عمار الزبيدي
03-04-2012, 08:21 PM
**نحاول أنْ نستدلّ بأدلة مشتركة بين عموم المسلمين ، وأقصد من عموم المسلمين الشيعة الاماميّة الاثني عشريّة وأهل السنّة بجميع مذاهبهم .
في هذا الفصل نقاط وهي نقاط الاشتراك بين الجميع :
النقطة الاولى : لا خلاف بين المسلمين في أنّ لهذه الاُمّة مهدياً ، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قد أخبر به وبشّر به وذكر له أسماء وصفات وألقاباً وغير ذلك ، والروايات الواردة في كتب الفريقين حول هذا الموضوع أكثر وأكثر من حدّ التواتر ، ولذا لا يبقى خلاف بين المسلمين في هذا الاعتقاد ، ومن اطّلع على هذه الاحاديث وحقّقها وعرفها ، ثمّ كذّب أهل هذا الموضوع مع الالتفات إلى هذه الناحية ، فقد كذّب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما أخبر به .
الروايات الواردة في طرق الفريقين وبأسانيد الفريقين موجودة في الكتب وفي الصحاح والسنن والمسانيد ، وأُلّفت لهذه الروايات كتب خاصة دوّن فيها العلماء من الفريقين تلك الروايات في تلك الكتب ، وهناك آيات كثيرة من القرآن الكريم مأوّلة بالمهدي سلام الله عليه .
وحينئذ لا يُعبأ ولا يعتنى بقول شاذ من مثل ابن خلدون المؤرّخ ، حتّى أنّ بعض علماء السنّة كتبوا ردوداً على رأيه في هذه المسألة .
ومن أشهر المؤلّفين والمدوّنين لاحاديث المهدي سلام الله عليه من أهل السنّة في مختلف القرون :
أبو بكر ابن أبي خيثمة ، المتوفى سنة 279 هـ .
نعيم بن حمّاد المروزي ، المتوفى سنة 288 هـ .
أبو حسين ابن منادي ، المتوفى سنة 336 هـ .
أبو نعيم الاصفهاني ، المتوفى سنة 430 هـ .
أبو العلاء العطّار الهمداني ، المتوفى سنة 569 هـ .
عبد الغني المقدسي ، المتوفى سنة 600 هـ .
ابن عربي الاندلسي ، المتوفى سنة 638 هـ .
سعد الدين الحموي ، المتوفى سنة 650 هـ .
أبو عبدالله الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة 658 هـ .
يوسف بن يحيى المقدسي ، المتوفى سنة 658 هـ .
ابن قيّم الجوزية ، المتوفى سنة 685 هـ .
ابن كثير الدمشقي ، المتوفى سنة 774 هـ .
جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911 هـ .
شهاب الدين ابن حجر المكّي ، المتوفى سنة 974 هـ .
علي بن حسام الدين المتقي الهندي ، المتوفى سنة 975 هـ .
نور الدين علي القاري الهروي ، المتوفى سنة 1014 هـ .
محمّد بن علي الشوكاني القاضي ، المتوفى سنة 1250 هـ .
أحمد بن صدّيق الغماري ، المتوفى سنة 1380 هـ .
وهؤلاء أشهر المؤلّفين في أخبار المهدي منذ قديم الايام ، وفي عصرنا أيضاً كتب مؤلَّفة من قبل كتّاب هذا الزمان ، لا حاجة إلى ذكر أسماء تلك الكتب .
وهناك جماعة كبيرة من علماء أهل السنّة يصرّحون بتواتر حديث المهدي والاخبار الواردة حوله ، وبصحة تلك الاحاديث في الاقل ، ومنهم :
الترمذي ، صاحب الصحيح .
محمّد بن حسين الابري ، المتوفى سنة 363 هـ .
الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك .
أبو بكر البيهقي ، صاحب السنن الكبرى .
الفرّاء البغوي محيي السنة .
ابن الاثير الجزري .
جمال الدين المزّي .
شمس الدين الذهبي .
نور الدين الهيثمي .
ابن حجر العسقلاني .
وجلال الدين السيوطي .
إذن ، لا يبقى مجال للمناقشة في أصل مسألة المهدي في هذه
الاُمّة .
النقطة الثانية : إنّة لابدّ في كلّ زمان من إمام يعتقد به الناس أي المسلمون ، ويقتدون به ، ويجعلونه حجة بينهم وبين ربهم ، وذلك ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّة )(1)و( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة )(2) و( قُلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ )(3) .
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في نهج البلاغة : «اللهمّ بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً ، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته»(4) .
والروايات الواردة في هذا الباب أيضاً كثيرة ، ولا أظنّ أنّ أحداً يجرأ على المناقشة في أسانيد هذه الروايات ومداليلها ، إنّها روايات واردة في الصحيحين ، وفي المسانيد ، وفي السنن ، وفي المعاجم ، وفي جميع كتب الحديث والروايات ، وهذه مقبولة عند الفريقين .
____________
(1) سورة النساء 4/165 .
(2) سورة الانفال 8/42 .
(3) سورة الانعام 6/149 .
(4) نهج البلاغة 3/188 رقم 147 .
فقد اتفق المسلمون على رواية : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» .
