الناصرلدين الله
12-04-2012, 08:39 AM
بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله الطاهرين.
عندما تكون الكتابة عن النصر في فكر الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه، فهذا يعني أنك تكتب عن النصر في فكر رجل إلهي عاش النصر في كل قناعاته وفكره، مواقفه ومبادئه، بل كان النصر حليفه في كل معاركه والساحات، من ساحة الجهاد الأكبر، إلى ساحة الجهاد الأصغر، وإلى كل ساحة صراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، بين الإسلام والكفر، بين الاستضعاف والاستكبار. وشاء اللَّه تعالى لهذا العبد الصالح بأن يكون انتصار ثورته العارمة تتويجاً لمسيرة الانتصارات تلك، ليتحول الإمام العظيم وثورته الرائدة إلى رمزٍ للتحرر والنصر لكل مسلم ومستضعف وحرٍ في هذا العالم، في عصره والعصور الآتية.
ونحن إذا أردنا أن نبحث عن سر النصر في شخصية الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه، فإنا نجد هذا السر متجلياً في ثقافة القيام للَّه، هذه الثقافة التي لازمت الإمام ولازمها في كل مراحل حياته الشريفة فخالطت لحمه ودمه وروحه ومثلت كل نواحي الحياة في الخاص والعام والصغير والكبير واليسير، والخطير بلا فرق فهو المتعلم الذي تعلم للَّه والعالم الذي علّم للَّه والواعظ الذي خطب ووعظ للَّه والثائر الذي قام للَّه والصابر الذي احتسب في اللَّه، والمجاهد الذي ضحى في سبيل اللَّه، ولذلك فإنه كان الرجل الذي لم يخف يوماً في حياته، إذ كيف يخاف من كان كله للَّه، وكان الشخص الذي لم يهزم يوماً في حياته وكيف يهزم من كان كل قيامه للَّه.
وهذه بعض كلماته الهادية تحدثنا عن هذه الثقافة التي لا هزيمة معها بل هي انتصار دائم. يقول(رضوان الله عليه): "القيام للَّه لا هزيمة معه"(1) ويقول: "إننا لا نخاف لأن قيامنا للَّه"(2)، ويقول أيضاً: "إن جميع القوى تتلاشى أمام اللَّه تبارك وتعالى"(3)، وأخيراً يوصينا بالتمسك بهذه الثقافة بقوله: "لتربطوا أنفسكم بمبدأ القدرة الإلهية، ولتوصلوا أرواحكم وهي القطرات بالبحر اللامتناهي"(4).
إن هذا السر في الحقيقة ليس سوى جوهر الإسلام والعقيدة وحقيقة الدين والقرآن، حيث كان المربي والهادي والمرشد هو الإسلام ونبيه الكريم وآل البيت المعصومين(ع) الذين ربى الإمام نفسه في مدرستهم خير تربية، وسار بكل استقامة على خطى نهجهم المنتصر على الدوام حتى في ساعات القتل والشهادة وخذلان الناصر. فها هي دماء الحسين(ع) في كربلاء تنتصر على جلادها لا بل على كل الجلادين في آتي العصور، ليصير انتصار الدم على السيف شعاراً تتغنى به الدهور ومبدأً جهادياً ينطلق منه المستضعفون والمظلومون في كفاحهم المرير ضد الطواغيت والمستكبرين في كل زمان، ويغدو شعار كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء سر الانتصار والعزة على صفحة الزمان وامتداد المكان.
ويبقى القول إن فصول هذا الكتاب ليست إلا محاولة متواضعة من قبل الكاتب لاستجلاء معاني وأبعاد النصر في فكر الإمام رحمهم الله وذلك بالاعتماد على ما أمكن الوصول إليه من كلمات ومواقف الإمام بما سمح به الوقت القصير وأمكنت منه القدرة الضئيلة، وإلا فإن رحابة الفكرة وبُعد القضية وعمق الروح التي تشكلت منها شخصية الإمام المنتصر على الدوام، لا يحيط بها مؤلف أو كلام، وينبيك عن هذه الروح، كلمات للإمام رحمهم الله قالها في ساحة التحدي الصعبة مع أعداء الإنسانية في أوج احتدام الصراع، أحببت أن أختم هذه المقدمة متبركاً بها.
"هيهات أن يسكت الخميني ويهدأ في مقابل اعتداء الأبالسة والمشركين على حريم القرآن وعترة رسول اللَّه وأمة محمد وأتباع إبراهيم الحنيف، أو أن يقف مراقباً لمشهد ذلة وتحقير المسلمين، إني مستعد لأن أقدم دمي وروحي التي ليس لها أي قيمة من أجل أداء واجب الحق وفريضة الدفاع عن المسلمين وأنا بانتظار الفوز العظيم بالشهادة"(1).
