدون أن الله ربّكم قال(2): بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه وقد تركت فيكم ما إنْ اخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم وأهل بيتي».
قال البوصيري (840 هـ) بعد ذكره للحديث: «رواه إسحاق بسند صحيح...»(3)، كما أورده ابن حجر في «المطالب العالية» وقال: «هذا إسناد صحيح»(4)، كما أورده السخاوي مقتصراً على الشطر الأخير منه في «استجلاب ارتقاء الغرف»، وقد علّق المحقّق عليه قائلاً: «إسناده صحيح»(5).
وقال الألباني: «ورجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه»، ثم تنـبّه إلى أن هذا تحريف من الطبّاع وأن الصحيح هو كثير بن زيد خصوصاً أن ابن أبي
____________
(1) البداية والنهاية: 5 / 228، مؤسسة التاريخ العربي.
(2) كذا في المطبوع، ولعل الصحيح «قالوا».
(3) إتحاف الخيرة المهرة: 9 / 279، برقم (8974)، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ ـ 1998م.
(4) المطالب العالية: 4/65، حديث رقم (3972)، دار المعرفة.
(5) استجلاب ارتقاء الغرف، بتحقيق خالد بن أحمد الصمي: 1 / 357، دار البشائر الإسلامية.
الصفحة 65 عاصم في كتابه «السنة» ذكر الرواية وفي طريقها كثير بن زيد وليس يزيد بن كثير(1).
وقال الألباني في تحقيقه على كتاب «السنّة»: «وفي كثير بن زيد كلام لا ينحط به حديثه عن مرتبة الحسن»(2).
فتكون الرواية حسنة بطريقها هذا عند الألباني.
وقال الحاكم في تعليقه على رواية فيها كثير بن زيد وأبو عبدالله القراظ: «كثير بن زيد وأبو عبدالله القراظ مدنيان لا نعرفهما إلا بالصدق وهذا حديث صحيح»(3)، ووافقه الذهبي.
وعلّق الشيخ الألباني على كلام الحاكم وموافقة الذهبي قائلاً: «قلت: بل هو إسناد حسن... وكثير بن زيد قال الحافظ: صدوق يخطئ، قال الذهبي: صدوق فيه لين»(4).
فالحديث صحيح بلفظه هذا عند كبار الحفّاظ ولا أقل من كونه حسناً كما هو عند الألباني، وهو صالح للاحتجاج به على كل حال.
وهناك صيغ أخرى، وطرق كثيرة للحديث نغمض عن ذكرها، توخياً للاختصار. وقد عرفت أن الطرق التي مرّت بعضها صحيح، وبعضها جيد
____________
(1) انظر «سلسلة الأحاديث الصحيحة»: 4 / 357، في تعليقه على حديث رقم 1761، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
(2) السنة: 345، المكتب الإسلامي، بيروت، بتحقيق الألباني.
(3) المستدرك على الصحيحين: 1 / 217، دار المعرفة.
(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 3 / 285، في تعليقه على حديث: 1296. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.
الصفحة 66 وبعضها حسن، وهي صالحة للاحتجاج بحدّ ذاتها، لكن يمكن القول، بل هو المتعين أن حديث الثقلين حديث متواتر عند أهل السنّة لا حاجة معه لذكر الأسانيد وتصحيحها. قال الشيخ أبو المنذر سامي بن أنور المصري الشافعي: «فحديث العترة بعد ثبوته من أكثر من ثلاثين طريقاً وعن سبعة من صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي الله عنهم، وصحته التي لا مجال للشك فيها يمكننا أن نقول أنه بلغ حد التواتر...»(1). والصحابة السبعة الذين ذكر الحديث صاحب الزهرة العطرة من طريقهم هم:
1 ـ زيد بن أرقم رضي الله عنه.
2 ـ زيد بن ثابت رضي الله عنه.
3 ـ أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
4 ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
5 ـ أبو ذر رضي الله عنه.
6 ـ حذيفة بن أسيد رضي الله عنه.
7 ـ جابر بن عبد الله رضي الله عنه(2).
