عبدالله الجنيد
08-02-2012, 09:33 PM
نفي السهو والنسيان عن جناب أكمل إنسان - صلى الله عليه وآله وسلم-
للباحث / عدنان الجنيد
من المعلوم قطعاً أنً الحق سبحانه وتعالى أمرنا بتنزيه الجناب الأقدس -صلى الله عليه وآله وسلم - من كل ما يتنافى مع قداسته العظيمة وأخلاقه الفخيمة ، قال تعالى : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه .... ) فهذه الضمائر تعود إلى أقرب مذكور وهو الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- ، تعزروه : تفخموه وتعظموه ، قال المبرِّد : تبالغوا في تعظيمه . ومعنى توقروه : تحترموه وتجلوا أمره مع التعظيم والتكريم. ومعنى تسبحوه : تمجدوه وتنزهوه عما لا يليق به من صفات النقص.
فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الإنسان الكامل المنزه عن صفات النقص ، فلا يقاس بغيره من الناس لأنّ الله ميزه بصفات الكمال ، وخصه بأكرم الخصال ، كان يواصل الصيام فأراد بعض الصحابة أن يواصلوا فشق عليهم ذلك فنهاهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن مواصلة الصيام ، فقالوا : نراك تواصل يا رسول الله ، فقال : إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ، كما في البخاري ومسلم ، وكان ينظر من خلفه كما ينظر من أمامه ، كان مع الله على الدوام فحضوره مع الله في نومه كحضوره في يقظته لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه - كما سيأتي لاحقاً - فخصائصه صلى الله عليه وآله وسلم - التي ميزه الله بها عن سائر البشر كثيرة وخصاله الحميدة وفيرة ، ولكن ذكرنا هذا النموذج لتعلم بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر لا كالبشر حير الأفكار وبهر كما أن الياقوت حجر لكنه لا كالحجر ، ومقام ( يوحى إليَّ ) المذكور في قوله تعالى ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ... ) يُلفت الأنظار إلى موضع الاعتبار بفضل هذا النبي المختار وأنه منزه عن النقائص والأغيار وعن الذنوب والأوزار ، فهو عين الحضرة الواحدية المكسوَّة بالأنوار فلا يعقل أن يسهو أو يلهو أو ينسى أو يحار .
نعم جاءت روايات عديدة في صحيحي البخاري ومسلم تثبت سهو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونسيانه في الصلاة ، فتارة يصلي الرباعية ركعتين أو ثلاث ، وتارة يصليها خمس ركعات ، وهو لا يدري حتى يذكِّره الناس بعد انتهائه من الصلاة ، لكنها موضوعة من قبل السلاطين والحكام من بني أمية تبريراً لتركهم الفرائض ، فهذا الوليد بن عقبة كان يصلي بالناس الفجر أربع ركعات ثم يقول لهم – وهو سكران – هل أزيدكم ؟ هذا الصالح منهم فكيف بالطالح !!
وإليك بعض الروايات التي تثبت سهو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – على حد زعمهم:
منها ما أخرجه البخاري ومسلم - واللفظ للأول - بسنديهما عن أبي هريرة قال : "صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إحدى صلاتي العشيِّ ـ قال محمد وأكثر ظني أنها العصر – ركعتين ثم سلَّم ، ثم قام إلى خشبة في مقدَّم المسجد فوضع يده عليها ، وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فهابا أن يكلِّماه ، وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة ؟ ورجل يدعوه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذا اليدين فقال : أنسيت أم قصرت ؟ فقال : لم أنس ولم تقصر : قال : بلى قد نسيت ، فصلى ركعتين ثم سلَّم ثم كبَّر فسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه فكبر ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر".
وأخرج البخاري - أيضاً – بسنده عن أبي هريرة قال : " صلى بنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الظهر - أو العصر - فسلَّم ، فقال له ذو اليدين : الصلاة يا رسول الله أنقصت ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه : أحق ما يقول ؟ قالوا : نعم ، فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين".
