بلسم
18-01-2012, 11:25 AM
العلامات الكونية في سورة الطارق
بسم الله الرحمن الرحيم:
" والسماء والطارق، وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب. إن كل نفس لمّا عليها حافظ. فلينظر الإنسان ممَّ خلق. خلق من ماء دافق يخرج من بين الصُلب والترائب. انه على رجعة لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر. والسماء ذات الرجع. والأرض ذات الصَدْع. انه لقول فصل. وما هُوَ بالهزل. أنهم يكيدون كيداً. وأكيد كيداً فمهلّ الكافرين. أمهلهم رويدا".
أاجواء السورة وغاياتها
عن أي شيء تتحدث السورة؟ ما هو محورها الذي تدور عليه؟
إنها تتحدث عن خلق الإنسان من أي شيء وتلفت النظر إليه.. (فلينظر)، ثم تؤكد على رجوعه كما بدأ. عندئذٍ تنكشف السرائر وتبتلى فلا يجد ناصراً.
جاء ذلك بعد حِلفٍ أو يمين بالواو (والسماء والطارق) وحدث إلفات هام على صيغة السؤال هو:
"وما أدراك ما الطارق؟" ثم أجاب: " النجم الثاقب". فلما انتهى هذا المقطع، عاد إلى الحلف مرة أخرى بالسماء والأرض مؤكداً أن هذا القول هو فصل لا هزل. وإنهم يكيدون كيداً والله يكيد كيداً أيضا فمهّل الكافرين..
إن وحدة موضوع السورة تدعونا للنظر في العلاقة بين السماء والطارق وبين رجوع الإنسان إلى الحياة. وتدعونا أيضا إلى التساؤل عن جميع الألفاظ والأفكار.. لماذا هنا يسمّي السماء ذات الرجع ... لماذا الأرض ذات الصدع .. لماذا لا قوة له ولا ناصر .. لماذا هذا اللفظ بالذات (تُبلى) وأين يقع ذلك ومتى؟
وللإجابة على ذلك تذكر الملاحظات الآتية:
أ. ان السورة كلها تقع بين لفظين هما السماء والإمهال (رُويداً) ثمة إذن زمان للإمهال معلق على قضية في السماء وتحديداً مع الطارق.
ب. ويؤكد لنا هذا الترابط بين المُهلة وبين الطارق السؤال المحرضّ على ان نبحث عن العلاقة من خلال توجهيه السؤال إلى النبي (ص): (وما أدراك ما الطارق) ومن خلاله إلى كل سامع.
ثم يُجيب على السؤال: (النجم الثاقب). وكأنما النجم الثاقب معلوم أصلاً للمتلقي الذي هُوَ هنا النبي (ص).
لكنهّ أعطى لهذا النجم الثاقب اسماً جديداً ... ومعنى ذلك انه أعطاه صفة جديدة. لاحظنا ان تعدد أسماء الشيء الواحد إنما هُي صفات لتعدّد مواصفات وخصائص ذلك الشيء. إنها ليست مترادفات متفقة في الدلالة كما زعَم البعض.
ج. إذن فالعلاقة هي بين النجم الثاقب وبين خلق الإنسان وإرجاعه بعد الموت إلى الحياة. إن اقتران النجم أو الطارق بالسماء وبخلق الإنسان يؤكد على أمرَين: الأول: وحدة المنشأ والثاني: الترابط في المصير.
فكان هذا الإنسان إنما خُلَقَ لغاية وان السماء خلقت لنفس الغاية وكلاهما من منشأ واحد. لذلك نلاحظ ان الجنة عرضها السماء. إنها المساحة المؤهلة لاستغلالها من قبل الإنسان والكافر الذي يمهّله في آخر السورة يزعم انه لا ترابط بين الاثنين .. ولا غاية لهما:
"وما خلقنا السماءَ والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظنّ الذين كفروا" ص/ 27.
أما المؤمنون فأنهم:
"يتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك"آل عمران/191.
ولمّا كانت الغاية تظهر متأخرة في الزمان فاّن الكفرة يقولون نموت ولا نراها .. فحتى لو صحّتّ لا نراها فلنفعل ما يحلو لنا لا ما يُريد الذي يأمرنا.
ومن هنا أكّد على الرجوع "أنه على رجعةِ لقادر".
د. يقولون أيضا: حسناً لنفرض أننا نَرجع فإننا عندئذٍ سنفعل ما يفعل المؤمنون! سنقول ما يقولون ونعترف بما يعترفون به نقول "والله ربّنا ما كنا مشركين" ونطلب من الله الصفح ونعتذر ذلك لأننا لآن تدخل مع المؤمنين ونفعل مثل فعلهم .. فلا يّميزنا أحد. ها نحن الآن نأمر وننهي ونكون علماء في الدّين نفسهِ. فلا أحد يكذبّنا بل الجميع يقدسوننا وينظرون لنا على أننا ورثة الأنبياء وأننا أهل المعرفة!
وتجيب السورة على ذلك: ان كل نفس عليها حافظ يحفظ عليها ما فعلت! وفوق ذلك حينما يتحقق الوعد فالسرائر تُبلى لأن الطبيعة ستعمل على مفاتيح خارجة من السرائر!
بحيث ان المؤمنين يأمرون الأشياء فتذعن لهم: هم يتقدمّون في النعيم وانتم تتخلفوّن إلى العذاب والجحيم هُم يأمرون الأشياء والموجودات وانتم ستكونون جزءً من تلك الموجودات جلودكم تنطق بأمرهم .. وحينما تقولون لجلودكم
"لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء"، قوتكم تضعف ونصر بعضكم يزول فلا (قوة ولا ناصر) لأنكم ستكونون جزءً من الأشياء المستعبدة.
وإذا قالوا: إذن نموت ونرتاح من العناء يقال لهم كلاّ لن تموتوا لأنكم ستكونون مثل الأشياء ... أحياء بعمر الجماد!
ه. إذن فنحن نلاحظ ان السورة اعتمدت اسماءً معرفّة بال التعريف (السماء) - (الطارق) - (النجم الثاقب). فهذا التعريف يّدل على أنها معهودة أو معلومة عند المخاطب. النجم الثاقب نجمٌ معلوم له علاقة بهذا الوعد وله علاقة بالقول الفصل وله علاقة بيوم ابتلاء السرائر وله علاقة بأحياء الموتى وإرجاعهم .. لأن السور قد افتتحت به وأكدت عليه وتساءلت عنه!
