أبو باقر
11-08-2007, 03:27 AM
وهذا الجزء يأتي على اربعة اقسام ونضع القسم الاول
آية التطهير
وهي قوله تعالى :{ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .
أريد إن أبين هنا بمقدار ما يناسب شيئا من تفسير هذه الآية .
وأول شيء أبدا به هو معنى البيت ؛ في قوله تعالى : {أهل البيت } فهو معنى إضافي حذف طرفه في الآية الكريمة ؛ فهو لم يقل أهل بيت من ؟ فان فيها أطروحتان :
الأطروحة الأولى : أنهم أهل بيت النبي (ص) وهي الأطروحة المشهورة .
الأطروحة الثانية : أنهم أهل بيت الله سبحانه .
وإنا أريد الآن إن أقيم القرائن على نفي الأطروحة الأولى وتعين الثانية ؛ وذلك ضمن خطوات .
الخطوة الأولى : إن نعطي المعنى اللغوي للبيت فالبيت هو ما نسميه باللغة الحديثة الغرفة أو الحجرة . ويسمون الخيمة بيتا ؛ وإما المجموع من البيوت فتسمى دارا ؛ لان الحائط يدور على سائر البيوت .
ويظهر إن النبي (ص) في داره عدة بيوت (غرف) بعدد أزواجه ؛ وكان يأوي في كل ليلة إلى واحدة منهن .
الخطوة الثانية : انه لم يثبت إطلاقا إن للنبي (ص) بيتا خاصا به .
إذن ؛ فما هو الذي يصدق عليه انه بيت رسول الله (ص) ؟ فان ما يسمى بيت رسول الله (ص) فيه عدة احتمالات ؛ وكلها غير صحيحة :
الاحتمال الأول : الدار مجموعا ؛ وهي لا تسمى بيتا بضرورة اللغة .
الاحتمال الثاني : غرفة خاصة به ؛ ولم يثبت إن له غرفة خاصة به ؛ ولو ثبت ذلك لما شاركه فيها احد .
الاحتمال الثالث : بيوت زوجاته . وهي إنما بيوتهن ؛ وليست خاصة به .
فان قلت : فان لفظ ( أهل البيت ) يراد به تمثيل وجود رسول الله (ص) كالخيمة على أهله ؛ وهو تمثيل عرفي ؛ فمن يكون تحت هذه الخيمة فهو من أهل البيت .
قلنا : إن هذا قابل للمناقشة من وجهين :
الوجه الأول : إن هذا معنى مجازي ؛ والحمل على المعنى الحقيقي أولى ؛ ولا يوجد عندنا معنى حقيقي لبيت رسول الله (ص) .
الوجه الثاني : إن خيمته المعنوية غير خاصة بالمعصومين (ع) ؛ بل شاملة لسائر المسلمين والمؤمنين .
فان قلت : فان نسبة البيت إلى الله سبحانه أيضاً مجازية وليست حقيقية .
قلنا : نعم ؛ لاستحالة وجود البيت بالمعنى المادي لله سبحانه وتعالى ؛ فيتعين إن يكون بيته معنويا .
فان قلت : إن بيت رسول الله (ص) المعنوي إذا كان شاملاً لجميع المسلمين ؛ فان بيت الله المعنوي شاملاً لكل الخلق ؛ وليس خاصاً بأحد .
قلنا : نعم ؛ إلا انه يختلف باختلاف المستويات والدرجات ؛ ونستطيع إن نجعل لكل مجموعة بيتا خاصاً بهم ؛ فاخص الخلق أجمعين هم الأحق بالبيت الخاص بهم ؛ وهم الخمسة أهل الكساء .
قد يقال : إننا أن تحدثنا عن النبي (ص) خلال فترة حياته المتأخرة بعد وفاة خديجة (ع) فهذا الذي قلناه صحيح حيث كان في داره عدة بيوت ؛ ويسكن في كل بيت واحدة من أزواجه . إما إذا تحدثنا عنه في عصر وجود خديجة معه فالحال يختلف ؛ حيث انه من الأكيد ؛ ومن ضروريات التاريخ ؛ انه لم يتزوج غيرها إلى إن توفيت ؛ ومعه فقد يكون له بيت مستقل ؛ فيصدق عليه انه بيت رسول الله (ص) .
جوابه : إننا نسأل إن الآية الكريمة ؛ هل أنها نزلت في حياة خديجة (ع) أم بعد وفاتها ؟
وحسب فهمي إن خديجة (ع) ماتت ؛ ثم تزوج النبي (ص) المتعددات ؛ ثم ولد الحسن والحسين (ع) ثم نزلت الآية الكريمة وهذا ينبغي إن يكون واضحاً .
كما انه ينبغي الالتفات إلى إن دار رسول الله (ص) كانت في حركة دائمة ؛ منذ وفات خديجة (ع) ؛ إلى حين وفاته (ص) من حيث الزواج ؛ فلربما كانت تضيق على عدد زوجاته ؛ ويكفي إن نلتفت انه (ص) توفي عن تسع حرائر بالعقد الدائم ؛ أي عن تسع زوجات ؛ فهل كان في داره تسع غرف ؟ كلا طبعاً. وربما يسكن عدة زوجات في غرفة واحدة والمهم انه – مع هذا الحال – لا يمكن إن تكون له غرفة مستقلة .
كما ينبغي الالتفات انه على فرض وجود بيت مستقل له ؛ فهو خاص به لا يسكنه احد غيره . ولا اقل إن يكون نسبة غيره إليه مجازية جزما كائنا من كان ؛ حتى علي وفاطمة (ع) . فنحن إمام مجاز بكل تأكيد ؛ أي بكل محتملات الفهم في الآية . ولا اقل إن يدور الأمر بين اعتبارهم أهل بيت النبي (ص) لحبه لهم ؛ أو أهل بيت الله تعالى لحبه لهم ؛ ودرجاتهم العالية عنده . والثاني أولى ؛ لان النسبة إلى الله تعالى دائما هي الأولى .
فان قلت : انه قد تسمى الدار بيتا مجازا .
قلنا : إن المجاز يحتاج إلى قرينة وهي غير موجودة ؛ واعتقد إن هذا المعنى كان مستنكرا لغة .
فان قلت : إننا نستصحب ذلك استصحابا قهقريا إلى زمان رسول الله (ص) ؛ أي إننا الآن نسمي الدار بيتا ؛ ونشك انه كان كذلك فيما مضى ؛ فنستصحبه استصحابا قهقريا ؛ ونقول انه كذلك في صدر الإسلام ؛ أو في زمن نزول الآية الكريمة .
