Basij
11-01-2012, 05:33 PM
http://www.alwelayah.net/welayah/_upl/pix/mid/1105100536191305020179.jpg
بسم الله الرحمن الرحيم
رويت عن الإمام سيد الشهداء (سلام الله عليه) خطبة علّل فيها نهضته على حكومة عصره فقال مخاطباً الناس: (أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله (أي يبيح ما حرم الله) ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباده بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بعمل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ...) أي من يسكت عن هذا السلطان الجائر يدخل مدخله في الآخرة.
وأوصاف هذا السلطان الجائر هي: أنه يغير سنة رسول الله، وينكث عهد الله، ويستحل حرماته، فمن يراه ويسكت عنه يكون في مثل محله في الآخرة حتى لو كان يلتزم أداء كل الأعمال الواجبة والمستحبة، ويقيم الصلوات في المساجد، وينشر، ويبلغ أحكام الله، ويعمل طبق ما يرضي الله، ويعمل كل الصالحات، ويجتنب كل السيئات، فمحله محل السلطان الجائر من طبقات جهنم.
هذا هو مصير من يسكت ليفعل السلطان الجائر كل ما اشتهى، وهذا ما يصرح به الحديث الشريف المنقول عن سيد الشهداء- عليه السلام- الذي يبين أن علة نهضته على حكومة عصره هو أنه يريد العمل بقول رسول الله، ولا يتخلف عنه، لان مصير المتخلف عنه، كمصير السلطان الجائر نفسه.
والآن لنلاحظ الوضع، ونعرف هل في حكومة عصرنا وسلطان زماننا الصفات التي يذكرها الحديث الشريف؟
إذا كانت ونحن ساكتون، فالمعنى الوارد في الحديث ينطبق علينا خاصة وأنه- عليه السلام- قد أعلن هذا الأمر، وثار وقام بنهضته على يزيد السلطان الجائر بثلة قليلة العدد في مقابل فئة كثيرة وقوة كبرى كانت تتسلط على كل شيء، وبذلك اسقط من أيدينا الاعتذار بأن نقول: إن عددنا قليل وقوتنا ضعيفة.
سلبنا الاعتذار بمثل هذا عندما خطب الناس وهو عازم على التحرك على سلطان عصره، وبين علة ثورته بأن يزيد قد نكث عهد الله، وغير سنة رسوله، ونقض حرام الله، فمن يسكت عنه يحشر معه في الدرجة نفسها من جهنم.
فما الذي فعله يزيد وجعل سيد الشهداء- سلام الله عليه- يثور عليه، ويعلن هذا الموقف والنهج؟
إن الموقف الذي أعلنه سيد الشهداء هو عام يشمل الجميع (من رأى ...) أي كل من يرى سلطاناً جائراً يتصف بالقيام بهذه الأمور، ويسكت عنه، فلا يتفوه بشيء، ولا يقوم بتحرك مناهض له فهو معه في المحل ذاته.
كان يزيد يتظاهر بالتمسك بالإسلام، ويعتبر نفسه خليفة رسول الله ويصلي، ويقوم بكل هذه الأعمال التي نقوم بها نحن، لكن ماذا كان يفعل على الجانب الآخر؟! كان عاصياً يعمل خلاف سنة رسول الله في معاملة الناس، التي توجب حفظ دماء المسلمين وأموالهم.
أما هو، فقد كان يسفك دماءهم، ويضيع أموالهم عملًا بسنة أبيه معاوية الذي واجهه أمير المؤمنين وكان للإمام جيش، لكن سيد الشهداء قام بنهضته بفئة قليلة في مواجهة قوة كبرى. فهل الأعمال التي قام بها تصدق على عصرنا وسلطان زماننا؟ وهل الأوصاف التي ذكرها رسول الله تنطبق على هذا (الملك محمد رضا)؟ وهل هو سلطان، وهل هو جائر؟ معلوم أن له الآن سلطة، وهو جائر أيضاً، ولعله نفسه يعترف أيضا بذلك، فالجميع يعرفونه أنه جائر، ألم ينقض سنة رسول الله؟ وهل عمل بشيء من أوامره- صلى الله عليه وآله وسلم-؟! أو أنه لا يقيم وزناً لكل أقوال رسول الله؟
نعم، إنه لا يقيم لسنة الرسول وزناً وغاية الأمر أنه يقوم أحياناً- لخداعنا أنا وأنتم- بزيارة مرقد الإمام الرضا، ويصلي فيه ركعة أو اثنين، ويطلق أقوالا ما لاستغلالنا. وهل هو عامل بسنة رسول الله وملتزم بها؟ إن من سنة رسول الله حفظ دماء المسلمين، فهل حفظها؟ لقد وصلت الآن أنباء تتحدث بمقتل خمسين نسمة في مدينة اصفهان خلال اليومين أو الثلاثة الماضية والأعداد الفلانية هنا وهناك، فهل هو جاهل بذلك؟ هل الحكومة جاهلة بذلك؟ لا، إن ما يحدث هو بعلمه وعلمها، إنهم لا يقومون بشيء دون إطلاع الملك.
إنني قلق مما قد يحدث غداً وبعد غد، لأنه قد وصلنا خبر أرجو- إن شاء الله- ان يكون كذباً. وقد حملته أنا على انه دعاية، ولكن صحته محتملة، ومفاده أنهم أعلنوا أن الناس احرار خلال هذين اليومين في إقامة مراسمهم وشعائرهم الدينية ومجالس العزاء.
ومن جهة أخرى قيل: إن ثمة مؤامرة خلف هذا الإعلان، وهي أن يدخلوا مجموعة من الأشرار بين صفوف الأهالي، ويدفعونهم إلى الوقوع في الاشتباكات، أي أنهم يخططون لإدخال مجموعة من الأشرار في صفوف المسيرة التي يعتزم العلماء وسائر فئآت الشعب إقامتها في جميع مدن إيران وأقضيتها، لكي يقوم هؤلاء الأشرار المرتبطون بالنظام بإثارة أعمال الشغب، ثم يهاجم عساكر النظام المسيرة بالعيارات النارية مدعين أنها لم تكن مظاهرة سلمية، بل كانت أعمال شغب، وبهذه الطريقة يقتلون الناس.