هذا الحديث بهذا اللفظ موجود في بعض المصادر ، وقد أرسله سعد الدين التفتازاني إرسال المسلّم ، وبنى عليه بحوثه في كتابه شرح المقاصد(1) .
ولهذا الحديث ألفاظ أُخرى قد تختلف بنحو الاجمال مع معنى هذا الحديث ، إلاّ أنّي أعتقد بأنّ جميع هذه الالفاظ لابدّ وأن ترجع إلى معنى واحد ، ولابدّ أن تنتهي إلى مقصد واحد يقصده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فمثلاً في مسند أحمد : «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(2) ، وكذا في عدّة من المصادر : كمسند أبي داود الطيالسي(3) ، وصحيح ابن حبّان(4) ، والمعجم الكبير للطبراني(5) ، وغيرها .
____________
(1) شرح المقاصد 5/239 وما بعدها .
(2) مسند أحمد 5/61 رقم 16434 .
(3) مسند أبي داود الطيالسي : 259 ـ دار المعرفة ـ بيروت .
(4) صحيح ابن حبّان 10/434 رقم 4573 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1418 هـ ، وفيه : «من مات وليس له إمام» .
(5) المعجم الكبير للطبراني 19/388 رقم 910 .
وعن بعض الكتب إضافة بلفظ : «من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمتْ إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً» ، وقد نقله بهذا اللفظ بعض العلماء عن كتاب المسائل الخمسون للفخر الرازي .
وله أيضاً ألفاظ أُخرى موجودة في السنن ، وفي الصحاح ، وفي المسانيد أيضاً ، نكتفي بهذا القدر ، ونشير إلى بعض الخصوصيات الموجودة في لفظ الحديث :
«من مات ولم يعرف» ، لابدّ وأنْ تكون المعرفة هذه مقدمة للاعتقاد ، «من مات ولم يعرف» أي : من مات ولم يعتقد بإمام زمانه ، لا مطلق إمام الزمان ، بإمام زمانه الحق ، بإمام زمانه الشرعي ، بإمام زمانه المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى .
«من مات ولم يعرف إمام زمانه» بهذه القيود «مات ميتة جاهلية»، وإلاّ لو كان المراد من إمام الزمان أيّ حاكم سيطر على شؤون المسلمين وتغلَّب على أُمور المؤمنين ، لا يكون معرفة هكذا شخص واجبة ، ولا يكون عدم معرفته موجباً للدخول في النار ، ولا يكون موته موت جاهلية ، هذا واضح .
إذن ، لابدّ من أن يكون الامام الذي تجب معرفته إمام حق ، وإماماً شرعياً ، فحينئذ ، على الانسان أن يعتقد بإمامة هذا الشخص ، ويجعله حجةً بينه وبين ربّه ، وهذا واجب ، بحيث لو أنّه لم يعتقد بإمامته ومات ، يكون موته موت جاهلية ، وبعبارة أُخرى : «فليمت إنْ شاء يهودياً وإنْ شاء
نصرانياً» .
وذكر المؤرخون : أنّ عبدالله بن عمر ، الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، طرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايعه لعبد الملك ، كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، وكان قصده من ذلك هو العمل بهذا الحديث كما قال ، فقد طرق باب الحجّاج ودخل عليه في تلك الليلة وطلب منه أن يبايعه قائلاً : سمعت رسول الله يقول : «من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية» ، لكن الحجّاج احتقر عبدالله بن عمر ، ومدّ رجله وقال : بايع رجلي ، فبايع عبدالله بن عمر الحجّاج بهذه الطريقة .
وطبيعي أنّ من يأبى عن البيعة لمثل أمير المؤمنين (عليه السلام)يبتلي في يوم من الايّام بالبيعة لمثل الحجّاج وبهذا الشكل .
وكتبوا بترجمة عبدالله بن عمر ، وفي قضاياه الحرة ، بالذات ، تلك الواقعة التي أباح فيها يزيد بن معاوية المدينة المنورة ثلاثة أيام ، أباحها لجيوشه يفعلون ما يشاؤون ، وأنتم تعلون ما كان وما حدث في تلك الواقعة ، حيث قتل عشرات الالاف من الناس ، والمئات من الصحابة والتابعين ، وافتضت الابكار ، وولدت النساء بالمئات من غير زوج .
في هذه الواقعة أتى عبدالله بن عمر إلى عبدالله بن مطيع، فقال عبدالله ابن مطيع : إطرحوا لابي عبد الرحمن وسادة ، فقال : إنّي لم آتك لكي أجلس ، أتيتك لاُحدّثك حديثاً، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : «من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة
جاهلية» ، أخرجه مسلم(1) .
فقضية وجوب معرفة الامام في كلّ زمان والاعتقاد بإمامته والالتزام ببيعته أمر مفروغ منه ومسلّم ، وتدلّ عليه الاحاديث ، وسيرة الصحابة ، وسائر الناس ، ومنها ما ذكرت لكم من أحوال عبدالله بن عمر الذي يجعلونه قدوة لهم ، إلاّ أنّ عبدالله بن عمر ذكروا أنّه كان يتأسّف على عدم بيعته لامير المؤمنين (عليه السلام) ، وعدم مشاركته معه في القتال مع الفئة الباغية ، وهذا موجود في المصادر ، فراجعوا الطبقات لابن سعد(2) والمستدرك للحاكم(3) وغيرهما من الكتب .
