صادق العارضي
08-04-2012, 04:10 PM
زهرت الأرض بولادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
كأنَّها كانَت تَشعُرُ بما حَصَلَ لاَُمِّها من مقاطعةِ نِساءِ مكّةَ لَها ، بَل حتّى قَرِيباتِها لم يَعُدنَ يَسألنَ عَنها أو يَتَفَقَّدنَ أَحوالَها ، لِذلِكَ فَهيَ وحيدةٌ في بيتِها ، لا أنيسَ لها أثناءَ غيابِ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَنها .
نَعَم كانت تَشعُرُ بِما حَصَلَ لاَُمِّها بسببِ زَواجِها مِن رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) رَغمَ أنَّها ما تَزالُ في ظُلمَةِ أَحشائِها .
لِذلِكَ رَأت مِن واجبها أن تُسلّيها بالحَديثِ مَعَها ، فَأشرَقَت على وجهِ خديجةَ ابتسامَةُ فَرَحٍ بَعدَ أن غَمَرَت قَلبَها سعادةٌ لم تَكُن تَشعُرُ بِها أثناءَ وَحدَتِها .
( خديجةُ مَعَ مَن تَتَحدَّثِينَ ؟ ) ، قَالَها رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) مُندَهِشاً بعدَ أن رأى خديجةَ تُتَمتِمُ فَرِحةً وكَأنَّها تُكلِّمُ شَخصاً أمامَها .
فقالت لهُ : يا رسولَ اللهِ ، الجنينُ الذي في بَطني يُحدِّثُني ، فَتُؤنِسُني عُذوبَةُ حديثِهِ .
وفي هذِهِ الأثناءِ نَزَلَ الأمينُ جبرائيلُ ( عليه السلام ) وَهَمَسَ في أُذُنِ رسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) مِمّا جَعَلَهُ يَبتَسِمُ فَرِحاً وهو ينقُلُ كلامَ جِبرائيلَ ( عليه السلام ) إلى زوجتِهِ خديجةَ قائلاً : ( يا خديجةُ ، إنّها ابنَتي ، نَسمةٌ طاهرةٌ مطهّرةٌ ، وَقَد أمرَني اللهُ تعالى أن أُسمِّيها فاطمةَ ، وَسَيَجعَلُ من ذُرِّيَتها أئمّةً يُهتَدى بِهم ) ، مِمّا جعلَ فرحةَ خَديجةَ تَتَعاظَمُ ، فملأت آفاقَها سعادةً عَوّضَتها عَن حِرمانِ مُقاطَعةِ النساءِ لَها .
ثم تمرُّ لحظاتُ الولادةِ وخديجةُ وحيدةٌ لا تُوجَدُ امرأةٌ قُربَها ، ممّا اضطرَّها أنّ تُرسِلَ إلى قريباتِها مِن نِساءِ مَكّةَ ، وراحت تَنتَظِرُ حتّى أتاها جَوابهُنَّ : ياخديجةُ ، أنتِ عَصَيتِنا ، وَلَم تَقبَلي مِنّا قولَنا ، فَتزوّجتِ ذلِكَ الفقيرَ الذي لا مالَ لَهُ ، لِذلِكَ لَن نَجِيءَ إليكِ .
فَاغتَمَّت خَديجةُ لِذلِكَ غَمّاً شديداً ، وَبَينَما هِي كَذلِكَ وَإذا بِها تَتَفاجَأُ بأربعِ نِساءٍ يَدخُلنَ عَليها كَأنَّهُنَّ مِن نِساءِ قُريشٍ .
فَقالت إحدَاهُنَّ : يا خديجةُ لا تَحزَني ، لَقَد بَعَثَنَا اللهُ تَعالى إليكِ لِمُساعَدَتِكِ .
كانَت تِلكَ المرأةُ هي آسيةُ بنتُ مُزاحمٍ ، وَمَعَها مريمُ بنتُ عِمرانَ ، وسارةُ زوجةُ النبي إبراهيمَ ( عليه السلام ) وصفراءُ بنتُ شُعيبٍ ( عليهن السلام ) فَجَلَسنَ حَولَها ، فقُمنَ بِواجِبِهِنَّ حَتّى وَضَعت فاطمةَ ( عليها السلام ) كما قالَ رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) طاهرةً مطهّرةً .