وأنا أحتمل أيضاً أنهم أشاعوا هذا الرأي، لكي يصدوا الناس عن المشاركة في المسيرة التي يزعمون الخروج بها غداً، ليمنعوا المسيرة بجعل الناس يعرضون عنها، فيحققوا بذلك هدفهم، ويقولوا: لقد منحنا الناس حرية القيام بذلك، لكنهم أحجموا عن الخروج.
والاحتمال الآخر يبقى قائماً أي أن تكون ثمة مؤامرة شيطانية حقاً، وهذا ما يبعث على القلق مما سيفعلونه غداً. فالقضية القائمة- على كل حال- هي أن ثمة سلطاناً جائراً يتسلط على الناس ولديه عساكر وجيش والقوى الكبرى تدعمه، وتنطبق عليه جميع المواصفات التي ذكرها الحديث
الشريف للسلطان الجائر، فقد جعل الله- تبارك وتعالى- نفوس المسلمين محترمة لا يحق لأحد التسلط عليها وقتلها، فهي من حرمات الله، فيما يجيز هذا الملك، بل يأمر بإزهاقها.
كما يوجب حفظ أموال المسلمين، فيوجب حفظ أموال الشعب الإيراني ونفطه ومراتعه وغاباته وثرواته الجوفية والسمكية وأن تكون له وتسخر لخدمته وما ينفعه وأن يقوم الإيرانيون باستخراجها بأنفسهم والاستفادة منهم طبقاً لما تقتضيه مصالحهم.
أما هذا الملك، فقد ضيّع كل هذه الثروات، والله يحرم على كل نفس تضييع الأموال العائدة للمسلمين أو أحد الشعوب وبيع ثرواتهم لأعداء الإسلام مثل إسرائيل التي هي الآن عدوان على المسلمين، هو يوفر عليها معظم احتياجاتها من النفط كما ينقل، والثمن هو أن الكثيرين من قتلانا يقتلون بأيدي الجنود الإسرائيليين- كما نقلوا-. إذن فهو (الملك) مستحل لحرمات الله، يزهق أنفس المسلمين، ويبدد أموالهم، وقد أعطى الأجانب وشركاتهم، وقتل أراضينا الثرية وغاباتنا- كما نقل- الآلاف من الأهالي لأخذ ثرواتهم السمكية وتقديمها للأجانب.
كلكم تعلمون بما يفعلونه بثروتنا النفطية، وبعد مدة قصيرة لن يبقى شيء لإيران، فكل ما فيها نقلوه إلى الخارج. ويبدو أن هذا السجل جُلب إلى هنا، وبعد أن نقلوا كل هذه الأموال إلى الخارج فطنوا إلى ضرورة أن يعلنوا منع تحويل الأموال الإيرانية إلى الخارج، ولكن بعد أن تم تحويلها وانتهى الأمر.
لقد بلغ ما نهبه جلالته في المدة الأخيرة فقط ثلاثة مليارات ومئآت الملايين من (الدولارات) والله يعلم بمقدار ما نهبوه من قبل، فقد بدأوا بالنهب منذ بداية مجيئهم للحكم. وعندما أرادوا نفي الملك رضا حمل معه مجوهرات إيران، فقد نقل احد السادة لي عن مسؤول حكومي من مرافقي الملك رضا قوله: انه عندما عزم الحلفاء على إبعاده عن إيران بعد مجيئهم إليها ملأ حقائبه من المجوهرات الإيرانية، لكنهم حبسوا الباخرة التي تقله وسط البحر، وأتوا بزورق أو سفينة مخصصة بحمل الدواب- كما نقل ذاك المسؤول- وربطوها بباخرته، ثم أمروه بالانتقال إليها وحده، وأخذ الانجليز منه تلك الحقائب وانتهى الأمر! هذا ما فعلوه في عهده إضافة إلى ما سرقه هو.
وفي أحد أسفار رضا شاه- ولعله كان يشتمل على مخاطر ما قال له المرحوم السيد المدرس- رحمه الله- الذي كان يعارضه بقوة، وقدم روحه في النهاية ثمناً لذلك-: إنني أدعو لك أن تعود سالماً! ففرح كثيراً لذلك، وقال: هل دعوت لي حقاً؟! فأجاب السيد المدرس: أجل دعوت لك لعلة في الأمر، وهي أنك لو مت في هذا السفر لضاعت أموالنا، وأريدك أن تبقى حياً حفظاً لأموالنا!! أجل، هذا ما كان يفعله الملك رضا في عهده.
أما ابنه، فقد فاقه كثيراً في هذا المضمار، فقد وصل الحكم وهو يختزن تجارب أبيه في السرقة، ولذلك قرر منذ البداية أن ينقل الأموال إلى المصارف الأجنبية في أمريكا وغيرها، فكن- ز فيها أموال الشعب ليذهب إليها إذا وقعت حادثة ما.
ولكن على الشعب أن لا يسمح له بالفرار، فهو يسعى الآن لذلك، وقيل: إنه سافر إلى جزيرة (كيش)، وقد خشيت في البداية أن يكون خروجه من إيران أو طهران علامة عزمه على ارتكابه مفسدة ما، أي: أن يأمر بارتكاب المذابح، ويخرج.
وقد خطر في ذهني أن يكونوا قد أعدوا مثل هذه المؤامرة لمسيرات اليومين القادمين، ولكن يحتمل أن لا يكون في الأمر مثل ذلك- إن شاء الله- وقد قال بعضهم: انه ذهب إلى تلك الجزيرة لارتكاب فعلته الأخيرة وهو يسعى بالطبع للفرار.
فيجب على الشعب الإيراني أن يمنعه من الهروب، ويعاقبه إذا كان ممكناً لأحد أن يعاقبه على ما جنته يداه، فقد تسلط أكثر من ثلاثين سنة على هذا الشعب، وضيع كل ما لديه، وأثكل الأمهات، واليوم بالذات نقلوا خبر مقتل ثلاثة إخوة هم كل ذرية إحدى الأمهات، أي: أن والديهم سيعودون اليوم إلى منزلهم ليجلسا وحيدين على مائدة الطعام بعدما كان يجلس معهما أبناؤهم الثلاثة! فهل يمكن أن نعاقبه بما يستحق في هذه الدنيا؟ وهل ينتهي عقاب القاتل بالاقتصاص المجرد منه؟! وهل يكون الثمن دم هذا الإنسان- إذا كان إنساناً؟!
