المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علي شريعتي: المناضل والمفكّر


علي عبد الرزاق
18-02-2012, 10:03 PM
علي شريعتي: المناضل والمفكّر



تاريخ النشر 12/07/2011 06:00 AM






http://www.husseinalsader.org/inp/Upload/127920_Dr-AliSaryati.jpgولد علي شريعتي في شهر كانون الأول من العام 1933، في قرية "مزينان"، إحدى قرى محافظة خرسان، التي تقع على حافة الصحراء الكبرى، المعروفة باسم "دشت كوير".


والده محمد تقي شريعتي، أحد المفسّرين المعروفين للقرآن الكريم، ومن كبار المفكّرين والمجاهدين الإسلاميين، والمؤسّس "لمركز نشر الحقائق الإسلاميَّة"، الذي اضطلع بمسؤولية توعية الجماهير بالدور الحقيقيّ للدين في المجتمع.


بدأ علي شريعتي نشاطه السياسيّ مبكراً، حيث انضمّ إلى جناح الشباب في "الجبهة الوطنيّة"، وهو لم يزل بعدُ طالباً في المدرسة الثانوية.


انضم شريعتيّ عام1954 إلى حركة "المقاومة الوطنية" – بعد سقوط حكومة مصدق– التي أسّسها كلٌّ من آية الله الزنجانيّ، وآية الله الطالقاني، ومهدي بازركان، بالتزامن مع دخوله كليّة الآداب بجامعة مشهد، حيث أنشأ في الجامعة حلقاتٍ دراسيّةً لمناقشة قضايا الإسلام، مستعيناً بجهود والده في هذا المجال.


في سنة 1958، سُجن شريعتي لمدّة ستّة أشهر، ولم يكن بعدُ قد تخرّج من الجامعة، بعدما ضُرِبت حركة المقاومة الوطنية بعنفٍ من قبل السلطة، وتم تشتيتها.


بعد تخرّجه من الجامعة بدرجة امتيازٍ في الأدب، أُرسل في بعثة دراسيّةٍ إلى فرنسا عام1959، حيث واصل نشاطه السياسيّ إلى جانب دراسته، فأسّس حركة "تحرير إيران ــ فرع أوروبا"، التي أنشأها آية الله الطالقانيّ ومهدي بازركان عام 1961.


في فرنسا، درس شريعتي تاريخ الأديان، وعلم الاجتماع والآداب، واختار علم الاجتماع الديني ميداناً لتخصّصه، وكأنّه كان يستشرف المستقبل، عندما رأى أنّ الشعوب الإسلاميّة المقهورة لن تتحرّك إلاّ بالدّين، ولن تنجو إلّا بالإسلام، فنال الدكتوراه في علم الاجتماع الدينيّ، كما نال دكتوراه ثانية في تاريخ ومعرفة الأديان.



ظلَّ علي شريعتي مناضلاً من أجل تنظيم الحركة الإسلاميّة في الخارج، وأدّى دوراً في تكوين النواة الأولى للجمعيّات الإسلاميّة للطلبة الإيرانيين في الخارج.


كذلك، كان شريعتي من أبرز النّشطاء في دعم الثورة الجزائريّة، وتنظيم التّظاهرات ونشاطات التّضامن معها، ودخل السجون الفرنسيّة دفاعاً عنها، حيث تعرّف على مناضلي العالم الثالث من أمثال "إيماسيزار"، و"فرانز فانون"، الذي ترجم له شريعتي إلى الفارسيّة قسماً من كتابه "معذّبو الأرض".


عاد شريعتي إلى إيران عام 1963، فألقي القبض عليه على الحدود. ثمّ أطلق سراحه بعد فترةٍ، فعيُّن معلّماً في المدارس الابتدائيّة في إحدى القرى النائيّة، توهيناً لشخصيّته العلميّة والأكاديميّة.


واصل شريعتي نشاطه الثقافي في منفاه، وأخذ يُلقي الدروس والمحاضرات العامّة ذات الهدف التنويريّ الدينيّ. كان صوت شريعتي مخلصاً، عالماً، بعيد الغور، واضحاً في نفس الوقت، بحيث كان عدد المُشاركين في ندواته ومحاضراته لا يقلّ عن ثلاثة آلافٍ أو أربعة آلاف مشترك.


تستسلم السلطة لنفوذ شريعتي، فتنقله مدرّساً في جامعة مشهد. وهناك يواصل شريعتي نشاطه الفكريّ والثقافيّ، ويتألّق، طيلة الأربع سنوات والنّصف التي قضاها في الجامعة، أستاذاً مؤمناً أصيل الفكر والثقافة.


ضاقت السلطة ذرعاً بنشاط شريعتي، فتقرّر إبعاده عن الجامعة وإحالته على التقاعد.