وهناك رواية أنه صلى الظهر خمساً فعندما ذكَّروه سجد سجدتين بعدما سلَّم بحسب رواية البخاري وهكذا فالروايات كثيرة من هذا النوع تجدها في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما.
تفنيد الروايـــــــــــــــات
أولاً : إن السهو في الصلاة لا يصدر إلا عن الغافل الذي يلبس عليه الشيطان حتى لا يدري كم صلى فقد أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبَّس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ) فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم - منزه عن السهو والنسيان لأنه يستحيل أن يلبِّس عليه الشيطان بل لا يستطيع الشيطان الإقتراب منه -صلى الله عليه وآله وسلم -.
ثم لا يعقل أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -لا يدري كم صلَّى حتى يذكِّره الناس ، أيعقل أنهم أكثر حضوراً في الصلاة منه -صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يذكِّروه كم صلى ؟! فإذا قالوا : بأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - مُشرِّع لأمته فيما يفعله ، فلولم يسه في صلاته لما علموا سجدتي السهو ، نقول : هكذا نجد إجابة الفقهاء عندما لا يجدون دليلاً يسعفهم يلجؤون إلى القول (بأنه مشرِّع ) .. ففي البول قائماً قالوا (مشرِّع) وكذلك في السحر ، وسباقه مع زوجته أمام الناس ، ومباشرته لها وهي حائض ، ... كل هذا بحجة أنه (مشرِّع) إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - لا يشرِّع لأمته بأمر يلحقه فيه نقص أو عيب أو نزع الثقة منه ، ثم هل معرفة سجدتي السهو تتوقف على سهوه -صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلاة ؟ أليس من الممكن أن يرشدنا بالقول إذا سهونا في صلاتنا بأن نسجد سجدتين بعد السلام أو قبله !! وقد جاءت روايات تدل على إرشاده لأصحابه إذا لم يدر أحدهم كم صلى ، فقد أخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – : "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلِّم .. " وقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – : " إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبَّس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس" وغيرها من الأحاديث فإذا كان قد أرشدهم إلى كيفية العمل إذا سهو في صلاتهم ، فما فائدة سهوه -صلى الله عليه وآله وسلم - في صلاته ؟! ليس هناك فائدة إلا نسبة الغفلة له -صلى الله عليه وآله وسلم - حيث أنه لم يدر عدد الركعات التي صلاها، وإذا كان العارفون بالله من الصوفية يقولون بأن الغفلة عن الله طرفة عين شرك ، كما حُكي عن الشبلي – سواءً كانت الغفلة داخل الصلاة أم خارجها – فكيف سيغفل المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم - عن حضوره في الصلاة فلا يدري كم صلى !! وما الأنبياء والأولياء إلا زهرة من أزهاره -صلى الله عليه وآله وسلم - ومعلوم أن آخر مقام من مقامات الأولياء هو بداية أول مقام من مقامات الأنبياء ، وكذلك آخر مقام من مقامات الأنبياء يعد بداية أول مقام من مقامات الحبيب الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم - (فافهم).
ثانياً : لو جاز أن يسهو في الصلاة، جاز أن يسهو في التبليغ ، لأن الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ فريضة إذاً فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم - منزه عن السهو مطلقاً في الأحكام وفي غيرها ، لأنه لو جاز السهو عليه -صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان لقوله أي اعتبار إذ لو حدثهم بما جاء به جبريل عن الله فإنهم سيشتبهون في قوله ذلك لأنه يحتمل أن يكون قد سهى ونسى ما نزل عليه من الوحي وبهذا تقل الثقة وينهد أساس الوحي !! من هذا نقول أنه -صلى الله عليه وآله وسلم - معصوم عن السهو والنسيان وعن وسوسة الشيطان ، وعن كل نقص لا يليق بكماله وبمقام نبوته.