"فليطمئن المقتدرون والقوى العظمى إلى أنه لو بقي الخميني وحده وحيداً فإنه سوف يكمل طريقه الذي هو الصراع مع الكفر والظلم وعبادة الأصنام، وبعون اللَّه فإنه سوف يقف إلى جانب تعبئة المستضعفين في العالم الإسلامي، هؤلاء الحفاة الذين يغضبون الدكتاتوريين، ونحن سوف نسلب النوم من أعين ناهبي العالم والعملاء المصرّين على ظلم أنفسهم"(1).
ويقول رحمهم الله في موضع آخر: "إن الخميني اليوم قد فتح صدره وحضنه لتلقي سهام البلاء والحوادث الصعبة، ومقابل كل القذائف وصواريخ الأعداء ومثل كل عشاق الشهادة فإنه من أجل أن يصل إلى الشهادة يعد الأيام"(2).
حقيقة النصر وتجلياته
النصر في المفهوم الإلهي، وكما تعلمنا من الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه هو نفس تحقيق رضا اللَّه تعالى ونيل رضوانه، ولا يتحقق هذا الرضا ولا ينال الرضوان إلا من خلال لزوم أمر اللَّه ودوام طاعته، كما يريد اللَّه ويحب أن يطاع. فالنصر بناءً على هذا الفهم الإلهي لا يتحقق بغير ذلك وإن ظن الكثيرون ظواهر أعمالهم فوزاً ونصراً "قل هل نُنَبّئِكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"(1) فالسعي والعمل والجهاد والصراع الذي ينجر إلى الفوز والنصر فقط وفقط هو السعي المرضي والمقبول من اللَّه تعالى حيث يكون العمل للَّه والجهاد في سبيله والصراع دفاعاً عن الحق لا يحيد عنه أبداً.
وبهذا المقياس للنصر لا تعود القيمة لحجم العمل وعظم ساحة القتال بل للهدف والنية والإخلاص وسلامة المنطلق وطهارة النفس، وإصابة كل ذلك لمواطن الرضا الإلهي. ومع هذه الفلسفة للنصر والتي تشكل جوهر القضية هنا فإن كل عمل يصدر عن الإنسان صغيراً كان أم كبيراً، حقيراً أم خطيراً تكون نتيجته نصراً وفوزاً وربحاً لا خسارة معه ما دام ذلك كله للَّه موافقاً لرضاه، حتى لو أدى ذلك العمل بحسب الظاهر للخسارة أو الهزيمة أو الفشل ومجانبة الأهداف المرجوة. وبالمقابل فإن كل عمل أو فعل مهما كان كبيراً وجليلاً بحسب الظاهر وإن صنف أيضاً بخانة الفوز والنصر وتحقيق الأهداف الكبرى لا يعد كذلك إن لم يكن منطلقه وجه اللَّه ولم يحز على كسب الرضا الإلهي، بل لا بد من تصنيف ذلك في خانة الهزائم والإخفاقات "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً".
بهذه الروحية كان الإمام الخميني واجه كل القضايا والأمور الصغيرة والكبيرة، لتصير القضية لحجم من يعمل من أجله وهو اللَّه تعالى، لا بحجم نفس القضية، وعليه بنظر الإمام قد ينعدم الفارق، لجهة النية والشعور بين عملٍ بحجم إعالة فقير أو إغاثة ملهوف أو حتى تقديم جواب على مسألة شرعية وبين القيام بثورة أو إقامة دولة إسلامية، فالنية واحدة القيام للَّه وللَّه وحده لا شريك له، ومن هذا الفهم والمنطلق يمكن تفسير جواب الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه لذلك الصحافي الذي سأله عن شعوره وهو يطأ بقدميه أرض مطار إيران عائداً بالفتح والظفر وملايين الناس قد هبوا لاستقباله، فكان الجواب لا شيء، لا شيء..! هذه اللاشيء هي ما قصدناه وعنيناه، أي لا شيء غير عادي، إنه مجرد القيام بالتكليف الشرعي طلباً للرضا الإلهي وهذا القيام بالتكليف على المستوى الشعوري كالقيام بأي تكليف آخر صغيراً أم حقيراً بحسب الظاهر، والفارق لا شيء.
هذه هي حقيقة النصر ومعناه وروحه وجوهره بنظر الإسلام المحمدي الأصيل الذي تعلمناه من خط الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه وأما تجليات النصر وإشراقاته فهي كثيرة نعرض لأهمها:
الدوام لأنه من إرادة اللَّه وعدله فهو حقيقة ثابتة لا تبديل لها، ومقابل الحق يأتي الباطل الذي هو سراب ووهم وخيال "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"(1)، ولذلك قيل، إن للباطل جولة وللحق جولات، وقيل أيضاً للباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة، وعليه فإن نتيجة الصراع بين الحق والباطل هو انتصار الحق على الدوام حتى لو قتل أهل الحق وصرعوا من قبل الباطل وأهله في بعض أدوار الزمان.
