المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ولاية أهل البيت في السنة النبوية


شيرازي للأبد
05-02-2012, 08:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

ولاية أهل البيت في السنة النبوية

من يستقرئ سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيرته العلمية وعلاقته بأهل بيته الذين نصّ عليهم القرآن وعرفهم هو (صلى الله عليه وآله)، (علي وفاطمة وابناهما) يعرف أن لأهل هذا البيت دوراً ومسؤولية رسالية وحضارية فريدة في تاريخ هذه الأمة، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخطط لها، ويعد الأمة لتقبّلها بأمر من الله سبحانه.

لقد بدأ ذلك الفصل المضيء من التخطيط النبوي بأمر الله سبحانه لرسوله (صلى الله عليه وآله) بتزويجه فاطمة (عليها السلام) للإمام علي بن أي طالب (عليه السلام)، وغرس هذه الشجرة المباركة، ولتمتد فروعها في آفاق هذه الأمة عبر مسيرة تاريخها.

قال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) حين زوّجه فاطمة (عليها السلام): (إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذلك، فقال: قد رضيت بذلك يا رسول الله، قال أنس بن مالك: فقال النبي (صلى الله عليه وآله): جمع الله شملكما، وأسعد جدكما، وبارك عليكما، وأخرج منكما كثيراً طيباً، قال أنس: فوالله لقد أخرج الله منهما الكثير الطيب) (محب الدين الطبري، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، ص30).

وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما زوّج فاطمة علياً (عليهم السلام) دخل عليها ودعا بها فأتته أم أيمن بقعب فيه ماء فمج فيه ثم أنضح على رأسها وبين كتفيها وقال: (اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، ثم قال لعلي: ائتني بماء، فأتاه به فنضح منه على رأسه، وبين كتفيه، وقال: (اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم).

وفي رواية فدعا بماء فتوضأ ثم أفرغه على علي وفاطمة، وقال: (اللهم بارك لهما في نسلهما).

وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتذر عن تزويج فاطمة كلما خطبها أحد من الصحابة ويقول: (لم ينزل القضاء بعد).

إن هذه العناية الإلهية والنبوية بتزويج فاطمة من علي، فلا يتم الزواج إلا بأمر من الله لتدل دلالة واضحة على مكانة أهل البيت (عليهم السلام)، وما كان يستهدف الرسول (صلى الله عليه وآله) من وراء علاقته بهم من خير لهذه الأمة، المكانة التي فسّرها القرآن الكريم ـ بآياته الواردة فيهم ـ والسنّة النبوية الشريفة فيما بعد.

ولعلّ فيما نقتبس ونعرض من روايات وأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل البيت ـ وهي كثيرة ـ يوصلنا إلى اكتشاف العمق والغاية من هذه العناية الإلهية والنبوية في بناء هذا البيت، وإسباغ الحب والبركات والعناية عليه، ليكون أهل هذا البيت دليلاً للأمة في حيرتها، وسبباًً لنجاتها في محنتها، ونظاماً ومحوراً لوحدتها في تفرّقها، كما نصّت الروايات والأحاديث على ذلك.

إن الرسول يضيف ذرية علي وفاطمة لنفسه، ويقول: إنهم ذريتي وأبنائي، كما أوضح القرآن ذلك بقوله: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ).

فكان أبناؤه المعنيون في هذه الآية هما الحسن والحسين كما عرفنا من أقوال المفسرين وأصحاب السير.

وقد أكّد (صلى الله عليه وآله) هذا المعنى مرّات عديدة لأمته، نذكر منها قوله (صلى الله عليه وآله): (إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا، يعني علياً) (الطبري، ذخائر العقبى، ص67).

ولقد كان (صلى الله عليه وآله) يحتضن الحسن والحسين ويقول: (كل ولد أب فإن عصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم). (أخرجه أحمد في المناقب).

ولقد كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) في كل مناسبة يؤكّد مقام أهل البيت (عليهم السلام) لترجع الأمة إليهم، وتلتزم بمنهجهم، وتتمسّك بحبهم.

وفي روايات عديدة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نجد أن أهل البيت هم المنجي لهذه الأمة، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرنهم بكتاب الله ويجعل دورهم العقائدي والرسالي في هذه الأمة ملازماً لكتاب الله، لا ينفك عنه، لتتجه الأمة إليهم في فهم القرآن الكريم، واستنباط معانيه وأحكامه.