وعلى كلّ حال لسنا بصدد الكلام عن عبدالله بن عمر أو غيره ، وإنّما أردت أن أذكر لكم نماذج من الكتاب والسنة وسيرة الصحابة على أنّ هذه المسألة ـ مسألة أنّ في كلّ زمان ولكلّ زمان إمام لابدّ وأنْ يعتقد المسلمون بإمامته ويجعلونه حجةً بينهم وبين ربهم ـ من ضروريات عقائد الاسلام .
____________
(1) صحيح مسلم 3/1478 رقم 1851 .
(2) طبقات ابن سعد 4/185 و187 ، وفيه : «ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية ، ما آسى عن الدنيا إلاّ على ثلاث ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وألاّ أكون قاتلت الفئة هذه الفئة الباغية التي حلّت بنا» . (3) مستدرك الحاكم 3/558 سطر 8 ، وفيه : «ما آسى على شيء» وتكملتها في الهامش (1) : بياض في الاصل ، لعلّ هذه العبارة سقطت (إلاّ أنّي لم أُقاتل مع علي (رضي الله عنه) الفئة الباغية) .
النقطة الثالثة : إنّ المهدي من الائمّة الاثني عشر في حديث الائمّة بعدي إثنا عشر ، لا ريب ولا خلاف في هذه الناحية ، فإنّ القيود التي ذكرت في رواية الائمّة إثنا عشر ، تلك القيود كلّها منطبقة على المهدي سلام الله عليه ، لانّ هذا الامام عندما يظهر يجتمع الناس على القول بإمامته ، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيعزّ الاسلام بدولته ، وأنّه سيظهر دينه على الدين كلّه ، وجميع تلك القيود والمواصفات التي وردت في أحاديث الائمّه اثنا عشر كلّها منطبقة على المهدي سلام الله عليه .
وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب التي حاولوا فيها ذكر الخلفاء بعد رسول الله من بني أُميّة وغيرهم ، يعدّون المهدي أيضاً من أُولئك الخلفاء الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الاحاديث التي درسناها في الليلة الماضية .
وإلى الان عرفنا الاتفاق على ثلاثة نقاط :
النقطة الاُولى : أنّ في هذه الاُمّة مهدياً .
النقطة الثانية : أنّ لكلّ زمان إماماً يجب على كلّ مسلم معرفته والايمان به .
النقطة الثالثة : أنّ المهدي (عليه السلام) الذي أخبر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك الاحاديث الكثيرة ، نفس المهدي الذي يكون الامام الثاني عشر من الائمّة الذين أخبر عن إمامتهم من بعده في أحاديث الائمّة إثنا عشر .
وإلى الان عرفنا المشتركات بين المسلمين ، فإنّه إلى هنا لا خلاف بين
طوائف المسلمين ، ويكون المهدي حينئذ أمراً مفروغاً منه ومسلّماً في هذه الاُمّة ، والمهدي هو الثاني عشر من الائمّة الاثني عشر ، فهو الامام الحق الذي يجب معرفته والاعتقاد به ، وأنّ من مات ولم يعرف المهدي مات ميتة جاهلية .
وهنا قالت الشيعة الامامية الاثنا عشرية : إنّ الذي عرفناه مصداقاً لهذه النقاط هو ابن الحسن العسكري ، ابن الامام الهادي ، ابن الامام الجواد ، ابن الامام الرضا ، ابن الامام الكاظم ، ابن الامام الصادق ، ابن الامام الباقر ، ابن الامام السجاد ، ابن الحسين الشهيد ، ابن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين .
فهذه عقيدة الشيعة ، فهم يطبّقون تلك النقاط الثلاثة المتفق عليها على هذا المصداق .
فهل هناك حديث عند الجمهور يوافق الشيعة الاماميّة ، ويدلّ على ما تذهب إليه الشيعة الاماميّة في هذا التطبيق ؟
هل هناك حديث أو أحاديث من طرق أهل السنّة توافق هذا التطبيق وتؤيّد هذا التطبيق أو لا ؟
من هنا يشرع البحث بين الشيعة وغير الشيعة ، هذه عقيدة الشيعة ولهم عليها أدلّتهم من الكتاب والسنّة وغير ذلك ، وما بلغهم وما وصلهم عن أئمّة أهل البيت الصادقين سلام الله عليهم .
لكن هل هناك ما يدلّ على هذا الاعتقاد في كتب أهل السنّة أيضاً، لتكون هذه العقيدة مؤيَّدة ومدعمة من قبل روايات السنّة ، ويمكن للشيعة
الاماميّة أنْ تلزم أولئك بما رووا في كتبهم أو لا ؟
نعم وردت روايات في كتب القوم مطابقة لهذا الاعتقاد ، إذن ، يكون هذا الاعتقاد متفقاً عليه حسب الروايات وإن لم يكن القوم يعتقدون بهذا الاعتقاد بحسب الاقوال ، إلاّ أنّا نبحث أوّلاً عن العقيدة على ضوء الادلّة ، ثمّ على ضوء الاقوال والاراء ، ولنقرأ بعض تلك الروايات :
الرواية الاُولى : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي ، فقام سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ، من أيّ ولدك ؟ قال : من وَلَدي هذا . وضرب بيده على الحسين» .
