ابو كرار القاسمي
06-02-2012, 08:13 PM
لغدٍ سَخيَّ الفتحِ ما نَتَجَمَّعُ
وَمَدىً كَرِيمَ العَيشِ ما نَتَوَقَّعُ
يا ( مهرجانَ الشعرِ ) عِبْؤُكَ مُجْهِدٌ
فإذا نَهَضتَ بِهِ .. فإنَّكَ أَروَعُ
إنّا نُرِيدُكَ والأَمانِيُّ جُسِّدَتْ
بِكَ رائداً يَبنِي وَفِكراً يُبْدِعُ
أنا إن شَدى بِكَ مِزْهَرِيٌّ ، فلأنَّكَ
اللَّحنُ المُحَبَبُ والنَشِيدُ الأرْوَعُ
ولأنَّ أهدافاً تُوَحِّدُ أو دَمَاً
غَمَرَ العُرُوُقَ ، قَرابَةٌ لا تُقْطَعُ
بالأمسِ والحِقْدُ اللَئِيمُ يَسُوُمُنا
فَيَجِفُّ في يَدِهِ الأَغَضُّ الأَيْنَعُ
فابْعَثْ بِرُوُحٍ مِنْكَ في تَلَعاتِنَا
لِتُرِفَّ مُجْدِبَةٌ، وَيُورِقَ بَلَْقَعُ
لسنا بِمَعْهُوُدٍ على أَبْعَادِنا
يَبَسٌ، فَدُنْيَانَا الربِيعُ المُمْرِعُ
أَيُّ الكرائِمِ لَيْسَ في أعْنَاقِهَا
مِمّا نَسَجْنَاهُ العُقُوُدَ اللُّمَّعُ
أَمْ أَيُّ وَضّاءٍ وَلَيْسَ بِجَذْوِهِ
قَبَسٌ لنا.. يَجْلُو الظلامَ مُشَعْشِعُ
سُدْنَا فما سادَ الشُعُوُبَ حَضارَةُ
أَسْمَى ، ولا خُلُقٌ أَعَفُّ وَأَوْرَعُ
قُدْنا الفُتُوُحَ فما تَشَكَّى وَطْأُنا
فِكْرٌ ولا دِيْنٌ.. ولا مَنْ يَتْبَعُ
حتى الرَّقِيقَ .. تَواضَعَتْ أَحْسابُنا
كَرَمَاً ، فَأَوْلَيْناهُ ما لا يَطْمَعُ
عَفواً إِذا جَمَحَ الخيالُ فَلَمْ أُجِىْء
للأَمسِ أَمْرِيَ الضَّرْعَ أوْ أَسْتَرْضِعُ
لكِنَّها صِوَرٌ جَلَوْتُ ، لِيُرْسَمَ الفَجْرُ
المُشَرِّفُ .. والأَصِيلُ المُفْجِعُ
وَلْيَسْتَبِِينَ الشِّعرُ أيُّ رِسالَةٍ
يُدْعى لها ؟ وَبأَيِّ أمرٍ يَصْدَعُ ؟
يُدْعى إلى وَطَنٍ يُشَظِّي خَصْمَهُ
أَوْصَالَهُ بِيَدِ الهُبِاةِ .. وَيُقَطِّعُ
والمُبْتَلى بِبَنِيهِ في نَزَوَاتِها
تُعْطِيهِ مَزْرَعَةً لِمَنْ لا يَزْرَعُ
يُدْعى لِيَهْدِمَ ما بَنَوْهُ حَوَاجِزاُ
وَيَلُمُّ ما قَدْ مَزَّقُوُهُ وَوَزَّعُوا
* *
يا " مهرجانَ الشعرِ " حَسْبُ جِرَاحنَا
أَنَّ الهَوى مِمَّا تُعَتِّقُ يَكْرَعُ
وَلَقَدْ نَغُصُّ لِما نَقُولُ بِأَنَّها
يَلْهُو بِها الآسِي وَيَسْخَرُ مِبْضَعُ
غَنَّى بِها نَفَرٌ فَألَّمَ حُزنَنَا
إنَّ التَغَنِّيَ بِالجِراحِ تَنَطِّعُ
وَلَشَدَّ ما يُؤْذِي الكرامةَ أَنْ نَرَى
صَوْتُ المُسَاوِمُ بِالكَرَامَةِ يُرْفَعُ