ثم تَلَقّتها إحداهُنَّ فَغَسَّلَتها بِماءِ الكَوثرِ ونَشَّفتها ، ثُمَ أخرَجَت مِنَ القماشِ قِطعَتَينِ بَيضاوَتينِ أشدَّ بَياضاً مِنَ اللبَنِ ، وأطيبَ رائحةً مِنَ المِسكِ والعَنبَرِ ، فَلَفَّتها بواحدةٍ وقَنّعتها بالثانيةِ ، ثُمَّ استَنطَقَتها ، فَنَطَقَت فاطِمَةُ ( عليها السلام ) بالشَهادةِ قائِلةً : ( أشهدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ ، وأنّ أبيَ محمّداً رسولُ اللهِ ، وأنَّ عليّاً سَيّدُ الأوصياءِ ، ووُلدي سادةُ الأسباطِ ) .
ثُمَّ سَلَّمَت على كلِّ واحدةٍ منهنَّ باسمِها ، فَأقبَلنَ عَلَيها ضاحكاتٍ ، ثُمَّ عَرَجنَ إلى السَماءِ بَعدَ أن تَناولَتها خديجةُ فَرِحةً بها مستبشرةً ، فَوضَعَتها في حِجرِها ، وألقَمَتها ثَديَها فَدَرَّ عليها لَبناً .
وما أسرعَ ما لُقِّبَت فاطمةُ ( عليها السلام ) بالزهراءِ ، ففي ولادَتِها أزهَرَت الأرضُ وأشرَقَت الفَلَواتُ ، وأنارَت الجبالُ والربواتُ ، وَهَبَطَت الملائكةُ إلى الأرضِ ، فَنَشَرَت أجنِحَتَها في المشرِقِ والمغرِبِ ، وضَرَبَت عليها سُرادِقُ البَهاءِ ، وغَشيَ أهلَ مَكّةَ ما غَشِيَهُم مِنَ النورِ .
ثم دَخَلَ رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) على خديجةَ فَرِحاً مُستَبشِراً وهو يقولُ لَها : ( يا خديجةُ ، لا تَحزَني إن كانَ قَد هَجَرَكِ نساءُ مَكّةَ ، وَلَن يَدخُلنَ عَليكِ ، فها أنا أرى الحُورَ يَنزِلنَ مِنَ السماءِ عَطِراتٍ ، يَشُعُّ مِنهُنَّ نورٌ يَلتَهِبُ التِهاباً ، وتَفُوحُ مِنهُنَّ رائحةٌ تَسُرُّ أهلَ مَكّةَ جَميعاً ، سَلَّمنَ فأحسَنَّ ، وحيَّينَ فأَبلغنَ .
بَعَثَهُنَّ اللهُ تَعالى لِيصبَحنَ في خدمةِ خديجةَ وابنَتِها فاطمةَ الزهراءَ ( عليها السلام ) بَعدَ أن استَبشَرَتِ الحورُ العِينُ ، وبَشَّرَ أهلُ السماواتِ بعضُهم بَعضَاً بولادةِ فاطمةَ الزهراءَ ( عليها السلام ) فَقَد حَدَثَ في السماءِ نورٌ زاهرٌ لَم ترَ مِثلَهُ الملائِكةُ مِن قبلُ ) .
مَرَّتِ الأعوامُ وفاطمةُ الزهراءُ ( عليها السلام ) تَنمُو في اليومِ كَما يَنمُو غيرُها في شهرٍ ، وَتَنمُو في الشَهرِ كَما يَنمُو غَيرُها في سنةٍ .
إلى أن جاءَ ذلِكَ اليومُ الذي كانَ فيه رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) جالساً مع أصحابِهِ في المسجِدِ ، وَبِصُحبَتِهِ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ ( عليه السلام ) ، إذ هَبَطَ مِنَ السماءِ مَلَكٌ على هَيئةٍ لَم يألَفها الرسولُ ( صلى الله عليه وآله ) مِن قبلُ ، إذ ظنَّهُ جبرائِيلَ وهَمَّ يُقبِّلُ رأسَهُ ، فقالَ لَهُ المَلَكُ : مَه يا أحمد - حيث أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) اسمه في السماء ( أحمد ) وفي الأرض ( محمد ) - أنتَ أكرَمُ عِندَ اللهِ تَعالى من أهلِ السماواتِ وأهلِ الأرضِ أجمعينَ .