قلنا : إننا لا نريد إن ندخل في مناقشة الاستصحاب القهقري . وإنما كل ما في الأمر إن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب أصلي معاكس ؛ لان الناس قبل الإسلام كانوا يطلقون لفظ الدار على مجموعة الغرف ؛ ولفظ البيت على الغرفة الواحدة ؛ فهل انتفى ذلك في عصر النبي (ص) أم لا ؟ فنقول انه بقى على هذا الاستعمال ؛ إلى إن نحرز خلافه في العصور المتأخرة عن النبي (ص) ؛حيث اخذ الناس يخطاون ويسمون الدار بيتا .
حينئذ ينتج من ذلك نتيجتان :
النتيجة الأولى : إن أزواج النبي (ص) ليس فيهن واحدة داخلة في مفهوم أهل البيت ؛ وان كن ساكنات معه في داره ؛وذلك لعدة تقريبات ظهرت مما سبق .
منها : إننا لو قبلنا إن له بيت خاص به فليس أحداهن تسكنه .
ومنها : إن كل واحدة من زوجاته هي أهل بيتها ؛ وليس بيتها بيت النبي (ص) .
ومنها : إننا بعد إن قربنا إن المراد بالبيت بيت الله تعالى ؛ فهل هن أهل لهذه النسبة ؟ فمن كانت أهلا لذلك نسبناها ؛ ومن كانت ليست أهلا رفضناها كائنة من كانت .
فانه لم يدع احد عصمتهن ؛ ولم يدع احد عدم صدور الذنوب منهن ؛ فضلا عن صدور ذنوب كبيرة من بعضهن ؛ فهل تكون من قد حاربت إمام زمانها أهلا لان تنسب إلى المقام الأعلى القريب من الله تعالى حتى لو تابت ؛ فلذا قال تعالى : { لا ينال عهدي الظالمين }. أي إن من أذنب في حياته ولو بذنب واحد فانه لا يصلح إن يكون أهلا للإمامة ؛ لان ذلك الذنب يؤثر فيه أثرا يبقى معه طيلة حياته حتى لو تاب . فان عبادة الأصنام أو شرب الخمر أو الزنا ؛ تجعل إمامة من قام بها متعذرة .
النتيجة الثانية : إن {أهل البيت } معنى خاص بأصحاب الكساء الخمسة ؛ لأنهم خير الخلق على الإطلاق ؛ ولا يشمل غيرهم بما فيهم التسعة المعصومون من أولاد الحسين (ع) ؛ وبما فيهم الأنبياء والأولياء السابقون .
مضافا إلى انه توجد الكثير من الروايات الواردة عن النبي (ص) انه يقول : { انها نزلت في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين }.
وإنما قال ذلك لكي لا يخطر في ذهن احد كائنا من كان انه منهم .
إن قلت : انه لا يوجد فيها مفهوم مخالفة ؛ فانه حينما قال : { أنها نزلت في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين } . لم ينف الزائد .
قلنا : إن لسان الحال ياكد على أنها نزلت في هؤلاء فقط ؛ ويقرب ذلك أمران :
الأمر الأول : إن غيرهم أوضح في عدم الانطباق ؛ وذلك لعدم معاصرتهم لرسول الله (ص) .
الأمر الثاني : إن ظاهر الآية هو انطباقها على مصاديق متحققة فعلا ؛ وليس على مصاديق سوف تأتي .
فان قلت : إذا كان المراد بالبيت بيت الله تعالى وليس بيت رسول الله (ص) ؛ فان بيت الله شامل للأزمنة الثلاثة أي الماضي والحاضر والمستقبل ؛ ولا دخل لولادة التسعة المعصومين (ع) . فان لم يكونوا أهل بيت رسول الله (ص) ؛ فهم أهل بيت الله .
قلنا : إننا لابد وان نلتفت إلى الفرق بالقرب الإلهي ؛ بين هؤلاء الخمسة ؛ وهؤلاء التسعة . فان الفرق موجود ؛ ودلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة .
إذن ؛ فإذا كان أهل الكساء (ع) أعلى مراتبه من التسعة المعصومين (ع) ؛ فان بيتهم خاص بهم ؛ ولا يتعدى إليه غيرهم .
فان قلت : إن المعصومين التسعة (ع) إذا خرجوا عن موضوع الآية ؛ فقد خرجوا عن محمولها أيضا . لأنها تقول : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }.فالموضوع هو أهل البيت ؛ والمحمول هو التطهير ؛ فأي واحد قد دخل في الموضوع ؛ فهو داخل في المحمول ؛ أي إذا كان من أهل البيت فهو مطهر وإذا لم يكن منهم فهو ليس بمطهر.
فإذا زعمنا إن التسعة المعصومين (ع) ليسوا من أهل البيت ؛إذن ؛ فهم لا يدخلون في الوعد بالتطهير ؛ فحيث أنهم خارجون موضوعاً ؛ فسوف يكونون خارجين محمولاً .
وهذه النتيجة باطلة أكيدا لأنهم مطهرون أيضا ؛ وشمولهم محمولا من دون إن يكونوا مشمولين موضوعا غير معقول،فماداموا مشمولين محمولا فهم مشمولون موضوعا،إذن نعرف أنهم مندرجون في ضمن أهل البيت.
جوابه:إننا لو اقتصرنا على ظهور الآية فقط ،إذن فأهل البيت هم أهل الكساء (ع) ،وهم المطهرون فقط . ولكننا يمكن إن نقيم أدلة خارجية على عصمة التسعة (ع)،وعلى إمامتهم ، وعلى ولايتهم العامة وعلى وجوب طاعتهم . ومن هنا يتعذر الاستدلال بالآية على عصمتهم ،بل نستدل بعصمتهم على كونهم مشمولين للآية ،وبعد شمولهم بالآية وتطهير يمكن إن نقول أنهم من أهل البيت على مقدار مستواهم من الوجود .
إن قلت :إننا بعد إن قربنا إن المراد (بيت الله)،فبيت الله معنى عرفي ومتشرعي ومفهوم يطلق على المسجد الحرام عامة وعلى الكعبة الشريفة خاصة ،والإلف وإلام اظهر بالعهدية ،فهي عهد إليه .وخاصة بعد إن نلتفت إلى إن البيت المعنوي مجازي ،وهذا المعنى حقيقي ومتسالم على فهمه.
جوابه من أكثر من وجه واحد:
الوجه الأول :إن الأهلية لها سببان ،إما إن للإنسان يد عليه ،وإما إن يكون ساكنا فيه ،والكعبة لم يسكنها احد أكيدا،ولم تكن لأحد يد عليها فهم ليسوا أهل الكعبة بهذا المعنى .