وقد حفلت كتب الروايات والسير بالنص النبوي الكريم الذي سمّي بحديث (الثقلين)، ورواه المسلمون بمختلف مذاهبهم السياسية والفقهية، وفيما يلي نذكره، ونذكر بعض أسانيده، كما نقلها الرواة، والمحدّثون.

1ـ حديث الثقلين:
(إني أوشك أن أدعي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزّ وجلّ، وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا، حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا بم تخلفوني فيهما).

ونقل الشبراوي الشافعي في كتابه (الإتحاف بحب الأشراف): وأخرج مسلم والترمذي وحسنه، والحاكم، واللفظ لمسلم عن زيد بن أرقم (رضي الله عنه)، قال: قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال:

(أما بعد أيها الناس، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: أوّلهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتابه الله، واستمسكوا به).

ثم قال: (وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي).

ثم نقل أيضاً: (وفي رواية: إني تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتبعتموها، كتاب الله وأهل بيتي، وفي رواية: لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).

ثم ذكر أيضاً: (قال ابن حجر في الصواعق: سمّى النبي (صلى الله عليه وآله) القرآن والعترة ثقلين لأنّ الثقل كل نفس خطير مضنون به، وهذان كذلك إذ كل منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار العقلية الشرعية، ولهذا حثّ على الاقتداء بهما، وقيل سمّيا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما، ثم الذي وقع عليه الحث منهم إنما هو العارفون بكتاب الله والمستمسكون بسنّة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض).

ونقل العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي في تفسيره (آلاء الرحمن في تفسري القرآن) ما نصّه: وذلك كحديث الثقلين المتواتر القطعي الذي ذكره إخواننا من أهل السنة في كتبهم وأوردوا روايته عن الصحابة الذين سمعوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(إني تارك فيكم الثقلين أو الخليفتين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

وهاك أسماء الصحابة السامعين لهذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):

1ـ علي (عليه السلام) أمير المؤمنين

2ـ عبد الله بن عباس

3ـ أبو ذر الغفاري

4ـ جابر الأنصاري

5ـ عبد الله بن عمر

6ـ حذيفة بن أسيد

7ـ زيد بن أرقم

8ـ عبد الرحمن بن عوف

9ـ ضمرة الأسلمي

10ـ عامر بن ليلى

11ـ أبو رافع

12ـ أبو هريرة

13ـ عبد الله بن حنطب

14ـ زيد بن ثابت

15ـ أمّ سلمة

16ـ أم هاني أخت أمير المؤمنين علي (عليه السلام)

17ـ خزيمة بن ثابت

18ـ سهل بن سعد

19ـ عدي بن حاتم

20ـ عقبة بن عامر

21ـ أبو أيوب الأنصاري

22ـ أبو سعيد الخدري

23ـ أبو شريح الخزاعي

24ـ أبو قدامة الأنصاري

25ـ أبو ليلى

26ـ أبو الهيثم بن التيهان.

وهؤلاء هم الذين ذكرنا أسماءهم من بعد أم هاني قد رواه كل منهم منفرداً كمن تقدّمه وقاموا في رحبة الكوفة مع سبعة من قريش فشهدوا أنّهم سمعوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهؤلاء ثلاثة وثلاثون.

ورواه أبو نعيم الأصفهاني في كتاب (منقبة المطهرين) مسنداً عن جبير ابن مطعم وأسنده أيضاً عن أنس بن مالك وعن البراء بن عازب، ورواه موفق بن أحمد أخطب خوارزم عن عمرو بن العاص، وقلّ ما يخلو من رواية هذا الحديث مسند أو جامع أو كتاب في الفضائل لأهل السنة، من أول ما أخرج الحديث من الحفظ وصدور الحفاظ إلى صحف المحدثين، ولا زال يروى فيها عن صحابي واحد أو أكثر، وربّما روي في واحد منها عن أكثر من عشرين صحابياً، إمّا مجملاً كما في الصواعق، وإمّا مسنداً مفصّلاً كما في كتب (السخاوي والسيوطي والسمهودي وغيرهم).

ثم قال: رواه الإمامية في كتبهم بأسانيدهم المتكررة عن الباقر (عليه السلام)، والرضا (عليه السلام)، والكاظم (عليه السلام)، والصادق (عليه السلام)، عن آبائهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبالأسانيد الأخر عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعمر، وأُبَيّ، وجابر، وأبي سعيد، وزيد ابن أرقم، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن اسيد، وابي هريرة، وغيرهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)).

وفي مسند أحمد بن حنبل (ج3، ص17)، روى بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا بم تخلفوني فيهما).