لقد ارتكب هذا الشخص طوال ما يزيد على ثلاثين سنة ونيف تسلط فيها على شعبنا بكل هذه المذابح والسرقات والخيانات والجرائم، فهل يستطيع الإنسان معاقبته على كل ما فعل، وليس له سوى نفس واحدة؟ لا، لا يمكن القصاص منها إلا مقابل نفس واحدة من النفوس التي أزهقتها؟
إنني أعجب أحياناً من عقول بعض الذين يأتون الآن، ويقولون: حسناً لقد اعتذر أخيراً، فاقبلوا عذره بعد أن اعترف بالخطأ! كيف نقبل منه؟ وهل يقبل الله- تعالى- منه هذا الاعتذار أصلا؟ إن الله لا يتجاوز عن حقوق الناس، فهم الذين يجب أن يعفو بشأن حقوقهم، لكي يعفوا الله- تعالى- فكيف يعفو عنه- تبارك وتعالى؟! كيف يقال:- تعالوا الآن للصلح والعفو وأمثال ذلك؟
لقد كتب لي سيد ابيضت لحيته- وهو بالطبع رجل عالم، لكن عقله ناقص بعض الشيء- رسالة مطولة قال فيها: إن النبي الأكرم قد عفا عن الكافر الفلاني وعن فلان في المحل الفلاني وكتب لي سجلا تأريخياً، وكأنه يحق لي أن أعفو عنه، فما علاقتي أنا بذلك؟ لقد قتل أبناء تلك المثكولة الطاعنة في السن فكيف أعفو أنا والقتلى الذين أهلكهم هم شباب هذا الشعب؟!
احتملوا مقتل مجموعة أخرى الآن في هذه الليلة مثلما وصل اليوم خبر مصرع مجموعة من الأهالي، فهل يحق لنا إزاء ذلك أن نقعد ونقول: حسناً ليبق جلالته في مقامه السامي دون أن يحكم، ليبق فقط في مقام صاحب الجلالة!! فأي منطق هذا؟ وكيف لمثل الإنسان أن يتفوه بمثل هذه الأقوال أو بمثل طلب من يقول: لنعمل بالدستور؟!
إن معنى العمل حتى بهذا الدستور الموجود فعلًا هو أن يبقى جلالته ملكاً سلطاناً غير حاكم- فهل يمكن التفوه بمثل هذا لمن يملك إدراكاً إنسانياً؟ حتى الحيوان لا يستطيع الدعوة للعفو عنه، فمن يعفو عنه؟ ومن يحق له أن يعفو؟ فهل ما ارتكبه هو مجرد جرم شخصي عليّ، لكي أعفو عنه؟!
لقد سلب حقوق شعب برمته وسفك دماءه، إنه ناكث لعهد الله[1] الذي أخذ من جميع بني الإنسان ميثاقهم بأن يطيعوا، وهذا ناكث لعهد الله، كما تعهد هو بنفسه في المجلس النيابي في بداية غصبه لهذه السلطنة، فأقسم على الوفاء للمذهب الشيعي وعلى أن يروجه، ولا يخون الشعب، وقد نقض الإيمان التي حلفها، ونكث عهوده بعد ما أقسم بالقرآن واستشهد الله على ذلك، وانتم ترون كيفية ترويجه للمذهب الشيعي! كما ترون أمانته في معاملة الشعب!! إنه يخالف سنّة رسول الله إلى أبعد مدى في كل المجالات التي تتصورونها.
إذن من يرى تجسد هذه المواصفات في محمد رضا خان، ويسكت، فمحله معه في جهنم، ولو كان يؤدي صلاة الليل ولو كان عالماً حتى لو قضى عمره في طاعة الله، وهذا ما يصرح به الحديث الشريف الذي ينقله سيد الشهداء عن رسول الله، فكيف يمكن للشعب أن يلتزم الصمت؟
لقد تمت الحجة على الجميع، فلا عذر لأحد، والأصل يوجب أن ننتفض حتى لو كنا أربعة أشخاص لا أكثر، ولا احد يقدر أن يقول: إننا فرادى، فالشعب كافة بجميع فئآته يقف في مواجهة هذا السلطان الجائر، إذ انتفض عليه برمته حتى في قراه، فقد جاءني أول من أمس أحدهم وكان قد زار إحدى القرى النائية، وقال: إنّ أهلها يخرجون صباحاً ومساءً في مظاهرات يتقدمهم العالم الديني في هذه القرية.
وفي ظل هذه الأوضاع التي انتفضت فيها الجماهير كافة لا يمكنني القول بأنني لا أستطيع القيام بشيء، لا، إنك تستطيع مثلما ترون عملياً أنكم قادرون، فقد عجز الحكم العسكري، ثم الحكومة العسكرية عن فعل شيء، فهذه الحكومة العسكرية التي طلبت لنفسها كثيراً رأت أنّ من غير الممكن أن تتصدى للجماهير بعدما قررت أن تخرج في كل ناحية في المسيرات ولذلك أعرضت عن مجابهتها، وقالت: يسمح للأهالي بذلك! وكأنها تتوهم أنها لو لم تعطهم هذه (الإجازة) لما خرجوا! فما معنى هذه الإجازة أصلا؟! هل هم مجانين ليعلنوا مثل ذلك؟! وقد قالوا في موقع آخر إن صاحب الجلالة قد أجاز ذلك! وهذا أمر مثير للسخرية حقاً.
[أحد الحضور:- وهل أجازوا أيها السيد إقامة صلاة الجماعة أيضاً؟]
الإمام: أجل، إن من المثير للسخرية أن يتفوه أحد بمثل هذا القول، ويقول هو أو الحكومة: سمحنا بذلك! فمن أنت؟ لقد رفعتم حرابكم على الناس، فتصدوا لها بصدورهم، حتى الصغار والنساء اللواتي احتضن أطفالهن، والتحقن بصفوف الجماهير، وهذا أمر إلهي، والله- تعالى- هو الذي قام به، فهو الذي أوقد هذه النار التي ستبقى مثل الشمس تتألق أنوارها إلى أن تحقق ثمارها بمشيئة الله (الحاضرون: إن شاء الله).