ثالثاً: لو صح حديث سهو النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - لكان دالاً على أنه -صلى الله عليه وآله وسلم - – والعياذ بالله – يكذب نفسه حيث أنه قال لذي اليدين: ( لم أنس ولم تقصر ) فكيف يكذِّب نفسه واعتقاده ويأتي بالركعتين ثم سجدتي السهو وهو الذي لا ينطق إلا حقاً ولا يقول إلا صدقاً، قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ؟!!.
رابعاً : إن ذا اليدين المذكور في الأحاديث قد استشهد في معركة بدر ، قال ابن إسحاق : ( كان يعمل بيديه جميعاً فقيل له ( ذو اليدين ) وشهد بدراً واستشهد بها ) وذهب إلى هذا القول الزهري كما في شرح صحيح مسلم للنووي ، وذي اليدين هو الملقب بذي الشمالين بدليل رواية النسائي فقد روى بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى يوماً فسلم في ركعتين ثم انصرف فأدركه ذو الشمالين فقال: يا رسول الله أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال: لم تنقص الصلاة ولم أنس ، قال بلى والذي بعثك بالحق ، قال رسول الله أصدق ذو اليدين قالوا: نعم فصلى بالناس ركعتين ).
مما ذكر آنفاً تعلم أن الراوي عن ذي اليدين الملقب بذي الشمالين هو أبو هريرة ، وذو اليدين – كما علمت سابقاً – استشهد في وقعة بدر الواقعة في السنة الثانية للهجرة ، بينما لم يسلم أبو هريرة -الذي كان حاضراً أثناء سهوه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة على حسب الرواية - إلا في السنة السابعة للهجرة !! إذاً لم يكن أبو هريرة حاضراً أثناء حادثة السهو المزعومة ولا يمكن أن ينقل عنه في زمن كفره !! هذا مع أن ذا الشمالين مجهول لا يعرف عنه شيء !! فإذا قالوا: بأن ذي الشمالين غير ذي اليدين !! نقول : لو فرضنا صحة قولهم هذا فليأتوا بترجمة -هذا المجهول - ذي الشمالين !!..
هناك قول أورده ابن حجر في الإصابة قال ما نصه "وقال أبو عمر قُتل ــ ذو اليدين ــ بأحد وزعم أنه ذو اليدين وليس بذي الشماليين المقتول ببدر " 1هـ فهذا القول لأبي عمر – المعروف بابن عبدالبر – يدل – أيضاً – على أن أبا هريرة لم يكن حاضراً عند سماعه ومشاهدته لذي اليدين ؛ لأن إسلامه كان في السنة السابعة – كما عرفت سابقاً – وذو اليدين قُتل في معركة أحد والتي كانت في السنة الثالثة هذا إذا صح كلام ابن عبد البر وكان ذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول في بدر بحسب زعمه.
وسواء كان هذا أو ذاك فالرواية مكذوبة قطعاً لعدم حضور الراوي، ولم يكتف الفقهاء بنسب السهو إلى رسول الله في صلاته حتى راحوا ينسبون إليه روايات تدل على أنه فاتته بعض الصلوات المفروضات بسبب انشغاله بالنوم أو بمقاتلة المشركين في الخندق ومن هذه الروايات : ما رواه البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة قال : "عرسنا مع نبي الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ، قال – أبو هريرة – ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة ... "1هـ.
قلت : هذا الحديث من المحال الممتنع عقلاً وشرعاً وذلك الأمور:
1. هذا الحديث المختلق المكذوب يبين أن الشيطان هو السبب في فوات صلاة الفجر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - فكيف يتسلط الشيطان على رسول الله ويغويه عن صلاة الفجر مع أنه -صلى الله عليه وآله وسلم - معصوم منه ؟! ، قال تعالى: ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) ، وقال تعالى :( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) .