وبهذا الصدد يخاطب الإمام الخميني الشعب الإيراني المنتصر إبان الثورة الإسلامية الظافرة في إيران عام 1979 بقوله: "الحق منتصر، وما دمنا في طريق الحق فنحن منتصرون، والباطل مهزوم وكل من يسير في طريق الباطل فسوف يكون مهزوماً... لقد كان الحق معكم حينما هتفتم: نحن نريد الإسلام ولا نريد الكفر والشرك ولا الغزاة ولا قول الزور؛ وأولئك كانوا مع الباطل حينما وقفوا بمواجهتكم وأرادوا المحافظة على ذلك النظام كذلك القوى الداخلية والقوى الخارجية والعملاء الداخليون سواء كانوا من أهل القلم والبيان أم كانوا من أهل العمل والحيل والرايات الحربية... ومع ذلك فإن شعبنا بقدرة (اللَّه أكبر)، تغلب على هذه الحيل والرايات الحربية الكبيرة وانتصر، والحق منتصر دائماً"(2).
الثبات على الحق:
من القضايا الهامة والتي تعد شرطاً في تحقق النصر وديمومته هي الثبات على الحق والتمسك به وعدم الحياد عنه، لأن الحياد عن الحق والانحراف عنه هو خروج عن جادة النصر إلى وادي الهزيمة بل تكون الهزيمة هنا أشد لأنها جاءت بعد انتصار، وبعد قيام الحجة بمعرفة الحق والتمسك به ومن ثم تركه والحياد عنه. والثبات على الحق يحتاج للكثير الكثير من العزم والإرادة والإخلاص والوعي والحكمة والتصميم. فطريق الحق هو الطريق المستقيم والجاد الذي لا اعوجاج فيه وهو طريق ذات الشوكة والصراط المستقيم الذي أمر اللَّه تعالى بالسير فيه والتمسك به، والتمسك هنا يحتاج إلى التثبت الشديد مع تجميع كل القوى العقلية والنفسية والجسدية تركيزاً على هذا المسار دون غيره مع بذل التضحيات عندما يتطلب الأمر ذلك، وبهذا يكون الثبات إلى جانب الحق ثباتاً على النصر وسراً من أسراره، يقول الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه: "الشرط الأساسي هو الثبات إلى جانب الحق، يجب أن يجتمع الذين آمنوا بالإسلام وآمنوا بالحق على حقهم، ولا يدعوا أهل الباطل يجتمعوا على باطلهم"(1). وفي كلام الإمام هنا أيضاً إشارة واضحة إلى شرط آخر من شروط الثبات على الحق هو اجتماع المؤمنين بحقهم على كلمتهم وحقهم في دفاعهم عنه، وعدم ترك هذه الميزة لأهل الباطل دونهم، ففرقة أهل الحق عن حقهم وتخليهم عنه يعدُّ هجراً لهذا الحق وبالتالي أخذاً بأسباب الهزيمة وعلو الباطل.
أهل الحق لا يخافون من التهديدات:
وهذه الخاصية من لوازم التمسك بالحق، فأهل الحق هم أهل اللَّه وأهل الإيمان وأهل الآخرة وأهل الجنة وأهل الزهد بالدنيا ودرجاتها ومباهجها لذلك يفترض بهم وهم يحملون هذه الصفات أن لا يخافوا من أهل الباطل ومكرهم وحيلهم وتهديداتهم وأحابيلهم مهما بلغت من المكر والدهاء والخبث والقوة.
وقدوة أهل الحق ونموذجهم الأرقى في التمسك بالحق وعدم التخلي عنه بواسطة الارعاب والتهديد بالقتل هم أبطال كربلاء الذين ثبتوا واستقاموا على الحق ولم يرعبهم كل التهديد والتهويل والحصار إلى أن قضوا عن آخرهم شهداء في طريق الدفاع عن الحق ومناجزة الباطل ويكفي البشرية وأهل الحق درساً في عدم السقوط في فخ الخوف من الإرعاب وترك الحق، كلمة قالها علي بن الحسين(ع) عندما أعلمه والده الحسين(ع) أنه يقتل يوم غد مع باقي أهل بيته والأصحاب فأجاب علي بن الحسين(ع): "ألسنا مع الحق؟ قال الحسين(ع) نعم، فقال علي بن الحسين(ع): إذن لا نخاف أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا".
