جودت الانصاري
25-02-2012, 12:25 AM
حديث في الوقت الضائع ج1
بصعوبة بالغه عبر سياج المزرعة ,, فقد امسك احد الاسلاك الشائكة بسرواله ليحدث ثقبا صغيرا في القماش ,وهو يتوكأ على بندقية صيد باتت تشبهه لطول ما رافقته,, بادرته:-لا تتعب نفسك فالطيور اليوم في اجازة عيد الربيع,, وكيف لا تهرب الطيور وصوت ماكنتك يطرد حتى الملائكة,, هكذا وعلى طريقته الساخرة في الحديث اجابني مردفا بالتحية بحركة من يده,, ,,,, اطفأت ماكنة قطع الحشائش واستقبلته بالحفاوة والترحيب,,
لازالت لك الرغبة والقدرة على العمل - بدون حسد - قالها وهو ينظر اليّ بحب,, أخوك ترك العمل ولم يبق له امل في الحياة وينتظر رحمة الله,,, بادرته : والله لست مجبرا على العمل ,ولكنني اجد نفسي في البستان,, فكما تعلم لست من رواد المقاهي ,, وحتى المساجد لم اعد اذهب اليها الا اللهم في اوقات الصلاة,, دقائق ثم انصرف , فقد تحولت هي الأخرى الى مقاهي والشاي هو الفارق الوحيد ,, ولم يعد لي من صديق سوى هذا ورميت له جهاز mp3 صغير نسخت عليه بعض المحاضرات الدينية وقصائد من روائع الشعر وبعض اغاني السيدة ,,,
انه الحاج حسين صديق الشباب ,,حيث توطدت علاقتنا منذ ايام الثانوية فقد جمعت المدرسة القديمة في قريتنا جميع طلاب القرى المجاورة الممتدة على شاطئ دجله كحبات مسبحه,, ,, ما اجملها تلك الايام حيث كان ابناء القرى البعيدة يبيتون في بيوتنا البسيطة أيام الأمطار وانقطاع الطرق, وما أحلى خجلهم الريفي وهم يتناولون الطعام في بيت يعتبرونه غريبا عليهم, وهم مجبرون بالطبع ,فلا مطاعم ولا فنادق في تلك النواحي ,, ورائحة التمن العنبر بالدهن الحر تفتح الشهية ,, ما احلاها تلك الحقبة,, وحتى بعد تركه المدرسة بقيت صداقتنا مستمرة فهو جارنا في البساتين, ورفيق الصيد ايام الراحة
انا عاتب ,, عليك قالها الحاج وهو ينظر اليّ بحسره,, لم تزرني ,, ومنذ متى نتزاور في البيوت ؟,الم نتعود اللقاء في البساتين؟ قال :-الاشهر الثلاثة الماضية كنت في الفراش فقد اصبت بجلطة, ولم اخرج الا قبل بضعة ايام ووجدت نفسي اليوم في شوق للبساتين,, فقد اختنقت من المستشفى والبيت وها انا اخرج دون علم الاولاد فقد نصحني الطبيب بعدم الخروج,, اعتذرت له بعدم علمي, فضحك من اعماقه ,,وهل كان علي ان ابعث لك بطاقة دعوه.؟
,, اخذ سكارة ,ورمى العلبة والقداحة نحوي ,,ونفث دخانها وكانه يرسم خارطة الحزن التي عاشها في السنوات الاخيرة,, لم يكن صديقي العزيز محظوظا كالأيام الخوالي, حاله حال الكثير من العراقيين في السنين العجاف ,, فقد طرق الارهاب بابه وأثكله بالكثير من اهله وابناء عمومته,, تشاغلت عنه متعمدا كي امنعه من الحديث عن تلك الايام فلم يعد صاحبي ذلك الريفي الصلب ,,ومجرد الذكرى تتعبه,, إستأذنته لأجلب ادوات الشاي من كوخ المزرعة ,, ضحك ضحكته المعهودة,, اذن سأشعل النار قالها وهو يجمع الحطب.