وفي العام 1969، تأسّست في طهران حسينيّة الإرشاد، لتُصبح بعد فترةٍ، مركزاً لنشاطات علي شريعتي، حيث قام بإلقاء محاضراتٍ منتظمةٍ حول الإسلام وتاريخ الشيعة، مبلوراً من خلالها منظومة أفكاره حول الإسلام، والتي أراد منها تصحيح مفاهيم سائدة خاطئة عن الإسلام، كما أراد منها شحذ الإسلام سلاحاً للتعبئة الفكريّة والسياسيّة في أوساط الشباب.


التفَّ حول حسينيّة الإرشاد ونشاطاتها جيلٌ كاملٌ من الشباب، وكانت محاضرات شريعتي تُطبع كراريس، وتسجل أشرطةً، لتوزَّع بالآلاف، في كافة أنحاء إيران. لقد حوّل المجتمع كلّه إلى جامعةٍ يُلقي فيها دروسه ومحاضراته؛ فلا تجد السلطة بدّاً من إغلاق حسينية الإرشاد عام 1973، واعتقال علي شريعتي ووالده، ليبقى في السجن ثمانية عشر شهراً متعرّضاً لأبشع صنوف التّعذيب.


أطلق سراح شريعتي عام 1975، بعد أن تدخّل من أجله المسؤولون الجزائريّون. ولكنّه وضع تحت المراقبة، ومُنع من أيّة نشاطاتٍ علنيّةٍ؛ فآثر مغادر طهران، متوجّهاً إلى لندن، مروراً ببلجيكا وفرنسا في آذار عام1977، ليبدأ من لندن مرحلةً جديدةً من النّشاط خارج البلاد، بعد أن سدّت في وجهه كلّ السُبل في إيران.


اغتيلَ شريعتي بعد شهرٍ من وجوده في لندن، بطريقةٍ غامضةٍ. وقد نُقل جثمانه إلى سوريا بمبادرةٍ من الإمام السيد موسى الصدر، ليُدفن إلى جوار مرقد السيّدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب(ع).


خلّف الدكتور علي شريعتي ما يزيد على المائة عمل، ما بين فلسفيٍّ وفكريٍّ وأدبيٍّ، تتّخذ كلّها من جذوة الإسلام القبس، الذي يضيء الطريق أمام جماهير الشباب في صفوف الحركة الإسلامية في إيران والعالم، ليكون في موته ثورةً أخرى، تقضُّ مضاجع الطغاة، وشعلةً يتوارثها أحرار العالم، جيلاً بعد جيل.


وإذا كان لنا أن نوجز مقوّمات شخصيّة شريعتي في كلماتٍ، فيجب القول إنّه جمع بين العلم والفضيلة، فكان يُجسّد الفكرة التي قال بها "سقراط"، وهي أنّ المعرفة أساس الفضيلة (الفضيلة علمٌ والرذيلة جهلٌ)، فالعالم لا يكون إلّا فاضلاً في تصوّر سقراط، وإذا كان هذا التصوّر لا يجد له تطبيقاتٍ كافيةً في التاريخ، فإنّ شريعتي كان من القلائل الذين اقترن لديهم العلم بالفضيلة والنضال، ليكون حكمة، ويكون صاحبه حكيماً.


من أفكار شريعتي


البروتستانتية الإسلامية


حدّد شريعتي تعريفاً لهذا المفهوم بقوله "البروتستانتيّة الإسلاميّة ذات عوامل متراكمة من العناصر المليئة بالتنوير والثورة وصنع المسؤوليّة والعالميّة"، ثم يستطرد قائلاً:"إنّ نقطة انطلاق المفكّر ومسؤوليّته في إحياء مجتمعه، ومنحه الحركة، هي بروتستانتيّة إسلاميّة، حتى:


1-يقوم المفكر ــ وهو المهندس الثقافيّ في المجتمع ــ باستخراج الكنوز الثقافيّة العظيمة لمجتمعنا، وتنقيتها، وتبديل هذه الموادّ، التي سبّبت الانحطاط والجمود، إلى طاقةٍ وحركةٍ.



2-ينقل التناقضات الاجتماعيّة والطبقيّة من باطن مجتمعه إلى ضمير هذا المجتمع ووعيه بالقدرة المتاحة له، عن طريق الفنّ والكتابة والمحاضرات، وغيرها من الإمكانات، ويُلقي وعيه الاجتماعيّ، وعلمه النبويّ، الباعث للحياة، في ليل النّاس وشتائهم؛ هذه هي نفس النار الإلهية التي يهبها "برومثيوس" للإنسان.