فطرق الحديث ـ إذن ـ ثلاثون على القول أنّ رواة الحديث من الصحابة هم سبعة فقط، ومع ذلك قال صاحب الزهرة بالتواتر، فما بالك لو زاد عددهم على العشرين فكم يصل عدد طرق الحديث وكيف لا نجزم بتواتره! فإن صاحب الزهرة لم يجزم بانحصار الرواية في السبعة، بل ذكر ذلك بحسب
____________
(1) الزهرة العطرة في حديث العترة: 69 ـ 70، دار الفقيه، القاهرة.
(2) المصدر نفسه: 44.
الصفحة 67 تتبعه الشخصي وأشار إلى ذلك بقوله: «... وذلك على حدّ علمنا»(1).
وقد صرّح غير واحد بأن عدد الصحابة فاق العشرين صحابياً. قال السمهودي في «جواهر العقدين»: «وفي الباب عن زيادة على عشرين من الصحابة رضوان الله عليهم»(2).
وقال ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة»: «ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً...»(3).
فتكون طرق الحديث متعددة جداً، ونجزم معها بتواتر الحديث. والحديث المتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث كما هو معلوم عند أهل هذا الفن(4).
2 ـ دلالات ومعطيات حديث الثقلين:
الدلالة الأولى: دلالته على إمامة أهل البيت ووجوب التمسك بهم والأخذ عنهم.
وهذه الدلالة جلية للعيان لاتحتاج إلى مزيد بيان؛ فألفاظ الحديث صريحة في ذلك فانظر قوله «إني تركت فيكم خليفتين...» فهو صريح في أن العترة خلفاء الرسول وانظر قوله: «وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا...» وقوله: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي...» فالأخذ
____________
(1) المصدر نفسه: 67.
(2) جواهر العقدين: 234، دار الكتب العلمية.
(3) الصواعق المحرقة: 342، دار الكتب العلمية.
(4) انظر مثلا «أصول الحديث» للدكتور محمد عجاج الخطيب: 197، الباب الرابع، دار الفكر.
الصفحة 68 والتمسك بالعترة منجٍ من الضلال والهلكة، وموجب للهداية الحقة.
وصرّح بهذه الدلالة جمع من علماء أهل السنة:
قال الملاّ علي القاري: «والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم...»(1).
ونقل الملاّ عن بعضهم قال: «ومعنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم»(2).
وقال المناوي في تعليقه على الحديث بعد فقرة (حتى يردا علي الحوض): «أي الكوثر يوم القيامة، زاد في رواية، كهاتين ـ وأشار بإصبعيه ـ وفي هذا مع قوله أولاً إني تارك فيكم، تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين، خلّفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما، وإيثار حقهما على أنفسهما، والاستمساك بهما في الدين»(3).
وقال السيد حسن السقاف العالم السني المعاصر: «والمراد بالأخذ بآل البيت والتمسك بهم هو محبتهم، والمحافظة على حرمتهم، والتأدّب معهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم والعمل برواياتهم والاعتماد على رأيهم ومقالتهم واجتهادهم وتقديمهم في ذلك على غيرهم»(4).
ومما يؤكد دلالته على الإمامة أيضاً اقترانه في بعض طرقه الصحيحة
____________
(1) مرقاة المفاتيح: 9 / 3974، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الثاني، دار الفكر.
(2) المصدر نفسه: 9 / 3974.
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 3 / 20، دار الكتب العلمية.
(4) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 653، دار الإمام النووي، الأردن.
الصفحة 69 بسياق واحد مع حديث الغدير المعروف (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، فهو يعطي دلالة واضحة على أن المراد من الحديثين أمر واحد، وهو خلافة أهل البيت وأولهم من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) سيد العترة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وفي لفظ الثقلين الوارد في الحديث إشارة واضحة إلى إمامة أهل البيت أيضاً، وذلك يظهر بسهولة لكل من تأمل في كلمات علماء أهل السنّة في ذلك:
قال ابن الأثير في «النهاية»: «سمّاهما ثقلين: لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس: ثَقَل، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما»(1).
قال النووي في «شرح صحيح مسلم»: «قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما وقيل لثقل العمل بهما»(2).
وقال جلال الدين السيوطي في ديباجته ما يقرب من القول المتقدم(3).
وقال الزمخشري في «الفايق في غريب الحديث»: «الثَقَل: المتاع المحمول على الدابة، وإنما قيل للجن والأنس: الثقلان لأنهما قُطّانُ الأرض فكأنهما أثقلاها، وقد شبـّه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يُستصلَحُ بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين»(4).