الوجه الثاني :إننا إذا تنزلنا عن ذلك ،وقلنا : بان معنى الأهلية هنا هو الولاية العامة ، فأولياؤها هم المشرفون عليها شرعا .ولكن هذا المعنى مجازي فلماذا لم يقل (أولياءه ). فالأولياء يراد بهم معنى ، والأهل يراد بهم معنى أخر . فإذا قارنا بين المعنيين ،فلابد إن نختار أهل بيت الله المعنوي وليس البيت المادي ،لأنهم ساكنون سكنى معنوية بأنوارهم العليا ،وأرواحهم المقدسة ،في ذلك المكان العالي وليسوا ساكنين بالكعبة ،لا بأجسادهم ولا بأرواحهم .
ويمكن الجمع بين الفكرتين بعد الالتفات إلى فكرة أخرى قد سجلتها في بعض مؤلفاتي{في ما وراء الفقه كتاب الحج } ،وحاصلها بان الكعبة وجود تجريدي رمزي عن التوحيد، فان المعنى المعنوي والتجريدي يحتاج إلى رمز مادي ليكون قريب المنال من العقول القاصرة والمقصرة ،والمادية الدنيوية ،فالكعبة مثال للتوحيد .حينئذ نقول إن المفهومين قد اقترنا ،أي البيت المعنوي لله والبيت المادي له ، فهذا رمز وذاك مرموز إليه ،وكما إن هذا البيت رمز لذلك ، هو رمز عن ساكني ذلك البيت ، وبتعبير آخر كما إن الكعبة رمز عن التوحيد ،هي رمز عن الموحدين أيضاً .
فان قلت :انه قد ورد متواترا قول النبي (ص):{سلمان منا أهل البيت }.ثم نضم إلى ذلك مقدمة أخرى ، وهي إن التسعة المعصومين (ع) أفضل من سلمان الفارسي ،ثم نضم إلى ذلك مقدمة ثالثة ،وهي إن ما عند الأدنى عند الأعلى مع زيادة .فان كان سلمان (رض)من أهل البيت ،فان التسعة المعصومين (ع)منهم من باب الأولوية .مع العلم إن ظاهر الكلام السابق أنهم ليسوا من أهل البيت ،وان هذا العنوان خاص بأصحاب الكساء الخمسة(ع).
قلنا :إن هذا يمكن الإجابة عليه من عدة وجوه :
الوجه الأول :إننا نفهم إن سلمان من أهل البيت (ع)من السنة ،لا إننا نفهمه من الكتاب ،إلا في صورة واحدة و هي إننا نجد إن الرواية شارحة ومفسرة للآية الكريمة .وإذا لم تكن مفسرة للآية ،فإننا نفهم إن سلمان من أهل البيت بإخبار الرواية بذلك كما قلنا .
فان أصحاب الكساء قد دل عليهم الكتاب أنهم من أهل البيت ،وإما الباقون بما فيهم التسعة المعصومين وسلمان،ولربما آخرين .فقد دلت عليهم السنة أنهم كذلك .
الوجه الثاني :انه يمكن إن نقول كما قلنا :إن نفس هذا العنوان إذا فهمناه بمعنى أوسع ،فسوف تكون له حصص ودرجات عديدة ،أو إننا نقول فيه بالتشكيك باصطلاح المنطق وعلم الأصول .
حينئذ ماذا نفهم من {أهل البيت }في الآية ؟ هل نفهم مطلق الأهل أم الأهل المطلق ؟ فمطلق الأهل أي جميع حصص ودرجات {أهل البيت } ،والأهل المطلق ،أي الحصة الأرقى ،والدرجة العالية من هذا العنوان .
فإذا فهمنا من ذلك مطلق الأهل ، فانه يشمل الجميع ،بما فيهم أصحاب العصمة الثانوية من الأولياء ،ويكون مقتضى الإطلاق ذلك .لكنهم قالوا في علم الأصول : بان الإطلاق ينصرف إلى أكمل الإفراد ، ومن جملة تطبيقات ذلك ،إن أكمل الإفراد لظهور صيغة الأمر هو الوجوب ،فمقتضى إطلاق صيغة الأمر الوجوب .
حينئذ نقول :إن أكمل الإفراد في {أهل البيت }هم أعلى تطبيقات وحصص وإشكال أهل البيت (ع) ، وأعلى الحصص ليس أكثر من خمسة ، لأنهم خير الخلق على الإطلاق ،ثم التسعة المعصومون (ع)بدرجة أدنى من أهل الكساء ،ثم سلمان (رض )بدرجة أدنى من التسعة المعصومين (ع) ،وهكذا .
مضافا إلى إن دليل أهل الكساء هو القرآن ،وهو أعلى درجة من دليل الباقين الذي هو السنة .
فان قلت :إن عددا من الروايات قد وردت ،تنص على اقتران نزول الآية ،بحادثة الكساء ،وهي كثرة ومستفيضة، ومتواترة ،وفيها يقول النبي (ص) :اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وخاصتي ،فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،وكذلك ورد في بعض الزيارات : {يا أهل بيت النبوة }إذن فكيف نقول :إن المراد هو بيت الله ؟
جوابه من أكثر من وجه:
الوجه الأول :انه لا منافاة بين الأمرين ،فهم أهل بيت الله وأهل بيت النبي (ص)،لأنه لا منافاة بين الله وبين نبيه (ص) .
الوجه الثاني :انه من باب {كلم الناس على قدر عقولهم }فلو قال :أهل بيت الله ،فهل يفهم احد كلامه ؟
الوجه الثالث :انه حينما يقول أهل بيتي ،فليس لكلامه مفهوم مخالفة ،أي انه لا ينفي غيره الذي هو أهل بيت الله.
وفي بعض تلك الروايات عن أبي سعيد الخدري ،قال :قال رسول الله (ص):{نزلت هذه الآية في خمسة : في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين ،إنما يريد الله }الحديث ،وهذا يخرج أي واحد من الآخرين ،بما فيهم زوجات النبي (ص) وبما فيهم التسعة المعصومين (ع) المتأخرين من أولاد الحسين (ع) . وإنما نعتبرهم من أهل البيت (ع) باعتبار الدليل على إمامتهم كما سبق ؛ ولن يكونوا في نفس المنزلة ؛ لان البيت الإلهي ذو درجات ؛ كما قال الله تعالى :{ رفيع الدرجات ذو العرش }.
ولو كانت الآية شاملة للزوجات ؛ أو خاصة بهن ؛ لكن مشمولات لقوله (ص) وهو خبر متواتر من الفريقين : { إلا إني تركت فيكم الثقلين ؛ احدهما : كتاب الله ؛ من اتبعه كان على هدى ؛ ومن تركه كان على ضلالة ؛ ثم أهل بيتي ؛ أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات }. ولم يقل بشمولها للزوجات احد ،فيلزم من بطلان التالي بطلان المقدم . وإنما يذكر المجتمع بأهل بيته باعتبار علمه بظلمهم بعده ولم تظلم بعده إحدى زوجاته إطلاقا .
