مرتضى علي الحلي
03-04-2012, 06:46 AM
(( القَضيَّةُ المهدوية بين يَدي الصدِّيقَةِ الزهراء:عليها السلام: ))
===================================
:قراءةٌ في مقولات العدل وطاعة المعصومين وإمامتهم:ع :
=================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
بدايةً نرفعُ عزائنا إلى مقام الإمام المهدي:عليه السلام:وجميع المؤمنين والمؤمنات بذكرى شهادة الصديقة الزهراء:ع:
ونسأل الله تعالى أن يوفق الجميع رجالاً ونساءاً للإقتداء بها فكرا وسلوكا ومنهجا في وقتنا هذا وقت الغيبة الكبرى حتى يُعجّل الله تعالى فرج إمامنا المهدي:ع:
ويملأ الأرض قسطا وعدلا بحق محمد وآله المعصومين :ع:
إنَّ القارىء الفَطِن عندما يقرأ خطبة السيدة الزهراء:ع: الشهيرة التي ألقتها بعد غصب القوم لفدك وأمام المهاجرين والأنصار.
بعد شهادة أبيها محمد:صلى الله عليه وآله وسلَّم.
يجدُ أنَّ السيدة الزهراء:ع: إنما ألقتْ خطابها لأجل إلقاء الحجة العَقَديَّة والشرعية والتأريخية على كل من سمعها ومن بلغه ذلك الخطاب.
بحيث :عليها السلام: بدأت الخطبة بحمد الله تعالى وتوحيده الحق الدقيق والعميق والشهادة بنبوة الخاتم محمد:ص: وإمامة الأئمة المعصومين:ع:
وتناولت الأوامر والنواهي والعباديات والأخلاق والتأريخ الذي كان عليه الناسُ آنذاك وكيفية تغيِّره بفضل الله ورسوله:ص:
وناقشتْ حقانيتها في حقها وحقِّ بعلها الإمام علي:عليه السلام:
وبيَّنَتْ واقع الإنقلاب الفكري والإجتماعي الذي وقع على ما كان عليه المسلمون في وقت حياة النبي محمد:ص:
:راجع الخطبة في :أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين :ج1: ص316.
والذي نقصده في هذا البحث هو بيان فاعلية الحضور الذهني والقيَمي للقضية المهدوية وشأنيَّة الإمام المهدي:ع: في وعي الصديقة الزهراء:فاطمة:ع:
ومعلومٌ عند الزهراء:ع: أنَّ خاتم المعصومين من الأئمة سيكون من ولدها :ع:
: وهوالإمام المهدي:ع:
كما تحدد ذلك العلم بولادة الإمام المهدي:ع: مستقبلاً في الوضع العام آنذاك
فورد:عن أم سلمة أنَّها قالتْ :
سمعتُ رسول الله :صلى الله عليه وآله وسلم :
يقول :
: المهدي من عترتي من ولد فاطمة :
:الغَيبَة :الطوسي : ص186.
وبحكم هذا الوعي الوجودي الإطلاقي في قصوده ودلالاته أشارتْ الزهراء:ع: إلى مقولات المهدوية الخاتمة تأسيساً منها لحقانية العدل وضرورة تطبيقاته ميدانيا
فقالت:ع:
فجعلَ اللهُ الإيمانَ تطهيراً لكم من الشرك والصلاةَ تنزيهاً لكم عن الكبر ، والزكاةَ تزكيةً للنفس ، ونماءً في الرزق ، والصيامَ تثبيتاً للإخلاص ، والحج تشييداً للدين
((والعدلَ تنسيقاً للقلوب))
وهنا تظهرُ الفصاحةُ عند الزهراء:ع: بإجازة اللفظ وإشباع المعنى قيمةً ودلالة إطلاقيّة.
