د. حامد العطية
21-02-2012, 06:58 PM
هل أنا مواطن ياحكومة المالكي؟
د. حامد العطية
لو كان هذا سؤال مطروح في امتحان على ساسة العراق لفشل جميعهم في الاختبار لأن معظمهم أثبتوا للعراقيين بأنهم فاشلون في مادة السياسة، والمواطنة موضوع أساسي في السياسة، وفي القانون أيضاً، وهنا أيضاً اخفاق ذريع لساسة العراق.
قبل زمن قصير كتبت طلباً لرئيس وزراء العراق المالكي بتزويدي بنسخ من محتويات ملفي الوظيفي في مؤسسة عراقية عملت فيها حوالي ثلاث سنوات قبل هجرتي من عراق الطاغية صدام فجاءني جواب أعوانه بالرفض، وليس موضوعنا هنا الرفض واسبابه وإنما مخاطبتهم لي بـ (المواطن) وهو ما أعتبره بعض اتباع الحكومة اطراءً عظيماً، ولكن السؤال المطروح فعلاً: هل أنا فعلاً مواطن عراقي؟ وبتعبير أكثر دقة هل أنا مواطن في نظر الحكومة العراقية؟
من المؤكد أنني عراقي، بالولادة لا التجنس، ومن أبوين عراقيين، واحمل شهادة جنسية عراقية قديمة، من النوع العثماني، الذي يعترف بها جميع العراقيين، وقضيت حوالي نصف سنة في الخدمة العسكرية في 1970م مجبراً قبل دفعي البدل النقدي، كما حصلت على جواز سفر عراقي، انتهت صلاحيته أواسط الثمانينات، فرفضت الحكومة العراقية تجديده، ومن ثم وعدني قريب بتجديده في السفارة العراقية في لندن ولكنه فشل فعاد لي مقصوص الأطراف ومدموغاً بوصمة الإلغاء.
في العراق يكتسب أولاد الأب العراقي جنسية أبيهم بصورة تلقائية، وفقاً لما يعرف بقاعدة
jus sanguinis، وأجزم بأن معظم ساسة العراق إن لم يكن جميعهم لم يسمعوا بهذا المصطلح السياسي - القانوني من قبل، ولأن أولادي عاشوا في المهجر لا يمتلكون وثائق عراقية غير جوازات سفرهم القديمة.
عندما رفضت حكومة البعث تجديد جواز سفري أصبحت وافراد عائلتي stateless (من دون دولة) وبالتالي فلم أعد مواطناً بالمفهوم التام للمصطلح، وكان بيني وبين اسقاط الجنسية عني جرة قلم من الحكم البعثي الجائر.
لعل البعض يتوقع بأنه وبعد سقوط النظام البعثي سارعت الحكومة العراقية الحالية لتعويضي عن حرماني وعائلتي من الوثائق الأساسية التي هي حق أساسي مشروع وبالحد الأدنى لكل العراقيين، وبدونها لا تعتبر مواطناً بالفعل، فسارعت إلى تسهيل حصولي عليها، إذا كنتم افترضتم ذلك فأنتم مخطئون جداً.
الحقيقة هي أن استعادة وثائقي العراقية التي تثبت بأني مواطن عراقي قد اصبحت بعيدة المنال، وهاكم الدليل.
لو ذهبت إلى سفارة عراقية وطلبت منهم تجديد جواز سفري فسيرفضون من دون "نسخة ملونة" من كل من شهادة الجنسية وهوية الأحوال المدنية، ولكن شهادتي الجنسية قديمة وغير مقبولة، وليس لاولادي هويات أحوال مدنية ولا شهادات جنسية لأنهم ولدوا لأب معارض للنظام البعثي عاش ثلاثة عقود من السنين في المهجر.
ولو زرت موقع سفارة عراقية فستجد بأن حصول أولادي على هوية الأحوال المدنية يتطلب ما يلي:
- إثبات واقعة الزواج في دائرة الأحوال المدنية (في العراق)
- تأشير شهادة الولادة لدى دائرة الأحوال المدنية وفي العراق بالطبع
أي بإختصار إن حصول أبناءي على هوية الأحوال المدنية متعذر من دون عودة للعراق، ولكم أن تتصوروا مدى صعوبة إن لم تكن استحالة الحصول على شهادة جنسية جديدة لي ولأولادي، وبالنتيجة فأنا وهم عراقيون بالاسم فقط مع وقف التنفيذ، ومع تقادم الزمن ستنتهي صلتهم ببلادهم.