الخطوة الأخرى بهذا الصدد : إن الآية الكريمة لو كان مرادها أهل بيت النبي (ص) ،للزم خروج النبي (ص) نفسه عنهم . فلو قلت : أولاد ادم ، لم يشمل ادم ،ولو قلت : ال النبي ، لم يشمل النبي ، ولو قلت بني تميم لم يشمل جدهم تميم نفسه . فأهل بيت النبي (ص) غيره وليس هو منهم . وهذا غير محتمل إطلاقا ، فهو من المقدسين بهذه الدرجة ، فنفهم من بطلان التالي بطلان المقدم .إذن فلا يراد من أهل البيت في الآية أهل بيت النبي (ص) ،وإنما يراد أهل بيت الله .
فان قلت :إن أهل بيت النبي (ص) غيره ، ولكنه قد دخل معهم بالأولوية .
قلنا : كلا ،بل هو خارج تكوينا ولغة ،ومعنى ذلك إن قداسته ورفعة شانه ليست ناشئة من كونه من أهل البيت (ع) ،مع العلم انه مندرج في الآية بضرورة الدين ،وهو ولى من يندرج في الآية .
الفكرة الأخرى التي أود إن أتعرض لها : إن لفظ {أهل البيت }ورد في القران مرتين :في هذه الآية ،وفي قوله تعالى :{أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت }وذلك حينما بشرت زوجة إبراهيم (ع) بولد ،فقالت :{أألد وانأ عجوز وهذا بعلي شيخا }فأجابوها بذلك الجواب .
فإننا نقول هنا بان المراد من أهل البيت ،هم أهل الكساء ،وليس هذا المرأة .
فان قلت :إن القرينة المتصلة تقتضي إن يكون المراد من أهل البيت هم أهل بيت إبراهيم (ع) ،لان المخاطبة هي زوجته ، ولا يحتمل صرف الخطاب من المخاطب إلى أشخاص سوف يولدون بعد الإلف السنين ،والذين هم أهل الكساء .
جوابه من عدة مستويات :
المستوى الأول :إن القرينة المتصلة في الآية على نفيه وعلى خلافه ،فان من يعترض على بإشارة الملائكة ، ويتعجب من أمر الله ،وهو بوحي من الله قطعا ،هل يصلح لان يكون من أهل البيت ،وان تكون تلك المرأة هي المخاطبة بذلك الخطاب ؟حاشا لعدل الله إن يكون ذلك .
المستوى الثاني :إن نقول ولو أحتما لا ،إن عملا تخريبيا قد أنجز خلال التاريخ ،وهو وضع الآيات الخاصة بأهل الحق بين قرائن مغلوطة ،لكي تنسب إلى غير أهلها ،كما نسبوا هذه الآية إلى أهل إبراهيم ،ونسبوا تلك الآية إلى نساء النبي (ص) .وهذا ليس قولا بالتخريف الذي هو معنى النقيصة ،وإنما هو قول بتغير محل بعض الآيات .
فمن المحتمل إن هذه القرينة المتصلة ليست بقرينة أصلا ،ولم تنزل وحيا هكذا. فتتوقف دعواهم على يقينية القرينة .فلا يمكن القول بذلك ،لاحتمال الفصل بالوحي بين الآيتين .والاحتمال مبطل للاستدلال .
المستوى الثالث :إنني قلت في بحث التفسير بان هناك اتجاها هو اقرب إلى الاتجاه الباطني في تفسير القران الكريم ،وهو التفسير ألتجزيئي للقران ،أي إن نأخذ كل لفظ وكأنه نزل وحده فنفهمه ،من دون استعمال القرائن المتصلة . إذن فانتفت القرينة المتصلة ،لأننا نفهم أهل البيت كأنها نزلت وحدها .
ولكن الإشكال في حجية الفهم ألتجزيئي للقران ،فإننا ظاهرا وفقهيا لا نعتبره حجة ، فحينئذ إما إن نشهد بصحة الباطن الذي يبتني عليه هذا الوجه وإما إن نلزمهم بما التزم به كبائرهم من المتصرفة اعني بصحة الفهم ألتجزيئي .
المستوى الرابع : إننا لو تنزلنا عن ذلك ؛ أمكننا إن نفهم أطروحات أخرى غير أنهم : أهل بيت النبي (ص) أو أهل بيت الله . وإنما هم أهل بيت إبراهيم (ع) لأنه أبو المسلمين ؛ وأبو النبي (ص) . غاية الأمر إننا نحتاج هنا إلى مقدمتين :
المقدمة الأولى : إن يراد ببيت إبراهيم البيت المعنوي لا المادي .
المقدمة الثانية : إن يراد بأهله أهم من يمكن فيه ذلك ؛ وهم ليسوا سكانه السابقين كزوجته وغيرها . وإنما هم أيضا أهل الكساء ؛ إلا إن هذا غير ممكن ؛ لان أهل البيت أفضل من صاحب البيت ؛ وهذا غير محتمل . مضافا إلى البعد ألزماني بين إبراهيم ؛ وبين أصحاب الكساء .
الأطروحة الأخرى المحتملة : إن يكون أهل بيت علي (ع) بعد التنزل عن الأطروحات السابقة ؛ وهذا أيضا يحتاج إلى مقدمتين :
الأولى : ما عرفناه من انه لا يوجد لرسول الله (ص) بيت ينسب الآخرون إليه .
الثانية : قرينيه حديث الكساء ، وهو نص بان أهل الكساء هم خمسة ، كما انه نص على نزول الآية فيهم .
ومعه فنحن تاريخيا نعرف إن حادثة الكساء حدثت في بيت علي (ع) وان أربعة منهم هم أهل بيت علي (ع) نفسه ، ولا يبقى إلا النبي (ص) ، وهو أولى بانطباق الصفة عليه منهم لأنه خيرهم .
مضافا إلى إن رسول الله (ص) كان يزورهم صباحا ومساءا ، فيصدق ظاهرا وباطنا ، إن بيت علي (ع) هو بيت النبي (ص) ومعه تخرج زوجات النبي (ص) يقينا ، لأنهن غير ساكنات في بيت علي (ع) كما إننا يمكن إن ندخل التسعة المعصومين (عليهم السلام ) مجازا في الدرجة الثانية بعد أهل الكساء . وانأ اعتقد إن بيت علي (ع) بيت واحد أي غرفة واحدة يسكنون كلهم فيها ( في المدينة ) ، ويقرب ذلك طريقة زواجه سلام الله عليه ، ومقدار الزهد المدقع الذي تزوج به ، وإنما اكتسب أهميته معنويا لا ماديا .
فان قلت : فماذا نقول في قوله (ص) { سلمان منا أهل البيت }؟ .
قلنا : انه من أهل البيت إلحاقا وتنزيلا ، أيا كان البيت المقصود .