ويتجلى الوعي على لسان الزهراء:عليها السلام: منهاجاً سديدا،
فالعدلُ : وهو وضع الأمور في نصابها المستقيم والتسوية في الأشياء- يكون بحقٍ تنسيقاً وتنظيماً للقلوب
كتنسيق خرز المسبحة ونظمها في نظامها أي خيطها الذي يجمعها بالترتيب.
فإذا اختل التنظيم أو النظام أواختفى العدل من الحياة تشتت القلوب وتنافرت.
والعدلُ على ماذكرتْ الصديقة الزهراء :عليها السلام:
هنا يكشفُ عن مطلوبيته الفطرية والوجدانية في سائر عقول ونفوس البشر جميعا
وهذا ما سيُحققه الإمام المهدي:ع:
إذ بإقامته للعدل وبسطه في ربوع الإرض ميدانيا وواقعيا سيتمكن من جمع القلوب ولملَمة شتاتها
لذا نحن نقرأ في دعاء الإفتتاح في شهر رمضان
((أللّهُمّ ألمم به شعثنا وإشعب به صدعنا وإرتق به فتقنا إلخ))
:إقبال الأعمال: السيد ابن طاووس:ج1:ص138.
فلذا يجب الإلتفات إلى ذلك عَقديَّا وثقافيا وسلوكيا
ذلك لأنَّ الدين الإسلامي هو منهج حكيم وسديد من جميع جهاته قادر على تلبية طموحات البشر جميعا ووضعهم عند رغباتهم المشروعة إسلاميا وفطريا.
ومقولة: ((والعدلَ تنسيقاً للقلوب))
تستبطن في ذاتياتها ضرورة تحقق وبسط العدل على يد الإمام المنصوب إلهيا.
ولذا غاب العدل وعمّ الظلم في المجتمع المسلم آنذاك
بمجرد أن سلبَ القومُ حقَّ الإمام علي :عليه السلام: في تدبير الأمة .
وبالفعل إنخرمت القلوب وتشتت بعد دفع الإمام علي :ع: عن مقامه وإزالته عن مرتبته التي رتبه الله تعالى فيها بعد رسول الله محمد:ص:
وبحكم جعل الله تعالى العدلَ تنسيقاً للقلوب والعقول والنفوس والسلوك.
يظهر أنَّ عدل الله تعالى في نهاية المطاف سيتجلى وجودا وواقعا بظهور وقيام الإمام المهدي:ع:
بصورة تُعادل أو تفوق الظلم والجور الَّذَين عمّا الأرض
ومن هنا قال النبي محمد :ص:
للحسين : عليه السلام : ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئتْ ظلماً وجورا :
:الرسائل العشر: الطوسي:ص98.
ثم تطرح الصدِّيقة فاطمة الزهراء:عليها السلام: مقولة عظيمة الغاية :فتقول:
((وإطاعتنا نظاماً للملة))
وهنا تعني الزهراء:عليها السلام: ضرورة تأمين الأخذ من منهج أهل البيت المعصومين:عليهم السلام:
وإتِّباع إمام الوقت:عليه السلام:
(الإمام المهدي:ع:)
حتى تنحفظ العقيدة والشريعة الإسلامية، نظاماً صالحاً لقيادة الناس وهدايتهم في هذه الحياة،
وقد قال تعإلى :
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
[الأحزاب: 71]
وفي آية أخرى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]
وأولي الأمر هم أهل البيت المعصومين :عليهم السلام:
بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وأبرز مصداق وأحق واقعا لولي الأمر اليوم هو الإمام المهدي :عليه السلام:
لأنّ الله تعالى لايُكلِّفنا بطاعة غير المعصومين لزوميا وخاصة وهم يرتكبون المعاصي والذنوب
وهذا ما لايتفق وعدالة وحكمة الله تعالى المُنَزّه عن فعل القبيح عقلا وشرعا
ولو دققنا التفكر في إنتقاء السيدة الزهراء:ع: للفظة : النظام:
في تعريفها لطاعة أهل البيت المعصومين:ع: لوجدنا أبعاداً ما وراء اللفظ والمعنى الظاهر .