هذي رِحَابُ القُدْسِ مُنْذُ تَرَنَّحَتْ
صَرْعَى إلى زَعقَاتِنا تَتَسَمَّعُ
تَصْحُو على نَوْءٍ فَتُتْلِعُ جِيدَهَا
وَتَراهُ مِنْ خِدَعِ السَّحابِ فَتُهْطِعُ
عُشْرُوُنَ كَفّاً حُرَّةً ما أَوْقَفَتْ
مَهْوَى يَدٍ مَغْلُوُلَةٍ إذْ تَصْفَعُ
الشَّوطُ تُغْرِقُهُ السُّرُوجُ وأنه
دُوْنَ السُّرُوجِ لِفارِسٍ يَتَطَلَّعُ
كُنّا نَهُبُّ على الزَّعِيقِ، وَمُذْ طَغَى
صِرْنا نَنَامُ على الزَّعيقِ وَنَهْجَعُ
فَأَثِرْ مُنَوَّمَةَ الجِراحِ وِقُلْ لَهَا:
ثُوُرِي، فَمَنْ مِثلُ الجراحِ يُلَعْلِعُ ؟
لا تَشْتِمَنَّ الخَطْبَ أو تَبْكِي لَهُ
فالخَطْبُ لَيسَ بِمِثْلِ ذلك يُدْفَعُ
فَلَقَدْ شَتَمنَا الرُزْءَ حتّى أُتْخِمَتْ
آذانُهُ، والرُزْءُ باقٍ مُزْمِعُ
لكنْ تَصَدَّ لَهُ فإنْ أَخْضَعْتَهُ
تحيا، وإنْ خِفْتَ المَمَاتَ ، سَتَخْضَعُ
فالمَجْدُ يَحْتَقِرُ الجبانَ لأنَّهُ
شَرِبَ الصَّدى، وعلى يَدَيْهِ المِنْبِعُ
* *
قالوا بأنَّ الشِّعْرَ لَهْوُ مُرَفَّهٍ
وَسَبِيلَ مُرْتَزَقٍ بِهِ يَتَذَرَّعُ
وإذا تَسامَينَا بِهِ فَهُوَ الصَّدى
للنَفْسِ، يَلْبَسُ ما تُريدُ وَيَخْلَعُ
إنْ تَطْرِبِ الأَرواحَ فَهُوَ غِنَاؤُها
وإذا شَجاهَا الحُزْنُ فَهْوَ الأَدْمُعُ
فَذَرُوهُ حَيْثُ يَعِيشُ غِرِّيداً على
فَنَنٍ، وَمُلتاعاً يَئِنُّ فَيُوجِعُ
لا تَطْلِبُوا مِنْهُ، فَما هُوَ بالّذي
يُعْطِي وَيَمَْنَعُ ، أو يَضِرُّ وَيَنْفَعُ
أَكْبِرْتُ دَوْرَ الشِّعرِ عَمّا صَوَّرُوا
وَعَرِفْتُ رُزْءَ الفِكْرِ في مَنْ لَمْ يَعُوُا
فالشِّعْرُ أَجَّجَ ألْفَ نارٍ وانْبَرى
يَلْوِي أُنُوفَ الظالِمِينَ وَيَجْدَعُ
لَوْ شَاءَ صاغَ النَّجْمَ عِقْداً ناصِعاً
يَزْهُو بِهِ عنقٌ أَرَقٌّ وَأَنْصَعُ
أَوْ شَاءَ رَدَّ الرّمْلَ مِنْ نَفَحاتِهِ
خَضِلاً بِأنْفاسِ الشَّذى يَتَضَوَّعُ
أَوْ شاءَ رَدَّ اللّيلَ في أَسْمَارِهِ
واحاتُ نورٍ ، تستشفُّ وتلمعُ
أَوْ شاءَ قادَ مِنَ الشُّعُوبِ كَتَائِباً
يَعْنُو لَهَا مِنْ كُلِّ أُفْقٍ مَطْلَعُ
أَنا لا أُرِيدُ الشِّعرَ إِنْ جَدَّتْ بِنا
نُوَبٌ ، يُخَلِّي ما عَنَاهُ وَيَقْبَعُ
أَوْ أَنْ يُوَّشِّي الكأسَ في سَمَرِ الهَوَى
لِيُضَاءَ لَيْلُ المُتْرَفِينَ فَيَسْطَعُ
أَوْ أَنْ يُبَاعَ فَيَشْتَرِي إِكْلِيلَهُ