آية التطهير
وهي قوله تعالى :{ إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .
أريد إن أبين هنا بمقدار ما يناسب شيئا من تفسير هذه الآية .
وأول شيء أبدا به هو معنى البيت ؛ في قوله تعالى : {أهل البيت } فهو معنى إضافي حذف طرفه في الآية الكريمة ؛ فهو لم يقل أهل بيت من ؟ فان فيها أطروحتان :
الأطروحة الأولى : أنهم أهل بيت النبي (ص) وهي الأطروحة المشهورة .
الأطروحة الثانية : أنهم أهل بيت الله سبحانه .
وإنا أريد الآن إن أقيم القرائن على نفي الأطروحة الأولى وتعين الثانية ؛ وذلك ضمن خطوات .
الخطوة الأولى : إن نعطي المعنى اللغوي للبيت فالبيت هو ما نسميه باللغة الحديثة الغرفة أو الحجرة . ويسمون الخيمة بيتا ؛ وإما المجموع من البيوت فتسمى دارا ؛ لان الحائط يدور على سائر البيوت .
ويظهر إن النبي (ص) في داره عدة بيوت (غرف) بعدد أزواجه ؛ وكان يأوي في كل ليلة إلى واحدة منهن .
الخطوة الثانية : انه لم يثبت إطلاقا إن للنبي (ص) بيتا خاصا به .
إذن ؛ فما هو الذي يصدق عليه انه بيت رسول الله (ص) ؟ فان ما يسمى بيت رسول الله (ص) فيه عدة احتمالات ؛ وكلها غير صحيحة :
الاحتمال الأول : الدار مجموعا ؛ وهي لا تسمى بيتا بضرورة اللغة .
الاحتمال الثاني : غرفة خاصة به ؛ ولم يثبت إن له غرفة خاصة به ؛ ولو ثبت ذلك لما شاركه فيها احد .
الاحتمال الثالث : بيوت زوجاته . وهي إنما بيوتهن ؛ وليست خاصة به .
فان قلت : فان لفظ ( أهل البيت ) يراد به تمثيل وجود رسول الله (ص) كالخيمة على أهله ؛ وهو تمثيل عرفي ؛ فمن يكون تحت هذه الخيمة فهو من أهل البيت .
قلنا : إن هذا قابل للمناقشة من وجهين :
الوجه الأول : إن هذا معنى مجازي ؛ والحمل على المعنى الحقيقي أولى ؛ ولا يوجد عندنا معنى حقيقي لبيت رسول الله (ص) .
الوجه الثاني : إن خيمته المعنوية غير خاصة بالمعصومين (ع) ؛ بل شاملة لسائر المسلمين والمؤمنين .
فان قلت : فان نسبة البيت إلى الله سبحانه أيضاً مجازية وليست حقيقية .
قلنا : نعم ؛ لاستحالة وجود البيت بالمعنى المادي لله سبحانه وتعالى ؛ فيتعين إن يكون بيته معنويا .
فان قلت : إن بيت رسول الله (ص) المعنوي إذا كان شاملاً لجميع المسلمين ؛ فان بيت الله المعنوي شاملاً لكل الخلق ؛ وليس خاصاً بأحد .
قلنا : نعم ؛ إلا انه يختلف باختلاف المستويات والدرجات ؛ ونستطيع إن نجعل لكل مجموعة بيتا خاصاً بهم ؛ فاخص الخلق أجمعين هم الأحق بالبيت الخاص بهم ؛ وهم الخمسة أهل الكساء .
قد يقال : إننا أن تحدثنا عن النبي (ص) خلال فترة حياته المتأخرة بعد وفاة خديجة (ع) فهذا الذي قلناه صحيح حيث كان في داره عدة بيوت ؛ ويسكن في كل بيت واحدة من أزواجه . إما إذا تحدثنا عنه في عصر وجود خديجة معه فالحال يختلف ؛ حيث انه من الأكيد ؛ ومن ضروريات التاريخ ؛ انه لم يتزوج غيرها إلى إن توفيت ؛ ومعه فقد يكون له بيت مستقل ؛ فيصدق عليه انه بيت رسول الله (ص) .
جوابه : إننا نسأل إن الآية الكريمة ؛ هل أنها نزلت في حياة خديجة (ع) أم بعد وفاتها ؟
وحسب فهمي إن خديجة (ع) ماتت ؛ ثم تزوج النبي (ص) المتعددات ؛ ثم ولد الحسن والحسين (ع) ثم نزلت الآية الكريمة وهذا ينبغي إن يكون واضحاً .
كما انه ينبغي الالتفات إلى إن دار رسول الله (ص) كانت في حركة دائمة ؛ منذ وفات خديجة (ع) ؛ إلى حين وفاته (ص) من حيث الزواج ؛ فلربما كانت تضيق على عدد زوجاته ؛ ويكفي إن نلتفت انه (ص) توفي عن تسع حرائر بالعقد الدائم ؛ أي عن تسع زوجات ؛ فهل كان في داره تسع غرف ؟ كلا طبعاً. وربما يسكن عدة زوجات في غرفة واحدة والمهم انه – مع هذا الحال – لا يمكن إن تكون له غرفة مستقلة .
كما ينبغي الالتفات انه على فرض وجود بيت مستقل له ؛ فهو خاص به لا يسكنه احد غيره . ولا اقل إن يكون نسبة غيره إليه مجازية جزما كائنا من كان ؛ حتى علي وفاطمة (ع) . فنحن إمام مجاز بكل تأكيد ؛ أي بكل محتملات الفهم في الآية . ولا اقل إن يدور الأمر بين اعتبارهم أهل بيت النبي (ص) لحبه لهم ؛ أو أهل بيت الله تعالى لحبه لهم ؛ ودرجاتهم العالية عنده . والثاني أولى ؛ لان النسبة إلى الله تعالى دائما هي الأولى .
فان قلت : انه قد تسمى الدار بيتا مجازا .
قلنا : إن المجاز يحتاج إلى قرينة وهي غير موجودة ؛ واعتقد إن هذا المعنى كان مستنكرا لغة .
فان قلت : إننا نستصحب ذلك استصحابا قهقريا إلى زمان رسول الله (ص) ؛ أي إننا الآن نسمي الدار بيتا ؛ ونشك انه كان كذلك فيما مضى ؛ فنستصحبه استصحابا قهقريا ؛ ونقول انه كذلك في صدر الإسلام ؛ أو في زمن نزول الآية الكريمة .
