الشيخ علي محمد حايك
28-02-2012, 07:29 PM
انصح الموالين بالاستماع لخطبة الدكتور الشيخ عدنان ابراهيم على موقعه تحت عنوان (الحسين ويزيد)، وقد قال ردا على من اعترض عليه: هذه كلمات يسيرة أردت بها كشف ما أورده أحد إخواني على موقعي على الفيس بوك تحت إسم حسين أبو عبد الرحمن ضمن التعليقات على الحلقة التاسعة عشرة من سلسلة معاوية في الميزان ـ معترضا به على بعض ما ورد في خطبة (بين الحسين ويزيد) ـ سلام الله على الحسين ورضوانه وبركاته، وثبر يزيد ومن والاه في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهادـ خشية أن يغتر بها من لم يقف على جلية الامر، وبالله استعانتي ومنه استمدادي وعليه تعويلي، لأنه
إذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
فأقول و بالله التوفيق :
أولا: بخصوص الكف عما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكف أحد من العلماء عن ذلك وها هي الكتب مملوءة وطافحة بتفاصيل ما جرى بينهم، لكن هناك قوم إن قلت ما يرضيهم وسويت بين المصلح والمفسد والمحق والمبطل وافقوك و أثنوا عليك ولم يقولوا : كفَّ لسانك، وإن تكلمت بعدل وعقل وذكرت ما انتهى اليه علمك من الحقائق والبينات صاحوا: كف لسانك، فاللهَ اللهَ في الحق والانصافَ الانصافَ.
ثانيا: و أما بخصوص ما ذكرته منسوبا إلى الإمام الغزالي رحمه الله تعالى فهو ليس حديثا نبويا كما ظن الأخ بل من كلام الغزالي نفسه، يعبر به عن رأيه و فهمه، وقد ذكرت مصدري فيه عزوا إليه ونقلا عنه، إن تذكُر ذلك، فاعتب اخي إن شئت على الإمامين الكبيرين الغزالي وابن الوزير.
ثالثا: و أما أني حين أغضب للفتنة لا أدري ما يخرج من رأسي، فهي إن عقلتَ اخي ليست فتنة، قتل الإمام الحسين عليه السلام ليس فتنة بل جريمة نكراء ولعنة حاقة على كل من شارك فيها ورضي بها، فتنبه لما تقول، فما تبيّن فيه الحق من الباطل لا يقال له فتنة، و إنما الفتنة ما التبس فيه الحق والباطل فأوجب التباسهما اشتباها، ومن فخري وشرفي أن أغضب لابن رسول الله وحبيبه الذي دعا له: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، وقال له ولأخيه وأبويه عليهم السلام أجمعين: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم، فليغضب من شاء لأعدائهم ولاعنيهم وقتلتهم، فالله الموعد
إلى ديان يوم الدين نمضي و عند الله تجتمع الخصوم
رابعا: وبخصوص قلة أحاديث الإمام عليه السلام، فقد ذكرت إن وفاته عليه السلام تأخرت إلى سنة اربعين، على حين توفي الصديق رضوان الله عنه في سنة ثلاث عشرة والفاروق رضوان الله عليه سنة ثلاث وعشرين وذو النورين رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين، ما يعني أن ما أثر عنه من حديث ينبغي أن يكون أكثر مما اثر عن أي منهم، ثم إن سابقة الإمام وملازمته لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم واختصاصه به مما لا يخفى، ثم إن مكانه من العلم و الفهم مقرر معروف للكافة، مشهود له به، لا يجحده إلا جاهل أو محترق بعداوةِ من أوجب الله محبته وجعلها من علامة الإيمان وحذر من بِغضته وجعلها من علامة النفاق، فلا أدري ما وجه تشكيكي في الصحابة اذ ذكرت هذا؟ فما أردت قوله مفهوم بأدنى تأمل وهو أن السياسة الأموية ومن بعدها العباسية عملتا على تنفير الناس من الإمام وأرعابهم من رواية علمه وفضله، وحرصتا على كتمه ودفنه، كيف لا وقد ظل الإمام عليه السلام يسب على منابر بني أمية زهاء تسعين سنة مما سيأتي بيانه مفصلا في حلقات معاوية بحول الله تعالى، وظل أولياؤه يسامون سوء العذاب في موالاته ومحبته، والدليل على صحة ما ذكرت آنفا أن الإمام أحمد وقد عاصر المأمون والمعتصم وكانا مظهرين لحب علي وتوقيره، أظهر ما عنده من العلم الذي كتمه غيره فروى في مسنده من حديث الإمام قريبا من ثمانمئة حديث، في حين سأل الرشيد من قبل الإمام مالكا لمَ لمْ يروِ عن علي شيئا في موطئه؟ مع أن في الموطأ روايات يسيرة عن الإمام فلعلها لم تبلغ الرشيد أو لعله لم يعدها شيئا لقلتها إلى ما عرف من علم الإمام وكثرة مرويه. وارجع إن شئت الى ترجمة الامام الجليل ابن عقدة، أبي العباس أحمد بن محمد، لترى ما ذكروه أنه كان عنده من حديث أهل البيت ثلاثمئة ألف حديث، فاين هي؟ بل أين عشرها؟ بل أين عشر عشرها وذلك يأتي ثلاثة آلاف؟
خامسا : بخصوص حديث الكتاب والعترة، فنعم ثم نعم: ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم (أَمَّا بَعْدُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ قَالَ وَمَنْ هُمْ قَالَ هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ قَالَ نَعَم) وهو في الترمذي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا. قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وفي مستدرك الحاكم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
تعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط البخاري ومسلم وفيه أيضا عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن فقال: كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وذكر الحديث بطوله.هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله.
شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضا صحيح على شرطهما
تعليق الذهبي قي التلخيص: سكت عنه الذهبي في التلخيص
وحتى لا أطيل أقول أنه ايضا في السنن الكبرى للنسائي من حديث زيد وفي مسند أحمد في مواضع من حديث أبي سعيد الخدري وقال محققه الشيخ شعيب: صحيح بشواهده دون قوله (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ومن حديث زيد مختصرا أن علي بن ربيعة سأله: هل سمعت الرسول يقول: إني تارك فيكم الثقلين؟ قال: نعم، وقال الشيخ شعيب: إسناده على شرط البخاري.
كما أخرجه أحمد في فضائل الصحابة عن أبي سعيد وابن أبي عاصم في السنة عن زيد والطبراني في الكبير عن زيد
وفي المطالب العالية للحافظ: وقال إسحاق: أنا أبو عامر العقدي، عن كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذا بيد علي قال: « ألستم تشهدون أن الله ربكم ؟ » قالوا: بلى، قال: «ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، وأن الله ورسوله أولياؤكم؟» فقالوا: بلى، قال: «فمن كان الله ورسوله مولاه ، فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي» هذا إسناد صحيح، وحديث غدير خم قد أخرجه (س) من رواية أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، وعلي، وجماعة من الصحابة، وفي هذا زيادة ليست هناك، وأصل الحديث أخرجه الترمذي أيضا أما الشيخ الألباني فهذا كلامه بتمامه في صحيحه ليعلم حقيقة قول من ضعفه مجازفة كابن تيمية واغتر بعض من لا دراية له بقوله فكرره و أعاده:"يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي".
قال الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 355 : أخرجه الترمذي ( 2 / 308 ) و الطبراني ( 2680 ) عن زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: "فذكره، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه، وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم". قلت: قال أبو حاتم، منكر الحديث، وذكره ابن حبان في"الثقات". وقال الحافظ: "ضعيف". قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث زيد بن أرقم قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة و المدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور (من استمسك به و أخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل)، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به - فحث على كتاب الله و رغب فيه، ثم قال: - و أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي". أخرجه مسلم (7 / 122 - 123) والطحاوي في"مشكل الآثار" ( 4 / 368 ) وأحمد ( 4 / 366 - 367 ) و ابن أبي عاصم في "السنة " ( 1550 و 1551 ) و الطبراني ( 5026 ) من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه. ثم أخرج أحمد ( 4 / 371 ) و الطبراني ( 5040 ) و الطحاوي من طريق علي بن ربيعة قال: "لقيت زيد بن أرقم و هو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم الثقلين (كتاب الله و عترتي) ؟ قال: نعم". وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح. وله طرق أخرى عند الطبراني ( 4969 - 4971 و 4980 - 4982 و 5040 ) وبعضها عند الحاكم (3 / 109 و 148 و 533) وصحح هو والذهبي بعضها. وشاهد آخر من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: "( إنى أوشك أن أدعى فأجيب، و إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، ألا و إنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض". أخرجه أحمد ( 3 / 14 و 17 و 26 و 59 ) و ابن أبي عاصم ( 1553 و 1555 ) والطبراني ( 2678 - 2679 ) والديلمي ( 2 / 1 / 45 ) .
وهو إسناد حسن في الشواهد. وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني ( ص 529 ) والحاكم ( 1 / 93) والخطيب في "الفقيه والمتفقه" ( 56 / 1 ). و ابن عباس عند الحاكم و صححه ، و وافقه الذهبي . و عمرو بن عوف عند ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 2 / 24 ، 110 ) ، و هي وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، فبعضها يقوي بعضا، وخيرها حديث ابن عباس . ثم وجدت له شاهدا قويا من حديث علي مرفوعا به. أخرجه الطحاوي في"مشكل الآثار ( 2 / 307 ) من طريق أبي عامر العقدي: حدثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن
علي مرفوعا بلفظ: " ... كتاب الله بأيديكم، وأهل بيتي". و رجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه، وغالب الظن أنه محرف على الطابع أو الناسخ. و الله أعلم. ثم خطر في البال أنه لعله انقلب على أحدهم، وأن الصواب كثير بن زيد،
ثم تأكدت من ذلك بعد أن رجعت إلى كتب الرجال، فوجدتهم ذكروه في شيوخ عامرالعقدي، وفي الرواة عن محمد بن عمر بن علي، فالحمد لله على توفيقه. ثم ازددت تأكدا حين رأيته على الصواب عند ابن أبي عاصم ( 1558 ). وشاهد آخر يرويه شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت مرفوعا به. أخرجه أحمد ( 5 / 181 - 189) و ابن أبي عاصم ( 1548 - 1549 ) والطبراني في "الكبير " ( 4921 - 4923 ). وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، وقال الهيثمي في "المجمع" ( 1 / 170 ): "رواه الطبراني في" الكبير" و رجاله ثقات"! وقال في موضع آخر ( 9 / 163 ): "رواه أحمد، وإسناده جيد"! بعد تخريج هذا الحديث بزمن بعيد، كتب علي أن أهاجر من دمشق إلى عمان، ثم أن أسافر منها إلى الإمارات العربية، أوائل سنة ( 1402 ) هجرية، فلقيت في (قطر) بعض الأساتذة و الدكاترة الطيبين، فأهدى إلي أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا الحديث، فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة، وذلك من ناحيتين ذكرتهما له: الأولى: أنه اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة، ولذلك قصر تقصيرا فاحشا في تحقيق الكلام عليه، وفاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة فضلا عن الشواهد و المتابعات، كما يبدولكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا..
