المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخاف عليكم أثنين


بلسم
20-01-2012, 09:17 PM
بالاسناد المتصلة الى رئيس المحدثين محمد بن يعقوب ـ رضوان الله عليه ـ عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن عاصم بن حُميد ، عن ابي حمزة ، عن يحيى بن عقيل قال : قال امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «انما اخاف عليكم اثنتين : اتباع الهوى وطول الامل ، اما اتباع الهوى فانه يصد عن الحق واما طول الامل فانه ينسي الآخرة» .

اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب اتباع الهوى ، ح 3 .

«الهوى» في اللغة «حب الشيء» و «اشتهاؤه» من دون فرق في ان يكون المتعلق امرا حسنا ممدوحا ، او قبيحا مذموما . او لان النفس بمقتضى الطبيعة ، تميل الى الشهوات الباطلة والاهواء النفسية ، لـولا العقـل والشرع اللـذان يكبحـانها (1) . اما احتمال الحقيقة الشرعية ـ كما يقول بعض المحققين ـ فمستبعد .
اما «الصد» عن الشيء فمعناه المنع والاعراض والإنصراف عنه . وهي معان تناسب الكلمة ، الا ان المعنى المقصود هنا هو المنع والإنصراف عن الشيء ، اذ ان الصد بمعنى الاعراض يكون لازما لا متعديا .
وسوف نحاول ، ان شاء الله ، من خلال مقامين اثنين ان نوضح فساد هاتين الصفتين ، وكيف تقوم الاولى بالمنع عن الحق . وتقوم الثانية بنسيان الآخرة . طالبين من الله التوفيق :
في بيان ان الانسان عند ولادته يكون حيوانا بالفعل


اعلم ان النفس الانسانية ، على الرغم من كونها ـ في معنى من المعاني الخارجة عن نطاق بحثنا ـ مفطورة على التوحيد ، بل هي مفطورة على جميع العقائد الحقة . ولكنها منذ ولادتها وخروجها الى هذا العالم تنمو معها الميول النفسية والشهوات الحيوانية ، الا من ايّده

الله وكان له حافظ قدسي . ولما كان هذا الاستثناء من النوادر فانه لا يدخل في حسابنا ، لاننا نتناول نوع الانسان عموما .
لقد ثبت في محله بالبراهين ان الانسان منذ اول ظهوره ، وبعد مروره بمراحل عدة ، لا يعدو ان يكون حيوانا ضعيفا لا يمتاز عن سائر الحيوانات الا بقابلياته الانسانية . وان تلك القابليات ليست بمقياس انسانيته الفعلية .
فالانسان حيوان بالفعل عند دخوله هذا العالم ، ولا معيار له سوى شريعة الحيوانات التي تديرها الشهوة والغضب . ولكن لما كان اعجوبة الدهر هذا ـ الانسان ـ له ذات جامعة ، او قابلة على الجمع ، فانه لكي يدبر هاتين القوتين ، تجده يتوسل باستعمال الصفات الشيطانية ، مثل الكذب والخديعة والنفاق والنميمة وسائر الصفات الشيطانية الاخرى . وهو بهذه القوى الثلاث ـ الشهوة ، الغضب ، هوى النفس ـ التي هي اصل كل المفساد المهلكة ، يخطو نحو التقدم ، فتنمو فيه كذلك هذه القوى وتتقدم وتتعاظم . واذا لم تقع تحت تاثير مربّ او معلم ، فانه يصبح عند الرشد والبلوغ حيوانا عجيبا يفوز بقصب السبق في تلك الامور المذكورة على سائر الحيوانات والشياطين ، ويكون اقوى واكمل في مقام الحيوانية والصفات الشيطانية من الجميع . واذا ما استمرت حاله على هذا المنوال ، ولم يتبع في هذه الشؤون الثلاثة سوى اهوائه النفسية ، فلن يبرز فيه شيء من المعارف الالهية والاخلاق الفاضلة والاعمال الصالحة ، بل تنطفئ فيه جميع الانوار الفطرية .
فتقع جميع مراتب الحق التي لا تعدو هذه المقامات الثلاثة التي ذكرناها ـ اي المعارف الالهية ، والاخلاق الفاضلة ، والاعمال الصالحة ـ تحت اقدام الاهواء النفسية . وعندئذ يصبح اتباع الاهواء النفسية والرغبات الحيوانية حائلا دون ان يتجلى فيه الحق من خلال اية واحدة من تلك المراتب ، ويطفئ ظلام النفس واهواؤها كل انوار العقل والايمان ، ولن تتاح له ولادة ثانية ، اي الولادة الانسانية ، بل يمكث على تلك الحال ويكون ممنوعا مصدودا عن الحق والحقيقة الى ان يرحل عن هذا العالم . ان مثل هذا الشخص اذا رحل عن هذا العالم بتلك الحالة ، فلن يرى نفسه في ذلك العالم ، عالم كشف السرائر ، الا حيوانا او شيطانا . لا تشم منه رائحة الانسان والانسانية ابدا ، فيبقى في تلك الحال من الظلام والعذاب والخوف الذي لا ينتهي حتى يقضي الله امرا كان مفعولا . اذن هذه هي حال التبعية الكاملة لاهواء النفس والتي تُبعد الانسان نهائيا عن الحق .
ومن هنا يمكن ان نعرف ان ميزان البعد عن الحق هو اتباع هوى النفس . ومسافة هذا البعد تقدر ايضا بمقدار التبعية . فمثلا ، لو ان هذا الانسان ، استطاع ان يجعل مملكة انسانية هذا الانسان الذي اقترن منذ ولادته بالقوى الثلاثة وترعرعت وتكاملت تلك القوى ايضا مع نمو