مع قدح الشاي وقطعة خبز مشويه على الجمر,, اصدر آهة وهو يضع يده على صدره كمن يشير الى الألم ,,لعن الله الارهاب, فلم اكن اعرف معنى المرض لولا البلاء الذي وقع علينا,, تجمدت ابتسامة على شفتيه وهو يستذكر تلك الايام السوداء,, فلان وفلان وو, اخوه وابناء عمومته والجيران ,,, ايه ,, يرحمهم الله ليتنا ذهبنا معهم ولم نتحمل كل هذه الآلام
كان اختيال ابن عمه فاتحة المسلسل الدموي ,, تشييع بهي في المنطقة ثم وضعت الجثة فوق إحدى السيارات ,تتبعها ثلاث
سيارات متجهة الى مدينة النجف ,, يرافقها الاقارب والاصدقاء كرد واجب ,وعاد الآخرون ومرارة الحزن تملأ الافواه,,
كان ايامها جو العراق ملبدا بالطائفية المقيتة ,فاعترضت الموكب مجاميع ارهابية في احدى المناطق الساخنة, وأمطرت السيارات بالرصاص,, سيارة النعش وسيارتان تمكنتا من الافلات وسط ذلك المطر من زخات الرصاص,, فقد استمات السائقون للخروج من الموقف الحرج ,اما السيارة الرابعة فلم تكن محظوظة مع سائقها , فقد تلقى رصاصة في مقتل وانكفأ على المقود وانحرفت السيارة لتنزل مقدمتها في نهر على حافة الطريق ,, بينما ابتعدت باقي السيارات لا تلوي على شيء,,
لم يكن في السيارة سوى بندقية واحدة نسيها احد المشيعين بعد مراسم التشييع , فالقيت تحت المقاعد خوف التفتيش,,
تراكض الجميع ككلاب صيد خلف السيارة الجانحة ,التقط احد الركاب البندقية واطلق ما تبقى بها من رصاصات ليسقط عدد من المهاجمين المستميتين ثم يلقيها كجثة لا روح فيها وقد نفذ الرصاص ,,وصل المهاجمون وقام قائدهم بإطلاق ثلاثين طلقة على الرامي , ثم انزل الثلاثة الباقين وهم مصابون في اماكن مختلفة , وتم اعدامهم بوحشية وصيحات هستيرية , , بقيت الجثث مبعثرة حول السيارة المثقبة كغربال بسائقها المنكفئ فوق المقود .
استلّ سكارة ثانية , ودمعتان تزدحمان في عينيه , واردف ,, المصيبة والمرارة حين عادت باقي السيارات في المساء وهم يظنون ان رفاقهم عادوا الى المنطقة بعد ان تعذّر عليهم اللحاق بالموكب , ارتفع العويل والصراخ وضجت القرية بمن فيها للخطب الجلل ,, نار تتأجج ولا سبيل للانتقام , تراكض الجميع الى السلاح وسيارات البيك اب تمتلئ بالشباب , صيحات وآهات لكن لا سبيل , فقد اغلقت القوات الامريكية الطريق ,ولا تسمح بمرور احد ,,خمسة ايام بلياليها لم نعرف طعم النوم او الزاد ,,لا شيء سوى الحزن والدموع, وكلمات المحبين والمعزين لا تضمد جرحا ولا تدفن جثثا مرمية على جانب الطريق
وللحزن بقية
بصعوبة بالغه عبر سياج المزرعة ,, فقد امسك احد الاسلاك الشائكة بسرواله ليحدث ثقبا صغيرا في القماش ,وهو يتوكأ على بندقية صيد باتت تشبهه لطول ما رافقته,, بادرته:-لا تتعب نفسك فالطيور اليوم في اجازة عيد الربيع,, وكيف لا تهرب الطيور وصوت ماكنتك يطرد حتى الملائكة,, هكذا وعلى طريقته الساخرة في الحديث اجابني مردفا بالتحية بحركة من يده,, ,,,, اطفأت ماكنة قطع الحشائش واستقبلته بالحفاوة والترحيب,,
لازالت لك الرغبة والقدرة على العمل - بدون حسد - قالها وهو ينظر اليّ بحب,, أخوك ترك العمل ولم يبق له امل في الحياة وينتظر رحمة الله,,, بادرته : والله لست مجبرا على العمل ,ولكنني اجد نفسي في البستان,, فكما تعلم لست من رواد المقاهي ,, وحتى المساجد لم اعد اذهب اليها الا اللهم في اوقات الصلاة,, دقائق ثم انصرف , فقد تحولت هي الأخرى الى مقاهي والشاي هو الفارق الوحيد ,, ولم يعد لي من صديق سوى هذا ورميت له جهاز mp3 صغير نسخت عليه بعض المحاضرات الدينية وقصائد من روائع الشعر وبعض اغاني السيدة ,,,