____________
(1) النهاية في غريب الحديث: 1 / 216، المكتبة الإسلامية.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي: 15 / 180، دار الكتاب العربي.
(3) الديباج على مسلم: 5 / 390، دار ابن عفان، المملكة العربية السعودية.
(4) الفايق في غريب الحديث: 1 / 150، دار الكتب العلمية.
الصفحة 70 إلى غير ذلك من الكلمات(1) التي تفيد أن التمسك بالعترة أمر عظيم ثقيل وأن شأنها كبير وبها يُستصلَح الدين، أفهل يرتاب بعد هذا ذو لب في دلالة حديث الثقلين على الإمامة ووجوب التمسك بأهل البيت؟!.
الدلالة الثانية: دلالته على عصمة أهل البيت (عليهم السلام):
وتوضيح ذلك ببيانين:
الأول: إنّ النبي أمرنا بالتمسك المطلق بأهل البيت، فلابدّ أن تكون كل أعمالهم وأقوالهم مطابقة للشريعة المقدسة؛ حتى يكون التمسك بهم منجياً من الضلال، وإلاّ لو كانوا يخطئون، لما أمرنا النبي بالتمسك المطلق بهم، ولهذا أشار العلاّمة القاري في «المرقاة»، فقال: «في إطلاقه [أي عدم تقييد التمسك بهم في أمر دون آخر] إشعار بأن من يكون من عترته في الحقيقة لا يكون هديه وسيرته إلاّ مطابقاً للشريعة والطريقة»(2).
الثاني: إن النبي قرنهم بالقرآن الكريم، وأوضح بأنهما لن يفترقا، والقرآن معصوم من كل خطأ وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، فالذي يكون مع القرآن بحيث لا يفترق عنه أبداً لابد أن يكون معصوماً من كل خطأ ومخالفة للشريعة، وإلاّ كان مفارقاً للقرآن، ويؤيد ذلك ما رواه الحاكم في «المستدرك» وتبعه الذهبي في «التلخيص» من قول
____________
(1) انظر مثلاً «مرقاة المفاتيح»: 9 / 3976، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الأول، دار الفكر، و «لسان العرب»: 11 / 88، دار إحياء التراث.
(2) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 9 / 3974، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الثاني، دار الفكر.
الصفحة 71 النبي (صلى الله عليه وآله): «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»، والحديث صحيح كما صرحا بذلك(1).
الدلالة الثالثة: دلالته على وجود إمام من أهل البيت في كل عصر وزمان. ويدل على ذلك قول النبي: «لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» ومقتضى عدم الافتراق هو وجود إمام من أهل البيت في كل عصر، يجب على الناس اتّباعه كما أن القرآن موجود في كل زمان إلى يوم القيامة. وقد صرح بعض علماء أهل السنة بذلك:
قال السمهودي: «إن ذلك يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا ـ كما سيأتي ـ أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض»(2). ونقل ذلك المنّاوي مقراً له عليه(3).
وقال ابن حجر الهيتمي: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أنّ الكتاب العزيز كذلك؛ ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض ـ كما يأتي ـ ويشهد لذلك الخبر السابق: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي»(4).
____________
(1) انظر «المستدرك على الصحيحين» وبهامشه تلخيص الذهبي: 3 / 124، دار المعرفة.
(2) جواهر العقدين: 244، دار الكتب العلمية.
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 3 / 19، دار الكتب العلمية.
(4) الصواعق المحرقة: 232، دار الكتب العلمية.
وأخرج ابن مردويه بسنده إلى ابن عباس قال: «كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ} الآية(3).
وأخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى سلمة بن كهيل، قال: «تصدّق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ} الآية(4).
و الروايات مستفيضة كما قلنا والملاحظ أن ابن حجر العسقلاني في تخريجه لروايات تفسير «الكشاف للزمخشري» أخرج رواية ابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم، ولم يقدح في سندهما مع أنه أخرج غيرهما وقدح في سنده مما يدل على قبوله بما ذكر(5).
____________
(1) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 104، دار الفكر.
(2) معرفة علوم الحديث: 102، دار الآفاق الجديدة.
(3) تفسير ابن كثير: 2 / 74، دار المعرفة.
