المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ }


مرتضى علي الحلي
20-02-2012, 10:41 AM
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103
=======================================
((تأملٌ معرفي في الآية الشريفة))
=================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
بمعنى:
(لا تدركه الأبصار) أي لا تراه العيون بحسيِّتها و لا تُحيط به
(وهو يدرك الأبصار) أي يراها عزوجل ولا تراه سبحانه
(وهو اللطيف) بأوليائه الذي يعلم دقائق الأشياء
و(الخبير) هو الذي يعلم بواطنها.(أي بواطن الأشياء)
وهذا التوصيف الذاتي لله تعالى إنما جاء من القرآن الكريم رداً على من يقول بجواز الرؤية البصرية لله تعالى كفرقة المُجَسِّمة الضالة عقديا وفكريا
والتي هي فرقة ضالة ظهرت في بطن التأريخ المنصرم وهي تشبه بصورة كبيرة فرقة الوهابية المعاصرة اليوم.
فالرؤية البصرية والحسية ممتنعة على الله عقلا.
لأنّه لو كان سبحانه مرئيا لكان في جهة (حيز في مكان ما) فيكون جسما والجسمية محال عليه تعالى
وهذا أمرٌ باطل عقلا.
والقرآن الكريم نفى إمكانية رؤية البشر لله تعالى حتى ولو كانوا من الإنبياء كما في قصة موسى:ع:
:إذ قال تعالى:بشأن ذلك:
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }الأعراف143
ولن تراني :هنا تفيد النفي المؤبّد.للرؤية الحسية
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ }البقرة55
{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً }النساء153
وللعلم إنّ مفردتي البعد والقرب في توصيف الله تعالى لاعلاقة لهما بالمكان بالنسبة للإنسان
في هذه الحياة الطبيعية المحكومة بقانون الزمان والمكان والعليّة
حتى يُتَصَوَر أنّ الله ممكن رؤيته حسّا
أو كونه جسما (ومعاذ الله من ذلك)

وإنما هما تكشفان عن عمق الغيب من إستحالة إدراك ذات الله تعالى وحقيقته الواقعية
فالله تعالى بقدر ماهو غيبٌ مكنون لايُدرَك حسًا فهو قريبٌ وجودا من الإنسان ونفسه بل وقلبه بل يحول بينهما
كما عبّر القرآن الكريم عن تلك الحقيقة العقدية في نصوصه الشريف:

حيثُ قال تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }ق16
بمعنى:
ولقد خلقنا الإنسان, ونعلم ما تُحَدِّث به نفسه, ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وهو عِرْق في العنق متصل بالقلب.
وقال تعالى أيضا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24
بمعنى:
يا أيها الذين صدِّقوا بالله ربًا وبمحمد:ص: نبيًا ورسولا استجيبوا لله وللرسول بالطاعة إذا دعاكم لما يحييكم من الحق
ففي الاستجابة إصلاح حياتكم في الدنيا والآخرة
واعلموا -أيها المؤمنون- أنّ الله تعالى هو المتصرف في جميع الأشياء والقادر على أن يحول بين الإنسان وما يشتهيه قلبه
فهو سبحانه الذي ينبغي أن يستجاب له إذا دعاكم; إذ بيده ملكوت كل شيء, واعلموا أنكم تُجمعون ليوم لا ريب فيه, فيجازي كلا بما يستحق.
فالله تعالى هو قريبٌ وحاضرٌ سبحانه من حديث السر البشري لاقربا وحضورا مكانيا لابل بمعنى هو عالم
بالسر وأخفى علما إحاطيا يتخطى حدود السر والعلن والزمان والمكان والمادة.
وهذا هو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }المجادلة7
بمعنى:
ألم تعلم أن الله تعالى يعلم كل شيء في السموات والأرض؟
ما يتناجى (أي يتكلموا سرا) ثلاثة مِن خلقه بحديث سرٍّ إلا هو رابعهم بعلمه وإحاطته, ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أقلُّ من هذه الأعداد المذكورة ولا أكثرُ منها إلا هو معهم بعلمه في أيِّ مكان كانوا,
لا يخفى عليه شيء من أمرهم, ثم يخبرهم تعالى يوم القيامة بما عملوا من خير وشر ويجازيهم عليه. إن الله بكل شيء عليم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي:النجف الأشرف

آمالٌ بددتها السنونْ
20-02-2012, 03:06 PM
لتأمل في آيات الله حلاوه سبحان الله
بارك الله فيك وبجهودك الكريمة التي
تبدلها في إثراء المنتدى بكل مفيد
خالص شكري وامتناني وتحيه تعبق
بالياسمين لك مني..

مرتضى علي الحلي
20-02-2012, 08:21 PM
شكرا لمروركم الكريم ووفقكم الله تعالى لكل خير وصلاح