فَقَامَ الملَكُ بِتَقبِيلِ رأسِ الرسولِ ( صلى الله عليه وآله ) ويَدَهُ ، وفي أثناءِ ذلِكَ قالَ لَهُ الرسُولُ : حَبيبي جبرائيلُ ، ما هذِهِ الصورةُ التي لَم تَهبِط عليَّ بِمثلِها ؟!
فَقَالَ الملَكُ : ما أنا بِجبرائيلُ ، لكنّي مَلَكٌ يَقالُ لِي محمودٌ ، وبَينَ كَتفَيَّ مكتوبٌ : لا إلهَ إلاّ اللهُ ، محمّدٌ رسولُ اللهِ - وعلى رواية : عليٌّ وليّهُ ووصيّهُ - .
وفي هذهِ الأثناءِ نَزَلَ مِنَ السماءِ جِبرائيلُ ، ومِيكائيلُ ، وإسرافيلُ ، وَسبعونَ ألفاً مِنَ الملائكةِ قَد حَضَروا مَعَهُم .
فبَينما كان المَلكُ يقولُ لِرَسُولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) : بَعَثَني اللهُ تعالى لأُزوِّجَ النورَ مِنَ النورِ ، فقالَ الرسولُ ( صلى الله عليه وآله ) : ( والنورُ من ؟ ) ، فَأجابَهُ : فاطمةَ ( عليها السلام ) من عليٍّ ( عليه السلام ) .
فَالتَفَتَ النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إلى عليٍّ بنِ أبي طالبٍ ( عليه السلام ) وَهُوَ يقولُ لَهُ : ( قَد زَوَّجتُكَ على ما زَوَّجكَ اللهُ مِن فوقِ سَبعِ سماواتٍ ، فَخُذها إليكَ ) .
ثمَّ التَفتَ النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إليه قائلاً لَهُ : ( مُنذُ متى كُتِبَ هذا بينَ كَتفَيكَ ؟ ) .
فقال : مِن قبلِ أن يَخلُقَ اللهُ آدم بألفَي عامٍ ، ثُمَّ ناولَ جِبرائيلُ النبيَّ محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) قَدَحاً فيهِ طيبٌ مِن طِيبِ الجنَّةِ ، وَهُوَ يَقولُ : يا حَبيبي يا محمّدُ ، مُر فاطمةَ أن تُدهِنَ رَأسَها وَبَدَنَها مِن هذا الطيبِ .
فَصارت فاطمةُ الزهراءُ ( عليها السلام ) كلَّما مَرَّرَت يَدَها على رأسِها أو بَدنِها شَمَّ أهلُ المدينةِ رائحةَ ذلِكَ الطيبِ .
وكانَت فاطمةُ الزهراءُ ( عليها السلام ) دائماً تَشتَغِلُ بالعبادةِ ، وفي إحدى لَيالي الجُمَعِ وَهيَ مشغولةٌ كانَ وَلَدُها الإمامُ الحسنُ ( عليه السلام ) يُراقِبُها وهيَ في مِحرابِها راكعةٌ ساجدةٌ ، ثُمَّ راحَ يَتأمَّلُها وَهيَ تَدعُو إلى جميعِ النساءِ والرجالِ ، والأطفالِ مِنَ الجيرانِ الذينَ يَسكُنونَ حَولَ بَيتِها الشريفِ ، وَمَضَت ساعاتُ الليلِ شَيئاً فَشَيئاً حتّى بَزَغَ الفَجرُ .
والإمامُ الحسنُ ( عليه السلام ) يَتَأمَّلُ أُمَّهُ فاطمةَ الزهراءَ ( عليها السلام ) وكأنَّهُ يَنتَظِرُ مِنها شَيئاً ، يا تُرى مَاذا كانَ يَنتظِرُ الإمامُ الحسنُ ( عليه السلام ) ؟! .
وحِينَ انتهت فاطمةُ الزهراءُ ( عليها السلام ) من عبادَتِها ودُعائِها بادَرَها الإمامُ الحسنُ ( عليه السلام ) سائلاً : ( لِمَ لَم تَدعِ لِنَفسِكِ يا أمّاهُ كما دعوتِ لغَيرِكِ ؟ ) .
فأجابَت ( عليها السلام ) وَلدَها قائلةً : ( يا بُنيَّ ، الجارُ ثُمَّ الدارُ ) .
هَكذا كانت بَضعَةُ المصطفى ( عليها السلام ) تَهتَمُّ بِأُمورِ المُسلمينَ وتَحرِصُ على طَلَبِ الخَيرِ .