فالنظام هو ذلك السبيل الوحيد الذي يُلملم شتات المتبعثرات من الأمور ويُظهرها في صورة واحدة مُرتَّبة يَصعبُ إختراقها فيما لو عُنيَ بها فكرا ومنهجا.
ثمَّ تقول: عليها السلام:
((وإمامتنا أماناً من الفرقة))
والإمامة المعنيِّة هنا هي الإمامة الإلهية الجعل والنصب، والمُتمَثِّلة بأئمة أهل البيت المعصومين:عليهم السلام:
ورامزها اليوم هو الإمام المهدي:ع:
ووجه كونه :ع: اليوم أماناً من الفرقة :التفرق عن الحق
وأماناً للفرقة الناجية لأنَّه مجعولٌ من الله تعالى كإمام معصوم ومُفتَرض الطاعة على الناس .
والإمامة هي صمام الأمان، ومركز التوحد الإيماني والديني للمسلمين.
كما قال الله تعالى:
(( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) آل عمران:103
وورد في تفسير هذه الآية الشريفة أنَّه:
قالوا : يا رسول الله:ص:
ومن وصيَّك ؟
فقال:ص :
هو الذي أمركم الله بالإعتصام به
فقال عز وجل :
( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) .
فقالوا : يا رسول الله بيِّن لنا ما هذا الحبل ؟
فقال :ص: هو قول الله :
(( إلاَّ بحبل من الله وحبل من الناس ))
من آية:
((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ )) آل عمران:112
فالحبل من الله كتابه ، والحبل من الناس وصيي:أي الإمام علي:ع:
. فقالوا : يا رسول الله ، من وصيك ؟
فقال : هو الذي أنزل الله فيه :
(( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ )) الزمر:56
. فقالوا : يا رسول الله ، وما جنب الله هذا ؟
فقال : هو الذي يقول الله فيه :
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }الفرقان27
هو وصيي ، والسبيل إليَّ من بعدي .
فقالوا : يا رسول الله :ص: بالذي بعثك بالحق نبيا أرناه فقد اشتقنا إليه .
فقال :ص: هو الذي جعله الله آية للمؤمنين المتوسمين
فإن نظرتم إليه نظر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عرفتم أنه وصيي كما عرفتم أني نبيكم
فتخللوا الصفوف وتصفحوا الوجوه ، فمن أهوت إليه قلوبكم فإنَّه هو
لأن الله عز وجل يقول في كتابه
((فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ )):إبراهيم:37.
أي : إليه وإلى ذريته : عليهم السلام:
:الغَيبَة : النعماني :ص 48.
إذن يتبيَّن أنَّ الإمام المعصوم:ع: هو حبل الله تعالى وهو تعبير كنائي عن ضرورة الإعتصام بإمام منصوب من الله تعالى يشدُّ الناس إلى ربِّهم شدّا.
فالإمام المعصوم:ع: هو حبل الله المتين بين عباده في كل زمان من الأزمنة
والاعتصام به لا يحصل إلا بموالاته ونصرته .
- وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في بعض خطبه :
: أيها الناس لو لم تخاذلوا عن نصر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ولم يقوَ من قوي عليكم ، لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل
ولعمري ليضعفن عليكم التيه من بعدي أضعافا بما خلَّفتم الحق وراء ظهوركم الخ .
: مكيال المكارم: ميرزا محمد تقي الأصفهاني:ج2:ص283.
وفي التوقيع الرفيع الصادر إلى الشيخ المفيد :رحمه الله تعالى :من الناحية المقدسة :أي: الإمام المهدي:عليه السلام:
:: ولو أنَّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته ، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا
ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا الخ ::
:تهذيب الأحكام :الطوسي:ج1:ص40.
وفعلا نحن قد رأينا كيف جرتْ الأمور بعد انحراف الناس عن جادة أئمة أهل البيت:عليهم السلام:
فلو أنَّ الناس اجتمعوا حول إمامة الأئمة المعصومين.
