جودت الانصاري
22-01-2012, 03:21 PM
عصافير الدوري
منذ بضعة ايام ,,,وعلى الرغم من نسمات كانون شديدة البرودة ,حيث مرورها يسيل الانوف ويسلب خيوط الروح ,,,اخذ يشعر ببراعم غابة الصفصاف تزداد انتفاخا وخضرة, وهي تتدلى بأغصانها على صفحة دجله, وكأنها عذارى تغترف الماء,,, وعلى الرغم من وحشة الاعشاش المتناثرة هنا وهناك بين الاغصان, وبقايا النباتات المتسلقة منذ الصيف المنصرم كخيوط عنكبوت,, ,, كان يسمع اصواتا خجلة لعصافير الدوري الصغيرة وقد ارهقها البرد تعود من جديد, وتناغي بعضها بعضا عبر النهر ,,,حتى بدت له غابة الصفصاف كمدينته المهجّرة وقد بدء الجيران بالعودة شيئا فشيئا حيث دبِّ بعض الامان وروائح صيف في الافق.
في كل ليلة كعادته كان يمر في تلك الطرق النيسميه بين بستانه و بستان جاره الذي هجّرته العصابات التكفيرية,, وهو يشعل بطاريته اليدوية حيث تشابكت اغصان الاشجار في الاعلى ,من الجانبين لتمنع الرؤيا , وهو يلف بندقيته كطفل صغير خوف الندى ,,, وقد بدا بستان جاره كغابة مجنونه .. فلم يسمح لاحد من الاقتراب من البيت او البستان منذ عامين,,, وقد ظنّ الكثيرون انه يريده لنفسه, لكنه لم يحاول حتى دخوله , وبقي المحصول ملقى على الارض الى ان تلف.
من مضيفه المتواضع الذي اصطبغ سقفه بدخان لزج من الموقد المحفور في الارض ,, كان يسمع هدير الآليات الثقيلة وهي تنسحب صوب الجنوب , وعشرات من المروحيات المنخفضة وهي تكاد تلامس سعف النخيل ,وهو يردد :- بلا رجعه,, بلا رجعه اللهم اهلكهم بجبروتك .
لم يكن حديث ضيوفه من الجيران وهم يحركون ملاعق الشاي وتلك الجلبة التي طالما كرهها ,, لم يكن الحديث سوى عن الشارع العام وقد اكتظ بمئات الاليات الثقيلة والوانها القاتمة حتى اصبح من الصعوبة بمكان صعود الاسفلت وهم يقودون مركباتهم بتلك الطريقة الرعناء... أما هو فلم
يكن يصغي الا الى صوت البراعم وهي تحاول التخلص من اقبية الشتاء التي تحيطها,,,,
في الصباح كان يجلس كعادته متكئ على السياج الطيني يتمتع بأشعة الشمس وهي تتسرب الى اوصاله كتيار كهربائي ,,, وموّال قديم بين شفتيه يردده وكأنه قادم من باطن الشتاء الاخير ,,, ويحاول بيده الثقيلة طرد نحلة اصّرت على الوقوف على وجهه وكأنها تبلغه بنهاية موسم السبات ,,, وأن شجرة الخوخ لن تحتمل الانتظار فأخرجت بعض ازهارها كسرية استطلاع .
فجأة ,, تباطأ الموال بين شفتيه كجهاز تسجيل قديم ,,وفرك عينيه اكثر من مرة وكأنه في حلم ,,, وقد خيل اليه انه رأى ابن جاره الصغير يركض مع الاطفال وقد استقبلوه على رأس الطريق ,,, ارتفعت ضجة الاطفال ومنبه سيارة يطرق اذنيه ,,, لا ليس حلماً انه هو فهذه الشاحنة االبيك اب لصغيرة المحملة بغير ترتيب ببعض اغراض البيوت,, نعم يعرفها انها سيارة جاره,, فقد ذهب ذات يوم مع جاره العزيز الى بغداد لشرائها له.
