جودت الانصاري
25-02-2012, 11:08 PM
حديث في الوقت الضائع ج 2
غلبته الدموع , فلم يعد يستطيع ان يداريها , فاطلق لعبرته العنان , وما ان احس بيد تربت على كتفه وشفة تطبع على جبينه قبلة مواساة , حتى احتضنني كطفل ينشد الأمان مما قاساه من ضيم الحياة وقساوتها , وبكلمات متقطعة بنشيج, حوقل ثم استغفر واعتدل في جلسته وهو يمسح وجهه بذيل كوفيته ,, هوّن عليك يا أخي , فالبكاء مضر لمن هو في حالتك الصحية ,, بالعكس فانا ارتاح وازيح بعض ما اثقل صدري ,وعندك بالذات فأنا لا استطيع ان ابوح بمشاعري امام الغرباء ,أما الاولاد فاشفق عليهم,, فقلوبهم لا تزال طرية ولا اريد ان أكدرهم ,لذا أظهر لهم التجلد ,,
خمسة ايام لم نترك مسؤولا ولا شرطيا الا وقصدناه , لكن لا حول ولا قوة للقوات العراقية في تلك الفترة والملف الامني بيد قوات الاحتلال , وقد اطربها الاقتتال الداخلي ولا تسمح لاحد ان يتحدث أو يقترب منها حتى ,ومن يدري فقد يكون لها الدور البارز في الفتنة , والا ماذا تسمي منعهم اي مسلح دخول المنطقة حتى وان كان شرطيا , بينما تسمح للإرهاب ان يصول ويجول , ,,
لم اتحمل الضغط الشديد, الشباب والنساء بعواطفهم الملتهبة لم يتركوا لي الخيار , فان لم ابادر فقد يذهبون دون علمي وتقع مجزرة جديدة , في اليوم السادس خرجت بثلاثة , اخي واثنين من ابناء عمي , وبسيارة بيك اب قاصدين مكان الجثث ,, في سيطرة الاحتلال فتشونا بدقة , وحتى المسدسات التي كنا نخفيها في السيارة اخذوها وتركونا ,كطيور لا حول لنا ولا قوة .
احتجزونا لأكثر من ساعة تحدثنا مع المترجمة وكانت عربية تحمل الجنسية الأمريكية , تعاطفت معنا ونحن نتحدث
اليها , واقسم اني رأيت دمعة في عينيها , لكنها لم تفلح في اقناع الآمر بإرسال قوة معنا , فقد ظل جواب آمر القوة نو, نو , ساومناه حتى بالرشوة ولم يوافق وجلّ ما قدمه لنا رزمة اكياس سوداء للجثث بعد ان استأثر بأعز ما لدينا وهي المسدسات , وعموما ما الذي كانت ستفعله امام من يحمل اسلحة متوسطة؟ حاولت المترجمة ثنينا عن الذهاب لكننا بلغنا نقطة اللاعوده وما عسانا ان نقول إن رجعنا لمن تعلقت آمالهم بنا من ثكالى وايتام كل همهم دفن جثث ذويهم .