ونحن عندما نلاحظ شخصية إمامنا الخميني العظيم نجد أنها كانت الشخصية الصلبة كالجبل الراسخ في طريق الحق لا يزلزلها العواصف، وهل هناك شجاعة أعلى من أن يصف الإمام الخميني نفسه بأنه لم يخف يوماً في حياته، وأن جلاديه عندما اعتقلوه وأرادوا به شراً كانوا هم الخائفين وكان هو يخفف من روعهم، إن الاستقامة والثبات على الحق في شخصية إمامنا الخميني رضوان اللَّه عليه من الأمور التي يجب أن تتحول إلى درس هادي لكل أتباع الحق وطالبي الحرية في العالم، وها هي كلمات الإمام الصلبة توصينا بأن لا نخاف مطلقاً من الإرعاب ما دمنا مع الحق يقول رضوان اللَّه عليه: "يجب أن لا نخاف من الحرب والإرعاب أبداً. لماذا نخاف؟ نحن مكلفون ونعمل بتكليفنا ونحن محقون. عندما نكون محقين فلماذا نخاف؟ إنها تلك الكلمة التي قالها علي بن الحسين لوالده بعدما قال له سوف تقتلون: قال ألسنا مع الحق؟ قال نعم نحن على الحق، قال إذن لماذا نخاف؟ لم يعد عندنا خوف"(1).
النصر في ظل الصبر:
الصبر على الصعاب في طريق الحق لهو تجلٍ آخر من تجليات النصر، فلا نصر بلا صبر وتحمل وصمود وعناد، فالنصر لا يأتي بسهولة، وهو ليس هبة للخانعين والضعفاء والمترددين بل هو من تصيب الرجال المؤمنين الذين يصبرون على ما يصيبهم في ذات اللَّه، فالصبر من النصر كالرأس من الجسد، فلا جسد لا راس معه ولا نصر لا صبر معه "فإنّ مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب"(2).
يقول الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه: "إذا أراد الإنسان أن يصل إلى الحق، وإذا أراد أن يطبّق الإسلام الحق في بلدٍ ما، فيجب أن يصبر؛ هكذا كان يصبر أولياء اللَّه سلام اللَّه عليهم في كل المراحل والمصائب والمشاكل، لقد واجه رسول اللَّه كثيراً من المشاكل خلال زمان وجوده الشريف في مكة والمدينة ومن جميع الجهات، فقد كانت المحاصرة الاقتصادية وكانت الهجمات العسكرية التي لم نر نحن مثلها"(1).
ويقول أيضاً: "إنكم على علم بأن تاريخ الإسلام مشحون بهذه المجاهدات والتضحيات والقتل على أيدي الفجار، حتى أن أئمتنا(ع) قد ابتلوا بهذه الأمور ولكن يجب الصبر والتلبس بالمناعة والاستقامة فإن اللَّه مع الصابرين، وقد تغلبنا على هذه القوة الشيطانية الخارقة )الشاه( التي كانت كل القوى تقف وراءها، وليس هذا إلا لأن شعبنا كان متحداً صبوراً وكان يصبر على المشاكل ويحلها بالصبر وبالاتكال على اللَّه تبارك وتعالى"(2).
النصر والمدد الإلهي:
إن من أجمل تجليات النصر هو مظاهر وإرهاصات المدد الإلهي والنصرة المبذولة للعباد الصادقين، فالمجاهدون الصابرون المحتسبون عندما تتحقق منهم الاستقامة في نصرة اللَّه يتنزل عليهم النصر الإلهي ويرون بأعينهم المدد الغيبي والاعجاز الإلهي الذي يترجم هداية لهم وفكراً بأعدائهم وعوناً لجندهم يتنزل من السماء ملائكة ورعباً وحجارة من سجيل، فيكون مشهد النصرة الإلهية هذه أجمل من مشهد النصر عينه لأنه بشارة من السماء على أن هذا النصر هو نصر حقيقي إلهي يستأهل أن يفرح المؤمنون به، ويكون مصداق الآية الشريفة "إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم"(1).
وبهذا الصدد يقول الإمام رضوان اللَّه عليه: "إنَّ مع هذه الأمة حماية غيبية، فأنتم بالحماية الغيبية إنما تسيرون قدماً، وإلا فأنتم بأنفسكم لا تملكون الإمكانيات لذلك،... إن الذي كان بيد أمتنا إنما هو اللَّه أكبر وهو الإيمان، فالإيمان ونداء اللَّه أكبر هو الذي دفعكم إلى الإمام"(2).