وهكذا نجد هذا التواتر اللفظي والمعنوي في نقل هذه الرواية التي تقرن أهل البيت (عليهم السلام) بكتاب الله. من ذلك يفهم المسلمون أن أهل البيت (عليهم السلام) هم المرجع بعد كتاب الله وهم الأمناء عليه حتى يردا الحوض.

2ـ حديث السفينة:
وإذا كان حديث الثقلين يضع أهل البيت (عليهم السلام) إلى جانب القرآن لما لهم من وظيفة بيان القرآن والكشف عن غوامضه وأسراره ومحتواه والحفاظ عليه، فإنّ حديث السفينة يوضّح للأمّة أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم سفينة النجاة، ومصدر الخلاص لهذه الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لذا فإن عدم الالتحاق بهذه السفينة، وعدم الركوب فيها سيقود المتخلّفين عنها إلى الغرق والهلاك، فانّ التخلّف عنهم تخلّف عن القادة إلى شاطئ الهدى والنجاة.

نقل الشبراوي الشافعي عن رافع مولى أبي ذر، قال: صعد أبو ذر (رضي الله عنه) على عتبة باب الكعبة وأخذ بحلقة الباب واستظهره إليه، وقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: (أهل بتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها زجّ في النار).

وسمعت رسول الله يقول: (اجعلوا آل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين).

وروى أبو نعيم بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق).

روى بسنده عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق).

ورواه السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) (البقرة: 58).

قال: وأخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: (إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطّة).

ورواه المتّقي في كنز العمال (ج6، ص216)، ولفظه: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلّف عنها هلك، ومثل باب حطّة في بني إسرائيل)، وقال: (أخرجه الطبراني عن أبي ذر).

3ـ حديث الأمان من الاختلاف:
وفي هذا الحديث يوضّح رسول الهدى محمد (صلى الله عليه وآله) دور أهل البيت العقائدي والسياسي، فإنّ أخطر ما يصيب الأمة هو الفرقة والخلاف في الرأي والمعتقد والاتجاه السياسي، ولقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يخشى على أمته من هذه الفتنة، وكان يخطط لوحدتها وتماسكها الفكري والسياسي، لذا كان يوجه أمته إلى الالتزام والتمسك بأهل بيته والرجوع إليهم، لذا وصفهم بأنهم ملازمون للقرآن ودعوته، ولا يفارقونه إلى يوم القيامة، وبأنهم سفينة النجاة وباب حطة، وهنا يصفهم بأنهم الإطار الجامع، والمحور الموحّد لهذه الأمة، وأن التمسك بهم، والسير على نهجهم، ضمان من الفرقة والخلاف.

أخرج الطبراني عن ابن عباس (رض) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف).

وروى محبّ الدين الطبري عن الإمام علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض).

قال: أخرجه أحمد بن حنبل في المناقب.

4ـ حديث الكساء:
وحديث الكساء (سمي حديث الكساء لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع أهل بيته الأربعة وجلّلهم بكسائه) هو الحديث الوارد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في (علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، عند نزول آية التطهير، وقد سبق وأن تحدّثنا عن ذلك، وأوردنا آراء بعض المفسرين والروايات الواردة في هؤلاء المطهرين في بحث (أهل البيت في القرآن)، ونعود هنا فنورد روايات أخرى لتعزيز الفكرة، وتعميق الغاية التي توخّاها رسول الهدى (صلى الله عليه وآله) من وراء ذلك.

وطرق هذا الحديث وأسانيده كثيرة في كتب الحديث والرواية والتفسير نذكر منها:

ما روي عن أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) (رضي الله عنها)، فروى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده يرفعه إلى أم سلمة قالت: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي يوماً إذ قال الخادم إن علياً وفاطمة بالسدة، قالت: فقال لي النبي: قومي، تنحي عن أهل بيتي، قالت: فقمت فتنحيت في جانب البيت قريباً فدخل علي وفاطمة والحسن والحسين وهما صبيان صغيران، فأخذ الحسن والحسين فوضعها في حجره وقبّلهما واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى وجللهم بخميصة (كساء أسود مربع له علمان) سوداء، وقال:

(اللهم إليك لا إلى النار، أنا وأهل بيتي)، قالت أمّ سلمة: وأنا يا رسول الله، فقال (صلى الله عليه وآله): (وأنت ـ يعني بقوله (صلى الله عليه وآله) ـ وأنت لست إلى النار).