تاجٌ مِنَ المَدْحِ الكَذُوبِ مُرَصَّعُ
لكِنْ أُرِيدُ الشِّعرَ وَهُوَ بِدَرْبِنَا
مَجْدٌ، وَسَيْفٌ في الكِفاحِ، وَ أَدْرُعُ
* *
بغدادُ يا زَهْوَ الرَّبيعِ على الرُّبَى
بِالعِطْرِ تَعْبَقُ وَالسَنى تَتَلَفَّعُ
يا أَلْفَ لَيلَةٍ ما تَزالُ طِيُوفِها
سَمَراً على شِطْئانَ دِجْلَةِ يُمْتِعُ
يا لَحْنَ (مَعْبِدَ) والقِيانُ عُيُونُها
وَصْلٌ كما شاءَ الهوى وَتَمَنُّعُ
* *
بغدادُ يَوْمُكِ لا يزالُ كأَمسِهِ
صِوَرٌ على طَرَفَي نَقِيضٍ تُجْمَعُ
يَطغى النَّعِيمُ بِجانِبٍ وبجانبٍ
يَطْغَى الشَّقا فَمُرَفَّهٌ وَمُضَيَّعُ
في القَصْرِ أُغْنِيَةٌ على شَفَةِ الهَوَى
والكُوُخِ دَمْعٌ في المَحَاِجِر يَلَْذَعُ
وَمِنَ الطِّوى جَنْبِ البَيَادِرِ صُرَّعٌ
وَبِجَنْبِ زِقِّ أَبِي نُؤاسٍ صُرَّعُ
وَيَدٌ تُكَبَّلُ وَهِيَ مِمَّا يُفْتَدَى
وَيَدٌ تُقَبَّلُ وَهِيَ مِمَّا يُقْطَعٌ
وَبَرَاءَةٌ بِيَدِ الطُّغاةِ مُهانَةٌ
وَدَنَاءَةٌ بِيَدِ المُبَرِّرِ تُصْنَعُ
وَيُصَانُ ذاكَ لأَنَّهُ مِنْ مَعْشَرٍ
وَيُضامُ ذاكَ ، لأنَّهُ لا يَرْكَعُ
كَبُرَتْ مُفارَقَةٌ يُمَثِّلُ دَوْرَها
باسْمِ العُرُوبَةِ ، والعُرُوُبةُ أَرْفَعُ
فَتَبَيَّنِي هذي المَهَازِلُ واَحْذَرِي
مِنْ مِثْلِها، فَوَرَاءَ ذلكَ إِصْبِعُ
واسْتَلْهِمي رُوُحَ الوُفُودَ فَإِنَّها
شَمْلٌ يَلُمُّ، وَأُسْرِةٌ تَتَجَمَّعُ
وَتَرَسَّمي الرَكْبَ المُغِذُّ ولا تَنِيْ
فالرَّكْبُ أَتْفَهُ ما بِهِ مَنْ يَظْلَعُ
وإِذا لَمَحْتِ على طَرِيقِكِ عُتْمَةً
وَسَتَلْمَحِيْنَ لأنَّ دَرْبَكِ أَسْفَعُ
شُدِّي وَهُزِّي اللَّيلَ في جَبَرُوتِهِ
وَبِعُهْدَتِي أَنَّ الكَواكِبَ تَطْلَعُ
* *
يا "مهرجانَ الشِّعرِ" مَرَّ بِأُفْقِنا
وَهَجٌ يَفِحُّ مِنَ السُّمُومِ وَيُفْزِعُ
بالحِقْدِ تُسْقَى ما عَلِمْتَ جُذُوُرَهُ
وَبِثَوْبِ إِنْسانِيَّةٍ يَتَبَرْقَعُ
يَمْشِيْ إِلى الهَدَفِ الخَدُوُعَ وَلَوْ عَلى
بِرَكُ الدِّمَا ، وَغَليِلُهُ لايَنْقَعُ
أَغْرَى الخَطَايا بِالنُعُوُتِ رَفِيْعَةٌ
وَمَشَى على القِيَمِ الكَرِيْمَةِ يَقْذَعُ
فاللهُ وَهْمٌ ! والفَضِيلَةُ كُلُّها
تَرَفٌ ! وَمَا رَسَمَتْ وما تَسْتَتْبِعُ
ما الفَرْدُ إِلاّ مِعْدَةٌ وَغَرِيْزَةٌ !
وَسِوَاهُمَا أُكْذُوْبَةٌ وَتَصَنّعُ !