ويقول أيضاً: "أولئك الذين لا يهتمون بالمعنويات ألا ينتبهون من سباتهم؟ ألا يؤمنون بهذا الغيب؟ هلاّ يستيقظون! من الذي أسقط هليكوبترات السيد كارتر التي أرادت غزو إيران؟ أنحن الذين أسقطناها؟ الرمال هي التي أسقطتها، لقد كانت الرمال مأمورة من اللَّه، وكانت الريح مأمورة من اللَّه، ليجربوا ثانية
عندما تكون الكتابة عن النصر في فكر الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه، فهذا يعني أنك تكتب عن النصر في فكر رجل إلهي عاش النصر في كل قناعاته وفكره، مواقفه ومبادئه، بل كان النصر حليفه في كل معاركه والساحات، من ساحة الجهاد الأكبر، إلى ساحة الجهاد الأصغر، وإلى كل ساحة صراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، بين الإسلام والكفر، بين الاستضعاف والاستكبار. وشاء اللَّه تعالى لهذا العبد الصالح بأن يكون انتصار ثورته العارمة تتويجاً لمسيرة الانتصارات تلك، ليتحول الإمام العظيم وثورته الرائدة إلى رمزٍ للتحرر والنصر لكل مسلم ومستضعف وحرٍ في هذا العالم، في عصره والعصور الآتية.
ونحن إذا أردنا أن نبحث عن سر النصر في شخصية الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه، فإنا نجد هذا السر متجلياً في ثقافة القيام للَّه، هذه الثقافة التي لازمت الإمام ولازمها في كل مراحل حياته الشريفة فخالطت لحمه ودمه وروحه ومثلت كل نواحي الحياة في الخاص والعام والصغير والكبير واليسير، والخطير بلا فرق فهو المتعلم الذي تعلم للَّه والعالم الذي علّم للَّه والواعظ الذي خطب ووعظ للَّه والثائر الذي قام للَّه والصابر الذي احتسب في اللَّه، والمجاهد الذي ضحى في سبيل اللَّه، ولذلك فإنه كان الرجل الذي لم يخف يوماً في حياته، إذ كيف يخاف من كان كله للَّه، وكان الشخص الذي لم يهزم يوماً في حياته وكيف يهزم من كان كل قيامه للَّه.
وهذه بعض كلماته الهادية تحدثنا عن هذه الثقافة التي لا هزيمة معها بل هي انتصار دائم. يقول(رضوان الله عليه): "القيام للَّه لا هزيمة معه"(1) ويقول: "إننا لا نخاف لأن قيامنا للَّه"(2)، ويقول أيضاً: "إن جميع القوى تتلاشى أمام اللَّه تبارك وتعالى"(3)، وأخيراً يوصينا بالتمسك بهذه الثقافة بقوله: "لتربطوا أنفسكم بمبدأ القدرة الإلهية، ولتوصلوا أرواحكم وهي القطرات بالبحر اللامتناهي"(4).
إن هذا السر في الحقيقة ليس سوى جوهر الإسلام والعقيدة وحقيقة الدين والقرآن، حيث كان المربي والهادي والمرشد هو الإسلام ونبيه الكريم وآل البيت المعصومين(ع) الذين ربى الإمام نفسه في مدرستهم خير تربية، وسار بكل استقامة على خطى نهجهم المنتصر على الدوام حتى في ساعات القتل والشهادة وخذلان الناصر. فها هي دماء الحسين(ع) في كربلاء تنتصر على جلادها لا بل على كل الجلادين في آتي العصور، ليصير انتصار الدم على السيف شعاراً تتغنى به الدهور ومبدأً جهادياً ينطلق منه المستضعفون والمظلومون في كفاحهم المرير ضد الطواغيت والمستكبرين في كل زمان، ويغدو شعار كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء سر الانتصار والعزة على صفحة الزمان وامتداد المكان.
ويبقى القول إن فصول هذا الكتاب ليست إلا محاولة متواضعة من قبل الكاتب لاستجلاء معاني وأبعاد النصر في فكر الإمام رحمهم الله وذلك بالاعتماد على ما أمكن الوصول إليه من كلمات ومواقف الإمام بما سمح به الوقت القصير وأمكنت منه القدرة الضئيلة، وإلا فإن رحابة الفكرة وبُعد القضية وعمق الروح التي تشكلت منها شخصية الإمام المنتصر على الدوام، لا يحيط بها مؤلف أو كلام، وينبيك عن هذه الروح، كلمات للإمام رحمهم الله قالها في ساحة التحدي الصعبة مع أعداء الإنسانية في أوج احتدام الصراع، أحببت أن أختم هذه المقدمة متبركاً بها.
"هيهات أن يسكت الخميني ويهدأ في مقابل اعتداء الأبالسة والمشركين على حريم القرآن وعترة رسول اللَّه وأمة محمد وأتباع إبراهيم الحنيف، أو أن يقف مراقباً لمشهد ذلة وتحقير المسلمين، إني مستعد لأن أقدم دمي وروحي التي ليس لها أي قيمة من أجل أداء واجب الحق وفريضة الدفاع عن المسلمين وأنا بانتظار الفوز العظيم بالشهادة"(1).