2. كيف ستفوته صلاة الفجر وهو الذي حذر أمته من الشيطان وبذل لهم النصح في ذلك قائلاً : "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على مكان كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة ، فإن توضأ انحلَّت عقدة ، فإن صلى انحلِّت عقدة ، فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" رواه البخاري أم كيف ستفوته صلاة الفجر وهو الذي قال - لما ذكر عنده رجل بأنه نام عن صلاة الفجر -:(بال الشيطان في أذنه) فهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما لا يفعل ، ويقع فيما حذر منه ؟! حاشاه من ذلك ، ومن اعتقد ذلك فهو - لا محالة - هالك.
3. كيف ستفوته صلاة الفجر مع انه -صلى الله عليه وآله وسلم - لا ينام قلبه فهو مع الله على الدوام !! روى البخاري في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعائشة - لما سألته: "أتنام قبل أن توتر؟ "- "إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي".
4. إذا كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - لم تفته صلاة التهجد بالليل ، فقد كان يصلي حتى تتورم قدماه، فكيف ستفوته صلاة الفجر التي هي من الفرائض الخمس وأحد أركان الإسلام ؟!..
ثم من المعلوم أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - جاء يتلو على أمته القرآن الذي هو مشحون بذكر الآيات التي تأمر بالمحافظة على الصلوات وأدائها بأوقاتها ، ومعلوم – أيضاً – أن جميع الأوامر القرآنية قد ائتمر بها ( صلى الله عليه واله وسلم ) وكذلك الزواجر قد انزجر بها ، بل هو القرآن الناطق.
5. إذا كان أهل السنة يروون بأن الشيطان لا يقترب من عمر بن الخطاب الذي كان إذا سلك وادياً ، سلك الشيطان وادياً آخر !! فبالأولى والأحرى ، أن يفر من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - لأنه معصوم ، بينما عمر ليس بمعصوم ، فمن هو الأولى بالعصمة عند الفقهاء عمر أم رسول الله ؟! ليجيبوا على ذلك !!.
وتجد الفقهاء – سامحهم الله – لما رأوا أن عمر بن الخطاب قد فاتته صلاة العصر في يوم الخندق عمدوا إلى ضم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جانبه حتى قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا فاتتني يا عمر صلاة العصر كما فاتتك ، فلم أدركها حتى غابت الشمس ، وإليك الرواية لتعجب منها : روى البخاري في صحيحه : عن جابر بن عبد الله " أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب. قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -: والله ما صليتها فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب " قلت : في غزوة الأحزاب أو الخندق لم يحدث قتال فيها قط لأن الخندق كان حائلاً بين الجيشين لذا لم يجر بينهما قتال مباشر وحرب دامية بل اقتصروا على المراماة فقط ، فكيف شغلهم هذا عن صلاة العصر ؟! فإذا قالوا : بأن التراشق بالنبال استمر بين الجيشين طوال اليوم !!
نقول : أليس المشركون التجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين حينما وجدوا خندقاً عريضاً يحول بينهم وبين المسلمين واستمر هذا أياماً مع ترامي الفريقين بالنبال ـ كما ذكر أصحاب السير ، وإذا كان كذلك فلماذا لم تفتهم صلاة العصر طيلة تلك المدة !! هذا مع أنه لا يمكن بل يستحيل أن تفوت صلاة العصر سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فلا يمكن أن يشغله شيء عن أداء ما افترضه الله عليه فهو منزه عن هذه الروايات وعن غيرها التي تتنافى مع جلالة قدره العظيم ، فكم من روايات في صحيحي البخاري ومسلم تسيء إلى حضرة الجناب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا يُنسب النقص إلى من جاء يدعو إلى الكمال ، وكيف وقد اختاره الكبير المتعال وكساه حلة الجمال المعلَّمة بنقوش الجلال ، فيا أصحاب اليقين أتعرفون الأفق المبين ، ويا من بعيون السخط تنظرون أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون !!