هذه الرواية في المصادر عن أبي القاسم الطبراني(1) ، وابن عساكر الدمشقي ، وأبي نعيم الاصفهاني ، وابن قيّم الجوزية ، ويوسف بن يحيى المقدسي(2) ، وشيخ الاسلام الجويني(3) ، وابن حجر المكي صاحب الصواعق(4) .
____________
(1) المعجم الكبير 10/166 رقم 10222 باختلاف .
(2) عقد الدرر في أخبار المنتظر : 56 ـ انتشارات نصايح ـ قم ـ 1416 هـ .
(3) فرائد السمطين 2/325 رقم 575 عن حذيفة بن اليمان ـ مؤسسة المحمودي ـ بيروت ـ 1400 هـ .
(4) الصواعق المحرقة : 249 وما بعدها .
الحديث الثاني : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)لبضعته الزهراء سلام الله عليها وهو في مرض وفاته : «ما يبكيك يا فاطمة ، أما علمت أنّ الله اطّلع إلى الارض إطّلاعة أو اطْلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار بعلك ، فأوحى إليّ فأنكحته إيّاك واتّخذته وصيّاً ، أما علمت أنّكِ بكرامة الله إيّاك زوّجك أعلمهم علماً ، وأكثرهم حلماً ، وأقدمهم سلماً . فضحكت واستبشرت ، فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يزيدها مزيد الخير ، فقال لها : ومنّا مهدي الاُمّة الذي يصلّي عيسى خلفه ، ثمّ ضرب على منكب الحسين فقال : من هذا مهدي الاُمّة» .
وهذا الحديث رواه كما في المصادر : أبو الحسن الدارقطني ، أبو المظفر السمعاني ، أبو عبدالله الكنجي ، وابن الصبّاغ المالكي(1) .
الحديث الثالث : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يخرج المهدي من ولد الحسين من قبل المشرق ، لو استقبلته الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقاً» .
وهذا الحديث كما في المصادر عن نعيم بن حمّاد ، والطبراني ، وأبي نعيم ،
____________
(1) البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي : 502 (ضمن كفاية الطالب) ـ دار احياء تراث أهل البيت ـ طهران ـ 1404 هـ .
فاصلهالفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : 296 ـ منشورات الاعلمي ـ طهران .
والمقدسي صاحب كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر(1) .
هذا بحسب الروايات .
وأمّا بحسب أقوال العلماء المحدّثين والمؤرّخين والمتصوفين ، هؤلاء أيضاً يصرّحون بأنّ المهدي ابن الحسين ، أي من ذريّة الحسين ، ويضيفون على ذلك أنّه ابن الحسن العسكري ، وأيضاً مولود وموجود ، هؤلاء عدة كبيرة من العلماء من أهل السنّة في مختلف العلوم أذكر أشهرهم :
أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري ، المتوفى سنة 279 هـ .
أبو بكر البيهقي ، المتوفى سنة 458 هـ .
ابن الخشّاب ، المتوفى سنة 567 هـ .
ابن الازرق المؤرخ ، المتوفى سنة 590 هـ .
ابن عربي الاندلسي صاحب الفتوحات المكية ، المتوفى سنة 638 هـ .
ابن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة 653 هـ .
سبط ابن الجوزي الحنفي ، المتوفى سنة 654 هـ .
الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة 658 هـ .
صدر الدين القونوي ، المتوفى سنة 672 هـ .
صدر الدين الحموي ، المتوفى سنة 723 هـ .
____________
(1) الفتن لنعيم بن حماد 1/371 ح1095 ، عقد الدرر : 282 عن الطبراني وأبي نعيم ، وانظر الحاوي للفتاوي 2/66 عن ابن عساك
عمر بن الوردي المؤرخ الصوفي الواعظ ، المتوفى سنة 749 هـ .
صلاح الدين الصفدي صاحب الوافي في الوفيات ، المتوفى سنة 764 هـ .
شمس الدين ابن الجزري ، المتوفى سنة 833 هـ .
ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفى سنة 855 هـ .
جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911 هـ .
عبد الوهاب الشعراني الفقيه الصوفي ، المتوفى سنة 973 هـ .
ابن حجر المكي ، المتوفى سنة 973 هـ .
علي القاري الهروي ، المتوفى سنة 1013 هـ .
عبد الحق الدهلوي ، المتوفى سنة 1052 هـ .
شاه ولي الله الدهلوي ، المتوفى سنة 1176 هـ .
القندوزي الحنفي ، المتوفى سنة 1294 هـ .
فظهر إلى الان :
أوّلاً : أنّ المهدي (عليه السلام)من هذه الاُمّة .
ثانياً : المهدي (عليه السلام)من بني هاشم .
ثالثاً : المهدي (عليه السلام)من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
رابعاً : المهدي (عليه السلام)من ولد فاطمة (عليها السلام) .
خامساً : المهدي (عليه السلام) من ولد الحسين (عليه السلام) .
ولكلّ واحد من هذه النقاط : كونه من هذه الاُمّة ، كونه من بني هاشم ،
كونه من عترة النبي ، كونه من ولد فاطمة ، كونه من ولد الحسين ، لكلّ بند من هذه البنود ، روايات خاصة ، ولم نتعرض لها لغرض الاختصار
الهم صل على محمد وآل محمد .