:عليهم السلام:
لما تفرَّقت الأمة وأصبحتْ طرائقَ قددا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
===================================
:قراءةٌ في مقولات العدل وطاعة المعصومين وإمامتهم:ع :
=================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
بدايةً نرفعُ عزائنا إلى مقام الإمام المهدي:عليه السلام:وجميع المؤمنين والمؤمنات بذكرى شهادة الصديقة الزهراء:ع:
ونسأل الله تعالى أن يوفق الجميع رجالاً ونساءاً للإقتداء بها فكرا وسلوكا ومنهجا في وقتنا هذا وقت الغيبة الكبرى حتى يُعجّل الله تعالى فرج إمامنا المهدي:ع:
ويملأ الأرض قسطا وعدلا بحق محمد وآله المعصومين :ع:
إنَّ القارىء الفَطِن عندما يقرأ خطبة السيدة الزهراء:ع: الشهيرة التي ألقتها بعد غصب القوم لفدك وأمام المهاجرين والأنصار.
بعد شهادة أبيها محمد:صلى الله عليه وآله وسلَّم.
يجدُ أنَّ السيدة الزهراء:ع: إنما ألقتْ خطابها لأجل إلقاء الحجة العَقَديَّة والشرعية والتأريخية على كل من سمعها ومن بلغه ذلك الخطاب.
بحيث :عليها السلام: بدأت الخطبة بحمد الله تعالى وتوحيده الحق الدقيق والعميق والشهادة بنبوة الخاتم محمد:ص: وإمامة الأئمة المعصومين:ع:
وتناولت الأوامر والنواهي والعباديات والأخلاق والتأريخ الذي كان عليه الناسُ آنذاك وكيفية تغيِّره بفضل الله ورسوله:ص:
وناقشتْ حقانيتها في حقها وحقِّ بعلها الإمام علي:عليه السلام:
وبيَّنَتْ واقع الإنقلاب الفكري والإجتماعي الذي وقع على ما كان عليه المسلمون في وقت حياة النبي محمد:ص:
:راجع الخطبة في :أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين :ج1: ص316.
والذي نقصده في هذا البحث هو بيان فاعلية الحضور الذهني والقيَمي للقضية المهدوية وشأنيَّة الإمام المهدي:ع: في وعي الصديقة الزهراء:فاطمة:ع:
ومعلومٌ عند الزهراء:ع: أنَّ خاتم المعصومين من الأئمة سيكون من ولدها :ع:
: وهوالإمام المهدي:ع:
كما تحدد ذلك العلم بولادة الإمام المهدي:ع: مستقبلاً في الوضع العام آنذاك
فورد:عن أم سلمة أنَّها قالتْ :
سمعتُ رسول الله :صلى الله عليه وآله وسلم :
يقول :
: المهدي من عترتي من ولد فاطمة :
:الغَيبَة :الطوسي : ص186.
وبحكم هذا الوعي الوجودي الإطلاقي في قصوده ودلالاته أشارتْ الزهراء:ع: إلى مقولات المهدوية الخاتمة تأسيساً منها لحقانية العدل وضرورة تطبيقاته ميدانيا
فقالت:ع:
فجعلَ اللهُ الإيمانَ تطهيراً لكم من الشرك والصلاةَ تنزيهاً لكم عن الكبر ، والزكاةَ تزكيةً للنفس ، ونماءً في الرزق ، والصيامَ تثبيتاً للإخلاص ، والحج تشييداً للدين
((والعدلَ تنسيقاً للقلوب))
وهنا تظهرُ الفصاحةُ عند الزهراء:ع: بإجازة اللفظ وإشباع المعنى قيمةً ودلالة إطلاقيّة.
ويتجلى الوعي على لسان الزهراء:عليها السلام: منهاجاً سديدا،
فالعدلُ : وهو وضع الأمور في نصابها المستقيم والتسوية في الأشياء- يكون بحقٍ تنسيقاً وتنظيماً للقلوب
كتنسيق خرز المسبحة ونظمها في نظامها أي خيطها الذي يجمعها بالترتيب.