وَمَشَى بِمَعْصُوُبِ العُيُوُنَ يَقُوُدُهُ
يَبكِي إِذا أَوْحَى لَهُ وَيُرَجِّعُ
سَوّاهُ مِنْ دَنَسٍ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ
فِطَرٌ سَلِيماتٌ، وَلُوِّثَ مَنْزَعُ
وَأَسَّفَّ فاحْتَضَنَ المُسُوُخَ يَرِبُّها
حتّى تَعَمْلَقَ في ذُراهُ الضِفَْدَعُ
حتّى إِذا الطُغْيَانَ طاحَ بِأَهْلِهِ
وَكَبَا بِهِ بَغْيٌ وَأَوْشَكَ يُصْرَعُ
ألْقِى لَنَا صِوَراً تَعَدَّدَ نَعْتَها
لكِنَّها تَنْمَى إِليهَ وَتَرْجَعُ
فَانْهَدْ لَهُ بِالفِكْرِ يَخْضُدُ جَذْوَهُ
فالفِكْرُ لَيْسَ بِغَيْرِ فِكْرٍ يُقْرَعُ
وَأَغِثْ جِيَاعَ عَقِيدَةٍ فَهُمْ إِلى
فِكْرٍ يُسَدِّدُ مِنْ طَعَامٍ أَجْوَعُ
* *
قُدْهُمْ إِلى نَبْعِ السَّماءِ ، نِطافُهُ
عَذْبُ ، وَسائِغُ وُرْدِهِ لا يُمْنَعُ
وَاسْلُكْ بِهِم دَرْباً أَضاءَ مُحَمَّدٌ
أَبْعادَهُ، وَجَلاهُ فَهُوَ المِهْيَعُ
وأَنا الضَمِينً بِأَنَّهُ سَيُعِيدُهُمْ
أَلَقاً يَمُتُّ إلى السِّمُوِّ وَيَنْزَعُ
وَسَيَعْرِفُوُنَ بِأَنَّ ما شَرَعَ السَّما
يَبْنَي الكَرِيمَ الرَّغْدَ، لا ما شَرَّعُوا
* *
يا "مهرجانَ الشِّعرِ" إنَّ ثُمَالَةً
مِنْ كأسِ غَيْرِكَ عافَهَا المُتَرَفِّعُ
ما آمَنَتْ بِكَ غَيْرَ أَنَّ ظُرُوفَهَا
تَمْلِي وَلاءً بالرِياءِ مُقَنَّعُ
وَلِجَتْ حِمَاكَ وَفِي الرُؤُوسِ مُخَطَّطُ
وَأُعِيذُ قَوْمِي مِنْ لَظَاهُ ، مُرَوِّعُ
وَهِيَ الَّتِي إِنْ أَوْتَرَتْ أَقْوَاسِهَا
في غَفْلَةٍ ، فَأَنَا وَأَنْتَ المَصْرَعُ
فَتَوَقَّ أَرْقُمَهَا فَلَسْتَ بِواجِدٍ
صِلاً على طُوُلِ المَدَى لا يَلْسَعُ
لا تَطْرِبَنَّ لِطَبِْهَا ، فَطُبُوُلُها
كانَتْ لِغَيْرِكَ قَبْلَ ذلِكَ تَقْرَعُ
ما زِلْتُ أَرْعُفُ في يَدَيْها مِنْ دَمِي
عَلَقاً ، وهل تَنْسَى ضَنَاها المُرْضِعُ ؟
أّيَّامَ نَقْتَسِمُ اللّظَى وَصُدُوُرُنا
تَضْرَى ، فَيَمْنَحُها الوِسامَ ،المِدْفَعُ
وَدِمَاؤُنا امْتَزَجَتْ سَوَاءُ ، فَلَمْ تَكُنْ
فِرَقَاً ، يُصَنِّفُها الهَوَى وَيُنَوِّعُ
وَتَعَانَقَتْ فَوْقَ الحِرابِ أَضالِعٌ
مِنّا ، فما مِيْزَتْ هُنَالِكَ أَضْلُعُ
حَتّى إذا أَرْسى السَّفِينَ وَعَافَهُ
نَوْءٌ ، زَحَمْنًا مَنْكَبَيْهِ ، زَعْزَعُ
عُدْنا وَبَعْضٌ للسّفِينِ حِبَالُهُ
والبَعْضُ حِصَّتُهُ السَّفيِنَةَ أَجْمَعُ
وَمَشَتْ تُصَنِّفُنا يَدٌ مَسْمُوُمَةٌ