قلنا : إننا لا نريد إن ندخل في مناقشة الاستصحاب القهقري . وإنما كل ما في الأمر إن هذا الاستصحاب معارض باستصحاب أصلي معاكس ؛ لان الناس قبل الإسلام كانوا يطلقون لفظ الدار على مجموعة الغرف ؛ ولفظ البيت على الغرفة الواحدة ؛ فهل انتفى ذلك في عصر النبي (ص) أم لا ؟ فنقول انه بقى على هذا الاستعمال ؛ إلى إن نحرز خلافه في العصور المتأخرة عن النبي (ص) ؛حيث اخذ الناس يخطاون ويسمون الدار بيتا .
حينئذ ينتج من ذلك نتيجتان :
النتيجة الأولى : إن أزواج النبي (ص) ليس فيهن واحدة داخلة في مفهوم أهل البيت ؛ وان كن ساكنات معه في داره ؛وذلك لعدة تقريبات ظهرت مما سبق .
منها : إننا لو قبلنا إن له بيت خاص به فليس أحداهن تسكنه .
ومنها : إن كل واحدة من زوجاته هي أهل بيتها ؛ وليس بيتها بيت النبي (ص) .
ومنها : إننا بعد إن قربنا إن المراد بالبيت بيت الله تعالى ؛ فهل هن أهل لهذه النسبة ؟ فمن كانت أهلا لذلك نسبناها ؛ ومن كانت ليست أهلا رفضناها كائنة من كانت .
فانه لم يدع احد عصمتهن ؛ ولم يدع احد عدم صدور الذنوب منهن ؛ فضلا عن صدور ذنوب كبيرة من بعضهن ؛ فهل تكون من قد حاربت إمام زمانها أهلا لان تنسب إلى المقام الأعلى القريب من الله تعالى حتى لو تابت ؛ فلذا قال تعالى : { لا ينال عهدي الظالمين }. أي إن من أذنب في حياته ولو بذنب واحد فانه لا يصلح إن يكون أهلا للإمامة ؛ لان ذلك الذنب يؤثر فيه أثرا يبقى معه طيلة حياته حتى لو تاب . فان عبادة الأصنام أو شرب الخمر أو الزنا ؛ تجعل إمامة من قام بها متعذرة .
النتيجة الثانية : إن {أهل البيت } معنى خاص بأصحاب الكساء الخمسة ؛ لأنهم خير الخلق على الإطلاق ؛ ولا يشمل غيرهم بما فيهم التسعة المعصومون من أولاد الحسين (ع) ؛ وبما فيهم الأنبياء والأولياء السابقون .
مضافا إلى انه توجد الكثير من الروايات الواردة عن النبي (ص) انه يقول : { انها نزلت في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين }.
وإنما قال ذلك لكي لا يخطر في ذهن احد كائنا من كان انه منهم .
إن قلت : انه لا يوجد فيها مفهوم مخالفة ؛ فانه حينما قال : { أنها نزلت في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين } . لم ينف الزائد .
قلنا : إن لسان الحال ياكد على أنها نزلت في هؤلاء فقط ؛ ويقرب ذلك أمران :
الأمر الأول : إن غيرهم أوضح في عدم الانطباق ؛ وذلك لعدم معاصرتهم لرسول الله (ص) .
الأمر الثاني : إن ظاهر الآية هو انطباقها على مصاديق متحققة فعلا ؛ وليس على مصاديق سوف تأتي .
فان قلت : إذا كان المراد بالبيت بيت الله تعالى وليس بيت رسول الله (ص) ؛ فان بيت الله شامل للأزمنة الثلاثة أي الماضي والحاضر والمستقبل ؛ ولا دخل لولادة التسعة المعصومين (ع) . فان لم يكونوا أهل بيت رسول الله (ص) ؛ فهم أهل بيت الله .
قلنا : إننا لابد وان نلتفت إلى الفرق بالقرب الإلهي ؛ بين هؤلاء الخمسة ؛ وهؤلاء التسعة . فان الفرق موجود ؛ ودلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة .
إذن ؛ فإذا كان أهل الكساء (ع) أعلى مراتبه من التسعة المعصومين (ع) ؛ فان بيتهم خاص بهم ؛ ولا يتعدى إليه غيرهم .
فان قلت : إن المعصومين التسعة (ع) إذا خرجوا عن موضوع الآية ؛ فقد خرجوا عن محمولها أيضا . لأنها تقول : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }.فالموضوع هو أهل البيت ؛ والمحمول هو التطهير ؛ فأي واحد قد دخل في الموضوع ؛ فهو داخل في المحمول ؛ أي إذا كان من أهل البيت فهو مطهر وإذا لم يكن منهم فهو ليس بمطهر.
فإذا زعمنا إن التسعة المعصومين (ع) ليسوا من أهل البيت ؛إذن ؛ فهم لا يدخلون في الوعد بالتطهير ؛ فحيث أنهم خارجون موضوعاً ؛ فسوف يكونون خارجين محمولاً .
وهذه النتيجة باطلة أكيدا لأنهم مطهرون أيضا ؛ وشمولهم محمولا من دون إن يكونوا مشمولين موضوعا غير معقول،فماداموا مشمولين محمولا فهم مشمولون موضوعا،إذن نعرف أنهم مندرجون في ضمن أهل البيت.
جوابه:إننا لو اقتصرنا على ظهور الآية فقط ،إذن فأهل البيت هم أهل الكساء (ع) ،وهم المطهرون فقط . ولكننا يمكن إن نقيم أدلة خارجية على عصمة التسعة (ع)،وعلى إمامتهم ، وعلى ولايتهم العامة وعلى وجوب طاعتهم . ومن هنا يتعذر الاستدلال بالآية على عصمتهم ،بل نستدل بعصمتهم على كونهم مشمولين للآية ،وبعد شمولهم بالآية وتطهير يمكن إن نقول أنهم من أهل البيت على مقدار مستواهم من الوجود .
إن قلت :إننا بعد إن قربنا إن المراد (بيت الله)،فبيت الله معنى عرفي ومتشرعي ومفهوم يطلق على المسجد الحرام عامة وعلى الكعبة الشريفة خاصة ،والإلف وإلام اظهر بالعهدية ،فهي عهد إليه .وخاصة بعد إن نلتفت إلى إن البيت المعنوي مجازي ،وهذا المعنى حقيقي ومتسالم على فهمه.
جوابه من أكثر من وجه واحد:
الوجه الأول :إن الأهلية لها سببان ،إما إن للإنسان يد عليه ،وإما إن يكون ساكنا فيه ،والكعبة لم يسكنها احد أكيدا،ولم تكن لأحد يد عليها فهم ليسوا أهل الكعبة بهذا المعنى .
الوجه الثاني :إننا إذا تنزلنا عن ذلك ،وقلنا : بان معنى الأهلية هنا هو الولاية العامة ، فأولياؤها هم المشرفون عليها شرعا .ولكن هذا المعنى مجازي فلماذا لم يقل (أولياءه ). فالأولياء يراد بهم معنى ، والأهل يراد بهم معنى أخر . فإذا قارنا بين المعنيين ،فلابد إن نختار أهل بيت الله المعنوي وليس البيت المادي ،لأنهم ساكنون سكنى معنوية بأنوارهم العليا ،وأرواحهم المقدسة ،في ذلك المكان العالي وليسوا ساكنين بالكعبة ،لا بأجسادهم ولا بأرواحهم .