الانسان وتكامله ، لو استطاع ان يجعل هذه المملكة متاثرة بتربية تعاليم الانبياء والعلماء والمرشدين لاستسلم شيئا فشيئا لسلطة تربية الانبياء والاولياء عليهم السلام ، فقد لا يمضي عليه وقت طويل حتى تصبح القوة الكاملة الانسانية ، التي اودعت فيه على اساس القابلية فعلية تظهر للعيان ، وترجع جميع شؤون مملكته وقواها الى شان الانسانية بحيث يجعل شيطان نفسه يؤمن على يديه ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ان شيطاني آمن بيدي» (1) فتستسلم حيوانيته لإنسانيته ، حتى تصبح مطية مروضة على طريق عالم الكمال والرقي ، وبراقا يرتاد السماء نحو الآخرة ، ويمتنع عن كل معاندة وتمرد . وبعد ان تستسلم الشهوة والغضب الى مقام العدل والشرع تنتشر العدالة في المملكة ، وتتشكل حكومة عادلة حقة يكون فيها العمل والسيادة للحق وللقوانين الحقة ، بحيث لا تتخذ فيها خطوة واحدة ضد الحق ، وتكون خالية من كل باطل وجور .
وعليه ، فكما ان ميزان منع الحق والصد عنه هو اتباع الهوى ، فكذلك ميزان اجتذاب الحق وسيادته هو متابعة الشرع والعقل . وبين هذين المقياسين وهما التبعية التامة لهوى النفس والتبعية التامة المطلقة للعقل منازل غير متناهية ، بحيث ان كل خطوة يخطوها في اتباع هوى النفس ، يكون بالمقدار نفسه قد منع الحق ، وحجب الحقيقة ، وابتعد عن انوار الكمال الانساني واسرار وجوده . وبعكس ذلك ، كلما خطا خطوة مخالفة لهوى النفس ورغبتها ، يكون بالمقدار نفسه قد ازاح الحجاب وتجلى نور الحق في المملكة .