كأنَّها كانَت تَشعُرُ بما حَصَلَ لاَُمِّها من مقاطعةِ نِساءِ مكّةَ لَها ، بَل حتّى قَرِيباتِها لم يَعُدنَ يَسألنَ عَنها أو يَتَفَقَّدنَ أَحوالَها ، لِذلِكَ فَهيَ وحيدةٌ في بيتِها ، لا أنيسَ لها أثناءَ غيابِ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَنها .
نَعَم كانت تَشعُرُ بِما حَصَلَ لاَُمِّها بسببِ زَواجِها مِن رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) رَغمَ أنَّها ما تَزالُ في ظُلمَةِ أَحشائِها .
لِذلِكَ رَأت مِن واجبها أن تُسلّيها بالحَديثِ مَعَها ، فَأشرَقَت على وجهِ خديجةَ ابتسامَةُ فَرَحٍ بَعدَ أن غَمَرَت قَلبَها سعادةٌ لم تَكُن تَشعُرُ بِها أثناءَ وَحدَتِها .
( خديجةُ مَعَ مَن تَتَحدَّثِينَ ؟ ) ، قَالَها رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) مُندَهِشاً بعدَ أن رأى خديجةَ تُتَمتِمُ فَرِحةً وكَأنَّها تُكلِّمُ شَخصاً أمامَها .
فقالت لهُ : يا رسولَ اللهِ ، الجنينُ الذي في بَطني يُحدِّثُني ، فَتُؤنِسُني عُذوبَةُ حديثِهِ .
وفي هذِهِ الأثناءِ نَزَلَ الأمينُ جبرائيلُ ( عليه السلام ) وَهَمَسَ في أُذُنِ رسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) مِمّا جَعَلَهُ يَبتَسِمُ فَرِحاً وهو ينقُلُ كلامَ جِبرائيلَ ( عليه السلام ) إلى زوجتِهِ خديجةَ قائلاً : ( يا خديجةُ ، إنّها ابنَتي ، نَسمةٌ طاهرةٌ مطهّرةٌ ، وَقَد أمرَني اللهُ تعالى أن أُسمِّيها فاطمةَ ، وَسَيَجعَلُ من ذُرِّيَتها أئمّةً يُهتَدى بِهم ) ، مِمّا جعلَ فرحةَ خَديجةَ تَتَعاظَمُ ، فملأت آفاقَها سعادةً عَوّضَتها عَن حِرمانِ مُقاطَعةِ النساءِ لَها .
ثم تمرُّ لحظاتُ الولادةِ وخديجةُ وحيدةٌ لا تُوجَدُ امرأةٌ قُربَها ، ممّا اضطرَّها أنّ تُرسِلَ إلى قريباتِها مِن نِساءِ مَكّةَ ، وراحت تَنتَظِرُ حتّى أتاها جَوابهُنَّ : ياخديجةُ ، أنتِ عَصَيتِنا ، وَلَم تَقبَلي مِنّا قولَنا ، فَتزوّجتِ ذلِكَ الفقيرَ الذي لا مالَ لَهُ ، لِذلِكَ لَن نَجِيءَ إليكِ .
فَاغتَمَّت خَديجةُ لِذلِكَ غَمّاً شديداً ، وَبَينَما هِي كَذلِكَ وَإذا بِها تَتَفاجَأُ بأربعِ نِساءٍ يَدخُلنَ عَليها كَأنَّهُنَّ مِن نِساءِ قُريشٍ .
فَقالت إحدَاهُنَّ : يا خديجةُ لا تَحزَني ، لَقَد بَعَثَنَا اللهُ تَعالى إليكِ لِمُساعَدَتِكِ .
كانَت تِلكَ المرأةُ هي آسيةُ بنتُ مُزاحمٍ ، وَمَعَها مريمُ بنتُ عِمرانَ ، وسارةُ زوجةُ النبي إبراهيمَ ( عليه السلام ) وصفراءُ بنتُ شُعيبٍ ( عليهن السلام ) فَجَلَسنَ حَولَها ، فقُمنَ بِواجِبِهِنَّ حَتّى وَضَعت فاطمةَ ( عليها السلام ) كما قالَ رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) طاهرةً مطهّرةً .