ربما يقول البعض من أنصار هذا النظام البائس لم لا تزور العراق لتحصل على الوثائق المطلوبة، ولقد زرته بالفعل في 2004م وكان الوضع متأزماً بسبب الاحتلال الأمريكي وبدء الصراع الطائفي وعمليات الخطف، فاكتفيت برؤية احبتي بعد فراق لعقدين من السنين، وهنالك التقيت بأخ لي هاجر إلى النرويج في بداية السبعينات ثم قرر العودة بعد سقوط النظام البعثي فاقدم على بيع منزله في النرويج واشترى له أرضاً وباشر بتشييد منزل له عليها، وتوسط له قريب ذو منصب رفيع في النظام الجديد فتوظف في وزارة النفط، ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى سمعنا بخبر اختطافه، ولم يعثر له على أثر منذ ذلك الحين، واعتبر في عداد الموتى، وهو واحد من عشرة من الأهل والأقارب الذين قضوا نتيجة انعدام الأمن والإرهاب في العراق، فهل من المعقول أن يتحمل العراقي كل هذا العناء والمخاطر لكي يجددوا جواز سفره؟ ولو كانت الحكومة البعثية ما زالت قائمة والعياذ بالله وكانوا راضين عني لما تطلب ذلك سوى زيارة أو زيارتين للسفارة.
اخبرني ابن عم لي بأنه وقبل زمن قصير أراد استخراج جواز سفر جديد وكان أمامه اختياران: الانتظار إلى ما شاء الله للحصول على الجواز أو دفع مبلغ ألفي دولار ليكون الجواز في يده في ظرف أيام، فاختار البديل الثاني، والويل ثم الويل لي ولكل العراق لو دفعت رشوة للحصول على جوازات سفر ووثائق المواطنة الأخرى لي ولابنائي.
إن لم يكن لديك مال للرشوة فهنالك الوساطة، هكذا ينصحون، والشاهدة على ذلك قريبة لي، عاشت هنا سنين عدة، ارادت استصدار جوازات سفر لبناتها فاتصلت بأهلها، الذين سارعوا لتزويدهن جميعاً بشهادات جنسية جديدة من دون زيارة واحدة للعراق أو سفارته هنا في كندا، أما أنا فلا وساطة لي سوى الله، وما أشد بؤسي لو استعملت الوساطة أو الرشوة بعد عمر قضيته في تعليم الألاف من الموظفين والطلاب ضرورة اعتماد الجدارة والابتعاد عن المحاباة والرشوة.
لماذا تعرقل حكومة المالكي حصولي على وثائقي القانونية التي تثبت كوني مواطناً عراقياً؟ هل لأنها تريد التخلص منا نحن المعارضون الذين لم ننضوي تحت كياناتهم السياسية الكرتونية المصطنعة؟ أم لعلها تريد افساح المجال لمستوطنين جدد من دول أخرى استكمالاً لخطة النظام البعثي البائد في تغيير التركيبة الديمغرافية للعراق كما يجأر البعض كلما سمعوا بخبر دعوة مسؤول عراقي لمصريين أو غيرهم بالقدوم للعراق؟
رب قائل بأن الحكومة العراقية تشددت في فرض اجراءات استخراج وثائق المواطنين بسبب تفشي التزوير، وانا أتفهم هذا التخوف، وهذه الحكومة وبالذات المشاركون فيها من العائدين للعراق بعد الاحتلال الأمريكي اكثر الناس معرفة بتزوير الوثائق العراقية كالجوازات وغيرها، لسبب بسيط هو أن البعض منهم عملوا بالتزوير، ما قبل سقوط النظام، وكان لكياناتهم الحزبية خبراء بالتزوير، بارعون في تزوير الجوازات العراقية وتقليد الأختام الرسمية، مقابل مبلغ يسير من المال، كما أقدم الأكراد وبعد اعلان منطقة كردستان محمية ببيع أعداد غير معروفة من الجوازات العراقية الأصلية، وهم اليوم بقدرة مغير الأحوال قيمون على منع التزوير، ويخشون من أن أكون مزوراً، فتأملوا!
من دون وثائق تثبت مواطنتي تنتفي عملياً حقوقي السياسية، فلا يحق لي الترشيح للانتخابات ولا التصويت أما الحقوق الأخرى مثل الحق في العمل وغيرها فأغلب العراقيين محرومون منها فلا جدوى لذكرها.
هنالك عراقيون يعيشون اليوم في العراق ويعتبرون وثائقهم العراقية التي حرمت منها ذات فائدة مؤقتة وينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذي تنتفي حاجتهم لها فيكون مصيرها الحرق أو الرمي في القمامة، وهؤلاء شركاء في الحكومة العراقية.