على امتداد اكثر من مئة متر, تناثرت الجثث هنا وهناك , لا شيء سوى طنين الذباب ورائحة تزكم الانوف بسبب حرارة الجو والشمس المباشرة على الاجساد في ذلك المكان وقد احصيت العشرات قبل ان نصل الى السيارة التي تقف منحرفة مع سائقها المنكفئ على المقود ورفاقه الاربعة المبعثرين حول السيارة ,, وقبل ان نرفع الجثة الاولى احاطتنا المجاميع ذاتها حيث كانت تنصب لنا كمينا , وانا واثق ان القوات الامريكية كانت ترانا بالمناظير ان لم يكن بالعين المجردة
اسقط في ايدينا , ولم يعد للكلام طعم فالوجوه التي امامي لا تحمل ايّ معلم من معالم الانسانية ,اخرج احدهم قصاصة ورق وطابق رقم سيارتنا وسألني: انت حسين فأومأت برأسي , فضحك ضحكة من ظفر بشيء ثمين ,والظاهر ان واش حقير قد اخبرهم باتصال عن ادق التفاصيل ,,تم تكبيلنا الى الخلف بحرفنة متقنة , وشدوا اعننا ورمونا على ظهر سيارتنا تحت السلاح وانطلق احدهم يقود السيارة في طريق ترابي بسرعة جنونية ولأكثر من ساعة ,سأل ابن عمي احد الواقفين عن وجهتنا فركله برجله فسكت ,
في المساء اقتادونا الى مكان يبعد ما يقرب المئة متر سيرا وكلما تعثّر احدنا ضربوه بعقب بندقية او صفعة ونحن معصوبي الأعين , بعد حديث قصير فيما بينهم , جلجل صوت بصفة الامر : افتحوا عيونهم , سرادق طويل وقد وضعنا في وسط الجلسة ومن حولنا عيون تكاد تغور في اعماقنا , وعلى صدر المجلس رجل يتكئ على وسادتين , يقلب بين راحتيه مصحف صغير ومن فوقه علقت قطعة قماش سوداء وسيف ,كانت عيناه ضيقتان ولا تناسب ذلك الوجه المستطيل , محكمة سريعة اسمك ومذهبك وحسم الامر , سلّموا هذين الاثنين الى المجموعة الفلانية , اخي وابن عمي الثاني ,واتركوا الباقين هنا ,تقاعس اخي في النهوض فركله احدهم , وحاول ان يرفعه , حتى إذا اقترب منه كفاية فاجأه اخي بضربة رأس أسقطته في حجر الجالسين مغمى عليه والدماء تخر من انفه وفمه كالميزاب , تحاوشوه وجروه جرا بعد ان اوسعوه ضربا بأعقاب البنادق .
كنت انظر مباشرة الى ذلك الوجه الضارب في الصفرة كليمونة , رغم اللحية المبعثرة بغير ترتيب وكأنها لا تطيق بعضها حتى.
لماذا تدقق في وجهي ,, قالها بلهجة غير عراقية بالمرة وبجانبه حارسان كأنهما من حجر بركان لا يتحركان ولا يفارقانه شبرا واحدا , الظاهر انه لا يثق بباقي المجموعة وجلّها من العراقيين ,, وكمن استعجل الموت اجبته : لأعلم ايّ نوع من الوحوش انت , حين تحكم بالموت على أبرياء وباسم الدين وتحمل مصحفا كمسبحة ,, ها ها ها واعقبها بنوبة سعال بغيظ
تريد ان تموت سريعا ها ؟
بإشارة من يده البالية كقصبة , انفضّ المجلس الا من حارسيه وهما يربضان بجانبه ككلبي حراسة , احدهما اسود البشرة معدوم الملامح , اما الثاني فكان يشبهه بعض الشيء , اشار اليه ان يخرج ابن عمي خارج السرادق ,احذر ان يعضك كصاحبه , قالها وهو يقترب مني بدون مبالات , ولم يبتعد الحارس بابن عمي كثيرا ,فقد احسست بارتطام جسده بالأرض