(4) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 105، دار الفكر.
(5) تفسير الكشاف: 1 / 649، الحاشية.
الصفحة 58 ومهما يكن من أمر؛ فإن خبر تصدق علي بالخاتم في أثناء الركوع له طرق متعددة يعضد بعضها بعضاً؛ ولذا فإن السيوطي في «لباب النقول» بعد أن ذكر عدة طرق للرواية، قال: «فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً»(1).
فالحادثة ـ إذن ـ ثابتة والآية نازلة في علي بن أبي طالب (عليه السلام).
و في ذلك أنشأ حسان بن ثابت قائلاً:
أبا حسن تفديك نـفـسي ومهجتيوكل بطيء فـي الهدى ومسارع أيذهب مـدحي والـمحبر ضائعاًوما المدح في جنب الإله بضائع وأنتَ الذي أعطيت إذ كنت راكعاًزكـاة فدتك النفس يا خير راكع فـأنـزل فـيك الله خـير ولايةفبيَّنها في نـيرات الـشـرائع(2)
الأمر الثاني: في دلالتها على الخلافة:
دلّت الآية الكريمة على حصر الولاية في ثلاثة وهم: الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتقدم الجواب من قبل الزمخشري كيف أن المراد واحد واللفظ القرآني جاء بصيغة الجمع، وهناك أجوبة أخرى تعرض لها العلماء، ليس غرضنا بحثها والتعرض لها، بل فقط أحببنا التنويه إلى أن هذا الإشكال غير وارد.
فلابدّ أن نصبّ الكلام على معنى كلمة «وليـّكم» الواردة في الآية، وعند النظر في القرائن المحيطة بالآية يتضح أن المراد من الولي هنا هو: منْ له حق
____________
(1) لباب النقول: 81، دار الكتب العلمية.
(2) انظر «شواهد التنزيل» للحاكم الحسكاني: 1 / 236، و «نظم درر السمطين»: 88.
الصفحة 59 التصرف في شؤون الأمة الإسلامية من قبيل ما جاء في حق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) {النَّبِيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فهذه الأولوية الثابتة لرسول الله، ثابتة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بموجب هذه الآية الكريمة، ولا يمكن حملها على النصرة؛ أي أن المراد أن النصرة محصورة بموجب أداة الحصر «إنما» بالله والرسول وعلي (عليه السلام)؛ لأن النصرة عامة ومطلوبة من كل المؤمنين، كما جاء في الذكر الحكيم: {والمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أوْلِياءُ بَعْضٍ}.
مضافاً إلى أن ذيل الآية لا ينسجم مع تفسير كلمة «وليكم» بـ «ناصركم»؛ لأن النصرة مطلوبة على كل حال ولايمكن أن تكون متصفة بحال الركوع، سواء فسرناه بالركوع الحقيقي أو المجازي وهو الخشوع؛ لأن المؤمن ناصر لأخيه المؤمن، سواء في حال الركوع أو غيره، فتكون هذه الإضافة لغواً، ولا قيمة لها وحاشا لله ذلك فلابد ـ إذن ـ أن نحمل الولاية على ولاية الأمر، والتصرف، ويكون ذيل الآية مبيّناً لصفات ذلك الولي، وتلك الصفات ـ كما اتّضح ومرّ ـ لا تنطبق إلا على علي (عليه السلام)، فيتعين أن المراد من الولاية هي ولاية الأمر وهي الإمامة والخلافة، ويكون ولي الأمر والإمام الشرعي بموجب ما تقدم هو علي بن أبي طالب، وأداة الحصر دالة على نفي من يكون خليفة في عرضه، وحتى لايطول بنا المقام فإنّا نقف عند هذا الحد من ذكر الآيات القرآنية الشاملة لعلي أو المختصة به؛ إذ ليس غرضنا استيفاء ذلك، ولا إثبات الإمامة بل كما عرفت ـ قارئي الكريم ـ إن هدف الكتاب يصبّ في ذكر جملة من كلمات علماء وأعلام أهل السنّة في أئمة أهل البيت، ولكثرة ما ورد في فضائل علي والحسنين، اقتصرنا في الفصلين الأول والثاني على ذكر الصفحة 60 نبذ من فضائلهم، سواء من القرآن أو السنّة الشريفة.