ذم اتباع الهوى


يقول الله تعالى في ذم اتباع النفس واهوائها :«ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله» (2)«... ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله» (3) .
وجاء في الكافي الشريف ، بسنده عن الامام الباقر عليه السلام قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يقول الله عز وجل : وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوّي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي الا شتت عليه امره ولبست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ولم اوته منها الا ما قدرت له وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه
الا استحفظته ملائكتي وكفلت السموات والارضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر واتته الدنيا وهي راغمة» (1) .
وهذا الحديث الشريف من محكمات الاحاديث التي يدل مضمونها على انه ينبع من علم الله تعالى الرائق حتى وان كان مطعونا فيه بضعف السند ، فنحن لسنا بصدد شرحه . وهناك حديث آخر منقول عن الامام علي عليه السلام قال فيه :
«ان اخوف ما اخاف عليكم اثنان اتباع الهوى ، وطول الامل» (2) .
وجاء في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال :
«احذروا اهوائكم كما تحذرون اعدائكم ، فليس شيء اعدى للرجال من اتباع اهوائهم وحصائد السنتهم» (3) .
اعلم ايها العزيز ، ان رغبات النفس وآمالها لا تنتهي ولا تصل الى حد او غاية . فاذا اتبعها الانسان ولو بخطوة واحدة ، فسوف يضطر الى ان يتبع الخطوة خطوات ، واذا رضي بهوى واحد من اهوائها ، اجبر على الرضى بالكثير منها . ولئن فتحت بابا واحدا لهوى نفسك ، فان عليك ان تفتح ابوابا عديدة له .
انك بمتابعتك هوى واحدا من اهواء النفس توقعها في عدد من المفاسد ، ومن ثم سوف تبتلى بآلاف المهالك ، حتى تنغلق ـ لا سمح الله ـ جميع طريق الحق بوجهك في آخر لحظات حياتك ، كما اخبر الله بذلك في نص كتابه الكريم ، وكان هذا هو اخشى ما يخشاه امير المؤمنين وولي الامر ، والمولى ، والمرشد والكفيل للهداية والموجه للعائلة البشرية عليه السلام .
بل ان روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وارواح الائمة عليهم السلام تكون جميعا في قلق واضطراب لئلا تسقط اوراق شجرة النبوة والولاية وتذوي .
قال صلى الله عليه وآله وسلم :
«تناكحوا تناسلوا فاني اباهي بكم الامم ولو بالسقط» (4) .
لا شك في انه لو سار الانسان في مثل هذه الطريق المخوفة المحفوفة بالمخاطر مما قد
يلقي به الى هوة الفناء ويجعله موضع عقوق ابيه الحقيقي ، اي النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ويبحث على نمط العظيم الذي هو رحمة للعالمين . فما اشد تعاسته ، وما اكثر المصائب والبلايا التي يخبئها له الغيب ! .
فاذا كنت على صلة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واذا كنت تحب امير المؤمنين عليه السلام واذا كنت من محبي اولادهما الطاهرين ، فاسع لكي تزيل عن قلوبهم المباركة القلق والاضطراب .
لقد جاء في القرآن الكريم في سورة هود :
«... فاستقم كما امرت ومن تاب معك ...» (1) . وجاء في الحديث الشريف ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : «شيبتني سـورة هـود لمكان هذه الآية» (2) .
يقول الشيخ العارف الكامل الشاه آبادي ـ روحي فداه ـ : «هذا ، على الرغم من ان هذه الآية قد جاءت في سورة الشورى ايضا ، ولكن من دون « ومن تاب معك » الا ان النبي خص سورة هود بالذكر ، والسبب ان الله تعالى طلب منه استقامة الامة ايضا ، فكان يخشى ان لا يتحقق ذلك الطلب ، والا فانه بذاته كان اشد ما يكون استقامة ، بل لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم مثال العدل والاستقامة» .
اذا ، يا اخي ، اذا كنت تعرف انك من اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتريد ان تحقق هدفه ، فاعمل على ان لا تضعه موضع الخجل بقبيح عملك وسوء فعلك . ترى اذا كان احد من اولادك والمقربين اليك يعمل القبيح وغير المناسب من الاعمال التي تتعارض وشأنك ، فكم سيكون ذلك مدعاة لخجلك من الناس وسببا في طأطأة راسك امامهم ؟ اعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلي عليه السلام ، هما ابوا هذه الامة بنص ما قاله النبي الكريم : «انا وعلي ابوا هذه الامة» (3) . فلو احضرنا في حضرة رب العالمين يوم الحساب وامام نبينا وائمتنا ، ولم يكن في كتاب اعمالنا سوى القبيح من الاعمال ، فان ذلك سوف يصعب عليهم ولسوف يشعرون بالخجل في حضرة الله والملائكة والانبياء . وهذا هو الظلم العظيم الذي نكون قد ارتكبناه بحقهم ، وانها لمصيبة عظمى نبتلى بها ، ولا نعلم ما الذي سيفعله الله بنا ؟
فيا يها الانسان الظلوم الجهول ، يا من تظلم نفسك ! كيف تكافئ اولياءك الذين بذلوا اموالهم وارواحهم في سبيل هدايتك ، وتحملوا اشد المصائب ، وافظع القتل ، واقسى السبي