"فليطمئن المقتدرون والقوى العظمى إلى أنه لو بقي الخميني وحده وحيداً فإنه سوف يكمل طريقه الذي هو الصراع مع الكفر والظلم وعبادة الأصنام، وبعون اللَّه فإنه سوف يقف إلى جانب تعبئة المستضعفين في العالم الإسلامي، هؤلاء الحفاة الذين يغضبون الدكتاتوريين، ونحن سوف نسلب النوم من أعين ناهبي العالم والعملاء المصرّين على ظلم أنفسهم"(1).
ويقول رحمهم الله في موضع آخر: "إن الخميني اليوم قد فتح صدره وحضنه لتلقي سهام البلاء والحوادث الصعبة، ومقابل كل القذائف وصواريخ الأعداء ومثل كل عشاق الشهادة فإنه من أجل أن يصل إلى الشهادة يعد الأيام"(2).
حقيقة النصر وتجلياته
النصر في المفهوم الإلهي، وكما تعلمنا من الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه هو نفس تحقيق رضا اللَّه تعالى ونيل رضوانه، ولا يتحقق هذا الرضا ولا ينال الرضوان إلا من خلال لزوم أمر اللَّه ودوام طاعته، كما يريد اللَّه ويحب أن يطاع. فالنصر بناءً على هذا الفهم الإلهي لا يتحقق بغير ذلك وإن ظن الكثيرون ظواهر أعمالهم فوزاً ونصراً "قل هل نُنَبّئِكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً"(1) فالسعي والعمل والجهاد والصراع الذي ينجر إلى الفوز والنصر فقط وفقط هو السعي المرضي والمقبول من اللَّه تعالى حيث يكون العمل للَّه والجهاد في سبيله والصراع دفاعاً عن الحق لا يحيد عنه أبداً.
وبهذا المقياس للنصر لا تعود القيمة لحجم العمل وعظم ساحة القتال بل للهدف والنية والإخلاص وسلامة المنطلق وطهارة النفس، وإصابة كل ذلك لمواطن الرضا الإلهي. ومع هذه الفلسفة للنصر والتي تشكل جوهر القضية هنا فإن كل عمل يصدر عن الإنسان صغيراً كان أم كبيراً، حقيراً أم خطيراً تكون نتيجته نصراً وفوزاً وربحاً لا خسارة معه ما دام ذلك كله للَّه موافقاً لرضاه، حتى لو أدى ذلك العمل بحسب الظاهر للخسارة أو الهزيمة أو الفشل ومجانبة الأهداف المرجوة. وبالمقابل فإن كل عمل أو فعل مهما كان كبيراً وجليلاً بحسب الظاهر وإن صنف أيضاً بخانة الفوز والنصر وتحقيق الأهداف الكبرى لا يعد كذلك إن لم يكن منطلقه وجه اللَّه ولم يحز على كسب الرضا الإلهي، بل لا بد من تصنيف ذلك في خانة الهزائم والإخفاقات "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً".
بهذه الروحية كان الإمام الخميني واجه كل القضايا والأمور الصغيرة والكبيرة، لتصير القضية لحجم من يعمل من أجله وهو اللَّه تعالى، لا بحجم نفس القضية، وعليه بنظر الإمام قد ينعدم الفارق، لجهة النية والشعور بين عملٍ بحجم إعالة فقير أو إغاثة ملهوف أو حتى تقديم جواب على مسألة شرعية وبين القيام بثورة أو إقامة دولة إسلامية، فالنية واحدة القيام للَّه وللَّه وحده لا شريك له، ومن هذا الفهم والمنطلق يمكن تفسير جواب الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه لذلك الصحافي الذي سأله عن شعوره وهو يطأ بقدميه أرض مطار إيران عائداً بالفتح والظفر وملايين الناس قد هبوا لاستقباله، فكان الجواب لا شيء، لا شيء..! هذه اللاشيء هي ما قصدناه وعنيناه، أي لا شيء غير عادي، إنه مجرد القيام بالتكليف الشرعي طلباً للرضا الإلهي وهذا القيام بالتكليف على المستوى الشعوري كالقيام بأي تكليف آخر صغيراً أم حقيراً بحسب الظاهر، والفارق لا شيء.
هذه هي حقيقة النصر ومعناه وروحه وجوهره بنظر الإسلام المحمدي الأصيل الذي تعلمناه من خط الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه وأما تجليات النصر وإشراقاته فهي كثيرة نعرض لأهمها:
الدوام لأنه من إرادة اللَّه وعدله فهو حقيقة ثابتة لا تبديل لها، ومقابل الحق يأتي الباطل الذي هو سراب ووهم وخيال "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"(1)، ولذلك قيل، إن للباطل جولة وللحق جولات، وقيل أيضاً للباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة، وعليه فإن نتيجة الصراع بين الحق والباطل هو انتصار الحق على الدوام حتى لو قتل أهل الحق وصرعوا من قبل الباطل وأهله في بعض أدوار الزمان.