3-يعقد جسراً من القرابة والإلفة والتّفاهم والمشاركة اللغوية بين جزيرة "أهل الفكر"و "شاطئ الناس"، اللذين ابتعدا كلٌّ عن الآخر، ويزداد ابتعادهما بمرور الوقت، وذلك ليجعل الدين، الذي نزل في الأصل للحياة والحركة في خدمة الحياة.



4-ينزع سلاح الدين من أيدي القويّ التي سُلّحت زوراً بهذا السلاح، حتى تُمارس سلطانها، وتُدافع عن سيطرتها؛ وبهذه الوسيلة، يُجرّد معارضيه من أسلحتهم، وتكون القوّة اللازمة لتحريك النّاس في يده.



5- يشلّ قوى الرجعيّة ــ وهي القوى التي لا يزال المفكّر يقوم بتعضيدها ــ عن طريق القيام ببعثٍ ونهضةٍ دينيّةٍ، أي عودة إلى دين الحياة والحركة والقوّة والعدالة، ويقوم بتخليص النّاس من الأسباب، التي أدّت إلى تخديرهم وتوقّفهم وانحرافهم وخداعهم، ويجعل نفس هذه العناصر وسيلة إحياءٍ وتوعيةٍ وحركةٍ ونضالٍ ضد الخرافات؛ واستناداً إلى ثقافته الأصليّة يقوم بتجديد مولده وإحياء شخصيّته الثقافيّة، ويُحدّد هويّته الإنسانيّة، وبطاقته التاريخيّة والاجتماعية، في مواجهة الهجوم الثقافيّ للغرب".




6- وبتأسيس حركة "بروتستانتيّة إسلاميّة"،وبخاصة شيعيّة- فالتشيّع هو مذهب الاعتراض، وأسسه هي :الأصالة، والمساواة، والإرشاد [تاريخه:الجهاد والاستشهاد المستمران] تُبدّل الروح التقليديّة الاستسلاميّة للدين الفعليّ الموجود عند الجماهير إلى روحٍ اجتهاديّةٍ واندفاعيّةٍ واعتراضيّةٍ ونقديّةٍ، ويستخرج هذه الطاقة العظيمة المتراكمة، في أعماق مجتمعه وتاريخه، ويقوم بتصفيتها، ويَهب المجتمع منها موّاده للحركة، وعناصر باعثة للحرارة، فينوّر عصره، ويوقظ جيله.


ويعوّل شريعتي على المُفكّر في هذا الأمر، فهو في تصوّره مَنْ سيقوم بهذه الحركة، حتى يستطيع أن يمنح مجتمعه فورةً من الفكر الجديد، والحركة الجديدة، مثلما فعلت البروتستانتيّة المسيحيّة، التي فجّرت أوروبا في العصور الوسطى، وقمعت كلّ قوى الانحطاط، التي أصابت فكر المجتمع بالجمود، والركود، باسم الدين.


إلى ذلك، حفل فكر علي شريعتي بشبكة من المصطلحات والمفاهيم، كالذات الممسوخة، وإخلاء الذات، وبناء الذات، والوعي المستقلّ، والاستحمار والنباهة، والنضال الاجتماعيّ، والعمل، والعبادة.


قالوا في شريعتي


"لقد أثارت أفكار الدكتور شريعتي الخلاف والجدل أحياناً بين العلماء، ولكنّه في نفس الوقت، أدّى دوراً كبيراً في هداية الشباب والمتعلّمين إلى الإسلام". الإمام الخميني (قده).


"إنّ ما قدّمه الدكتور شريعتي كان عظيماً، بحيث يتعذّر عليّ الآن الإحاطة به، لأنّه في الواقع كان ولا يزال معلّم الثورة الإسلاميّة. السيد أحمد الخميني (رحمه الله).


"في الحقيقة كان الدكتور شريعتي موالياً، صلب العقيدة، وعاشقاً لكلّ ما هو مقدّسٌ في الإسلام، وذلك ما لمسته منه عن قربٍ، وليس من خلال ما أشيع عنه، أو ما قالته عنه التيّارات الفكريّة في حقّه، وهنا يُمكن أن نستند في تقييمنا للدكتور شريعتي على نقطةٍ مهمّةٍ، وهي من خلال مواجهته للتيّارات الفكريّة الأخرى في ساحتنا، وكانت هذه التيّارات قد بدأت عملها من خلال ثلاثة محاور، وهي: مواجهة الحسّ الوطنيّ، ومواجهة كلّ ما هو إسلاميّ، ومحاولة تفتيت الأمّة. وكانت تلك التيّارات تتقدّم بحسب اتّجاهاتها، ولكن الدكتور شريعتي، لمّا ظهر على ساحة الفكر الملتزم، اختلف مع تلك التيّارات في عمله بمقدار 180 درجة، ممّا يعني أنّ الدكتور شريعتي كان له ارتباطٌ قويٌّ بالإسلام، وأنّه كان على طرفي نقيضٍ مع حثالة المستغربين، والتابعين للأجنبيّ، ولكلّ ما يأتي من الخارج، حيث كانت علاقته بالأمّة قويّة، وكان متفاعلاً معها ... يستلهم منها، ويُخاطبها، وكان ذلك دأبه وديدنه.