فإنا لله وإنا إليه راجعون .. [/size][/color]
للباحث / عدنان الجنيد
من المعلوم قطعاً أنً الحق سبحانه وتعالى أمرنا بتنزيه الجناب الأقدس -صلى الله عليه وآله وسلم - من كل ما يتنافى مع قداسته العظيمة وأخلاقه الفخيمة ، قال تعالى : ( لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه .... ) فهذه الضمائر تعود إلى أقرب مذكور وهو الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- ، تعزروه : تفخموه وتعظموه ، قال المبرِّد : تبالغوا في تعظيمه . ومعنى توقروه : تحترموه وتجلوا أمره مع التعظيم والتكريم. ومعنى تسبحوه : تمجدوه وتنزهوه عما لا يليق به من صفات النقص.
فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الإنسان الكامل المنزه عن صفات النقص ، فلا يقاس بغيره من الناس لأنّ الله ميزه بصفات الكمال ، وخصه بأكرم الخصال ، كان يواصل الصيام فأراد بعض الصحابة أن يواصلوا فشق عليهم ذلك فنهاهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن مواصلة الصيام ، فقالوا : نراك تواصل يا رسول الله ، فقال : إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ، كما في البخاري ومسلم ، وكان ينظر من خلفه كما ينظر من أمامه ، كان مع الله على الدوام فحضوره مع الله في نومه كحضوره في يقظته لأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه - كما سيأتي لاحقاً - فخصائصه صلى الله عليه وآله وسلم - التي ميزه الله بها عن سائر البشر كثيرة وخصاله الحميدة وفيرة ، ولكن ذكرنا هذا النموذج لتعلم بأنه - صلى الله عليه وآله وسلم - بشر لا كالبشر حير الأفكار وبهر كما أن الياقوت حجر لكنه لا كالحجر ، ومقام ( يوحى إليَّ ) المذكور في قوله تعالى ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ... ) يُلفت الأنظار إلى موضع الاعتبار بفضل هذا النبي المختار وأنه منزه عن النقائص والأغيار وعن الذنوب والأوزار ، فهو عين الحضرة الواحدية المكسوَّة بالأنوار فلا يعقل أن يسهو أو يلهو أو ينسى أو يحار .
نعم جاءت روايات عديدة في صحيحي البخاري ومسلم تثبت سهو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ونسيانه في الصلاة ، فتارة يصلي الرباعية ركعتين أو ثلاث ، وتارة يصليها خمس ركعات ، وهو لا يدري حتى يذكِّره الناس بعد انتهائه من الصلاة ، لكنها موضوعة من قبل السلاطين والحكام من بني أمية تبريراً لتركهم الفرائض ، فهذا الوليد بن عقبة كان يصلي بالناس الفجر أربع ركعات ثم يقول لهم – وهو سكران – هل أزيدكم ؟ هذا الصالح منهم فكيف بالطالح !!
وإليك بعض الروايات التي تثبت سهو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم – على حد زعمهم:
منها ما أخرجه البخاري ومسلم - واللفظ للأول - بسنديهما عن أبي هريرة قال : "صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إحدى صلاتي العشيِّ ـ قال محمد وأكثر ظني أنها العصر – ركعتين ثم سلَّم ، ثم قام إلى خشبة في مقدَّم المسجد فوضع يده عليها ، وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فهابا أن يكلِّماه ، وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة ؟ ورجل يدعوه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ذا اليدين فقال : أنسيت أم قصرت ؟ فقال : لم أنس ولم تقصر : قال : بلى قد نسيت ، فصلى ركعتين ثم سلَّم ثم كبَّر فسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه فكبر ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر".
وأخرج البخاري - أيضاً – بسنده عن أبي هريرة قال : " صلى بنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الظهر - أو العصر - فسلَّم ، فقال له ذو اليدين : الصلاة يا رسول الله أنقصت ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه : أحق ما يقول ؟ قالوا : نعم ، فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين".