لذا نتوقّف عن ذكر بقية الآيات، كآية البلاغ والإكمال، وغيرهما ونحيل مَن شاء المراجعة والتفصيل إلى الكتب المختصة في ذلك، مثل «دلائل الصدق» للمظفر، و «عبقات الأنوار» للنقوي، و «الغدير» للأميني، وغيرها، وننقل الكلام الآن إلى السنة الشريفة ونضع بين يدي القارئ جملة من الروايات الواردة في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) مشمولاً بها مع غيره أو مختصاً بها، ومنه تعالى نستمد العون والتسديد.
المبحث الثاني
فضائل علي (عليه السلام) في السنّة النبوية الشريفة
ولا يخفى ما ورد في علي (عليه السلام) من كثرة الأخبار المشيدة بفضله، والآمرة بالتمسك به، والسير وفق نهجه. نذكر في بحثنا طرفاً يسيراً من ذلك نبتدئه بذكر الأحاديث العامة الشاملة له، ثم نذكر الأحاديث الواردة في خصوصه (عليه السلام):
أ ـ الأحاديث العامة:
الحديث الأول: حديث الثقلين:
من الأحاديث المشهورة المعروفة الواردة في حق أهل البيت هو حديث الثقلين، وهو حديث متفق على صحته بين الفريقين، بل هو متواتر عند الشيعة الإمامية وله طرق عدة عند أهل السنة، وصحّح الحديث كبار علمائهم، وحيث أن الحديث متفاوت في بعض ألفاظه؛ لذا سنذكر للقارئ أكثر من صيغة له، ثم ننتقل للبحث عن دلالاته ومعطياته.
الصفحة 61
1 ـ صيغ حديث الثقلين:
الصيغة الأولى: ما أخرجه مسلم في «صحيحه» في باب فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسنده إلى زيد بن أرقم قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر. ثم قال: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»...»(1).
الصيغة الثانية: أخرج الترمذي بسنده إلى أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم، قالا: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).
وصحّحه السيد حسن السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية(3).
وكذا الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير(4).
____________
(1) صحيح مسلم: 4 / 1873، دار الفكر، باب فضائل علي بن أبي طالب.
(2) سنن الترمذي: 5 / 329، دار الفكر.
(3) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 654، دار الإمام النووي.
(4) صحيح الجامع الصغير: 1 / 482، المكتب الإسلامي.
الصفحة 62 الصيغة الثالثة: أخرج أحمد بسنده إلى زيد بن ثابت قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
قال حمزة أحمد الزين في تحقيقه على «المسند»: «إسناده حسن»(1).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال عنه: «رواه أحمد وإسناده جيد»(2).
وقال عنه الشيخ الألباني: «صحيح»(3).
الصيغة الرابعة: أخرج الطبراني في «المعجم الكبير» بسنده إلى زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّي تركت فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وأنّهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(4).
وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال: «رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات»(5).
وقد أخرجه أحمد في «مسنده» بلفظ يقرب من ذلك وبسنده إلى زيد بن ثابت أيضاً، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم
____________
(1) مسند أحمد: 16 / 28، دار الحديث القاهرة. والحديث في (5 / 182) من طبعة دار صادر.
(2) مجمع الزوائد: 9 / 162، دار الكتب العلمية.
(3) صحيح الجامع الصغير للألباني: 1 / 482، المكتب الإسلامي.
(4) المعجم الكبير: 5 / 153، دار إحياء التراث العربي. والناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
(5) مجمع الزوائد: 1 / 170، دار الكتب العلمية.
الصفحة 63 خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض جميعاً»، وقال عنه المحقق حمزة أحمد الزين: «إسناده حسن»(1).
الصيغة الخامسة: أخرج النسائي في «السنن الكبرى» بسنده إلى زيد بن أرقم قال: «لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات(2) فقممن(3) ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد(4): سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه»(5).
وقد أخرج هذا الحديث الحاكم النيسابوري في المستدرك وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله»(6).
ورواه ابن كثير في «البداية والنهاية» عن «السنن» وقال: «قال شيخنا أبو
____________
(1) مسند أحمد: 16 / 50، دار الحديث القاهرة، والحديث في (5 / 190) من طبعة دار صادر.