وروى الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أمّ سلمة (رض) أنها قالت: كان النبي (صلى الله عليه وآله) في بيتها يوماً فأتته فاطمة (عليها السلام) ببرمة فيها عصيدة فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك، فجاء علي والحسن والحسين فدخلوا وجلسوا يأكلون والنبي (صلى الله عليه وآله) جالساً على دكة، وتحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة قريباً منهم، فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) الكساء، فغشاهم به ثم قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قالت: فأدخلت رأسي، قلت: وأنا معكم يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله): إنك إلى خير، إنك إلى خير، فأنزل الله عز وجل: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

5ـ حديث المودّة:
وحديث المودة قد تحدّثنا عنه عند تفسير آية المودة أيضاً، وذكرنا بعض رواته وأسانيده، ونعود هنا أيضاً فنذكره مرة أخرى. كما أن من المفيد أن نذكر بعض ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حبّ أهل بيته ومودتهم من روايات وأحاديث أخرى.

أخرج الإمام أحمد والطبراني والحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: لما نزلت هذه الآية: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى: 23).

قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (علي وفاطمة وابناهما).

وروى البزاز والطبراني أن الحسن بن علي (رضي الله عنه) خطب يوماً فقال:

(من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد (صلى الله عليه وآله)، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن آل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، وأنزل فيهم: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) فاقتراف الحسنات مودّتنا أهل البيت).

وروى الإمام أبو الحسن البغوي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس (رضي الله عنه)، قال: لما نزل قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).

قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودّتهم؟ قال: (علي وفاطمة وابناهما).

وروى السدي عن أبي مالك عن ابن عباس (رضي الله عنه)، في قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً). قال: المودة لآل محمد (صلى الله عليه وآله).

والأحاديث الواردة في مودّة أهل البيت وحبهم وطاعتهم والالتزام بهم لا يمكن إحصاؤها في هذا الكتاب وإنّما اخترنا بعضاً منها وكلها شموس مضيئة في كتب الحديث والرواية، ولغرض زيادة ثروة القارئ نذكر بعضاً من الأحاديث الواردة فيهم:

أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن حجر (رضي الله عنه)، قال: آخر ما تكلّم به رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أخلفوني في أهل بيتي).

أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله (رض)، قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسمعته وهو يقول: (أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله تعالى يوم القيامة يهودياً).

أخرج مسلم والترمذي والنسائي عن زيد بن أرقم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (أذكركم الله في أهل بيتي).

أخرج الخطيب في تاريخه عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي).

6ـ روايات أخرى:
وكما أوضحنا فإن الأحاديث والروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته كثيرة، ولا يمكن إحصاؤها في هذا الكتاب، فقد أورد لها العلماء والمحدّثون الكتب أو الفصول في كتب الحديث أو ذكروها في الموارد المناسبة من التفسير وكتب الرواية، نذكر منها:

(نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد).

فهو في هذا الحديث الشريف يوضّح مقام أهل البيت (عليهم السلام) السامي، وموقفهم الفريد، ليعرّف الأمة بمكانتهم، ويرشدها إلى التمسك بهم، والالتزام بعده بنهجهم وليوازن بينهم وبين غيرهم.

وفي حديث آخر يتحدث الرسول (صلى الله عليه وآله) عن أهل بيته، فيقول:

(إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي أثرة وشدة وتطريداً في البلاد، حتى يأتي قوم من ها هنا ـ وأشار بيده نحو المشرق ـ أصحاب رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون فينتصرون، ويعطون ما شاءوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها عدلاً كما ملئت ظلماً، فمن أدرك ذلك فليأتهم ولو حبواً على الثلج).

وأخرج الديلمي عن أبي سعيد (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي).

عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحب أهل بيته، وعلى قراءة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل الله، يوم لا ظلّ إلا ظلّه، مع أنبيائه وأصفيائه).

أخرج الطبراني عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تزول قدماً عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن محبتنا أهل البيت).

وفي رواية يرشد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمته إلى أهل بيته ويوضّح مقامهم العلمي، ويوجهها نحوهم إذا اشتدت الفتن وتضاربت الآراء، فيقرنهم بكتاب الله لأنهم العلماء المفصحون عن مضمون القرآن، والعارفون بحقيقته ومحتواه.

أخرج الطبراني عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه، قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجحفة، فقال: (ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإني سائلكم عن اثنين: عن القرآن وأهل بيتي).

ونسألكم الدعاء.