وهناك رواية أنه صلى الظهر خمساً فعندما ذكَّروه سجد سجدتين بعدما سلَّم بحسب رواية البخاري وهكذا فالروايات كثيرة من هذا النوع تجدها في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما.
تفنيد الروايـــــــــــــــات
أولاً : إن السهو في الصلاة لا يصدر إلا عن الغافل الذي يلبس عليه الشيطان حتى لا يدري كم صلى فقد أخرج البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : (إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبَّس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ) فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم - منزه عن السهو والنسيان لأنه يستحيل أن يلبِّس عليه الشيطان بل لا يستطيع الشيطان الإقتراب منه -صلى الله عليه وآله وسلم -.
ثم لا يعقل أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -لا يدري كم صلَّى حتى يذكِّره الناس ، أيعقل أنهم أكثر حضوراً في الصلاة منه -صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يذكِّروه كم صلى ؟! فإذا قالوا : بأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - مُشرِّع لأمته فيما يفعله ، فلولم يسه في صلاته لما علموا سجدتي السهو ، نقول : هكذا نجد إجابة الفقهاء عندما لا يجدون دليلاً يسعفهم يلجؤون إلى القول (بأنه مشرِّع ) .. ففي البول قائماً قالوا (مشرِّع) وكذلك في السحر ، وسباقه مع زوجته أمام الناس ، ومباشرته لها وهي حائض ، ... كل هذا بحجة أنه (مشرِّع) إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - لا يشرِّع لأمته بأمر يلحقه فيه نقص أو عيب أو نزع الثقة منه ، ثم هل معرفة سجدتي السهو تتوقف على سهوه -صلى الله عليه وآله وسلم - في الصلاة ؟ أليس من الممكن أن يرشدنا بالقول إذا سهونا في صلاتنا بأن نسجد سجدتين بعد السلام أو قبله !! وقد جاءت روايات تدل على إرشاده لأصحابه إذا لم يدر أحدهم كم صلى ، فقد أخرج مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – : "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلِّم .. " وقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – : " إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان فلبَّس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس" وغيرها من الأحاديث فإذا كان قد أرشدهم إلى كيفية العمل إذا سهو في صلاتهم ، فما فائدة سهوه -صلى الله عليه وآله وسلم - في صلاته ؟! ليس هناك فائدة إلا نسبة الغفلة له -صلى الله عليه وآله وسلم - حيث أنه لم يدر عدد الركعات التي صلاها، وإذا كان العارفون بالله من الصوفية يقولون بأن الغفلة عن الله طرفة عين شرك ، كما حُكي عن الشبلي – سواءً كانت الغفلة داخل الصلاة أم خارجها – فكيف سيغفل المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم - عن حضوره في الصلاة فلا يدري كم صلى !! وما الأنبياء والأولياء إلا زهرة من أزهاره -صلى الله عليه وآله وسلم - ومعلوم أن آخر مقام من مقامات الأولياء هو بداية أول مقام من مقامات الأنبياء ، وكذلك آخر مقام من مقامات الأنبياء يعد بداية أول مقام من مقامات الحبيب الأعظم - صلى الله عليه وآله وسلم - (فافهم).
ثانياً : لو جاز أن يسهو في الصلاة، جاز أن يسهو في التبليغ ، لأن الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ فريضة إذاً فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم - منزه عن السهو مطلقاً في الأحكام وفي غيرها ، لأنه لو جاز السهو عليه -صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان لقوله أي اعتبار إذ لو حدثهم بما جاء به جبريل عن الله فإنهم سيشتبهون في قوله ذلك لأنه يحتمل أن يكون قد سهى ونسى ما نزل عليه من الوحي وبهذا تقل الثقة وينهد أساس الوحي !! من هذا نقول أنه -صلى الله عليه وآله وسلم - معصوم عن السهو والنسيان وعن وسوسة الشيطان ، وعن كل نقص لا يليق بكماله وبمقام نبوته.