(2) الدوحات: جمع دوحة وهي الشجرة العظيمة.
(3) قممن: كنِسْنَ.
(4) القائل هو أبوالطفيل.
(5) السنن الكبرى: 5 / 46، دار الكتب العلمية.
(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 109، في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دار المعرفة.
الصفحة 64 عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح»(1).
الصيغة السادسة: ما أورده الحافظ أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري عن مسند إسحاق بن راهويه بسنده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام): «أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم. ثم خرج آخذاً بيده علي فقال: ألستم تشهدون أن الله ربّكم قال(2): بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه وقد تركت فيكم ما إنْ اخذتم به لن تضلوا كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم وأهل بيتي».
قال البوصيري (840 هـ) بعد ذكره للحديث: «رواه إسحاق بسند صحيح...»(3)، كما أورده ابن حجر في «المطالب العالية» وقال: «هذا إسناد صحيح»(4)، كما أورده السخاوي مقتصراً على الشطر الأخير منه في «استجلاب ارتقاء الغرف»، وقد علّق المحقّق عليه قائلاً: «إسناده صحيح»(5).
وقال الألباني: «ورجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه»، ثم تنـبّه إلى أن هذا تحريف من الطبّاع وأن الصحيح هو كثير بن زيد خصوصاً أن ابن أبي
____________
(1) البداية والنهاية: 5 / 228، مؤسسة التاريخ العربي.
(2) كذا في المطبوع، ولعل الصحيح «قالوا».
(3) إتحاف الخيرة المهرة: 9 / 279، برقم (8974)، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ ـ 1998م.
(4) المطالب العالية: 4/65، حديث رقم (3972)، دار المعرفة.
(5) استجلاب ارتقاء الغرف، بتحقيق خالد بن أحمد الصمي: 1 / 357، دار البشائر الإسلامية.
الصفحة 65 عاصم في كتابه «السنة» ذكر الرواية وفي طريقها كثير بن زيد وليس يزيد بن كثير(1).
وقال الألباني في تحقيقه على كتاب «السنّة»: «وفي كثير بن زيد كلام لا ينحط به حديثه عن مرتبة الحسن»(2).
فتكون الرواية حسنة بطريقها هذا عند الألباني.
وقال الحاكم في تعليقه على رواية فيها كثير بن زيد وأبو عبدالله القراظ: «كثير بن زيد وأبو عبدالله القراظ مدنيان لا نعرفهما إلا بالصدق وهذا حديث صحيح»(3)، ووافقه الذهبي.
وعلّق الشيخ الألباني على كلام الحاكم وموافقة الذهبي قائلاً: «قلت: بل هو إسناد حسن... وكثير بن زيد قال الحافظ: صدوق يخطئ، قال الذهبي: صدوق فيه لين»(4).
فالحديث صحيح بلفظه هذا عند كبار الحفّاظ ولا أقل من كونه حسناً كما هو عند الألباني، وهو صالح للاحتجاج به على كل حال.
وهناك صيغ أخرى، وطرق كثيرة للحديث نغمض عن ذكرها، توخياً للاختصار. وقد عرفت أن الطرق التي مرّت بعضها صحيح، وبعضها جيد
____________
(1) انظر «سلسلة الأحاديث الصحيحة»: 4 / 357، في تعليقه على حديث رقم 1761، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
(2) السنة: 345، المكتب الإسلامي، بيروت، بتحقيق الألباني.
(3) المستدرك على الصحيحين: 1 / 217، دار المعرفة.
(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 3 / 285، في تعليقه على حديث: 1296. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.
الصفحة 66 وبعضها حسن، وهي صالحة للاحتجاج بحدّ ذاتها، لكن يمكن القول، بل هو المتعين أن حديث الثقلين حديث متواتر عند أهل السنّة لا حاجة معه لذكر الأسانيد وتصحيحها. قال الشيخ أبو المنذر سامي بن أنور المصري الشافعي: «فحديث العترة بعد ثبوته من أكثر من ثلاثين طريقاً وعن سبعة من صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي الله عنهم، وصحته التي لا مجال للشك فيها يمكننا أن نقول أنه بلغ حد التواتر...»(1). والصحابة السبعة الذين ذكر الحديث صاحب الزهرة العطرة من طريقهم هم:
1 ـ زيد بن أرقم رضي الله عنه.