في هذا الفصل نقاط وهي نقاط الاشتراك بين الجميع :
النقطة الاولى : لا خلاف بين المسلمين في أنّ لهذه الاُمّة مهدياً ، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قد أخبر به وبشّر به وذكر له أسماء وصفات وألقاباً وغير ذلك ، والروايات الواردة في كتب الفريقين حول هذا الموضوع أكثر وأكثر من حدّ التواتر ، ولذا لا يبقى خلاف بين المسلمين في هذا الاعتقاد ، ومن اطّلع على هذه الاحاديث وحقّقها وعرفها ، ثمّ كذّب أهل هذا الموضوع مع الالتفات إلى هذه الناحية ، فقد كذّب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما أخبر به .
الروايات الواردة في طرق الفريقين وبأسانيد الفريقين موجودة في الكتب وفي الصحاح والسنن والمسانيد ، وأُلّفت لهذه الروايات كتب خاصة دوّن فيها العلماء من الفريقين تلك الروايات في تلك الكتب ، وهناك آيات كثيرة من القرآن الكريم مأوّلة بالمهدي سلام الله عليه .
وحينئذ لا يُعبأ ولا يعتنى بقول شاذ من مثل ابن خلدون المؤرّخ ، حتّى أنّ بعض علماء السنّة كتبوا ردوداً على رأيه في هذه المسألة .
ومن أشهر المؤلّفين والمدوّنين لاحاديث المهدي سلام الله عليه من أهل السنّة في مختلف القرون :
أبو بكر ابن أبي خيثمة ، المتوفى سنة 279 هـ .
نعيم بن حمّاد المروزي ، المتوفى سنة 288 هـ .
أبو حسين ابن منادي ، المتوفى سنة 336 هـ .
أبو نعيم الاصفهاني ، المتوفى سنة 430 هـ .
أبو العلاء العطّار الهمداني ، المتوفى سنة 569 هـ .
عبد الغني المقدسي ، المتوفى سنة 600 هـ .
ابن عربي الاندلسي ، المتوفى سنة 638 هـ .
سعد الدين الحموي ، المتوفى سنة 650 هـ .
أبو عبدالله الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة 658 هـ .
يوسف بن يحيى المقدسي ، المتوفى سنة 658 هـ .
ابن قيّم الجوزية ، المتوفى سنة 685 هـ .
ابن كثير الدمشقي ، المتوفى سنة 774 هـ .
جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911 هـ .
شهاب الدين ابن حجر المكّي ، المتوفى سنة 974 هـ .
علي بن حسام الدين المتقي الهندي ، المتوفى سنة 975 هـ .
نور الدين علي القاري الهروي ، المتوفى سنة 1014 هـ .
محمّد بن علي الشوكاني القاضي ، المتوفى سنة 1250 هـ .
أحمد بن صدّيق الغماري ، المتوفى سنة 1380 هـ .
وهؤلاء أشهر المؤلّفين في أخبار المهدي منذ قديم الايام ، وفي عصرنا أيضاً كتب مؤلَّفة من قبل كتّاب هذا الزمان ، لا حاجة إلى ذكر أسماء تلك الكتب .
وهناك جماعة كبيرة من علماء أهل السنّة يصرّحون بتواتر حديث المهدي والاخبار الواردة حوله ، وبصحة تلك الاحاديث في الاقل ، ومنهم :
الترمذي ، صاحب الصحيح .
محمّد بن حسين الابري ، المتوفى سنة 363 هـ .
الحاكم النيسابوري ، صاحب المستدرك .
أبو بكر البيهقي ، صاحب السنن الكبرى .
الفرّاء البغوي محيي السنة .
ابن الاثير الجزري .
جمال الدين المزّي .
شمس الدين الذهبي .
نور الدين الهيثمي .
ابن حجر العسقلاني .
وجلال الدين السيوطي .
إذن ، لا يبقى مجال للمناقشة في أصل مسألة المهدي في هذه
الاُمّة .
النقطة الثانية : إنّة لابدّ في كلّ زمان من إمام يعتقد به الناس أي المسلمون ، ويقتدون به ، ويجعلونه حجة بينهم وبين ربهم ، وذلك ( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّة )(1)و( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة )(2) و( قُلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ )(3) .
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في نهج البلاغة : «اللهمّ بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً ، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته»(4) .
والروايات الواردة في هذا الباب أيضاً كثيرة ، ولا أظنّ أنّ أحداً يجرأ على المناقشة في أسانيد هذه الروايات ومداليلها ، إنّها روايات واردة في الصحيحين ، وفي المسانيد ، وفي السنن ، وفي المعاجم ، وفي جميع كتب الحديث والروايات ، وهذه مقبولة عند الفريقين .
____________
(1) سورة النساء 4/165 .
(2) سورة الانفال 8/42 .
(3) سورة الانعام 6/149 .
(4) نهج البلاغة 3/188 رقم 147 .
فقد اتفق المسلمون على رواية : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» .
هذا الحديث بهذا اللفظ موجود في بعض المصادر ، وقد أرسله سعد الدين التفتازاني إرسال المسلّم ، وبنى عليه بحوثه في كتابه شرح المقاصد(1) .