خارج السرادق ,, لم اجد اغبى منكم معشر العراقيين , فأجبته : لأنك تعاملت مع الحثالة فقط اعراب وناقصي ثقافة , تجاذبنا اطراف الحديث وانا اشتاق الى ذلك السيف لكنني مكبل رجلا بيد, كان متوسط الثقافة واثناء دراسته الجامعية اصيب بمرض خبيث , دار أوربا وغيرها ولم يجد علاجا , واقنعه احد شيوخ الفتنة بالجهاد في العراق كأمير للمؤمنين وبذا يضمن الجنة ,فأيامه معدودة بسبب المرض
ولن يخسر شيئا , , انتصف الليل فأشار الى حارسه فرماني الى جانب صاحبي في الخارج ,
لم استطع النوم حتى قبيل الصبح , حيث انتابتني اغفاءة وانا اسأل الله ان يشملني برحمته او يلحقني بأصحابي ,,ضجّ المكان بأصوات سيارات , وتطاير الرصاص , وسقط من سقط وألقي القبض على الباقين وتمزّق بيت العنكبوت تحت اقدام رجال العراق
غلبته الدموع , فلم يعد يستطيع ان يداريها , فاطلق لعبرته العنان , وما ان احس بيد تربت على كتفه وشفة تطبع على جبينه قبلة مواساة , حتى احتضنني كطفل ينشد الأمان مما قاساه من ضيم الحياة وقساوتها , وبكلمات متقطعة بنشيج, حوقل ثم استغفر واعتدل في جلسته وهو يمسح وجهه بذيل كوفيته ,, هوّن عليك يا أخي , فالبكاء مضر لمن هو في حالتك الصحية ,, بالعكس فانا ارتاح وازيح بعض ما اثقل صدري ,وعندك بالذات فأنا لا استطيع ان ابوح بمشاعري امام الغرباء ,أما الاولاد فاشفق عليهم,, فقلوبهم لا تزال طرية ولا اريد ان أكدرهم ,لذا أظهر لهم التجلد ,,
خمسة ايام لم نترك مسؤولا ولا شرطيا الا وقصدناه , لكن لا حول ولا قوة للقوات العراقية في تلك الفترة والملف الامني بيد قوات الاحتلال , وقد اطربها الاقتتال الداخلي ولا تسمح لاحد ان يتحدث أو يقترب منها حتى ,ومن يدري فقد يكون لها الدور البارز في الفتنة , والا ماذا تسمي منعهم اي مسلح دخول المنطقة حتى وان كان شرطيا , بينما تسمح للإرهاب ان يصول ويجول , ,,
لم اتحمل الضغط الشديد, الشباب والنساء بعواطفهم الملتهبة لم يتركوا لي الخيار , فان لم ابادر فقد يذهبون دون علمي وتقع مجزرة جديدة , في اليوم السادس خرجت بثلاثة , اخي واثنين من ابناء عمي , وبسيارة بيك اب قاصدين مكان الجثث ,, في سيطرة الاحتلال فتشونا بدقة , وحتى المسدسات التي كنا نخفيها في السيارة اخذوها وتركونا ,كطيور لا حول لنا ولا قوة .
احتجزونا لأكثر من ساعة تحدثنا مع المترجمة وكانت عربية تحمل الجنسية الأمريكية , تعاطفت معنا ونحن نتحدث
اليها , واقسم اني رأيت دمعة في عينيها , لكنها لم تفلح في اقناع الآمر بإرسال قوة معنا , فقد ظل جواب آمر القوة نو, نو , ساومناه حتى بالرشوة ولم يوافق وجلّ ما قدمه لنا رزمة اكياس سوداء للجثث بعد ان استأثر بأعز ما لدينا وهي المسدسات , وعموما ما الذي كانت ستفعله امام من يحمل اسلحة متوسطة؟ حاولت المترجمة ثنينا عن الذهاب لكننا بلغنا نقطة اللاعوده وما عسانا ان نقول إن رجعنا لمن تعلقت آمالهم بنا من ثكالى وايتام كل همهم دفن جثث ذويهم .