2 ـ زيد بن ثابت رضي الله عنه.
3 ـ أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
4 ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
5 ـ أبو ذر رضي الله عنه.
6 ـ حذيفة بن أسيد رضي الله عنه.
7 ـ جابر بن عبد الله رضي الله عنه(2).
فطرق الحديث ـ إذن ـ ثلاثون على القول أنّ رواة الحديث من الصحابة هم سبعة فقط، ومع ذلك قال صاحب الزهرة بالتواتر، فما بالك لو زاد عددهم على العشرين فكم يصل عدد طرق الحديث وكيف لا نجزم بتواتره! فإن صاحب الزهرة لم يجزم بانحصار الرواية في السبعة، بل ذكر ذلك بحسب
____________
(1) الزهرة العطرة في حديث العترة: 69 ـ 70، دار الفقيه، القاهرة.
(2) المصدر نفسه: 44.
الصفحة 67 تتبعه الشخصي وأشار إلى ذلك بقوله: «... وذلك على حدّ علمنا»(1).
وقد صرّح غير واحد بأن عدد الصحابة فاق العشرين صحابياً. قال السمهودي في «جواهر العقدين»: «وفي الباب عن زيادة على عشرين من الصحابة رضوان الله عليهم»(2).
وقال ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة»: «ثم اعلم أن لحديث التمسك بذلك طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً...»(3).
فتكون طرق الحديث متعددة جداً، ونجزم معها بتواتر الحديث. والحديث المتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث كما هو معلوم عند أهل هذا الفن(4).
2 ـ دلالات ومعطيات حديث الثقلين:
الدلالة الأولى: دلالته على إمامة أهل البيت ووجوب التمسك بهم والأخذ عنهم.
وهذه الدلالة جلية للعيان لاتحتاج إلى مزيد بيان؛ فألفاظ الحديث صريحة في ذلك فانظر قوله «إني تركت فيكم خليفتين...» فهو صريح في أن العترة خلفاء الرسول وانظر قوله: «وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا...» وقوله: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي...» فالأخذ
____________
(1) المصدر نفسه: 67.
(2) جواهر العقدين: 234، دار الكتب العلمية.
(3) الصواعق المحرقة: 342، دار الكتب العلمية.
(4) انظر مثلا «أصول الحديث» للدكتور محمد عجاج الخطيب: 197، الباب الرابع، دار الفكر.
الصفحة 68 والتمسك بالعترة منجٍ من الضلال والهلكة، وموجب للهداية الحقة.
وصرّح بهذه الدلالة جمع من علماء أهل السنة:
قال الملاّ علي القاري: «والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم...»(1).
ونقل الملاّ عن بعضهم قال: «ومعنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم»(2).
وقال المناوي في تعليقه على الحديث بعد فقرة (حتى يردا علي الحوض): «أي الكوثر يوم القيامة، زاد في رواية، كهاتين ـ وأشار بإصبعيه ـ وفي هذا مع قوله أولاً إني تارك فيكم، تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين، خلّفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما، وإيثار حقهما على أنفسهما، والاستمساك بهما في الدين»(3).
وقال السيد حسن السقاف العالم السني المعاصر: «والمراد بالأخذ بآل البيت والتمسك بهم هو محبتهم، والمحافظة على حرمتهم، والتأدّب معهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم والعمل برواياتهم والاعتماد على رأيهم ومقالتهم واجتهادهم وتقديمهم في ذلك على غيرهم»(4).
ومما يؤكد دلالته على الإمامة أيضاً اقترانه في بعض طرقه الصحيحة
____________
(1) مرقاة المفاتيح: 9 / 3974، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الثاني، دار الفكر.
(2) المصدر نفسه: 9 / 3974.
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 3 / 20، دار الكتب العلمية.
(4) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 653، دار الإمام النووي، الأردن.
الصفحة 69 بسياق واحد مع حديث الغدير المعروف (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، فهو يعطي دلالة واضحة على أن المراد من الحديثين أمر واحد، وهو خلافة أهل البيت وأولهم من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) سيد العترة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وفي لفظ الثقلين الوارد في الحديث إشارة واضحة إلى إمامة أهل البيت أيضاً، وذلك يظهر بسهولة لكل من تأمل في كلمات علماء أهل السنّة في ذلك:
قال ابن الأثير في «النهاية»: «سمّاهما ثقلين: لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس: ثَقَل، فسماهما ثقلين إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما»(1).