ولهذا الحديث ألفاظ أُخرى قد تختلف بنحو الاجمال مع معنى هذا الحديث ، إلاّ أنّي أعتقد بأنّ جميع هذه الالفاظ لابدّ وأن ترجع إلى معنى واحد ، ولابدّ أن تنتهي إلى مقصد واحد يقصده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
فمثلاً في مسند أحمد : «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(2) ، وكذا في عدّة من المصادر : كمسند أبي داود الطيالسي(3) ، وصحيح ابن حبّان(4) ، والمعجم الكبير للطبراني(5) ، وغيرها .
____________
(1) شرح المقاصد 5/239 وما بعدها .
(2) مسند أحمد 5/61 رقم 16434 .
(3) مسند أبي داود الطيالسي : 259 ـ دار المعرفة ـ بيروت .
(4) صحيح ابن حبّان 10/434 رقم 4573 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1418 هـ ، وفيه : «من مات وليس له إمام» .
(5) المعجم الكبير للطبراني 19/388 رقم 910 .
وعن بعض الكتب إضافة بلفظ : «من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمتْ إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً» ، وقد نقله بهذا اللفظ بعض العلماء عن كتاب المسائل الخمسون للفخر الرازي .
وله أيضاً ألفاظ أُخرى موجودة في السنن ، وفي الصحاح ، وفي المسانيد أيضاً ، نكتفي بهذا القدر ، ونشير إلى بعض الخصوصيات الموجودة في لفظ الحديث :
«من مات ولم يعرف» ، لابدّ وأنْ تكون المعرفة هذه مقدمة للاعتقاد ، «من مات ولم يعرف» أي : من مات ولم يعتقد بإمام زمانه ، لا مطلق إمام الزمان ، بإمام زمانه الحق ، بإمام زمانه الشرعي ، بإمام زمانه المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى .
«من مات ولم يعرف إمام زمانه» بهذه القيود «مات ميتة جاهلية»، وإلاّ لو كان المراد من إمام الزمان أيّ حاكم سيطر على شؤون المسلمين وتغلَّب على أُمور المؤمنين ، لا يكون معرفة هكذا شخص واجبة ، ولا يكون عدم معرفته موجباً للدخول في النار ، ولا يكون موته موت جاهلية ، هذا واضح .
إذن ، لابدّ من أن يكون الامام الذي تجب معرفته إمام حق ، وإماماً شرعياً ، فحينئذ ، على الانسان أن يعتقد بإمامة هذا الشخص ، ويجعله حجةً بينه وبين ربّه ، وهذا واجب ، بحيث لو أنّه لم يعتقد بإمامته ومات ، يكون موته موت جاهلية ، وبعبارة أُخرى : «فليمت إنْ شاء يهودياً وإنْ شاء
نصرانياً» .
وذكر المؤرخون : أنّ عبدالله بن عمر ، الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، طرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايعه لعبد الملك ، كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، وكان قصده من ذلك هو العمل بهذا الحديث كما قال ، فقد طرق باب الحجّاج ودخل عليه في تلك الليلة وطلب منه أن يبايعه قائلاً : سمعت رسول الله يقول : «من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية» ، لكن الحجّاج احتقر عبدالله بن عمر ، ومدّ رجله وقال : بايع رجلي ، فبايع عبدالله بن عمر الحجّاج بهذه الطريقة .
وطبيعي أنّ من يأبى عن البيعة لمثل أمير المؤمنين (عليه السلام)يبتلي في يوم من الايّام بالبيعة لمثل الحجّاج وبهذا الشكل .
وكتبوا بترجمة عبدالله بن عمر ، وفي قضاياه الحرة ، بالذات ، تلك الواقعة التي أباح فيها يزيد بن معاوية المدينة المنورة ثلاثة أيام ، أباحها لجيوشه يفعلون ما يشاؤون ، وأنتم تعلون ما كان وما حدث في تلك الواقعة ، حيث قتل عشرات الالاف من الناس ، والمئات من الصحابة والتابعين ، وافتضت الابكار ، وولدت النساء بالمئات من غير زوج .
في هذه الواقعة أتى عبدالله بن عمر إلى عبدالله بن مطيع، فقال عبدالله ابن مطيع : إطرحوا لابي عبد الرحمن وسادة ، فقال : إنّي لم آتك لكي أجلس ، أتيتك لاُحدّثك حديثاً، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول : «من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة
جاهلية» ، أخرجه مسلم(1) .
فقضية وجوب معرفة الامام في كلّ زمان والاعتقاد بإمامته والالتزام ببيعته أمر مفروغ منه ومسلّم ، وتدلّ عليه الاحاديث ، وسيرة الصحابة ، وسائر الناس ، ومنها ما ذكرت لكم من أحوال عبدالله بن عمر الذي يجعلونه قدوة لهم ، إلاّ أنّ عبدالله بن عمر ذكروا أنّه كان يتأسّف على عدم بيعته لامير المؤمنين (عليه السلام) ، وعدم مشاركته معه في القتال مع الفئة الباغية ، وهذا موجود في المصادر ، فراجعوا الطبقات لابن سعد(2) والمستدرك للحاكم(3) وغيرهما من الكتب .