وبعد يا حكومة المالكي ويا أتباعه فهل أنا بالفعل مواطن؟
21 شباط 2012م
د. حامد العطية
لو كان هذا سؤال مطروح في امتحان على ساسة العراق لفشل جميعهم في الاختبار لأن معظمهم أثبتوا للعراقيين بأنهم فاشلون في مادة السياسة، والمواطنة موضوع أساسي في السياسة، وفي القانون أيضاً، وهنا أيضاً اخفاق ذريع لساسة العراق.
قبل زمن قصير كتبت طلباً لرئيس وزراء العراق المالكي بتزويدي بنسخ من محتويات ملفي الوظيفي في مؤسسة عراقية عملت فيها حوالي ثلاث سنوات قبل هجرتي من عراق الطاغية صدام فجاءني جواب أعوانه بالرفض، وليس موضوعنا هنا الرفض واسبابه وإنما مخاطبتهم لي بـ (المواطن) وهو ما أعتبره بعض اتباع الحكومة اطراءً عظيماً، ولكن السؤال المطروح فعلاً: هل أنا فعلاً مواطن عراقي؟ وبتعبير أكثر دقة هل أنا مواطن في نظر الحكومة العراقية؟
من المؤكد أنني عراقي، بالولادة لا التجنس، ومن أبوين عراقيين، واحمل شهادة جنسية عراقية قديمة، من النوع العثماني، الذي يعترف بها جميع العراقيين، وقضيت حوالي نصف سنة في الخدمة العسكرية في 1970م مجبراً قبل دفعي البدل النقدي، كما حصلت على جواز سفر عراقي، انتهت صلاحيته أواسط الثمانينات، فرفضت الحكومة العراقية تجديده، ومن ثم وعدني قريب بتجديده في السفارة العراقية في لندن ولكنه فشل فعاد لي مقصوص الأطراف ومدموغاً بوصمة الإلغاء.
في العراق يكتسب أولاد الأب العراقي جنسية أبيهم بصورة تلقائية، وفقاً لما يعرف بقاعدة
jus sanguinis، وأجزم بأن معظم ساسة العراق إن لم يكن جميعهم لم يسمعوا بهذا المصطلح السياسي - القانوني من قبل، ولأن أولادي عاشوا في المهجر لا يمتلكون وثائق عراقية غير جوازات سفرهم القديمة.
عندما رفضت حكومة البعث تجديد جواز سفري أصبحت وافراد عائلتي stateless (من دون دولة) وبالتالي فلم أعد مواطناً بالمفهوم التام للمصطلح، وكان بيني وبين اسقاط الجنسية عني جرة قلم من الحكم البعثي الجائر.
لعل البعض يتوقع بأنه وبعد سقوط النظام البعثي سارعت الحكومة العراقية الحالية لتعويضي عن حرماني وعائلتي من الوثائق الأساسية التي هي حق أساسي مشروع وبالحد الأدنى لكل العراقيين، وبدونها لا تعتبر مواطناً بالفعل، فسارعت إلى تسهيل حصولي عليها، إذا كنتم افترضتم ذلك فأنتم مخطئون جداً.
الحقيقة هي أن استعادة وثائقي العراقية التي تثبت بأني مواطن عراقي قد اصبحت بعيدة المنال، وهاكم الدليل.
لو ذهبت إلى سفارة عراقية وطلبت منهم تجديد جواز سفري فسيرفضون من دون "نسخة ملونة" من كل من شهادة الجنسية وهوية الأحوال المدنية، ولكن شهادتي الجنسية قديمة وغير مقبولة، وليس لاولادي هويات أحوال مدنية ولا شهادات جنسية لأنهم ولدوا لأب معارض للنظام البعثي عاش ثلاثة عقود من السنين في المهجر.
ولو زرت موقع سفارة عراقية فستجد بأن حصول أولادي على هوية الأحوال المدنية يتطلب ما يلي:
- إثبات واقعة الزواج في دائرة الأحوال المدنية (في العراق)
- تأشير شهادة الولادة لدى دائرة الأحوال المدنية وفي العراق بالطبع
أي بإختصار إن حصول أبناءي على هوية الأحوال المدنية متعذر من دون عودة للعراق، ولكم أن تتصوروا مدى صعوبة إن لم تكن استحالة الحصول على شهادة جنسية جديدة لي ولأولادي، وبالنتيجة فأنا وهم عراقيون بالاسم فقط مع وقف التنفيذ، ومع تقادم الزمن ستنتهي صلتهم ببلادهم.