الثانية: أنه لم يلتفت إلى أقوال المصححين للحديث من العلماء ولا إلى قاعدتهم التي ذكروها في "مصطلح الحديث": أن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق، فوقع في هذا الخطأ الفادح من تضعيف الحديث الصحيح. و كان قد نمى إلى قبل الالتقاء به واطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في (الكويت) يضعف هذا الحديث، وتأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك، يستدرك علي إيرادي الحديث في "صحيح الجامع الصغير" بالأرقام ( 2453 و 2454 و 2745 و 7754 ) لأن الدكتور المشار إليه قد ضعفه، وأن هذا استغرب مني تصحيحه! ويرجو الأخ المشار إليه
أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديث، وقد فعلت ذلك احتياطيا، فلعله يجد فيه ما يدله على خطأ الدكتور، وخطئه هو في استرواحه و اعتماده عليه، وعدم تنبهه للفرق بين ناشئ في هذا العلم، ومتمكن فيه، وهي غفلة أصابت كثيرا من الناس الذين يتبعون كل من كتب في هذا المجال، و ليست له قدم راسخة فيه. والله المستعان. و اعلم أيها القارىء الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، و يلهجون بذلك كثيرا، حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، و هم جميعا واهمون في ذلك، وبيانه من وجهين :
الأول : أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: "عترتي" أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث الترجمة: "عترتي أهل بيتي" وأهل بيته في الأصل هم" نساؤه صلى الله عليه وسلم و فيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في (الأحزاب ): *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)* بدليل الآية التي قبلها و التي بعدها: *(يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا)*، وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية ودخول علي وأهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره، وكذلك حديث"العترة" قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله. ولذلك قال التوربشتي - كما في " المرقاة " ( 5 / 600 ): "عترة الرجل: أهل بيته ورهطه
الأدنون، و لاستعمالهم "العترة" على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "أهل بيتي" ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه". والوجه الآخر: أن المقصود من "أهل البيت" إنما هم العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: "( العترة ) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره". وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: "إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح
أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: *( و يعلمهم الكتاب و الحكمة )* ". قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة: *(و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة)*. فتبين أن المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد (الثقلين) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في "النهاية": "سماهما (ثقلين) لأن الآخذ بهما (يعني الكتاب و السنة) والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس (ثقل)، فسماهما (ثقلين) إعظاما لقدرهما و تفخيما لشأنهما". قلت: والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله: "فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين ...". قال الشيخ القاريء ( 1 / 199 ): "فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها". إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث "الموطأ" بلفظ: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله و سنة رسوله". وهو في "المشكاة" ( 186 ). وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ. و الله المستعان.
وبالمناسبة ليست هذه اول مجازفة لابن تيمية غفر الله له في رد حديث لما فيه من فضيلة لاهل بيت النبوة، فانظر ماذا قال الالباني بعد أن ساق عشرات الطرق لحديث من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه: وللحديث طرق أخرى كثيرة جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في "المجمع" ( 9 / 103 - 108 ) و قد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقينا، و إلا فهي كثيرة جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح و منها حسان. و جملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما ظهر لمن تتبع أسانيده و طرقه، وما ذكرت منها كفاية. وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: " و انصر من نصره و اخذل من خذله "
. ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه ، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: "اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه". ومثله قول عمر لعلي: "أصبحت و أمسيت مولى كل مؤمن و مؤمنة". لا يصح أيضا لتفرد علي بن زيد به كما تقدم. إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث و بيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام بن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها. والله المستعان.
وحديث الثقلين (الكتاب و العترة) مروي أيضا بلفظ: إني تارك فيكم خليفتين وقد أخرجه غير واحد باسانيد صحيحة لا يتسع المقام لذكرها ومن ابتغاها الفاها.