لا عذر لأحد أن يقول: لم نستطع، أو لم نعلم، فهل في إيران كلها من يستطيع القول بأنه لا يعلم بأن هذا السلطان جائر؟ أو أن يقول:- لم أعرف أنه مخالف لسنة رسول الله؟ فهل يجهل احد بنكثه عهد الله وعصيانه وجوره على الناس وتضييعه لثرواتهم؟!
لا يستطيع أحد أن يدعي الجهل بذلك، وهل يستطيع أحد الآن القول بأننا لم نقدر على القيام بشيء؟ كيف وكل القوة معنا الآن؟! على الجميع أن يستنكروا أي: يكشفوا حقيقة الملك، ويفضحوه علناً- مثلما فعله بعض عملاء البلاد، وكتبوا عن ذلك بلغة صريحة، ولم يفعلوا لهم شيئاً- وهذا ما يجب على الجميع القيام به، لا أن يتحدثوا بمساوئ الحكومة والنظام، فهذا انحراف. والواجب أن يصرحوا باسم الملك نفسه ويستنكروا، فلا يمكن أن يعتذر أحد بالعجز، لا بل كنت قادراً. وكل من يتفوه بكلمة واحدة في الدعاية لهذا الظالم أو تأييده أو حفظه، فهو خائن للإسلام والمسلمين، يجب عدم القيام بذلك وعدم ذكر اسم الدستور أصلا، إلا بأن يطالب بحذف البنود التي أضافها إليه رضا خان بقوة الحراب والباقي وإن كان منحرفاً أيضاً، لكنه ليس إلى درجة الوقوع في جريمة حفظ هذا الملك.
لا عذر لأي منا اليوم، وثمة واجب يقع على عواتقنا نحن وأنتم أيضاً الذين تقيمون في هذه البلدان، فأولئك يقفون في صفوف القتال الشعبي، ولعل أصوات رصاص البنادق والبنادق الرشاشة تسمع الآن في طهران وقم والأهواز وغيرها، فالأهالي لا يمكنهم السكوت، وقد انبروا لمجابهة (عساكر) النظام فهم في صفوف الجهاد والحرب يقومون بواجبهم الشرعي وبما يقتضيه ذلك الحديث النبوي الشريف مقتدين بسيد الشهداء- سلام الله عليه-.
أما أنتم المقيمون هنا، فعليكم القيام بما تستطيعونه، فإن استطعتم إجراء مقابلات صحفية، فأجروها، وأفضحوا هذا المرء (الملك) وبيان جرمه وجرائمه. وإن استطعتم عقد اجتماعات، ليتحدث أحدكم فيها، فقوموا بذلك، تحدثوا لمعارفكم من الفرق الأخرى في هذا البلد وسائر البلدان الأخرى، وفي أي لقاء اجتمعتم فيه معهم ليعرف الناس أن الثائرين على هذا المرء ليسوا مجموعة من مثيري الشغب، وليس الهدف مما يقومون به الآن إثارة الاضطراب بل هم أبناء شعب يقولون حقاً، ويطالبون بحقوقهم، فالحرية حق الشعب واستقلال كل بلاد حق ثابت لأهله وهم يطالبون بهذه الحقوق، فهم شرفاء انتفضوا وأخذوا يضحون الآن بدمائهم في سبيل حفظ أحكام الإسلام والحيلولة دون إهدار ثرواتهم، أي: ثروات شعبهم ودون تضييع لأحكام الإسلام وتعدّ لها.
عليكم أن تبينوا الحقيقة المتقدمة لأهالي هذه البلدان بكل لغة وأي طريقة ممكنة، قولوا لهم: إن الشعب الإيراني معارض لهذا الرجل وحكومته، لأنّه وأباه خانا شعبنا طوال حقبة حكمهما ومنذ خمسين سنة ارتكبا خلالها الجرائم والمذابح، الأب ارتكب مذبحة مسجد (كوهرشاد)، والابن خلفه حقاً، بيّنوا للناس أن هذه هي حقيقة الأمر، وليست مجموعة من الأراذل والأوباش- وهم ثلة (معدودة) يؤذون الناس- كما صرح بهذا المعنى ذاك (القزم) مؤخراً- أو أن الشعب يحب الملك!! لا أدري كيف يفكر هؤلاء ومن يخاطبون بهذه الأقوال.
قولوا لأهالي هذه البلدان: إن الشعب الإيراني انتفض سعياً للحصول على مطالب واضحة يقرها جميع بني الإنسان، وهي أن يكون حراً، ولا يبقى سجيناً بأيديهم يأخذون بخناقه لمنعه من التحدث بشيء، ويكسرون أقلامه، لكي لا يكتب شيئاً، أجل، لقد كسر هؤلاء الأقلام والأقدام طوال هذه الخمسين عاماً التي مازالت سجونها مملوءة من الذين كانوا يطالبون بالحرية، وقد انتفض الشعب الآن مطالباً بحقوقه الواضحة، وهي من أيسر الحقوق الإنسانية أي: الحرية والاستقلال والحكومة العادلة. عليكم أن تحبطوا تلك الدعايات التي ينفق عليها سنوياً مائة مليون دولار- كما ينقل- لنيل المدائح التافهة له وترويجها وكيل التهم والسباب على معارضيه.
بينوا لمن تلتقونه أن هذه الدعايات مخالفة للواقع، وأن هذا الرجل يأخذ أموال الشعب، وينفقها فيما يعارض مصالحه، أي: أنه ينفقها فيما يضرّ الشعب.
أيدكم الله جميعاً- إن شاء الله- موفقين. (الحاضرون يرددون الصلوات على محمد وآله).
ــــــــــــــ
[1] إشارة إلى الحديث النبوي الذي ينقله الإمام الحسين- عليه السلام- في خطبته التي بدا الإمام الخميني حديثه بها.