مُتَسَنِّنٌ هَذا وَذَا مُتَشَيِّعُ
يا قَاصِدِي قَتْلَ الأُخُوَّةَ غِيْلَةً
لُمُّوا الشِّبَاكَ ، فَطَيْرُنا لا يُخْدَعُ
غَرَسَ الإِخَاءَ كِتَابُنا وَنَبِيُّنا
فَامْتَدَّ ، وَاشْتَبَكَتْ عَلَيْهِ الأَذْرُعُ
من رام وصل الشمس حاك خيوطها
سببا الى آماله وتعلقـــــــــــــــــــــــا
وَمَدىً كَرِيمَ العَيشِ ما نَتَوَقَّعُ
يا ( مهرجانَ الشعرِ ) عِبْؤُكَ مُجْهِدٌ
فإذا نَهَضتَ بِهِ .. فإنَّكَ أَروَعُ
إنّا نُرِيدُكَ والأَمانِيُّ جُسِّدَتْ
بِكَ رائداً يَبنِي وَفِكراً يُبْدِعُ
أنا إن شَدى بِكَ مِزْهَرِيٌّ ، فلأنَّكَ
اللَّحنُ المُحَبَبُ والنَشِيدُ الأرْوَعُ
ولأنَّ أهدافاً تُوَحِّدُ أو دَمَاً
غَمَرَ العُرُوُقَ ، قَرابَةٌ لا تُقْطَعُ
بالأمسِ والحِقْدُ اللَئِيمُ يَسُوُمُنا
فَيَجِفُّ في يَدِهِ الأَغَضُّ الأَيْنَعُ
فابْعَثْ بِرُوُحٍ مِنْكَ في تَلَعاتِنَا
لِتُرِفَّ مُجْدِبَةٌ، وَيُورِقَ بَلَْقَعُ
لسنا بِمَعْهُوُدٍ على أَبْعَادِنا
يَبَسٌ، فَدُنْيَانَا الربِيعُ المُمْرِعُ
أَيُّ الكرائِمِ لَيْسَ في أعْنَاقِهَا
مِمّا نَسَجْنَاهُ العُقُوُدَ اللُّمَّعُ
أَمْ أَيُّ وَضّاءٍ وَلَيْسَ بِجَذْوِهِ
قَبَسٌ لنا.. يَجْلُو الظلامَ مُشَعْشِعُ
سُدْنَا فما سادَ الشُعُوُبَ حَضارَةُ
أَسْمَى ، ولا خُلُقٌ أَعَفُّ وَأَوْرَعُ
قُدْنا الفُتُوُحَ فما تَشَكَّى وَطْأُنا
فِكْرٌ ولا دِيْنٌ.. ولا مَنْ يَتْبَعُ
حتى الرَّقِيقَ .. تَواضَعَتْ أَحْسابُنا
كَرَمَاً ، فَأَوْلَيْناهُ ما لا يَطْمَعُ
عَفواً إِذا جَمَحَ الخيالُ فَلَمْ أُجِىْء
للأَمسِ أَمْرِيَ الضَّرْعَ أوْ أَسْتَرْضِعُ
لكِنَّها صِوَرٌ جَلَوْتُ ، لِيُرْسَمَ الفَجْرُ
المُشَرِّفُ .. والأَصِيلُ المُفْجِعُ
وَلْيَسْتَبِِينَ الشِّعرُ أيُّ رِسالَةٍ
يُدْعى لها ؟ وَبأَيِّ أمرٍ يَصْدَعُ ؟
يُدْعى إلى وَطَنٍ يُشَظِّي خَصْمَهُ
أَوْصَالَهُ بِيَدِ الهُبِاةِ .. وَيُقَطِّعُ
والمُبْتَلى بِبَنِيهِ في نَزَوَاتِها
تُعْطِيهِ مَزْرَعَةً لِمَنْ لا يَزْرَعُ
يُدْعى لِيَهْدِمَ ما بَنَوْهُ حَوَاجِزاُ
وَيَلُمُّ ما قَدْ مَزَّقُوُهُ وَوَزَّعُوا
* *
يا " مهرجانَ الشعرِ " حَسْبُ جِرَاحنَا
أَنَّ الهَوى مِمَّا تُعَتِّقُ يَكْرَعُ
وَلَقَدْ نَغُصُّ لِما نَقُولُ بِأَنَّها
يَلْهُو بِها الآسِي وَيَسْخَرُ مِبْضَعُ
غَنَّى بِها نَفَرٌ فَألَّمَ حُزنَنَا