سادسا: أما ما يتعلق بشأن معاوية مع الخمر فلا تعجل فان قدّر الله ويسر فسأخصص حلقة أو أكثر عن هذا الموضوع، وما لم تعثر عليه أخي سأعثرك عليه بسنده، وثمت مسائل كثيرة بخصوص معاوية يعترض بها بعضٌ سيأتي تحقيق القول فيها مستوفى في حينه بعون الله تعالى، فما زلنا في البداية.
سابعا: أما حديث (و اني قاتل بابن بنتك ...) فقد أخرجه الحاكم وصححه وكذا الذهبي، قال: على شرط مسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أوحى الله تعالى إلى محمد إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. هذا لفظ حديث الشافعي و في حديث القاضي أبي بكر بن كامل إني قتلت على دم يحيى بن زكريا وإني قاتل على دم ابن ابنتك. هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. تعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط مسلم، فهل أيضا الحاكم و الذهبي لا يدريان ما يخرج من رؤوسهما؟
ثامنا: أما ما ذكرت من حديث من سب عليا فقد سبني وأنك لم تجد من صححه، فكان ماذا؟ هل عدم الوجدان يعني عدم الوجود؟ وإليك البيان: الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده وصححه الشيخ شعيب وأجاب عما تعلق به الألباني في تضعيفه من اختلاط أبي اسحق بجواب قوي وهو أن رواية أبي اسرائيل عنه في غاية الاتقان للزومه اياه، قلت كما أنه سمع منه قبل اختلاطه، فضلا عما ذكره الإمام العلائي في كتاب المختلطين من أن أحدا من الأئمة لم يعتبر ما ذكر من اختلاط أبي اسحق و احتجوا به مطلقا وذلك يدل على أنه لم يختلط في شيئ من حديثه، ولذلك احتج البخاري برواية اسرائيل عن ابي اسحق، ثم إن الإمام أحمد قدم اسرائيل على شريك في أبي اسحق لأنه كان صاحب كتاب، بل ان شعبة وهو من هو لما سئل عن أحاديث أبي اسحق قال: سلوا عنها اسرائيل فانه اثبت فيها مني، وأخرجه أحمد في كتاب فضائل الصحابة وصحح اسناده محققه وصي الله عباس، كما رواه الامام النسائي في خصائص أمير المؤمنين برقم 86 وصححه محققه الشيخ ابو اسحق الحويني، و أجاب الحويني عن شبهة تدليس أبي اسحق وقد عنعنه بان السدي تابعه عن ابي عبد الله الجدلي، ورواه أبو يعلى وصحح اسناده محققه حسين أسد قائلا: اسرائيل سمع من أبي اسحق قبل الاختلاط، وقال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة، وممن صححه أيضا من المعاصرين الشيخ مصطفى العدوي في كتابه الصحيح المسند من فضائل الصحابة، فالحديث صحيح و اعتراضات الألباني رحمه الله مردود عليها من هؤلاء جميعا.
تاسعا: أما بخصوص عبارة بدرت مني عرضا حول حديث (اخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة من ايمان) فلم تكن الخطبة أصلا لبيان القول في هذا ولا أنا معنيّ الآن بهذا البيان في هذا المقام، ولكني أدعوك أخي الى أن تتساءل: هذه الذرة هل تحمل على التوحيد الذي لا نجاة لأحد من الخلق بدونه ام على ما دونه؟ لا قائل من الأمة بالثاني لمخالفته للنص والإجماع، فتعين أن تحمل على التوحيد ولو بدون عمل، لكن صح عنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام كما في مسلم أن الحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآ او تملآن ما بين السموات والارض، فكيف بلا اله الا الله محمد رسول الله؟ وسيما وقد ورد أنه لا يثقل بها شيئ كما عند الترمذي، فإذا سلمت هذا فكيف يقال انها ذرة؟
و أخيرا: أما ما ذكرت من تفسيري للكوثر بذرية الحبيب المصطفى فبأدنى تأمل يضح أن السورة الكريمة هي التي تدل عليه، وإلا فما مناسبة الكوثر ليقع بإزاء (إن شانئك هو الأبتر) مع ما ورد إنها نزلت في العاص بن وائل وتعييره النبي بانه ابتر لا عقب له، فالأظهر أن يكون الكوثر هو الذرية الكثيرة المنتشرة ولم يقع اتفاق على تفسير الكوثر بنهر في الجنة أعطيه النبي عليه و آله السلام فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناسًا يَزْعُمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. قال ابن كثير: وهذا التفسير يعم النهر وغيره؛ لأن الكوثر من الكثرة، وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومحارب بن دِثَار، والحسن بن أبي الحسن البصري. حتى قال مجاهد: هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة. وقال عكرمة: هو النبوة والقرآن، وثواب الآخرة. وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر. فالحاصل أن تفسيره بالذرية الطاهرة لا محظور فيه البتة على أنه ظاهر قوي يساعد عليه النظم والسياق الكريمان لمن تدبر، ثم إنه لا يتعارض مع تفسيره بالنهر ـ كما ورد في الصحيح ـ ولا بغيره مما فسر به مما نقلته عن ابن كثير اعلاه، و الله تعالى أعلم و أحكم.