ويمكن الجمع بين الفكرتين بعد الالتفات إلى فكرة أخرى قد سجلتها في بعض مؤلفاتي{في ما وراء الفقه كتاب الحج } ،وحاصلها بان الكعبة وجود تجريدي رمزي عن التوحيد، فان المعنى المعنوي والتجريدي يحتاج إلى رمز مادي ليكون قريب المنال من العقول القاصرة والمقصرة ،والمادية الدنيوية ،فالكعبة مثال للتوحيد .حينئذ نقول إن المفهومين قد اقترنا ،أي البيت المعنوي لله والبيت المادي له ، فهذا رمز وذاك مرموز إليه ،وكما إن هذا البيت رمز لذلك ، هو رمز عن ساكني ذلك البيت ، وبتعبير آخر كما إن الكعبة رمز عن التوحيد ،هي رمز عن الموحدين أيضاً .
فان قلت :انه قد ورد متواترا قول النبي (ص):{سلمان منا أهل البيت }.ثم نضم إلى ذلك مقدمة أخرى ، وهي إن التسعة المعصومين (ع) أفضل من سلمان الفارسي ،ثم نضم إلى ذلك مقدمة ثالثة ،وهي إن ما عند الأدنى عند الأعلى مع زيادة .فان كان سلمان (رض)من أهل البيت ،فان التسعة المعصومين (ع)منهم من باب الأولوية .مع العلم إن ظاهر الكلام السابق أنهم ليسوا من أهل البيت ،وان هذا العنوان خاص بأصحاب الكساء الخمسة(ع).
قلنا :إن هذا يمكن الإجابة عليه من عدة وجوه :
الوجه الأول :إننا نفهم إن سلمان من أهل البيت (ع)من السنة ،لا إننا نفهمه من الكتاب ،إلا في صورة واحدة و هي إننا نجد إن الرواية شارحة ومفسرة للآية الكريمة .وإذا لم تكن مفسرة للآية ،فإننا نفهم إن سلمان من أهل البيت بإخبار الرواية بذلك كما قلنا .
فان أصحاب الكساء قد دل عليهم الكتاب أنهم من أهل البيت ،وإما الباقون بما فيهم التسعة المعصومين وسلمان،ولربما آخرين .فقد دلت عليهم السنة أنهم كذلك .
الوجه الثاني :انه يمكن إن نقول كما قلنا :إن نفس هذا العنوان إذا فهمناه بمعنى أوسع ،فسوف تكون له حصص ودرجات عديدة ،أو إننا نقول فيه بالتشكيك باصطلاح المنطق وعلم الأصول .
حينئذ ماذا نفهم من {أهل البيت }في الآية ؟ هل نفهم مطلق الأهل أم الأهل المطلق ؟ فمطلق الأهل أي جميع حصص ودرجات {أهل البيت } ،والأهل المطلق ،أي الحصة الأرقى ،والدرجة العالية من هذا العنوان .
فإذا فهمنا من ذلك مطلق الأهل ، فانه يشمل الجميع ،بما فيهم أصحاب العصمة الثانوية من الأولياء ،ويكون مقتضى الإطلاق ذلك .لكنهم قالوا في علم الأصول : بان الإطلاق ينصرف إلى أكمل الإفراد ، ومن جملة تطبيقات ذلك ،إن أكمل الإفراد لظهور صيغة الأمر هو الوجوب ،فمقتضى إطلاق صيغة الأمر الوجوب .
حينئذ نقول :إن أكمل الإفراد في {أهل البيت }هم أعلى تطبيقات وحصص وإشكال أهل البيت (ع) ، وأعلى الحصص ليس أكثر من خمسة ، لأنهم خير الخلق على الإطلاق ،ثم التسعة المعصومون (ع)بدرجة أدنى من أهل الكساء ،ثم سلمان (رض )بدرجة أدنى من التسعة المعصومين (ع) ،وهكذا .
مضافا إلى إن دليل أهل الكساء هو القرآن ،وهو أعلى درجة من دليل الباقين الذي هو السنة .
فان قلت :إن عددا من الروايات قد وردت ،تنص على اقتران نزول الآية ،بحادثة الكساء ،وهي كثرة ومستفيضة، ومتواترة ،وفيها يقول النبي (ص) :اللهم هؤلاء أهل بيتي ، وخاصتي ،فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،وكذلك ورد في بعض الزيارات : {يا أهل بيت النبوة }إذن فكيف نقول :إن المراد هو بيت الله ؟
جوابه من أكثر من وجه:
الوجه الأول :انه لا منافاة بين الأمرين ،فهم أهل بيت الله وأهل بيت النبي (ص)،لأنه لا منافاة بين الله وبين نبيه (ص) .
الوجه الثاني :انه من باب {كلم الناس على قدر عقولهم }فلو قال :أهل بيت الله ،فهل يفهم احد كلامه ؟
الوجه الثالث :انه حينما يقول أهل بيتي ،فليس لكلامه مفهوم مخالفة ،أي انه لا ينفي غيره الذي هو أهل بيت الله.
وفي بعض تلك الروايات عن أبي سعيد الخدري ،قال :قال رسول الله (ص):{نزلت هذه الآية في خمسة : في وفي علي وفاطمة والحسن والحسين ،إنما يريد الله }الحديث ،وهذا يخرج أي واحد من الآخرين ،بما فيهم زوجات النبي (ص) وبما فيهم التسعة المعصومين (ع) المتأخرين من أولاد الحسين (ع) . وإنما نعتبرهم من أهل البيت (ع) باعتبار الدليل على إمامتهم كما سبق ؛ ولن يكونوا في نفس المنزلة ؛ لان البيت الإلهي ذو درجات ؛ كما قال الله تعالى :{ رفيع الدرجات ذو العرش }.
ولو كانت الآية شاملة للزوجات ؛ أو خاصة بهن ؛ لكن مشمولات لقوله (ص) وهو خبر متواتر من الفريقين : { إلا إني تركت فيكم الثقلين ؛ احدهما : كتاب الله ؛ من اتبعه كان على هدى ؛ ومن تركه كان على ضلالة ؛ ثم أهل بيتي ؛ أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات }. ولم يقل بشمولها للزوجات احد ،فيلزم من بطلان التالي بطلان المقدم . وإنما يذكر المجتمع بأهل بيته باعتبار علمه بظلمهم بعده ولم تظلم بعده إحدى زوجاته إطلاقا .