ربما يقول البعض من أنصار هذا النظام البائس لم لا تزور العراق لتحصل على الوثائق المطلوبة، ولقد زرته بالفعل في 2004م وكان الوضع متأزماً بسبب الاحتلال الأمريكي وبدء الصراع الطائفي وعمليات الخطف، فاكتفيت برؤية احبتي بعد فراق لعقدين من السنين، وهنالك التقيت بأخ لي هاجر إلى النرويج في بداية السبعينات ثم قرر العودة بعد سقوط النظام البعثي فاقدم على بيع منزله في النرويج واشترى له أرضاً وباشر بتشييد منزل له عليها، وتوسط له قريب ذو منصب رفيع في النظام الجديد فتوظف في وزارة النفط، ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى سمعنا بخبر اختطافه، ولم يعثر له على أثر منذ ذلك الحين، واعتبر في عداد الموتى، وهو واحد من عشرة من الأهل والأقارب الذين قضوا نتيجة انعدام الأمن والإرهاب في العراق، فهل من المعقول أن يتحمل العراقي كل هذا العناء والمخاطر لكي يجددوا جواز سفره؟ ولو كانت الحكومة البعثية ما زالت قائمة والعياذ بالله وكانوا راضين عني لما تطلب ذلك سوى زيارة أو زيارتين للسفارة.
اخبرني ابن عم لي بأنه وقبل زمن قصير أراد استخراج جواز سفر جديد وكان أمامه اختياران: الانتظار إلى ما شاء الله للحصول على الجواز أو دفع مبلغ ألفي دولار ليكون الجواز في يده في ظرف أيام، فاختار البديل الثاني، والويل ثم الويل لي ولكل العراق لو دفعت رشوة للحصول على جوازات سفر ووثائق المواطنة الأخرى لي ولابنائي.
إن لم يكن لديك مال للرشوة فهنالك الوساطة، هكذا ينصحون، والشاهدة على ذلك قريبة لي، عاشت هنا سنين عدة، ارادت استصدار جوازات سفر لبناتها فاتصلت بأهلها، الذين سارعوا لتزويدهن جميعاً بشهادات جنسية جديدة من دون زيارة واحدة للعراق أو سفارته هنا في كندا، أما أنا فلا وساطة لي سوى الله، وما أشد بؤسي لو استعملت الوساطة أو الرشوة بعد عمر قضيته في تعليم الألاف من الموظفين والطلاب ضرورة اعتماد الجدارة والابتعاد عن المحاباة والرشوة.
لماذا تعرقل حكومة المالكي حصولي على وثائقي القانونية التي تثبت كوني مواطناً عراقياً؟ هل لأنها تريد التخلص منا نحن المعارضون الذين لم ننضوي تحت كياناتهم السياسية الكرتونية المصطنعة؟ أم لعلها تريد افساح المجال لمستوطنين جدد من دول أخرى استكمالاً لخطة النظام البعثي البائد في تغيير التركيبة الديمغرافية للعراق كما يجأر البعض كلما سمعوا بخبر دعوة مسؤول عراقي لمصريين أو غيرهم بالقدوم للعراق؟
رب قائل بأن الحكومة العراقية تشددت في فرض اجراءات استخراج وثائق المواطنين بسبب تفشي التزوير، وانا أتفهم هذا التخوف، وهذه الحكومة وبالذات المشاركون فيها من العائدين للعراق بعد الاحتلال الأمريكي اكثر الناس معرفة بتزوير الوثائق العراقية كالجوازات وغيرها، لسبب بسيط هو أن البعض منهم عملوا بالتزوير، ما قبل سقوط النظام، وكان لكياناتهم الحزبية خبراء بالتزوير، بارعون في تزوير الجوازات العراقية وتقليد الأختام الرسمية، مقابل مبلغ يسير من المال، كما أقدم الأكراد وبعد اعلان منطقة كردستان محمية ببيع أعداد غير معروفة من الجوازات العراقية الأصلية، وهم اليوم بقدرة مغير الأحوال قيمون على منع التزوير، ويخشون من أن أكون مزوراً، فتأملوا!
من دون وثائق تثبت مواطنتي تنتفي عملياً حقوقي السياسية، فلا يحق لي الترشيح للانتخابات ولا التصويت أما الحقوق الأخرى مثل الحق في العمل وغيرها فأغلب العراقيين محرومون منها فلا جدوى لذكرها.
هنالك عراقيون يعيشون اليوم في العراق ويعتبرون وثائقهم العراقية التي حرمت منها ذات فائدة مؤقتة وينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذي تنتفي حاجتهم لها فيكون مصيرها الحرق أو الرمي في القمامة، وهؤلاء شركاء في الحكومة العراقية.
وبعد يا حكومة المالكي ويا أتباعه فهل أنا بالفعل مواطن؟
21 شباط 2012م