أسال الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يحشرنا مع رسول الله وآله الطيبين الطاهرين وأن يسعدنا بشفاعتهم، اللهم هب لي نورا أرى به الحق، وهب لي شجاعة أصدع بها بالحق، وهب لي صبرا أثبت به على الحق في وجه اعداء الحق، إنك ولي ذلك والقادر عليه و الحمد لله رب العالمين
إذا لم يكن من الله عون للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
فأقول و بالله التوفيق :
أولا: بخصوص الكف عما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكف أحد من العلماء عن ذلك وها هي الكتب مملوءة وطافحة بتفاصيل ما جرى بينهم، لكن هناك قوم إن قلت ما يرضيهم وسويت بين المصلح والمفسد والمحق والمبطل وافقوك و أثنوا عليك ولم يقولوا : كفَّ لسانك، وإن تكلمت بعدل وعقل وذكرت ما انتهى اليه علمك من الحقائق والبينات صاحوا: كف لسانك، فاللهَ اللهَ في الحق والانصافَ الانصافَ.
ثانيا: و أما بخصوص ما ذكرته منسوبا إلى الإمام الغزالي رحمه الله تعالى فهو ليس حديثا نبويا كما ظن الأخ بل من كلام الغزالي نفسه، يعبر به عن رأيه و فهمه، وقد ذكرت مصدري فيه عزوا إليه ونقلا عنه، إن تذكُر ذلك، فاعتب اخي إن شئت على الإمامين الكبيرين الغزالي وابن الوزير.
ثالثا: و أما أني حين أغضب للفتنة لا أدري ما يخرج من رأسي، فهي إن عقلتَ اخي ليست فتنة، قتل الإمام الحسين عليه السلام ليس فتنة بل جريمة نكراء ولعنة حاقة على كل من شارك فيها ورضي بها، فتنبه لما تقول، فما تبيّن فيه الحق من الباطل لا يقال له فتنة، و إنما الفتنة ما التبس فيه الحق والباطل فأوجب التباسهما اشتباها، ومن فخري وشرفي أن أغضب لابن رسول الله وحبيبه الذي دعا له: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، وقال له ولأخيه وأبويه عليهم السلام أجمعين: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم، فليغضب من شاء لأعدائهم ولاعنيهم وقتلتهم، فالله الموعد
إلى ديان يوم الدين نمضي و عند الله تجتمع الخصوم
رابعا: وبخصوص قلة أحاديث الإمام عليه السلام، فقد ذكرت إن وفاته عليه السلام تأخرت إلى سنة اربعين، على حين توفي الصديق رضوان الله عنه في سنة ثلاث عشرة والفاروق رضوان الله عليه سنة ثلاث وعشرين وذو النورين رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين، ما يعني أن ما أثر عنه من حديث ينبغي أن يكون أكثر مما اثر عن أي منهم، ثم إن سابقة الإمام وملازمته لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم واختصاصه به مما لا يخفى، ثم إن مكانه من العلم و الفهم مقرر معروف للكافة، مشهود له به، لا يجحده إلا جاهل أو محترق بعداوةِ من أوجب الله محبته وجعلها من علامة الإيمان وحذر من بِغضته وجعلها من علامة النفاق، فلا أدري ما وجه تشكيكي في الصحابة اذ ذكرت هذا؟ فما أردت قوله مفهوم بأدنى تأمل وهو أن السياسة الأموية ومن بعدها العباسية عملتا على تنفير الناس من الإمام وأرعابهم من رواية علمه وفضله، وحرصتا على كتمه ودفنه، كيف لا وقد ظل الإمام عليه السلام يسب على منابر بني أمية زهاء تسعين سنة مما سيأتي بيانه مفصلا في حلقات معاوية بحول الله تعالى، وظل أولياؤه يسامون سوء العذاب في موالاته ومحبته، والدليل على صحة ما ذكرت آنفا أن الإمام أحمد وقد عاصر المأمون والمعتصم وكانا مظهرين لحب علي وتوقيره، أظهر ما عنده من العلم الذي كتمه غيره فروى في مسنده من حديث الإمام قريبا من ثمانمئة حديث، في حين سأل الرشيد من قبل الإمام مالكا لمَ لمْ يروِ عن علي شيئا في موطئه؟ مع أن في الموطأ روايات يسيرة عن الإمام فلعلها لم تبلغ الرشيد أو لعله لم يعدها شيئا لقلتها إلى ما عرف من علم الإمام وكثرة مرويه. وارجع إن شئت الى ترجمة الامام الجليل ابن عقدة، أبي العباس أحمد بن محمد، لترى ما ذكروه أنه كان عنده من حديث أهل البيت ثلاثمئة ألف حديث، فاين هي؟ بل أين عشرها؟ بل أين عشر عشرها وذلك يأتي ثلاثة آلاف؟
خامسا : بخصوص حديث الكتاب والعترة، فنعم ثم نعم: ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم (أَمَّا بَعْدُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ قَالَ وَمَنْ هُمْ قَالَ هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ قَالَ نَعَم) وهو في الترمذي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا. قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وفي مستدرك الحاكم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
تعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط البخاري ومسلم وفيه أيضا عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن فقال: كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وذكر الحديث بطوله.هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله.
شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضا صحيح على شرطهما
تعليق الذهبي قي التلخيص: سكت عنه الذهبي في التلخيص
وحتى لا أطيل أقول أنه ايضا في السنن الكبرى للنسائي من حديث زيد وفي مسند أحمد في مواضع من حديث أبي سعيد الخدري وقال محققه الشيخ شعيب: صحيح بشواهده دون قوله (لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ومن حديث زيد مختصرا أن علي بن ربيعة سأله: هل سمعت الرسول يقول: إني تارك فيكم الثقلين؟ قال: نعم، وقال الشيخ شعيب: إسناده على شرط البخاري.
كما أخرجه أحمد في فضائل الصحابة عن أبي سعيد وابن أبي عاصم في السنة عن زيد والطبراني في الكبير عن زيد
وفي المطالب العالية للحافظ: وقال إسحاق: أنا أبو عامر العقدي، عن كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذا بيد علي قال: « ألستم تشهدون أن الله ربكم ؟ » قالوا: بلى، قال: «ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم، وأن الله ورسوله أولياؤكم؟» فقالوا: بلى، قال: «فمن كان الله ورسوله مولاه ، فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي» هذا إسناد صحيح، وحديث غدير خم قد أخرجه (س) من رواية أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، وعلي، وجماعة من الصحابة، وفي هذا زيادة ليست هناك، وأصل الحديث أخرجه الترمذي أيضا أما الشيخ الألباني فهذا كلامه بتمامه في صحيحه ليعلم حقيقة قول من ضعفه مجازفة كابن تيمية واغتر بعض من لا دراية له بقوله فكرره و أعاده:"يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي".
قال الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " 4 / 355 : أخرجه الترمذي ( 2 / 308 ) و الطبراني ( 2680 ) عن زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: "فذكره، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه، وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم". قلت: قال أبو حاتم، منكر الحديث، وذكره ابن حبان في"الثقات". وقال الحافظ: "ضعيف". قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث زيد بن أرقم قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة و المدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور (من استمسك به و أخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل)، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به - فحث على كتاب الله و رغب فيه، ثم قال: - و أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي". أخرجه مسلم (7 / 122 - 123) والطحاوي في"مشكل الآثار" ( 4 / 368 ) وأحمد ( 4 / 366 - 367 ) و ابن أبي عاصم في "السنة " ( 1550 و 1551 ) و الطبراني ( 5026 ) من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه. ثم أخرج أحمد ( 4 / 371 ) و الطبراني ( 5040 ) و الطحاوي من طريق علي بن ربيعة قال: "لقيت زيد بن أرقم و هو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم الثقلين (كتاب الله و عترتي) ؟ قال: نعم". وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح. وله طرق أخرى عند الطبراني ( 4969 - 4971 و 4980 - 4982 و 5040 ) وبعضها عند الحاكم (3 / 109 و 148 و 533) وصحح هو والذهبي بعضها. وشاهد آخر من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: "( إنى أوشك أن أدعى فأجيب، و إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، ألا و إنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض". أخرجه أحمد ( 3 / 14 و 17 و 26 و 59 ) و ابن أبي عاصم ( 1553 و 1555 ) والطبراني ( 2678 - 2679 ) والديلمي ( 2 / 1 / 45 ) .
وهو إسناد حسن في الشواهد. وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني ( ص 529 ) والحاكم ( 1 / 93) والخطيب في "الفقيه والمتفقه" ( 56 / 1 ). و ابن عباس عند الحاكم و صححه ، و وافقه الذهبي . و عمرو بن عوف عند ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 2 / 24 ، 110 ) ، و هي وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، فبعضها يقوي بعضا، وخيرها حديث ابن عباس . ثم وجدت له شاهدا قويا من حديث علي مرفوعا به. أخرجه الطحاوي في"مشكل الآثار ( 2 / 307 ) من طريق أبي عامر العقدي: حدثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن
علي مرفوعا بلفظ: " ... كتاب الله بأيديكم، وأهل بيتي". و رجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه، وغالب الظن أنه محرف على الطابع أو الناسخ. و الله أعلم. ثم خطر في البال أنه لعله انقلب على أحدهم، وأن الصواب كثير بن زيد،
ثم تأكدت من ذلك بعد أن رجعت إلى كتب الرجال، فوجدتهم ذكروه في شيوخ عامرالعقدي، وفي الرواة عن محمد بن عمر بن علي، فالحمد لله على توفيقه. ثم ازددت تأكدا حين رأيته على الصواب عند ابن أبي عاصم ( 1558 ). وشاهد آخر يرويه شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت مرفوعا به. أخرجه أحمد ( 5 / 181 - 189) و ابن أبي عاصم ( 1548 - 1549 ) والطبراني في "الكبير " ( 4921 - 4923 ). وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، وقال الهيثمي في "المجمع" ( 1 / 170 ): "رواه الطبراني في" الكبير" و رجاله ثقات"! وقال في موضع آخر ( 9 / 163 ): "رواه أحمد، وإسناده جيد"! بعد تخريج هذا الحديث بزمن بعيد، كتب علي أن أهاجر من دمشق إلى عمان، ثم أن أسافر منها إلى الإمارات العربية، أوائل سنة ( 1402 ) هجرية، فلقيت في (قطر) بعض الأساتذة و الدكاترة الطيبين، فأهدى إلي أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا الحديث، فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة، وذلك من ناحيتين ذكرتهما له: الأولى: أنه اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة، ولذلك قصر تقصيرا فاحشا في تحقيق الكلام عليه، وفاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة فضلا عن الشواهد و المتابعات، كما يبدولكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا..