الخطوة الأخرى بهذا الصدد : إن الآية الكريمة لو كان مرادها أهل بيت النبي (ص) ،للزم خروج النبي (ص) نفسه عنهم . فلو قلت : أولاد ادم ، لم يشمل ادم ،ولو قلت : ال النبي ، لم يشمل النبي ، ولو قلت بني تميم لم يشمل جدهم تميم نفسه . فأهل بيت النبي (ص) غيره وليس هو منهم . وهذا غير محتمل إطلاقا ، فهو من المقدسين بهذه الدرجة ، فنفهم من بطلان التالي بطلان المقدم .إذن فلا يراد من أهل البيت في الآية أهل بيت النبي (ص) ،وإنما يراد أهل بيت الله .
فان قلت :إن أهل بيت النبي (ص) غيره ، ولكنه قد دخل معهم بالأولوية .
قلنا : كلا ،بل هو خارج تكوينا ولغة ،ومعنى ذلك إن قداسته ورفعة شانه ليست ناشئة من كونه من أهل البيت (ع) ،مع العلم انه مندرج في الآية بضرورة الدين ،وهو ولى من يندرج في الآية .
الفكرة الأخرى التي أود إن أتعرض لها : إن لفظ {أهل البيت }ورد في القران مرتين :في هذه الآية ،وفي قوله تعالى :{أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت }وذلك حينما بشرت زوجة إبراهيم (ع) بولد ،فقالت :{أألد وانأ عجوز وهذا بعلي شيخا }فأجابوها بذلك الجواب .
فإننا نقول هنا بان المراد من أهل البيت ،هم أهل الكساء ،وليس هذا المرأة .
فان قلت :إن القرينة المتصلة تقتضي إن يكون المراد من أهل البيت هم أهل بيت إبراهيم (ع) ،لان المخاطبة هي زوجته ، ولا يحتمل صرف الخطاب من المخاطب إلى أشخاص سوف يولدون بعد الإلف السنين ،والذين هم أهل الكساء .
جوابه من عدة مستويات :
المستوى الأول :إن القرينة المتصلة في الآية على نفيه وعلى خلافه ،فان من يعترض على بإشارة الملائكة ، ويتعجب من أمر الله ،وهو بوحي من الله قطعا ،هل يصلح لان يكون من أهل البيت ،وان تكون تلك المرأة هي المخاطبة بذلك الخطاب ؟حاشا لعدل الله إن يكون ذلك .
المستوى الثاني :إن نقول ولو أحتما لا ،إن عملا تخريبيا قد أنجز خلال التاريخ ،وهو وضع الآيات الخاصة بأهل الحق بين قرائن مغلوطة ،لكي تنسب إلى غير أهلها ،كما نسبوا هذه الآية إلى أهل إبراهيم ،ونسبوا تلك الآية إلى نساء النبي (ص) .وهذا ليس قولا بالتخريف الذي هو معنى النقيصة ،وإنما هو قول بتغير محل بعض الآيات .
فمن المحتمل إن هذه القرينة المتصلة ليست بقرينة أصلا ،ولم تنزل وحيا هكذا. فتتوقف دعواهم على يقينية القرينة .فلا يمكن القول بذلك ،لاحتمال الفصل بالوحي بين الآيتين .والاحتمال مبطل للاستدلال .
المستوى الثالث :إنني قلت في بحث التفسير بان هناك اتجاها هو اقرب إلى الاتجاه الباطني في تفسير القران الكريم ،وهو التفسير ألتجزيئي للقران ،أي إن نأخذ كل لفظ وكأنه نزل وحده فنفهمه ،من دون استعمال القرائن المتصلة . إذن فانتفت القرينة المتصلة ،لأننا نفهم أهل البيت كأنها نزلت وحدها .
ولكن الإشكال في حجية الفهم ألتجزيئي للقران ،فإننا ظاهرا وفقهيا لا نعتبره حجة ، فحينئذ إما إن نشهد بصحة الباطن الذي يبتني عليه هذا الوجه وإما إن نلزمهم بما التزم به كبائرهم من المتصرفة اعني بصحة الفهم ألتجزيئي .
المستوى الرابع : إننا لو تنزلنا عن ذلك ؛ أمكننا إن نفهم أطروحات أخرى غير أنهم : أهل بيت النبي (ص) أو أهل بيت الله . وإنما هم أهل بيت إبراهيم (ع) لأنه أبو المسلمين ؛ وأبو النبي (ص) . غاية الأمر إننا نحتاج هنا إلى مقدمتين :
المقدمة الأولى : إن يراد ببيت إبراهيم البيت المعنوي لا المادي .
المقدمة الثانية : إن يراد بأهله أهم من يمكن فيه ذلك ؛ وهم ليسوا سكانه السابقين كزوجته وغيرها . وإنما هم أيضا أهل الكساء ؛ إلا إن هذا غير ممكن ؛ لان أهل البيت أفضل من صاحب البيت ؛ وهذا غير محتمل . مضافا إلى البعد ألزماني بين إبراهيم ؛ وبين أصحاب الكساء .
الأطروحة الأخرى المحتملة : إن يكون أهل بيت علي (ع) بعد التنزل عن الأطروحات السابقة ؛ وهذا أيضا يحتاج إلى مقدمتين :
الأولى : ما عرفناه من انه لا يوجد لرسول الله (ص) بيت ينسب الآخرون إليه .
الثانية : قرينيه حديث الكساء ، وهو نص بان أهل الكساء هم خمسة ، كما انه نص على نزول الآية فيهم .
ومعه فنحن تاريخيا نعرف إن حادثة الكساء حدثت في بيت علي (ع) وان أربعة منهم هم أهل بيت علي (ع) نفسه ، ولا يبقى إلا النبي (ص) ، وهو أولى بانطباق الصفة عليه منهم لأنه خيرهم .
مضافا إلى إن رسول الله (ص) كان يزورهم صباحا ومساءا ، فيصدق ظاهرا وباطنا ، إن بيت علي (ع) هو بيت النبي (ص) ومعه تخرج زوجات النبي (ص) يقينا ، لأنهن غير ساكنات في بيت علي (ع) كما إننا يمكن إن ندخل التسعة المعصومين (عليهم السلام ) مجازا في الدرجة الثانية بعد أهل الكساء . وانأ اعتقد إن بيت علي (ع) بيت واحد أي غرفة واحدة يسكنون كلهم فيها ( في المدينة ) ، ويقرب ذلك طريقة زواجه سلام الله عليه ، ومقدار الزهد المدقع الذي تزوج به ، وإنما اكتسب أهميته معنويا لا ماديا .
فان قلت : فماذا نقول في قوله (ص) { سلمان منا أهل البيت }؟ .
قلنا : انه من أهل البيت إلحاقا وتنزيلا ، أيا كان البيت المقصود .