وعلى كلّ حال لسنا بصدد الكلام عن عبدالله بن عمر أو غيره ، وإنّما أردت أن أذكر لكم نماذج من الكتاب والسنة وسيرة الصحابة على أنّ هذه المسألة ـ مسألة أنّ في كلّ زمان ولكلّ زمان إمام لابدّ وأنْ يعتقد المسلمون بإمامته ويجعلونه حجةً بينهم وبين ربهم ـ من ضروريات عقائد الاسلام .
____________
(1) صحيح مسلم 3/1478 رقم 1851 .
(2) طبقات ابن سعد 4/185 و187 ، وفيه : «ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية ، ما آسى عن الدنيا إلاّ على ثلاث ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وألاّ أكون قاتلت الفئة هذه الفئة الباغية التي حلّت بنا» . (3) مستدرك الحاكم 3/558 سطر 8 ، وفيه : «ما آسى على شيء» وتكملتها في الهامش (1) : بياض في الاصل ، لعلّ هذه العبارة سقطت (إلاّ أنّي لم أُقاتل مع علي (رضي الله عنه) الفئة الباغية) .
النقطة الثالثة : إنّ المهدي من الائمّة الاثني عشر في حديث الائمّة بعدي إثنا عشر ، لا ريب ولا خلاف في هذه الناحية ، فإنّ القيود التي ذكرت في رواية الائمّة إثنا عشر ، تلك القيود كلّها منطبقة على المهدي سلام الله عليه ، لانّ هذا الامام عندما يظهر يجتمع الناس على القول بإمامته ، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيعزّ الاسلام بدولته ، وأنّه سيظهر دينه على الدين كلّه ، وجميع تلك القيود والمواصفات التي وردت في أحاديث الائمّه اثنا عشر كلّها منطبقة على المهدي سلام الله عليه .
وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب التي حاولوا فيها ذكر الخلفاء بعد رسول الله من بني أُميّة وغيرهم ، يعدّون المهدي أيضاً من أُولئك الخلفاء الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الاحاديث التي درسناها في الليلة الماضية .
وإلى الان عرفنا الاتفاق على ثلاثة نقاط :
النقطة الاُولى : أنّ في هذه الاُمّة مهدياً .
النقطة الثانية : أنّ لكلّ زمان إماماً يجب على كلّ مسلم معرفته والايمان به .
النقطة الثالثة : أنّ المهدي (عليه السلام) الذي أخبر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك الاحاديث الكثيرة ، نفس المهدي الذي يكون الامام الثاني عشر من الائمّة الذين أخبر عن إمامتهم من بعده في أحاديث الائمّة إثنا عشر .
وإلى الان عرفنا المشتركات بين المسلمين ، فإنّه إلى هنا لا خلاف بين
طوائف المسلمين ، ويكون المهدي حينئذ أمراً مفروغاً منه ومسلّماً في هذه الاُمّة ، والمهدي هو الثاني عشر من الائمّة الاثني عشر ، فهو الامام الحق الذي يجب معرفته والاعتقاد به ، وأنّ من مات ولم يعرف المهدي مات ميتة جاهلية .
وهنا قالت الشيعة الامامية الاثنا عشرية : إنّ الذي عرفناه مصداقاً لهذه النقاط هو ابن الحسن العسكري ، ابن الامام الهادي ، ابن الامام الجواد ، ابن الامام الرضا ، ابن الامام الكاظم ، ابن الامام الصادق ، ابن الامام الباقر ، ابن الامام السجاد ، ابن الحسين الشهيد ، ابن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين .
فهذه عقيدة الشيعة ، فهم يطبّقون تلك النقاط الثلاثة المتفق عليها على هذا المصداق .
فهل هناك حديث عند الجمهور يوافق الشيعة الاماميّة ، ويدلّ على ما تذهب إليه الشيعة الاماميّة في هذا التطبيق ؟
هل هناك حديث أو أحاديث من طرق أهل السنّة توافق هذا التطبيق وتؤيّد هذا التطبيق أو لا ؟
من هنا يشرع البحث بين الشيعة وغير الشيعة ، هذه عقيدة الشيعة ولهم عليها أدلّتهم من الكتاب والسنّة وغير ذلك ، وما بلغهم وما وصلهم عن أئمّة أهل البيت الصادقين سلام الله عليهم .
لكن هل هناك ما يدلّ على هذا الاعتقاد في كتب أهل السنّة أيضاً، لتكون هذه العقيدة مؤيَّدة ومدعمة من قبل روايات السنّة ، ويمكن للشيعة
الاماميّة أنْ تلزم أولئك بما رووا في كتبهم أو لا ؟
نعم وردت روايات في كتب القوم مطابقة لهذا الاعتقاد ، إذن ، يكون هذا الاعتقاد متفقاً عليه حسب الروايات وإن لم يكن القوم يعتقدون بهذا الاعتقاد بحسب الاقوال ، إلاّ أنّا نبحث أوّلاً عن العقيدة على ضوء الادلّة ، ثمّ على ضوء الاقوال والاراء ، ولنقرأ بعض تلك الروايات :
الرواية الاُولى : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي ، فقام سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ، من أيّ ولدك ؟ قال : من وَلَدي هذا . وضرب بيده على الحسين» .
