المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قاتل المؤمن ليس كافرا


أبو حسين العاملي
15-01-2012, 01:25 AM
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين

قاتل المؤمن ليس كافرا
إنه قد تناقل على ألسنة البعض أن المؤمن المانع للزكاة أو مَن لم يحج عمدا أو مَن قتل مؤمنا آخر كذلك ، كافر ، وهذا من خَطل القول ، ويخلو من تأمل .
أما بالنسبة للزكاة والحج ، فقد قال المقدس الخوئي - أعلى الله مقامه - : ( لا اشكال كما لا خلاف بين فرق المسلمين في وجوب الزكاة على كل مكلف مع استجماع الشرائط الآتية في الجملة .
وقد نطق به الكتاب العزيز ، بل قورنت الزكاة بالصلاة في غير واحد من الآيات ، الكاشفة عن مزيد العناية والاهتمام الأكيد بشأنها .
والأخبار بها متظافرة بل متواترة ، بل قد عدت في بعضها من مباني الاسلام على حد
الصلاة والصيام(1) .
فهي إذا من ضروريات الدين الموجب لاندراج منكره في سلك الكافرين .
نعم قد ذكرنا في كتاب الطهارة(2) في مباحث النجاسة عند التكلم حول الكفر والاسلام أن انكار الضروري بمجرده ومن حيث هو ، لا يستوجب الكفر والارتداد إلا إذا أدى إلى إنكار الرسالة وتكذيب النبي - صلى الله عليه وآله - فيما جاء به ، فيختص بالعالم دون من استند انكاره إلى شبهة أو جهل كمن كان جديد عهد بالاسلام ولم يكن له مزيد اطلاع بالأحكام .
وأما الانكار العملي بالامتناع عن دفع الزكاة فلا ينبغي الاشكال في عدم كونه موجبا للكفر وإن أطلق عليه هذا اللفظ في بعض النصوص وإن تارك الزكاة كافر(3) كما أطلق على تارك ساير الواجبات أحيانا مثل الصلاة والصيام والحج كما يفصح عنها حديث المباني ، وقد عبر الكتاب العزيز بالكفر عن تارك الحج . فقال تعالى : ( ومن كفر فإن الله غني عن
العالمين )(4) .
فإن المراد بالكفر هذه الموارد ليس هو المقابل للاسلام الظاهري الموضوع للأحكام الخاصــــــــــة
من المناكح والمواريث وحقن الدماء ونحوها إذ المدار في ترتيب هذه الأحكام على ظاهر الاسلام المتقوم باظهار الشهادتين ، وأضفنا عليهما الاعتراف بالمعاد أيضا حسبما استفدناه من ساير الأدلة ، فمن شهد بالوحدانية والرسالة الخاصة وبالمعاد فقد خرج عن الكفر ودخل في حريم الاسلام .
بل المراد بالكفر فيها ما يقابل الايمان والاسلام الكامل ، أو يراد أنه يؤدي إلى الكفر ولو حال الموت ، كما يفصح عنه ما ورد من أنه يقال للممتنع عن الحج مت يهوديا شئت أو نصرانيا(5) .
وعلى الجملة : فمجرد الامتناع لا يستوجب الكفر الاصطلاحي يقينا وإن ساغ فتله أحيانا كساير أرباب الكبائر من باب النهي عن المنكر عند وجود الحاكم الشرعي المبسوط اليد ، كما ورد من أن القائم ( ع ) بعد قيامه يضرب عنق مانع الزكاة(6) .
وقد عرفت أن الانكار أيضا لا يستوجبه ما لم يؤد إلى تكذيب النبي - صلى الله عليه وآله - وإنكار الرسالة كما في سائر الضروريات حسبما تقدم )(7) .