على امتداد اكثر من مئة متر, تناثرت الجثث هنا وهناك , لا شيء سوى طنين الذباب ورائحة تزكم الانوف بسبب حرارة الجو والشمس المباشرة على الاجساد في ذلك المكان وقد احصيت العشرات قبل ان نصل الى السيارة التي تقف منحرفة مع سائقها المنكفئ على المقود ورفاقه الاربعة المبعثرين حول السيارة ,, وقبل ان نرفع الجثة الاولى احاطتنا المجاميع ذاتها حيث كانت تنصب لنا كمينا , وانا واثق ان القوات الامريكية كانت ترانا بالمناظير ان لم يكن بالعين المجردة
اسقط في ايدينا , ولم يعد للكلام طعم فالوجوه التي امامي لا تحمل ايّ معلم من معالم الانسانية ,اخرج احدهم قصاصة ورق وطابق رقم سيارتنا وسألني: انت حسين فأومأت برأسي , فضحك ضحكة من ظفر بشيء ثمين ,والظاهر ان واش حقير قد اخبرهم باتصال عن ادق التفاصيل ,,تم تكبيلنا الى الخلف بحرفنة متقنة , وشدوا اعننا ورمونا على ظهر سيارتنا تحت السلاح وانطلق احدهم يقود السيارة في طريق ترابي بسرعة جنونية ولأكثر من ساعة ,سأل ابن عمي احد الواقفين عن وجهتنا فركله برجله فسكت ,
في المساء اقتادونا الى مكان يبعد ما يقرب المئة متر سيرا وكلما تعثّر احدنا ضربوه بعقب بندقية او صفعة ونحن معصوبي الأعين , بعد حديث قصير فيما بينهم , جلجل صوت بصفة الامر : افتحوا عيونهم , سرادق طويل وقد وضعنا في وسط الجلسة ومن حولنا عيون تكاد تغور في اعماقنا , وعلى صدر المجلس رجل يتكئ على وسادتين , يقلب بين راحتيه مصحف صغير ومن فوقه علقت قطعة قماش سوداء وسيف ,كانت عيناه ضيقتان ولا تناسب ذلك الوجه المستطيل , محكمة سريعة اسمك ومذهبك وحسم الامر , سلّموا هذين الاثنين الى المجموعة الفلانية , اخي وابن عمي الثاني ,واتركوا الباقين هنا ,تقاعس اخي في النهوض فركله احدهم , وحاول ان يرفعه , حتى إذا اقترب منه كفاية فاجأه اخي بضربة رأس أسقطته في حجر الجالسين مغمى عليه والدماء تخر من انفه وفمه كالميزاب , تحاوشوه وجروه جرا بعد ان اوسعوه ضربا بأعقاب البنادق .
كنت انظر مباشرة الى ذلك الوجه الضارب في الصفرة كليمونة , رغم اللحية المبعثرة بغير ترتيب وكأنها لا تطيق بعضها حتى.
لماذا تدقق في وجهي ,, قالها بلهجة غير عراقية بالمرة وبجانبه حارسان كأنهما من حجر بركان لا يتحركان ولا يفارقانه شبرا واحدا , الظاهر انه لا يثق بباقي المجموعة وجلّها من العراقيين ,, وكمن استعجل الموت اجبته : لأعلم ايّ نوع من الوحوش انت , حين تحكم بالموت على أبرياء وباسم الدين وتحمل مصحفا كمسبحة ,, ها ها ها واعقبها بنوبة سعال بغيظ
تريد ان تموت سريعا ها ؟
بإشارة من يده البالية كقصبة , انفضّ المجلس الا من حارسيه وهما يربضان بجانبه ككلبي حراسة , احدهما اسود البشرة معدوم الملامح , اما الثاني فكان يشبهه بعض الشيء , اشار اليه ان يخرج ابن عمي خارج السرادق ,احذر ان يعضك كصاحبه , قالها وهو يقترب مني بدون مبالات , ولم يبتعد الحارس بابن عمي كثيرا ,فقد احسست بارتطام جسده بالأرض
خارج السرادق ,, لم اجد اغبى منكم معشر العراقيين , فأجبته : لأنك تعاملت مع الحثالة فقط اعراب وناقصي ثقافة , تجاذبنا اطراف الحديث وانا اشتاق الى ذلك السيف لكنني مكبل رجلا بيد, كان متوسط الثقافة واثناء دراسته الجامعية اصيب بمرض خبيث , دار أوربا وغيرها ولم يجد علاجا , واقنعه احد شيوخ الفتنة بالجهاد في العراق كأمير للمؤمنين وبذا يضمن الجنة ,فأيامه معدودة بسبب المرض
ولن يخسر شيئا , , انتصف الليل فأشار الى حارسه فرماني الى جانب صاحبي في الخارج ,
لم استطع النوم حتى قبيل الصبح , حيث انتابتني اغفاءة وانا اسأل الله ان يشملني برحمته او يلحقني بأصحابي ,,ضجّ المكان بأصوات سيارات , وتطاير الرصاص , وسقط من سقط وألقي القبض على الباقين وتمزّق بيت العنكبوت تحت اقدام رجال العراق