ثالثاً: لو صح حديث سهو النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - لكان دالاً على أنه -صلى الله عليه وآله وسلم - – والعياذ بالله – يكذب نفسه حيث أنه قال لذي اليدين: ( لم أنس ولم تقصر ) فكيف يكذِّب نفسه واعتقاده ويأتي بالركعتين ثم سجدتي السهو وهو الذي لا ينطق إلا حقاً ولا يقول إلا صدقاً، قال تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ؟!!.
رابعاً : إن ذا اليدين المذكور في الأحاديث قد استشهد في معركة بدر ، قال ابن إسحاق : ( كان يعمل بيديه جميعاً فقيل له ( ذو اليدين ) وشهد بدراً واستشهد بها ) وذهب إلى هذا القول الزهري كما في شرح صحيح مسلم للنووي ، وذي اليدين هو الملقب بذي الشمالين بدليل رواية النسائي فقد روى بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى يوماً فسلم في ركعتين ثم انصرف فأدركه ذو الشمالين فقال: يا رسول الله أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال: لم تنقص الصلاة ولم أنس ، قال بلى والذي بعثك بالحق ، قال رسول الله أصدق ذو اليدين قالوا: نعم فصلى بالناس ركعتين ).
مما ذكر آنفاً تعلم أن الراوي عن ذي اليدين الملقب بذي الشمالين هو أبو هريرة ، وذو اليدين – كما علمت سابقاً – استشهد في وقعة بدر الواقعة في السنة الثانية للهجرة ، بينما لم يسلم أبو هريرة -الذي كان حاضراً أثناء سهوه صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة على حسب الرواية - إلا في السنة السابعة للهجرة !! إذاً لم يكن أبو هريرة حاضراً أثناء حادثة السهو المزعومة ولا يمكن أن ينقل عنه في زمن كفره !! هذا مع أن ذا الشمالين مجهول لا يعرف عنه شيء !! فإذا قالوا: بأن ذي الشمالين غير ذي اليدين !! نقول : لو فرضنا صحة قولهم هذا فليأتوا بترجمة -هذا المجهول - ذي الشمالين !!..
هناك قول أورده ابن حجر في الإصابة قال ما نصه "وقال أبو عمر قُتل ــ ذو اليدين ــ بأحد وزعم أنه ذو اليدين وليس بذي الشماليين المقتول ببدر " 1هـ فهذا القول لأبي عمر – المعروف بابن عبدالبر – يدل – أيضاً – على أن أبا هريرة لم يكن حاضراً عند سماعه ومشاهدته لذي اليدين ؛ لأن إسلامه كان في السنة السابعة – كما عرفت سابقاً – وذو اليدين قُتل في معركة أحد والتي كانت في السنة الثالثة هذا إذا صح كلام ابن عبد البر وكان ذو اليدين غير ذي الشمالين المقتول في بدر بحسب زعمه.
وسواء كان هذا أو ذاك فالرواية مكذوبة قطعاً لعدم حضور الراوي، ولم يكتف الفقهاء بنسب السهو إلى رسول الله في صلاته حتى راحوا ينسبون إليه روايات تدل على أنه فاتته بعض الصلوات المفروضات بسبب انشغاله بالنوم أو بمقاتلة المشركين في الخندق ومن هذه الروايات : ما رواه البخاري ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة قال : "عرسنا مع نبي الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ، قال – أبو هريرة – ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة ... "1هـ.
قلت : هذا الحديث من المحال الممتنع عقلاً وشرعاً وذلك الأمور:
1. هذا الحديث المختلق المكذوب يبين أن الشيطان هو السبب في فوات صلاة الفجر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - فكيف يتسلط الشيطان على رسول الله ويغويه عن صلاة الفجر مع أنه -صلى الله عليه وآله وسلم - معصوم منه ؟! ، قال تعالى: ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون ) ، وقال تعالى :( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ) .
2. كيف ستفوته صلاة الفجر وهو الذي حذر أمته من الشيطان وبذل لهم النصح في ذلك قائلاً : "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على مكان كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة ، فإن توضأ انحلَّت عقدة ، فإن صلى انحلِّت عقدة ، فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" رواه البخاري أم كيف ستفوته صلاة الفجر وهو الذي قال - لما ذكر عنده رجل بأنه نام عن صلاة الفجر -:(بال الشيطان في أذنه) فهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما لا يفعل ، ويقع فيما حذر منه ؟! حاشاه من ذلك ، ومن اعتقد ذلك فهو - لا محالة - هالك.
3. كيف ستفوته صلاة الفجر مع انه -صلى الله عليه وآله وسلم - لا ينام قلبه فهو مع الله على الدوام !! روى البخاري في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعائشة - لما سألته: "أتنام قبل أن توتر؟ "- "إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي".
4. إذا كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - لم تفته صلاة التهجد بالليل ، فقد كان يصلي حتى تتورم قدماه، فكيف ستفوته صلاة الفجر التي هي من الفرائض الخمس وأحد أركان الإسلام ؟!..
ثم من المعلوم أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - جاء يتلو على أمته القرآن الذي هو مشحون بذكر الآيات التي تأمر بالمحافظة على الصلوات وأدائها بأوقاتها ، ومعلوم – أيضاً – أن جميع الأوامر القرآنية قد ائتمر بها ( صلى الله عليه واله وسلم ) وكذلك الزواجر قد انزجر بها ، بل هو القرآن الناطق.
5. إذا كان أهل السنة يروون بأن الشيطان لا يقترب من عمر بن الخطاب الذي كان إذا سلك وادياً ، سلك الشيطان وادياً آخر !! فبالأولى والأحرى ، أن يفر من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - لأنه معصوم ، بينما عمر ليس بمعصوم ، فمن هو الأولى بالعصمة عند الفقهاء عمر أم رسول الله ؟! ليجيبوا على ذلك !!.
وتجد الفقهاء – سامحهم الله – لما رأوا أن عمر بن الخطاب قد فاتته صلاة العصر في يوم الخندق عمدوا إلى ضم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - إلى جانبه حتى قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا فاتتني يا عمر صلاة العصر كما فاتتك ، فلم أدركها حتى غابت الشمس ، وإليك الرواية لتعجب منها : روى البخاري في صحيحه : عن جابر بن عبد الله " أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب. قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -: والله ما صليتها فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب " قلت : في غزوة الأحزاب أو الخندق لم يحدث قتال فيها قط لأن الخندق كان حائلاً بين الجيشين لذا لم يجر بينهما قتال مباشر وحرب دامية بل اقتصروا على المراماة فقط ، فكيف شغلهم هذا عن صلاة العصر ؟! فإذا قالوا : بأن التراشق بالنبال استمر بين الجيشين طوال اليوم !!
نقول : أليس المشركون التجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين حينما وجدوا خندقاً عريضاً يحول بينهم وبين المسلمين واستمر هذا أياماً مع ترامي الفريقين بالنبال ـ كما ذكر أصحاب السير ، وإذا كان كذلك فلماذا لم تفتهم صلاة العصر طيلة تلك المدة !! هذا مع أنه لا يمكن بل يستحيل أن تفوت صلاة العصر سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فلا يمكن أن يشغله شيء عن أداء ما افترضه الله عليه فهو منزه عن هذه الروايات وعن غيرها التي تتنافى مع جلالة قدره العظيم ، فكم من روايات في صحيحي البخاري ومسلم تسيء إلى حضرة الجناب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا يُنسب النقص إلى من جاء يدعو إلى الكمال ، وكيف وقد اختاره الكبير المتعال وكساه حلة الجمال المعلَّمة بنقوش الجلال ، فيا أصحاب اليقين أتعرفون الأفق المبين ، ويا من بعيون السخط تنظرون أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون !!
فإنا لله وإنا إليه راجعون .. [/size][/color]