المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( ظاهرةُ الإحتجاب عن المجتمع مرفوضة في منهج الإمام علي :عليه السلام))


مرتضى علي الحلي
21-03-2012, 08:26 PM
(( ظاهرةُ إحتجاب الحاكم أو الفقيه عن المجتمع
مرفوضة في منهج الإمام علي :عليه السلام:))
==============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
قال الإمام علي :عليه السلام: بشأن هذه الظاهرة السلبية
من جملة ما عهدَ به في كتابه الى مالك الأشتر حينما ولاه مصرا:
((وأما بعدُ فلا تطوِّلَنَّ إحتجابك عن رعيتك ،
فإنَّ إحتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق
وقلة علم بالأمور .
والإحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه
فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ويحسن القبيح
ويشاب الحق الحق بالباطل
وإنما الوالي بشرٌ لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور
وليستْ على الحق سمات (أي علامات حتى يُعرف بها) ))
: نهج البلاغة:ج3:ص104.

إنَّ ظاهرة الإحتجاب عن الرعية (الشعب أو المجتمع)
إنما تحصل بسبب النكوص النفسي في بناء الشخصية البشرية وضيق الصدر وبسبب الجهل بحال المجتمع البشري والذي هو بطبعه يميل الى الإختلاط والتمازج المدني والإنساني.

فمن هنا بيّنَ الإمام علي :عليه السلام:
بأنَّّ سبب ظاهرة الإحتجاب عن الناس::
هو(شعبة من الضيق) الضيق النفسي والذهني وقلة المعرفة والدراية بأمور الناس.

ثم إنّ هذا الإحتجاب المرفوض في ثقافة وفكر ومنهج الإمام علي:عليه السلام: هو لم يقتصر على شخص الحاكم فحسب .
لا بل يمتد الى كل راعٍ مسؤول عن رعيته بحكم الإطلاق القيمي الذي أسس له الإمام علي:عليه السلام:
في هذا النص وإنْ كان المقصود به هو الحاكم ذاته
ولكن الخطاب يمتد الى الآخرين بإيِّاك أعني وأسمعي يا جارة.

وهذا ما أكده رسول الله محمد:صلى الله عليه وآله وسلّم:

حين قال:ص:
ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته
فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته
والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته
والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم
وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه
ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
:صحيح البخاري:ج8:ص104.

والمطلوب من الحاكم في نظر الإمام علي:ع:
أن يكون مُترصداً للوضع العام من حوله في سائر صوره البشرية العلمية والمعرفية والإجتماعية والأخلاقية والفكرية وغيرها.
لأنّ التغيُّب المُتعَمّد أو الغير متعمّد سيجعل الناس في حال جفاء وإبتعاد عمن هو مسؤول عنهم
فتُقلَب الموازين عندهم لأنَّهم يفتقرون الى العلم والمعرفة
والإرشاد في هذه الصورة صورة إحتجاب الحاكم أو المسؤول عنهم.
أو حتى إحتجاب العالم أو الفقيه في هذا المجال .
وهذا المعنى هو ما قصده الإمام علي:ع: في قوله :

(والاحتجاب منهم :أي: عن الرعية أو الشعب أو المجتمع:
يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه:
أي إنَّ إحتجاب الحاكم أو العالم عنهم يحرمهم علم ومعرفة ما يجهلونه:
فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصغير ، ويقبح الحسن ويحسن القبيح
ويُشابُ الحق بالباطل :أي يختلط الحق بالباطل إختلاطا يصعب معه التمييز:

فإذن إنّ شيوع ظاهرة إحتجاب الحاكم أو المسؤول أو العالم الفقيه تؤدي بالنتيجة الى إنتكاسة واقعية مجتمعية في منظومة القيم الحقة .
وهذا هوما ثبت فعلا عبر التجربة البشرية تأريخيا في هذه الصورة :
صورة شيوع إحتجاب الحكام أو العلماء الفقهاء عن رعيتهم:

وحينها تقع الفتن والأزمات الأخلاقية وحتى السياسية والدينية فيُحوّل القبيح الى حسن والحسن الى قبيح ويختلط الحق بالباطل.

ولذا حذّرَ الإمام علي:ع: في نصوصه الشريفة من العاقبة السيئة التي تحصل بفعل إهمال وتقصير وترك المسؤول أو الحاكم أو العالم الفقيه لوظيفته التي هو مَعنيٌ بها شرعا .
فقال:ع:

((إنما بدءُ وقوع الفتن أهواء تُتَبع .
وأحكام تُبتَدع .
يخالف فيها كتاب الله .

:وهذان الأمران إنما يتأتيان نتيجة حصول الفراغ في عملية التصدي للمهام الشرعية من قبل الحاكم أو العالم الفقيه وشيوع ظاهرة الإحتجاب:

ويتولى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله .
:أي: في إدارة الفتن:

فلو أنَّ الباطل خلص من مزاج الحق لم يخفَ على المرتادين .:أي الطالبين للحقيقة والحق:

ولو أنَّ الحق خلص من لبس الباطل لإنقطعت عنه ألسن المعاندين
ولكن يؤخذ من هذا ضغث:
أي قبضة من حشيش رطب ويابس:
ومن هذا ضغث فيمزجان ،
فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه
وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى :

:نهج البلاغة:ج1:ص100.

إذن فالمتعيِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّن في وظيفة الحاكم أو العالم الفقيه ::
هو الإنفتاح والإنشراح على المجتمع في السبل المشروعة والتي تضمن للجميع إستشعارهم بعناية واهتمام الحاكم أو الفقيه بهم فعلا.


وهذا هو ما أكّده :عليه السلام: في عهده الى مالك الأشتر حينما أرسله الى مصر:
((وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم .
ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ،
فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق))
: نهج البلاغة:ج3:ص84.

وهنا يتركُ عليٌ :عليه السلام: بصماته الراقية في علم وفن دراسات السايكولوجيا والباراسايكولوجيا :
علم النفس وعلم ما وراء النفس:

حيثُ يتحدثُ :ع:
عن أهمية توافر الإستقامة النفسية في شخصية الحاكم تجاه شعبه ومحكوميه
وترجمة هذا البعد النفسي في هوية الحاكم ميدانيا بحيث يلمسه الناس واقعا كما صنعه هو :ع: مع مجتمعه في وقته.

ويُبيّن :ع: ويؤكّد على أنّ العلاقة بين الحاكم وشعبه ليست هي منحصرة في رابطة الدين لا بل هي إنسانيةٌ في واقعيتها وحقيقتها فعلاً.
فالآخر في هذه الحياة هو إما مسلم مثلك
أو إنسان نظيرك في بشريته.
فلذا المسلم وغير المسلم له حقوقه وعليه واجباته في دولة الإسلام الحقة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :

الشاعر333
24-03-2012, 02:07 AM
الله يبارك بيك عزيزي
على الموضوع وتناول كل جوانبه

لاحياة لمن تنادي

فلا وجه مقارنة بين حكمهم صلوات الله وسلامه عليهم وبين
من تولوا الحكم صوريا

مرتضى علي الحلي
24-03-2012, 04:58 PM
تقديري لمروركم الكريم وشكرا لكم