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
المصدر: صحيفة الإمام الخميني، ج5، ص: 131
التاريخ: 18 آذر 1357ﻫ.ش/ 8 محرم 1399ﻫ.ق
الموضوع: الانتفاضة على الحاكم الجائر مسؤولية إلهية شرعية
الحاضرون: مجموعة من الإيرانيين المقيمين في الخارج من الجامعيين وغيرهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
رويت عن الإمام سيد الشهداء (سلام الله عليه) خطبة علّل فيها نهضته على حكومة عصره فقال مخاطباً الناس: (أيها الناس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلا لحرم الله (أي يبيح ما حرم الله) ناكثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل في عباده بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بعمل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ...) أي من يسكت عن هذا السلطان الجائر يدخل مدخله في الآخرة.
وأوصاف هذا السلطان الجائر هي: أنه يغير سنة رسول الله، وينكث عهد الله، ويستحل حرماته، فمن يراه ويسكت عنه يكون في مثل محله في الآخرة حتى لو كان يلتزم أداء كل الأعمال الواجبة والمستحبة، ويقيم الصلوات في المساجد، وينشر، ويبلغ أحكام الله، ويعمل طبق ما يرضي الله، ويعمل كل الصالحات، ويجتنب كل السيئات، فمحله محل السلطان الجائر من طبقات جهنم.
هذا هو مصير من يسكت ليفعل السلطان الجائر كل ما اشتهى، وهذا ما يصرح به الحديث الشريف المنقول عن سيد الشهداء- عليه السلام- الذي يبين أن علة نهضته على حكومة عصره هو أنه يريد العمل بقول رسول الله، ولا يتخلف عنه، لان مصير المتخلف عنه، كمصير السلطان الجائر نفسه.
والآن لنلاحظ الوضع، ونعرف هل في حكومة عصرنا وسلطان زماننا الصفات التي يذكرها الحديث الشريف؟
إذا كانت ونحن ساكتون، فالمعنى الوارد في الحديث ينطبق علينا خاصة وأنه- عليه السلام- قد أعلن هذا الأمر، وثار وقام بنهضته على يزيد السلطان الجائر بثلة قليلة العدد في مقابل فئة كثيرة وقوة كبرى كانت تتسلط على كل شيء، وبذلك اسقط من أيدينا الاعتذار بأن نقول: إن عددنا قليل وقوتنا ضعيفة.
سلبنا الاعتذار بمثل هذا عندما خطب الناس وهو عازم على التحرك على سلطان عصره، وبين علة ثورته بأن يزيد قد نكث عهد الله، وغير سنة رسوله، ونقض حرام الله، فمن يسكت عنه يحشر معه في الدرجة نفسها من جهنم.
فما الذي فعله يزيد وجعل سيد الشهداء- سلام الله عليه- يثور عليه، ويعلن هذا الموقف والنهج؟
إن الموقف الذي أعلنه سيد الشهداء هو عام يشمل الجميع (من رأى ...) أي كل من يرى سلطاناً جائراً يتصف بالقيام بهذه الأمور، ويسكت عنه، فلا يتفوه بشيء، ولا يقوم بتحرك مناهض له فهو معه في المحل ذاته.
كان يزيد يتظاهر بالتمسك بالإسلام، ويعتبر نفسه خليفة رسول الله ويصلي، ويقوم بكل هذه الأعمال التي نقوم بها نحن، لكن ماذا كان يفعل على الجانب الآخر؟! كان عاصياً يعمل خلاف سنة رسول الله في معاملة الناس، التي توجب حفظ دماء المسلمين وأموالهم.
أما هو، فقد كان يسفك دماءهم، ويضيع أموالهم عملًا بسنة أبيه معاوية الذي واجهه أمير المؤمنين وكان للإمام جيش، لكن سيد الشهداء قام بنهضته بفئة قليلة في مواجهة قوة كبرى. فهل الأعمال التي قام بها تصدق على عصرنا وسلطان زماننا؟ وهل الأوصاف التي ذكرها رسول الله تنطبق على هذا (الملك محمد رضا)؟ وهل هو سلطان، وهل هو جائر؟ معلوم أن له الآن سلطة، وهو جائر أيضاً، ولعله نفسه يعترف أيضا بذلك، فالجميع يعرفونه أنه جائر، ألم ينقض سنة رسول الله؟ وهل عمل بشيء من أوامره- صلى الله عليه وآله وسلم-؟! أو أنه لا يقيم وزناً لكل أقوال رسول الله؟
نعم، إنه لا يقيم لسنة الرسول وزناً وغاية الأمر أنه يقوم أحياناً- لخداعنا أنا وأنتم- بزيارة مرقد الإمام الرضا، ويصلي فيه ركعة أو اثنين، ويطلق أقوالا ما لاستغلالنا. وهل هو عامل بسنة رسول الله وملتزم بها؟ إن من سنة رسول الله حفظ دماء المسلمين، فهل حفظها؟ لقد وصلت الآن أنباء تتحدث بمقتل خمسين نسمة في مدينة اصفهان خلال اليومين أو الثلاثة الماضية والأعداد الفلانية هنا وهناك، فهل هو جاهل بذلك؟ هل الحكومة جاهلة بذلك؟ لا، إن ما يحدث هو بعلمه وعلمها، إنهم لا يقومون بشيء دون إطلاع الملك.
إنني قلق مما قد يحدث غداً وبعد غد، لأنه قد وصلنا خبر أرجو- إن شاء الله- ان يكون كذباً. وقد حملته أنا على انه دعاية، ولكن صحته محتملة، ومفاده أنهم أعلنوا أن الناس احرار خلال هذين اليومين في إقامة مراسمهم وشعائرهم الدينية ومجالس العزاء.
ومن جهة أخرى قيل: إن ثمة مؤامرة خلف هذا الإعلان، وهي أن يدخلوا مجموعة من الأشرار بين صفوف الأهالي، ويدفعونهم إلى الوقوع في الاشتباكات، أي أنهم يخططون لإدخال مجموعة من الأشرار في صفوف المسيرة التي يعتزم العلماء وسائر فئآت الشعب إقامتها في جميع مدن إيران وأقضيتها، لكي يقوم هؤلاء الأشرار المرتبطون بالنظام بإثارة أعمال الشغب، ثم يهاجم عساكر النظام المسيرة بالعيارات النارية مدعين أنها لم تكن مظاهرة سلمية، بل كانت أعمال شغب، وبهذه الطريقة يقتلون الناس.