هذه الرواية في المصادر عن أبي القاسم الطبراني(1) ، وابن عساكر الدمشقي ، وأبي نعيم الاصفهاني ، وابن قيّم الجوزية ، ويوسف بن يحيى المقدسي(2) ، وشيخ الاسلام الجويني(3) ، وابن حجر المكي صاحب الصواعق(4) .
____________
(1) المعجم الكبير 10/166 رقم 10222 باختلاف .
(2) عقد الدرر في أخبار المنتظر : 56 ـ انتشارات نصايح ـ قم ـ 1416 هـ .
(3) فرائد السمطين 2/325 رقم 575 عن حذيفة بن اليمان ـ مؤسسة المحمودي ـ بيروت ـ 1400 هـ .
(4) الصواعق المحرقة : 249 وما بعدها .
الحديث الثاني : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم)لبضعته الزهراء سلام الله عليها وهو في مرض وفاته : «ما يبكيك يا فاطمة ، أما علمت أنّ الله اطّلع إلى الارض إطّلاعة أو اطْلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار بعلك ، فأوحى إليّ فأنكحته إيّاك واتّخذته وصيّاً ، أما علمت أنّكِ بكرامة الله إيّاك زوّجك أعلمهم علماً ، وأكثرهم حلماً ، وأقدمهم سلماً . فضحكت واستبشرت ، فأراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يزيدها مزيد الخير ، فقال لها : ومنّا مهدي الاُمّة الذي يصلّي عيسى خلفه ، ثمّ ضرب على منكب الحسين فقال : من هذا مهدي الاُمّة» .
وهذا الحديث رواه كما في المصادر : أبو الحسن الدارقطني ، أبو المظفر السمعاني ، أبو عبدالله الكنجي ، وابن الصبّاغ المالكي(1) .
الحديث الثالث : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «يخرج المهدي من ولد الحسين من قبل المشرق ، لو استقبلته الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقاً» .
وهذا الحديث كما في المصادر عن نعيم بن حمّاد ، والطبراني ، وأبي نعيم ،
____________
(1) البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي : 502 (ضمن كفاية الطالب) ـ دار احياء تراث أهل البيت ـ طهران ـ 1404 هـ .
فاصلهالفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : 296 ـ منشورات الاعلمي ـ طهران .
والمقدسي صاحب كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر(1) .
هذا بحسب الروايات .
وأمّا بحسب أقوال العلماء المحدّثين والمؤرّخين والمتصوفين ، هؤلاء أيضاً يصرّحون بأنّ المهدي ابن الحسين ، أي من ذريّة الحسين ، ويضيفون على ذلك أنّه ابن الحسن العسكري ، وأيضاً مولود وموجود ، هؤلاء عدة كبيرة من العلماء من أهل السنّة في مختلف العلوم أذكر أشهرهم :
أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري ، المتوفى سنة 279 هـ .
أبو بكر البيهقي ، المتوفى سنة 458 هـ .
ابن الخشّاب ، المتوفى سنة 567 هـ .
ابن الازرق المؤرخ ، المتوفى سنة 590 هـ .
ابن عربي الاندلسي صاحب الفتوحات المكية ، المتوفى سنة 638 هـ .
ابن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة 653 هـ .
سبط ابن الجوزي الحنفي ، المتوفى سنة 654 هـ .
الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة 658 هـ .
صدر الدين القونوي ، المتوفى سنة 672 هـ .
صدر الدين الحموي ، المتوفى سنة 723 هـ .
____________
(1) الفتن لنعيم بن حماد 1/371 ح1095 ، عقد الدرر : 282 عن الطبراني وأبي نعيم ، وانظر الحاوي للفتاوي 2/66 عن ابن عساك
عمر بن الوردي المؤرخ الصوفي الواعظ ، المتوفى سنة 749 هـ .
صلاح الدين الصفدي صاحب الوافي في الوفيات ، المتوفى سنة 764 هـ .
شمس الدين ابن الجزري ، المتوفى سنة 833 هـ .
ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفى سنة 855 هـ .
جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911 هـ .
عبد الوهاب الشعراني الفقيه الصوفي ، المتوفى سنة 973 هـ .
ابن حجر المكي ، المتوفى سنة 973 هـ .
علي القاري الهروي ، المتوفى سنة 1013 هـ .
عبد الحق الدهلوي ، المتوفى سنة 1052 هـ .
شاه ولي الله الدهلوي ، المتوفى سنة 1176 هـ .
القندوزي الحنفي ، المتوفى سنة 1294 هـ .
فظهر إلى الان :
أوّلاً : أنّ المهدي (عليه السلام)من هذه الاُمّة .
ثانياً : المهدي (عليه السلام)من بني هاشم .
ثالثاً : المهدي (عليه السلام)من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
رابعاً : المهدي (عليه السلام)من ولد فاطمة (عليها السلام) .
خامساً : المهدي (عليه السلام) من ولد الحسين (عليه السلام) .
ولكلّ واحد من هذه النقاط : كونه من هذه الاُمّة ، كونه من بني هاشم ،
كونه من عترة النبي ، كونه من ولد فاطمة ، كونه من ولد الحسين ، لكلّ بند من هذه البنود ، روايات خاصة ، ولم نتعرض لها لغرض الاختصار
الهم صل على محمد وآل محمد .