"وما أدراك ما الطارق! النجم الثاقب"
و. نلاحظ ان هذهِ الوقائع لمجموعها تتحدث عن طور سابق على حوادث القيامة! فحينما يُلغى النظام الكوني (تطوي السماء كطيّ السجل للكتب)أو (ترك الأرض) دكاً دكاً وتسجّر البحار لا يبقى موضوع أو موضع للحديث عن:
السماء - الطارق - النجم الثاقب - الأرض ذات الصدع - السماء ذات الرجع .. يكيدون كيداً ... أكيد كيداً .. قوة .. ناصر! إذ ليسَ في القيامة موضع لهذهِ الألفاظ .. ليسَ هناك كيدُ يكاد ضدهم ولا حديث عن ناصر لهم ولا قوة لهم لأن كل ذلك تحصيل حاصل.
فإذا استعرضت الآيات التي تتحدث عن القيامة ودخول جهنم والتي يأتيك بعضها في المقارنات علمت ان هذهِ السورة بعيدة عن هذا الموضوع .. بيد أنها تتحدث عن نفس الفكرة!
لأن الأطوار كلها إنما هي على فكرة واحدة هي توحيد الله! فالفكرة واحدة والأطوار مختلفة والمراحل متباينة. فلنلاحظ الآن أين تكمن العلامة الكونية للطور المهدوي؟
المذنّب علامة العلامات في سورة الطارق
لقد ذكرت السورة علامة واحدة فقط من علامات هذا الطور وهذا هُوَ النظام القرآني العجيب في اختياره العلامة المناسبة. لأننا سنلاحظ عدداً اكبر من العلامات في سور أخرى. أما هنا فلان السورة على قصرها تضمنت الحديث عن رجوع الإنسان وابتلاء سريرته وكيد الكافرين - ولأنها ربطت السماء بالأرض في الغاية ولأنها ربطت المنشأ والمصير بين الإنسان وعالمهِ الكوني فقد اكتفت بذكر علامة واحدة فقط.
ولكن أيّ علامة اختيرت في السورة؟ أنها علامة العلامات اختيرت المذنب الموعود.
فلقد رأيت ان النجم المذنب سماّه المأثور (نجم الآيات) وعرفنا علاقته بالآيات وكونه المسبب لها والعلة في ظهور تتابعها بنظام محدّد (كنظام الخرز).
ويبقى ان تتأكد لغوياً وحديثاً من كون (النجم الثاقب) هُوَ المذنب الموعود:
اللغة:
النجم: هذا التعاقب الصوتي المؤلف من النون والجيم والميم مرتبط عند أهل اللغة ومن خلال الاستعمال بالظهور وتحديداً الظهور المباغت. هذا المعنى العام الأصلي الذي وقعت عليه المعاني المستعملة عندهم. وبالطبع فالمعاجم تستخدم الترادف اعتباطاً لأنها لا تفرق بين الألفاظ: قال:
نجمَ: ظهرَ وطلعَ. والنجم: الكوكب: وهذا ترادف خاطئ لأن لكل منهما استعماله الخاص في القرآن. والمنجمان: عظمان ناتئان من ناحيتي القدم. لاحظ دلالة الظهور والطلوع في هذا الأستعمال. ويقال:
(نزل القرآن نجوماً) - وادىّ المال تنجماً أو أنجمه اداه نجوماً أي دفعةً بعد دفعة. أقول تحديداً بدون سابق ميعاد. كما تنزل السورة أو الآية من غير ان يعلم النبي (ص) بالوقت.
لذلك أطلقوه على ما يطلع من النبات من غير زراعة فحسبَ المعجم انّه (ما نجم على غير ساق) بينما الساق لا علاقة لها بالموضوع إنما هُوَ النبات الذي يظهر بغتة ومن غير ان ينتبه له أحد. وفي القاموس المحيط:
والمنجَم: قال المعدن. ويستعمل الآن لموضع المعَدن لأنه غائر واستخراجه يتم على دفعات حيث ما وجدوا الخامات. إذن فالنجم في الأصل مرتبط (بالظهور المباغت) وهُوَ ما يوافق جميع الاستعمالات.
الثاقب:
نحن نقوم بجمع الاستعمالات على أصل واحد كما علمت وفي هذا اللفظ أكثر من مفهوم عند المعاجم:
الثقبُ: الحزق النافذ.
ثقبت النار: ثقوباً اتقدت.
ثقب الكوكب: أضاء.
والثقيب مثل أمير: الشديد الحُمرة.
أما زعَمه: (النجم الثاقب) هُوَ زحُلَ فمردود عليه لأنه موضوع بحثنا. وقال آخرون: النجم الثاقب المرتفع على النجوم (كما في المحيط) نلاحظ في هذا الاستعمال احتمالين: إما ان يكون الثاقب هُوَ المتقدّ ذاتياً والشديد (الاحمرار) بحيث يمكنه اختراق الأشياء فجاء منه الخرق النافذ. وإما ان يكون العكس ان الأصل هُوَ الخرق النافذ وأطلق على النار لقدرتها على النفاذ والخرق ومجازاً على الحُمرة.
على اننا نشكّ في دقة نقل المعاجم للاستعمالات. بل نتهمّهم أيضا باللامبالاة و و و....
لأنه إذا قال الثقيب: ( الشديد الحمرة ) ولم يدخلها في جملة مفيدة كما يفعل الأجانب في لغاتهم فقد تجنىّ على المفردة جناية عظيمة لأننيّ لا أعلم هل أسمي الوردة الحمراء (ثقيبة) لأنها شديدة الحمرة أم النسيج الحديدي المحُمي على النار لنفس السبب أم يجوز ذلك لكليهما!؟
الحمد لله الذي ألهمنا معاني الحُروف لنتخلص من هذا البلاء. تؤكد لنا معاني الحروف ان هذا التعاقب يفيد في أداء دلالة خاصة بالقدرة الذاتية على اختراق الحُجب الكثيفة.
ومعلوم ان اللون الأحمر لون صارخٌ يؤدي إلى هذهِ الفكرة. كذلك النار. أما النجم فهو علمياً كرة نارية بنواة. أنه في المفهوم العلمي شمس من الشموس وبهذا تجتمع الاستعمالات المادية والمعنوية. ان المذنب يختلف في كونه شمس ذات ذنب طويل من الغازات وكونه لا يطلع كبقية النجوم بموضع ثابت بل له مدارات خاصة يغيب ثم يظهر فيها.
