المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السكر من شراب الحب:


عبدالله الجنيد
07-02-2012, 07:12 PM
السكر من شراب الحب:
من كلام الشيخ الأكبر مولانا محي الدين ابن العربي رضي الله عنه وأرضاه

اعلم أن للحب شرابا هو تجل متوسط بين تجليين وهو التجلي الدائم الذي لا ينقطع وهو أعلى مقام يتجلى الحق فيه لعباده العارفين وأوله تجلي الذوق ومن لم يذقه شربا ما عرفه 0

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من iiيعانيهـا

وأما التجلي الذي يقع الري فهو لأصحاب الضيق فغاية شربهم ري وأما أهل السعة فلا ري لشربهم فإنه من قال رويت من الحب ما عرفه فالحب شرب بلا ري قال بعض المحجوبين شربت شربة فلم أظمأ بعدها أبدا فقال أبو يزيد ((الرجل من يحسو البحار ولسانه خارج على صدره من العطش ))
وكأس شراب الحب هو القلب من المحب لا عقله ولا حسه فإن القلب يتقلب من حال إلى حال كما أن الله الذي هو المحبوب كل يوم هو في شأن فيتنوع المحب في تعلق حبه بتنوع المحبوب في أفعاله كالكأس الزجاجي الأبيض الصافي يتنوع بحسب تنوع المائع الحال فيه فلون المحب لون محبوبه وليس هذا إلا للقلب فإن العقل من عالم التقييد ولهذا سمي عقلا من العقال والحس فمعلوم بالضرورة أنه من عالم التقييد بخلاف القلب وذلك أن الحب له أحكام كثيرة مختلفة متضادة فلا يقبلها إلا من في قوته الانقلاب معه فيها وذلك لا يكون إلا للقلب0

وإذا أضفت مثل هذا إلى الحق فهو قوله: (( أجيب دعوة الداع إذا دعاني )) ((وإن الله لا يمل حتى تملوا )) ((ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)) والشرع كله أو أكثره في هذا الباب وشرابه عين الحاصل في الكأس وقد بينا أن الكأس هو عين المظهر والشراب عين الظاهر فيه والشرب ما يحصل من المتجلي للمتجلي له كل ذلك من تجليه سبحانه في اسمه الجميل قال صلى الله عليه وسلم: (( إن جميل يحب الجمال )) وهو حديث ثابت فوصف نفسه بأنه يحب الجمال وهو يحب العالم فلا شيء أجمل من العالم وهو جميل والجمال محبوب لذاته فالعالم كله محب لله وجمال صنعه سار في خلقه فحب العالم بعضه بعضا هو من حب الله نفسه فإن الحب صفة الموجود وما في الوجود إلا الله 0

والجلال والجمال لله وصف ذاتي في نفسه وفي صنعه فالجمال هو نعوت الرحمة والألطاف من الحضرة الإلهية باسمه الجميل وهو الجمال الذي له الجلال المشهود في العالم وأما الجلال فهو نعوت القهر من الحضرة الإلهية الذي يكون عنده الوجود والهيبة التي هي من أثر الجمال والأنس الذي هو من أثر الجلال نعتان للمخلوق لا للخالق ولا لما يوصف به فإن الأنس ومشاهدة جمال الحضرة الإلهية في القلب وهو جلال الجمال وأما الهيبة فهي مشاهدة جمال الله في القلب وأكثر الطبقة يرون الأنس والبسط من الجمال وليس كذلك ولا يهاب ولا يأنس إلا موجود ولا موجود إلا الله فالأثر عين الصفة والصفة ليست مغايرة للموصول في حال اتصافه بها بل هي عين الموصوف فلا محب ولا محبوب إلا الله عز وجل فما في الوجود إلا الحضرة الإلهية وهي ذاته وصفاته وافعاله0

وإذا علمت أن تغاير التجليات إنما كان من حيث ظهوره فيك فوصف نفسه بالحب من أجلك أسكرك هذا العلم الحاصل لك من هذا التجلي عن أن تكون أنت المحب له أي المحب من أجله فلم تحب أحدا من أجله وهو أحب من أجلك فلو زلت لم يتصف هو بالمحبة وأنت لا تزول فوصفه بالحب لا يزول
0

وإذا علمت أن شراب حبه إياك وهو أن تحبه فإذا أحببته علمت حين شربت شراب حبه إياك أن حبك إياه عين حبه إياك وأسكرك عن حبك إياه مع إحساسك بأنك تحبه فلم تفرق وهو تجلى المعرفة فالمحب لا يكون عارفا أبدا والعارف لا يكون محبا أبدا فمن هنا يتميز المحب من العارف والمعرفة من المحبة فحبه لك مسكر عن حبك له وهو شراب الخمر الذي لو شربه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لغوت عامة الأمة وحبك له لا يسكرك عن حبه لك وهو شراب اللبن الذي شربه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء فأصاب به الفطرة التي فطر الله الخلق عليها فاهتدت أمته في ذوقها وشربها وهو الحفظ الإلهي والعصمة وعلمت ما لها وما له في حال صحو وسكر0

فشراب حبه لك هو العلم بأن حبك إياه من حبه إياك فغيبك عن حبك إياه فأنت محب لا محب وهو المعبر عنه بالسكر إذ السكران هو الذي لا يعقل0
هل الحب صفة نفسية في المحب أو معنى زائد على ذاته أو هو نسبة بين المحب والمحبوب لا وجود لها:

المحب من شأنه إذا قام بالصورة أن يتنفس لما في ذلك النفس من لذة المطلوب فإن المحبة حكم يوجب رحمة الموصوف بها بنفسه ولهذا يجد المتنفس راحة في نفسه فبروز النفس من المتنفس عين رحمته بنفسه لذلك قلنا إن العالم أظهره نفس الرحمن لإزالة حكم الحب وتنفس ما يجد المحب فالنفس أصله من حكم الحب والحب له الحركة في المحب والنفس حركة شوقية لمن تعشق به متعلق له في ذلك التنفس لذة فالحب هو نفس المحب وعينه لا صفة معنى فيه يمكن أن ترتفع فيرتفع حكمها والعلاقة هي النسبة بين الحب والمحبوب والحب هو عين المحب لا غير 0

سبب الحب :

اعلم وفقك الله أن للحب سببين الجمال والإحسان ورد في الخبر في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إن الله جميل يحب الجمال )) فنبهنا بقوله جميل أن نحبه وعذر الحبين بهذا الخبر لأن المحب لا يرى محبوبه إلا أجمل العالم في عينه فما أحب إلا هو جمال عنده لا بد من حكم ذلك فإنه لا شك أن الجمال محبوب لذاته وهو تعالى صانع العالم أوجده على صورته وهو تعالى الجميل فالعالم كله في غاية الجمال ما فيه شيء من القبح بل قد جمع الله له الحسن كله والجمال فليس في الإمكان أجمل ولا أبدع ولا أحسن من العالم ولو أوجد ما أوجد ما أوجد إلى ما لا يتناهى إذ لو نقص منه شيء لنزل عن درجة كمال خلقه فكان قبيحا ثم هدى أي بين لنا ذلك بقوله : (( أعطى كل شيء خلقه ثم هدى )) فلولا جمال الحق ما ظهر في العالم جمال ولولا حسن القديم 0

والسبب الآخر للحب هو الإحسان وأكثر العباد يحبون إحسانه فإن الإحسان مشهودهم وما ثم إحسان إلا من الله ولا محسن إلا الله فإن أحببت الإحسان فما أحببت إلا الله فإنه المحسن وإن أحببت الجمال فما أحببت إلا الله تعالى فإنه الجميل فعلى كل وجه ما متعلق المحبة إلا الله 0

حب الجمال :

فمن أحب العالم لجماله فإنما أحب الله فإنه ليس للحق منزه ولا مجلى إلا العالم فإنه أوجده على صورته فالعالم كله جماله ذاتي وحسنه عين نفسه إذ صنعه صانعه عليه 0
ولما كان الحق يتجلى في حضرة المثال في الصور في عالم التمثيل وهو تجل شهادي متنوع في الصور جاء في الحديث : (( رأيت ربي في صورة شاب على رأسه تاج من ذهب وفي قدميه نعلان من ذهب )) كما جاء في مسلم عن تجلى الحق لأهل الموقف في القيامة وتحوله في الصور بالعلامات فهو هو تجل شهادي متنوع في الصور وفي هذه الحضرة تتجسد المعاني المجردة والمعارف والأرواح في الصور المثالية فتظهر صورا في الجسم المشترك كما أخبر عليه السلام من أن الزهراوين البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة لهما لسانان وشفتان يشهدان لمن قرأهما وكالدين صورة القيد والعلم في صورة اللبن وكجبريل عليه السلام في صورة دحية وفي صورة الأعرابي فيلحق هذه الصور ما يلزمها من رؤية وكلام وكل ما يلزم الصورة وتنعت هذه الصورة المتجلي فيها بما تستحقه من جمال وضحك ودلال إلى غير ذلك من النعوت والصفات وكان لها التقييد بالزمان فتصف بالفراق والبين والهجران ذكر مسلم في صحيحه في الحديث: ((إن الله يضحك )) وإذا تجسدت الأرواح وتمثلت في الصور الجسدية قبلت النعوت الطبيعية ورد في الخبر: ((أن جبريل وميكائيل يبكيان خوفا من مكر الله ))
ولما كان العالم على صورة الحق والإنسان بمفرده على صورة الحق فله حضرة الاسم الجامع فهو كالمرآة للحق فالحق يتجلى للمحب والعارف في الحق وهو التجلي في الصور فيؤدي ذلك إلى التعلق بالأكوان لما ظهر التجلي فيها فحنين العارف والمحب أبدا إنما هو لموطن التجلي من حيث التجلي لا من حيث الصور فغرامه وتهيامه وتعلقه إنما هو بالتجلي ما هو غرامه لمن يتجلى فيه إلا بحكم التبعية كالتولع بمنازل الأحبة من حيث هي منازل لهم خاصة لا من حيث هي منازل 0

نرجس*
07-02-2012, 09:40 PM
سلمت الايادى..
يعطيكـ العآاافيهـ على هيك معلومات...::
على رووعة وجمالية الطرح ...
بانتظار جديدك بكل شوق ..
ودي وشذى الورد
نرجس

ألاعلمي
09-02-2012, 05:54 PM
الله يعطيك العافية
اخي الفاضل
على الموضوع القيم

محمد السراي
13-02-2012, 02:36 PM
بارك الله بك اخي الغالي على الطرح الرائع والقيم
جزيتَ خيراً
تحياتي