خانه لسانه الذي بدا كخشبة يابسه ,,فلم يستطع الكلام لكن الدموع التي بللت لحيته البيضاء كانت افصح من كل كلمات الترحيب التي كان ينوي ان يستقبل بها العائدين
منذ بضعة ايام ,,,وعلى الرغم من نسمات كانون شديدة البرودة ,حيث مرورها يسيل الانوف ويسلب خيوط الروح ,,,اخذ يشعر ببراعم غابة الصفصاف تزداد انتفاخا وخضرة, وهي تتدلى بأغصانها على صفحة دجله, وكأنها عذارى تغترف الماء,,, وعلى الرغم من وحشة الاعشاش المتناثرة هنا وهناك بين الاغصان, وبقايا النباتات المتسلقة منذ الصيف المنصرم كخيوط عنكبوت,, ,, كان يسمع اصواتا خجلة لعصافير الدوري الصغيرة وقد ارهقها البرد تعود من جديد, وتناغي بعضها بعضا عبر النهر ,,,حتى بدت له غابة الصفصاف كمدينته المهجّرة وقد بدء الجيران بالعودة شيئا فشيئا حيث دبِّ بعض الامان وروائح صيف في الافق.
في كل ليلة كعادته كان يمر في تلك الطرق النيسميه بين بستانه و بستان جاره الذي هجّرته العصابات التكفيرية,, وهو يشعل بطاريته اليدوية حيث تشابكت اغصان الاشجار في الاعلى ,من الجانبين لتمنع الرؤيا , وهو يلف بندقيته كطفل صغير خوف الندى ,,, وقد بدا بستان جاره كغابة مجنونه .. فلم يسمح لاحد من الاقتراب من البيت او البستان منذ عامين,,, وقد ظنّ الكثيرون انه يريده لنفسه, لكنه لم يحاول حتى دخوله , وبقي المحصول ملقى على الارض الى ان تلف.
من مضيفه المتواضع الذي اصطبغ سقفه بدخان لزج من الموقد المحفور في الارض ,, كان يسمع هدير الآليات الثقيلة وهي تنسحب صوب الجنوب , وعشرات من المروحيات المنخفضة وهي تكاد تلامس سعف النخيل ,وهو يردد :- بلا رجعه,, بلا رجعه اللهم اهلكهم بجبروتك .
لم يكن حديث ضيوفه من الجيران وهم يحركون ملاعق الشاي وتلك الجلبة التي طالما كرهها ,, لم يكن الحديث سوى عن الشارع العام وقد اكتظ بمئات الاليات الثقيلة والوانها القاتمة حتى اصبح من الصعوبة بمكان صعود الاسفلت وهم يقودون مركباتهم بتلك الطريقة الرعناء... أما هو فلم
يكن يصغي الا الى صوت البراعم وهي تحاول التخلص من اقبية الشتاء التي تحيطها,,,,
في الصباح كان يجلس كعادته متكئ على السياج الطيني يتمتع بأشعة الشمس وهي تتسرب الى اوصاله كتيار كهربائي ,,, وموّال قديم بين شفتيه يردده وكأنه قادم من باطن الشتاء الاخير ,,, ويحاول بيده الثقيلة طرد نحلة اصّرت على الوقوف على وجهه وكأنها تبلغه بنهاية موسم السبات ,,, وأن شجرة الخوخ لن تحتمل الانتظار فأخرجت بعض ازهارها كسرية استطلاع .
فجأة ,, تباطأ الموال بين شفتيه كجهاز تسجيل قديم ,,وفرك عينيه اكثر من مرة وكأنه في حلم ,,, وقد خيل اليه انه رأى ابن جاره الصغير يركض مع الاطفال وقد استقبلوه على رأس الطريق ,,, ارتفعت ضجة الاطفال ومنبه سيارة يطرق اذنيه ,,, لا ليس حلماً انه هو فهذه الشاحنة االبيك اب لصغيرة المحملة بغير ترتيب ببعض اغراض البيوت,, نعم يعرفها انها سيارة جاره,, فقد ذهب ذات يوم مع جاره العزيز الى بغداد لشرائها له.
خانه لسانه الذي بدا كخشبة يابسه ,,فلم يستطع الكلام لكن الدموع التي بللت لحيته البيضاء كانت افصح من كل كلمات الترحيب التي كان ينوي ان يستقبل بها العائدين