قال النووي في «شرح صحيح مسلم»: «قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما وقيل لثقل العمل بهما»(2).
وقال جلال الدين السيوطي في ديباجته ما يقرب من القول المتقدم(3).
وقال الزمخشري في «الفايق في غريب الحديث»: «الثَقَل: المتاع المحمول على الدابة، وإنما قيل للجن والأنس: الثقلان لأنهما قُطّانُ الأرض فكأنهما أثقلاها، وقد شبـّه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يُستصلَحُ بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين»(4).
____________
(1) النهاية في غريب الحديث: 1 / 216، المكتبة الإسلامية.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي: 15 / 180، دار الكتاب العربي.
(3) الديباج على مسلم: 5 / 390، دار ابن عفان، المملكة العربية السعودية.
(4) الفايق في غريب الحديث: 1 / 150، دار الكتب العلمية.
الصفحة 70 إلى غير ذلك من الكلمات(1) التي تفيد أن التمسك بالعترة أمر عظيم ثقيل وأن شأنها كبير وبها يُستصلَح الدين، أفهل يرتاب بعد هذا ذو لب في دلالة حديث الثقلين على الإمامة ووجوب التمسك بأهل البيت؟!.
الدلالة الثانية: دلالته على عصمة أهل البيت (عليهم السلام):
وتوضيح ذلك ببيانين:
الأول: إنّ النبي أمرنا بالتمسك المطلق بأهل البيت، فلابدّ أن تكون كل أعمالهم وأقوالهم مطابقة للشريعة المقدسة؛ حتى يكون التمسك بهم منجياً من الضلال، وإلاّ لو كانوا يخطئون، لما أمرنا النبي بالتمسك المطلق بهم، ولهذا أشار العلاّمة القاري في «المرقاة»، فقال: «في إطلاقه [أي عدم تقييد التمسك بهم في أمر دون آخر] إشعار بأن من يكون من عترته في الحقيقة لا يكون هديه وسيرته إلاّ مطابقاً للشريعة والطريقة»(2).
الثاني: إن النبي قرنهم بالقرآن الكريم، وأوضح بأنهما لن يفترقا، والقرآن معصوم من كل خطأ وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، فالذي يكون مع القرآن بحيث لا يفترق عنه أبداً لابد أن يكون معصوماً من كل خطأ ومخالفة للشريعة، وإلاّ كان مفارقاً للقرآن، ويؤيد ذلك ما رواه الحاكم في «المستدرك» وتبعه الذهبي في «التلخيص» من قول
____________
(1) انظر مثلاً «مرقاة المفاتيح»: 9 / 3976، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الأول، دار الفكر، و «لسان العرب»: 11 / 88، دار إحياء التراث.
(2) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 9 / 3974، باب مناقب أهل بيت النبي، الفصل الثاني، دار الفكر.
الصفحة 71 النبي (صلى الله عليه وآله): «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»، والحديث صحيح كما صرحا بذلك(1).
الدلالة الثالثة: دلالته على وجود إمام من أهل البيت في كل عصر وزمان. ويدل على ذلك قول النبي: «لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» ومقتضى عدم الافتراق هو وجود إمام من أهل البيت في كل عصر، يجب على الناس اتّباعه كما أن القرآن موجود في كل زمان إلى يوم القيامة. وقد صرح بعض علماء أهل السنة بذلك:
قال السمهودي: «إن ذلك يفهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا ـ كما سيأتي ـ أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض»(2). ونقل ذلك المنّاوي مقراً له عليه(3).
وقال ابن حجر الهيتمي: «وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أنّ الكتاب العزيز كذلك؛ ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض ـ كما يأتي ـ ويشهد لذلك الخبر السابق: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي»(4).
____________
(1) انظر «المستدرك على الصحيحين» وبهامشه تلخيص الذهبي: 3 / 124، دار المعرفة.
(2) جواهر العقدين: 244، دار الكتب العلمية.
(3) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 3 / 19، دار الكتب العلمية.
(4) الصواعق المحرقة: 232، دار الكتب العلمية.