إنَّ التَغَنِّيَ بِالجِراحِ تَنَطِّعُ
وَلَشَدَّ ما يُؤْذِي الكرامةَ أَنْ نَرَى
صَوْتُ المُسَاوِمُ بِالكَرَامَةِ يُرْفَعُ
هذي رِحَابُ القُدْسِ مُنْذُ تَرَنَّحَتْ
صَرْعَى إلى زَعقَاتِنا تَتَسَمَّعُ
تَصْحُو على نَوْءٍ فَتُتْلِعُ جِيدَهَا
وَتَراهُ مِنْ خِدَعِ السَّحابِ فَتُهْطِعُ
عُشْرُوُنَ كَفّاً حُرَّةً ما أَوْقَفَتْ
مَهْوَى يَدٍ مَغْلُوُلَةٍ إذْ تَصْفَعُ
الشَّوطُ تُغْرِقُهُ السُّرُوجُ وأنه
دُوْنَ السُّرُوجِ لِفارِسٍ يَتَطَلَّعُ
كُنّا نَهُبُّ على الزَّعِيقِ، وَمُذْ طَغَى
صِرْنا نَنَامُ على الزَّعيقِ وَنَهْجَعُ
فَأَثِرْ مُنَوَّمَةَ الجِراحِ وِقُلْ لَهَا:
ثُوُرِي، فَمَنْ مِثلُ الجراحِ يُلَعْلِعُ ؟
لا تَشْتِمَنَّ الخَطْبَ أو تَبْكِي لَهُ
فالخَطْبُ لَيسَ بِمِثْلِ ذلك يُدْفَعُ
فَلَقَدْ شَتَمنَا الرُزْءَ حتّى أُتْخِمَتْ
آذانُهُ، والرُزْءُ باقٍ مُزْمِعُ
لكنْ تَصَدَّ لَهُ فإنْ أَخْضَعْتَهُ
تحيا، وإنْ خِفْتَ المَمَاتَ ، سَتَخْضَعُ
فالمَجْدُ يَحْتَقِرُ الجبانَ لأنَّهُ
شَرِبَ الصَّدى، وعلى يَدَيْهِ المِنْبِعُ
* *
قالوا بأنَّ الشِّعْرَ لَهْوُ مُرَفَّهٍ
وَسَبِيلَ مُرْتَزَقٍ بِهِ يَتَذَرَّعُ
وإذا تَسامَينَا بِهِ فَهُوَ الصَّدى
للنَفْسِ، يَلْبَسُ ما تُريدُ وَيَخْلَعُ
إنْ تَطْرِبِ الأَرواحَ فَهُوَ غِنَاؤُها
وإذا شَجاهَا الحُزْنُ فَهْوَ الأَدْمُعُ
فَذَرُوهُ حَيْثُ يَعِيشُ غِرِّيداً على
فَنَنٍ، وَمُلتاعاً يَئِنُّ فَيُوجِعُ
لا تَطْلِبُوا مِنْهُ، فَما هُوَ بالّذي
يُعْطِي وَيَمَْنَعُ ، أو يَضِرُّ وَيَنْفَعُ
أَكْبِرْتُ دَوْرَ الشِّعرِ عَمّا صَوَّرُوا
وَعَرِفْتُ رُزْءَ الفِكْرِ في مَنْ لَمْ يَعُوُا
فالشِّعْرُ أَجَّجَ ألْفَ نارٍ وانْبَرى
يَلْوِي أُنُوفَ الظالِمِينَ وَيَجْدَعُ
لَوْ شَاءَ صاغَ النَّجْمَ عِقْداً ناصِعاً
يَزْهُو بِهِ عنقٌ أَرَقٌّ وَأَنْصَعُ
أَوْ شَاءَ رَدَّ الرّمْلَ مِنْ نَفَحاتِهِ
خَضِلاً بِأنْفاسِ الشَّذى يَتَضَوَّعُ
أَوْ شاءَ رَدَّ اللّيلَ في أَسْمَارِهِ
واحاتُ نورٍ ، تستشفُّ وتلمعُ
أَوْ شاءَ قادَ مِنَ الشُّعُوبِ كَتَائِباً
يَعْنُو لَهَا مِنْ كُلِّ أُفْقٍ مَطْلَعُ
أَنا لا أُرِيدُ الشِّعرَ إِنْ جَدَّتْ بِنا
نُوَبٌ ، يُخَلِّي ما عَنَاهُ وَيَقْبَعُ
أَوْ أَنْ يُوَّشِّي الكأسَ في سَمَرِ الهَوَى
لِيُضَاءَ لَيْلُ المُتْرَفِينَ فَيَسْطَعُ
أَوْ أَنْ يُبَاعَ فَيَشْتَرِي إِكْلِيلَهُ
تاجٌ مِنَ المَدْحِ الكَذُوبِ مُرَصَّعُ
لكِنْ أُرِيدُ الشِّعرَ وَهُوَ بِدَرْبِنَا
مَجْدٌ، وَسَيْفٌ في الكِفاحِ، وَ أَدْرُعُ
* *
بغدادُ يا زَهْوَ الرَّبيعِ على الرُّبَى
بِالعِطْرِ تَعْبَقُ وَالسَنى تَتَلَفَّعُ
يا أَلْفَ لَيلَةٍ ما تَزالُ طِيُوفِها
سَمَراً على شِطْئانَ دِجْلَةِ يُمْتِعُ
يا لَحْنَ (مَعْبِدَ) والقِيانُ عُيُونُها
وَصْلٌ كما شاءَ الهوى وَتَمَنُّعُ
* *
بغدادُ يَوْمُكِ لا يزالُ كأَمسِهِ
صِوَرٌ على طَرَفَي نَقِيضٍ تُجْمَعُ
يَطغى النَّعِيمُ بِجانِبٍ وبجانبٍ
يَطْغَى الشَّقا فَمُرَفَّهٌ وَمُضَيَّعُ
في القَصْرِ أُغْنِيَةٌ على شَفَةِ الهَوَى
والكُوُخِ دَمْعٌ في المَحَاِجِر يَلَْذَعُ
وَمِنَ الطِّوى جَنْبِ البَيَادِرِ صُرَّعٌ
وَبِجَنْبِ زِقِّ أَبِي نُؤاسٍ صُرَّعُ
وَيَدٌ تُكَبَّلُ وَهِيَ مِمَّا يُفْتَدَى
وَيَدٌ تُقَبَّلُ وَهِيَ مِمَّا يُقْطَعٌ
وَبَرَاءَةٌ بِيَدِ الطُّغاةِ مُهانَةٌ
وَدَنَاءَةٌ بِيَدِ المُبَرِّرِ تُصْنَعُ
وَيُصَانُ ذاكَ لأَنَّهُ مِنْ مَعْشَرٍ
وَيُضامُ ذاكَ ، لأنَّهُ لا يَرْكَعُ
كَبُرَتْ مُفارَقَةٌ يُمَثِّلُ دَوْرَها
باسْمِ العُرُوبَةِ ، والعُرُوُبةُ أَرْفَعُ
فَتَبَيَّنِي هذي المَهَازِلُ واَحْذَرِي
مِنْ مِثْلِها، فَوَرَاءَ ذلكَ إِصْبِعُ
واسْتَلْهِمي رُوُحَ الوُفُودَ فَإِنَّها
شَمْلٌ يَلُمُّ، وَأُسْرِةٌ تَتَجَمَّعُ
وَتَرَسَّمي الرَكْبَ المُغِذُّ ولا تَنِيْ
فالرَّكْبُ أَتْفَهُ ما بِهِ مَنْ يَظْلَعُ
وإِذا لَمَحْتِ على طَرِيقِكِ عُتْمَةً
وَسَتَلْمَحِيْنَ لأنَّ دَرْبَكِ أَسْفَعُ
شُدِّي وَهُزِّي اللَّيلَ في جَبَرُوتِهِ
وَبِعُهْدَتِي أَنَّ الكَواكِبَ تَطْلَعُ
* *
يا "مهرجانَ الشِّعرِ" مَرَّ بِأُفْقِنا
وَهَجٌ يَفِحُّ مِنَ السُّمُومِ وَيُفْزِعُ
بالحِقْدِ تُسْقَى ما عَلِمْتَ جُذُوُرَهُ
وَبِثَوْبِ إِنْسانِيَّةٍ يَتَبَرْقَعُ
يَمْشِيْ إِلى الهَدَفِ الخَدُوُعَ وَلَوْ عَلى
بِرَكُ الدِّمَا ، وَغَليِلُهُ لايَنْقَعُ
أَغْرَى الخَطَايا بِالنُعُوُتِ رَفِيْعَةٌ
وَمَشَى على القِيَمِ الكَرِيْمَةِ يَقْذَعُ
فاللهُ وَهْمٌ ! والفَضِيلَةُ كُلُّها
تَرَفٌ ! وَمَا رَسَمَتْ وما تَسْتَتْبِعُ
ما الفَرْدُ إِلاّ مِعْدَةٌ وَغَرِيْزَةٌ !
وَسِوَاهُمَا أُكْذُوْبَةٌ وَتَصَنّعُ !
