المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إثنتان وربما ثلاث جولات خسرتها أمريكا في حربها الإلكترونية مع إيران


د. حامد العطية
05-01-2012, 11:24 PM
إثنتان وربما ثلاث جولات خسرتها أمريكا في حربها الإلكترونية مع إيران

د. حامد العطية

الحروب أنواع، منها الحارة والباردة، المعلنة والخفية، المباشرة وغير المباشرة، ونقرأ اليوم عن حرب إلكترونية بين امريكا وإيران.
هي حرب بداها الأمريكيون، واجبرت إيران الإسلامية على خوضها، فالمبادأة لأمريكا، مما يجعلها أكثر حظاً في كسبها، فهل حدث ذلك؟
من أدوات التجسس الأمريكية الأقمار الصناعية، وهنا قد تبدو كفة أمريكا راجحة، مقارنة مع الدول الاخرى، ما عدا المتقدمة تقنياً، ومنها روسيا والصين، إذ لديهما أقمار تجسسية أيضاً، لكن إيران تفردت عن الجميع بدفاعها المتميز ضد أقمار أمريكا التجسسية، وتكشف جريدة الكريستيان ساينس مونيتور في مقال مطول منشور في عددها الصادر في 15 كانون الأول 2011م بأن إيران أذهلت حكومة أمريكا ومؤسسات الغرب التجسسية بنجاحها في تعطيل قدرات قمر صناعي تجسسي أمريكي بواسطة توجيه شعاع ليزر بدقة فائقة، تلك كانت واحدة من الجولات التي ربحتها إيران بالضربة القاضية المميتة.
بعد إعلان إيران سيطرتها على طائرة التجسس الشبحية الأمريكية (أركيو 170) تحداها "خبراء" امريكا وكتابها لتثبت القول بالصور، ولما نشرت الصور ادعوا بأنها مزيفة والطائرة مجرد نموذج مصطنع، حتى اقرت بذلك حكومة أمريكا، وطلبت من إيران إعادة الطائرة، فلم يبق مجال للشك بنجاح إيران في السيطرة على الطائرة بوسائل إلكترونية مكنتها من التحكم بها وانزالها على الأرض الإيرانية سالمة وسط حيرة ودهشة وغيظ أمريكا وحلفائها.
يؤكد الخبراء بأن سيطرة إيران على طائرة التجسس الأمريكية انتصار فريد في تاريخ الحرب الإلكترونية، ودليل على امتلاك إيران تقنيات إلكترونية متطورة، ويكتب أحدهم بأن اختراق موقع أو منتدى على الإنترنت يتطلب اجتياز أربع أو خمس بوابات أو أسوار لمنع الاختراق، وبالمقارنة بذلك فإن اختراق النظام الإلكتروني الدفاعي لطائرة التجسس يستدعي اجتياز ما يزيد على مئتين وخمسين سوراً، والفشل في اجتياز أي منهم يؤدي تلقائياً إلى إعادة تكوين الأسوار الأخرى، وآنذاك يتوجب العودة إلى المربع الأول أو نقطة البداية لتكرار المحاولة من جديد، ولكم أن تتصوروا مدى صعوبة ذلك، فلو فشلوا في اختراق السور الاخير عليهم العودة إلى السور رقم واحد والبدأ من جديد.
هنالك انتصاران سجلها حزب الله في لبنان ضد الكيان الصهيوني والمقاومة الشيعية ضد الاحتلال الأمريكي في العراق، والمصادر الغربية تعزو الفضل فيهما لإيران، (جريدة الوول ستريت جورنال في 18 كانون الأول 2009م) ولكننا سنكتفي هنا بالانتصارات المباشرة.
أحصينا انتصارين عظيمين لإيران على أمريكا في الحرب الإلكترونية فهل من ثالث؟ في الثامن من تشرين الأول من عام 2011م نشرت مجلة بي سي المعروفة والمختصة بعالم الحاسبات الإلكترونية مقالاً عن حدوث اختراق لنظام الحواسب السري في قاعدة كريش للقوة الجوية الأمريكية بولاية نيفادا الأمريكية، والذي يتحكم بإسطول الطائرات من دون طيار، والتي تعتمد عليها في حربها بأفغانستان وغيرها، وتمت عملية الاختراق باستخدام فيروس كيلوجر keylogger، وهو من نوع التروجان، ومهمته استنساخ الملفات الموجودة في نظام السيطرة، وقد اقر المسؤولون بالقاعدة بأن محاولاتهم للتخلص من الفيروس باءت جميعها بالفشل، فما أن يتم طرده حتى يعود من جديد، وقد تخوف البعض من أن تكون الأصابع الإيرانية وراء ذلك، إذن من المحتمل أن تكون تلك الجولة الثالثة الكبرى التي ربحتها إيران ضد امريكا في الحرب الإلكترونية، وكما يقول الأمريكيون: ثلاثة انتصارات فيخرج – الخاسر – من السباق.
السيطرة على طائرة الشبح وتعطيل قمر تجسسي وربما اختراق نظام للطائرات الحربية في عقر أمريكا ليست بالأمورالهينة، وهي دالة على امتلاك إيران تفوقاً ثميناً في الحرب الإلكترونية، مما تثير التكهنات بقدرتها على التحكم بنظم عسكرية أخرى، قد تصل حد السيطرة على نظم الصواريخ البالستية والقوة الجوية وأجهزة الاستكشاف والرصد للقوات الأمريكية وحلف الناتو، وهو ما يستشف من تهديد إيران بضرب القواعد الأمريكية في أنحاء العالم فيما لو أقدمت أمريكا أو الكيان الصهيوني على الاعتداء عليها.
هل اختراق نظم المعاملات المالية العالمية في نيويورك ولندن وباريس أصعب من السيطرة على نظم التحكم العسكرية لأمريكا؟ لست مختصاً لاعطي جواباً دقيقاً لكني أرجح بأنها أسهل، لذا فإن المغامرة بالاعتداء على إيران قد تكون لها عواقب وخيمة تتعدى المجال العسكري إلى عالم المال والاقتصاد، وهو أشد ما يخيف حكومات الغرب ومؤسساته المالية.
هل ستتعظ أمريكا وحلفاؤها من هذه الاخفاقات المتتالية وتترك إيران وبقية بلدان المنطقة وشأنهم؟ لا أظن ذلك.
5 كانون الثاني 2012م