* قاتل المؤمن
وأما بالنسبة للمؤمن القاتل لمؤمن آخر عمدا ، فقال قال الشيخ الكبير والعالم النحرير السيد نعمة الله الجزائري - قدس سره الشريف - ولنعم ما قال : ( واحتجت المعتزلة بوجوه :الأول : الآيات الدالة على الخلود المتناولة للكافر وغيره ، كقوله تعالى (ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها أبدا )(8) وقوله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها )(9) ، وقوله ( وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها )(10) ومثل هذا مسوق للتأييد ونفي الخروج ، وقوله ( وإن الفجار لفي جحيم * يصلونها يوم الدين * وما هم عنها بغائبين )(11) ، وعدم الغيبة عن النار خلود فيها ، وقوله ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها )12) ، وليس المراد تعدي جميع الحدود بارتكاب الكبائر كلها تركا واتيانا ، فإنه محال لما بين البعض من التضاد ، كاليهودية والنصرانية والمجوسية ، فحمل على مورد الآية من حدود المواريث ، وقوله ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )(13) .
والجواب : بعد تسليم كون الصيغ للعموم أن العموم غير مراد في الآية الأولى ، للقطع بخروج التائب وأصحاب الصغائر ، وصاحب الكبيرة الغير المنصوصة إذا أتى بعدها بطاعات تربي ثوابها على عقوباتها ، فليكن مرتكب الكبيرة من المؤمنين أيضا خارجا مما سبق من الآيات والأدلة .
وبالجملة فالعام المخرج منه البعض لا يفيد القطع وفاقا ، ولو سلم فلا نسلم تأبيد الاستحقاق ، بل هو مغيا بغاية رؤية الوعيد ، لقوله بعده حتى إذا رأوا ما يوعدون ولو سلم فغايته الدلالة على استحقاق العذاب المؤبد لا على الوقوع كما هو المتنازع لجواز الخروج بالعفو .
وعن الثانية : بأن معنى معتمدا مستحلا فعله على ما ذكره ابن عباس ، إذ التعمد على الحقيقة إنما يكون من المستحل ، أو بأن التعليق بالوصف يشعر بالعلية ، فتختص بمن قتل المؤمن لايمانه ، أو بأن الخلود وإن كان ظاهرا في الدوام ، فالمراد ها هنا المكث الطويل جمعا بين الأدلة .
وعن الثالثة : بأنها في حق الكافرين المنكرين للحــــــــشــــــــــر ، بقرينة قوله : ( ذوقوا عذاب النار
الذي كنتم به تكذبون )(14) مع ما في دلالتها على الخلود من المناقشة الظاهرة ، لجواز أن يخرجوا عند عدم ارادتهم الخروج باليأس أو الذهول ، أو نحو ذلك . وعن الرابعة : بعد تسليم إفادتها النفي عن كل فرد ودلالتها على دوام عدم الغيبة أنها تختص بالكفار ، جمعا بين الأدلة . وكذا الخامسة والسادسة حملا للحدود على حدود الاسلام ، ولإحاطة الخطيئة على غلبتها ، بحيث لا ينفي معها الايمان ، هذا مع ما في الخلود من الاحتمال(15) )(16) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على محمد وآله الطاهرين .
________________
( ) را : الوسائل 1 : 13/ أبواب مقدمة العبادات باب1 ح1 و2 وغيرهما .
(2) را : شرح العروة 3/54 .
(3) الوسائل 9 : 34/ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب4 ح7 .
(4) آل عمران 3: 97 .
(5) الوسائل 9 : 33/ أبواب ما تجب في الزكاة ب4 ح5 .
(6) الوسائل 9 : 33/ أبواب ما تجب فيه الزكاة ب4 ح6 .
(7) كتاب الزكاة ، الأول - السيد الخوئي - شرح ص 9 - 11 .
(8) الجن 32 .
(9) النساء 93 .
(10) السجدة 20 .
(11) الانفطار 14- 16 .
(12) النساء 14 .
(13) البقرة 81 .
(14) السجدة 20 .
(15) شرح المقاصد 20 .
(16) نور البراهين - السيد نعمة الله الجزائري - ج 1 - شرح ص 53 - 55