وأنا أحتمل أيضاً أنهم أشاعوا هذا الرأي، لكي يصدوا الناس عن المشاركة في المسيرة التي يزعمون الخروج بها غداً، ليمنعوا المسيرة بجعل الناس يعرضون عنها، فيحققوا بذلك هدفهم، ويقولوا: لقد منحنا الناس حرية القيام بذلك، لكنهم أحجموا عن الخروج.
والاحتمال الآخر يبقى قائماً أي أن تكون ثمة مؤامرة شيطانية حقاً، وهذا ما يبعث على القلق مما سيفعلونه غداً. فالقضية القائمة- على كل حال- هي أن ثمة سلطاناً جائراً يتسلط على الناس ولديه عساكر وجيش والقوى الكبرى تدعمه، وتنطبق عليه جميع المواصفات التي ذكرها الحديث
الشريف للسلطان الجائر، فقد جعل الله- تبارك وتعالى- نفوس المسلمين محترمة لا يحق لأحد التسلط عليها وقتلها، فهي من حرمات الله، فيما يجيز هذا الملك، بل يأمر بإزهاقها.
كما يوجب حفظ أموال المسلمين، فيوجب حفظ أموال الشعب الإيراني ونفطه ومراتعه وغاباته وثرواته الجوفية والسمكية وأن تكون له وتسخر لخدمته وما ينفعه وأن يقوم الإيرانيون باستخراجها بأنفسهم والاستفادة منهم طبقاً لما تقتضيه مصالحهم.
أما هذا الملك، فقد ضيّع كل هذه الثروات، والله يحرم على كل نفس تضييع الأموال العائدة للمسلمين أو أحد الشعوب وبيع ثرواتهم لأعداء الإسلام مثل إسرائيل التي هي الآن عدوان على المسلمين، هو يوفر عليها معظم احتياجاتها من النفط كما ينقل، والثمن هو أن الكثيرين من قتلانا يقتلون بأيدي الجنود الإسرائيليين- كما نقلوا-. إذن فهو (الملك) مستحل لحرمات الله، يزهق أنفس المسلمين، ويبدد أموالهم، وقد أعطى الأجانب وشركاتهم، وقتل أراضينا الثرية وغاباتنا- كما نقل- الآلاف من الأهالي لأخذ ثرواتهم السمكية وتقديمها للأجانب.
كلكم تعلمون بما يفعلونه بثروتنا النفطية، وبعد مدة قصيرة لن يبقى شيء لإيران، فكل ما فيها نقلوه إلى الخارج. ويبدو أن هذا السجل جُلب إلى هنا، وبعد أن نقلوا كل هذه الأموال إلى الخارج فطنوا إلى ضرورة أن يعلنوا منع تحويل الأموال الإيرانية إلى الخارج، ولكن بعد أن تم تحويلها وانتهى الأمر.
لقد بلغ ما نهبه جلالته في المدة الأخيرة فقط ثلاثة مليارات ومئآت الملايين من (الدولارات) والله يعلم بمقدار ما نهبوه من قبل، فقد بدأوا بالنهب منذ بداية مجيئهم للحكم. وعندما أرادوا نفي الملك رضا حمل معه مجوهرات إيران، فقد نقل احد السادة لي عن مسؤول حكومي من مرافقي الملك رضا قوله: انه عندما عزم الحلفاء على إبعاده عن إيران بعد مجيئهم إليها ملأ حقائبه من المجوهرات الإيرانية، لكنهم حبسوا الباخرة التي تقله وسط البحر، وأتوا بزورق أو سفينة مخصصة بحمل الدواب- كما نقل ذاك المسؤول- وربطوها بباخرته، ثم أمروه بالانتقال إليها وحده، وأخذ الانجليز منه تلك الحقائب وانتهى الأمر! هذا ما فعلوه في عهده إضافة إلى ما سرقه هو.
وفي أحد أسفار رضا شاه- ولعله كان يشتمل على مخاطر ما قال له المرحوم السيد المدرس- رحمه الله- الذي كان يعارضه بقوة، وقدم روحه في النهاية ثمناً لذلك-: إنني أدعو لك أن تعود سالماً! ففرح كثيراً لذلك، وقال: هل دعوت لي حقاً؟! فأجاب السيد المدرس: أجل دعوت لك لعلة في الأمر، وهي أنك لو مت في هذا السفر لضاعت أموالنا، وأريدك أن تبقى حياً حفظاً لأموالنا!! أجل، هذا ما كان يفعله الملك رضا في عهده.
أما ابنه، فقد فاقه كثيراً في هذا المضمار، فقد وصل الحكم وهو يختزن تجارب أبيه في السرقة، ولذلك قرر منذ البداية أن ينقل الأموال إلى المصارف الأجنبية في أمريكا وغيرها، فكن- ز فيها أموال الشعب ليذهب إليها إذا وقعت حادثة ما.
ولكن على الشعب أن لا يسمح له بالفرار، فهو يسعى الآن لذلك، وقيل: إنه سافر إلى جزيرة (كيش)، وقد خشيت في البداية أن يكون خروجه من إيران أو طهران علامة عزمه على ارتكابه مفسدة ما، أي: أن يأمر بارتكاب المذابح، ويخرج.
وقد خطر في ذهني أن يكونوا قد أعدوا مثل هذه المؤامرة لمسيرات اليومين القادمين، ولكن يحتمل أن لا يكون في الأمر مثل ذلك- إن شاء الله- وقد قال بعضهم: انه ذهب إلى تلك الجزيرة لارتكاب فعلته الأخيرة وهو يسعى بالطبع للفرار.
فيجب على الشعب الإيراني أن يمنعه من الهروب، ويعاقبه إذا كان ممكناً لأحد أن يعاقبه على ما جنته يداه، فقد تسلط أكثر من ثلاثين سنة على هذا الشعب، وضيع كل ما لديه، وأثكل الأمهات، واليوم بالذات نقلوا خبر مقتل ثلاثة إخوة هم كل ذرية إحدى الأمهات، أي: أن والديهم سيعودون اليوم إلى منزلهم ليجلسا وحيدين على مائدة الطعام بعدما كان يجلس معهما أبناؤهم الثلاثة! فهل يمكن أن نعاقبه بما يستحق في هذه الدنيا؟ وهل ينتهي عقاب القاتل بالاقتصاص المجرد منه؟! وهل يكون الثمن دم هذا الإنسان- إذا كان إنساناً؟!