انه الحاج حسين صديق الشباب ,,حيث توطدت علاقتنا منذ ايام الثانوية فقد جمعت المدرسة القديمة في قريتنا جميع طلاب القرى المجاورة الممتدة على شاطئ دجله كحبات مسبحه,, ,, ما اجملها تلك الايام حيث كان ابناء القرى البعيدة يبيتون في بيوتنا البسيطة أيام الأمطار وانقطاع الطرق, وما أحلى خجلهم الريفي وهم يتناولون الطعام في بيت يعتبرونه غريبا عليهم, وهم مجبرون بالطبع ,فلا مطاعم ولا فنادق في تلك النواحي ,, ورائحة التمن العنبر بالدهن الحر تفتح الشهية ,, ما احلاها تلك الحقبة,, وحتى بعد تركه المدرسة بقيت صداقتنا مستمرة فهو جارنا في البساتين, ورفيق الصيد ايام الراحة
انا عاتب ,, عليك قالها الحاج وهو ينظر اليّ بحسره,, لم تزرني ,, ومنذ متى نتزاور في البيوت ؟,الم نتعود اللقاء في البساتين؟ قال :-الاشهر الثلاثة الماضية كنت في الفراش فقد اصبت بجلطة, ولم اخرج الا قبل بضعة ايام ووجدت نفسي اليوم في شوق للبساتين,, فقد اختنقت من المستشفى والبيت وها انا اخرج دون علم الاولاد فقد نصحني الطبيب بعدم الخروج,, اعتذرت له بعدم علمي, فضحك من اعماقه ,,وهل كان علي ان ابعث لك بطاقة دعوه.؟
,, اخذ سكارة ,ورمى العلبة والقداحة نحوي ,,ونفث دخانها وكانه يرسم خارطة الحزن التي عاشها في السنوات الاخيرة,, لم يكن صديقي العزيز محظوظا كالأيام الخوالي, حاله حال الكثير من العراقيين في السنين العجاف ,, فقد طرق الارهاب بابه وأثكله بالكثير من اهله وابناء عمومته,, تشاغلت عنه متعمدا كي امنعه من الحديث عن تلك الايام فلم يعد صاحبي ذلك الريفي الصلب ,,ومجرد الذكرى تتعبه,, إستأذنته لأجلب ادوات الشاي من كوخ المزرعة ,, ضحك ضحكته المعهودة,, اذن سأشعل النار قالها وهو يجمع الحطب.
مع قدح الشاي وقطعة خبز مشويه على الجمر,, اصدر آهة وهو يضع يده على صدره كمن يشير الى الألم ,,لعن الله الارهاب, فلم اكن اعرف معنى المرض لولا البلاء الذي وقع علينا,, تجمدت ابتسامة على شفتيه وهو يستذكر تلك الايام السوداء,, فلان وفلان وو, اخوه وابناء عمومته والجيران ,,, ايه ,, يرحمهم الله ليتنا ذهبنا معهم ولم نتحمل كل هذه الآلام
كان اختيال ابن عمه فاتحة المسلسل الدموي ,, تشييع بهي في المنطقة ثم وضعت الجثة فوق إحدى السيارات ,تتبعها ثلاث
سيارات متجهة الى مدينة النجف ,, يرافقها الاقارب والاصدقاء كرد واجب ,وعاد الآخرون ومرارة الحزن تملأ الافواه,,
كان ايامها جو العراق ملبدا بالطائفية المقيتة ,فاعترضت الموكب مجاميع ارهابية في احدى المناطق الساخنة, وأمطرت السيارات بالرصاص,, سيارة النعش وسيارتان تمكنتا من الافلات وسط ذلك المطر من زخات الرصاص,, فقد استمات السائقون للخروج من الموقف الحرج ,اما السيارة الرابعة فلم تكن محظوظة مع سائقها , فقد تلقى رصاصة في مقتل وانكفأ على المقود وانحرفت السيارة لتنزل مقدمتها في نهر على حافة الطريق ,, بينما ابتعدت باقي السيارات لا تلوي على شيء,,
لم يكن في السيارة سوى بندقية واحدة نسيها احد المشيعين بعد مراسم التشييع , فالقيت تحت المقاعد خوف التفتيش,,
تراكض الجميع ككلاب صيد خلف السيارة الجانحة ,التقط احد الركاب البندقية واطلق ما تبقى بها من رصاصات ليسقط عدد من المهاجمين المستميتين ثم يلقيها كجثة لا روح فيها وقد نفذ الرصاص ,,وصل المهاجمون وقام قائدهم بإطلاق ثلاثين طلقة على الرامي , ثم انزل الثلاثة الباقين وهم مصابون في اماكن مختلفة , وتم اعدامهم بوحشية وصيحات هستيرية , , بقيت الجثث مبعثرة حول السيارة المثقبة كغربال بسائقها المنكفئ فوق المقود .
استلّ سكارة ثانية , ودمعتان تزدحمان في عينيه , واردف ,, المصيبة والمرارة حين عادت باقي السيارات في المساء وهم يظنون ان رفاقهم عادوا الى المنطقة بعد ان تعذّر عليهم اللحاق بالموكب , ارتفع العويل والصراخ وضجت القرية بمن فيها للخطب الجلل ,, نار تتأجج ولا سبيل للانتقام , تراكض الجميع الى السلاح وسيارات البيك اب تمتلئ بالشباب , صيحات وآهات لكن لا سبيل , فقد اغلقت القوات الامريكية الطريق ,ولا تسمح بمرور احد ,,خمسة ايام بلياليها لم نعرف طعم النوم او الزاد ,,لا شيء سوى الحزن والدموع, وكلمات المحبين والمعزين لا تضمد جرحا ولا تدفن جثثا مرمية على جانب الطريق
وللحزن بقية