وَمَشَى بِمَعْصُوُبِ العُيُوُنَ يَقُوُدُهُ
يَبكِي إِذا أَوْحَى لَهُ وَيُرَجِّعُ
سَوّاهُ مِنْ دَنَسٍ فَمَاتَتْ عِنْدَهُ
فِطَرٌ سَلِيماتٌ، وَلُوِّثَ مَنْزَعُ
وَأَسَّفَّ فاحْتَضَنَ المُسُوُخَ يَرِبُّها
حتّى تَعَمْلَقَ في ذُراهُ الضِفَْدَعُ
حتّى إِذا الطُغْيَانَ طاحَ بِأَهْلِهِ
وَكَبَا بِهِ بَغْيٌ وَأَوْشَكَ يُصْرَعُ
ألْقِى لَنَا صِوَراً تَعَدَّدَ نَعْتَها
لكِنَّها تَنْمَى إِليهَ وَتَرْجَعُ
فَانْهَدْ لَهُ بِالفِكْرِ يَخْضُدُ جَذْوَهُ
فالفِكْرُ لَيْسَ بِغَيْرِ فِكْرٍ يُقْرَعُ
وَأَغِثْ جِيَاعَ عَقِيدَةٍ فَهُمْ إِلى
فِكْرٍ يُسَدِّدُ مِنْ طَعَامٍ أَجْوَعُ
* *
قُدْهُمْ إِلى نَبْعِ السَّماءِ ، نِطافُهُ
عَذْبُ ، وَسائِغُ وُرْدِهِ لا يُمْنَعُ
وَاسْلُكْ بِهِم دَرْباً أَضاءَ مُحَمَّدٌ
أَبْعادَهُ، وَجَلاهُ فَهُوَ المِهْيَعُ
وأَنا الضَمِينً بِأَنَّهُ سَيُعِيدُهُمْ
أَلَقاً يَمُتُّ إلى السِّمُوِّ وَيَنْزَعُ
وَسَيَعْرِفُوُنَ بِأَنَّ ما شَرَعَ السَّما
يَبْنَي الكَرِيمَ الرَّغْدَ، لا ما شَرَّعُوا
* *
يا "مهرجانَ الشِّعرِ" إنَّ ثُمَالَةً
مِنْ كأسِ غَيْرِكَ عافَهَا المُتَرَفِّعُ
ما آمَنَتْ بِكَ غَيْرَ أَنَّ ظُرُوفَهَا
تَمْلِي وَلاءً بالرِياءِ مُقَنَّعُ
وَلِجَتْ حِمَاكَ وَفِي الرُؤُوسِ مُخَطَّطُ
وَأُعِيذُ قَوْمِي مِنْ لَظَاهُ ، مُرَوِّعُ
وَهِيَ الَّتِي إِنْ أَوْتَرَتْ أَقْوَاسِهَا
في غَفْلَةٍ ، فَأَنَا وَأَنْتَ المَصْرَعُ
فَتَوَقَّ أَرْقُمَهَا فَلَسْتَ بِواجِدٍ
صِلاً على طُوُلِ المَدَى لا يَلْسَعُ
لا تَطْرِبَنَّ لِطَبِْهَا ، فَطُبُوُلُها
كانَتْ لِغَيْرِكَ قَبْلَ ذلِكَ تَقْرَعُ
ما زِلْتُ أَرْعُفُ في يَدَيْها مِنْ دَمِي
عَلَقاً ، وهل تَنْسَى ضَنَاها المُرْضِعُ ؟
أّيَّامَ نَقْتَسِمُ اللّظَى وَصُدُوُرُنا
تَضْرَى ، فَيَمْنَحُها الوِسامَ ،المِدْفَعُ
وَدِمَاؤُنا امْتَزَجَتْ سَوَاءُ ، فَلَمْ تَكُنْ
فِرَقَاً ، يُصَنِّفُها الهَوَى وَيُنَوِّعُ
وَتَعَانَقَتْ فَوْقَ الحِرابِ أَضالِعٌ
مِنّا ، فما مِيْزَتْ هُنَالِكَ أَضْلُعُ
حَتّى إذا أَرْسى السَّفِينَ وَعَافَهُ
نَوْءٌ ، زَحَمْنًا مَنْكَبَيْهِ ، زَعْزَعُ
عُدْنا وَبَعْضٌ للسّفِينِ حِبَالُهُ
والبَعْضُ حِصَّتُهُ السَّفيِنَةَ أَجْمَعُ
وَمَشَتْ تُصَنِّفُنا يَدٌ مَسْمُوُمَةٌ
مُتَسَنِّنٌ هَذا وَذَا مُتَشَيِّعُ
يا قَاصِدِي قَتْلَ الأُخُوَّةَ غِيْلَةً
لُمُّوا الشِّبَاكَ ، فَطَيْرُنا لا يُخْدَعُ
غَرَسَ الإِخَاءَ كِتَابُنا وَنَبِيُّنا
فَامْتَدَّ ، وَاشْتَبَكَتْ عَلَيْهِ الأَذْرُعُ
من رام وصل الشمس حاك خيوطها
سببا الى آماله وتعلقـــــــــــــــــــــــا