لقد ارتكب هذا الشخص طوال ما يزيد على ثلاثين سنة ونيف تسلط فيها على شعبنا بكل هذه المذابح والسرقات والخيانات والجرائم، فهل يستطيع الإنسان معاقبته على كل ما فعل، وليس له سوى نفس واحدة؟ لا، لا يمكن القصاص منها إلا مقابل نفس واحدة من النفوس التي أزهقتها؟
إنني أعجب أحياناً من عقول بعض الذين يأتون الآن، ويقولون: حسناً لقد اعتذر أخيراً، فاقبلوا عذره بعد أن اعترف بالخطأ! كيف نقبل منه؟ وهل يقبل الله- تعالى- منه هذا الاعتذار أصلا؟ إن الله لا يتجاوز عن حقوق الناس، فهم الذين يجب أن يعفو بشأن حقوقهم، لكي يعفوا الله- تعالى- فكيف يعفو عنه- تبارك وتعالى؟! كيف يقال:- تعالوا الآن للصلح والعفو وأمثال ذلك؟
لقد كتب لي سيد ابيضت لحيته- وهو بالطبع رجل عالم، لكن عقله ناقص بعض الشيء- رسالة مطولة قال فيها: إن النبي الأكرم قد عفا عن الكافر الفلاني وعن فلان في المحل الفلاني وكتب لي سجلا تأريخياً، وكأنه يحق لي أن أعفو عنه، فما علاقتي أنا بذلك؟ لقد قتل أبناء تلك المثكولة الطاعنة في السن فكيف أعفو أنا والقتلى الذين أهلكهم هم شباب هذا الشعب؟!
احتملوا مقتل مجموعة أخرى الآن في هذه الليلة مثلما وصل اليوم خبر مصرع مجموعة من الأهالي، فهل يحق لنا إزاء ذلك أن نقعد ونقول: حسناً ليبق جلالته في مقامه السامي دون أن يحكم، ليبق فقط في مقام صاحب الجلالة!! فأي منطق هذا؟ وكيف لمثل الإنسان أن يتفوه بمثل هذه الأقوال أو بمثل طلب من يقول: لنعمل بالدستور؟!
إن معنى العمل حتى بهذا الدستور الموجود فعلًا هو أن يبقى جلالته ملكاً سلطاناً غير حاكم- فهل يمكن التفوه بمثل هذا لمن يملك إدراكاً إنسانياً؟ حتى الحيوان لا يستطيع الدعوة للعفو عنه، فمن يعفو عنه؟ ومن يحق له أن يعفو؟ فهل ما ارتكبه هو مجرد جرم شخصي عليّ، لكي أعفو عنه؟!
لقد سلب حقوق شعب برمته وسفك دماءه، إنه ناكث لعهد الله[1] الذي أخذ من جميع بني الإنسان ميثاقهم بأن يطيعوا، وهذا ناكث لعهد الله، كما تعهد هو بنفسه في المجلس النيابي في بداية غصبه لهذه السلطنة، فأقسم على الوفاء للمذهب الشيعي وعلى أن يروجه، ولا يخون الشعب، وقد نقض الإيمان التي حلفها، ونكث عهوده بعد ما أقسم بالقرآن واستشهد الله على ذلك، وانتم ترون كيفية ترويجه للمذهب الشيعي! كما ترون أمانته في معاملة الشعب!! إنه يخالف سنّة رسول الله إلى أبعد مدى في كل المجالات التي تتصورونها.
إذن من يرى تجسد هذه المواصفات في محمد رضا خان، ويسكت، فمحله معه في جهنم، ولو كان يؤدي صلاة الليل ولو كان عالماً حتى لو قضى عمره في طاعة الله، وهذا ما يصرح به الحديث الشريف الذي ينقله سيد الشهداء عن رسول الله، فكيف يمكن للشعب أن يلتزم الصمت؟
لقد تمت الحجة على الجميع، فلا عذر لأحد، والأصل يوجب أن ننتفض حتى لو كنا أربعة أشخاص لا أكثر، ولا احد يقدر أن يقول: إننا فرادى، فالشعب كافة بجميع فئآته يقف في مواجهة هذا السلطان الجائر، إذ انتفض عليه برمته حتى في قراه، فقد جاءني أول من أمس أحدهم وكان قد زار إحدى القرى النائية، وقال: إنّ أهلها يخرجون صباحاً ومساءً في مظاهرات يتقدمهم العالم الديني في هذه القرية.
وفي ظل هذه الأوضاع التي انتفضت فيها الجماهير كافة لا يمكنني القول بأنني لا أستطيع القيام بشيء، لا، إنك تستطيع مثلما ترون عملياً أنكم قادرون، فقد عجز الحكم العسكري، ثم الحكومة العسكرية عن فعل شيء، فهذه الحكومة العسكرية التي طلبت لنفسها كثيراً رأت أنّ من غير الممكن أن تتصدى للجماهير بعدما قررت أن تخرج في كل ناحية في المسيرات ولذلك أعرضت عن مجابهتها، وقالت: يسمح للأهالي بذلك! وكأنها تتوهم أنها لو لم تعطهم هذه (الإجازة) لما خرجوا! فما معنى هذه الإجازة أصلا؟! هل هم مجانين ليعلنوا مثل ذلك؟! وقد قالوا في موقع آخر إن صاحب الجلالة قد أجاز ذلك! وهذا أمر مثير للسخرية حقاً.
[أحد الحضور:- وهل أجازوا أيها السيد إقامة صلاة الجماعة أيضاً؟]
الإمام: أجل، إن من المثير للسخرية أن يتفوه أحد بمثل هذا القول، ويقول هو أو الحكومة: سمحنا بذلك! فمن أنت؟ لقد رفعتم حرابكم على الناس، فتصدوا لها بصدورهم، حتى الصغار والنساء اللواتي احتضن أطفالهن، والتحقن بصفوف الجماهير، وهذا أمر إلهي، والله- تعالى- هو الذي قام به، فهو الذي أوقد هذه النار التي ستبقى مثل الشمس تتألق أنوارها إلى أن تحقق ثمارها بمشيئة الله (الحاضرون: إن شاء الله).