ثم تَلَقّتها إحداهُنَّ فَغَسَّلَتها بِماءِ الكَوثرِ ونَشَّفتها ، ثُمَ أخرَجَت مِنَ القماشِ قِطعَتَينِ بَيضاوَتينِ أشدَّ بَياضاً مِنَ اللبَنِ ، وأطيبَ رائحةً مِنَ المِسكِ والعَنبَرِ ، فَلَفَّتها بواحدةٍ وقَنّعتها بالثانيةِ ، ثُمَّ استَنطَقَتها ، فَنَطَقَت فاطِمَةُ ( عليها السلام ) بالشَهادةِ قائِلةً : ( أشهدُ أن لا إلهَ إلاّ اللهُ ، وأنّ أبيَ محمّداً رسولُ اللهِ ، وأنَّ عليّاً سَيّدُ الأوصياءِ ، ووُلدي سادةُ الأسباطِ ) .
ثُمَّ سَلَّمَت على كلِّ واحدةٍ منهنَّ باسمِها ، فَأقبَلنَ عَلَيها ضاحكاتٍ ، ثُمَّ عَرَجنَ إلى السَماءِ بَعدَ أن تَناولَتها خديجةُ فَرِحةً بها مستبشرةً ، فَوضَعَتها في حِجرِها ، وألقَمَتها ثَديَها فَدَرَّ عليها لَبناً .
وما أسرعَ ما لُقِّبَت فاطمةُ ( عليها السلام ) بالزهراءِ ، ففي ولادَتِها أزهَرَت الأرضُ وأشرَقَت الفَلَواتُ ، وأنارَت الجبالُ والربواتُ ، وَهَبَطَت الملائكةُ إلى الأرضِ ، فَنَشَرَت أجنِحَتَها في المشرِقِ والمغرِبِ ، وضَرَبَت عليها سُرادِقُ البَهاءِ ، وغَشيَ أهلَ مَكّةَ ما غَشِيَهُم مِنَ النورِ .
ثم دَخَلَ رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) على خديجةَ فَرِحاً مُستَبشِراً وهو يقولُ لَها : ( يا خديجةُ ، لا تَحزَني إن كانَ قَد هَجَرَكِ نساءُ مَكّةَ ، وَلَن يَدخُلنَ عَليكِ ، فها أنا أرى الحُورَ يَنزِلنَ مِنَ السماءِ عَطِراتٍ ، يَشُعُّ مِنهُنَّ نورٌ يَلتَهِبُ التِهاباً ، وتَفُوحُ مِنهُنَّ رائحةٌ تَسُرُّ أهلَ مَكّةَ جَميعاً ، سَلَّمنَ فأحسَنَّ ، وحيَّينَ فأَبلغنَ .
بَعَثَهُنَّ اللهُ تَعالى لِيصبَحنَ في خدمةِ خديجةَ وابنَتِها فاطمةَ الزهراءَ ( عليها السلام ) بَعدَ أن استَبشَرَتِ الحورُ العِينُ ، وبَشَّرَ أهلُ السماواتِ بعضُهم بَعضَاً بولادةِ فاطمةَ الزهراءَ ( عليها السلام ) فَقَد حَدَثَ في السماءِ نورٌ زاهرٌ لَم ترَ مِثلَهُ الملائِكةُ مِن قبلُ ) .
مَرَّتِ الأعوامُ وفاطمةُ الزهراءُ ( عليها السلام ) تَنمُو في اليومِ كَما يَنمُو غيرُها في شهرٍ ، وَتَنمُو في الشَهرِ كَما يَنمُو غَيرُها في سنةٍ .
إلى أن جاءَ ذلِكَ اليومُ الذي كانَ فيه رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) جالساً مع أصحابِهِ في المسجِدِ ، وَبِصُحبَتِهِ عليٌّ بنُ أبي طالبٍ ( عليه السلام ) ، إذ هَبَطَ مِنَ السماءِ مَلَكٌ على هَيئةٍ لَم يألَفها الرسولُ ( صلى الله عليه وآله ) مِن قبلُ ، إذ ظنَّهُ جبرائِيلَ وهَمَّ يُقبِّلُ رأسَهُ ، فقالَ لَهُ المَلَكُ : مَه يا أحمد - حيث أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) اسمه في السماء ( أحمد ) وفي الأرض ( محمد ) - أنتَ أكرَمُ عِندَ اللهِ تَعالى من أهلِ السماواتِ وأهلِ الأرضِ أجمعينَ .