وبهذا الصدد يخاطب الإمام الخميني الشعب الإيراني المنتصر إبان الثورة الإسلامية الظافرة في إيران عام 1979 بقوله: "الحق منتصر، وما دمنا في طريق الحق فنحن منتصرون، والباطل مهزوم وكل من يسير في طريق الباطل فسوف يكون مهزوماً... لقد كان الحق معكم حينما هتفتم: نحن نريد الإسلام ولا نريد الكفر والشرك ولا الغزاة ولا قول الزور؛ وأولئك كانوا مع الباطل حينما وقفوا بمواجهتكم وأرادوا المحافظة على ذلك النظام كذلك القوى الداخلية والقوى الخارجية والعملاء الداخليون سواء كانوا من أهل القلم والبيان أم كانوا من أهل العمل والحيل والرايات الحربية... ومع ذلك فإن شعبنا بقدرة (اللَّه أكبر)، تغلب على هذه الحيل والرايات الحربية الكبيرة وانتصر، والحق منتصر دائماً"(2).
الثبات على الحق:
من القضايا الهامة والتي تعد شرطاً في تحقق النصر وديمومته هي الثبات على الحق والتمسك به وعدم الحياد عنه، لأن الحياد عن الحق والانحراف عنه هو خروج عن جادة النصر إلى وادي الهزيمة بل تكون الهزيمة هنا أشد لأنها جاءت بعد انتصار، وبعد قيام الحجة بمعرفة الحق والتمسك به ومن ثم تركه والحياد عنه. والثبات على الحق يحتاج للكثير الكثير من العزم والإرادة والإخلاص والوعي والحكمة والتصميم. فطريق الحق هو الطريق المستقيم والجاد الذي لا اعوجاج فيه وهو طريق ذات الشوكة والصراط المستقيم الذي أمر اللَّه تعالى بالسير فيه والتمسك به، والتمسك هنا يحتاج إلى التثبت الشديد مع تجميع كل القوى العقلية والنفسية والجسدية تركيزاً على هذا المسار دون غيره مع بذل التضحيات عندما يتطلب الأمر ذلك، وبهذا يكون الثبات إلى جانب الحق ثباتاً على النصر وسراً من أسراره، يقول الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه: "الشرط الأساسي هو الثبات إلى جانب الحق، يجب أن يجتمع الذين آمنوا بالإسلام وآمنوا بالحق على حقهم، ولا يدعوا أهل الباطل يجتمعوا على باطلهم"(1). وفي كلام الإمام هنا أيضاً إشارة واضحة إلى شرط آخر من شروط الثبات على الحق هو اجتماع المؤمنين بحقهم على كلمتهم وحقهم في دفاعهم عنه، وعدم ترك هذه الميزة لأهل الباطل دونهم، ففرقة أهل الحق عن حقهم وتخليهم عنه يعدُّ هجراً لهذا الحق وبالتالي أخذاً بأسباب الهزيمة وعلو الباطل.
أهل الحق لا يخافون من التهديدات:
وهذه الخاصية من لوازم التمسك بالحق، فأهل الحق هم أهل اللَّه وأهل الإيمان وأهل الآخرة وأهل الجنة وأهل الزهد بالدنيا ودرجاتها ومباهجها لذلك يفترض بهم وهم يحملون هذه الصفات أن لا يخافوا من أهل الباطل ومكرهم وحيلهم وتهديداتهم وأحابيلهم مهما بلغت من المكر والدهاء والخبث والقوة.
وقدوة أهل الحق ونموذجهم الأرقى في التمسك بالحق وعدم التخلي عنه بواسطة الارعاب والتهديد بالقتل هم أبطال كربلاء الذين ثبتوا واستقاموا على الحق ولم يرعبهم كل التهديد والتهويل والحصار إلى أن قضوا عن آخرهم شهداء في طريق الدفاع عن الحق ومناجزة الباطل ويكفي البشرية وأهل الحق درساً في عدم السقوط في فخ الخوف من الإرعاب وترك الحق، كلمة قالها علي بن الحسين(ع) عندما أعلمه والده الحسين(ع) أنه يقتل يوم غد مع باقي أهل بيته والأصحاب فأجاب علي بن الحسين(ع): "ألسنا مع الحق؟ قال الحسين(ع) نعم، فقال علي بن الحسين(ع): إذن لا نخاف أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا".