لا عذر لأحد أن يقول: لم نستطع، أو لم نعلم، فهل في إيران كلها من يستطيع القول بأنه لا يعلم بأن هذا السلطان جائر؟ أو أن يقول:- لم أعرف أنه مخالف لسنة رسول الله؟ فهل يجهل احد بنكثه عهد الله وعصيانه وجوره على الناس وتضييعه لثرواتهم؟!
لا يستطيع أحد أن يدعي الجهل بذلك، وهل يستطيع أحد الآن القول بأننا لم نقدر على القيام بشيء؟ كيف وكل القوة معنا الآن؟! على الجميع أن يستنكروا أي: يكشفوا حقيقة الملك، ويفضحوه علناً- مثلما فعله بعض عملاء البلاد، وكتبوا عن ذلك بلغة صريحة، ولم يفعلوا لهم شيئاً- وهذا ما يجب على الجميع القيام به، لا أن يتحدثوا بمساوئ الحكومة والنظام، فهذا انحراف. والواجب أن يصرحوا باسم الملك نفسه ويستنكروا، فلا يمكن أن يعتذر أحد بالعجز، لا بل كنت قادراً. وكل من يتفوه بكلمة واحدة في الدعاية لهذا الظالم أو تأييده أو حفظه، فهو خائن للإسلام والمسلمين، يجب عدم القيام بذلك وعدم ذكر اسم الدستور أصلا، إلا بأن يطالب بحذف البنود التي أضافها إليه رضا خان بقوة الحراب والباقي وإن كان منحرفاً أيضاً، لكنه ليس إلى درجة الوقوع في جريمة حفظ هذا الملك.
لا عذر لأي منا اليوم، وثمة واجب يقع على عواتقنا نحن وأنتم أيضاً الذين تقيمون في هذه البلدان، فأولئك يقفون في صفوف القتال الشعبي، ولعل أصوات رصاص البنادق والبنادق الرشاشة تسمع الآن في طهران وقم والأهواز وغيرها، فالأهالي لا يمكنهم السكوت، وقد انبروا لمجابهة (عساكر) النظام فهم في صفوف الجهاد والحرب يقومون بواجبهم الشرعي وبما يقتضيه ذلك الحديث النبوي الشريف مقتدين بسيد الشهداء- سلام الله عليه-.
أما أنتم المقيمون هنا، فعليكم القيام بما تستطيعونه، فإن استطعتم إجراء مقابلات صحفية، فأجروها، وأفضحوا هذا المرء (الملك) وبيان جرمه وجرائمه. وإن استطعتم عقد اجتماعات، ليتحدث أحدكم فيها، فقوموا بذلك، تحدثوا لمعارفكم من الفرق الأخرى في هذا البلد وسائر البلدان الأخرى، وفي أي لقاء اجتمعتم فيه معهم ليعرف الناس أن الثائرين على هذا المرء ليسوا مجموعة من مثيري الشغب، وليس الهدف مما يقومون به الآن إثارة الاضطراب بل هم أبناء شعب يقولون حقاً، ويطالبون بحقوقهم، فالحرية حق الشعب واستقلال كل بلاد حق ثابت لأهله وهم يطالبون بهذه الحقوق، فهم شرفاء انتفضوا وأخذوا يضحون الآن بدمائهم في سبيل حفظ أحكام الإسلام والحيلولة دون إهدار ثرواتهم، أي: ثروات شعبهم ودون تضييع لأحكام الإسلام وتعدّ لها.
عليكم أن تبينوا الحقيقة المتقدمة لأهالي هذه البلدان بكل لغة وأي طريقة ممكنة، قولوا لهم: إن الشعب الإيراني معارض لهذا الرجل وحكومته، لأنّه وأباه خانا شعبنا طوال حقبة حكمهما ومنذ خمسين سنة ارتكبا خلالها الجرائم والمذابح، الأب ارتكب مذبحة مسجد (كوهرشاد)، والابن خلفه حقاً، بيّنوا للناس أن هذه هي حقيقة الأمر، وليست مجموعة من الأراذل والأوباش- وهم ثلة (معدودة) يؤذون الناس- كما صرح بهذا المعنى ذاك (القزم) مؤخراً- أو أن الشعب يحب الملك!! لا أدري كيف يفكر هؤلاء ومن يخاطبون بهذه الأقوال.
قولوا لأهالي هذه البلدان: إن الشعب الإيراني انتفض سعياً للحصول على مطالب واضحة يقرها جميع بني الإنسان، وهي أن يكون حراً، ولا يبقى سجيناً بأيديهم يأخذون بخناقه لمنعه من التحدث بشيء، ويكسرون أقلامه، لكي لا يكتب شيئاً، أجل، لقد كسر هؤلاء الأقلام والأقدام طوال هذه الخمسين عاماً التي مازالت سجونها مملوءة من الذين كانوا يطالبون بالحرية، وقد انتفض الشعب الآن مطالباً بحقوقه الواضحة، وهي من أيسر الحقوق الإنسانية أي: الحرية والاستقلال والحكومة العادلة. عليكم أن تحبطوا تلك الدعايات التي ينفق عليها سنوياً مائة مليون دولار- كما ينقل- لنيل المدائح التافهة له وترويجها وكيل التهم والسباب على معارضيه.
بينوا لمن تلتقونه أن هذه الدعايات مخالفة للواقع، وأن هذا الرجل يأخذ أموال الشعب، وينفقها فيما يعارض مصالحه، أي: أنه ينفقها فيما يضرّ الشعب.
أيدكم الله جميعاً- إن شاء الله- موفقين. (الحاضرون يرددون الصلوات على محمد وآله).
ــــــــــــــ
[1] إشارة إلى الحديث النبوي الذي ينقله الإمام الحسين- عليه السلام- في خطبته التي بدا الإمام الخميني حديثه بها.
المكان: باريس، نوفل لوشاتو
المصدر: صحيفة الإمام الخميني، ج5، ص: 131
التاريخ: 18 آذر 1357ﻫ.ش/ 8 محرم 1399ﻫ.ق
الموضوع: الانتفاضة على الحاكم الجائر مسؤولية إلهية شرعية
الحاضرون: مجموعة من الإيرانيين المقيمين في الخارج من الجامعيين وغيرهم.