الثانية: أنه لم يلتفت إلى أقوال المصححين للحديث من العلماء ولا إلى قاعدتهم التي ذكروها في "مصطلح الحديث": أن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق، فوقع في هذا الخطأ الفادح من تضعيف الحديث الصحيح. و كان قد نمى إلى قبل الالتقاء به واطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في (الكويت) يضعف هذا الحديث، وتأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك، يستدرك علي إيرادي الحديث في "صحيح الجامع الصغير" بالأرقام ( 2453 و 2454 و 2745 و 7754 ) لأن الدكتور المشار إليه قد ضعفه، وأن هذا استغرب مني تصحيحه! ويرجو الأخ المشار إليه
أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديث، وقد فعلت ذلك احتياطيا، فلعله يجد فيه ما يدله على خطأ الدكتور، وخطئه هو في استرواحه و اعتماده عليه، وعدم تنبهه للفرق بين ناشئ في هذا العلم، ومتمكن فيه، وهي غفلة أصابت كثيرا من الناس الذين يتبعون كل من كتب في هذا المجال، و ليست له قدم راسخة فيه. والله المستعان. و اعلم أيها القارىء الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، و يلهجون بذلك كثيرا، حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، و هم جميعا واهمون في ذلك، وبيانه من وجهين :
الأول : أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: "عترتي" أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث الترجمة: "عترتي أهل بيتي" وأهل بيته في الأصل هم" نساؤه صلى الله عليه وسلم و فيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في (الأحزاب ): *(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)* بدليل الآية التي قبلها و التي بعدها: *(يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا)*، وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه توسيع دلالة الآية ودخول علي وأهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره، وكذلك حديث"العترة" قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله. ولذلك قال التوربشتي - كما في " المرقاة " ( 5 / 600 ): "عترة الرجل: أهل بيته ورهطه
الأدنون، و لاستعمالهم "العترة" على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "أهل بيتي" ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه". والوجه الآخر: أن المقصود من "أهل البيت" إنما هم العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: "( العترة ) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره". وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: "إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح
أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: *( و يعلمهم الكتاب و الحكمة )* ". قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة: *(و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة)*. فتبين أن المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد (الثقلين) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في "النهاية": "سماهما (ثقلين) لأن الآخذ بهما (يعني الكتاب و السنة) والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس (ثقل)، فسماهما (ثقلين) إعظاما لقدرهما و تفخيما لشأنهما". قلت: والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله: "فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين ...". قال الشيخ القاريء ( 1 / 199 ): "فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها". إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث "الموطأ" بلفظ: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله و سنة رسوله". وهو في "المشكاة" ( 186 ). وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ. و الله المستعان.
وبالمناسبة ليست هذه اول مجازفة لابن تيمية غفر الله له في رد حديث لما فيه من فضيلة لاهل بيت النبوة، فانظر ماذا قال الالباني بعد أن ساق عشرات الطرق لحديث من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه: وللحديث طرق أخرى كثيرة جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في "المجمع" ( 9 / 103 - 108 ) و قد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقينا، و إلا فهي كثيرة جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح و منها حسان. و جملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما ظهر لمن تتبع أسانيده و طرقه، وما ذكرت منها كفاية. وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: " و انصر من نصره و اخذل من خذله "
. ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه ، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: "اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه". ومثله قول عمر لعلي: "أصبحت و أمسيت مولى كل مؤمن و مؤمنة". لا يصح أيضا لتفرد علي بن زيد به كما تقدم. إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث و بيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام بن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها. والله المستعان.
وحديث الثقلين (الكتاب و العترة) مروي أيضا بلفظ: إني تارك فيكم خليفتين وقد أخرجه غير واحد باسانيد صحيحة لا يتسع المقام لذكرها ومن ابتغاها الفاها.
سادسا: أما ما يتعلق بشأن معاوية مع الخمر فلا تعجل فان قدّر الله ويسر فسأخصص حلقة أو أكثر عن هذا الموضوع، وما لم تعثر عليه أخي سأعثرك عليه بسنده، وثمت مسائل كثيرة بخصوص معاوية يعترض بها بعضٌ سيأتي تحقيق القول فيها مستوفى في حينه بعون الله تعالى، فما زلنا في البداية.