فَقَامَ الملَكُ بِتَقبِيلِ رأسِ الرسولِ ( صلى الله عليه وآله ) ويَدَهُ ، وفي أثناءِ ذلِكَ قالَ لَهُ الرسُولُ : حَبيبي جبرائيلُ ، ما هذِهِ الصورةُ التي لَم تَهبِط عليَّ بِمثلِها ؟!
فَقَالَ الملَكُ : ما أنا بِجبرائيلُ ، لكنّي مَلَكٌ يَقالُ لِي محمودٌ ، وبَينَ كَتفَيَّ مكتوبٌ : لا إلهَ إلاّ اللهُ ، محمّدٌ رسولُ اللهِ - وعلى رواية : عليٌّ وليّهُ ووصيّهُ - .
وفي هذهِ الأثناءِ نَزَلَ مِنَ السماءِ جِبرائيلُ ، ومِيكائيلُ ، وإسرافيلُ ، وَسبعونَ ألفاً مِنَ الملائكةِ قَد حَضَروا مَعَهُم .
فبَينما كان المَلكُ يقولُ لِرَسُولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) : بَعَثَني اللهُ تعالى لأُزوِّجَ النورَ مِنَ النورِ ، فقالَ الرسولُ ( صلى الله عليه وآله ) : ( والنورُ من ؟ ) ، فَأجابَهُ : فاطمةَ ( عليها السلام ) من عليٍّ ( عليه السلام ) .
فَالتَفَتَ النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إلى عليٍّ بنِ أبي طالبٍ ( عليه السلام ) وَهُوَ يقولُ لَهُ : ( قَد زَوَّجتُكَ على ما زَوَّجكَ اللهُ مِن فوقِ سَبعِ سماواتٍ ، فَخُذها إليكَ ) .
ثمَّ التَفتَ النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إليه قائلاً لَهُ : ( مُنذُ متى كُتِبَ هذا بينَ كَتفَيكَ ؟ ) .
فقال : مِن قبلِ أن يَخلُقَ اللهُ آدم بألفَي عامٍ ، ثُمَّ ناولَ جِبرائيلُ النبيَّ محمّداً ( صلى الله عليه وآله ) قَدَحاً فيهِ طيبٌ مِن طِيبِ الجنَّةِ ، وَهُوَ يَقولُ : يا حَبيبي يا محمّدُ ، مُر فاطمةَ أن تُدهِنَ رَأسَها وَبَدَنَها مِن هذا الطيبِ .
فَصارت فاطمةُ الزهراءُ ( عليها السلام ) كلَّما مَرَّرَت يَدَها على رأسِها أو بَدنِها شَمَّ أهلُ المدينةِ رائحةَ ذلِكَ الطيبِ .
وكانَت فاطمةُ الزهراءُ ( عليها السلام ) دائماً تَشتَغِلُ بالعبادةِ ، وفي إحدى لَيالي الجُمَعِ وَهيَ مشغولةٌ كانَ وَلَدُها الإمامُ الحسنُ ( عليه السلام ) يُراقِبُها وهيَ في مِحرابِها راكعةٌ ساجدةٌ ، ثُمَّ راحَ يَتأمَّلُها وَهيَ تَدعُو إلى جميعِ النساءِ والرجالِ ، والأطفالِ مِنَ الجيرانِ الذينَ يَسكُنونَ حَولَ بَيتِها الشريفِ ، وَمَضَت ساعاتُ الليلِ شَيئاً فَشَيئاً حتّى بَزَغَ الفَجرُ .
والإمامُ الحسنُ ( عليه السلام ) يَتَأمَّلُ أُمَّهُ فاطمةَ الزهراءَ ( عليها السلام ) وكأنَّهُ يَنتَظِرُ مِنها شَيئاً ، يا تُرى مَاذا كانَ يَنتظِرُ الإمامُ الحسنُ ( عليه السلام ) ؟! .
وحِينَ انتهت فاطمةُ الزهراءُ ( عليها السلام ) من عبادَتِها ودُعائِها بادَرَها الإمامُ الحسنُ ( عليه السلام ) سائلاً : ( لِمَ لَم تَدعِ لِنَفسِكِ يا أمّاهُ كما دعوتِ لغَيرِكِ ؟ ) .
فأجابَت ( عليها السلام ) وَلدَها قائلةً : ( يا بُنيَّ ، الجارُ ثُمَّ الدارُ ) .
هَكذا كانت بَضعَةُ المصطفى ( عليها السلام ) تَهتَمُّ بِأُمورِ المُسلمينَ وتَحرِصُ على طَلَبِ الخَيرِ .