(خطاب السيد علي الخامنئي، في الذكرى الثامنة عشرة، لاستشهاد الدكتور شريعتي الذي أقيم في مدرسة الشهيد مطهري في طهران)


"إنّ المرحوم شريعتي تميّز بروحٍ مستقصيةٍ شكّاكةٍ منذ بداية شبابه، وأوائل عهده بالدراسة والتحصيل العلميّ. كان يشكّ بكلّ شيءٍ حتّى بدينه، فقد كان يشكّ بالدين السائد بين النّاس، أي بذلك الإسلام الممسوخ؛ ذلك الإسلام الذي حوّل إلى دكّانٍ للارتزاق، ووسيلة للاحتراف وتربية (المريدين). كان لا بدّ لشابٍ واعٍ مثل شريعتي أن يبدأ بالشكّ، لكنّه لم يبقَ أسير الشكّ ... إلى أنْ يقول: كلّ يومٍ كنّا نشهد معركةً ضدّ شريعتي في أحد أحياء العاصمة. لقد شنّوا عليه حملاتٍ ظالمةً مستمرّةً. كنّا نقول لأولئك المتحاملين: ماذا حدث؟ اذهبوا واسمعوا آراءه وناقشوه، وقدّموا له الردّ الذي تريدون. لكنّ الأمر كان يجري على نحوٍ آخر، إذ كان البعض يقتطع جملةً أو فقرةً من كتابٍ له، ويستخدمها لتشويه فكر شريعتي والتحريض ضده في الاجتماعات العامّة ومختلف الأوساط؛ تلك الاجتماعات التي كلّنا نعلم بأنّ السافاك (المخابرات) كان وراء تنظيمها ـ سرّاً وعلانيةً ـ لكنّ تلك المحاولات لم تنلْ من شريعتي، وقد حقّقت أفكاره تغييرات كبرى في عقول الواعين من النّاس، وخصوصاً في عقول الجيل الجديد. إن الإنجازات التي حقّقها شريعتي في قلب مفاهيم بأكملها بين الناس هو ما مهّد لثورتنا العظيمة وأرسى أسسها... إلى أن يقول:


أرجو من الله أن يحفظ أفكار ونظريّات ذلك الإنسان العظيم، حيّةً في الأذهان. كما ارجو منكم أن تدرسوا مؤلّفاته وأفكاره، وأن تطوّروا مواضيعها.


(فقرات من كلمة آية الله الطالقاني (قده) ألقاها بجامعة طهران،بمناسبة ذكرى استشهاد الدكتور شريعتي).


كان لنا صديقٌ، قائدٌ من قادة الفكر الإسلاميّ هو الدكتور شريعتي، أديبٌ شامخٌ، فكره إسلاميٌّ نضاليٌّ منفتحٌ. لكنّ دعوة الدكتور شريعتي للإسلام، دعوة تقدميّة ثوريّة نضاليّة، أو ما نسمّيه نحن دائماً في اجتماعيّاتنا: دعوة حركيّة، وليس دعوة مؤسّساتيّة. يعني ليس الاسلام دكّاناً يجب أن نحتفظ بمكاسبه، ونأخذ لأجله من النّاس، ونسخّر النّاس لخدمته، كما حصل بالنسبة للمؤسّسات الدينيّة. كان الدكتور شريعتي أحد قادة الفكر الإسلاميّ في العالم. حورب من قبل الحُكم في إيران، وحورب أيضاً من قبل مجموعةٍ من رجال الدين، الذين يعتبرون الإسلام حكراً عليهم، وميراثه من حقّهم، وهم وحدهم يفهمون الدين، ولا يحقّ لأحدٍ غيرهم أنْ يفهم ..... الدكتور شريعتي، من خسائر الفكر الإسلاميّ، والفكر الحركيّ، والفكر النضاليّ، المعتمد على الإيمان بالله سبحانه، ولذلك نحن نعتبره فقيدنا وخسارتنا، ونكرّمه...(الإمام السيد موسى الصدر).
http://www.husseinalsader.org/inp/view.asp?ID=3385

بحب الله نحيا
19-02-2012, 02:50 AM
اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم


شكراً جزيلاً للطرح المهم
بارك الله فيك اخي ووفقك لما يحب ويرضى’’

علي عبد الرزاق
19-02-2012, 06:21 PM
الشكر لله وحدة
اسعدني مرورك اخي