ونحن عندما نلاحظ شخصية إمامنا الخميني العظيم نجد أنها كانت الشخصية الصلبة كالجبل الراسخ في طريق الحق لا يزلزلها العواصف، وهل هناك شجاعة أعلى من أن يصف الإمام الخميني نفسه بأنه لم يخف يوماً في حياته، وأن جلاديه عندما اعتقلوه وأرادوا به شراً كانوا هم الخائفين وكان هو يخفف من روعهم، إن الاستقامة والثبات على الحق في شخصية إمامنا الخميني رضوان اللَّه عليه من الأمور التي يجب أن تتحول إلى درس هادي لكل أتباع الحق وطالبي الحرية في العالم، وها هي كلمات الإمام الصلبة توصينا بأن لا نخاف مطلقاً من الإرعاب ما دمنا مع الحق يقول رضوان اللَّه عليه: "يجب أن لا نخاف من الحرب والإرعاب أبداً. لماذا نخاف؟ نحن مكلفون ونعمل بتكليفنا ونحن محقون. عندما نكون محقين فلماذا نخاف؟ إنها تلك الكلمة التي قالها علي بن الحسين لوالده بعدما قال له سوف تقتلون: قال ألسنا مع الحق؟ قال نعم نحن على الحق، قال إذن لماذا نخاف؟ لم يعد عندنا خوف"(1).
النصر في ظل الصبر:
الصبر على الصعاب في طريق الحق لهو تجلٍ آخر من تجليات النصر، فلا نصر بلا صبر وتحمل وصمود وعناد، فالنصر لا يأتي بسهولة، وهو ليس هبة للخانعين والضعفاء والمترددين بل هو من تصيب الرجال المؤمنين الذين يصبرون على ما يصيبهم في ذات اللَّه، فالصبر من النصر كالرأس من الجسد، فلا جسد لا راس معه ولا نصر لا صبر معه "فإنّ مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب"(2).
يقول الإمام الخميني رضوان اللَّه تعالى عليه: "إذا أراد الإنسان أن يصل إلى الحق، وإذا أراد أن يطبّق الإسلام الحق في بلدٍ ما، فيجب أن يصبر؛ هكذا كان يصبر أولياء اللَّه سلام اللَّه عليهم في كل المراحل والمصائب والمشاكل، لقد واجه رسول اللَّه كثيراً من المشاكل خلال زمان وجوده الشريف في مكة والمدينة ومن جميع الجهات، فقد كانت المحاصرة الاقتصادية وكانت الهجمات العسكرية التي لم نر نحن مثلها"(1).
ويقول أيضاً: "إنكم على علم بأن تاريخ الإسلام مشحون بهذه المجاهدات والتضحيات والقتل على أيدي الفجار، حتى أن أئمتنا(ع) قد ابتلوا بهذه الأمور ولكن يجب الصبر والتلبس بالمناعة والاستقامة فإن اللَّه مع الصابرين، وقد تغلبنا على هذه القوة الشيطانية الخارقة )الشاه( التي كانت كل القوى تقف وراءها، وليس هذا إلا لأن شعبنا كان متحداً صبوراً وكان يصبر على المشاكل ويحلها بالصبر وبالاتكال على اللَّه تبارك وتعالى"(2).
النصر والمدد الإلهي:
إن من أجمل تجليات النصر هو مظاهر وإرهاصات المدد الإلهي والنصرة المبذولة للعباد الصادقين، فالمجاهدون الصابرون المحتسبون عندما تتحقق منهم الاستقامة في نصرة اللَّه يتنزل عليهم النصر الإلهي ويرون بأعينهم المدد الغيبي والاعجاز الإلهي الذي يترجم هداية لهم وفكراً بأعدائهم وعوناً لجندهم يتنزل من السماء ملائكة ورعباً وحجارة من سجيل، فيكون مشهد النصرة الإلهية هذه أجمل من مشهد النصر عينه لأنه بشارة من السماء على أن هذا النصر هو نصر حقيقي إلهي يستأهل أن يفرح المؤمنون به، ويكون مصداق الآية الشريفة "إن تنصروا اللَّه ينصركم ويثبت أقدامكم"(1).
وبهذا الصدد يقول الإمام رضوان اللَّه عليه: "إنَّ مع هذه الأمة حماية غيبية، فأنتم بالحماية الغيبية إنما تسيرون قدماً، وإلا فأنتم بأنفسكم لا تملكون الإمكانيات لذلك،... إن الذي كان بيد أمتنا إنما هو اللَّه أكبر وهو الإيمان، فالإيمان ونداء اللَّه أكبر هو الذي دفعكم إلى الإمام"(2).
ويقول أيضاً: "أولئك الذين لا يهتمون بالمعنويات ألا ينتبهون من سباتهم؟ ألا يؤمنون بهذا الغيب؟ هلاّ يستيقظون! من الذي أسقط هليكوبترات السيد كارتر التي أرادت غزو إيران؟ أنحن الذين أسقطناها؟ الرمال هي التي أسقطتها، لقد كانت الرمال مأمورة من اللَّه، وكانت الريح مأمورة من اللَّه، ليجربوا ثانية