فإذا اختل التنظيم أو النظام أواختفى العدل من الحياة تشتت القلوب وتنافرت.
والعدلُ على ماذكرتْ الصديقة الزهراء :عليها السلام:
هنا يكشفُ عن مطلوبيته الفطرية والوجدانية في سائر عقول ونفوس البشر جميعا
وهذا ما سيُحققه الإمام المهدي:ع:
إذ بإقامته للعدل وبسطه في ربوع الإرض ميدانيا وواقعيا سيتمكن من جمع القلوب ولملَمة شتاتها
لذا نحن نقرأ في دعاء الإفتتاح في شهر رمضان
((أللّهُمّ ألمم به شعثنا وإشعب به صدعنا وإرتق به فتقنا إلخ))
:إقبال الأعمال: السيد ابن طاووس:ج1:ص138.
فلذا يجب الإلتفات إلى ذلك عَقديَّا وثقافيا وسلوكيا
ذلك لأنَّ الدين الإسلامي هو منهج حكيم وسديد من جميع جهاته قادر على تلبية طموحات البشر جميعا ووضعهم عند رغباتهم المشروعة إسلاميا وفطريا.
ومقولة: ((والعدلَ تنسيقاً للقلوب))
تستبطن في ذاتياتها ضرورة تحقق وبسط العدل على يد الإمام المنصوب إلهيا.
ولذا غاب العدل وعمّ الظلم في المجتمع المسلم آنذاك
بمجرد أن سلبَ القومُ حقَّ الإمام علي :عليه السلام: في تدبير الأمة .
وبالفعل إنخرمت القلوب وتشتت بعد دفع الإمام علي :ع: عن مقامه وإزالته عن مرتبته التي رتبه الله تعالى فيها بعد رسول الله محمد:ص:
وبحكم جعل الله تعالى العدلَ تنسيقاً للقلوب والعقول والنفوس والسلوك.
يظهر أنَّ عدل الله تعالى في نهاية المطاف سيتجلى وجودا وواقعا بظهور وقيام الإمام المهدي:ع:
بصورة تُعادل أو تفوق الظلم والجور الَّذَين عمّا الأرض
ومن هنا قال النبي محمد :ص:
للحسين : عليه السلام : ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئتْ ظلماً وجورا :
:الرسائل العشر: الطوسي:ص98.
ثم تطرح الصدِّيقة فاطمة الزهراء:عليها السلام: مقولة عظيمة الغاية :فتقول:
((وإطاعتنا نظاماً للملة))
وهنا تعني الزهراء:عليها السلام: ضرورة تأمين الأخذ من منهج أهل البيت المعصومين:عليهم السلام:
وإتِّباع إمام الوقت:عليه السلام:
(الإمام المهدي:ع:)
حتى تنحفظ العقيدة والشريعة الإسلامية، نظاماً صالحاً لقيادة الناس وهدايتهم في هذه الحياة،
وقد قال تعإلى :
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
[الأحزاب: 71]
وفي آية أخرى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]
وأولي الأمر هم أهل البيت المعصومين :عليهم السلام:
بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وأبرز مصداق وأحق واقعا لولي الأمر اليوم هو الإمام المهدي :عليه السلام:
لأنّ الله تعالى لايُكلِّفنا بطاعة غير المعصومين لزوميا وخاصة وهم يرتكبون المعاصي والذنوب
وهذا ما لايتفق وعدالة وحكمة الله تعالى المُنَزّه عن فعل القبيح عقلا وشرعا
ولو دققنا التفكر في إنتقاء السيدة الزهراء:ع: للفظة : النظام:
في تعريفها لطاعة أهل البيت المعصومين:ع: لوجدنا أبعاداً ما وراء اللفظ والمعنى الظاهر .