سابعا: أما حديث (و اني قاتل بابن بنتك ...) فقد أخرجه الحاكم وصححه وكذا الذهبي، قال: على شرط مسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أوحى الله تعالى إلى محمد إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا. هذا لفظ حديث الشافعي و في حديث القاضي أبي بكر بن كامل إني قتلت على دم يحيى بن زكريا وإني قاتل على دم ابن ابنتك. هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. تعليق الذهبي قي التلخيص: على شرط مسلم، فهل أيضا الحاكم و الذهبي لا يدريان ما يخرج من رؤوسهما؟
ثامنا: أما ما ذكرت من حديث من سب عليا فقد سبني وأنك لم تجد من صححه، فكان ماذا؟ هل عدم الوجدان يعني عدم الوجود؟ وإليك البيان: الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده وصححه الشيخ شعيب وأجاب عما تعلق به الألباني في تضعيفه من اختلاط أبي اسحق بجواب قوي وهو أن رواية أبي اسرائيل عنه في غاية الاتقان للزومه اياه، قلت كما أنه سمع منه قبل اختلاطه، فضلا عما ذكره الإمام العلائي في كتاب المختلطين من أن أحدا من الأئمة لم يعتبر ما ذكر من اختلاط أبي اسحق و احتجوا به مطلقا وذلك يدل على أنه لم يختلط في شيئ من حديثه، ولذلك احتج البخاري برواية اسرائيل عن ابي اسحق، ثم إن الإمام أحمد قدم اسرائيل على شريك في أبي اسحق لأنه كان صاحب كتاب، بل ان شعبة وهو من هو لما سئل عن أحاديث أبي اسحق قال: سلوا عنها اسرائيل فانه اثبت فيها مني، وأخرجه أحمد في كتاب فضائل الصحابة وصحح اسناده محققه وصي الله عباس، كما رواه الامام النسائي في خصائص أمير المؤمنين برقم 86 وصححه محققه الشيخ ابو اسحق الحويني، و أجاب الحويني عن شبهة تدليس أبي اسحق وقد عنعنه بان السدي تابعه عن ابي عبد الله الجدلي، ورواه أبو يعلى وصحح اسناده محققه حسين أسد قائلا: اسرائيل سمع من أبي اسحق قبل الاختلاط، وقال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الجدلي وهو ثقة، وممن صححه أيضا من المعاصرين الشيخ مصطفى العدوي في كتابه الصحيح المسند من فضائل الصحابة، فالحديث صحيح و اعتراضات الألباني رحمه الله مردود عليها من هؤلاء جميعا.
تاسعا: أما بخصوص عبارة بدرت مني عرضا حول حديث (اخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة من ايمان) فلم تكن الخطبة أصلا لبيان القول في هذا ولا أنا معنيّ الآن بهذا البيان في هذا المقام، ولكني أدعوك أخي الى أن تتساءل: هذه الذرة هل تحمل على التوحيد الذي لا نجاة لأحد من الخلق بدونه ام على ما دونه؟ لا قائل من الأمة بالثاني لمخالفته للنص والإجماع، فتعين أن تحمل على التوحيد ولو بدون عمل، لكن صح عنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام كما في مسلم أن الحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآ او تملآن ما بين السموات والارض، فكيف بلا اله الا الله محمد رسول الله؟ وسيما وقد ورد أنه لا يثقل بها شيئ كما عند الترمذي، فإذا سلمت هذا فكيف يقال انها ذرة؟
و أخيرا: أما ما ذكرت من تفسيري للكوثر بذرية الحبيب المصطفى فبأدنى تأمل يضح أن السورة الكريمة هي التي تدل عليه، وإلا فما مناسبة الكوثر ليقع بإزاء (إن شانئك هو الأبتر) مع ما ورد إنها نزلت في العاص بن وائل وتعييره النبي بانه ابتر لا عقب له، فالأظهر أن يكون الكوثر هو الذرية الكثيرة المنتشرة ولم يقع اتفاق على تفسير الكوثر بنهر في الجنة أعطيه النبي عليه و آله السلام فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناسًا يَزْعُمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. قال ابن كثير: وهذا التفسير يعم النهر وغيره؛ لأن الكوثر من الكثرة، وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومحارب بن دِثَار، والحسن بن أبي الحسن البصري. حتى قال مجاهد: هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة. وقال عكرمة: هو النبوة والقرآن، وثواب الآخرة. وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر. فالحاصل أن تفسيره بالذرية الطاهرة لا محظور فيه البتة على أنه ظاهر قوي يساعد عليه النظم والسياق الكريمان لمن تدبر، ثم إنه لا يتعارض مع تفسيره بالنهر ـ كما ورد في الصحيح ـ ولا بغيره مما فسر به مما نقلته عن ابن كثير اعلاه، و الله تعالى أعلم و أحكم.
أسال الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يحشرنا مع رسول الله وآله الطيبين الطاهرين وأن يسعدنا بشفاعتهم، اللهم هب لي نورا أرى به الحق، وهب لي شجاعة أصدع بها بالحق، وهب لي صبرا أثبت به على الحق في وجه اعداء الحق، إنك ولي ذلك والقادر عليه و الحمد لله رب العالمين