إذن النجم الثاقب على المعنى اللغوي هُوَ: طلوع مباغت لكرة نارية ذاتية الاتقاد لها قدرة على اختراق الحجب هذا التعريف اللغوي يطابق خصائص المذنب بل هُوَ تعريف المذنب بالدقةِ المطلوبة على ما رأيته من صفات للمذنبات - وهُوَ بعد ذلك (نجم) ينجم بصورة مباغتة انه يظهر من غير توقع زمني. الطارق:
لقد ذكر القرآن الكريم (النجم الثاقب) كتعريف للطارق "وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب".
إذن فالطارق مفردة تعوض عن النجم الثاقب في الدلالة الا إنها دلالة أكثر غموضاً من حيث كونها اسم لشيء لم نسمع به من قبل!
فلنلاحظ اللغة، ففي المعاجم:
الطَرْقُ: الضرَبْ. ولكن هذا ترادفُ سيُّ فما معنى الضرَبْ؟ إذ الضرب هُوَ الآخر مفردة مجهولة بالنسبة لنا. لأن المعجم يجب ان يذكر الدلالة الفعلية لكل لفظ مستقلاً عن الآخر؟ أما هكذا فانه لا يقوم الاّ بمزيد الخلط والتمويه. يمكننا استخراج الدلالة من خلال ملاحظة جميع الاستعمالات وتعريفها بجملة طويلة. قال صاحب القاموس:
والطرق: نتف الصوف.
والطُرقة: الظُلمة والطمع والحجارة بعضها فوق بعض والعادة.
والطريق والطرائق: والطرق - المسلك. والطريق: شريف القوم. والمطاريق: المشاة. وأطرقَ سكتَ ولم يتكلمّ. والَطرقةُ: الصنعة. والَطْرقُ: الإتيان في الليل.
قال والطارق: كوكب الصُبح!!
وهذا صَحيح إذا لم يكن كلَّ صبح بل الصّبح المذكور في القرآن على ما يأتيك.
أقول يمكننا ان نجمع الاستعمالات الأساسية على معنى موحّد يمثل أصل اللفظ.
وهذا المعنى الأصلي للطرق هُوَ الذي ينطوي على طرف آخر إذ هُوَ اتخاذ مسلك معّين للظهور من خلال الطرف الآخر. فشريف القوم يظهر بقومهِ وفيهم. ولذلك كانت الطريقة هي المسلك الذي يتم فيه ظهور الحركة. والمُطرق (الساكت) كذلك يتخذ مسلكاً معيناً لظهور الإجابة هُوَ الصمت والسكوت فهو استخدام على الحركة من خلال التمثيل. والطارق إذن هُوَ فاعل الفعل الظاهر لذلك قالوا الطُرقة هي الصنعة وطارق الليل السالك فيه على هذهِ الطريقة. ويَصحّ بالطبع لإفادة المفاجئة والمباغتة لأن المسلك المخصوص من شؤون صاحبهِ إذن فالطارق على المعنى الأعم ذو الطريقة التي لا يحيد عنها والذي يعمل المفاجئات والذي يظهر على غير ميعاد سابق. وتلك صفة واضحة في المذنب.
أما المرويات:
ففي كتاب العلل وكتاب البرهان وكتاب الأنوار النعمانية بأسايندهم عن الإمام علي (ع) انه سئل عن الطارق الذي في القرآن فقال:
"هُوَ أحسن نجم في السماء وليسَ يعرفه الناس"(1) ومعلوم ان المذنب هُوَ أحسن النجوم وأكثرها جمالاً وما ولَعُ المئات من الهواة في رَصد المذنبات خصوصاً الاّ لحُسنها وجمالها.
وجاء في الحديث أيضا:
"وإنّما سمي الطارق لأنه يطرق نوره سماءً سماءً إلى سبع سموات ثم يطرق راجعاً حتى يرجع إلى مكانه".
وفي نسخة العلل:
"ثم يطرق سماءً سماءً راجعاً حتى يرجع إلى مكانه". ويظهر لنا من تتبع السموات السبع في القرآن ان المقصود بها في بعض الموارد (النظام الشمسي). فالغلاف الغازي أو المدار لكل واحد منها وفضاءه هُوَ سماء مستقلة. ويؤكد ذلك الحديث المار في الفصول الأولى، بالرغم من ان النظام السباعي قد يكون نظاماً كونياً عاّماً.
وإذن فان الطارق يخترق هذهِ المدارات ويعود إلى موضعه وهذهِ صفة المذنب حسب العلم الحديث - (راجع المجلات المتخصصة في مدارات المذنب).
النتيجة:
أن الطارق النجم الثاقب. هُوَ نجم متقدّ ذاتياً شديد الحمرة له مدار خاص به يظهر بغتة وفق مسلكه في الحركة وهُوَ المذنب.
لكنه بالطبع ليس كل مذنب. لأنه معّرف بمفرده (الطارق) وعرف ثانياً بالنجم المعرف بال التعريف وعرف ثالثا بالنعت (الثاقب) وعرف رابعاً بالعطف على معرف بنفسه وبال التعريف (السماء)، وعرف خامساً مكرراً بالسؤال (وما أدراك ما الطارق).
فهذا التعريف المستمر له يدل لغوياً على انه نجمٌ واحد محددّ ومعلوم. وقد لاحظنا ان الأحاديث التي ذكرت العلامات ذكرته بأسماء مشابهة "إذا رأيتم نجمكم" - "ليس هذا نجم الآيات.." "فإذا جاء النجم ذو الذنب" .. "فكأني بالنجم ذي الذنب .." .. الخ إنما تشير إلى النص القرآني وتأكيده على هذا النجم الموعود الذي يحوّل واقع الأرض إلى واقع آخر مختلفٍ جذرياً.
مناقشات سريعة مع التفسير المشهور لما في سورة الطارق
1. الطوسي: "بينّا القول فيه فالطارق هُوَ الذي يجيء ليلاً وقد فسره الله تعالى بأنه النجم الثاقب فالنجم هُوَ الكوكب وقال الحسن المراد جميع النجوم.
أقول لم يبين لنا أيَّ شيء لأنه إذا كان هُوَ الذي يجيء ليلاً فآلآف وملايين النجوم تجيء ليلاً بالتتابع حسب دوران الفلك (عندهم) - أو الأرض كما نفهم الآن.
وأما قوله هُوَ الكوكب فهو اعتباط محض! لأن الكوكب مستعمل في القرآن مع نكرة معرفة بالإضافة (زينة الكواكب) على الجمع بينما النجم الثاقب معرف خمس مرات في السورة على انه مفرد. وقول الحسن البصري المراد الجميع فما أدراه! ان الله يريد الجميع وهُوَ يذكر المفرد المعّرف خمس مرات!؟ ولماذا لم يجمعه كما جمعه في الواقعة فقال (فلا اقسم بمواقع النجوم)؟ ام يرى ان المفرد والجمع سواء؟ وان الله يأتي بالمفرد حيث يريد الجمع وبالعكس؟ سبحان الله عما يصفون.
2. ابن زيد: قال "النجم الثاقب" هُوَ زُحل. أقول وما الذي يدعوني لتصديق ابن زيد هذا؟
ترى لو أعجبه ان يقول (المشتري) أو (عطارد) فهل أصّدقه؟
(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين).
3. عكرمة ومجاهد: "انه على رجعة لقادر".
قالا: أي ردّ الماء في الصلب قادر.
أقول: قد ذكرت ان إنكار الإعادة أو رجوع الأموات إلى الحياة (بالبعث أو النشور) هو من قول الذين كفروا كما نص القرآن.
فالله يقول فلينظر الإنسان مم خلق ثم يقول انه على رجعة لقادر يوم تُبلى السرائر. فإذا كان الضمير يعود على الماء فما علاقة ذلك بالسرائر أليس (يوم) مبني على الضرفية؟ أي قادر على رجعهِ في هذا اليوم فهل يكون انكشاف السرائر للماء دون الإنسان انظر ثم انظر أخي القارئ إلى تعسف الاعتباط ومحاولاته اليائسة لصرف الأنظار عن دلالة الآيات. الله يقول على رجعة لقادر مخاطباً الإنسان (فلينظر) وهم يقولون رد الماء في الصلب!!
4. الضحاك: (أنه على رجعةِ لقادر) أي انه على ردّ الإنسان ماءً كما كان قادر. والرجع هُوَ الماء.
ليتَه إذ فسرّ الرجّع بالماء قال هُوَ (على رجعهِ) أي ماءهِ قادر بمعنى يُعيده من الماء كما خلقه من الماء لأنه قال (خلق من ماء دافق).
فإذا كان الرجع هُوَ الماء أصبح قوله تعالى " على رجعهِ لقادر " أي على ماءهِ فالضمير يعود قطعاً على الإنسان فكيف يزعم انه يردّ الإنسان إلى ماء كما كان لأنه يتحدث عنه في الضمير المتصل بالرجع.
كل ذلك وكأنه مصر على إنكار البعث بأية وسيلة - ولم يحدث ذلك مطلقاً في آيات البعث الكلي يوم القيامة وإنما حدث في آيات البعث في الطور المهدوي خصوصاً.
تقاسمها عكرمةُ والضحاك:
واحد يقول ردُّ الماء إلى الصلبِ والآخر يقول ردُّ الإنسان إلى ماء!
أما ردّ الماء إلى إنسان فلا! لأنه هُوَ المتعين من النشور كما سيأتيك مفصلاً في موضعه.
"زعَم الذين كفروا ان لن يبعثوا! قل بلى وربّي لتبعثن ثم تنبئون بما عملتم وذلك على الله يسير" التغابن/ 7.
علاقات لفظية للسُورة مع الحديث الشريف
لمّا كان المذنب نجمٌ من النجوم وهُوَ شمس مستقلة بحركة ذات مدار خاص بها فقد ارتبط لفظ الشمس أو الكوكب أو المذنب في أحاديث كثيرة عن الطور المهدوي ارتبط بقائد هذا الطور كما في الأحاديث الآتية:
1. إكمال الدين بمسندهِ عن علي بن ابي طالب (ع) وبعد ان ذكر سلسلة من الوقائع قال:
"وذلك بعدَ طلوع الشمس مع مغربها". إكمال الدين نقلناه عن البشارة/ ب2 - 57.
ثم ان رجلاً اسمه النزالٍ ابن سبرة سأل صعصعة بن صَوحان عن هذهِ العبارة خصوصاً فقال صعصعة:
"يا بنَ سبرة ان الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم هُوَ الثاني عشر من عشرة رسول الله التاسع من ولد الحسن وهُوَ الشمس الطالعة من مغربها ...الخ".
ومن المحتمل ان صعصعة قد شرح الأمر كما يفهمه هُوَ وعلى طريقة (المجاز اللغوي) بينما طلوع الشمس من مغربها حدث كوني فعلي يقع في هذا الطور يتناغم لفظياً مع طلوع شمس المعرفة.
2. لاحظنا أيضا تشبيه النبي (ص) له بأنّ (وجَهه كالكوكب الدرّي) وفي مثل هذهِ النصوص نجد انتخاباً مقصوداً لألفاظ معينة تفيد في التنويه عن العلامات في ذات الوقت.
3. ونلاحظ ذلك أيضا في أحاديث عامة غير متعلقة بالعلامات، فحيث ما وجدت فرصة للتنويه عن علاقة قائد الطور بالفلك والنظام الطبيعي ذكر الحديث هذهِ العلاقة وخاصة مع الشمس.
ففي حديث طويل ذكر فيه الإمام الصادق (ع) الفتن فبكى السامعَ قال (فبكيت فقال لي ما يبكيك يا أبا عبد الله فقلت فكيف لا أبكي وأنت تقول اثنتي عشر راية مشبهة لا تدري أي من أي فكيف نصنع فقال (وقد) نظر إلى شمس داخله في الصفة فقال يا أبا عبد الله ترى هذهِ الشمس؟ قلت نعم. قال والله لأمرنا أبين من هذهِ الشمس.
4. في حديث آخر للإمام علي (ع) ورد فيه تفصيل للعلامات العامّة للطور المهدوي وهُوَ الحديث الوحيد الذي يجعل المذنب أولّ علامة في تسلسل العلامات.
هذا الحديث هُوَ جزء من خطبة للإمام (ع) تُسمى (اللؤلؤة) نأخذ منها موضع الاستشهاد:
".. وتعمل القبة الغبراء ذات القلادة الحمراء وفي عقبها قائم الحق يُسفر عن وجههِ بين الأقاليم كالقمر المضيء بين الكواكب الدرّية. ألا وانّ لخروجه علامات عشرة أولها طلوع الكوكب ذي الذنب.." البشارة /87.
ومن هنا ندرك جزءً من سبب تخصيص سورة لهذا النجم الموعود المتقد ذاتياً وتسميتها باسمه (سورة الطارق)، لأن هذا النجم هُوَ أول العلامات الكونية المحتومة وهُوَ المسبب لتتابع بقية العلامات في نظام كنظام الخرز حسب النص (النبوي). وهُوَ الذي يقوم بنقل واقع الأرض إلى واقع جديد يلائم هذا الطور والذي هُوَ الهدف الأساسي من الخلق.
بسم الله الرحمن الرحيم:
" والسماء والطارق، وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب. إن كل نفس لمّا عليها حافظ. فلينظر الإنسان ممَّ خلق. خلق من ماء دافق يخرج من بين الصُلب والترائب. انه على رجعة لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر. والسماء ذات الرجع. والأرض ذات الصَدْع. انه لقول فصل. وما هُوَ بالهزل. أنهم يكيدون كيداً. وأكيد كيداً فمهلّ الكافرين. أمهلهم رويدا".
أاجواء السورة وغاياتها
عن أي شيء تتحدث السورة؟ ما هو محورها الذي تدور عليه؟
إنها تتحدث عن خلق الإنسان من أي شيء وتلفت النظر إليه.. (فلينظر)، ثم تؤكد على رجوعه كما بدأ. عندئذٍ تنكشف السرائر وتبتلى فلا يجد ناصراً.
جاء ذلك بعد حِلفٍ أو يمين بالواو (والسماء والطارق) وحدث إلفات هام على صيغة السؤال هو:
"وما أدراك ما الطارق؟" ثم أجاب: " النجم الثاقب". فلما انتهى هذا المقطع، عاد إلى الحلف مرة أخرى بالسماء والأرض مؤكداً أن هذا القول هو فصل لا هزل. وإنهم يكيدون كيداً والله يكيد كيداً أيضا فمهّل الكافرين..
إن وحدة موضوع السورة تدعونا للنظر في العلاقة بين السماء والطارق وبين رجوع الإنسان إلى الحياة. وتدعونا أيضا إلى التساؤل عن جميع الألفاظ والأفكار.. لماذا هنا يسمّي السماء ذات الرجع ... لماذا الأرض ذات الصدع .. لماذا لا قوة له ولا ناصر .. لماذا هذا اللفظ بالذات (تُبلى) وأين يقع ذلك ومتى؟
وللإجابة على ذلك تذكر الملاحظات الآتية:
أ. ان السورة كلها تقع بين لفظين هما السماء والإمهال (رُويداً) ثمة إذن زمان للإمهال معلق على قضية في السماء وتحديداً مع الطارق.
ب. ويؤكد لنا هذا الترابط بين المُهلة وبين الطارق السؤال المحرضّ على ان نبحث عن العلاقة من خلال توجهيه السؤال إلى النبي (ص): (وما أدراك ما الطارق) ومن خلاله إلى كل سامع.
ثم يُجيب على السؤال: (النجم الثاقب). وكأنما النجم الثاقب معلوم أصلاً للمتلقي الذي هُوَ هنا النبي (ص).
لكنهّ أعطى لهذا النجم الثاقب اسماً جديداً ... ومعنى ذلك انه أعطاه صفة جديدة. لاحظنا ان تعدد أسماء الشيء الواحد إنما هُي صفات لتعدّد مواصفات وخصائص ذلك الشيء. إنها ليست مترادفات متفقة في الدلالة كما زعَم البعض.
ج. إذن فالعلاقة هي بين النجم الثاقب وبين خلق الإنسان وإرجاعه بعد الموت إلى الحياة. إن اقتران النجم أو الطارق بالسماء وبخلق الإنسان يؤكد على أمرَين: الأول: وحدة المنشأ والثاني: الترابط في المصير.
فكان هذا الإنسان إنما خُلَقَ لغاية وان السماء خلقت لنفس الغاية وكلاهما من منشأ واحد. لذلك نلاحظ ان الجنة عرضها السماء. إنها المساحة المؤهلة لاستغلالها من قبل الإنسان والكافر الذي يمهّله في آخر السورة يزعم انه لا ترابط بين الاثنين .. ولا غاية لهما:
"وما خلقنا السماءَ والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظنّ الذين كفروا" ص/ 27.
أما المؤمنون فأنهم:
"يتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك"آل عمران/191.
ولمّا كانت الغاية تظهر متأخرة في الزمان فاّن الكفرة يقولون نموت ولا نراها .. فحتى لو صحّتّ لا نراها فلنفعل ما يحلو لنا لا ما يُريد الذي يأمرنا.
ومن هنا أكّد على الرجوع "أنه على رجعةِ لقادر".
د. يقولون أيضا: حسناً لنفرض أننا نَرجع فإننا عندئذٍ سنفعل ما يفعل المؤمنون! سنقول ما يقولون ونعترف بما يعترفون به نقول "والله ربّنا ما كنا مشركين" ونطلب من الله الصفح ونعتذر ذلك لأننا لآن تدخل مع المؤمنين ونفعل مثل فعلهم .. فلا يّميزنا أحد. ها نحن الآن نأمر وننهي ونكون علماء في الدّين نفسهِ. فلا أحد يكذبّنا بل الجميع يقدسوننا وينظرون لنا على أننا ورثة الأنبياء وأننا أهل المعرفة!
وتجيب السورة على ذلك: ان كل نفس عليها حافظ يحفظ عليها ما فعلت! وفوق ذلك حينما يتحقق الوعد فالسرائر تُبلى لأن الطبيعة ستعمل على مفاتيح خارجة من السرائر!
بحيث ان المؤمنين يأمرون الأشياء فتذعن لهم: هم يتقدمّون في النعيم وانتم تتخلفوّن إلى العذاب والجحيم هُم يأمرون الأشياء والموجودات وانتم ستكونون جزءً من تلك الموجودات جلودكم تنطق بأمرهم .. وحينما تقولون لجلودكم
"لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء"، قوتكم تضعف ونصر بعضكم يزول فلا (قوة ولا ناصر) لأنكم ستكونون جزءً من الأشياء المستعبدة.
وإذا قالوا: إذن نموت ونرتاح من العناء يقال لهم كلاّ لن تموتوا لأنكم ستكونون مثل الأشياء ... أحياء بعمر الجماد!
ه. إذن فنحن نلاحظ ان السورة اعتمدت اسماءً معرفّة بال التعريف (السماء) - (الطارق) - (النجم الثاقب). فهذا التعريف يّدل على أنها معهودة أو معلومة عند المخاطب. النجم الثاقب نجمٌ معلوم له علاقة بهذا الوعد وله علاقة بالقول الفصل وله علاقة بيوم ابتلاء السرائر وله علاقة بأحياء الموتى وإرجاعهم .. لأن السور قد افتتحت به وأكدت عليه وتساءلت عنه!
"وما أدراك ما الطارق! النجم الثاقب"
و. نلاحظ ان هذهِ الوقائع لمجموعها تتحدث عن طور سابق على حوادث القيامة! فحينما يُلغى النظام الكوني (تطوي السماء كطيّ السجل للكتب)أو (ترك الأرض) دكاً دكاً وتسجّر البحار لا يبقى موضوع أو موضع للحديث عن:
السماء - الطارق - النجم الثاقب - الأرض ذات الصدع - السماء ذات الرجع .. يكيدون كيداً ... أكيد كيداً .. قوة .. ناصر! إذ ليسَ في القيامة موضع لهذهِ الألفاظ .. ليسَ هناك كيدُ يكاد ضدهم ولا حديث عن ناصر لهم ولا قوة لهم لأن كل ذلك تحصيل حاصل.
فإذا استعرضت الآيات التي تتحدث عن القيامة ودخول جهنم والتي يأتيك بعضها في المقارنات علمت ان هذهِ السورة بعيدة عن هذا الموضوع .. بيد أنها تتحدث عن نفس الفكرة!
لأن الأطوار كلها إنما هي على فكرة واحدة هي توحيد الله! فالفكرة واحدة والأطوار مختلفة والمراحل متباينة. فلنلاحظ الآن أين تكمن العلامة الكونية للطور المهدوي؟
المذنّب علامة العلامات في سورة الطارق
لقد ذكرت السورة علامة واحدة فقط من علامات هذا الطور وهذا هُوَ النظام القرآني العجيب في اختياره العلامة المناسبة. لأننا سنلاحظ عدداً اكبر من العلامات في سور أخرى. أما هنا فلان السورة على قصرها تضمنت الحديث عن رجوع الإنسان وابتلاء سريرته وكيد الكافرين - ولأنها ربطت السماء بالأرض في الغاية ولأنها ربطت المنشأ والمصير بين الإنسان وعالمهِ الكوني فقد اكتفت بذكر علامة واحدة فقط.
ولكن أيّ علامة اختيرت في السورة؟ أنها علامة العلامات اختيرت المذنب الموعود.
فلقد رأيت ان النجم المذنب سماّه المأثور (نجم الآيات) وعرفنا علاقته بالآيات وكونه المسبب لها والعلة في ظهور تتابعها بنظام محدّد (كنظام الخرز).
ويبقى ان تتأكد لغوياً وحديثاً من كون (النجم الثاقب) هُوَ المذنب الموعود:
اللغة:
النجم: هذا التعاقب الصوتي المؤلف من النون والجيم والميم مرتبط عند أهل اللغة ومن خلال الاستعمال بالظهور وتحديداً الظهور المباغت. هذا المعنى العام الأصلي الذي وقعت عليه المعاني المستعملة عندهم. وبالطبع فالمعاجم تستخدم الترادف اعتباطاً لأنها لا تفرق بين الألفاظ: قال:
نجمَ: ظهرَ وطلعَ. والنجم: الكوكب: وهذا ترادف خاطئ لأن لكل منهما استعماله الخاص في القرآن. والمنجمان: عظمان ناتئان من ناحيتي القدم. لاحظ دلالة الظهور والطلوع في هذا الأستعمال. ويقال:
(نزل القرآن نجوماً) - وادىّ المال تنجماً أو أنجمه اداه نجوماً أي دفعةً بعد دفعة. أقول تحديداً بدون سابق ميعاد. كما تنزل السورة أو الآية من غير ان يعلم النبي (ص) بالوقت.
لذلك أطلقوه على ما يطلع من النبات من غير زراعة فحسبَ المعجم انّه (ما نجم على غير ساق) بينما الساق لا علاقة لها بالموضوع إنما هُوَ النبات الذي يظهر بغتة ومن غير ان ينتبه له أحد. وفي القاموس المحيط:
والمنجَم: قال المعدن. ويستعمل الآن لموضع المعَدن لأنه غائر واستخراجه يتم على دفعات حيث ما وجدوا الخامات. إذن فالنجم في الأصل مرتبط (بالظهور المباغت) وهُوَ ما يوافق جميع الاستعمالات.
الثاقب:
نحن نقوم بجمع الاستعمالات على أصل واحد كما علمت وفي هذا اللفظ أكثر من مفهوم عند المعاجم:
الثقبُ: الحزق النافذ.
ثقبت النار: ثقوباً اتقدت.
ثقب الكوكب: أضاء.
والثقيب مثل أمير: الشديد الحُمرة.
أما زعَمه: (النجم الثاقب) هُوَ زحُلَ فمردود عليه لأنه موضوع بحثنا. وقال آخرون: النجم الثاقب المرتفع على النجوم (كما في المحيط) نلاحظ في هذا الاستعمال احتمالين: إما ان يكون الثاقب هُوَ المتقدّ ذاتياً والشديد (الاحمرار) بحيث يمكنه اختراق الأشياء فجاء منه الخرق النافذ. وإما ان يكون العكس ان الأصل هُوَ الخرق النافذ وأطلق على النار لقدرتها على النفاذ والخرق ومجازاً على الحُمرة.
على اننا نشكّ في دقة نقل المعاجم للاستعمالات. بل نتهمّهم أيضا باللامبالاة و و و....
لأنه إذا قال الثقيب: ( الشديد الحمرة ) ولم يدخلها في جملة مفيدة كما يفعل الأجانب في لغاتهم فقد تجنىّ على المفردة جناية عظيمة لأننيّ لا أعلم هل أسمي الوردة الحمراء (ثقيبة) لأنها شديدة الحمرة أم النسيج الحديدي المحُمي على النار لنفس السبب أم يجوز ذلك لكليهما!؟
الحمد لله الذي ألهمنا معاني الحُروف لنتخلص من هذا البلاء. تؤكد لنا معاني الحروف ان هذا التعاقب يفيد في أداء دلالة خاصة بالقدرة الذاتية على اختراق الحُجب الكثيفة.
ومعلوم ان اللون الأحمر لون صارخٌ يؤدي إلى هذهِ الفكرة. كذلك النار. أما النجم فهو علمياً كرة نارية بنواة. أنه في المفهوم العلمي شمس من الشموس وبهذا تجتمع الاستعمالات المادية والمعنوية. ان المذنب يختلف في كونه شمس ذات ذنب طويل من الغازات وكونه لا يطلع كبقية النجوم بموضع ثابت بل له مدارات خاصة يغيب ثم يظهر فيها.
إذن النجم الثاقب على المعنى اللغوي هُوَ: طلوع مباغت لكرة نارية ذاتية الاتقاد لها قدرة على اختراق الحجب هذا التعريف اللغوي يطابق خصائص المذنب بل هُوَ تعريف المذنب بالدقةِ المطلوبة على ما رأيته من صفات للمذنبات - وهُوَ بعد ذلك (نجم) ينجم بصورة مباغتة انه يظهر من غير توقع زمني. الطارق:
لقد ذكر القرآن الكريم (النجم الثاقب) كتعريف للطارق "وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب".
إذن فالطارق مفردة تعوض عن النجم الثاقب في الدلالة الا إنها دلالة أكثر غموضاً من حيث كونها اسم لشيء لم نسمع به من قبل!
فلنلاحظ اللغة، ففي المعاجم:
الطَرْقُ: الضرَبْ. ولكن هذا ترادفُ سيُّ فما معنى الضرَبْ؟ إذ الضرب هُوَ الآخر مفردة مجهولة بالنسبة لنا. لأن المعجم يجب ان يذكر الدلالة الفعلية لكل لفظ مستقلاً عن الآخر؟ أما هكذا فانه لا يقوم الاّ بمزيد الخلط والتمويه. يمكننا استخراج الدلالة من خلال ملاحظة جميع الاستعمالات وتعريفها بجملة طويلة. قال صاحب القاموس:
والطرق: نتف الصوف.
والطُرقة: الظُلمة والطمع والحجارة بعضها فوق بعض والعادة.
والطريق والطرائق: والطرق - المسلك. والطريق: شريف القوم. والمطاريق: المشاة. وأطرقَ سكتَ ولم يتكلمّ. والَطرقةُ: الصنعة. والَطْرقُ: الإتيان في الليل.
قال والطارق: كوكب الصُبح!!
وهذا صَحيح إذا لم يكن كلَّ صبح بل الصّبح المذكور في القرآن على ما يأتيك.
أقول يمكننا ان نجمع الاستعمالات الأساسية على معنى موحّد يمثل أصل اللفظ.
وهذا المعنى الأصلي للطرق هُوَ الذي ينطوي على طرف آخر إذ هُوَ اتخاذ مسلك معّين للظهور من خلال الطرف الآخر. فشريف القوم يظهر بقومهِ وفيهم. ولذلك كانت الطريقة هي المسلك الذي يتم فيه ظهور الحركة. والمُطرق (الساكت) كذلك يتخذ مسلكاً معيناً لظهور الإجابة هُوَ الصمت والسكوت فهو استخدام على الحركة من خلال التمثيل. والطارق إذن هُوَ فاعل الفعل الظاهر لذلك قالوا الطُرقة هي الصنعة وطارق الليل السالك فيه على هذهِ الطريقة. ويَصحّ بالطبع لإفادة المفاجئة والمباغتة لأن المسلك المخصوص من شؤون صاحبهِ إذن فالطارق على المعنى الأعم ذو الطريقة التي لا يحيد عنها والذي يعمل المفاجئات والذي يظهر على غير ميعاد سابق. وتلك صفة واضحة في المذنب.
أما المرويات:
ففي كتاب العلل وكتاب البرهان وكتاب الأنوار النعمانية بأسايندهم عن الإمام علي (ع) انه سئل عن الطارق الذي في القرآن فقال:
"هُوَ أحسن نجم في السماء وليسَ يعرفه الناس"(1) ومعلوم ان المذنب هُوَ أحسن النجوم وأكثرها جمالاً وما ولَعُ المئات من الهواة في رَصد المذنبات خصوصاً الاّ لحُسنها وجمالها.
وجاء في الحديث أيضا:
"وإنّما سمي الطارق لأنه يطرق نوره سماءً سماءً إلى سبع سموات ثم يطرق راجعاً حتى يرجع إلى مكانه".
وفي نسخة العلل:
"ثم يطرق سماءً سماءً راجعاً حتى يرجع إلى مكانه". ويظهر لنا من تتبع السموات السبع في القرآن ان المقصود بها في بعض الموارد (النظام الشمسي). فالغلاف الغازي أو المدار لكل واحد منها وفضاءه هُوَ سماء مستقلة. ويؤكد ذلك الحديث المار في الفصول الأولى، بالرغم من ان النظام السباعي قد يكون نظاماً كونياً عاّماً.
وإذن فان الطارق يخترق هذهِ المدارات ويعود إلى موضعه وهذهِ صفة المذنب حسب العلم الحديث - (راجع المجلات المتخصصة في مدارات المذنب).
النتيجة:
أن الطارق النجم الثاقب. هُوَ نجم متقدّ ذاتياً شديد الحمرة له مدار خاص به يظهر بغتة وفق مسلكه في الحركة وهُوَ المذنب.
لكنه بالطبع ليس كل مذنب. لأنه معّرف بمفرده (الطارق) وعرف ثانياً بالنجم المعرف بال التعريف وعرف ثالثا بالنعت (الثاقب) وعرف رابعاً بالعطف على معرف بنفسه وبال التعريف (السماء)، وعرف خامساً مكرراً بالسؤال (وما أدراك ما الطارق).
فهذا التعريف المستمر له يدل لغوياً على انه نجمٌ واحد محددّ ومعلوم. وقد لاحظنا ان الأحاديث التي ذكرت العلامات ذكرته بأسماء مشابهة "إذا رأيتم نجمكم" - "ليس هذا نجم الآيات.." "فإذا جاء النجم ذو الذنب" .. "فكأني بالنجم ذي الذنب .." .. الخ إنما تشير إلى النص القرآني وتأكيده على هذا النجم الموعود الذي يحوّل واقع الأرض إلى واقع آخر مختلفٍ جذرياً.
مناقشات سريعة مع التفسير المشهور لما في سورة الطارق
1. الطوسي: "بينّا القول فيه فالطارق هُوَ الذي يجيء ليلاً وقد فسره الله تعالى بأنه النجم الثاقب فالنجم هُوَ الكوكب وقال الحسن المراد جميع النجوم.
أقول لم يبين لنا أيَّ شيء لأنه إذا كان هُوَ الذي يجيء ليلاً فآلآف وملايين النجوم تجيء ليلاً بالتتابع حسب دوران الفلك (عندهم) - أو الأرض كما نفهم الآن.
وأما قوله هُوَ الكوكب فهو اعتباط محض! لأن الكوكب مستعمل في القرآن مع نكرة معرفة بالإضافة (زينة الكواكب) على الجمع بينما النجم الثاقب معرف خمس مرات في السورة على انه مفرد. وقول الحسن البصري المراد الجميع فما أدراه! ان الله يريد الجميع وهُوَ يذكر المفرد المعّرف خمس مرات!؟ ولماذا لم يجمعه كما جمعه في الواقعة فقال (فلا اقسم بمواقع النجوم)؟ ام يرى ان المفرد والجمع سواء؟ وان الله يأتي بالمفرد حيث يريد الجمع وبالعكس؟ سبحان الله عما يصفون.
2. ابن زيد: قال "النجم الثاقب" هُوَ زُحل. أقول وما الذي يدعوني لتصديق ابن زيد هذا؟
ترى لو أعجبه ان يقول (المشتري) أو (عطارد) فهل أصّدقه؟
(قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين).
3. عكرمة ومجاهد: "انه على رجعة لقادر".
قالا: أي ردّ الماء في الصلب قادر.
أقول: قد ذكرت ان إنكار الإعادة أو رجوع الأموات إلى الحياة (بالبعث أو النشور) هو من قول الذين كفروا كما نص القرآن.
فالله يقول فلينظر الإنسان مم خلق ثم يقول انه على رجعة لقادر يوم تُبلى السرائر. فإذا كان الضمير يعود على الماء فما علاقة ذلك بالسرائر أليس (يوم) مبني على الضرفية؟ أي قادر على رجعهِ في هذا اليوم فهل يكون انكشاف السرائر للماء دون الإنسان انظر ثم انظر أخي القارئ إلى تعسف الاعتباط ومحاولاته اليائسة لصرف الأنظار عن دلالة الآيات. الله يقول على رجعة لقادر مخاطباً الإنسان (فلينظر) وهم يقولون رد الماء في الصلب!!
4. الضحاك: (أنه على رجعةِ لقادر) أي انه على ردّ الإنسان ماءً كما كان قادر. والرجع هُوَ الماء.
ليتَه إذ فسرّ الرجّع بالماء قال هُوَ (على رجعهِ) أي ماءهِ قادر بمعنى يُعيده من الماء كما خلقه من الماء لأنه قال (خلق من ماء دافق).
فإذا كان الرجع هُوَ الماء أصبح قوله تعالى " على رجعهِ لقادر " أي على ماءهِ فالضمير يعود قطعاً على الإنسان فكيف يزعم انه يردّ الإنسان إلى ماء كما كان لأنه يتحدث عنه في الضمير المتصل بالرجع.
كل ذلك وكأنه مصر على إنكار البعث بأية وسيلة - ولم يحدث ذلك مطلقاً في آيات البعث الكلي يوم القيامة وإنما حدث في آيات البعث في الطور المهدوي خصوصاً.
تقاسمها عكرمةُ والضحاك:
واحد يقول ردُّ الماء إلى الصلبِ والآخر يقول ردُّ الإنسان إلى ماء!
أما ردّ الماء إلى إنسان فلا! لأنه هُوَ المتعين من النشور كما سيأتيك مفصلاً في موضعه.
"زعَم الذين كفروا ان لن يبعثوا! قل بلى وربّي لتبعثن ثم تنبئون بما عملتم وذلك على الله يسير" التغابن/ 7.
علاقات لفظية للسُورة مع الحديث الشريف
لمّا كان المذنب نجمٌ من النجوم وهُوَ شمس مستقلة بحركة ذات مدار خاص بها فقد ارتبط لفظ الشمس أو الكوكب أو المذنب في أحاديث كثيرة عن الطور المهدوي ارتبط بقائد هذا الطور كما في الأحاديث الآتية:
1. إكمال الدين بمسندهِ عن علي بن ابي طالب (ع) وبعد ان ذكر سلسلة من الوقائع قال:
"وذلك بعدَ طلوع الشمس مع مغربها". إكمال الدين نقلناه عن البشارة/ ب2 - 57.
ثم ان رجلاً اسمه النزالٍ ابن سبرة سأل صعصعة بن صَوحان عن هذهِ العبارة خصوصاً فقال صعصعة:
"يا بنَ سبرة ان الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم هُوَ الثاني عشر من عشرة رسول الله التاسع من ولد الحسن وهُوَ الشمس الطالعة من مغربها ...الخ".
ومن المحتمل ان صعصعة قد شرح الأمر كما يفهمه هُوَ وعلى طريقة (المجاز اللغوي) بينما طلوع الشمس من مغربها حدث كوني فعلي يقع في هذا الطور يتناغم لفظياً مع طلوع شمس المعرفة.
2. لاحظنا أيضا تشبيه النبي (ص) له بأنّ (وجَهه كالكوكب الدرّي) وفي مثل هذهِ النصوص نجد انتخاباً مقصوداً لألفاظ معينة تفيد في التنويه عن العلامات في ذات الوقت.
3. ونلاحظ ذلك أيضا في أحاديث عامة غير متعلقة بالعلامات، فحيث ما وجدت فرصة للتنويه عن علاقة قائد الطور بالفلك والنظام الطبيعي ذكر الحديث هذهِ العلاقة وخاصة مع الشمس.
ففي حديث طويل ذكر فيه الإمام الصادق (ع) الفتن فبكى السامعَ قال (فبكيت فقال لي ما يبكيك يا أبا عبد الله فقلت فكيف لا أبكي وأنت تقول اثنتي عشر راية مشبهة لا تدري أي من أي فكيف نصنع فقال (وقد) نظر إلى شمس داخله في الصفة فقال يا أبا عبد الله ترى هذهِ الشمس؟ قلت نعم. قال والله لأمرنا أبين من هذهِ الشمس.
4. في حديث آخر للإمام علي (ع) ورد فيه تفصيل للعلامات العامّة للطور المهدوي وهُوَ الحديث الوحيد الذي يجعل المذنب أولّ علامة في تسلسل العلامات.
هذا الحديث هُوَ جزء من خطبة للإمام (ع) تُسمى (اللؤلؤة) نأخذ منها موضع الاستشهاد:
".. وتعمل القبة الغبراء ذات القلادة الحمراء وفي عقبها قائم الحق يُسفر عن وجههِ بين الأقاليم كالقمر المضيء بين الكواكب الدرّية. ألا وانّ لخروجه علامات عشرة أولها طلوع الكوكب ذي الذنب.." البشارة /87.
ومن هنا ندرك جزءً من سبب تخصيص سورة لهذا النجم الموعود المتقد ذاتياً وتسميتها باسمه (سورة الطارق)، لأن هذا النجم هُوَ أول العلامات الكونية المحتومة وهُوَ المسبب لتتابع بقية العلامات في نظام كنظام الخرز حسب النص (النبوي). وهُوَ الذي يقوم بنقل واقع الأرض إلى واقع جديد يلائم هذا الطور والذي هُوَ الهدف الأساسي من الخلق.