فالنظام هو ذلك السبيل الوحيد الذي يُلملم شتات المتبعثرات من الأمور ويُظهرها في صورة واحدة مُرتَّبة يَصعبُ إختراقها فيما لو عُنيَ بها فكرا ومنهجا.
ثمَّ تقول: عليها السلام:
((وإمامتنا أماناً من الفرقة))
والإمامة المعنيِّة هنا هي الإمامة الإلهية الجعل والنصب، والمُتمَثِّلة بأئمة أهل البيت المعصومين:عليهم السلام:
ورامزها اليوم هو الإمام المهدي:ع:
ووجه كونه :ع: اليوم أماناً من الفرقة :التفرق عن الحق
وأماناً للفرقة الناجية لأنَّه مجعولٌ من الله تعالى كإمام معصوم ومُفتَرض الطاعة على الناس .
والإمامة هي صمام الأمان، ومركز التوحد الإيماني والديني للمسلمين.
كما قال الله تعالى:
(( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) آل عمران:103
وورد في تفسير هذه الآية الشريفة أنَّه:
قالوا : يا رسول الله:ص:
ومن وصيَّك ؟
فقال:ص :
هو الذي أمركم الله بالإعتصام به
فقال عز وجل :
( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) .
فقالوا : يا رسول الله بيِّن لنا ما هذا الحبل ؟
فقال :ص: هو قول الله :
(( إلاَّ بحبل من الله وحبل من الناس ))
من آية:
((ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ )) آل عمران:112
فالحبل من الله كتابه ، والحبل من الناس وصيي:أي الإمام علي:ع:
. فقالوا : يا رسول الله ، من وصيك ؟
فقال : هو الذي أنزل الله فيه :
(( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ )) الزمر:56
. فقالوا : يا رسول الله ، وما جنب الله هذا ؟
فقال : هو الذي يقول الله فيه :
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }الفرقان27
هو وصيي ، والسبيل إليَّ من بعدي .
فقالوا : يا رسول الله :ص: بالذي بعثك بالحق نبيا أرناه فقد اشتقنا إليه .
فقال :ص: هو الذي جعله الله آية للمؤمنين المتوسمين
فإن نظرتم إليه نظر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عرفتم أنه وصيي كما عرفتم أني نبيكم
فتخللوا الصفوف وتصفحوا الوجوه ، فمن أهوت إليه قلوبكم فإنَّه هو
لأن الله عز وجل يقول في كتابه
((فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ )):إبراهيم:37.
أي : إليه وإلى ذريته : عليهم السلام:
:الغَيبَة : النعماني :ص 48.
إذن يتبيَّن أنَّ الإمام المعصوم:ع: هو حبل الله تعالى وهو تعبير كنائي عن ضرورة الإعتصام بإمام منصوب من الله تعالى يشدُّ الناس إلى ربِّهم شدّا.
فالإمام المعصوم:ع: هو حبل الله المتين بين عباده في كل زمان من الأزمنة
والاعتصام به لا يحصل إلا بموالاته ونصرته .
- وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في بعض خطبه :
: أيها الناس لو لم تخاذلوا عن نصر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ولم يقوَ من قوي عليكم ، لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل
ولعمري ليضعفن عليكم التيه من بعدي أضعافا بما خلَّفتم الحق وراء ظهوركم الخ .
: مكيال المكارم: ميرزا محمد تقي الأصفهاني:ج2:ص283.
وفي التوقيع الرفيع الصادر إلى الشيخ المفيد :رحمه الله تعالى :من الناحية المقدسة :أي: الإمام المهدي:عليه السلام:
:: ولو أنَّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته ، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا
ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا الخ ::
:تهذيب الأحكام :الطوسي:ج1:ص40.
وفعلا نحن قد رأينا كيف جرتْ الأمور بعد انحراف الناس عن جادة أئمة أهل البيت:عليهم السلام:
فلو أنَّ الناس اجتمعوا حول إمامة الأئمة المعصومين.
:عليهم السلام:
لما تفرَّقت الأمة وأصبحتْ طرائقَ قددا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :