المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هوية التشيع


Dr.Zahra
20-08-2007, 02:42 AM
http://7bna.com/up/uploads/be0e992736.gif
اللهم صل على صاحب الدعوه المحمديه والشجاعه الحيدريه والصلابه الحسنيه والأستقامه الحسينيه والعباده السجاديه والماثر الباقريه والاثار الجعفريه والعلوم الكاظميه والحجج الرضويه والفضائل الجواديه والانوار الهاديه والهيبه العسكريه والحجه الالهيه
http://7bna.com/up/uploads/be0e992736.gif
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 3 :

مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأطهار وصحبه الأبرار ومن تبعهم بإحسان وبعد : لقد كان لهذا الكتيب على وجازته صدى استحسان في نفوس القراء وذلك للمنهج الذي اختطه هذا الكتاب أكثر منه للكتاب نفسه
لوضوح أن مضمون الكتاب ليس من الضخامة بحيث يشكل رقما فريدا بل هو بضعة وريقات ربما أحسن فيها التعبير وحسن الاختيار والالتفات لمواطن ذات وقع خاص بالنفوس ذلك مضافا للمنهج ، وكان من المؤشرات على إقبال القراء عليه نفاذ نسخ الطبعة سريعا مع أننا لم ننوه عنه في صحيفة أو دعاية بل طرح في السوق بصورة عادية .

إن هذه الظاهرة تشجعنا على الكتابة في أمثال هذا الموضوع مما هو محل أخذ ورد بين فرق المسلمين لا لزيادة الركام بل لصهره حتى يذوب على أن يكون من وراء الكتابة في هذه المواضيع روح مؤمن ينشد وجه الله تعالى ويتوخى إزالة الضباب
عن طريق المعالم المشتركة بين المسلمين في مختلف أبعاد الحضارة الإسلامية مما هو في حكم شرعي أو عقيدة إسلامية أو تاريخ مسلم ، ولعل من نافلة القول أن ننوه بأن ثمرات الأقلام النظيفة من الوسائل الناجعة لخدمة المسلمين ومن الطرق الصحيحة لتفاهم المسلمين .
هذا بالإضافة إلى أن ذلك يقطع الطريق على الأقلام المأجورة التي ترتزق
يتبع

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:43 AM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 4 :



بإشعال النار وبث الألغام في المجتمع المسلم مما نراه عند كثير من المأجورين بين آونة وأخرى حيث يزيد ذلك من قناعتنا بأن وراء ذلك أصابع تقليدية ما برحت تمارس لعبتها الخبيثة كلما سنحت لها الفرص .

وأكرر ما سبق أن أشرت إليه في الطبعة الأولى عن وجود شئ من التشنج في التعبير مما قد يعتبر كاشفا عن ضغن أو حقد - معاذ الله - في حين لا يعدو أن يكون غضبة إيمانية من روح حساس إزاء كل ما يمس وحدة المسلمين وقد يبرره تصور بفاعلية هذا الأسلوب عن غيره .

ولما كان الكمال لله وحده والإنسان محل النقص كانت محاولة الازدياد في التكامل من الأمور المحبوبة . ومن هذا المنطلق قمت بشئ من التهذيب والإضافات التي أراها متممة لمواضيع الكتاب . وأملي بالقارئ الكريم أن يرى في الكتاب صورة من
صور النقد الموضوعي البناء . وصرخة في وجه بعض هواة الشتائم الذين ينبزون غيرهم بأمر هو عندهم قبل كونه عند خصومهم ولكن الهوى يعمي ويصم . وما أروع ما قيل من أن شخصا قيل له : لماذا تبدلون حرف الذال بالزاء والقاف
بالغين في نطقكم ؟ فقال : كلا ( نحن لا نغول ذلك ) وفي نهاية هذه السطور أدعو القارئ الكريم أن يوجهني بالتنبيه على ما في الكتاب من عيب أو شطحات فالمؤمن مرآة المؤمن . هدانا الله لما يحب ويرضى والحمد لله أولا وآخرا .

يتبع

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:43 AM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 5 :

مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين وبعد : هناك أمور لا غنى لقارئ هذا الكتاب عن الإلمام بها قبل الدخول في صلب الموضوع لأنها تتضمن الإجابة لما قد يعن للقارئ من سؤال خلال قراءته للكتاب كما أنها ستجعل القارئ يفهم الكتاب في حدود عناوينه لئلا يكبر العنوان على المعنون أو العكس .
وتتلخص هذه الأمور في الآتي :
1 - قد يتبادر إلى ذهن القارئ من عنوان الكتاب - هوية التشيع - أن الكتاب سيبحث كل ما للتشيع من سمات وخواص سواء كانت من المقومات أو من السمات التي أضيفت إليه . ولكي أبعد القارئ عن هذا التصور : ألفت نظره إلى أني لم أستوعب
كل ما للتشيع من نعوت وصفات إنما تعرضت هنا لأمور تكفي لإيضاح هوية التشيع وفي الوقت ذاته يدور حولها نزاع بين مختلف الفرق الإسلامية من جانب وبين الإمامية من فرق المسلمين وما يزال الجدل يحتدم حولها برغم ما كتب حولها وبرغم إشباعها بالبحث منذ أزمنة طويلة وهي تتناول من التشيع جوانب عرقية وجوانب فكرية .

2 - وعلى وجه القطع هناك كثيرون كتبوا في موضوع الشيعة والتشيع كتبا أكثر عمقا وأوفى استيعابا وأطول نفسا مما كتب هنا ولكني أتصور أني عالجتها هنا بنمط وأسلوب يختلف عن الأنماط الأخرى ، ولست أريد أن أفضل هذا النمط
يتبع

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:44 AM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 6 :

الذي اخترته على الأنماط الأخرى ولكني أعتقد أنه أوصل إلى نفس القارئ من غيره فإن كان ذلك هو الواقع فهو المطلوب وإلا فلست بأول من اجتهد وأخطأ وما أكثرهم على امتداد تاريخنا .

3 - وسيجد القارئ في ثنايا هذا الكتاب بعض الالتهابات التي سببتها الجروح المزمنة في تاريخ المسلمين وسيجد ما يتبع الالتهابات من ألم وتشنج مما هو ظاهرة طبعية لا طبيعية يسببها إفلات الزمام أحيانا بالرغم من ترويض الأعصاب وقسرها
على التحمل ، وكل من مارس الكتابة في أمثال هذه المواضيع يعلم مقدار الحرج والمشقة في ضبط الأعصاب هنا لما يرى - ومع الأسف الشديد - من مناولات بين فرق المسلمين فيها كثير من عدم الموضوعية وفقدان الشعور بمسؤولية الكلمة
وأهميتها الأمر الذي تكون معه على مر الأيام خزين وركام من التركة الخطرة والوباء الأسود الذي يعمد بين الآونة والأخرى جماعة ممن هم ليسوا ببعيدين عن الشبهات إلى إثارته والاصطياد خلال أجوائه المظلمة وسوف يبقى هذا الوضع خطرا
ما دام هذا الركام موجودا على متناول أيدينا دون أن نعمل على تصفيته وتسليط الأضواء على وتعريته تعرية كاملة لنصل إلى رأي في وجود وآثاره .
وأعود لأقول إن ضبط الأعصاب في مثل هذا الموقف أمر ليس بالهين بداهة إن الإنسان مسير بأموره النفسية أكثر مما هو مسير بأموره العقلية إلا من عصمه الخلق وهذبه الدين والله المسؤول أن يجعلنا منهم .

4 - وقد يقول قائل : إنه مع ما ذكرت آنفا فما هي جدوى الكتابة في أمثال هذه المواضيع ؟ ونحن نجد إصرارا عجيبا على طرحها كل مرة كما هي كأنها لم تعالج ولم يكثر حولها الأخذ والرد ولم تحصل الإجابة على مضامينها في أكثر من مورد ومورد .
إن هذه الوضعية تكاد تجعل الإنسان يقتنع بعدم جدوى علاج أمثال هذه الأمور والحريص على الوقت من أن يهدر في أمثال هذه الميادين ، وللإجابة على ذلك أقول : إن افتراض أن الباب موصد في وجه

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 7 :

الإصلاح هو انهزامية أمام التحدي . وما كانت الفتوح في أي ميدان إلا مقابلة التحدي بمثله .
إن الباحثين عن الواقع لم يخل منهم عصر من العصور ، وإن الذين غلبت عليهم شبهات تاهوا فيها ليسوا بالقليلين وترك أمثال هذين بدون التعاون معهما أمر ليس مما يستسيغه من يحمل ورسالة في دفع الحياة إلى الأفضل كما أنه ليس من الدين في
شئ .
إن تمكين الأقلام المشبوهة من نفوس المسلمين وأفكارهم لتتخذ منها فرائس هو إسهام بشكل وآخر مع تلك الأقلام فيما
تجترحه من آثام ، إننا مدعوون لكنس هذا الركام عن طريق المسلمين حتى يكون الدرب سمحا لا حبا أمام خطاهم ، وكل
نتائج تحرز في هذا الميدان هي فتح وانسجام مع دعوة الإسلام للجهاد بالقلم والفكر وليس من المنطق في شئ أن نترك المريض يصارع الداء بدون أن نعطيه جرعة دواء ونحن نملك القدرة فيما نظن على ذلك ، وكم من إنسان عاش دهرا طويلا
فريسة لعجز أو عصبية ثم رجع إلى الموضوعية نتيجة إلحاح الأقلام على تنقية الأجواء خصوصا إذا استطاعت الأقلام أن تسافر بنا عبر دنيانا إلى فجرنا الأصيل الذي شع بالتسامح ورفت فيه نسائم من نقاء الروح وطهر الضمير وطبعت الحياة فيه على مزاج الإسلام الطهور .

5 - ومما يهون الخطب أن مواطن الخلاف بين فرق المسلمين منذ كانت لم تصل إلى الأصول وإنما هي في نطاق الفروع وإن حاول كثير منهم أن يوصلها إلى الأصول عن طريق عناوين ثانوية ولوازم تحاول الدخول من أبواب خلفية ، لكنها
وبشئ من التأمل والتحليل ترتد عن الأصول إلى الفروع وما دام الإسلام في روحه الكريمة يفترض الصحة في فعل المسلم ابتداءا فعلينا معالجة هذه الأمور بوحي من هذا الروح ، وما دامت العقول متفاوتة والمدارك مختلفة فمن المنطق أن نقول إن
الاختلاف في مسائل الفكر سنة الكون وسجية النفوس وخاصة العقول وإنما يحمل على نسيان هذه الحقائق الأفق الضيق والعصبية الرعناء والتسرع في الاندفاع وما أجدرنا بالابتعاد عنها .

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 8 :

6 - ولما كانت مواضيع الكتاب ومسائله مختلفة فسوف لا يجد القارئ وحدة في الموضوع وتبعا لذلك فسيختلف أسلوب المعالجة ونمط التناول والمزاج الذي يمليه الموقف ، مع إدراكنا أن هذه المسائل يجمعها عنوان العقائد ولكن أجزاء هذا
العنوان متنوعة ، ونحن ندرك أن تسمية كثير مما يحمله الإنسان المسلم وينتحله عقيدة فيه كثير من التجوز ، فقد لا يعتقد ولا يدين بما يحمله من أفكار أحيانا وإنما هو مجرد شعار تمليه مصلحة أو تحتمه عصبية أو تفرضه تقاليد درج عليها الإنسان ،
وهذا هو سر تمسك بعض الناس بأفكار يعلم بطلانها سلفا ولكنه التمذهب الإيديولوجي الناتج من مختلف الأسباب والذي هو من مصائبنا التي نرجو أن يعافينا الله منها .

7 - وكل الذي أرجوه من القارئ أن لا يسمي بعض معالجات هذا الكتاب دعوة للطائفية عن طريق الدعوة إلى ترك الطائفية مما هو من قبيل المصادرة على المطلوب . ذلك لأن منطق المقارعة أحيانا من طرق تصحيح المسار فإن مبضع الجراح لا
يريد الانتقام وإن سبب ألما ، وإن وضع السيف أمام السيف قد لا يكون دعوة إلى القتال بل دعوة إلى تركه وإن الحمل على شرب الدواء ليس عن بغض وإن كان الدواء مرا ، وستبقى الأهداف دائما وراء الأعمال تحدد هوياتها وتشكل مبررا لما قد
يكون في وسائلها من قسوة شريطة أن لا تنزل الوسائل إلى المستويات الملوثة وما دام الهدف كبيرا فسوف تستساغ بعض الوسائل في حالات كثيرة كما يمليها العقل ويقرها الواقع .

8 - وبعد ذلك كله فإني ومن منطلق كوني إماميا أدعو كل قارئ أن يتلبس الأدوار التي مرت بالشيعة والظروف والملابسات
التي اكتنفتهم وجودا واستمرارا ثم يتصور ما تفرزه تلك الحالات من مظاهر سلوكية حتى تكون معيارا بين يديه يفسر خلال
أجوائها المعاشة كثيرا من مظاهر السلوك الفكري والاجتماعي عند الشيعة وبذلك يبتعد عن الشطط في الحكم عليهم ، فإذا رآهم يشددون على فكرة التقية فليعلم أنهم لم يخرجوا بها عن نطاق واقع مر
يتبع

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:45 AM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 9 :

تكيفوا معه ضمن مقاييس الشرع ، وإذا رأى أن ردود الفعل عند بعضهم في بعض المواقف عنيفة فلا ينسى عنف الفعل ذاته وهكذا ليكن الإنسان نفسه مقياسا للآخرين وميزانا يزن به سلوك غيره .

9 - أضمن هذه الوريقات دعوة إلى كل فرق المسلمين أن يدرسوا بعضهم البعض بروح عملية وأن يتبينوا هذه الخلفيات المشبوهة التي لعبت دورا كبيرا وما زالت في تمزيق المسلمين ثم ليقيموا نتائج هذا الوضع ليروا من هو الذي يقطف الثمار
من وراء هذا الوضع وبعد ذلك كله نحن مدعوون إلى وضع التاريخ في ساحة الإتهام وبالحروف كبيرة لنحاكمه وننتهي إلى التخلص من كثير من مآسيه التي نعيشها فالتاريخ فاعل في داخلنا وإن بعد العهد بيننا وبين مواده ومكوناته .

نسأل الله تعالى العون على مسيرتنا في درب الحياة الوعر وإضاءة طريقنا بنور منه والحمد لله أولا وآخرا .
يتبع

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:47 AM
التشيع لغة
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 11

تمهيد
التشيع لغة : هو المشايعة أي المتابعة والمناصرة والموالاة ( 1 ) .
فالشيعة بالمعنى اللغوي هم الأتباع والأنصار وقد غلب هذا الإسم على أتباع علي عليه السلام حتى اختص بهم وأصبح إذا أطلق ينصرف إليهم .
وبهذا المعنى اللغوي استعمل القرآن الكريم لفظة الشيعة كما في قوله تعالى : * ( وإن من شيعته لإبراهيم ) * 83 الصافات وكقوله تعالى : * ( هذا من شيعته وهذا من عدوه ) * 15 القصص .

التشيع إصطلاحا : هو : الإعتقاد بآراء وأفكار معينة وقد اختلف الباحثون في هذه الأفكار والآراء كثرة وقلة وسيمر علينا ذلك مفصلا فالتشيع بالمعنى الثاني أعم منه بالمعنى الأول : وبينهما من النسب عموم وخصوص مطلقا والعموم في جانب التشيع بالمعنى الثاني لشموله لكل منهما .
وانطلاقا من كون التشيع اعتقادا بآراء معينة ذهب العلماء والباحثون تبعا لذلك إلى تعريفه على اختلاف بينهم في سعة مدى هذه التعاريف وضيقه وإليك نماذج من تعريفاتهم :


* ( هامش ) *
( 1 ) صحاح الجوهري ج3 ص 156 ، وتاج العروس ولسان العرب مادة شيع . ( * )


- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 12

1 - الشهيد الثاني في كتابه شرح اللمعة قال : " والشيعة من شايع عليا - أي اتبعه وقدمه على غيره في الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة ، فيدخل فيهم الإمامية والجارودية من الزيدية والإسماعيلية غير الملاحدة منهم والواقفية والفطحية " ( 1 ) .

2 - الشيخ المفيد في كتاب الموسوعة كما نقله عنه المؤلف قال : " الشيعة هم من شايع عليا وقدمه على أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله واعتقد أنه الإمام بوصية من رسول الله أو بإرادة من الله تعالى نصا كما يرى الإمامية أو وصفا كما يرى الجارودية " . وقد نقل هذا المضمون نفسه كامل مصطفى الشيبي في كتابه الصلة ( 2 ) .

3 - الشهرستاني في الملل والنحل قال : " الشيعة هم الذين شايعوا عليا وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصاية أما جليا وأما خفيا واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده " ( 3 ) .

4 - النوبختي في كتابه الفرق قال : " الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمن النبي ومن وافق مودته مودة علي " ( 4 ) .

5 - محمد فريد وجدي في كتابه دائرة معارف القرن العشرين قال : " والشيعة هم الذين شايعوا عليا في إمامته واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عن أولاده ويقولون بعصمة الأئمة من الكبائر والصغائر والقول بالتولي والتبري

* ( هامش ) *
( 1 ) شرح اللمعة ج2 ص 228 . ( 2 ) موسوعة العتبات المقدسة المدخل ص 91 .
( 3 ) الملل والنحل ص 107 . ( 4 ) فرق الشيعة . ( * )


- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 13

قولا وفعلا إلا في حال التقية إذا خافوا بطش ظالم " ( 1 ) .

هذه النماذج من التعريفات إنما قدمتها لنعرف ما هي مقومات التشيع في نظر الباحثين ، وقد تبين من بعضها : الإقتصار على وصف الشيعة بأنهم يقدمون عليا على غيره لوجود نصوص في ذلك أو وجود صفات اختص بها ولم تتوفر لغيره والواضح
من ذلك أن جوهر التشيع هو الالتزام بإمامة علي وولده وتقديمه على غيره لوجود نصوص عندهم في ذلك وينتج من ذلك الالتزام بأمرين :
الأول : بما أن الإمامة وليدة النصوص فهي امتداد للنبوة يترتب عليها ما يترتب على النبوة من لوازم عدى الوحي فإن نزوله مختص بالأنبياء .
والثاني : أن الإمامة لا تتم بالانتخاب والاختيار وإنما بالتعيين من الله تعالى فهو الذي ينص على الإمام عن طريق النبي ، وإنما يختاره لتوفر مؤهلات عنده لا توجد عند غيره .
أما الزيادة على ما ذكرناه والتي وردت في التعريفات التي نقلناها والتي قد توجد في كتب الشيعة الأخرى فهي مستفادة من أخبار وهي أعم من كونها من أصول المذهب أو من أصول الإسلام كما سنرى ذلك فيما يأتي أن الغرض من هذه الإشارة
هو إلقاء الضوء على نقطة يؤكد عليها الباحثون عند استعراضهم لذكر الشيعة وعقائدهم : ألا وهي التأكيد على إدخال آراء أريد لها أن تكون خيوطا تصل بين التشيع واليهودية ، أو النصرانية ، أو الزندقة ، ومحاولة إيصال التشيع لعرقيات معينة ،
وهي محاولة لا تخفى على أعين النقاد بأنها غير موضوعية ، إن هذه المحاولة تريد تصوير التشيع بأنه تطور لا كما تتطور العقائد والمذاهب الأخرى ، وفي التوسع وقبول الإضافات السليمة نتيجة تبرعم بعض الآراء وإنما هو تطور غير سليم وغير نظيف أفسد مضمون التشيع .


* ( هامش ) *
( 1 ) دائرة المعارف ج 5 ص 424 . ( * )


يتبع

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:47 AM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 14

وسأستعرض بعض هذه الأقوال لتكون مجرد مؤشر على هذا الإتجاه وسأعقب عليها بما أراه :
تطور التشيع
1 - رسم الدكتور عبد العزيز الدوري هذا التطور عن طريق تقسيمه للتشيع إلى روحي بدأ أيام النبي عليه الصلاة والسلام وسياسي حدث بعد مقتل الإمام علي ، وقد استدل لذلك بأن التشيع بمعناه البسيط دون باقي خواصه الاصطلاحية قد استعمل
في صحيفة التحكيم التي نصت على شيعة لعلي وشيعة لمعاوية مما يعطي معنى المشايعة والمناصرة فقط دون باقي الصفات والأبعاد السياسية التي حدثت بعد ذلك ( 1 ) .

2 - محمد فريد وجدي في دائرة المعارف قال : " الشيعة هم الذين شايعوا عليا في إمامته واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عن أولاده ويقولون بعصمة الأئمة من الصغائر والكبائر والقول بالتولي والتبري قولا وفعلا إلا في حال التقية إذا خافوا بطش
ظالم وهم خمس فرق : " كيسانية وزيدية وإمامية وغلاة وإسماعيلية " وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال وبعضهم إلى السنة وبعضهم إلى التشبيه " ( 2 ) .

إن هذه المقتطفة من فريد وجدي سبق أن ذكرت قسما منها في التعريف بالتشيع ، وذكرت هنا المقتطفة بكاملها ليتضح منها أن مضمونها يغطي التشيع منذ أيامه الأولى حتى الآن لأن من الواضح أن هذه المضامين لم تولد دفعة واحدة وإنما دخلت
لمضمون التشيع تدريجا ، وقد خلط فريد وجدي فيها بين السمات والمقومات وجعل من ليس من الشيعة منهم ونسب لهم ما هم منه براء ولا أريد أن أتعجل الرد عليه فستمر علينا أمثال هذه النسب والرد عليها في مكانها من الكتاب .


* ( هامش ) *
( 1 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72 . ( 2 ) دائرة معارف فريد وجدي ج 5 ص 424 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 15

3 - الدكتور كامل مصطفى في كتابه الصلة قال : " ويتضح بعد ذلك أن التشيع قد عاصر بدء الإسلام باعتباره جوهرا له ، وأنه ظهر كحركة سياسية بعد أن نازع معاوية عليا على الإمارة وتدبير شؤون المسلمين ويتبين بعد ذلك أن تبلور الحركة
السياسية تحت اسم الشيعة كان بعد قتل الحسين عليه السلام مباشرة وإن كانت الحركة سبقت الاصطلاح وبذلك يمكننا أن نلخص هذا الفصل في كلمة بيانها أن التشيع كان تكتلا إسلاميا ظهرت نزعته أيام النبي وتبلور اتجاهه السياسي بعد قتل
عثمان واستقل الاصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين ( 1 ) . وواضح من هذا النص أن التشيع مر بأدوار تطور فيها كما يقول كامل :

4 - الدكتور أحمد أمين قال : " إن التشيع بدأ بمعنى ساذج وهو أن عليا أولى من غيره من وجهتين : كفايته الشخصية وقرابته للنبي ، ولكن هذا التشيع أخذ صيغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية ،
وحيث أن أكبر عنصر دخل في الإسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع " ( 2 ) ، وواضح هنا مما ذكره أحمد أمين أن التشيع
تطور لا بشئ من داخله وإنما بإضافات واسباغ من عناصر أخرى دخلت الإسلام واختارت التشيع فنقلت ما عندها من أفكار
وعقائد إليه حتى أصبحت جزءا منه وإن الفرس بالذات تركوا بصماتهم على المذهب أكثر من غيرهم كما يريد أحمد أمين أن يصوره ، وهو زعم أخذه أحمد أمين من غيره وغيره أخذه من غيره وهكذا حتى أوشك أن يصبح من الأمور المتسالم عليها عند الباحثين وقريبا سأوقفك على زيف هذه الدعوى والهدف من الإصرار على ربط التشيع بالفارسية شكلا ومضمونا .

5 - الدكتور أحمد محمود صبحي قال :


* ( هامش ) *
( 1 ) الصلة بين التصوف والتشيع ص 23 . ( 2 ) فجر الإسلام ص 276 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 16

" - بعد ذكر الرواد من الشيعة - والتشيع بالنسبة للشيعة المتأخرين مثل الزهد في عصر الرسول والخلفاء الراشدين والفرق بينه وبين التصوف الذي شابته عناصر غنوصية وتأثر بتيارات فكرية متباينة كما عرف لدى محيي الدين ابن عربي والسهروردي مثلا " ( 1 ) .

وبعد أن استعرضنا هذه الأمثلة من أقوال الكتاب التي فرقوا بها بين التشيع في الصدر الأول وما تلا ذلك من عصور أود أن أعقب على ذلك بما يلي :
1 - أن كمية الأفكار والمعتقدات في المضمون الشيعي تتسع في الأزمنة المتأخرة عما كانت عليه في الصدر الأول دون
شك في ذلك ولكن هذه الزيادة ليست أكثر من المضمون الأصلي للتشيع وإنما هي تفصيل وبيان لمجمله ، إنها ليست بإضافة
أجزاء وإنما هي ظهور جزئيات انطبق عليها المفهوم الكلي للتشيع وقد ظهرت هذه الجزئيات بفعل تطور الزمن ، وكمثال لذلك : موضوع النصوص التي وردت على لسان النبي عليه الصلاة والسلام هل هي مجرد إشارة لفضل الإمام علي أم أنها
على شكل يلزم المسلمين بالقول بإمامته وعلى نحو الوصية له بالخلافة وتبعا لذلك هل أن هذه الإمامة تقف عند حد المؤهلات
أم أن الإمام يجب أن يكون النموذج المثالي فيكون أشجع الناس وأعلم الناس وأعدل الناس وهكذا تبرعم موضوع العصمة
وغيره ، وكل هذه الأمور داخلة في صلب موضوع الإمامة وليست هي بأمور زائدة على الموضوع بل اشتقاقات أولدها التطور الفكري وزيادة أعداد وأنواع معتنقي المذهب .

2 - إن مثل هذا التطور كمثل كل تطور حدث ، ومن ذلك تطور الإسلام بصفته مقسما للمذاهب ، فالمسلمون منذ وجدوا كان من عقيدتهم الاعتراف بالله عز وجل ووجوده وحدانيته واتصافه بصفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص وكل ذلك على
نحو الإجمال ، وعندما اتسعت مجالات التفكير وانفتح العالم الإسلامي على أمم وثقافات متنوعة ، تبرعمت أسئلة وجدت أفكار فرجع

* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمامة ص 35 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:49 AM
التشيع لغة
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 11

تمهيد
التشيع لغة : هو المشايعة أي المتابعة والمناصرة والموالاة ( 1 ) .
فالشيعة بالمعنى اللغوي هم الأتباع والأنصار وقد غلب هذا الإسم على أتباع علي عليه السلام حتى اختص بهم وأصبح إذا أطلق ينصرف إليهم .
وبهذا المعنى اللغوي استعمل القرآن الكريم لفظة الشيعة كما في قوله تعالى : * ( وإن من شيعته لإبراهيم ) * 83 الصافات وكقوله تعالى : * ( هذا من شيعته وهذا من عدوه ) * 15 القصص .

التشيع إصطلاحا : هو : الإعتقاد بآراء وأفكار معينة وقد اختلف الباحثون في هذه الأفكار والآراء كثرة وقلة وسيمر علينا ذلك مفصلا فالتشيع بالمعنى الثاني أعم منه بالمعنى الأول : وبينهما من النسب عموم وخصوص مطلقا والعموم في جانب التشيع بالمعنى الثاني لشموله لكل منهما .
وانطلاقا من كون التشيع اعتقادا بآراء معينة ذهب العلماء والباحثون تبعا لذلك إلى تعريفه على اختلاف بينهم في سعة مدى هذه التعاريف وضيقه وإليك نماذج من تعريفاتهم :


* ( هامش ) *
( 1 ) صحاح الجوهري ج3 ص 156 ، وتاج العروس ولسان العرب مادة شيع . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 12

1 - الشهيد الثاني في كتابه شرح اللمعة قال : " والشيعة من شايع عليا - أي اتبعه وقدمه على غيره في الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة ، فيدخل فيهم الإمامية والجارودية من الزيدية والإسماعيلية غير الملاحدة منهم والواقفية والفطحية " ( 1 ) .

2 - الشيخ المفيد في كتاب الموسوعة كما نقله عنه المؤلف قال : " الشيعة هم من شايع عليا وقدمه على أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله واعتقد أنه الإمام بوصية من رسول الله أو بإرادة من الله تعالى نصا كما يرى الإمامية أو وصفا كما يرى الجارودية " . وقد نقل هذا المضمون نفسه كامل مصطفى الشيبي في كتابه الصلة ( 2 ) .

3 - الشهرستاني في الملل والنحل قال : " الشيعة هم الذين شايعوا عليا وقالوا بإمامته وخلافته نصا ووصاية أما جليا وأما خفيا واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده " ( 3 ) .

4 - النوبختي في كتابه الفرق قال : " الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمن النبي ومن وافق مودته مودة علي " ( 4 ) .

5 - محمد فريد وجدي في كتابه دائرة معارف القرن العشرين قال : " والشيعة هم الذين شايعوا عليا في إمامته واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عن أولاده ويقولون بعصمة الأئمة من الكبائر والصغائر والقول بالتولي والتبري

* ( هامش ) *
( 1 ) شرح اللمعة ج2 ص 228 . ( 2 ) موسوعة العتبات المقدسة المدخل ص 91 .
( 3 ) الملل والنحل ص 107 . ( 4 ) فرق الشيعة . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 13

قولا وفعلا إلا في حال التقية إذا خافوا بطش ظالم " ( 1 ) .

هذه النماذج من التعريفات إنما قدمتها لنعرف ما هي مقومات التشيع في نظر الباحثين ، وقد تبين من بعضها : الإقتصار على وصف الشيعة بأنهم يقدمون عليا على غيره لوجود نصوص في ذلك أو وجود صفات اختص بها ولم تتوفر لغيره والواضح
من ذلك أن جوهر التشيع هو الالتزام بإمامة علي وولده وتقديمه على غيره لوجود نصوص عندهم في ذلك وينتج من ذلك الالتزام بأمرين :
الأول : بما أن الإمامة وليدة النصوص فهي امتداد للنبوة يترتب عليها ما يترتب على النبوة من لوازم عدى الوحي فإن نزوله مختص بالأنبياء .
والثاني : أن الإمامة لا تتم بالانتخاب والاختيار وإنما بالتعيين من الله تعالى فهو الذي ينص على الإمام عن طريق النبي ، وإنما يختاره لتوفر مؤهلات عنده لا توجد عند غيره .
أما الزيادة على ما ذكرناه والتي وردت في التعريفات التي نقلناها والتي قد توجد في كتب الشيعة الأخرى فهي مستفادة من أخبار وهي أعم من كونها من أصول المذهب أو من أصول الإسلام كما سنرى ذلك فيما يأتي أن الغرض من هذه الإشارة
هو إلقاء الضوء على نقطة يؤكد عليها الباحثون عند استعراضهم لذكر الشيعة وعقائدهم : ألا وهي التأكيد على إدخال آراء أريد لها أن تكون خيوطا تصل بين التشيع واليهودية ، أو النصرانية ، أو الزندقة ، ومحاولة إيصال التشيع لعرقيات معينة ،
وهي محاولة لا تخفى على أعين النقاد بأنها غير موضوعية ، إن هذه المحاولة تريد تصوير التشيع بأنه تطور لا كما تتطور العقائد والمذاهب الأخرى ، وفي التوسع وقبول الإضافات السليمة نتيجة تبرعم بعض الآراء وإنما هو تطور غير سليم وغير نظيف أفسد مضمون التشيع .


* ( هامش ) *
( 1 ) دائرة المعارف ج 5 ص 424 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 14

وسأستعرض بعض هذه الأقوال لتكون مجرد مؤشر على هذا الإتجاه وسأعقب عليها بما أراه :
تطور التشيع
1 - رسم الدكتور عبد العزيز الدوري هذا التطور عن طريق تقسيمه للتشيع إلى روحي بدأ أيام النبي عليه الصلاة والسلام وسياسي حدث بعد مقتل الإمام علي ، وقد استدل لذلك بأن التشيع بمعناه البسيط دون باقي خواصه الاصطلاحية قد استعمل
في صحيفة التحكيم التي نصت على شيعة لعلي وشيعة لمعاوية مما يعطي معنى المشايعة والمناصرة فقط دون باقي الصفات والأبعاد السياسية التي حدثت بعد ذلك ( 1 ) .

2 - محمد فريد وجدي في دائرة المعارف قال : " الشيعة هم الذين شايعوا عليا في إمامته واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عن أولاده ويقولون بعصمة الأئمة من الصغائر والكبائر والقول بالتولي والتبري قولا وفعلا إلا في حال التقية إذا خافوا بطش
ظالم وهم خمس فرق : " كيسانية وزيدية وإمامية وغلاة وإسماعيلية " وبعضهم يميل في الأصول إلى الاعتزال وبعضهم إلى السنة وبعضهم إلى التشبيه " ( 2 ) .

إن هذه المقتطفة من فريد وجدي سبق أن ذكرت قسما منها في التعريف بالتشيع ، وذكرت هنا المقتطفة بكاملها ليتضح منها أن مضمونها يغطي التشيع منذ أيامه الأولى حتى الآن لأن من الواضح أن هذه المضامين لم تولد دفعة واحدة وإنما دخلت
لمضمون التشيع تدريجا ، وقد خلط فريد وجدي فيها بين السمات والمقومات وجعل من ليس من الشيعة منهم ونسب لهم ما هم منه براء ولا أريد أن أتعجل الرد عليه فستمر علينا أمثال هذه النسب والرد عليها في مكانها من الكتاب .


* ( هامش ) *
( 1 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72 . ( 2 ) دائرة معارف فريد وجدي ج 5 ص 424 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 15

3 - الدكتور كامل مصطفى في كتابه الصلة قال : " ويتضح بعد ذلك أن التشيع قد عاصر بدء الإسلام باعتباره جوهرا له ، وأنه ظهر كحركة سياسية بعد أن نازع معاوية عليا على الإمارة وتدبير شؤون المسلمين ويتبين بعد ذلك أن تبلور الحركة
السياسية تحت اسم الشيعة كان بعد قتل الحسين عليه السلام مباشرة وإن كانت الحركة سبقت الاصطلاح وبذلك يمكننا أن نلخص هذا الفصل في كلمة بيانها أن التشيع كان تكتلا إسلاميا ظهرت نزعته أيام النبي وتبلور اتجاهه السياسي بعد قتل
عثمان واستقل الاصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين ( 1 ) . وواضح من هذا النص أن التشيع مر بأدوار تطور فيها كما يقول كامل :

4 - الدكتور أحمد أمين قال : " إن التشيع بدأ بمعنى ساذج وهو أن عليا أولى من غيره من وجهتين : كفايته الشخصية وقرابته للنبي ، ولكن هذا التشيع أخذ صيغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية ،
وحيث أن أكبر عنصر دخل في الإسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع " ( 2 ) ، وواضح هنا مما ذكره أحمد أمين أن التشيع
تطور لا بشئ من داخله وإنما بإضافات واسباغ من عناصر أخرى دخلت الإسلام واختارت التشيع فنقلت ما عندها من أفكار
وعقائد إليه حتى أصبحت جزءا منه وإن الفرس بالذات تركوا بصماتهم على المذهب أكثر من غيرهم كما يريد أحمد أمين أن يصوره ، وهو زعم أخذه أحمد أمين من غيره وغيره أخذه من غيره وهكذا حتى أوشك أن يصبح من الأمور المتسالم عليها عند الباحثين وقريبا سأوقفك على زيف هذه الدعوى والهدف من الإصرار على ربط التشيع بالفارسية شكلا ومضمونا .

5 - الدكتور أحمد محمود صبحي قال :


* ( هامش ) *
( 1 ) الصلة بين التصوف والتشيع ص 23 . ( 2 ) فجر الإسلام ص 276 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 16

" - بعد ذكر الرواد من الشيعة - والتشيع بالنسبة للشيعة المتأخرين مثل الزهد في عصر الرسول والخلفاء الراشدين والفرق بينه وبين التصوف الذي شابته عناصر غنوصية وتأثر بتيارات فكرية متباينة كما عرف لدى محيي الدين ابن عربي والسهروردي مثلا " ( 1 ) .

وبعد أن استعرضنا هذه الأمثلة من أقوال الكتاب التي فرقوا بها بين التشيع في الصدر الأول وما تلا ذلك من عصور أود أن أعقب على ذلك بما يلي :
1 - أن كمية الأفكار والمعتقدات في المضمون الشيعي تتسع في الأزمنة المتأخرة عما كانت عليه في الصدر الأول دون
شك في ذلك ولكن هذه الزيادة ليست أكثر من المضمون الأصلي للتشيع وإنما هي تفصيل وبيان لمجمله ، إنها ليست بإضافة
أجزاء وإنما هي ظهور جزئيات انطبق عليها المفهوم الكلي للتشيع وقد ظهرت هذه الجزئيات بفعل تطور الزمن ، وكمثال لذلك : موضوع النصوص التي وردت على لسان النبي عليه الصلاة والسلام هل هي مجرد إشارة لفضل الإمام علي أم أنها
على شكل يلزم المسلمين بالقول بإمامته وعلى نحو الوصية له بالخلافة وتبعا لذلك هل أن هذه الإمامة تقف عند حد المؤهلات
أم أن الإمام يجب أن يكون النموذج المثالي فيكون أشجع الناس وأعلم الناس وأعدل الناس وهكذا تبرعم موضوع العصمة
وغيره ، وكل هذه الأمور داخلة في صلب موضوع الإمامة وليست هي بأمور زائدة على الموضوع بل اشتقاقات أولدها التطور الفكري وزيادة أعداد وأنواع معتنقي المذهب .

2 - إن مثل هذا التطور كمثل كل تطور حدث ، ومن ذلك تطور الإسلام بصفته مقسما للمذاهب ، فالمسلمون منذ وجدوا كان من عقيدتهم الاعتراف بالله عز وجل ووجوده وحدانيته واتصافه بصفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص وكل ذلك على
نحو الإجمال ، وعندما اتسعت مجالات التفكير وانفتح العالم الإسلامي على أمم وثقافات متنوعة ، تبرعمت أسئلة وجدت أفكار فرجع

* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمامة ص 35 . ( * )



هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 17

المسلمون إلى ما آمنوا به إجمالا يبينون مجمله ويفصلون مختصره ، فنشأ من إيمانهم بأن الله خالق كل شئ : النزاع بإعطاء السبب الطبيعي صفة الخلق وذلك يؤدي إلى تعدد الخالق كما تصوروا ، أم أن ذلك لا يقدح بانفراد الله تعالى بصفة الخالق :
إذ أن لله تعالى جهة تأثير ليست من مقدورات المخلوقين وكل ما للمخلوقين إنما هو من جهة أخرى ولا يقدح ذلك في كون الله تعالى أحسن الخالقين ، وتبرعمت عن هذه المسألة مسألة خلق أفعال العباد وربط ذلك كله بالجبر والاختيار وهكذا .

ومثل آخر هو إيمان المسلمين منذ وجدوا بحجية ظواهر القرآن الكريم فنشأ من ذلك النزاع حول حجية ظواهر بعض الآيات لأن لازم ذلك نسبة من لا يصح إلى الله تعالى وذلك مثل قوله تعالى : " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) * 22 /
سورة القيامة ، حيث ذهب أهل السنة إلى جواز رؤية الله تعالى يوم القيامة استنادا إلى ظاهر الآية ، بينما ذهب الإمامية إلى استحالة رؤيته تعالى لاستلزام الرؤية الجسمية وبالتالي التركيب فالحاجة فالحدوث وانتهاء كل ذلك إلى نفي الألوهية وقد
أولوا النظر هنا بأنه انتظار الرحمة كما يقول شخص لآخر ينتظر منه الرحمة أنا أنظر إليك وإلى عطفك وذلك شائع في لغة العرب وحضارتهم والقرآن نزل بلغة العرب وسلك منهجهم في المحاورات ، هذا بالإضافة إلى أن الله تعالى نسب هنا النظر
إلى الوجوه وهي ليست من أعضاء النظر من قبيل قوله تعالى : * ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ) * 49 / يس .

ومثال آخر أذكره للتدليل على اتساع المضمون الإسلامي عما كان عليه في الصدر الأول فقد آمن المسلمون منذ وجدوا بأن الله تعالى لا يفعل العبث وجاءت ظواهر الآيات تؤيد ذلك فقد جاء في قوله تعالى : * ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ) *
2 / سورة الملك ، وجاء بقوله : * ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ) * 38 / الدخان ، فتنازع المسلمون بعد ذلك في أن أفعال الله تعالى هل هي معللة ولازم ذلك نسبة النقص إلى الله لأن كل فاعل للعلة إنما يحتاج لتلك العلة ، أم أن أفعاله تعالى غير معللة ولازم ذلك أن فعله

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 18

عبث تعالى الله عن ذلك ، فذهب أهل السنة إلى أن أفعاله غير معللة ، وذهب الإمامية إلى أنها معللة بدون حاجة منه تعالى للعلة وإنما يعود نفع العلة للعباد أنفسهم وبذلك يجمع بين الأمرين من كونه تعالى لا يفعل العبث ومن كونه غنيا عن الحاجة .
ومع جميع ما ذكرناه لا يقال إن المسلمين تطورت عقائدهم وزاد مضمون الإسلام عما كان عليه في الصدر الأول وإنما الذي حدث أن المسلمين توسعوا في شرح الأمور المجملة عندما اضطروا لذلك نتيجة تفاعلهم مع ثقافات مختلفة وأفكار متنوعة
فالمسلم في صدر الإسلام والمسلم في أيامنا مصدر تشريعه الكتاب والسنة ولكنه فيما مضى أخذهما مجملين والآن احتاج إلى التفصيل لوجود دواعي وجدت ولم تكن موجودة في الصدر الأول فإذا كان التطور المنسوب إلى التشيع على هذا النحو الذي
حدث في الإسلام نفسه فهو واقع بهذا المعنى لا نزاع في ذلك ، أما إذا كان استحداث آراء جديدة وبعيدة عن روح الإسلام
فلا لأن كل ما يأباه الإسلام يأباه التشيع بالضرورة إن التطور الذي حدث في الإسلام على الشكل الذي ذكرناه لم يشكل قدحا
في عقائد فرق المسلمين ، وإذا كان ما حدث في التشيع من تطور مثل ما حدث في الإسلام ككل فما له هنا يشكل قدحا في العقيدة ويثير شكوكا لا مبرر لها ؟

3 - ومع التنزل وافتراض دخول عضو إضافي على جسم التشيع كما يريد أن يثبته البعض اعتباطا وهو منفي فإن مثل هذا الفرض يأباه الفكر الشيعي إذا كان مما لا يلتقي مع كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والخطوط الإسلامية العامة
، إن مثل هذا الفرض هو رأي يرد إلى نحر قائله فكل ما هو ليس من الإسلام فهو ليس من التشيع في شئ بداهة أن التشيع من عطاء فكر أهل البيت وهم عدل الكتاب وهم مثل سفينة نوح فعلى هذا يكون ما ينسب إلى التشيع من هذا القبيل إنما هو
خلط بين التشيع والشيعة وكثير ممن ينعت بأنه من الشيعة يرفضه الهيكل الشيعي فيما له من حدود وهوما سنمر عليه ونذكر أدلته ، والشأن في ذلك شأن التفكير السني الذي ينفي عنه بعض المنتسبين إليه ممن ثبت انحرافهم عن خطوط الإسلام ولا يقدح وجود أمثالهم عند أهل السنة ، ولا ينتزع من وجود

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 19

أمثال هؤلاء حكم عام يعمم على أهل السنة .
وعلى أسوأ الفروض لو وجدت أفكار إضافية طارئة على جسم أي مذهب من المذاهب وزائدة على محتواه الأصلي كما هو الفرض ولكنها لا تشكل إنكار ضرورية من ضروريات الدين ولا ردة ولا انحرافا فإن أمثالها لا يبرر رمي من وجدت عنده
بالمروق عن الدين والخروج عن الإسلام وربطهم باليهودية والنصرانية وأمثال ذلك من النسب التي لا يتفوه بها مسلم على أخيه وله ضمير وخلق مسلم يصدر في سلوكه عن تعاليم الإسلام .
فمتى كان القول بالوصاية مثلا وأن لكل نبي وصيا وأن الأوصياء يجب كونهم معصومين حتى يتحقق الغرض من نصبهم قادة للأمة والاعتقاد بأن المهدي حي وأمثال ذلك من العقائد موجبا للخروج من الدين ومدعاة لشن حملات شعواء كانت وما تزال
يجترها الخلف عن السلف دون أن يتبين ما هي مصادرها ودون أن يحللها ويناقشها ، إن صرف هذه الطاقات في ميادين التهريج أقل ما يوصف به أنه عمل غير مسؤول بالإضافة إلى إمكان توجيه هذه الطاقات إلى ميادين إيجابية في الخلق
والإبداع وفي جمع الشمل ولم الشعث وتنظيف الأجواء الإسلامية من الحقد والكراهية التي لا يفيد منها إلا أعداء الإسلام ،
إن الذين يقفون وراء نعرات التشويش والفرقة قوم بعيدون عن روح الإسلام وجوهره وليسوا ببعيدين عن الشبهات خصوصا
وأن أمثال هذه المواضيع يجب أن تبقى محصورة في نطاق العلماء فقط وأن لا تنزل إلى مستوى الأوساط من الناس فضلا عن العامة وذلك لأن للعلماء مناعة تبعدهم عن النظرة المرتجلة والنعرة الجاهلية كما هو المفروض إن المفاعلات الطائفية في
تصوري أخطر على الإنسانية من المفاعلات النووية ، وحسب تاريخ المسلمين خلافات كانت وما تزال غصة في فم كل مؤمن بالله تعالى وبدينه وكل داع لرسالات السماء التي من أول أهدافها تأصيل الروح الإنسانية في كل أنماط السلوك عند البشر

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:50 AM
متى بدأ التشيع
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 23

الباب الأول وفيه فصول
الفصل الأول متى بدأ التشيع
فيما مضى في فصل التمهيد انتهينا إلى أن التشيع في بداياته ونهاياته واحد وأن التطور المفترض فيه ما هو إلا تبرعم أفكار مستنبطة من الأصول حدثت عند الممارسة ، وعناوين هي ثمرة لتفاعل بين أفكار ولمقارعة حجج بعضها ببعض مما يوجد عادة في التاريخ الثقافي لكل نحلة من النحل .

والآن لا بد من الرجوع إلى بداية التشيع وبذرته التاريخية واستظهار ما إذا كانت سنخيتها تتحد مع الفكر الإسلامي أم لا . ثم ما هو حجمها أي البنية الشيعية يوم ولادتها . وما هي أرضية تكوينها . وهل هي عملية عاطفية أم عملية عقلائية إنتهى إليها معتنقوها بمعاناة وتقييم واعيين .

ولما كانت هذه الأمور مما اختلف فيه تبعا لاستنتاج الباحثين ومزاجهم ومسبقاتهم وما ترجح لديهم بمرجح من المرجحات فلا بد من تقديم نماذج من آراء الباحثين في هذه المواضيع تكون المادة الخام ثم يبقى على القارئ أن يستشف الحقيقة من وراء
ذلك ويكون له رأيا يجتهد في أن يكون موضوعيا . إن المؤرخين والباحثين عندما يحددون فترة نشوء التشيع يتوزعون على مدى يبتدئ من أيام النبي ونهاياته بعد مقتل الحسين عليه السلام . وسأستعرض لك نماذج من آرائهم في ذلك وأترك ما أذهب إليه إلى آخر الفصل .

أ - رأي يرى أنهم تكونوا بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام . وممن يذهب لهذا :

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 24

أولا : ابن خلدون : فقد قال : إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك ( 1 ) الخ .

ثانيا : الدكتور أحمد أمين فقد قال : . وكانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه ( 2 ) " .

ثالثا : الدكتور حسن إبراهيم فقد قال : ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبي ( ص ) فيمن يولونه الخلافة وانتهى الأمر بتولية أبي بكر وأدى ذلك إلى انقسام الأمة العربية إلى فريقين جماعية وشيعية ( 3 ) .

رابعا : اليعقوبي قال : ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب ( 4 ) .

وتعقيبا على ذكر المتخلفين عن بيعة الخليفة أبي بكر قال الدكتور أحمد محمود صبحي : إن بواعث هؤلاء مختلفة في التخلف فلا يستدل منها على أنهم كلهم من الشيعة : وقد يكون ما قاله صحيحا غير أن المتخلفين الذين ذكرهم المؤرخون أكدت كتب التراجم على أنهم شيعة وستأتي الإشارة لذلك في محلها من الكتاب ( 5 ) .

خامسا : المستشرق جولد تسيهر قال : إن التشيع نشأ بعد وفاة النبي ( ص ) وبالضبط بعد حادثة السقيفة ( 6 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 364 . ( 2 ) فجر الإسلام ص 266 . ( 3 ) تاريخ الإسلام ج 1 ص 371 .
( 4 ) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 104 . ( 5 ) نظرية الإمامة ص 33 . ( 6 ) العقيدة والشريعة ص 174 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 25

ب - : الرأي الذي يذهب إلى أن التشيع نشأ أيام عثمان ومن الذاهبين لذلك : جماعة من المؤرخين والباحثين منهم : ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم بالتفصيل يحيى هاشم فرغل في كتابه ( 1 ) وقد استند إلى مبررات شرحها .

ج‍ - : الرأي الذي يذهب إلى تكون الشيعة أيام خلافة الإمام علي ( ع ) ، ومن الذاهبين إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة ( 2 ) . وابن النديم في الفهرست حيث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور فرقة الشيعة وتكوينها ( 3 ) .

د - : الرأي الذي يذهب إني أن ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف على اختلاف في الكيفية بين الذاهبين لهذا الرأي حيث يرى بعضهم أن بوادر التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث
ذلك بعد واقعة الطف بينما يذهب ( 4 ) آخرون إلى أن وجود المذهب قبل واقعة الطف كان لا يعدو النزعة الروحية ولكن
بعد واقعة الطف أخذ طابعا سياسيا وعمق جذوره في النفوس وتحددت أبعاده إلى كثير من المضامين ، وكثير من المستشرقين
يذهبون لهذا الرأي وأغلب المحدثين من الكتاب . يقول الدكتور كامل مصطفى إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين ( ع ) حيث أصبح التشيع كيانا مميزا له طابعه الخاص . في حين يذهب الدكتور عبد العزيز الدوري
إلى أن التشيع تميز سياسيا ابتداء من مقتل أمير المؤمنين علي ( ع ) ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين ( ع ) حيث يعتبرها امتدادا للفترة السابقة ( 5 ) . وإلى هذا الرأي يذهب بروكلمان في تاريخ الشعوب الإسلامية حيث


* ( هامش ) *
( 1 ) عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 105 .
( 2 ) فرق الشيعة ص 16 .
( 3 ) الفهرست لابن النديم ص 175 .
( 4 ) الصلة بين التصوف والتشيع ص 23 .
( 5 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 26

يقول : والحق أن ميتة الشهداء الذي ماتها الحسين ولم يكن لها أي أثر سياسي هذا على زعمه - قد عملت في التطور الديني للشيعة حزب علي الذي أصبح بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب - وهو زعم باطل - واليوم لا يزال ضريح الحسين
( ع ) في كربلاء أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما فتئوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية ما يطمعون فيه ( 1 ) .

إن رأي بروكلمان بالإضافة لما فيه من دس يخالف ما عليه معظم من ربط ظهور التشيع بمقتل الحسين حيث يذهبون إلى أن التميز السياسي للمذهب ولدته واقعة الطف ، بينما يرى بروكلمان أن لا أثر سياسي للواقعة فهو من قبيل إنكار البدهيات وإنما
يقصر أثر الواقعة على تعميق المذهب دينيا فقط . وقد شايع بروكلمان في هذا الرأي جماعة آخرون ذكرهم يحيى فرغل مفصلا في كتابه ( 2 ) إن هذه الآراء الأربعة في نشأة التشيع لا تصمد أمام المناقشة ولا أريد أن أتعجل الرد عليها فسأذكر
الرأي الخامس ومنه يتضح تماما أن هذه الآراء تستند إلى أحداث أو مض فيها التشيع نتيجة احتكاكه بمؤثر من المؤثرات في تلك الفترة التي أرخت بها تلك الآراء ظهور التشيع فظنوه ولد آنذاك بينما هو موجود بكيانه الكامل منذ الصدر الأول . وقد آن الأوان لأعرض لك رأي جمهور الشيعة وخاصة المحققين منهم .

هـ رأي الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى . حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي ( ص ) وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي ( ص ) وكشفت عما لعلي ( ع )
من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشيعة ثقاة أهل السنة ومنها : ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة النبي بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي ( ص ) فأقبل علي ( ع )


* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الشعوب الإسلامية ص 128 . ( 2 ) عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 106 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 27

فقال النبي ( ص ) : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة : فنزل قوله تعالى : * ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) *

وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى : * ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ) * قال النبي ( ص ) لعلي ( ع ) هم أنت وشيعتك .

وأخرج ابن مردويه عن علي ( ع ) قال : قال لي رسول الله ( ص ) : ألم تسمع قوله تعالى : * ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) * إلخ هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ( 1 ) ومن
هنا ذهب أبو حاتم الرازي إلى أن أول اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة وكان هذا لقب أربعة من الصحابة أبو ذر وعمار ومقداد وسلمان الفارسي وبعد صفين اشتهر موالي علي بهذا اللقب ( 2 ) .

إن هذه الأحاديث التي مرت والتي أخرجها كل من ابن عساكر وابن عدي وابن مردويه يعقب عليها أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة فيقول : ولا تفيد الأحاديث الواردة على لسان النبي ( ص ) في حق علي ( ع ) أن لعلي شيعة في زمان
النبي فقد تنبأ النبي بظهور بعض الفرق كإشارته إلى الخوارج والمارقين كما ينسب إليه أنه قال لعلي إنك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين . ولا يدل ذلك على وجود جماعة مستقلة لها عقائد متمايزة أو تصورات خاصة ( 3 ) وأنا ألفت نظر
الدكتور أحمد محمود إلى أن الشيعة لا يستدلون على ظهور التشيع أيام النبي ( ص ) بما ورد على لسانه من أحاديث ، فالمسألة كما يسميها الأصوليون على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية ، أي لا يلزم وجودهم بالفعل كما استظهر الدكتور
وإنما هي صفات ذكرها النبي ( ص ) للشيعة متى وجدوا وأينما وجدوا ، أما الاستدلال على ظهور الشيعة أيام النبي فمن روايات وقرائن كثيرة يوردونها في هذا المقام ، أورد قسما منها الدكتور عبد العزيز الدوري واستعرض مصادرها ( 4 ) مع ملاحظة أنه قيد

* ( هامش ) *
( 1 ) الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 376 . ( 2 ) روضان الجنات للخونساري ص 88 .
( 3 ) نظرية الإمامة ص 31 . ( 4 ) مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 28

التشيع بأنه تشيع روحي كما نص على قسم من أدلتهم على ذلك يحيى هاشم فرغل في كتابه ( 1 ) . إن بعض هذه الآراء يرجع بالبداية الزمنية في ظهور الشيعة إلى وقت مبكر في حياة النبي ( ص ) حيث التأمت جماعة من الصحابة تفضل عليا
( ع ) على غيره من الصحابة وتتخذه رئيسا ومن هؤلاء عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وبنو هاشم الخ ( 2 ) .
ولهذا ذهب الباحثون إلى تخطئة من يؤرخ للتشيع وظهوره بعصور متأخرة مع أن الأدلة التاريخية متوفرة على وجودهم أيام الرسول صلوات الله عليه وآله : يقول محمد عبد الله عنان في كتابه تاريخ الجمعيات السرية عند تعليقه على الحادثة التي
روتها كتب السيرة ( 3 ) حين جمع النبي عشيرته عند نزول قوله تعالى : * ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) * 214 / الشعراء ، ودعاهم إلى اتباعه فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب فأخذ النبي برقبته وقال : هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ .
علق محمد عبد الله بقوله : من الخطأ أن يقال : إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول حين أمر بإنذار عشيرته بهذه الآية .


* ( هامش ) *
( 1 ) عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 105 .
( 2 ) المصدر السابق ص 106 .
( 3 ) حياة محمد لهيكل ط مصر الطبعة المؤرخة 1354 ص 104 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:51 AM
الأدلة على تكون التشيع أيام النبي- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 29

الفصل الثاني الأدلة على تكون التشيع أيام النبي

1 - النصوص التاريخية على وصف جماعة بالتشيع أيام النبي ( ص ) وقد مرت الإشارة لذلك ، ولهذا يقول الحسن بن موسى النوبختي عند تحديده للشيعة : فالشيعة فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمن النبي - ثم عدد جماعة منهم وقال : - وهم أول من سمي باسم التشيع لأن اسم التشيع كان قديما لشيعة إبراهيم ( 1 ) .

2 - ما عليه جمهور الباحثين والمؤرخين الذين ذهبوا إلى أن التشيع ظهر يوم السقيفة فإن ذلك ينهض دليلا على وجوده أيام النبي ( ص ) لأنه من غير المعقول أن يتبلور التشيع بأسبوع واحد - أي المدة بين وجود الرسول ووفاته بحيث يتخذ جماعة
من الناس مواقف معينة ويتضح لهم اتجاه له ميزاته وخواصه فإن مثل هذه الآراء تحتاج في تكوينها وتبلورها إلى وقت ليس بالقليل وكل من له إلمام بحوادث السقيفة وموقف الممتنعين عن بيعة أبي بكر وحجاجهم في ذلك الموضوع يجزم بأن تلك المواقف لم تتكون بوقت قصير وبسرعة كهذه السرعة وذلك لوجود اتجاهات متبلورة وتأصل في طرح نظريات معينة .

3 - إن من غير المعقول أن ترد على لسان النبي ( ص ) أحاديث في تفضيل

* ( هامش ) *
( 1 ) الفرق والمقالات للنوبختي باب تعريف الشيعة . ( * )


- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 30

الإمام علي ( ع ) والإشارة إلى مؤهلاته ثم يقف المسلمون من ذلك موقف غير المبالي وهم من هم في إيمانهم وطاعتهم للرسول ( ع ) ولا سيما والمواقف في ذلك قد تعددت وسأذكر لك منها .
أ - الموقف الأول : عندما نزل قوله تعالى : * ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) * 214 / من سورة الشعراء قال المؤرخون : إن النبي ( ص ) دعا عليا ( ع ) وأمره أن يصنع طعاما ويدعو آل عبد المطلب وعددهم يومئذ أربعون رجلا وبعد أن أكلوا
وشربوا من لبن أعد لهم قام النبي ( ص ) وقال : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون
أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القول عنها جميعا - يقول علي - وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ( 1 ) .

ب - الموقف الثاني : يقول أبو رافع القبطي مولى رسول الله ( ص ) : دخلت على النبي وهو يوحى إليه فرأيت حية فنمت بينها وبين النبي لئلا يصل إليه أذى منها حتى انتهى عنه الوحي فأمرني بقتلها وسمعته يقول : الحمد لله الذي أكمل لعلي منته
وهنيئا لعلي بتفضيل الله إياه . . وبعد أن قرأ قوله تعالى : * ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) 55 / المائدة .
وقد أجمع أعلام أهل السنة والشيعة على نزول هذه الآية في علي ( ع ) ومنهم السيوطي في الدر المنثور عند تفسير الآية المذكورة وكذلك الرازي في مفاتيح الغيب والبيضاوي في

* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الطبري ج 2 ص 216 ، وتاريخ ابن الأثير ج 2 ص 28 . ( * )


- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 31

تفسير والزمخشري في الكشاف والثعلبي في تفسيره والطبرسي في مجمع البيان وغيرهم من أعلام المفسرين والمحدثين .
ومن الغريب أن يقف الآلوسي في تفسيره روح المعاني موقفا يمثل الإسفاف والركة في دفع هذه الآية عن علي ( ع ) ويريك كيف يهبط التعصب بالإنسان إلى درك مقيت وإلى تهافت غير معهود .
وإن المرء ليستغرب من هذا الرجل فإن له مواقف متناقضة من علي ( ع ) فتارة يعطيه حقه وأخرى يقف منه موقفا متشنجا وبوسع كل من قرأ الآلوسي في مؤلفاته أن يرى هذه الظاهرة .

ج‍ - الموقف الثالث : موقف النبي ( ص ) يوم غدير خم وذلك عند نزول الآية : * ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) * 69 / المائدة . وعندها أوقف النبي ( ص ) الركب وصنعوا
له منبرا من أحداج الإبل خطب عليه خطبته المعروفة ثم أخذ بيد علي وقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، فكررها ثلاثا ثم قال : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاده وانصر من نصره واخذل من خذله " فلقيه الخليفة الثاني فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة .

وقد ذكر الرازي في سبب نزول الآية عشرة وجوه ومنها أنها نزلت في علي ( ع ) ثم عقب بعد ذلك بقوله : وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي - يريد الباقر - ( 1 ) إن حديث الغدير أخرجه جماعة من حفاظ أهل السنة وقد رواه ابن حجر في صواعقه عن ثلاثين صحابيا ونص على أن طرقه صحيحة وبعضها حسن ( 2 ) . وأورده ابن حمزة الحنفي مخرجا له عن أبي الطفيل عامر بن واثلة بهذه

* ( هامش ) *
( 1 ) تفسير الرازي ج 3 ص 431 . ( 2 ) الصواعق المحرقة الباب الثاني من الفصل التاسع ( * ) .


- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 32

الصورة . قال : إن أسامة بن زيد قال لعلي : لست مولاي إنما مولاي رسول الله ( ص ) فقال النبي ( ص ) : كأني قد دعيت فأجبت إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض إن الله مولاي وأنا مولى كل مؤمن من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ( 1 ) .
وقد ألف في موضوع الغدير من السنة والشيعة ست وعشرون مؤلفا ( 2 ) ولا أريد التحدث بصراحة حديث الغدير في أولوية الإمام علي ( ع ) وتقديمه على كافة الصحابة فإن الأمر قد أشبع من قبل الباحثين ولكني أريد أن أسائل الدكتور أحمد
شلبي الذي يقول إن حديث الغدير لم يرد له ذكر إلا في كتب الشيعة ، فأقول له هل هناك شئ من الشعور بالمسؤولية عندك وعند أمثالك ممن يرمون الكلام على عواهنه فأنت تحمل أمانة للأجيال فمن الأمانة هذا القول إن كتب أهل نحلتك وحفاظ
قومك أوردت الحديث بمصادره الموثوقة فإذا كنت لا تقرأ أو تقرأ ولا تريد أن تعرف فاسكت يرحمك الله فهو خير لك من التعرض أما لنسبة الجهل أو العصبية ، ولا يقل عن الدكتور شلبي من يذهب إلى أن لفظ المولى هنا إنما يراد منه ابن العم فهو أحد معاني هذه اللفظة المشتركة ولا رد لي على هذا إلا أن أقول : اللهم ارحم عقولنا من المسخ .

إن هذه مجرد أمثلة من مواقف النبي ( ص ) في التنويه بفضل علي ( ع ) ولا يمكن أن تمر هذه المواقف والكثير الكثير من أمثالها دون أن تشد الناس لعلي ودون أن تدفعهم للتعرف على هذا الإنسان الذي هو وصي النبي ، الذي يشركه القرآن
بالولاية العامة مع الله تعالى ورسوله ( ص ) ثم لا بد للمسلمين من إطاعة هذه الأوامر التي وردت بالنصوص والالتفات حول من وردت فيه ذلك هو معنى التشيع الذي نقول : إن النبي ( ص ) هو الذي بذر بذرته وقد أينعت في حياته وعرف
جماعة بالتشيع لعلي والالتفات حوله وللتدليل على ذلك سأذكر لك أسماء الرعيل الأول من الصحابة الذين عرفوا بتشيعهم وولائهم للإمام علي عليه السلام .

* ( هامش ) *
( 1 ) البيان والتعريف ج 2 ص 136 . ( 2 ) أعيان الشيعة ج 3 باب الغدير . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:53 AM
. رواد التشيع الأوائل
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 33

الفصل الثالث رواد التشيع الأوائل
جندب بن جنادة ، أبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر ، سلمان الفارسي ، المقداد بن عمر بن ثعلبة الكندي ، حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي ، خزيمة ابن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين ، الخباب بن الأرت الخزاعي أحد المعذبين في الله ،
سعد بن مالك أبو سعيد الخدري ، أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري ، قيس ابن سعد بن عبادة الأنصاري ، أنس بن الحرث بن منبه أحد شهداء كربلاء ، أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد الذي استضافه النبي ( ص ) عند دخوله للمدينة ،
جابر بن عبد الله الأنصاري أحد أصحاب بيعة العقبة ، هاشم بن أبي وقاص المرقال فاتح جلولاء ، محمد بن الخليفة أبي بكر تلميذ علي وربيبه ، مالك بن الحرث الأشتر النخعي ، مالك بن نويرة ردف الملوك الذي قتله خالد بن الوليد ،
البراء ابن عازب الأنصاري ، أبي بن كعب سيد القراء ، عبادة بن الصامت الأنصاري ، عبد الله بن مسعود صاحب وضوء النبي ( ص ) ومن سادات القراء ، أبو الأسود الدؤلي ، ظالم بن عمير واضع أسس النحو بأمر الإمام علي ،
خالد بن سعيد بن أبي عامر بن أمية بن عبد شمس خامس من أسلم ، أسيد بن ثعلبة الأنصاري من أهل بدر ، الأسود بن عيسى بن وهب من أهل بدر ، بشير ابن مسعود الأنصاري من أهل بدر ومن القتلى بواقعة الحرة بالمدينة ،
ثابت أبو فضالة الأنصاري من أهل بدر ، الحارث بن النعمان بن أمية الأنصاري من أهل بدر ، رافع بن خديج الأنصاري ممن شهد أحدا ولم يبلغ وأجازه النبي ( ص ) ،
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 34

كعب بن عمير بن عبادة الأنصاري من أهل بدر ، سماك بن خرشة أبو دجانة الأنصاري من أهل بدر ، سهيل بن عمرو الأنصاري من أهل بدر ، عتيك بن التيهان من أهل بدر ، ثابت بن عبيد الأنصاري من أهل بدر ، ثابت بن حطيم ابن عدي
الأنصاري من أهل بدر ، سهيل بن حنيف الأنصاري من أهل بدر ، أبو مسعود عقبة بن عمر من أهل بدر ، أبو رافع مولى رسول الله ( ص ) الذي شهد مشاهده كلها مع مشاهد علي ( ع ) وممن بايع البيعتين العقبة والرضوان وهاجر الهجرتين
للحبشة مع جعفر وللمدينة مع المسلمين ، أبو بردة بن دينار الأنصاري من أهل بدر ، أبو عمر الأنصاري من أهل بدر ، أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري من أهل بدر ، عقبة بن عمر بن ثعلبة الأنصاري من أهل بدر ، قرظة بن كعب الأنصاري
، بشير بن عبد المنذر الأنصاري أحد النقباء ببيعة العقبة ، يزيد بن نويرة بن الحارث الأنصاري ممن شهد له النبي ( ص ) بالجنة ، ثابت بن عبد الله الأنصاري ، جبلة بن ثعلبة الأنصاري ، جبلة بن عمير بن أوس الأنصاري ، حبيب بن بديل بن
ورقاء الخزاعي ، زيد بن أرقم الأنصاري شهد مع النبي ( ص ) سبعة عشر وقعة ، أعين بن ضبيعة بن ناجية التميمي ، الأصبغ بن نباتة ، يزيد الأسلمي من أهل بيعة الرضوان ، تميم بن خزام ، ثابت ابن دينار أبو حمزة الثمالي صاحب الدعاء
المعروف ، جندب بن زهير الأزدي ، جعدة بن هبيرة المخزومي ، حارثة بن قدامة التميمي ، جبير بن الجناب الأنصاري ، حبيب بن مظاهر الأسدي ، حكيم بن جبلة العبدي الليثي ، خالد ابن أبي دجانة الأنصاري ، خالد بن الوليد الأنصاري ، زيد
بن صوحان الليثي ، الحجاج بن غاربة الأنصاري ، زيد بن شرحبيل الأنصاري ، زيد بن جبلة التميمي ، بديل بن ورقاء الخزاعي ، أبو عثمان الأنصاري ، مسعود بن مالك الأسدي ، ثعلبة أبو عمرة الأنصاري ، أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ،
عبد الله بن حزام الأنصاري شهيد أحد ، سعد بن منصور الثقفي ، سعد بن الحارث ابن الصمد الأنصاري ، الحارث بن عمر الأنصاري ، سليمان بن صرد الخزاعي ، شرحبيل بن مرة الهمداني ، شبيب بن رت النميري ، سهل بن عمر
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 35

صاحب المربد ، سهيل بن عمر أخو سهل المار ذكره ، عبد الرحمن الخزاعي ، عبد الله بن خراش ، عبد الله بن سهيل الأنصاري ، عبيد الله بن العازر ، عدي ابن حاتم الطائي ، عروة بن مالك الأسلمي ، عقبة بن عامر السلمي ، عمر بن هلال
الأنصاري ، عمر بن أنس بن عون الأنصاري من أهل بدر ، هند بن أبي هالة الأسدي ، وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة ، هاني بن عروة المذحجي ، هبيرة بن النعمان الجعفي ، يزيد بن قيس بن عبد الله ، يزيد بن حوريت الأنصاري ، يعلى بن
عمير النهدي ، أنس بن مدرك الخثعمي ، عمرو العبدي الليثي ، عميرة الليثي ، عليم بن سلمة التميمي ، عمير بن حارث السلمي ، علباء بن الهيثم بن جرير وأبوه الهيثم من قواد الحملة في قتال الفرس بواقعة ذي قار ، عون بن عبد الله الأزدي ،
علاء بن عمر الأنصاري ، نهشل بن ضمرة الحنظلي ، المهاجر بن خالد المخزومي ، مخنف بن سليم العبدي الليثي ، محمد بن عمير التميمي ، حازم بن أبي حازم النجلي ، عبيد بن التيهان الأنصاري ، وهو أول المبايعين للنبي ليلة العقبة ،
أبو فضالة الأنصاري ، أويس القرني الأنصاري ، زياد بن النضر الحارثي ، عوض بن علاط السلمي معاذ بن عفراء الأنصاري ، عبد الله بن سليم العبدي الليثي ، علاء بن عروة الأزدي ، القاسم بن سليم العبدي الليثي ، عبد الله بن رقية
العبدي الليثي ، منقذ بن النعمان العبدي الليثي ، الحارث بن حسان الذهلي صاحب راية بكر بن وائل ، بجير بن دلجة ، يزيد بن حجية التميمي ، عامر بن قيس الطائي ، رافع الغطفاني الأشجعي ، سالم بن أبي الجعد ، عبيد بن أبي الجعد ، زياد بن
أبي الجعد ، أبان ابن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس من أمراء السرايا أيام النبي ( ص ) ومن خلص أصحاب الإمام علي ( ع ) . حرملة بن المنذر الطائي أبو زبيد ، والمجموع مائة وثلاث وثلاثون .
هذه شريحة أو نماذج من الرواد الأوائل في التشيع ذكرتهم بدون انتقاء أو اختيار وإنما مررت بكتب الرجال فذكرت منها هذه المجموعة وقد نصت على

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 36

تشيعهم المصادر التالية ( 1 ) .
بعد ملاحظة هذه الشريحة من الطبقة الأولى من الشيعة تتضح لنا أمور هامة ، في موضوعنا أعرضها أمام القارئ الواعي الرائد للحق والموضوعية ، وإلا فما أكثر من يقرأ ولا يتجاوز مضمون السطور عينيه ، وقد يقرأ أحيانا ولا يريد أن يصدق
ما يقرأ مع توفر شرائط الصحة فيما يقرأه ومع وجود الثقة النفسية بمضمون ما يقرأه ، ولكنه التكوين النفسي والذهني الذي ينشأ عليه الإنسان منذ الصغر فيكاد يكون غريزة من الغرائز التي يطبع عليها الإنسان .

تعقيب على الرواد من الشيعة هذه الأمور التي ذكرت أني سأعرض لها تعقيبا على نوعية الرواد الأوائل هي :
أولا : إن هؤلاء الشيعة الذين مر ذكرهم مع أنهم كانوا من الذاهبين إلى أولوية الإمام علي ( ع ) بالخلافة لأنه الإمام المفترض الطاعة المنصوص عليه ومع اعتقادهم بأن من تقدم عليه أخذ ما ليس له ومع امتناع كثير منهم من البيعة للخليفة
الأول واعتصامهم ببيت الإمام علي ( ع ) مع كل ذلك لم يعرف عن أحد منهم أنه شتم فردا من الصحابة أو تناوله بطريقة غير مستساغة بل كانوا أكبر من ذلك وأصلب عودا من خصومهم - مما يدل على أن بعض من عرف بظاهرة شتم الصحابة
إنما صدر منه ذلك كعملية رد فعل لأفعال متعددة وسنمر على ذلك قريبا - إنهم مع اختلافهم مع الحكم لم يلجأوا إلى شتم أو بذاء لأنهم يعرفون أن الحقوق لا يوصل إليها بالشتم وليس الشتم من شيم الأبطال ، والذي يريد أن يسجل ظلامة أو يشير إلى حق سليب فإن طرق ذلك ليس منها الشتم في شئ ،


* ( هامش ) *
( 1 ) الكامل للمبرد هامش رغبة الأمل ج7 ص 130 ، وأسد الغابة ج1 ص 35 ط أوفست حرف الألف ، وج1 ص 61 طبع دمشق ،
وفجر الإسلام ص 267 ، والإستيعاب ج1 ص 280 ،
ومدخل موسوعة العتبات المقدسة الفصل الخاص بالشيعة بقلم عبد الواحد الأنصاري . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 37

وإنما هناك مناهج سليمة في الوصول لذلك ، وقد حرص أمير المؤمنين ( ع ) على تربية أتباعه على المنهج السليم ومن مواقفه في ذلك ما رواه نصر بن مزاحم قال : مر أمير المؤمنين ( ع ) على بعض من كان في جيشه بصفين فسمعهم
يشتمون معاوية وأصحابه فقال لابن عدي ولعمر بن الحمق وغيرهما : كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتبرأون ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا ومن أعمالهم كذا وكذا كان أصوب في القول وأبلغ في العذر
وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم اللهم احقن دماءهم ودماءنا ، وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم ، من ضلالهم حتى يعرف
الحق من جهله منهم ، ويرعوي عن الغي والعدوان منهم من لهج به لكان أحب إلي وخيرا لكم فقالوا : يا أمير المؤمنين نقبل
عظتك ونتأدب بأدبك ( 1 ) إن هذا الموقف منه ( ع ) ليشعرهم أن الشتم وسيلة نابية وليست كريمة ثم هي بعد ذلك تنفيس عن طاقة يمكن الاستفادة منها بادخارها وصرفها في عمل إيجابي يضاف لذلك أن الشتم مدعاة للإساءة لمقدسات الشاتم نفسه
ومن هنا حرم الفقهاء شتم الصنم إذا أدى إلى شتم الله تعالى مستفيدين ذلك من قوله تعالى : * ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) * 108 / الأنعام .

من أجل ذلك كله كان الشيعة أطهر ألسنة من أن يشتموا وأبعد عن هذا الموقف النابي ولذلك رأينا كثيرا من الباحثين يؤكدون هذا الجانب في حياة الرواد الأوائل من الشيعة مع أنهم يثبتون عقيدتهم بتقديم الإمام علي ( ع ) ومن هؤلاء :
أ - الدكتور أحمد أمين : يقول عن هؤلاء إنهم قسم المقتصد الذي يرى بأن أبا بكر وعمر وعثمان ومن شايعهم أخطأوا إذ رضوا أن يكونوا خلفاء مع علمهم بفضل علي وإنه خير منهم ( 2 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) صفين لنصر بن مزاحم ص 115 . ( 2 ) فجر الإسلام ص 268 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 38

ب - ابن خلدون يقول : كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك وأسفوا له إلا أن القوم لرسوخ قدمهم في الدين وحرصهم على الإلفة لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف والأسف ( 1 ) .

ج‍ - ابن حجر في الإستيعاب : يقول في ترجمة أبي الطفيل : عامر بن واثلة بن كنانة الليثي أبو الطفيل أدرك من حياة النبي ( ص ) ثمان سنين وكان مولده عام أحد ومات سنة مائة ويقال : إنه آخر من مات ممن رأى النبي ، وقد روى نحو أربعة أحاديث وكان محبا لعلي وكان من أصحابه في مشاهده وكان ثقة مأمونا يعترف بفضل الشيخين إلا أنه يقدم عليا إنتهى باختصار ( 2 ) .

وبعد هذه المقتطفات أود أن ألفت النظر أني خلال مراجعاتي كتب التاريخ لم أر في الفترة التي تمتد من بعد وفاة النبي حتى نهاية خلافة الخلفاء من عمد إلى الشتم من أصحاب الإمام ، وإنما هناك من قيم الخلفاء وقيم الإمام وحتى في أشد جمحات عاطفة الولاء لم نجد من يشتم أحدا ممن تقدم الإمام بالخلافة يقول أبو الأسود الدؤلي :
أحب محمدا حبا شديدا * وعباسا وحمزة والوصيا
يقول الأرذلون بنو قشير * طول الدهر ما تنسى عليا
أحبهم لحب الله حتى * أجئ إذا بعثت على هويا
بنو عم النبي وأقربوه * أحب الناس كلهم إليا
فإن يك حبهم رشدا أصبه * ولست بمخطئ إن كان غيا ( 3 )


* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ ابن خلدون ج3 ص 364 . ( 2 ) الإستيعاب ج 2 ص 452 . ( 3 ) الكامل للمبرد هامش رغبة الأمل ج 7 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 39

يضاف لذلك أنه حتى في الفترة الثانية أي في عهود الأمويين كان معظم الشيعة يتورعون عن شتم أحد من الصحابة ، أو التابعين : يقول ابن خلكان في ترجمة يحيى بن يعمر : كان شيعيا من القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم ( 1 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) وفيات الأعيان ج 2 ص 269 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:55 AM
\الشيعة غير الروافض


- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 40




الفصل الرابع الشيعة غير الروافض

من كل ما ذكرته يتضح أمر آخر وهو أن ما دأب عليه بعض الكتاب من رمي الشيعة بالرفض وتسميتهم بالروافض نشأ مؤخرا وبأسباب خاصة سنذكرها : إن هذا الزمن الذي نشأ فيه نعت الشيعة بالروافض هو في أيام الأمويين ، ولذلك جاءت النصوص تنعت الروافض بأنهم قسم من الشيعة لا الشيعة كما يريد البعض ومن تلك النصوص :
1 - محمد مرتضى الزبيدي في تاج العروس قال : والروافض كل جند تركوا قائدهم والرافضة فرقة منهم ، والرافضة أيضا فرقة من الشيعة قال الأصمعي سموا بذلك لأنهم بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له تبرأ من الشيخين فأبى وقال لا كانا وزيري جدي فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه ( 1 ) .

2 - إسماعيل بن حماد الجوهري قال في الصحاح : عند مادة رفض موردا نفس المضمون الذي ذكره الزبيدي فكأنه نسخة طبق الأصل ( 2 ) .


* ( هامش ) *

( 1 )
تاج العروسج 5 ص 34 . ( 2 )صحاح الجوهريج 3 ص 1078 تسلسل عام الكتاب . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 41



3 -القاضي عياض : فرق القاضي عياض في كتابه ترتيب المدارك في أعلام مذهب مالك بين الشيعة والرافضة وذلك حينما قارن مذهب الإمام مالك بغيره فقال : فلم نر مذهبا من المذاهب غيره أسلم منه فإن فيهم الجهمية والرافضة والخوارج والمرجئة والشيعة إلا مذهب مالك فإنا ما سمعنا أحدا من نقلة مذهبه قال بشئ من هذه البدع ( 1 ) .

ومن الواضح من هذه الجملة أن الرافضة غير الشيعة لمكان التغاير الناتج من العطف . ومن هذا ومن غيره مما نقله أصحاب المقالات مما لا يخرج عن نفس المضمون يتضح أن اصطلاح الروافض مأخوذ بمعناه اللغوي في أنه لكل جند رفضوا قائدهم ، وتطبيقه على أصحاب زيد من باب تطبيق الكلي على أحد مصاديقه وإلى هنا فإن المسألة طبيعية .

لكن الذي يلفت النظر أن يكون أصحاب زيد طلبوا منه البراءة من الشيخين فإن ذلك محل تأمل طويل للأسباب التالية :

1 - إن هؤلاء الذين طلبوا البراءة لو كانوا شيعة فلا بد أنهم حريصون على نصر زيد وكسب المعركة ضرورة أن مصيرهم
مرتبط بمصير زيد فإذا هزم فمعنى ذلك القضاء عليهم قضاء تاما خصوصا وأن خصومهم الأمويون الذين يقتلون على الظنة
والتهمة كل من يميل إلى آل أبي طالب ، فما الذي دفعهم إلى خلق هذه البلبلة التي أدت إلى انفضاض جند زيد عنه وبالتالي إلى خسارته للمعركة فموته شهيدا على أيدي الأمويين فلا بد أن يكون هؤلاء ليسوا من الشيعة وإنما هم جماعة مندسة أرادت إحداث البلبلة للقضاء على زيد واحتمال كسبه للمعركة .

2 - وعلى فرض التنزل والقول بوجود فرقة خاصة من رأيها رفض الشيخين فما معنى سحب هذا اللقب على كل شيعي يوالي أهل البيت حتى أصبح هذا الأمر من المسلمات فوجدنا الإمام الشافعي يقول في أبياته الشهيرة :


* ( هامش ) *
( 1 )ترتيب المدارك ج 1 ص 51 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 42




يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بقاعد جمعها والناهض
سحرا إذا فاضل الحجيج إلى منى * فيضا كملتطم الفرات الفائض
أعلمتم أن التشيع مذهبي * إني أقول به ولست بناقض
إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أني رافضي


البيت الأخير من هذه الأبيات ذكره الزبيدي في تاج العروس في مادة رفض ( 1 )

وباقيها في ترجمة الشافعي بمختلف الكتب . إن تعبير الإمام الشافعي : إن كان رفضا حب آل محمد يدل على أن هناك إرادة لسحب اللقب وهو رافضي على كل شيعي مبالغة في التشهير بهم وشحن المشاعر ضدهم مما سنلمح كثيرا من الأمثلة له ، ومما يؤيد على أنها تتمشى مع تخطيط شامل يستهدف محاصرة التشيع والتشهير به وبكل وسيلة سليمة كانت أم لا .

3 - قد يقال إنه لا شك في وجود جماعة شتامين للصحابة فما هو السبب في كونهم من هذا الصنف في حين تدعون أن
الشتم لا تقره الشيعة ولا أئمتهم وللجواب على هذا السؤال لا بد من الرجوع إلى مجموعة من الأسباب تشكل فعلا عنيفا استوجب رد الفعل ومن هذه الأسباب ما يلي : أسباب الشتم

أ - المطاردة والتنكيل المروع للشيعة وبالشيعة وما تعرضوا له من قتل وإبادة على الظنة والتهمة وفي أحسن الحالات الملاحقة لهم والمحاربة برزقهم ومنعهم عن عطائهم من بيت المال وفرض الضرائب عليهم وعزلهم اجتماعيا وسياسيا وبوسع
القارئ الرجوع إلى التاريخ الأموي في الكوفة وغيرها من المدن الشيعية ليقف بنفسه على ما وصلت إليه الحالة وما انتهى إليه ولاة الأمويين من قسوة ومن هبوط

* ( هامش ) *
( 1 ) تاج العروس ج 5 ص 35 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 43



في الإنسانية إلى مستويات يتبرأ منها الوحش في العهدين الأموي والعباسي ( 1 ) . إن مثل هذا الاضطهاد يستلزم التنفيس عن الكبت فقد يكون هذا التنفيس في عمل إيجابي بشكل من الأشكال وأحيانا قد يكون سلبيا فيلجأ إلى هذا الشتم . ولسنا نبرر ذلك بحال من الأحوال لما سبق أن ذكرناه من أسباب

ب - إن الذي أسس هذه الظاهرة هم الأمويون أنفسهم لأنهم شتموا الإمام عليا ( ع ) على المنابر وشتموا أهل البيت لمدة ثمانين سنة واستمر هذا الوضع حتى أن محاولة الرجل الطيب عمر بن عبد العزيز لم تنجح في منع الشتم وكانت كلمة
الأمويين وبالذات معاوية أنهم إنما أسسوا شتمه ليدرج عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ، فنشأت مقابل ذلك ردة الفعل . ومما عمق هذه الظاهرة : هو الالتواء في معالجة هذه المشكلة من قبل أعلام السنة .
وعلى سبيل المثال نجد ابن تيمية يؤلف كتابه الصارم المسلول في كفر من شتم الرسول أو أحد أصحاب الرسول ، ويحشد
فيه الأدلة على كفر الشاتم ولكنه مع ذلك ومع علمه بما قام به معاوية والأمويون لا يقول بكفر الأمويين الذين قاموا بشتم
الإمام ( ع ) وأهله . إن علي بن أبي طالب أخو رسول الله ( ص ) ومن ضحى بكل ذرة من كيانه في خدمة الإسلام والمسلمين فلماذا لا يكفر شاتمه ؟ وستسمع الجواب طبعا بأنه تاب وغفر الله له وانتهى الأمر .

وإليك مثالا آخر : لقد تولى يزيد بن معاوية الحكم لمدة ثلاث سنوات قتل في سنة منها الحسين وأهل بيت رسول الله وسبى عيالهم وذبح أطفالهم وعمل فيهم أعمالا لا تصدر من كسرى وقيصر .

وفي سنة ثانية قتل عشرة آلاف من المسلمين وسبعمائة من الصحابة حملة القرآن ، واستباح المدينة ثلاثة أيام وسمح لجند
أهل الشام أن يهتكوا أعراض المسلمات وذبح الأطفال حتى كان الجندي الشامي يأخذ الرضيع من ضرع أمه ويقذف به الجدار حتى ينتشر مخه على الجدار وأجبر الناس على بيعة يزيد على


* ( هامش ) *
( 1 )أنظرمروج الذهبللمسعودي ج3 ص 12 ص 50 ، وانظرتاريخ الطبريج 6 ص 344 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 44



أساس أنهم عبيد له ، وأخاف المدينة وروع الناس وأحال أرض المدينة المنورة إلى برك من الدماء وتلول من الأشلاء .
وفي سنة ثالثة سلط المنجنيقات على الكعبة وهدمها وأحرقها وزعزع أركانها وجعل القتال داخل المسجد الحرام وسال الدم حتى في قاع الكعبة وقد استعرض ذلك مفصلا كل من تاريخ الخميس للديار بكري والطبري وابن الأثير والمسعودي في
مروج الذهب وغيرهم من المؤرخين في أحداث سنة ستين حتى ثلاث وستين من الهجرة . ومع ذلك كله تجد كثيرا من أعلام السنة يخطئون من يخرج لقتال يزيد وأن الخارج عليه يحدث فتنة ووصل الأمر إلى حد تخطئه الحسين ( ع ) سيد شباب أهل
الجنة فكأن النبي ( ص ) عندما قال : " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " ما كان يعلم بأنه يقاتل يزيد وحينما يقول النبي ( ص ) : " إن الحسين وأصحابه يدخلون الجنة بغير حساب "( 1 ) لم يأخذ في حسابه أنهم خارجون على يزيد اللهم
اهد قومنا ، وكأن ابن العربي المالكي أعرف بمصائر الأمور من النبي نفسه الذي يرسم للحسين مصيره ويأمره بتنفيذ ذلك ، أرأيت معي إلى أي مستوى من المهازل تصل الدنيا ؟

وهذا الإمام الغزالي الذي سنقف قريبا معه وقفة قصيرة يقول وأمام عينيه عشرات من كتب السير والتاريخ التي تؤكد بالطرق الموثوقة بشاعة الأحداث التي تمت بأمر يزيد وبفعله المباشر لبعضها . يقول في باب اللعن من كتابه إحياء العلوم : فإن قيل :
هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين ، أو أمر به ، قلنا هذا لم يثبت أصلا فلا يجوز أن يقال إنه قتله أو أمر به ما لم يثبت ، فضلا عن لعنه ، لأنه لا يجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ، إلى أن قال : فإن قيل : أن يقال " قاتل الحسين لعنه الله ، أو الآمر بقتله لعنه الله " قلنا : الصواب أن يقال قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله ( 2 ) .


* ( هامش ) *
( 1 )تهذيب التهذيبلابن حجر ج2 ص 347 . ( 2 )إحياء العلومج2 ص 276 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:56 AM
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 45



بربك أيها القارئ هل تملك أعصابك وأنت تسمع مثل هذا الكلام يصدر من مثل هذا الشخص ؟ .
هل كل كتب السير والتاريخ عند المسلمين والتي نصت على صدور هذه الأحداث أمرا ومباشرة من يزيد كلها لا تثبت أفعال يزيد ولا تدينه ؟ ! وعنده أن يزيد وأمثاله من قتلة الأنبياء وأبناء الأنبياء ممن يوفقون للتوبة ؟ !
إن كل وسائل الإثبات لا تثبت إدانة يزيد عند الغزالي ، ولكن يثبت عنده من طيف رآه أنه رأى الله تعالى واجتمع به ووضع يده بيده وحادثه وأفاض عليه من نوره ( 1 ) .

يقول صاحب مفتاح السعادة : إن أبا بكر النساج ألحد الغزالي في قبره وخرج متغير اللون فسألوه عن ذلك فقال : رأيت يدا يمنى خرجت من تجاه القبلة وسمعت مناديا ينادي ضع يد محمد الغزالي في يد سيد المرسلين ( 2 ) إن أمثال هذه المواقف
تثبت بوسائل إثبات من هذا النوع ولكن كتب التاريخ كلها لا تشكل وسيلة إثبات في إدانة يزيد ! . . . ويصل الأمر إلى رمي آل البيت بالشذوذ فضلا عن عدم ترتيب الأثر على شتمهم فيقول ابن خلدون في المقدمة : وشذ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها
وفقه انفردوا به وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح وعلى قولهم بعصمة الأئمة ورفع الخلاف عن أقوالهم وهي كلها أصول واهية .

يقول ذلك ونصب عينيه أحاديث النبي ( ص ) في أهل بيته كما رواه ابن حجر بصواعقه( 3 ) " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله تعالى فانظروا من توفدون "

ونصب عينه أيضا ما قاله النبي ( ص ) كما رواه الحاكم في المستدرك : " ومن أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني بها ربي


* ( هامش ) *
( 1 )أنظرالغديرللأميني ج 11 ص 161 . ( 2 )المصدر السابق نفس الصفحات .
( 3 )
الصواعق المحرقةلابنحجر ص 128 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 46



وهي جنة الخلد فليتول عليا وذريته من بعدي فإنهم لم يخرجوكم من هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة ( 1 ) " .
ومع ذلك كله فأهل البيت شاذون مبتدعون في نظر الشعوبي ابن خلدون إني والله يعلم إذ أورد أمثال هذه المقاطع إنما أريد وضع اليد على الدملة التي أهلكنا التهابها عبر السنين .

إن أمثال هذه المواقف إنما تعمق جذور الخلاف فيكون التنفيس عنها سلبيا أحيانا إن كتاب المسلمين مسؤولون عن شجب هذه المواقف التي رحل واضعوها وبقيت مصدر بلاء على المسلمين . وإن مما يبعث على الاستغراب أن يسكت علماء وكتاب
المسلمين على أقوال ابن خلدون وأمثاله مع قيام الأدلة على أن آل محمد هم الامتداد المضموني لمحمد صلى الله عليه وآله . بالإضافة إلى ذلك كله إن السنن التي تروى عن طريق أهل البيت ( ع ) لا يعمل بها بينما يعمل ببدع واستحسانات وردت عن
طريق غيرهم خذ مثلا مسألة الأذان الذي حذف منه فقرة حي على خير العمل مع ثبوتها وأنها جزء من الأذان بطرق مختلفة يقول صاحب مبادئ الفقه في هذا الموضوع ما يلي : كيفية الأذان هي : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن
لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله .

هذا هو الأذان الذي اتفق البصريون والكوفيون على كلماته ، وتبعهما الشاميون والمصريون ومذاهب الحجازيين والزيدية والمالكية إلى أن كلمة الله أكبر في أول الأذان مرتان لا أربع وعليه عمل أهل المدينة وأما " الصلاة خير من النوم " فليست
من الأذان الشرعي : ففي تيسير الوصول عن مالك أنه بلغه أن المؤذن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال : الصلاة خير من النوم فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح . ولذلك قال أبو حنيفة : هذه الجملة تزاد بعد إكمال


* ( هامش ) *
( 1 )مستدرك الحاكمج 3 ص 148 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 47



الأذان لأنها ليست من السنة . أما " حي على خير العمل " فمذاهب العترة أنها بين حي على الفلاح وبين الله أكبر ، " دليلهم في ذلك من كتب السنة ما يلي : روى البيهقي في سننه أن علي ابن الحسين زين العابدين كان يقول إذا قال حي على الفلاح حي على خير العمل ويقول هو الأذان الأول .

وأورد في شرح التجريد مثل هذه الرواية عن ابن أبي شيبة ثم قال : : وليس يجوز أن يحمل قوله " هو الأذان الأول " إلا على أنه أذان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وزاد رواية أخرى عن ابن عمر : أنه ربما زاد في أذانه حي على خير العمل ، وأورد البيهقي هذه الرواية عن ابن عمر أيضا .

ونقل ابن الوزير عن المحب الطبري الشافعي في كتابه إحكام الأحكام ما نصه : ذكر الحيعلة بحي على خير العمل عن
صدقة بن يسار عن ابن أمامة سهل بن حنيف أنه كان إذا أذن قال : " حي على خير العمل " أخرجه سعيد بن منصور ،
وروى ابن حزم في كتاب الإجماع عن ابن عمر : أنه كان يقول " حي على خير العمل " .
وقال علاء الدين مغلطاي الحنفي في كتاب التلويح شرح الجامع الصحيح : ما لفظه : وأما حي على خير العمل فذكر ابن حزم أنه صح عن عبد الله بن عمرو وأبي أمامة سهل بن حنيف أنهما كانا يقولان في أذانهما " حي على خير العمل " وكان علي بن الحسين يفعله

وذكر سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح العضدي على مختصر الأصول لابن الحاجب أن حي على خير العمل كان ثابتا على عهد رسول الله وأن عمر هو الذي أصر أن يكف الناس عن ذلك مخافة أن يثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا على الصلاة .

وقال ابن حميد في توضيحه : وقد ذكر الروياني أن للشافعي قولا مشهورا بالقول به ، وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أن حي على خير العمل كان من ألفاظ الأذان .


- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 48



قال الزركشي في البحر المحيط : ومنها ما الخلاف فيه موجود كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر عميد أهل المدينة يرى إفراد الأذان والقول فيه حي على خير العمل ( 1 ) وبعد كل ما ذكرناه وما ورد في هذا الفصل المدعوم بروايات صحيحة
في طرق أهل السنة فلماذا يا ترى لا يعمل بما ورد عن آل محمد وبطريقهم من السنن الصحيحة مع أنهم محال رحمة الله وبيوتهم مهابط وحيه وصدورهم عيبة علم النبي ألا يبعث هذا على الدهشة ؟

في حين نرى من غيرهم أحكاما لا تلتقي بحال من الأحوال مع المدارك السليمة ومع ذلك يؤخذ بها وتعتبر مدركا من المدارك فعلى ماذا تحمل هذه الأمور إن لم تحمل والعياذ بالله على البعد عن آل محمد وهم عدل الكتاب بنص النبي عليه السلام
خذ مثلا : ما ذهب إليه بعض فقهاء السنة من أن الإنسان إذا ترك الصلاة عمدا لا يجب عليه قضاؤها أما إذا تركها نسيانا فيجب عليه قضاؤها ( 2 ) واعتقد أن ذلك يخرج على رأي من يقول إن الكافر لا يكلف بالفروع ، وحيث إن التارك عمدا يمكن أن يكون تركه لها لعدم الإيمان بها أساسا فهو كافر ومهما يكن فإن هذا من الفروع البعيدة . عن روح الأحكام الصحيحة .

* ( هامش ) *
( 1 )نقلت هذا الفصل من كتابمبادئالفقهلمحمد سعيد العوفي ص 52 طبع دمشق الثالثة 1977
( 2 )

نيل الأوطارللشوكاني ط مصر 1952 ج 2 ص 27 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:57 AM
فارسية التشيع
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 51

الباب الثاني وفيه فصول
الفصل الأول فارسية التشيع
هذا موضوع من المواضيع التي كثر الحديث حولها وهي في واقعها تكون جزءا من محاصرة التشيع كما سبق أن ألمعت
لذلك . إن خصوم الشيعة ومن تبعهم من المستشرقين وكل يضرب على وتر يستهدفه ، جعلوا هذه القضية من الأمور المسلمة
وضلع تلامذتهم في ركابهم وحشدوا كل وسائلهم لترسيخها في الأذهان فما تركوا وسيلة لإثبات أن التشيع فارسي شكلا ومضمونا إلا وأخذوا بها من تفاهة هذا المدعى كما سنرى ومع أنه من قبيل رمتني بدائها وانسلت والغريب أن هذه الفرية
تعيش للآن مع وضوح الرؤية وانتشار المعارف وانكشاف الحقائق وسأبحث هذا الموضوع مفصلا نظرا لأهميته .

إن التشيع في معناه اللغوي : المناصرة والموالاة ، وبالمعنى الاصطلاحي هو الاعتقاد بأفكار معينة يشكل مجموعها مضمون التشيع ، فكيف والحالة هذه أن نتصور كون التشيع فارسيا ؟ وحتى نستوعب النقاط المتصورة في هذا الموضوع لا بد من شرح أمور ننتهي معها إلى مقدار ما في هذا الادعاء من نسبة علمية أو تهريج فلا بد من ذكر أمور :
أولا : إن المضمون الفكري للتشيع هو نفس المضمون الإسلامي ، وأي مضمون يشذ عن المضمون الإسلامي في العقيدة والأحكام فالشيعة منه براء
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 52

بدليل أن مصادر التشريع عند الشيعة هي أربعة أذكرها لك على التوالي :
أ - الكتاب الكريم : وهو ما أنزل بمضامينه وألفاظه وأسلوبه واعتبر قرآنا وهو هذا المجموع بين الدفتين المتداول بأيدي المسلمين المنزه عن النقص والتحريف والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والمتواتر بكلماته وحروفه بالتواتر القطعي من عهد النبوة حتى يومنا هذا وقد جمع على عهد النبي بوضعه الحالي وكان جبرئيل يعرضه على النبي ( ص ) كل عام ( 1 ) .

ب - السنة الشريفة : وهي قول المعصوم وفعله وتقريره الواصلة إلينا بالطريق الصحيح عن الثقات العدول ، والتي لا يتم لنا الوصول إلى ملابسات الأحكام بدونها والتي جاء دليل حجيتها من القرآن الكريم بقوله تعالى : * ( وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ) * 7 / الحشر .

ج‍ - الإجماع : الذي يكشف ضمنا عن قول المعصوم سواء قل المجمعون أم كثروا وسواء كان دليلا مستقلا مقابل الكتاب والسنة والعقل أم أنه طريق وحاك عن رأي المعصوم ، وأدلة حجيته مفصلة في الكتاب والسنة والعقل .

د - دليل العقل : ويرجع إليه وإلى قواعده عند فقدان النصوص أو تعارض الأدلة في تفصيل لا داعي لشرحه هنا : وملخصه : هو إدراك العقل بما هو عقل للحسن والقبح في بعض الأفعال الملازم لإدراكه تطابق العقلاء عليه وذلك ناتج من تأدب العقل بذلك وبما أن الشارع سيد العقلاء فقد حصل إدراك حكم الشارع قطعا وليس


* ( هامش ) *
( 1 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 163 ، والبيان للخوئي ص 197 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 53

وراء القطع حجة . ونظرا لأهمية التعرف على تفصيل هذه المصادر فإني أحيل من يريد التوسع في فهمها واستيعاب معانيها إلى مجموعة من المصادر هي التالية ( 1 ) : إن هذه المصادر التشريعية هي المكونات العضوية لهيكل الشريعة الإسلامية
باتفاق جمهور المسلمين على اختلاف بسيط في بعض تفاصيلها ولما كانت هي مصادر التشريع عند الإمامية فما معنى وصف التشيع بالفارسية . إذا كان الباحثون في التشيع يقصدون من الفارسية مضمون التشيع الفكري . وهذا ما أستبعده فإنه لا يمكن
أن يقول به قائل ، إذ لا يتصور أن إنسانا يفترض لأحكام شرعية نوعا من العرقية ، وعليه فلا بد من استبعاد هذا الفرض من فارسية التشيع والرجوع إلى فروض أخرى في هذا الموضوع يفترضها الباحثون .

هناك فرض آخر لتصور فارسية التشيع : هو أن هناك مفاهيم معينة بالحضارة الفارسية انتقلت إلى التشيع بمعناه الاصطلاحي عن طريق من اعتنق التشيع من الفرس ولم يستوعب التشيع كل أبعادهم فجاء من تصور هذه المعتقدات جزءا من ماهية
التشيع . وبقيت هكذا يتداولها خلف عن سلف . وهذا الفرض قد صرح به أكثر من باحث كما سأذكره لك بعد قليل . وفيما يخص هذه الصورة وهذا الفرض لا بد من الإشارة لأمور :
تعقيب أ - إن هذا الإشكال بناءا على فرض حدوث مضمونه ، فإنه يرد على المضمون الإسلامي نفسه حيث نص على ذلك معظم من كتب في الحضارة


* ( هامش ) *
( 1 ) الأصول العامة للفقه المقارن ص 279 حتى ص 300 وانظر أصول الفقه للمظفر ج3 ص 338 فصاعدا وانظر البيان للسيد الخوئي مبحث صيانة القرآن عن التحريف . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:58 AM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 54

الإسلامية وخصوصا في الفترة الأولى من العهود الإسلامية والتي شكلت مضامين العقيدة فيها جدولا انصب فيه أكثر من رافد ورافد عن طريق الأمم التي اعتنقت الإسلام جماعات منها ودخلت وهي تحمل أفكارها وعقائدها التي لم تتخلص منها
وظهرت في الأفكار والسلوك كجماعات الروم والفرس والصينيين والعبريين ولعل اليهود أكثر الجماعات تأثيرا في الحضارة الإسلامية حيث تبدو روحهم واضحة في هذه الميادين . وذلك لأنهم استأثروا بالتفسير وبالقصص الديني لأنهم أهل كتاب
وفيهم كثير من الأحبار الذين يحفظون أحكام التوراة وقصص الأمم التي حفظتها الحضارة العبرية والأساطير التي رافقت تلك
القصص ، ولما كانت الجزيرة العربية فقيرة إلى الأفكار الدينية والمضامين الثقافية لعب الفكر اليهودي دورا هاما في ملء
هذا الفراغ وخصوصا في الفكر السني الذي حاول أن يتخلص من هذا الرداء ويخلعه على الشيعة عن طريق الشخصية الوهمية عبد الله بن سبأ كما سنبرهن لك على وهمية هذه الشخصية قريبا . ولكن حقائق الأمور والبحث الدقيق يثبت عكس ما
ادعاه هؤلاء القوم وما نسبوه للشيعة . أجل إن آراء اليهود انتقلت إلى الفكر الإسلامي عن طريق كعب الأحبار ووهب بن
منبه وعبد الله بن سلام وغيرهم وأخذت مكانها في كتب التفسير والحديث والتاريخ وتركت بصماتها على كثير من بنود
الشريعة . إن بوسع أي باحث الوقوف على ذلك في كتب كثيرة مثل تاريخ الطبري ، وتفسيره جامع البيان ، وفي كتاب البخاري وغيره من المؤلفات مما سنشير إلى مصادره عند ذكره . وستجد فصلا ممتعا في تعليل العداوة بين الإنسان والحية
يذكره الطبري في تفسير بسنده عن وهب بن منبه وذلك عند تفسيره للآية السادسة والثلاثين من سورة البقرة وهي قوله تعالى : * ( قلنا اهبطوا منها بعضكم لبعض عدو ) * الخ ، يقول الطبري وأحسب أن الحرب التي بيننا - أي نحن والحيات - كان
أصله ما ذكره علماؤنا الذين قدمنا الرواية عنهم في إدخالهن - يعني الحيات - إبليس الجنة بعد أن أخرجه الله منها ، ويستمر في سرد أفكار عجيبة يستحسن أن يقرأها من
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 55

يريد الفائدة من تفسيره ( 1 ) ويقول الطبري في تاريخه عند شرح الذبح العظيم الذي فدى به إبراهيم ولده إسماعيل بأمر الله تعالى : إن الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه ( 2 ) . وينقل في تاريخه قصصا تلمس عليها
الروح اليهودي واضحا ومن ذلك ما ذكره فقال : تزوج إسحاق امرأة فحملت بغلامين في بطن واحد فلما أرادت أن تضعهما اقتتل الغلامان في بطنها فأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص فقال عيص والله لئن خرجت قبلي لأعترضن في بطن أمي
ولأقتلنها فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله وأخذ يعقوب بعقبه فسمي عيص عيصا لأنه عصى وسمي يعقوب يعقوبا لأنه خرج بعقب عيص ، وكبر الغلامان وكان عيص أحب إلى أبيه ويعقوب أحب إلى أمه وكان عيص صاحب صيد فلما عمي إسحاق
قال لعيص أطعمني لحم صيد واقترب مني حتى أدعو لك ، وكان عيص أشعر - أي كثير الشعر - ويعقوب أجرد فخرج عيص يتصيد وقالت أمه لإسحاق إذبح كبشا ثم اشوه والبس جلده وقدمه لأبيك كي يدعو لك فلما مسه قال من أنت ؟ قال :
عيص ، فقال : المس مس عيص والريح ريح يعقوب فقالت أمه : هو ابنك عيص فادعو له الخ ( 3 ) ولست أدري كيف كان إسحاق لا يعرف أصوات أولاده وكيف تطلب الأم البركة من دعوات إسحاق وهي تكذب وكيف يكذب أبناؤها وأي بيت نبي
هذا البيت الذي يكون أعضاؤه من هذا النوع ، ثم أي اسم مشتق مثل يعقوب أو إسحاق أو عيص لا يصلح لأن يشتق منه أمثال هذه الخزعبلات وهذا الهراء والسخف . وأما الإمام البخاري فإنك تلمس الروح الإسرائيلي في كثير من رواياته


* ( هامش ) *
( 1 ) تفسير الطبري ج1 ص 234 .
( 2 ) تاريخ الطبري ج1 ص 142 . وإذا كان يمكن لكبش أن يعيش هذه المدة الطويلة كما هو في الفكر السني فلماذا يستكثر علينا إذا قلنا أن شخصا عاش منذ ألف ومائة سنة تقريبا للآن ولا يستكثر على من يفرض أن كبشا عاش آلافا مؤلفة من السنين .
( 3 ) تاريخ الطبري ج 1 ص 164 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 56

وإليك نماذج من تلك الروايات التي يتضح فيها هذا الروح : يقول البخاري : بسنده عن أبي هريرة : ما من بني آدم مولود يولد إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها ( 1 ) وما أدري إذا كان هذا فضيلة فلم حرم
منها نبينا ( ص ) وهو سيد الأنبياء وإذا لم يكن ذلك فضيلة فما قيمة ذكرها ، وما ذنب الأنبياء الباقين يمسهم الشيطان . ويقول البخاري بسنده عن عائشة أم المؤمنين : إن النبي ( ص ) سحر حتى كان يخيل إليه أنه كان يفعل الشئ ولا يفعله ( 2 ) .

ويروي البخاري قصة موسى حين نزل إليه ملك الموت لقبض روحه فصكه موسى على عينه حتى فقأها إلى أن قال : قال الله تعالى لملك الموت ارجع إليه وقل له ليضع يده على جلد ثور فله بكل شعرة غطتها يده عمر سنة الخ ( 3 ) .
وفي الواقع إن هذه العملية طريفة فإن الشعر الذي يغطيه الكف ربما يصل إلى خمسة آلاف شعرة ، وعمر نبي الله موسى معروف فإما أن نكذب الرواية أو نكذب التاريخ .

وذكر البخاري بسنده عن أم المؤمنين عائشة أن النبي ( ص ) مكث كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي إلي أن قال لي : يا عائشة إن الله أفتاني في أمر استفيته فيه أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رجلي
للآخر ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب - أي مسحور - قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم الخ إلى أن ذهب عنه أثر السحر بعد مدة ( 4 ) . ومعنى هذه الرواية أن النبي ( ص ) أصيب بفقدان الذاكرة أو بالفصام وما أدري ما هو حال الوحي خلال هذه المدة فإذا جاز أن يصاب النبي بمثل هذا


* ( هامش ) *
( 1 ) البخاري ج4 ص 164 . ( 2 ) البخاري ج4 ص 122 . ( 3 ) البخاري ج4 ص 157 . ( 4 ) البخاري ج8 ص 18 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 57

المرض فما هو مقدار الثقة بالوحي وعلى كل تبقى مسؤولية الرواية على عاتق أم المؤمنين والبخاري ، ولقد حفل كتاب البخاري بمثل هذا اللون من الفكر اليهودي وذلك من قبيل ما ذكره في كتاب الاستئذان باب بدء السلام قال : بإسناده عن أبي
هريرة عن النبي ( ص ) خلق الله آدم على صورته - الضمير يعود لله تعالى إذ لا معنى لعوده لآدم قبل أن يخلق آدم وتعرف صورته - طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال : إذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك
وتحية ذريتك فقال : السلام عليكم فقالوا : السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله فكل من يدخل الجنة على صورة آدم
فلم يزل الخلق ينقصون حتى الآن ( 1 ) إلى أمثال ذلك من هذه الروايات العبقرية ، ومع هذا اللون من الفكر الغريب عن
روح الإسلام للزومه التجسيم والهرطقة فما وجدنا من ينبز حملة هذا الفكر بالخروج عن الإسلام أو باليهودية لنقلهم هذا الفكر الإسرائيلي إلى الإسلام أما إذا قدر أن شخصا تشيع وحمل معه شيئا من أفكاره للتشيع تحول التشيع فورا إلى يهودية أو
نصرانية مع أن تبعة كل فكر تقع على حامله وقد أسلفنا أن كل ما ينافي الإسلام يأباه التشيع جملة وتفصيلا . وعلى تقدير أن هناك مجموعة من الأفكار نقلها الفرس الذين تشيعوا معهم للفكر الشيعي : كالقول بالحق الإلهي الذي يقول به الفرس بالنسبة
لملوكهم ويقول به الشيعة بالنسبة لأئمتهم - مع وجود فوارق بين الأمرين - وحتى أي مفهوم يحصل به التقاء بين الفكرين كما يصوره البعض فإن ذلك لا يوجد قدحا في العقيدة ما دامت الأصول التي يتحقق معها عنوان الإسلام محفوظة عند الشيعة
بحيث إذا وجدت كان الإنسان مسلما باعتناقها ونحن نعلم أن الأصول التي تحدد إسلام المسلم هي ما حدده النبي نفسه كما في صحيح البخاري عن أنس قال : قال رسول الله ( ص ) : من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته ، كما أخرج البخاري عن


* ( هامش ) *
( 1 ) البخاري ج8 ص 50 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 02:59 AM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 58

علي ( ع ) ، أنه سأل النبي ( ص ) يوم خيبر على ماذا أقاتل الناس ؟ فقال ( ص ) : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم ( 1 ) .
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( ع ) : الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس ( 2 ) فصفة الإسلام ثابتة لمن قال بالشهادتين سواء اعتقد أن الإمامة
نص من الله تعالى فهي حق إلهي ، أو بالشورى فهي حق للجماعة يضعونه حيث تتوفر المؤهلات ، وحتى لو لم يكن لمعتقد الإمامة بالنص شبهة من دليل بل لو ذهب إلى أبعد من ذلك فابتدع وكان من أهل البدع فإن علماء المسلمين لا ينبزونه ولا يكفرونه .

فقد عقد ابن حزم فصلا مطولا في كتابه الفصل في باب من يكفر أو لا يكفر وقد قال في ذلك الفصل : ذهبت طائفة إلى أنه
لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فعل ، وأن كل من اجتهد في شئ من ذلك فدان بما رأى أنه الحق فإنه مأجور
على كل حال إن أصاب فأجران وإن أخطأ فأجر واحد وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداوود بن علي وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة لا نعلم خلافا في ذلك أصلا ( 3 ) .

ويروي أحمد بن زاهر السرخسي وهو من أصحاب الإمام أبي الحسن الأشعري وقد توفي الأشعري بداره وقال : أمرني الأشعري بجمع أصحابه فجمعتهم له فقال اشهدوا علي أني لا أكفر أحدا من أهل القبلة بذنب لأني رأيتهم كلهم يشيرون إلى معبود واحد والإسلام يشملهم ويعمهم ( 4 ) .
وبعد ذلك كله فما هو وجه ربط التشيع باليهودية لأن فيه أفكار فارسية أو


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر صحيح مسلم ج2 باب فضائل علي ، والبخاري ج3 باب غزوة خيبر .
( 2 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 18 .
( 3 ) الفصل لابن حزم ج 3 ص 247 .
( 4 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 32 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 59

نعته بأنه أثر فارسي إذا كان هناك بضعة أفكار نقلها معه بعض من أسلم منهم ودان بها وهي لا تتعدى رأيا أخذ به بشبهه من دليل أو حتى ببدعة كما مر عليك وقد عرفت آراء العلماء في ذلك .
إن هذا التهور على المسلمين والتهريج عليهم من خطل الرأي وسنوقفك عن قريب على مصادر ما ذهب إليه الشيعة من الكتاب والسنة وإن حسبه البعض أنه اقتباس من الفرس أما لقلة اطلاع أو لسوء قصد والله من وراء القصد .

ج‍ - إن هذه الدعوى المقلوبة وهي فارسية التشيع سنوقفك قريبا على إثبات عكسها وأقول على فرض صحتها فما هو البأس في ذلك إذا كان الفارسي مسلما ونحن نتكلم بلغة الإسلام طبعا وشعارنا * ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) * 13 / الحجرات .

فلماذا هذا الموقف وكيف ينسجم مع روح الإسلام ولو كنا نتكلم من منطلق قومي فإن لغة أخرى ستكون لنا حينئذ ولا يكون لنا أي مناقشة مع المتكلم بها هذا مع أن العقل والمنطق القومي السليم يحتم احترام القوميات الأخرى إذا أراد احترام قوميته وما
أروع كلمة الإمام الصادق ( ع ) في هذا المقام إذ يقول : ليس من العصبية أن تحب قومك ولكن من العصبية أن تجعل شرار قومك خيرا من خيار غيرهم ، إن لغة الإسلام لا تفرق بين جنس وجنس فلا يعتبر مسلما من يتكلم بهذه اللغة ، أما إذا كان له
دوافع وراء هذه اللغة غير إسلامية فلا تخفى على القارئ الفطن إن من يعتبر الناس مغفلين لهو المغفل الأكبر وسنرى عن قريب الدوافع من وراء هذه المزاعم .

هناك فرض آخر في تصور فارسية التشيع وهو أن كل أو غالبية الشيعة فرس وقد طغت أفكارهم الفارسية على التشيع حتى غطته وربما أدت إلى الاصطدام مع الشريعة الإسلامية لمخالفة تلك العقائد للإسلام هذا الفرض صرح به بعضهم

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 60

كما ستقرأه مع ما نعرضه من آراء في هذا الموضوع - وسترى أن هذا الرأي باطل ويعلم بطلان ذلك كل من له إلمام بتاريخ المسلمين وعقائدهم وبطلانه للأسباب التالية :
أ - إن عقائد الشيعة تحفل بها مئات الكتب والمراجع وهي ميسورة تحت أيدي الباحثين والكتاب في كل مكتبات العالم ، وإن عقائد الشيعة مصدرها الكتاب والسنة وفقه الشيعة مصدره الكتاب والسنة والإجماع والعقل كما مر علينا وأشرنا إلى الكتب
التي تشرح ذلك مفصلا ونضيف إليها كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد وعقائد الصدوق والدرر والغرر للسيد المرتضى وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ومن كتب الأخبار والأحاديث الكتب الأربعة وهي الأصول المعتمدة عند الشيعة بالجملة
وهي من لا يحضره الفقيه للصدوق ، والكافي أصولا وفروعا لمحمد بن يعقوب الكليني والتهذيب والإستبصار للشيخ الطوسي ، مع ملاحظة أن ليس كل ما فيها معتمدا عندنا ولكل رواية حساب ولذلك قلت إنها معتمدة بالجملة وقد تعرضت كتب التقريرات لنقد كثير من مضامين الكتب المذكورة .

ب - إن الفرس لا يكونون إلا جزءا قليلا من ناحية الكم الشيعي فالتشيع منتشر عند العرب والهنود والترك والأفغان والكرد والصينيين والتبتيين والخ ويشكل الفرس جزءا من الشيعة ليس كما يصوره البعض عن سوء فهم أو سوء نية .

ج‍ - إن بذرة التشيع نشأت في مهد العرب في الجزيرة العربية وإن الرواد الأوائل للتشيع يشكلون مؤشرا واضحا في ذلك ، وما كان من غير العرب في الرواد الأوائل من الشيعة عدى واحدا هو سلمان المحمدي كما سماه النبي ( ص ) وكان فارسيا
وقد ذكرنا الطبقة الأولى من الشيعة الذين تتوزع وشائجهم على مختلف البطون والقبائل العربية ، وأنت إذا تتبعت الطبقة الثانية والثالثة من الشيعة فسوف تجدهم عربا في الأعم الأغلب ولا أريد الإطالة في هذا المورد

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 61

فلذلك مكانه من كتب السير والتراجم ، وسيرد في نهاية هذا الفصل ما يثبت دعوانا من آراء الباحثين والمنقبين . ومع ما أسلفناه من كلام فما هو وجه نسبة التشيع للفارسية والذي أصبح يرسل عند بعضهم إرسال المسلمات كأنه من الأمور
المفروغ منها . ولأجل أن نستوعب الموضوع سنضطر إلى الخوض في جوانب متنوعة ونستعرض آراء كثيرة وما بررت
به هذه الآراء صحة هذه النسبة للتشيع وهي لا تختلف في مستواها من العلم عن أصل صحة هذه النسبة ولا أشك أنك
ستضحك كثيرا عندما تقرأ هذه الأسباب ويأخذك العجب كيف أن مثل هؤلاء الباحثين وهم على منزلة من العلم والتحقيق لا يستهان بها : يقتنعون بوجاهة هذه الأسباب فضلا عن أنهم يسوقونها لإقناع غيرهم لولا الهوى والعصبية أعاذنا الله تعالى
وإياك منها ، ولولا الأسر الذي يقع فيه من نشاء على عقيدة ولا يسمح للضوء أن يسلط على عقيدته ومسبقاته حتى يرى منها ما كان ناتجا من مجرد تقليد أعمى ويصطدم بالمقاييس الصحيحة فينبذه وما كان على أرض صلبة ويلتئم مع قواعد الشرع فيتمسك به .

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:00 AM
أقوال الباحثين في فارسية التشيع
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 62

الفصل الثاني أقوال الباحثين في فارسية التشيع

إن نسبة التشيع إلى الفارسية نشأت في عصور متأخرة ولأسباب وظروف سياسية خاصة أهمها : أن الفرس لما كانوا ولأسباب سنشرحها غير مرغوبين من قبل العرب ولما كان الشيعة فئة معارضة للحكم طيلة العهود الثلاثة الصدر الأول
والأموي والعباسي ، وكوجه من وجوه محاصرة التشيع أرادوا رمي التشيع بما هو مكروه عند العرب وهذه الدعوى هي واحدة من مجموعة دعاوى سترد علينا ولا تتعدى هذا الهدف بل هي جزء من المخطط .

أما الأسباب التي أدت إلى النفرة بين القوميتين العربية والفارسية فهي :
1 - أن الفرس ما كانوا يفرقون بين الإسلام والعروبة وحيث أن الإسلام قضى على دولتهم واجتاحهم فإنهم بعد إسلامهم كانوا ينزعون لاسترداد مجدهم بأسلوبين أحدهما سليم إيجابي والآخر سلبي حتى إذا جاء دور الأمويين استعان الحكام بهم
لتنظيم شؤون الدولة نظرا لخلفيتهم الحضارية وللاستعانة بهم أحيانا لدعم جناح مقابل جناح ، ولاستيلاء جماعة منهم على مناصب همامة في العهدين مما مكنهم من فرض نفوذهم كل ذلك أدى إلى احتكاك شديد بين العرب والفرس ، إذ رأى العرب
أنهم حملة الإسلام والسبب في هداية الأمم وهم العمد الذي قام الإسلام عليه فلماذا يزاحمهم غيرهم ، ويقدم عليهم ويلمع نجمه ويحتل مناصب كبيرة ، ورأى الفرس أنهم أبناء حضارة عريقة وأنهم أكثر علما ودراية بسياسة العرب وإدارة شؤون الحكم فلماذا يقدم عليهم من لا يملك هذه

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 63

المؤهلات . فأدى ذلك كله للاحتكاك ونجمت عنه ظاهرة الشعوبية وترك خزينا كبيرا من الحقد في تاريخ القوميتين كما أدى إلى مواقف سلبية متبادلة .

2 - أن فتح هذه الثغرة التي دخل منها الفرس أدى إلى دخول عناصر غير عربية أخرى مثل الترك وغيرهم مما كان له بعد ذلك آثاره السلبية الفظيعة وقد عصب كسر النطاق هذا بالفرس لأنهم أول من فتح هذا الباب وأدى إلى تدمير الخلافة بعد ذلك

3 - لعب الاستعمار دورا بارزا فيما خلقه من النفخ بالأبواق التي يحسن صنعها وذلك لتحقيق مصالحه عن طريق فتح أمثال هذه الفجوات واختلاق خصائص للجنسين زعم أنها تصطدم مع بعضها وآراء لا تتلاقى وتأثر بهذه الآراء فريق من هؤلاء
وفريق من هؤلاء ممن عاش على موائد المستشرقين ولم يتفطن إلى أهدافهم وغرته الصبغة العلمية الظاهرية في أمثال هذه المزاعم فنسج على منوال هؤلاء وكان صدى لهم وسلاحا بأيدي هؤلاء لضرب أبناء دينه ولهم عقيدته حتى خلقت من ذلك
تركة كبيرة تحتاج إلى جهد كبير لإزالة هذا التراكم . إن أسباب الكره استغلت لينتزع منها كما ذكرت سببا من الأسباب التي تبغض التشيع وتنفر النفوس منه . ولذلك لا نرى هذه التهمة عند أوائل السنة وأسلافهم فيما قدموه من قوائم الأسباب التي
ينعت بها التشيع لأن أسبابها لم تكن قائمة آنذاك . ومن الغريب أن الألسن السليطة التي تشتم الشيعة هي ألسنة السنة الفرس كما سيرد ذلك قريبا . إن أصحاب الغرض الأصلي في الضرب على هذا الوتر كثيرون ومن أكثرهم حماسا في ذلك
المستشرقون وتلاميذهم حيث يستهدف المستشرقون مصالح لا تخفى ويضرب تلاميذهم على نفس الطبول ولمختلف الغايات والأهداف وبالإضافة إلى من يهتز على هذا الإيقاع وإليك آراء بعضهم :

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 64

1 - المستشرق دوزي : لقد قرر المستشرق دوزي أن أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية وذلك لأن العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك والوارثة ولا يعرفون معنى الانتخاب ولما كان النبي ( ص ) قد انتقل إلى الرفيق الأعلى ولم يترك ولدا فعلي أولى بالخلافة من بعده ( 1 ) .

2 - المستشرق فان فلوتن : ذهب هذا المستشرق إلى نفس الرأي في كتابه السيادة العربية ولكنه رجح أخذ الشيعة من آراء اليهود أكثر من أخذهم من رأي الفرس ومبادئهم ( 2 ) .

3 - المستشرق براون : قال إنه لم تعتنق نظرية الحق الإلهي بقوة كما اعتنقت في فارس ولمح إلى أخذ الشيعة منهم ( 3 ) .

4 - المستشرق ولهوزن : إن هذا المستشرق أشار إلى فارسية قسم كبير من الشيعة ضمنا حيث ذكر أن أكثر من نصف سكان الكوفة من الموالي ولما كان معظمهم شيعة فقسم كبير منهم من الفرس ( 4 ) .

5 - المستشرق بروكلمان : الذي يقول وحزب الشيعة الذي أصبح فيما بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب واليوم لا يزال ضريح الحسين في كربلاء أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما برحوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية ما يطمعون

* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ج1 ص 41 .
( 2 ) نفس المصدر السابق والصفحة . ( 3 ) فجر الإسلام ص 111 . ( 4 ) فجر الإسلام ص 92 .



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 65

فيه ( 1 ) .
وبالجملة فإن مراجعة أي بحث للمستشرقين في هذا الموضوع يظهر منه أن كثيرا منهم يذهبون إلى هذا الرأي ولأسباب لا تخفى . وقد ربطوا بفارسية التشيع أثرا آخر يكون بمثابة النتيجة للسبب وذلك الأثر هو أنه لما كان أكثر الفرس شيعة وكانوا
يسمون بالموالي وحيث أنهم يرون أن العرب انتزعوا دولتهم منهم ولما كانت الدولة الأموية يتجسد فيها المظهر العربي فقد زحف عليها الموالي وأسقطوها وأعلنوا بدلها دولة العباسيين التي دعمت الفرس والتي زحف معها بالتالي الفكر الشيعي
فتغلغل أيام العباسيين ، وأنت واجد هذه الأفكار عند معظم من كتب في العصور الإسلامية وخصوصا الكتاب المصريين ويتلخص من هذه المقتطفة ثلاثة أمور :
1 - تصوير الزحف الذي جاء من خراسان للقضاء على الدولة الأموية بأنه زحف دوافعه قومية وليست دوافع اجتماعية أو إنسانية وقد اجتمعت فيه أكثر من قومية واحدة وبذلك يطمس الهدف الاجتماعي الذي كان من وراء تلك الحملة .
2 - أن العنصر الرئيسي في الحملة والفاعل هم الفرس وبذلك تكون الحملة انتقامية تستهدف إعادة مجد الفرس الذي قضى عليه العرب ، وبذلك يطمس الدور الرئيسي الذي قام به العرب في الحملة وتولوا فيه القيادة .
3 - أن الفكر الشيعي زحف بزحف هؤلاء وانتصر في العهد العباسي ، إن كل هذه الأمور غير مسلم بها ولم تقم على واقع بل هي تغطية في محاولة مكشوفة .


* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الشعوب الإسلامية ص 128 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 66

تعقيب على الأقوال أما الزعم الأول : فيبطله أن القادة الذين قادوا الحملة إنما قادوها لتخليص الناس من جور الأمويين وبإمكان أي قارئ أن يستبين الحقيقة باستقراء أحوال الحكم الأموي الذي سايره الجور والظلم من أيامه الأولى حتى سقط أيام
مروان بن محمد آخر حكام الأمويين ومن الخطأ أن نورد شاهدا أو شاهدين للتدليل على ذلك محاولة إيضاح الظلم والجور
فإن كل أيامهم كانت مليئة بالظلم والجور وإني لأحيل القارئ إلى تتبع التاريخ من أيام معاوية الأول حتى نهاية الدولة وفي
كتب كل المسلمين لا الشيعة وحدهم فربما يقال إن الشيعة خصوم الأمويين وهم يحقدون عليهم وهذه كتب الطبري وابن الأثير وابن كثير وابن خلدون ما شئت فخذ لترى إلى أين وصلت الحالة حتى بلغ الأمر حدا يوجزه أحد الشعراء بقوله :
واحربا يا آل حرب منكم * يا آل حرب منكم واحربا
منكم وفيكم وإليكم وبكم * ما لو شرحناه فضحنا الكتبا

وأما الزعم الثاني : فيبطله أن قادة الحملة ووجوهها هم العرب وقد أفاض في ذلك الجاحظ برسالته المسماة مناقب الأتراك ، وقد ذكر من قادة الحملة ، قحطبة بن شبيب الطائي ، وسليمان بن كثير الخزاعي ، ومالك بن الهيثم الخزاعي ، وخالد بن
إبراهيم الذهلي ، ولاهز بن طريف المزني ، وموسى بن كعب المزني ، والقاسم ابن مجاشع المزني ، كما نص المؤرخون على أسماء القبائل العربية التي كانت مقيمة في خراسان والتي كونت الزحف في معظمه وهم خزاعة وتميم ، وطي ،
وربيعة ، ومزينة وغيرها من القبائل العربية وللتوسع في معرفة أسماء القادة والقبائل العربية التي جاءت في الحملة للقضاء على الحكم الأموي يراجع كتاب ابن الفوطي مؤرخ العراق لمحمد رضا الشبيبي فقد توسع في إيراد النصوص التاريخية من

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 67

أمهات الكتب وشرح أهداف الحملة ونوعية الجيش والأقطاب الذين اشتركوا بالحملة وبالجملة بكل ملابسات الموضوع ( 1 )
والشق الثاني الوارد في الزعم وهو أن العناصر غير العربية أرادت الانتقام لأنها كانت محرومة من الاشتراك بالمناصب فهو
بالجملة غير صحيح لأن كثيرا من العناصر الأجنبية والموالي شغلوا مناصب كبيرة في العهد الأموي على امتداد هذا العهد
ولم يكن وضعهم أيام العباسيين يختلف كثيرا عن وضعهم أيام الأمويين وقد أشار لذلك الدكتور أحمد أمين بقوله : فسلطة العنصر الفارسي كانت تنمو في الحكم الأموي وعلى الأخص في آخره ولو لم يتح لها فرصة الدولة العباسية لأتيحت فرص أخرى مختلفة الأشكال ( 2 ) .

لقد تولى جماعة من غير العرب مناصب هامة ومنهم سرجون بن منصور كان مستشارا لمعاوية ورئيس ديوان الرسائل ورئيس ديوان الخراج ، ومرداس مولى زياد كان رئيس ديوان الرسائل ، وزاد نفروخ كان رئيس ديوان خراج العراق ،
ومحمد بن يزيد مولى الأنصار كان واليا على مصر من قبل عمر بن عبد العزيز ، ويزيد بن مسلم مولى ثقيف كان واليا على مصر ، وكان منهم القضاة والولاة ورؤساء دواوين الخراج وقد تغلغلوا في أبعاد الدولة وشعبها بصورة واسعة ( 3 ) .

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن وضع العرب لم يكن يستأثر باهتمام الأمويين إلا بمقدار ما يحقق مصالح الأمويين أنفسهم فإذا اقتضت مصالحهم أن يضربوا العرب بعضهم ببعض فعلوا كما حدث ذلك أكثر من مرة في حكم الأمويين فراجع ( 4 ) .
وقد تعرض الدكتور أحمد أمين إلى ذلك وشرحه مفصلا وبين كيف كان العرب يضرب بعضهم بعضا إذا اقتضى الأمر ذلك فراجع ( 5 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) مؤرخ العراق ابن الفوطي ج1 ص 36 و 37 .
( 2 ) ضحى الإسلام ج‍ ص 3 .
( 3 ) راجع الإمام الصادق لأسد حيدر ج1 ص 344 .
( 4 ) مروج الذهب ج5
( 5 ) ضحى الإسلام ج1 ص 20 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 68

وأما الزعم الثالث : وهو انتشار الفكر الشيعي عن طريق الموالي وتعاظم نفوذهم وامتداده تبعا لذلك فيكذبه أن هذا المضمون بجملته غير صحيح فقد نكب الفرس أيام العباسيين وضرب نفوذهم أكثر من مرة ، ومن أمثلة ذلك القضاء على أبي مسلم
وأتباعه أيام المنصور والقضاء على البرامكة أيام الرشيد ، والقضاء على آل سهل أيام المأمون وهكذا ، يبقى أن الموالي لمعوا في ميادين أخرى فذلك صحيح بالجملة ، وتصور نفوذ الفرس إنما هو من أيام السفاح حتى أيام المأمون وهي كما ترى
لا تثبت للفرس والموالي نفوذا خارج دائرة العباسيين وإنما ضمن دائرتهم بحيث يستطيعون احتواءهم في أي وقت . أما الفترة التي تبدأ من عصر المتوكل حتى نهاية الحكم العباسي فإن الحكم العباسي ضعف نفوذه حتى انقض عليه حكام الأطراف .
ولا يعني ذلك استشراء نفوذ الفرس فقط بل هو شأن الكيان الضعف الذي ينهشه كل طامع . إن العوامل التي أدت إلى ضعف الحكم العباسي أشبعها الباحثون بالتفصيل . إن تصوير نفوذ الفرس بالشكل الذي أورده بعضهم ونفوذ الموالي مبالغ فيه غاية
المبالغة فإذا كانت الشعوبية قد وجدت أيام العباسيين فإنها امتداد لنزعة الشعوبية منذ أيام الأمويين وإذا كان للفرس نفوذ فلم يصل إلى الحد الذي ينتزع نفوذ العرب ، بل كان ذلك النفوذ ملوحظا من قبل الدولة ومسموحا به لأهداف كثيرة استهدفها
العباسيون من السماح بذلك - . يقول فلهوزن عن نفوذ الفرس في العصر العباسي : أما أن النفوذ الفارسي كان هو الراجح فهو أمر غير مؤكد ( 1 ) . أما الشق الثاني من هذا الزعم وهو تنفس التشيع أيام العباسيين فهو غير صحيح بل العكس هو الصحيح فإن العباسيين أولعوا بدم الشيعة وأئمتهم


* ( هامش ) *
( 1 ) الزندقة والشعوبية لسميرة الليثي ص 81 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 69

وتعرض التشيع في مختلف أدوارهم إلى محن وخطوب مروعة عدى فترات بسيطة مرت مرور الغمام كما هو الحال في فترة البويهيين وبالجملة إن كتب التاريخ قد حفظت لنا صورا مروعة من تعرض الشيعة للإبادة أيام العباسيين وبوسع القارئ الرجوع إلى أي كتاب من كتب التاريخ الرئيسية ليرى ذلك واضحا .

وبعد هذا التعقيب البسيط على هذه المزاعم : أعود إلى تلاميذ المستشرقين الذين نسجوا على منوال أساتذتهم فقلدوهم في هذا الزعم وهو فارسية التشييع ومنهم :
1 - الدكتور أحمد أمين : يذهب الدكتور أحمد أمين إلى استيلاء الفكر الفارسي على التشيع برغم قدم التشيع على دخول الفرس فيه وذلك لأن أكثر الشيعة فرس - على زعمه - فغلبت نزعاتهم على التشيع وصبغته بالفارسية ولنستمع إلى قوله
حرفيا : ( والذي أرى كما يدلنا التاريخ أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام ولكن بمعنى ساذج ولكن هذا التشيع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام وحيث أن أكبر عنصر دخل بالإسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع ( 1 ) .

ويقول في مورد آخر : فنظرة الشيعة في علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين من الملوك الساسانيين ، وثنوية الفرس كانوا منبعا يستقي منه الرافضة في الإسلام فحرك ذلك المعتزلة لدفع حجج الرافضة ( 2 ) .

إني أطلب من القارئ هنا التأمل في هذه اللهجة الحادة التي يفح منها الشرر والنار حتى يعرف مدى موضوعية أحمد أمين ونظرائه ، وقد دأب أحمد أمين على اجترار هذه الفكرة وترتيب الآثار عليها كما يظهر ذلك واضحا في كل


* ( هامش ) *
( 1 ) فجر الإسلام ص 276 . ( 2 ) فجر الإسلام ص 111 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 70

مؤلفاته ، إن التركيبة التي تكون منها أحمد أمين هي الحقد والكراهية للشيعة ، زائدا تقليد المستشرقين فيما يقولونه عنهم .

2 - محمد أبو زهرة : يذهب الشيخ محمد أبو زهرة إلى نفس رأي أحمد أمين ويضيف له : إن أكثر الشيعة الأوائل فرس ولنستمع إلى ما يقوله في هذا الموضوع وهو يستعرض آراء المستشرقين ويعقب عليها قال : وفي الحق أنا نعتقد أن الشيعة
قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس إلى الآن من الشيعة وأن الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس ( 1 ) ورحم الله أبا الطيب المتنبي إذ يقول :
ودهر ناسه ناس صغار * وإن كانت لهم جثث ضخام
وأبو زهرة مورد انطباق هذا البيت ، إنه يقول إن الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس وأنا أطلب من كل قارئ أن يستخرج لي من الشيعة الأولين خمسة من الفرس وأنا متأكد سلفا أنهم لا يجدون هذا العدد ، فهل تبقى بعد ذلك قيمة لأقوال مثل أبي زهرة وكم لأبي زهرة من أقوال لا تعرف التحقيق وعلى كل حال لقد لقي الرجل ربه وأسأل الله تعالى له العفو .

3 - أحمد عطية الله : وهذا الرجل ممن نسج على منوال المستشرقين بنسبة التشيع للفارسية فهو يرى أن الأفكار الشيعية تأثرت بالفارسية عن طريق عبد الله بن سبأ الذي نقل للتشيع أكثر من رافد فكري ومن هذه الروافد : الفارسية فقد قال بالحرف
الواحد : وإن ابن السوداء انتقل إلى المدينة وبث فيها أقوالا وآراء منافية لروح الإسلام نابعة من يهوديته ، ومن معتقدات فارسية كانت شايعة في اليمن وبرز في


* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ المذاهب الإسلامية ج1 ص 41 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 71

صورة الداعية المنتصر لحق الإمام علي ( ع ) وادعى أن لكل نبي وصيا وأن عليا وصي محمد الخ ( 1 ) .

هذه مجرد عينة من النماذج التي نسجت على منوال المستشرقين ، وإنك لتجد هذه الفكرة عند المتأخرين من كتاب السنة شائعة يتلقاها الخلف عن السلف ثم يحاول تعميقها وترسيخها بما يملكه هو من عبقرية وسوف لا أتعجل الرد على الفكرة إلا بعد أن
أستوفيها فأذكر لك أقوالهم في تعليل دخول الفرس للتشيع فإن ذلك يكون بمثابة الروح للبحث . إن أبرز هذه التعليلات التي ساقوها واعتبروها مبررا لدخول الفرس إلى التشيع ثلاثة أمور : ( راجع أسباب دخول الفرس للتشيع في نظر السنة ) (http://alseraj.net/a-k/aqaed/halt/pa9.html)


* ( هامش ) *
( 1 ) القاموس الإسلامي ج3 ص 222 . ( * )

بوزينب الأسدي
20-08-2007, 03:01 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكورة أختي على هذا الكتاب الله يوفقج لكل خير
إن شاء الله بحق محمد وآل محمد
عليهم السلام أجمعين
الله يرحم والديج
والله يحفظ الشيعة

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:01 AM
أسباب دخول الفرس للتشيع في نظر السنة
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 72

أسباب دخول الفرس للتشيع في نظر السنة

1 - الأمر الأول : إصهار الحسين إلى الفرس لأنه تزوج ابنة يزدجرد وهو أحد الملوك الساسانيين واسمها شاه زنان فولدت له علي بن الحسين الذي اجتمعت فيه الخواص الوراثية للأكاسرة وخواص الإمامة من آبائه كما يقول أبو الأسود الدؤلي :
وإن وليدا بين كسرى وهاشم * لأكرم من نيطت عليه التمائم
وفي ذلك تقول سميرة الليثي معقبة على رأي أرنولد توينبي في انتشار الإسلام بين الفرس : الذي أدى إلى انتشار الإسلام هو زواج الحسين من شاهبانو إحدى بنات يزدرجرد وقد رأى الفرس في أولاد شاهبانو والحسين وارثين لملوكهم الأقدمين ( 1 ) فزواج الحسين على رأي هؤلاء أحد العوامل التي أدت إلى انتشار التشيع لأهل البيت عند الفرس :

2 - الأمر الثاني : التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس ومن ذلك موضوع الحق الإلهي فكل

* ( هامش ) *
( 1 ) الزندقة والشعوبية ص 56 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 73

منهما يرى أن الحق الإلهي ثابت لمن يتولاه من القادة فالفارسي يراه للملوك الفرس والشيعي يراه للإمام الذي يقول بإمامته ، وهذا المعنى وإن صوره بعضهم بأنه تأثر من الشيعة بالفرس ، ولكن لما كان التشيع أقدم من دخول الفرس فيه ولما كان
الرواد من الشيعة كلهم عرب كما أثبتنا ذلك فيما سلف ولما كانت نظرية الشيعة في الإمام لم تختلف عند زرارة عما كانت عليه عند أبي ذر وعمار ينتج من ذلك أن نظرية الحق الإلهي التقى بها الشيعة مع الفرس ولم تكن نتيجة تأثر بآراء الفرس
بحكم إيمان الشيعة بأن عليا وصي النبي ( ص ) وأنه منصوص عليه ، وقد دأب على ذكر هذا التقارب كثير من المستشرقين وتلاميذهم يقول محمد أبو زهرة : وبعض العلماء ومنهم دوزي المستشرق قرر أن أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية إذ أن
العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك وبالوراثة ولا يعرفون معنى الانتخاب ، إلى أن قال إن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته ( 1 ) .
وكذلك يذهب إلى هذا الرأي أحمد أمين وجملة من المستشرقين ذكرهم هو من الذاهبين لهذا الرأي ، وقد أفاض في شرح هذا المعنى في كتابه فجر الإسلام معززا رأيه بآراء المستشرقين ( 2 ) .

3 - الأمر الثالث : إرادة هدم الإسلام عن طريق الدخول في المذهب الشيعي والتستر بحب أهل البيت ثم نقل أفكارهم الهدامة للإسلام كالقول بالوصية والرجعة والمهدي وغير ذلك .
وفي ذلك يقول أحمد أمين : والحق أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستارا ( 3 ) وأرجو ملاحظة نغمة استعداء

* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ المذاهب الإسلامية ج1 ص 40 . ( 2 ) فجر الإسلام ص 276 . ( 3 ) فجر الإسلام نفس الصحيفة 276 . ( * ) .



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 74

السلطة على الشيعة فهي نغمة ضرب عليها الكثيرون من قبله ومن بعده كصاحب المنار مثلا ( 1 ) إن هذا الإتجاه في تصوير التشيع بأنه أثر فارسي واضح عند كثير من المتأخرين مثل محب الدين الخطيب ، وأحمد شلبي ، ومصطفى الشكعة وغيرهم
ولأجل إلقاء الضوء على صحة أو عدم صحة هذه الدعاوى التي نسبت للتشيع وبالذات الأمور الثلاثة التي عللوا بها دخول الفرس للتشيع لا بد من ذكر أمور :
1 - الرد على الأمور الثلاثة . 2 - تحديد هوية التشيع عرقيا . 3 - تحديد هوية التشيع فكريا . 4 - تحديد هوية السنة من نفس المنطلق والعلل التي أخذ بها كتاب السنة وسنبحث هذه الأمور .


* ( هامش ) *
( 1 ) مجلة المنار الرشيد رضا مجلد 11 سنة 1326 ه‍ . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 75

الإجابة على أسباب دخول الفرس للتشيع
1 - الأمر الأول : إصهار الحسين ( ع ) إلى الفرس . إن من القواعد المسلم بها أن حكم الأمثال فيما يجوز أو لا يجوز واحد ، وبناءا على هذا فإن العلة التي ذكرها هؤلاء الكتاب في اعتناق التشيع من قبل الفرس وهي إصهار الحسين ( ع )
للفرس موجودة عند عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعند محمد بن أبي بكر ، فقد ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار وغيره
من المؤرخين ، أن الصحابة لما جاؤا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد فباعوا السبايا وأمر
الخليفة ببيع بنات يزدجرد فقال الإمام علي إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن فقال الخليفة كيف الطريق إلى العمل معهن فقال : يقومن ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن فقومن فأخذهن علي فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده
الحسين وأخرى لمحمد بن أبي بكر ، فأولد عبد الله بن عمر ولده سالما ، وأولد الحسين زين العابدين وأولد محمد ولده القاسم فهؤلاء أولاد خالة وأمهاتهم بنات يزدجرد ( 1 ) .
وهنا نسأل إذا كانت العلة في دخول الفرس للتشيع هي مصاهرة الحسين للفرس فلماذا لا تطرد هذه العلة فيتسنن الفرس لإصهار عبد الله بن عمر لهم ومحمد بن أبي بكر كذلك ؟ وكل من


* ( هامش ) *
( 1 ) فجر الإسلام ص 91 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 76

محمد وعبد الله أبناء خليفة كما كان الحسين ابن خليفة . بالإضافة لذلك إن كلا من يزيد بن الوليد بن عبد الملك وأمه شاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد ومروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية أمه أم ولد من كرد إيران فلماذا لا تطرد العلة هنا أيضا ( 1 )
وبالعكس لماذا لا يميل العرب السنة لأهل البيت الذين أمهاتهم عربية في حين نجد قسما من العرب يبغض أهل البيت كالنواصب مثلا . هذا سؤال يوجه للعقول التي تقول ولا تفكر .

2 - الأمر الثاني : التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس . وأن كلا منهما يقول بنظرية الحق الإلهي ، ويقول بالوراثة ولا يعرف الانتخاب ، وفي هذا الأمر شيئان الأول الاتحاد في الآراء الذي يسبب الدخول للتشيع وهذا الأمر لا يقول به من يحترم
عقله فمتى كان مجرد الاشتراك في رأي دافعا للاتحاد بالعقيدة ، إن كل باحث يعلم أن كل أمة أو جماعة لا تخلو من الاتحاد مع بعض الأمم الأخرى ، في رأي من الآراء أو مسألة من المسائل ومع ذلك فلا يقوم ذلك سببا للاندماج ولنعد لأحمد أمين
نفسه ونلزمه بنتائج رأيه إذا وجد السبب فإنه يقول عند بحثه لمسألة الجبر والاختيار : إن مسألة الجبر والاختيار تكلم فيها قبل المسلمين فلاسفة اليونان ونقلها السريانيون عنهم وتكلم فيها الزرادشتيون كما بحث فيها النصارى ثم المسلمون ( 2 ) .
وقد توزع هؤلاء بين القول بالجبر والقول بالاختيار ، وبناءا على منطق أحمد أمين فإن المسلمين نصارى لأنهم اتحدوا مع النصارى في شق من الرأي ، وإلا فما هو مبرر أحمد أمين في اعتباره الشيعة فرسا لأنهم اتحدوا مع الفرس بالقول بنظرية الحق الإلهي . ؟


* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الخميس للدياربكري ج2 ص 321 و 322 . ( 2 ) فجر الإسلام ص 284 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 77

أما الشق الثاني من الدعوى وهو أن كلا من الفرس والشيعة يقولون بالوراثة فهو باطل فيما يخص الشيعة لأن الشيعة لا تعتبر الإمامة متوارثة ولا تقول بالإرث في ذلك بل تذهب إلى أن الإمام منصوص عليه من قبل الله تعالى عن طريق النبي ( ص ) أو الإمام وكتب الشيعة طافحة بذلك ( 1 ) .

وليست مسألة النص على الإمام من المسائل المتأخرة عندهم بل هي معلومة من الصدر الأول عند الطبقة الأولى وذلك لوضوح النصوص التي اعتبروها مصدرهم في مسألة الإمامة . وللتدليل على ذلك أذكر محاورة طريفة حدثت بين الخليفة
الثاني وعبد الله بن عباس وكان الخليفة الثاني يأنس بابن عباس ويميل إليه كثيرا فقال له يوما : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتها هل بقي في نفس علي شئ من الخلافة . يقول ابن عباس : قلت نعم ، قال : أو يزعم أن رسول الله ( ص ) نص عليه
؟ قلت : نعم ، فقال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذروة من قول لا تثبت حجة ولا تقطع عذرا ، ولقد كان يربع في أمره وقتاما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك ( 2 )

إن المنع الذي أشار إليه الخليفة عمر هو عندما طلب النبي من أصحابه في ساعاته الأخيرة دواة وكتف وقال علي بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقال الخليفة عمر : إنه يهجر وقد غلب عليه الوجع ( 3 ) . وعلى الصوم إن هذه المحاورة وأمثالها توضح رأي الشيعة في موضوع


* ( هامش ) *
( 1 ) الفصول المهمة لشرف الدين ص 281 ، وعقائد الإمامية للمظفر ص 71 .
( 2 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج3 ص 97 .
( 3 ) أنظر صحيح البخاري ج5 ص 137 ، أنظر طبقات ابن سعد ج4 ص 61 ، وانظر النهاية لابن الأثير ج5 ص 246 في مادة هجر . وفي هذا المعنى يقول أحد الشعراء :
أوصى النبي فقال قائلهم * قد راح يهجر سيد البشر
لكن أبا بكر أصاب ولم * يهجر وقد أوصى إلى عمر
لأن كلا منهما كانت وصيته في مرض الموت . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 78

الإمامة وأنها بالنص وليست بالوراثة فمن أين جاء المستشرقون وتلاميذهم بنظرية الوراثة لولا عدم الإحاطة بالتشيع أو التحريف واتباع الهوى .

3 - الأمر الثالث وهو دخول الفرس في الإسلام إرادة هدمه ثم لتحقيق مأربهم ونقل نظريات أسلافهم وهو ادعاء طريف ولا بد من الوقوف قليلا حوله فنقول :
أولا : إن مؤلفات هؤلاء القوم في الدفاع عن الإسلام ومساجدهم ومؤسساتهم الدينية وجهادهم في سبيل الله كل ذلك يشكل شواهد قائمة على كذب هذه الدعوى .
وثانيا : لا بد من سؤال لهؤلاء القائلين بهذا القول في أن إرادة الإلحاد والهدم عند الفرس هل هي مختصة بالفرس الذين اختاروا الإسلام ودخلوا في التشيع أم أنها عند كل الفرس من كل من كان من السنة منهم أو من الشيعة ، ولا بد أن تكون
الإجابة بالعموم لأن إرادة الإلحاد جاءت من كونهم فرسا لا من أمر آخر وإذا كانت كذلك فلماذا انصبت الحملات على الفرس الشيعة فقط دون الفرس السنة .
وقد يقول قائل إن ذلك انتقل للفرس من الشيعة وهنا ينتقل الكلام إلى عقائد الشيعة وقد ذكرنا أن مصدر عقائدهم الكتاب
والسنة فلا سبيل لرميهم بما ينافي الكتاب والسنة هذا إذا كان هؤلاء يبحثون عن الحقيقة - وهم أبعد الناس عنها - ولو لم
يكونوا بعيدين عن الإرادة الخيرة لما بضعوا شلو الأمة وفرقوها شيعا ولخجلوا من المفارقات في أقوالهم لأننا سنوقفك عن قريب على أن تاريخ وفقه وعقائد أهل السنة أبطاله الفرس أنفسهم ونحن لا نرى بذلك أي عيب أو غضاضة ما دمنا نعلم أننا
كلنا من مصدر واحد وما دام قرآننا يصرح آناء الليل وأطراف النهار بشعار الوحدة وتوحيد المصدر ! بقوله تعالى : * ( ألم نخلقكم من ماء مهين ) * 20 / المرسلات .

ثالثا : إن المسائل التي أوردها القوم واعتبروها مما يهدم الدين ورموا بها
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 79

الشيعة الفرس مثل الوصاية والرجعة والقول بالمهدية يشاركهم بها أو بمثلها أهل السنة وما سمعنا أحدا ينبزهم بها أو يعتبرها عليهم سبة ، كما أن هذه القضايا وردت في روايات أهل السنة بطرق موثوقة وسنذكر ذلك قريبا إن شاء الله ، هذا بالإضافة
إلى أن هذه الآراء ليست من ضروريات الإسلام عند الشيعة وقد تكون من ضروريات المذهب كالقول بالمهدي ، فلماذا كل هذا الضجيج المفتعل ولماذا كل هذا الصرف للطاقات الذي يخلق فجوات بين أهل القبلة فضلا عن عدم جدواه ؟
ولماذا هذا الحماس المفتعل إزاء أمور لا ينفرد بها الشيعة بل يقول بها السنة أنفسهم

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:03 AM
هوية التشيع العرقية وآراء الباحثين فيها
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 80

الفصل الثالث هوية التشيع العرقية وآراء الباحثين فيها

في صدر هذا العنوان لا بد من سؤال عن معنى مضمون العروبة الذي يميزها عما عداها وأول ما يتبادر للذهن أن العربي
هو الذي يولد من أبوين عربيين وبعبارة أخرى هو المتحدر من دم عربي ، وهذا الفرض غير متحقق لأننا لا يمكننا الحصول
على دم خالص مائة بالمائة من الشوائب والاختلاط ولأن الدماء إنسانية الانتماء كلها تعود لمصدر واحد وهي مختلطة
اختلاطا يصعب معه فرزها عن غيرها ، ثم بعد ذلك لأنه ليس من المتصور أن الدماء تتأثر بالعقيدة والفكر والمشاعر ، فأي
معنى للعروبة مع هذه الفرض ، وانطلاقا من هذا فإن كل رأي يقو على فرض وجود دم عربي خالص هو فرض غير علمي ولا يمكن الركون إليه . ومع التنزل والتسليم بصحة هذه المقولة وهذا الفرض فقد ذكرنا فيما مر أن الشيعة الذين بدأ بهم
التشيع وقام على أيديهم هم من القبائل العربية وذكرنا الطبقة الأولى منهم ولا نريد أن نثقل على القارئ فنذكر له الطبقتين الثانية والثالثة فبوسع كل قارئ الرجوع إلى كتب التراجم ليرى أنهم في جمهورهم من العرب .
وإذا كان افتراض أن هناك دما خالصا غير متأثر بغيره يعتبر أمرا خياليا نعود إلى السؤال عن معنى العروبة ، وسنجد الجواب إن العروبة هي المزيج المتكون من الفكر والمشاعر واللغة والتربة ، وانتزاع العروبة من هذه المصادر هو المسلك الصحيح فهي التي تحدد الهوية ومعظم من كتب في تحديد هوية الإنسان أكدوا على

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 81

هذه العوامل فقط وهي اللغة والتاريخ والبيئة والمصالح المشتركة هذه هي التركيبة المزجية التي تكون وتحدد معالم الانتماء لأمة ما ( 1 )
وانطلاقا من ذلك لنرى أين مظان الشيعة من هذه العوامل ولنبدأ من ذلك بالعامل الأول . مقومات الهوية العرقية
1 - البيئة الجغرافية : إن مهد التشيع الأول هو الجزيرة العربية لأن شيعة علي ( ع ) الأوائل هم من الصحابة ومن جزيرة العرب كما ذكرنا ذلك من قبل ، ومع افتراض وجود شخص أو شخصين مثل سلمان الفارسي وأبي رافع القبطي فإن نشأة
هؤلاء وإقامتهم لفترة طويلة بالحجاز ومن الحجاز انتشر التشيع إلى الأقطار الأخرى كالعراق وسوريا ومصر والشام وإفريقيا والهند والخليج وأوروبا وأمريكا والصين وروسيا وغيرها من سائر أقطار العالم على امتداد السنين . وسنرى في آخر هذا الفصل أقوال الباحثين في ذلك ونصوصهم على أن مهد الشيعة الأول هو الجزيرة العربية .

2 - اللغة : يعتبر العلماء أن اللغة هي العامل الأساسي في تحديد انتماء كل شخص إلى قومية من القوميات لأن اللغة قسم من المشاعر بل تذهب البحوث الحديثة إلى أنها الجزء المهموس من الفكر وذلك لتقسيمهم للفكر إلى قسمين صامت ومهموس
( 2 ) . وبحكم كون الشيعة من أهل الحجاز فلغتهم كانت عربية وشيعة علي كما هو واضح من الشريحة التي قدمناها من فصحاء العرب وأبطال البيان .


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر القومية العربية للدكتور حازم زكي نسيبة ص 101 . وانظر نحو الوحدة العربية ليوسف هيكل فصل اللغة ،
وانظر آراء وأحاديث في الوطنية والقومية لساطع الحصري ص 20 .
( 2 ) مجلة عالم الفكر الكويتية مجلد 6 العدد الخاص باللغة . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 82

وكان تفوق رواد الشيعة بالبيان والخطابة أدبا أخذوه من إمامهم علي ( ع ) أمير البيان حتى نبغوا في ذلك وعدهم المؤرخون قادة بيان ونوابغ فصاحة ومن هؤلاء : عدي بن حاتم الطائي وهاشم المرقال وخالد بن سعيد العبشمي الأموي ، والوليد بن جابر بن ظالم الطائي وغيرهم ( 1 ) .

وبحكم كون اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم فقد كان الشيعة يقعون عند التصنيف من قسم المتشددين في اعتبار اللغة العربية لغة العبادة ولغة العقود ولا يتساهلون في ذلك أبدا ولا يقوم عندهم مقام اللغة العربية ، في ذلك أي لغة أخرى ،
ونلمح من تشددهم في ذلك أن اللغة عندهم ليست مجرد قالب للمعنى ولو كانت كذلك لقام مقامها قالب آخر ، لكنها عندهم تستبطن مشاعر وخواص أصيلة في مضمون الرسالة ولهذا نزل القرآن بها لذلك نرى جمهور فقهاء الشيعة يذهبون إلى عدم
جواز القراءة في الصلاة والأذان وافتتاح الصلاة بغير اللغة العربية ، في حين يذهب كل من أبي حنيفة بصورة مطلقة والشافعية والمالكية بجواز إيقاع الأذان بغير العربية إذا كان المؤذن أعجميا ويريد أن يؤذن لنفسه أو لجماعة أعاجم مثله ( 2
) ويذهب الشافعية والأحناف والمالكية إلى جواز إيقاع تكبيرة الإحرام بغير اللغة العربية إذا كان غير قادر على اللغة العربية ذكر ذلك عنهم صاحب الفقه على المذاهب الأربعة في باب شروط تكبيرة الإحرام من الجزء الأول . ولم أجد في حدود ما
عندي من مصادر : لهم اشتراطا صريحا في إيقاع العقود باللغة العربية في حين يذهب الشيعة إلى لزوم إيقاع العقد بالعربية اختيارا ( 3 ) وفيما يخص عقد النكاح يجوز الحنفية والمالكية والحنابلة إيقاعه بغير اللغة العربية مع القدرة عليها ويذهبون إلى صحة هذا العقد ( 4 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر أسد الغابة ج 1 ص 35 ، وأعيان الشيعة للأمين ج1 ص 61 .
( 2 ) أنظر الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص 314 ، وفجر الإسلام ص 250 ، وكنز العرفان للمقداد السيوري ج‍ 1 ص 117 .
( 3 ) كنز العرفان ج2 ص 72 .
( 4 ) الأحوال الشخصية لمحمد أبو زهرة ص 27 ط مصر الأولى . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 83

3 - عروبة الخليفة : ومما يتصل بموضوع اللغة إنه بالنظر لأهمية اللغة العربية في موقعها من الشريعة الذي يتضح من اختيار السماء لها لتكون الظرف الحامل للفكر الإسلامي ولما كرم الله تعالى به هذه اللغة في كتابه إذ يقول في الآية الثانية
من سورة يوسف : * ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) * ويقول في الآية السابعة والثلاثين من سورة الرعد *
( وكذلك أنزلناه حكما عربيا ) * الأمر الذي أجمع معه مفسروا القرآن الكريم على أن القرآن حكمة عربية ومحاوراته على
نسق محاورات العرب وأساليبهم ، وإذا شئت قلت إنه أخذ مشاعر العرب وخواصهم الحضارية عندما اختار لغتهم ولم
يختص أو يتأطر بهم لأن رسالة الإسلام عالمية ولكن الله تعالى جعل اللغة العربية هي القناة التي ينقل الدين القويم عن
طريقها للناس ولأجل ضمان حفظ خواص الرسالة ذهب كثير من الفرق الإسلامية إلى ضرورة كون الخليفة عربيا . لا
لسبب آخر قد يفهم منه معنى عنصري فرسالات السماء منزهة عن ذلك وقد انشطرت الفرق الإسلامية في اشتراط عروبة
الخليفة إلى شطرين : وكان الشيعة من الشطر الذي يؤكد على عروبة الخليفة لقول النبي ( ص ) : " الأئمة من قريش " ( 1 ) في حين ذهب كثير من المسلمين غير الشيعة إلى عدم اشتراط هذا الشرط .
ويبدو أن هذا المعنى يبتدئ من الخليفة الثاني نفسه حيث قال : لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة وأبو عبيدة الجراح ولو كان سالم حيا ما جعلتها شورى ( 2 ) .
وواضح من ذكره لسالم أن الخليفة لا يشترط عروبة الخليفة وإلا لنص على العرب فقط وقد ذهب لذلك أيضا مشاهير المعتزلة مثل ضرار بن عمر وثمامة بن أشرس والجاحظ وكثير غير هؤلاء ( 3 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) الفصل بين الملل والنحل ج4 ص 89 . ( 2 ) طبقات ابن سعد ج3 ص 343 . ( 3 ) ضحى الإسلام ج1 ص 62 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 84

كما يذهب إلى عدم عروبة الخليفة الخوارج بجملتهم ونصوصهم صريحة بذلك ( 1 ) وإلى عدم اشتراط عروبة الخليفة يذهب الأحناف أيضا ولذا صححوا خلافة آل عثمان ( 2 ) إن اشتراط عروبة الخليفة في واقع الأمر لا يمكن أن يصدر عن بواعث
عنصرية أو عن تعصب فإن ذلك غير متصور في رسالة سماوية هي خاتمة الرسالات الإنسانية ضرورة أن الإسلام دين المساواة ولكن بهذا الشرط يضمن الإسلام توفر حاكم يعي دقائق الشريعة والخلفيات الحضارية التي ترتبط بها اللغة التي نزلت بها . لهذا فقط يشترط الإسلام عروبة الخليفة من دون انتقاص للآخرين أو بخس لمكانتهم أو قدح بإخلاصهم .

4 - التاريخ والمصالح المشتركة : إن تاريخ الشيعة الذين عددنا أسماءهم جزء من تاريخ الجزيرة العربية بكل أبعاد هذا التاريخ ومقوماته . وكذلك المصالح المشتركة المادي منها والمعنوي وكذلك النهج الشعبي في التفكير والعادات والسلوك .
ولذلك لما جاء الإسلام أخذ يجاهد لتخليص المسلمين من بعض عاداتهم وأنماط سلوكهم التي كانت تؤلف قدرا مشتركا بين سكان الجزيرة العربية وبالنظر لكون هذا المعنى مما لا ينبغي الإطالة فيه لأنه بحكم البديهيات نكتفي بما ذكرناه ومن هذه
الحقائق التي قدمناها تتضح الهوية العرقية للتشيع فهو عربي بانتمائه ومهده ولغته وآرائه ولأجل هذا ذكر الباحثون الموضوعيون أن التشيع عربي بكل خواصه وأقصد بالباحثين هنا المتأخرين منهم وذلك لأن هذه المسألة لم تكن تشغل بال
خصوم الشيعة في العصور الأولى وإنما نشأت مؤخرا لأسباب كثيرة أهمها تحول الفرس إلى شيعة ابتداءا من القرن العاشر أما التاريخ الذي يسبق القرن العاشر فالشيعة من الفرس كانوا فيه فئة قليلة وسوف يأتينا هذا المعنى مفصلا .
وحينما تحول الفرس إلى شيعة ظهرت لهم مثالب وعيوب لم تكن موجودة يوم أن كانوا من السنة ولا أريد أن أتعجل بك النتائج فهي آتية إن شاء الله .


* ( هامش ) *
( 1 ) الفرق بين الفرق للبغدادي باب الخوارج . ( 2 ) الإمام الصادق لأسد حيدر ج1 ص 157 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 85

والآن دعني أقدم لك نماذج من أقوال بعض الباحثين الذين تناولوا هذه المسألة فلم يسعهم من ناحية : إنكار عروبة التشيع ، في الوقت الذي أرادوا فيه شتم الشيعة عن طريق شتم الفرس وشرح مثالبهم فلنستمع لما يقولون .
1 - الدكتور أحمد أمين : يقول أحمد أمين في نص ذكرناه سابقا واستشهدنا بمقطع منه ونذكره هنا لارتباطه بالموضوع : والذي أرى كما يدلنا التاريخ أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام ولكن بمعنى ساذج وهو أن عليا أولى من غيره
من وجهتين كفايته الشخصية وقرابته للنبي ( ص ) ولكن هذا التشيع أخذ صبغة جديدة بدخول العناصر الأخرى في الإسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية وحيث أن أكبر عنصر دخل في الإسلام الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيع ، ورأيه هنا واضح أن أوائل الشيعة ليسوا بفرس وإن ناقض نفسه بمكان آخر ( 1 ) .

2 - الدكتور علي حسين الخربوطلي قال : وهناك فريق من العرب تشبع لعلي بعد أن آلت الخلافة إلى أبي بكر ويرى جولد تسيهر أن الحركة الشيعية نشأت في أرض عربية بحتة فقد مال لاعتناق التشيع قبائل عربية تشبعت بالآراء الثيوقراطية
وبشرعية حق علي بالخلافة فأقبلت على تعاليمه في لهفة وحماسة أهل العراق من الفرس ، ورأوا أن الإمامة ليست من المصالح التي تفوض إلى نظر الأمة ويعين القائم بها تعيينا باختيار جماعة المسلمين وانتخابهم بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام فيجب تعيين الإمام ويكون معصوما وأن عليا هو الذي عينه الرسول ( 2 ) .

3 - المستشرق فلهوزن قال : أما أن آراء الشيعة تلائم الإيرانيين فهذا مما لا شك فيه ، وأما كون هذه


* ( هامش ) *
( 1 ) فجر الإسلام ص 276 . ( 2 ) الدولة العربية ص 127 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 86

الآراء انبعثت من الإيرانيين فليست تلك الملائمة دليلا عليه ، بل الروايات التاريخية تقول عكس ذلك إذ تقول إن التشيع الواضح الصريح كان قائلا أولا في الدوائر العربية ثم انتقل منها إلى الموالي ( 1 ) .

4 - المستشرق آدم متز قال : إن مذهب الشيعة لا كما يعتقد البعض رد فعل من جانب الروح الإيرانية تخالف الإسلام فقد كانت جزيرة العرب شيعية كلها عدى المدن الكبرى كمكة وتهامة وصنعاء . وكان للشيعة غلبة في بعض المدن مثل عمان
وهجر وصعدة وفي بلاد خوزستان التي تلي العراق فكان نصف أهلها على مذهب الشيعة ، أما إيران فكانت سنية عدى قم وكان أهل أصفهان يغالون في معاوية حتى اعتقد بعضهم أنه نبي مرسل ( 2 ) .

5 - المستشرق جولد تسيهر قال : إن من الخطأ القول إن التشيع في منشئه ومراحل نموه يمثل الأثر التعديلي الذي أحدثته أفكار الأمم الإيرانية في الإسلام بعد أن اعتنقه وخضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعاية وهذا الوهم الشائع مبني على سوء فهم الحوادث التاريخية فالحركة العلوية نشأت في أرض عربية بحتة ( 3 ) .

6 - المستشرق نولدكه قال : ظلت بلاد فارس في أجزاء كبيرة منها تدين بالمذهب السني واستمر ذلك حتى سنة 1500 م عندما أعلن التشيع مذهبا رسميا فيها بقيام الدولة الصفوية ( 4 ) .
بعد استعراض هذه المقتطفات من أقوال الباحثين التي تؤكد عروبة التشيع


* ( هامش ) *
( 1 ) الشيعة والخوارج ص 241 .
( 2 ) الحضارة الإسلامية ج1 ص 101 .
( 3 ) العقيدة والشريعة ص 204 .
( 4 ) دراسات في الفرق والعقائد ص 326 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 87

في طابعه العام في نفس الوقت الذي لا تنفي امتداده إلى جنسيات أخرى فإن باقي الجنسيات هي موضع احترامنا وتقديرنا فما كنا إلا مسلمين شعارنا قوله تعالى : * ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم
عند الله أتقاكم ) * 13 / الحجرات ، ولكننا نقابل بذلك الأصوات التي تشهر بالمذهب الشيعي وتنسبه للفارسية ، وإتماما للبحث سنقدم هنا عينة من أقطاب المذهب الشيعي الذي قام الفكر الشيعي على أقلامهم ومواقفهم وبعد ذلك نضع مقابل عناوين عروبة التشيع ما يقابلها من عناوين في أبعاد المذاهب الإسلامية الأخرى

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:04 AM
.

أئمة الشيعة من هم ؟
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 88

الفصل الرابع أئمة الشيعة من هم ؟

إن أئمة الشيعة الاثني عشر ابتداء من الإمام علي ( ع ) حتى الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن ( ع ) الذين تعتبرهم الشيعة بأنهم الامتداد الطبيعي للنبوة هم سادة العرب ومن صميمهم وبيت هاشم كما هو المعروف أشرف البيوتات العربية فلا حاجة للإفاضة بذلك .

يأتي بعد ذلك الرواد الأوائل من حملة علوم أهل البيت وبيوتات وأسر الشيعة الذين حملوا التشيع وبشروا به فإنهم من صميم العرب وذلك ابتداء من أقطاب مدرسة الإمام الصادق ( ع ) مثل أبان بن تغلب بن رباح الكندي ، وبيت آل أعين ، وبيت آل حيان التغلبي ، وآل عطية ، وبني دراج وغيرهم ( 1 )

ثم الطبقة التي تلي هؤلاء كالشيخ المفيد محمد بن نعمان ، والشريف المرتضى علم الهدى علي بن أبي الحسين ، والعلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر ، وعبد العزيز بن نحرير البراج وجمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس وأسرة آل طاووس ، ومحمد بن أحمد بن إدريس العجلي ، ونجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي المعروف بالمحقق وجمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري ، والشهيد الأول محمد بن مكي والشهيد الثاني زيد الدين العاملي وغيرهم فإن كل هؤلاء من صميم العرب . * ( هامش ) * ( 1 ) طبقات ابن سعد ج‍ 6 تراجم من سكن الكوفة من التابعين . ( * )

* ( هامش ) *




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 89

أما أصحاب الصحاح الشيعة وهم كل من محمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي ، ومحمد بن علي بن الحسين المعروف بابن بابويه القمي ، صاحب من لا يحضره الفقيه ، ومحمد بن الحسن بن علي الشيخ الطوسي صاحب التهذيب والإستبصار ، فإن هؤلاء لا يوجد نص على عدم عروبتهم ومن وجد دليلا على أعجميتهم فليفدنا .

وختاما لهذا الفصل أذكر أولا رأي دائرة المعارف الإسلامية فقد قالت : إن أقدم الأئمة الكبار من الشيعة كانوا عربا خلصا وإن كانوا من اليمنيين خاصة ( 1 ) كما أذكر لكل من يريد التوسع بعض كتب التراجم الشيعية وغيرها ليطلع منها على نسبة
العرب من الشيعة ومن أهم هذه الكتب : الأعلام للزركلي ، وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيد حسن الصدر ، وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي .

السنة والفرس
قبل الدخول في صميم هذا الموضوع لنبدأ أولا بإيران وما هي هوية سكانها العقائدية وبالتحديد أين موقع سكانها من المذهبين السني والشيعي ففي ذلك بعض الأضواء التي لا بد منها لإنارة طريق البحث .
لقد ذكر لنا المؤرخون أن فتوحات إيران بكل أجزائها امتدت فغطت فترة الخلافة الإسلامية إلى نهاية فترة حكم الإمام علي ( ع ) وكانت هذه البلدان عندما يتم فتحها قد يتخلف بعض جنود الحملة في تلك المدن وبعض هؤلاء كانوا من الشيعة ومن الذين
حملوا معهم مبادئهم وعرفوا بها ، وفي فترة حكم زياد بن أبيه للكوفة كانت في جملة تخطيطاته للقضاء على التشيع بالكوفة أن
هجر خمسين ألف من الشيعة وسفرهم إلى خراسان . ولا بد أن هؤلاء توالدوا كما أنهم بشروا بأفكارهم وعقائدهم فتبعهم على


* ( هامش ) *
( 1 ) دائرة المعارف ج 14 ص 66 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 90

ذلك جماعة ، كما أن مدينة قم تم تمصيرها أيام الحجاج ، وذلك أن عبد الرحمن ابن الأشعث كان أمير سجستان من قبل الحجاج ثم خرج على الحجاج وقاتله وعندما فشلت حركته كان بجيشه مجموعة من علماء التابعين منهم : عبد الله ،
والأحوص ، وعبد الرحمن ، وإسحاق ، ونعيم ، وهم بنو سعد بن مالك الأشعري فنزل هؤلاء على سبعة قرى في منطقة قم استولوا عليها وجعلوها سبع محلات لمدينة قم والتحق بعبد الله بن سعد ولد له كان إماميا تربى بالكوفة فنقل التشيع لأهلها فليس بها سني قط ( 1 ) .
هذه هي بذور التشيع في إيران ظلت تنمو في مجال محدود حتى بداية القرن العاشر حيث تحولت بعد ذلك مناطق كثيرة للتشيع أيام الصفويين .
أما البدايات منذ الفتح وإلى القرن العاشر فكانت إيران في جملتها سنية متوزعة بين المذاهب ويستثنى من ذلك جيوب صغيرة كان فيها بعض الشيعة وقد أكد ذلك مؤرخو السنة وإليك أقوالهم :


* ( هامش ) *
( 1 ) معجم البلدان لياقوت الحموي ج4 ص 397 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 91

إيران السنية
1 - شمس الدين محمد بن أحمد يقول : إقليم خراسان للمعتزلة والشيعة والغلبة لأصحاب أبي حنيفة إلا في كورة الشاش فإنهم شوافع وفيهم قوم على مذهب عبد الله السرخسي ، وإقليم الرحاب مذاهبهم مستقيمة إلا أن أهل الحديث حنابلة ، والغالب
بدبيل - لعله يريد أردبيل - مذهب أبي حنيفة ، وبالجبال : أما بالري فمذاهبهم مختلفة والغلبة فيهم للحنفية ، وبالري حنابلة كثيرة ، وأهل قم شيعة والدينور غلبة لمذهب سفيان الثوري ، وإقليم خوزستان مذاهبهم مختلفة ، أكثر أهل الأهواز ورامهرمز
والدورق حنابلة ، ونصف الأهواز شيعة ، وبه من أصحاب أبي حنيفة كثير ، وبالأهواز مالكيون . إقليم فارس العمل فيه على أصحاب الحديث ، وأصحاب أبي حنيفة ، إقليم كرمان المذاهب الغالبة للشافعي ، إقليم السند مذاهبهم أكثرها أصحاب الحديث
، وأهل الملتان شيعة يحيعلون في الأذان - أي يقولون حي على خير العمل - ويثنون في الإقامة - أي يقولون الله أكبر مرتين ، وأشهد أن لا إله إلا الله مرتين أيضا وهكذا - ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب أبي حنيفة ( 1 ) .

2 - ابن بطوطة في رحلته قال بالتلخيص : لما أعلن خدابنده حفيد هولاكو التشيع حمل الناس على التشيع في مطلع القرن


* ( هامش ) *
( 1 ) أحسن التقاسيم للشاري ص 199 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 92

الثامن وكان معه أحد الزنادقة الروافض ويدعى بجمال الدين بن المطهر - يعني العلامة الحلي - كتب إلى بلاد آذربايجان وكرمان وأصفهان وخراسان وشيراز والعراق بإدخال اسم علي وبعض شيعته في خطبة الجمعة ، وعدم ذكر الصحابة بها ،
كان أول بلاد وصل إليها الأمر بغداد وشيراز وأصفهان ، فأما أهل بغداد فخرج منهم أهل باب الأزج يقولون لا سمعا ولا طاعة وجاؤوا للجامع وهددوا الخطيب بالقتل إن غير الخطبة وهكذا فعل أهل شيراز وأهل أصفهان .

3 - القاضي عياض في مقدمة ترتيب المدارك قال : وقد حكى عن انتشار مذهب مالك . وأما خراسان وما وراء العراق من بلاد المشرق فدخلها هذا المذهب أولا بيحيى بن يحيى التميمي وعبد الله بن المبارك ، وقتيبة بن سعيد فكان له هناك أئمة على
مر الأزمان ، وتفشى بقزوين وما والاها من بلاد الجبل ، وكان آخر من درس منه بنيسابور أبو إسحاق بن القطان وغلب على تلك البلاد مذهبا أبي حنيفة والشافعي ( 1 ) .

4 - بروكلمان قال في تاريخ الشعوب : إن الشاه إسماعيل الصفوي بعد انتصاره على الوند توجه نحو تبريز فأعلمه علماء الشيعة التبريزيون أن ثلثي سكان المدينة الذين يبلغ عددهم ثلثمائة ألف من السنة ( 2 ) مع لفت النظر إلى أن هذه الكمية من السنة في بلد واحد كانت في القرن العاشر وفي بدايته .

5 - المستشرق كيف يقول : إن الفكرة الخاطئة والتي لا زالت منتشرة التي تقول بأن بلاد فارس كانت الموطن الأصلي للتشيع لا أصل لها بل الروايات التاريخية تثبت بأن الزرادشتيين كانوا أميل عموما لاعتناق المذهب السني ( 3 ) . * ( هامش ) *

* ( هامش ) *
( 1 ) ترتيب المدارك ج 1 ص 53 . ( 2 ) تاريخ الشعوب الإسلامية ص 497 . ( 3 ) دراسات في الفرق والعقائد ص 26 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 93

ولا أريد أن أطيل عليك بالإكثار من إيراد الشواهد والنصوص التي تذكر أن إيران هي معقل التسنن حتى القرن العاشر بل وحتى الآن فإن فيها مقاطعات بكاملها سنية تستمتع بكل حرياتها الدينية وهي منبثة في إيران شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ،
فأين موقع إيران يا ترى من التشيع والتسنن هل لهؤلاء الكتاب أن يجيبونا على هذا السؤال ، ومتى كان منطق الحقد يعقل أو يفكر

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:06 AM
( إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 94 :

الفصل الخامس اللغة والمذاهب الإسلامية

سبق أن ذكرت موقف المذاهب الإسلامية في موضوع اشتراط عروبة الخليفة من حيث اللزوم وعدمه وكذلك اشتراط اللغة العربية في العبادات والعقود فلا داعي لإعادة ذلك وإنما أريد الإشارة هنا إلى أن في السنة من يشترط العربية وفيهم من لا يشترطها في حين يؤكد المذهب الشيعي على اشتراطها وذلك يكون مؤشرا على عروبة التشيع ووضوح انتمائه للعربية شكلا ومضمونا .

من هم أئمة السنة وأقطابهم ؟ لا أريد أن أعيد إلى ذهن القارئ أن أمثال هذه البحوث إنما هي من باب إشعار الطرف الآخر بأنه لا يلتزم بما هو لازم ولا أريد والله يعلم أن انتقص أي إنسان ينتمي لأي قومية كما لا أستطيع في هذه المقتطفات أن
أستوعب كل الأقطاب الذين قام بناء الفكر السني عليهم وعلى أقلامهم ومواقفهم وإنما سأقدم منهم شريحة كافية للتدليل على المطلوب .
إن تاريخ الدنيا منذ وجد يصنف الناس إلى صنفين : صنف يقوم مقام الروح في الجسد وآخر يمثل الجسد وصنف يقوم مقام المحرك وآخر يمثل القاطرة التي يسحبها المحرك وسنرى أن من يقوم مقام المحرك في الهيكل السني فارسي في الأعم الأغلب ، ولنبدأ بمن يسمى بالمذاهب الأربعة :

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 95

المذاهب الأربعة : تذهب جملة من المصادر المعتبرة إلى أن ثلاثة من هؤلاء الأربعة هم من الفرس والعربي فيهم هو الرابع فقط أما الثلاثة فأولهم :
أولا : الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي وهو مولى لبني تيم الله ومولده بالكوفة ( 1 ) .
ثانيا : الإمام الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع مولى أبي لهب وقد طلب من الخليفة عمر أن يجعله من موالي قريش فامتنع ، فطلب بعدها من الخليفة عثمان ذلك ففعل فهو من موالي قريش وقد ذكر ذلك كل من الرازي في كتابه مناقب الشافعي وأبو زهرة في كتابه المعروف الإمام الشافعي ( 2 ) .
ثالثا : الإمام مالك بن أنس بن مالك ذهب كل من ابن عبد البر صاحب الإستيعاب في كتابه الإنتقاء ، والواقدي محمد بن إسحاق ، والسيوطي في تزيين الممالك إلى أنه مولى من موالي بني تيم وليس بعربي ( 3 ) .
رابعا : الإمام أحمد بن حنبل وهو العربي الوحيد في المذاهب وينتمي إلى بكر بن وائل ( 4 ) على أنه هناك من يروي أن الثلاثة الأوائل أيضا عرب ولكن ظروف الروايات لا تخفى على الناقد وبوسع أي باحث تقييم تلك الروايات والانتهاء لرأي معين .

أصحاب الصحاح : إن المصادر التي ترجمت لأصحاب الصحاح وزعتهم على نحو التالي من حيث أنسابهم :


* ( هامش ) *
( 1 ) مناقب أبي حنيفة للموفق بن أحمد ج1 ص 16 .
( 2 ) أنظر الإمام الصادق لأسد حيدر ج3 ص 220 .
( 3 ) الإمام الصادق لأسد حيدر ج2 ص 200 .
( 4 ) طبقات الحنابلة لأبي يعلى ج1 ص 4 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 96

أ - البخاري محمد بن إسماعيل بن إبراهيم صاحب الصحيح الشهير : أعجمي .
ب - الترمذي ابن عيسى بن سورة الضرير تلميذ البخاري كذلك .
ج‍ - محمد بن يزيد بن ماجة مولى ربيعة ، أعجمي .
د - أحمد بن علي بن شعيب النسائي نسبة لمدينة نسا بخراسان ، أعجمي .
ه‍ - سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني وهي بلدة بقرب هراة : ينسب إلى الأزد ولم ينصوا أن النسبة بالأصل أم بالولاء ، يبقى انتماؤه إلى بلد أعجمي .
و - مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري عربي منصوص على عروبته ( 1 ) .

شريحة ثالثة : هذه شريحة ثالثة متوزعة على المذاهب الأربعة في امتداد تاريخها الطويل غير ملتزمة بالتسلسل الزمني أقدمها لتكون مجرد مؤشر على نسبة ما في المذاهب الأربعة من العلماء الفرس ، ولا أريد الاستقصاء لأنه يستلزم إضاعة وقت وجهد الأولى صرفهما في مجال آخر .
إن معظم رواة الأحكام والأخبار ، ومعظم الفقهاء والمفسرين هم من الفرس ، ومنهم على سبيل المثال : مجاهد ، وعطاء بن أبي رباح ، وعكرمة وسعيد بن جبير . ومجاهد وعكرمة ممن يعتمد عليه البخاري والشافعي ويوثقه ويأخذ بمروياته جملة وتفصيلا ( 2 ) .
ومنهم الليث بن سعد تلميذ يزيد بن حبيب والذي يعتبر مؤسس المدرسة


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر في ذلك وفيات الأعيان ج1 ص 21 ، والكنى والألقاب ج3 ص 207 ، ومعجم المؤلفين ج12 ص 115 ،
ومقدمات الصحاح الستة في تراجم أصحابها .
( 2 ) فجر الإسلام ص 191 ، و 204 ، ومعجم المؤلفين ج1 ص 59 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 97

العلمية الدينية بمصر ، ويقول عنه الشافعي الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به ، وهو فارسي من أهل أصفهان ، ومنهم ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك وهو ابن عبد الرحمن بن فروخ من أهل فارس ،

ومنهم طاووس بن كيسان الفارسي ترجم له الشيرازي في طبقات الفقهاء ، ومنهم البيهقي صاحب السنن الذي قيل عنه : للشافعي فضل على كل أحد إلا البيهقي . ومنهم مكحول بن عبد الله مولى بني ليث ، ومحمد بن سيرين مولى أنس ابن مالك ، والحسن البصري الذي قيل عنه إنه أشبه الناس بعمر بن الخطاب على حد تعبير الشيرازي في الطبقات .

ومنهم الحاكم صاحب المستدرك ، وعبد العزيز الماجشون الأصفهاني مولى بني تميم ، وعاصم بن علي بن عاصم مولى بني تيم ومن شيوخ البخاري ، وعبد الحق بن سيف الدين الدهلوي صاحب مقدمة في مصطلح الحديث ، وعبد الحكيم القندهاري شارح البخاري في حاشيته ، وعبد الحميد الخسروشاهي صاحب اختصار المذاهب في الفقه الشافعي .

وعبد الرحمن رحيم مولى بني أمية ومحدث الشام على مذهب الأوزاعي ، وعبد الرحمن العضد الإيجي صاحب كتاب المواقف ، وعبد الرحمن الجامي صاحب فصوص الحكم ، وعبد الرحمن الكرماني رئيس الأحناف بخراسان وصاحب شرح التجريد ، وشيخي زاده صاحب كتاب مجمع الأنهار عبد الرحمن ، وأحمد بن عامر المروزي صاحب كتاب مختصر المزني

وسهل بن محمد السجستاني صاحب كتاب إعراب القرآن ، ومحمد بن إدريس أبو حاتم الرازي الذي يعد بمستوى البخاري ، وأبو إسحاق الشيرازي صاحب كتاب التشبيه . وعبد الله بن ذكوان أبو الزناد عالم المدينة بالفرائض والفقه وممن روى عنه مالك والليث ، وأحمد بن الحسين شهاب الدين الأصبهاني صاحب كتاب غاية الاختصار ، ويعقوب بن إسحاق النيسابوري صاحب المسند الصحيح المخرج

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 98

على كتاب مسلم بن الحجاج ، وأحمد بن عبد الله أبو نعيم صاحب الحلية ، وابن خلكان صاحب وفيات الأعيان ، وأحمد بن محمد الثعلبي المفسر ( 1 ) .

ولو رمت أن أمشي معك على هذا الخط فسنصل إلى نسب عالية جدا من الناحية الكمية من نسبة العلماء والمؤرخين والمفسرين من الفرس ، إن الفكر السني بكل أبعاده مدين للفرس ومصبوغ بالفارسية وحتى الإمام محمد بن عبد الوهاب تربى
ونشأ وتثقف على أيدي الفرس وكانت تربيته وثقافته بين كردستان وهمدان ، وأصفهان وقم كما نص على ذلك جماعة ( 2 ) ، ومن الجدير بالذكر أن الألسنة الطويلة والبذيئة والمتسرعة التي تفتري ما تشاء على الفرق الإسلامية وخصوصا على الشيعة هي ألسنة فارسية .

وسأقدم لك نموذجين من هذا الصنف الذي ليس على ضميره ولسانه رقيب وما عند قلمه شعور بالمسؤولية .
( راجع نموذجان من السنة الفرس ) (http://alseraj.net/a-k/aqaed/halt/pa13.html)


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر في تراجم هؤلاء معجم المؤلفين لكحالة ج1 ص 206 ، وفجر الإسلام ص 241 والكنى والألقاب للقمي ج1 ص 6 فصاعدا ( 2 ) زعماء الاصطلاح لأحمد أمين ص 10 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:07 AM
نموذجان من السنة الفرس
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 99

نموذجان من السنة الفرس

1 - الشهرستاني محمد بن عبد الكريم صاحب كتاب الملل والنحل من أهل شهرستان : وهي بليدة بين نيسابور وخراسان ، إن هذا الرجل قد كتب عن الفرق الإسلامية فخلط وخبط خبط عشواء وافترى ونسب أمورا بدون علم وتثبت حتى شحن كتابه بزاد موبوء ، وخلف تركة من الإفتراء تأخذ منها الأقلام والله تعالى سائله عن ذلك وقبل أن أقدم لك نماذج من كتاباته أود أن أذكر لك بعض آراء قومه فيه .

أ - الإمام الرازي : يقول في كتابه مناظرات مع أهل ما وراء النهر : المسألة العاشرة متحدثا عن كتاب الملل والنحل ، إنه كتاب حكى فيه مذاهب أهل العالم بزعمه إلا أنه غير معتمد عليه لأنه نقل المذاهب الإسلامية من الكتاب المسمى بالفرق بين
الفرق من تصانيف الأستاذ أبي منصور البغدادي وهذا الأستاذ كان شديد التعصب على المخالفين ولا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه الصحيح ، ثم أن الشهرستاني نقل مذاهب الفرق الإسلامية من ذلك الكتاب فلهذا السبب وقع فيه الخلل في نقل هذه المذاهب ( 1 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) معجم البلدان ج‍ 3 ص 377 . ( * )

* ( هامش ) *




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 100

هذا عن مدى توثيقه بالنقل ، أما دينه وصدقه فيقول فيه بعض قومه ما يلي : ب - ياقوت الحموي في معجمه : مادة شهرستان قال : ولولا تخبطه أي الشهرستاني في الاعتقاد وميله إلى هذا الإلحاد لكان هو الإمام ، وكثيرا ما كنا نتعجب من وفور فضله
وكمال عقله كيف مال إلى شئ لا أصل له واختار أمرا لا دليل عليه لا معقولا ولا منقولا ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإيمان وليس ذلك إلا لإعراضه عن نور الشريعة واشتغاله بظلمات الفلسفة وقد حضرت عدة مجالس من وعظه فلم يكن فيها قال الله ولا قال رسول الله ولا جواب من المسائل الشرعية والله أعلم بحاله ( 1 ) .

وبعد تقييم الشهرستاني من قبل قومه أذكر لك شيئا مما كتبه عن الشيعة لتعرف مدى صدقه ووثاقته يقول عن الإمامية إنهم لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد الحسن والحسين وعلي بن الحسين على رأي واحد بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها
إلى أن قال : إن الإمام الصادق برئ من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة ، والرجعة ، والبداء ، والتناسخ ، والحلول ، والتشبيه ، لكن الشيعة بعده أي بعد الصادق ( ع ) افترقوا وانتحل كل واحد منهم مذهبا ( 2 ) .

إن كل من له إلمام بتاريخ الإمامية من الشيعة يعلم أنهم لم يختلفوا في تسلسل الأئمة ابتداء من الإمام علي ( ع ) حتى الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن ( ع ) والإمامية على ذلك منذ وجدوا ، أما ما ذكره من أن الإمام الصادق ( ع ) تبرأ من
حماقات الشيعة فهو محض افتراء ولم يحدث قط فإن أهل البيت أدرى بما فيه ، ولو كان هنالك شئ من هذا القبيل لذكره غير الشهرستاني أما ما تفضل به على


* ( هامش ) *
( 1 ) المناظرات للرازي ص 25 بتوسط الإمام الصادق ج5 ص 48 .
( 2 ) الملل والنحل هامش الفصل ج1 ص 193 ، وحتى ج 2 ص 3 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 101

الشيعة من هذه العقائد التي ذكرها كالتناسخ والحلول والتشبيه فإن الواقع يكذبه وهذه كتب الشيعة تملأ المكتبات فليذكر لنا أين آرائهم بالتناسخ اللهم إلا أن يكون كلامه عن أمة بائدة كانت تقول بذلك قبل هذا . نعم ، الشيعة تقول بغيبة المهدي عن المعرفة
بمعنى أنه يرى ولا يعرف فهو موجود بين الناس ولكن لا يعرفونه وهو يدلي برأيه أحيانا مع بعض الآراء وقد استفادوا ذلك من جملة من الأخبار التي أوردها علماء المسلمين من السنة والشيعة كالترمذي وابن ماجة وأبي داود وابن حجر وغيرهم
ويكفيك الفصل الذي كتبه ابن حجر في الصواعق فراجعه وسنشرح ذلك فيما يأتي من فصول هذا الكتاب ، كما يعتقد الشيعة بالبداء مستفيدين ذلك من الكتاب والسنة : فالكتاب كقوله تعالى : * ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) * الرعد / 39 .

وأما السنة فمثل ما رواه البخاري في الصحيح عن النبي ( ص ) أن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا الخ ( 1 ) .
وكما روى الصدوق في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة بإسناده عن الإمام الصادق ( ع ) : من زعم أن الله عز وجل يبدو له في شئ يعلمه أمس فابرؤا منه ( 2 ) .
والبداء عند الشيعة بمعنى الإظهار لا بمعنى أن الله يعلم بعد جهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، أي أن علم الله تعالى تعلق بوقوع أمر في الخارج ولكن بشرط موقوفيته على عدم تعلق مشيئة الله تعالى بخلافه . وهذا هو مورد البداء ومحل البداء من أقسام القضاء الإلهي .
ونظرا لأهمية موضوع البداء وما ثار حوله من نزاع بين المسلمين فإني أحيل


* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري ج4 ص 146 باب ما ذكر عن بني إسرائيل . ( 2 ) البيان للخوئي ص 390 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 102

القارئ إلى فصل مهم ممتع كتبه الإمام الخوئي في كتابه البيان مقدمة تفسير القرآن ( 1 ) .
أما موضوع الرجعة عندهم فهو مجرد فهم من كتاب الله تعالى لبعض الآيات ولمضمون تلك الآيات ، ذلك بالإضافة إلى روايات كثيرة تدعم تلك المضامين ، وهي : أعني الرجعة ليست من ضروريات الإسلام عندهم . وبوسع القارئ الرجوع
لى قوله تعالى : * ( يوم نحشر من كل أمة فوجا ) * النحل / 83 . وقوله تعالى : * ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) * الكهف / 47 .
فقد ورد في كثير من التفاسير عند الجمع بين الآيتين ما يفيد أن هناك حشرا قبل الحشر الأكبر وفيه روايات عن أهل البيت ، وقد عقد الشيخ الصدوق في كتابه الإعتقادات فصلا عن الرجعة ذكر فيه دلالة الآيات والأحاديث على ذلك وقال في آخره
مستدلا بقوله تعالى : * ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) * النحل / 38 ، ثم يقول بعد هذه الآية مباشرة : ليبين لهم الذي يختلفون فيه ، والتبيين إنما يكون في الدنيا لا في الآخرة
فالآية واردة في الرجعة كما فهم منها الصدوق ، إلى أن يقول الصدوق منبها إلى أن البعض قد يفهم من عقيدة الشيعة القول بالتناسخ فيقول في ذلك والقول بالتناسخ باطل ومن دان بالتناسخ فهو كافر لأن في التناسخ : إبطال الجنة والنار ، إنتهى كلامه ( 2 ) .
فالمسألة في الرجعة إذا لا تعدو فهما من كتاب الله تعالى بإمكان وقوع رجعة في فترة ومعينة وكل ذلك لا يستوجب هذه الجلبة والضوضاء في كتب السنة ، وكم


* ( هامش ) *
( 1 ) البيان للخوئي ص 385 فصاعدا . ( 2 ) الشيعة والرجعة للطبسي ج2 ص 248 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 103

من آراء لأهل السنة سنمر إن شاء الله على بعضها وهي قد تستوجب ضجة ولكن كتاب الشيعة يعالجونها من زاوية علمية بدون تهريج ويحترمون فهم كل كاتب ما دام له منشأ انتزاع من نص من القرآن أو السنة ،
وأعود بعد ذلك للشهرستاني فهو عندما يعدد الأئمة يقول : إن الشيعة ساقوا الإمامة بعد موسى بن جعفر فقالوا والإمام بعده علي بن موسى الرضا ومشهده بطوس ثم بعده محمد التقي وهو بمقابر قريش ثم بعده علي بن محمد النقي وهو مشهده بقم ،
وبعده الحسن العسكري الزكي وبعده ابنه محمد القائم المنتظر ، هذا هو طريق الاثني عشرية ( 1 ) وكل الباحثين يعلمون أن الشيعة لا يقولون إن ابن محمد النقي مدفون بقم لأنه مدفون بسامراء ويزوره الآن الناس والمدفونة بقم شقيقة الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

2 - ابن حزم الأندلسي : هذا النموذج الثاني الذي أقدمه وهو من الذين سلطوا لسانهم على المسلمين إنه علي بن أحمد بن حزم الأندلسي الفارسي وهو من موالي يزيد بن معاوية وحسبه بذلك شرفا وأول من دخل الأندلس من أجداده جده خلف .
وكان ابن حزم في أول أمره شافعيا ثم انتقل إلى الظاهرية ، وله كتب كثيرة منها الفصل في الملل والنحل والمحلى وغيرهما ، ولهذا الرجل قدرة عجيبة على الافتعال والاختلاق وله جرأة في التهجم على الناس تكشف عن عدم ورع وعدم التزام
بالصدق وسأذكر قبل ذكر أقواله آراء قومه فيه وتقييمهم له : فقد قال فيه أبو العباس بن العريف : إن لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان .
وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان فيما كتبه عنه في فصل طويل منه قوله : ومما يزيد في بغض الناس له حبه لبني أمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب . وقال ابن العماد الحنبلي كان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء والمتقدمين لا


* ( هامش ) *
( 1 ) الملل والنحل فصل الشيعة . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 104

يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت منه القلوب . ويقول عنه مصطفى البرلسي البولاقي : أما ابن حزم فالعلماء لا يقيمون له وزنا كما نقله عنهم المحققون كالتاج السبكي وغيره لأنه وأصحابه ظاهرية محضة تكاد عقولهم أن تكون مسخت ومن وصل إلى
أن يقول إن بال الشخص في الماء تنجس ، أو في إناء ثم صبه في الماء لم يتنجس ، كيف يقام له وزن ويعد في العقلاء فضلا عن العلماء ، ولابن حزم هذا وأضرابه من أمثال هذه الخرافات الشئ الذي لا ينحصر ، ومن تأمل كذبه عن العلماء ولا سيما
إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري علم أن الأولى به وبأمثاله أن يكونوا في حيز الإهمال وعدم رفع رأس لشئ صدر منه ، راجع فيما كتبناه عن ابن حزم المراجع أدناه فقد أفاضت في ترجمته وشرح حاله ( 1 ) .

وبعد شهادة هؤلاء الأعلام التي هي في الواقع رمز لمحصلة الآراء عن ابن حزم عند العلماء فإني لا أستكثر عليه أن يقول في آخر الفصل الذي كتبه عن الشيعة : والقوم يعني الشيعة بالجملة ذووا أديان فاسدة وعقول مدخولة وعديموا حياء نعوذ بالله من الضلال ( 2 ) .

فإذا كان هذا وأمثاله كالشهرستاني هم الذين يكتبون عن عقائد وفقه وسلوك الفرق الإسلامية فهل يمكن للأجيال أن تثق بتاريخها وسيرة أسلافها والأنكى من ذلك أن الذين ينتقدون الشهرستاني وابن حزم وأمثالهما فإنهم إنما يحملون عليهم إذا وخزوهم أو شتموهم ، أما إذا شتم الشهرستاني أو ابن حزم غيرهم كالشيعة مثلا فهو صادق وتؤخذ أقواله ولا تثير حساسية .


* ( هامش ) *
( 1 ) شذرات الذهب ج3 ص 299 ، والسيف اليماني للبرلسي رسالة صغيرة مع عدة رسائل ، ووفيات الأعيان ج1 ص 369 ،
ولسان الميزان ج 4 ص 199 فصاعدا .
( 2 ) الفصل في الملل والنحل ج 4 ص 181 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 105

مثال ثالث وسترد علينا أمثلة لذلك ، ولكني أستعجل لك مثلا واحدا منها يعيش في القرن العشرين في عصر الذرة وتحت أروقة جامعة حديثة وهو محمد حسن هيتو محقق كتاب المنخول للغزالي فإن هذا الرجل عندما يمر ببعض المواقف الحدية
للغزالي من بعض المذاهب الإسلامية كالإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل والإمام أبي حنيفة فيذكر بعض آرائهم ناقدا لها حينا ومستهجنا حينا آخر ، مثلا يذكر الغزالي عن أبي حنيفة رأيه في أقل الصلاة وهي : وضوء بالنبيذ في أولها وحدث في آخرها
للخروج منها وبين ذلك نقر كنقر الغراب واكتفاء من القراءة بكلمة مدهامتان باللغة الفارسية إلى آخر ما ذكره عن أقل الصلاة
في رأي أبي حنيفة ، وكما ذكر رأي مالك بجواز قتل ثلث الناس إذا كان ذلك يؤدي إلى صلاح الثلثين الباقيين ، وهكذا آراء
بعض الأئمة التي ذكرها . إننا في مثل هذا نرى محمد حسين هيتو يقع في ورطة فلا يدري أينفي ذلك وفيه تكذيب للغزالي ، أم يثبت ذلك وفيه طعن على أئمة المذاهب ، فتراه مرة يقول إن هذه الأقوال نتيجة لمرحلة مر بها الغزالي ، وتخلص منها
بعد ذلك ، ومرة يقول إن الغزالي فرد من مدرسة تؤيد أهل الحديث وتطعن في أهل الرأي وإن ذلك تعصب أقلع عنه الغزالي بعد ذلك كما هو واضح في مؤلفاته التي صدرت بعد ذلك كالمستصفى المتأخر عن المنخول ، على أن هذا الإعتذار لا يحل
المشكلة التي هو كون الغزالي إما صادقا وإما كاذبا . إن الذي يعنينا هنا أن هيتو إذا مر الغزالي بالرافضة وشتمهم لا نجده يعلل ذلك الشتم بعصبية أو غيرها كأن الشيعة يستأهلون الشتم بدون نزاع وكأن الحرص على وحدة المسلمين ليس من موارده
هذا المورد هنا إذا كان الشيعة مسلمين في نظر هؤلاء وإلا فالمسألة سالبة بانتفاء الموضوع كما يقول علماء المنطق ، وعلى كل ألفت النظر إلى ما كتبه هيتو عن الغزالي ( 1 ) : والله المستعان على ما يصفون .


* ( هامش ) *
( 1 ) المنخول للغزالي ص 354 ، و 488 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 106

وعودا على بدء نقول إن ما قدمناه من شواهد وأمثلة كاف في تحديد موقع السنة من الفرس وتحديد مكان التشيع من العروبة لمن يعتبر هذا سبة وذلك فضيلة ، أما المسلم الذي شعاره شعار القرآن فإن المسلمين عنده أكفاء بأموالهم ودمائهم وأعراضهم
وأنسابهم ، وإذا كانت هناك آثار متولدة من وحدة العرق والدم فإنها سواء عند الفارسي الشيعي والفارسي السني ولا يمكن التفرقة بين الشئ ونفسه ، وإلى هنا نكون قد أعطينا صورة عن الهوية العرقية للتشيع والتسنن وبوسع طالب المزيد أن يتخذ من هذه الدراسة منهجا وينحو هذا النحو في التوسع بالدراسة المختصة بهذا الموضوع .

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:08 AM
أسباب رمي التشيع بالفارسية
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 107

الفصل السادس أسباب رمي التشيع بالفارسية

1 - للإجابة على هذا السؤال نقول : إنه لا خصوصية لهذه التهمة بالفارسية ، وإنما هي صورة من صور رمي التشيع بكل ما هو مكروه ، ولما كانت العلاقات بين الفرس والعرب قد ساءت بعد أن امتد نفوذ الفرس في دولة الإسلام كما أشرنا إليه
سابقا شاء أعداء الشيعة أن يرموهم بالفارسية ليضيفوا إلى قوائم التهريج قائمة أخرى هذا من جانب ومن جانب آخر لما كان الشيعة منذ فترة تكوينهم من المعارضين للحكم لأنهم يرون أن الخلافة بالنص وليست بالشورى وأنها لعلي ( ع ) وولده وإنما
تنازل عنها وسكت حرصا على مصلحة المسلمين وتضحية بالمهم في سبيل الأهم وقد حفظ بذلك بيضة الإسلام ، وأن عقيدتهم
هذه جرت عليهم الملاحقة خصوصا أيام معاوية وما تلاها إلى العصور المتأخرة ، وللإمعان بالتنكيل بهم وإبعادهم عن الساحة
حشدت لهم السلطات كل ما تملك من وسائل التحطيم المادي منها والمعنوي فاعتبرتهم خوارج عن جسم الأمة ، ونسبت إليهم من الآراء ما هو بعيد عن روح الإسلام وصورتهم بأنهم دعاة فوضى ولاحقتهم بكل صنوف الملاحقة وكان من ذلك أنها
استغلت الشعور الملتهب ضد الفرس منذ أيام الاحتكاك بين العرب والفرس فرمتهم بأنهم ورثة الفرس وحملة عقائدهم فأضافتها إلى قائمة التهم التي أصبحت لا تعد ولا تحصى وأخذ كل خلف يضيف إلى القائمة التي وضعها السلف بدون تحرج ولا رادع من مسؤولية أو ضمير وأين المسؤولية والسيف

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 108

والقلم والحكم والأموال بيد خصوم الشيعة ، وانتهى الأمر إلى أن تتفجر العبقريات بألوان الاختلاق ، وأصبح كل حامل سلاح لا يعرف مدى مضائه يجربه بجسم الشيعة ، وكل من لا يعرف نفسه يتحسس بطولتها بالسباب والتهجم على الشيعة ، وبالاختصار أصبح الشيعة مختبرا لممارسة البطولات من كل حامل سلاح حتى ولو كان سيفه مثلوما ويده ترتعش .

2 - السبب الثاني في رمي التشيع بالفارسية : هو ما ألمحت إليه سابقا من أن الفارسية ما كانت سبة يوم كان الفرس سنة وإنما عادت سبة يوم تشيع قسم من الفرس ودليل ذلك أنك ترى الطبقة الأولى والثانية من الذين تهجموا على الشيعة وكالوا
لهم التهم لم يضعوا في قائمتهم تهمة الفارسية وبوسعك الرجوع إلى ما كتبه ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد بالفصل الخاص بالشيعة وارتجل لهم المثالب والمطاعن فيه فإنك لا تجد هذه التهمة ضمن التهم ( 1 ) . وكذلك لو راجعت ما كتبه الشهرستاني في ملله ونحله وما ذكره عن الشيعة فسوف لا تجد تهمة الفارسية من التهم التي ساقها ( 2 ) .

وأما شيخ أهل السباب وصاحب اللسان الذي ما عرف الورع فإنه برغم ما صال به وجال وبرغم ما أملاه عليه الهوى فإنه لم يذكر للشيعة هذه التهمة ( 3 ) . نعم ذكر ابن حزم أن هناك أفرادا من الفرس شيعة في بعض استطراداته حتى جاء المقريزي
في القرن التاسع فرام أن يصور أن التشيع فارسي فالمسألة جاءت متأخرة ( 4 ) وهكذا المتأخرون عن هذه الطبقة لم ترد في قوائمهم هذه التهمة وإنما جاءت من بعد القرن التاسع وبدء القرن العاشر ، والغريب أن يكون بعض فرسان هذه الحملة من الفرس أنفسهم أرادوا أن يظهروا أنفسهم بأنهم أحرص


* ( هامش ) *
( 1 ) العقد الفريد ج2 ص 404 فصاعدا . ( 2 ) الملل والنحل هامش الفصل ج1 ص 195 .
( 3 ) الفصل في الملل والنحل ج4 ص 179 . ( 4 ) دراسات في الفرق والعقائد ص 25 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 109

على العروبة من العرب أنفسهم ورحم الله من يقول : رفقا بنسبة عمرو حين تنسبه * فإنه عربي من قوارير ولا أستبعد أن له هدفا خبيثا من وراء ذلك وبذلك كانوا أساتذة للمستشرقين كما سيأتي :

3 - السبب الثالث في رمي الشيعة بالفارسية : يكمن في قوة استدلال الشيعة بأن الخلافة بالنص وليست بالشورى ، لأن القائلين بالشورى يستدلون بقوله تعالى : * ( وأمرهم شورى بينهم ) * الشورى / 38 ،
وبقوله تعالى : * ( وشاورهم في الأمر ) * آل عمران / 159 ، مع أن الآيتين أجنبيتان عن الموضوع لأن قوله تعالى *
( وأمرهم شورى بينهم ) * مدح للأنصار الذين كانوا قبل الإسلام إذا أرادوا عمل شئ تشاوروا فيما بينهم ولم يستبدوا بآرائهم
، وأما قوله تعالى " وشاورهم " الخ فإنه أراد تطيب قلوبهم وإشعارهم بأنهم أهل للمشاورة ليرفع من معنوياتهم فكان النبي ( ص ) يشاورهم في أمور الحرب وبعض الأمور الدنيوية وبوسع القارئ الرجوع إلى التفاسير المحترمة مثل تفاسير الفخر
الرازي والكشاف للزمخشري ، ومجمع البيان للطبرسي وغيرهم فإن كل هؤلاء نصوا على ما ذكرته وقالوا : إن مشاورة النبي ( ص ) للمسلمين فيما لم يرد فيه نص وذلك عند تفسيرهم للآيتين المذكورتين .

فالآيتان لم ينزلا في تشريع منهج لاختيار الإمام عن طريق الشورى وإنما أراد بعض الباحثين أن يستفيد من الآيتين ما يلي : بما أن الخلافة سكت عنها النبي ولم ينص على أحد وبما أن القرآن يمدح الشورى بالأمور المهمة فنرجع فيه إلى منهج الشورى ( 1 ) أما الشيعة فقد رفضوا هذا وذهبوا إلى :
أولا : أن النبي كان إذا أراد الذهاب في سفر لا يترك المدينة بدون خليفة


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر فجر الإسلام ص 234 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 110

عليها ولو كان سفره ليوم واحد فكيف يترك أمور الناس من بعده بدون راع .

وثانيا : من الثابت أن الشريعة الإسلامية تفرض الوصية على المسلم حتى في بعض الميراث البسيط وفي ذلك يقول القرآن الكريم في سورة البقرة - الآية / 180 : * ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين ) * فكيف يترك هذا الأمر المهم بدون أن يوصي به والحال أن استقرار الأمة متوقف على ذلك وبدون ذلك يؤول الأمر إلى التنازع .

ثالثا : تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على أن الإمامة بجعل من الله ومن ذلك قوله تعالى : * ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) * سورة الأنبياء / 73 .
وقوله تعالى : * ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ) * القصص / 5 .
وقوله تعالى : * ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ) * السجدة / 24 . هذه بعض الآيات التي يستدل منها على أن الإمامة بجعل من الله تعالى .
بالإضافة إلى نصوص النبي على الإمام من بعده ومن ذلك موقفه يوم الغدير عندما نزل عليه قوله تعالى : * ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) * المائدة / 70 ، فجمع النبي الناس وخطب خطبته المعروفة وقال في آخر خطبته : " ألست
أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : بلى ، قال : اللهم فاشهد وأنت يا جبرئيل فاشهد وكررها ثلاثا ، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب ورفعه حتى بان بياض إبطيهما للناس وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله والعن من نصب له العداوة والبغضاء " إلى آخر الواقعة .

وقد روى هذا الموضوع مائة وعشرون صحابيا وأربعة وثمانون تابعيا وكان عدد طبقات رواته من أئمة الحديث يتجاوز ثلثمائة وستين راويا وقد ألف في هذا
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 111

الموضوع من الشيعة والسنة ست وعشرون مؤلفا وقد غطوا كل جوانب الموضوع وأشبعوه بحثا وتمحيصا فراجع ( 1 ) .
وبالرغم من وفرة مصادر هذا النص ودلالته الواضحة فإنك لا تعدم من يؤول هذا النص تأويلا سخيفا ، أو من يقول إن
حديث الغدير لم يرد إلا في كتب الشيعة كما يقول أحمد شلبي في مؤلفاته ، وقد تسمع من يقول إن الشيعة دسوا هذه
الروايات في كتب السنة وأمثال ذلك من تافه الكلام الذي هو أشبه بخرافات العجائز وعلى العموم إن موضوع الإمامة كتبت فيه عشرات الكتب وهو ليس من صلب موضوعي وإنما فرضته المناسبة استطرادا ، وقد اتضح من هذا أن الشيعة يستندون
إلى النص في مسألة الإمامة دون نظرية الشورى ، وذلك لأن الشورى لا سند لها من الكتاب والسنة في نظرهم وإنما هي مجرد اجتهاد من المسلمين الذين ظنوا أن لا نص هناك ثم أن الشيعة يتسائلون أين هي الشورى وما هي أركانها وشروطها
وكيفيتها وهل تحققت في أيام الخلفاء ونصب الخلفاء بموجبها أم لا مع أننا نعلم أن الذين بايعوا الخليفة الأول بالسقيفة اثنان هم الخليفة الثاني وأبو عبيدة ، وعلى رواية أخرى إنهم أربعة كما يروي ذلك الحلبي في سيرته والبخاري في باب فضل أبي بكر
ولذلك ذهب أهل السنة إلى أن الإمامة تنعقد ببيعة اثنين من أهل الحل والعقد فإن هذه النظرية واضح منها أنها تصحيح للموقف يوم السقيفة ورفع للتناقض في منهج الشورى نظريا وتطبيقيا فإنه لا عاقل يمكن أن يتصور انتخاب خليفة من قبل اثنين فقط
وهذان الإثنان يتم تمثيل المسلمين بهما ، وللتأكد من عدد المبايعين ونظرية عدد أهل الحل والعقد راجع المصادر التالية ( 2 ) . ولقد صورت البيعة خير تصوير صادق كلمة الخليفة الثاني إن خلافة أبي


* ( هامش ) *
( 1 ) الجزء الأول من كتاب الغدير للأميني ، والإصابة لابن حجر في ترجمة الإمام ( ع )
والإستيعاب لابن عبد البر في ترجمة الإمام علي ، وأعيان الشيعة ، ج 3 ، وتفسير كل من الرازي ،
والدر المنثور للسيوطي عند تفسير الآية المذكورة وتفسير مجمع البيان كذلك .
( 2 ) السيرة الحلبية ج3 ص 358 ، وصحيح البخاري باب فضل أبي بكر ، والغدير للأميني ج7 ص 141 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 112

بكر فلتة وقى الله شرها فإن تعبير الخليفة عنها أنها فلتة يؤكد أنها لم تكن عن منهاج سابق ( 1 ) . لقد بايع الإثنان ثم بعد ذلك تمت البيعة كما رسمها المؤرخون ولم تتعد بعض أرباض المدينة فهل كانت شورى تتقوم باثنين أو حتى بالمدينة كلها مع أن
مفاد قوله تعالى * ( وأمرهم شورى ) * يتناول المسلمين كافة وإذا كانت لا تتناول المسلمين كافة فلا تنهض بالدليلية كان هو واضح ، وأروع من ذلك كله أن ترى فقيها من فقهاء أهل السنة يقول : إن معنى الشورى يتحقق ولو ببيعة واحد ، وهو ابن العربي المالكي وذلك عند تفسيره لمعنى الشورى .

ثم يرد تساؤل آخر هو هل أن الخليفة الثاني جاء إلى الحكم عن طريق الشورى أم عن طريق تعيين الخليفة الأول له كما هو واقع الحال ( 2 ) ؟

ويتساءلون ثالثا هل أن الخليفة الثالث جاء إلى الحكم عن طريق الشورى أم عن طريق خمسة عينهم الخليفة الثاني ولو يؤيده منهم إلا ثلاثة ( 3 ) إن كل باحث موضوعي لا يمكن أن يستند إلى صدور نظرية الشورى عن الشريعة الإسلامية لا نظريا ولا تطبيقيا .

والآن لنرجع للأمر الثالث فنقول إن نظرية الشورى لما كانت غير ناهضة بينما نظرية التعيين تقف على أرض صلبة أراد البعض أن يبعد هذه النظرية عن إطارها الإسلامي فافترض أنها نظرية كان يذهب إليها الفرس ويرون أن ملوكهم حكموا
بالحق الإلهي وحيث أن الحسين صاهر الفرس فتزوج بنت يزدجرد انتقل إليه هذا الحق الإلهي وقد سبق استعراض هذا المعنى في أول الكتاب . فالهدف إذا دفع نظرية النص والوصاية عن كونها من الإسلام وجعلها من مورثات الفرس التي
نقلوها معهم لما دخلوا إلى التشيع ، فإذا قلت لهؤلاء إن الوصاية ثبتت بنصوص قبل دخول الفرس للإسلام قيل لك إن هذه الروايات دسها الشيعة في كتب السنة فإذا ذكرت لهم عدة طرق للرواية قيل لك إن الوصية


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر تاريخ الطبري ج3 ص 330 و 301 . ( 2 ) تاريخ الطبري ج4 ص 54 . ( 3 ) الطبري ج5 ص 35 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 113

التي تذهبون إليها إنما هي في أمور بسيطة بيتية وليس لها صلة بموضوع الخلافة وهكذا ، هذه في نظري أهم الأسباب التي رمي التشيع بالفارسية من أجلها وهو زعم أصبح يفند نفسه بنفسه لوجود الواقع الخارجي الذي يعين هوية التشيع بصورة
مجسدة ، جاء المستشرقون بعد ذلك فضربوا على هذا الوتر ومعهم تلاميذهم يرقصون على أنغامهم إن أهداف كثير من المستشرقين لا تخفى لأنها تستهدف صيد عصفورين بحجر ، فإن الهدف الأساسي ضرب وحدة المسلمين ، وبعد ذلك تزييف
ركائزهم الفكرية ، لأجل ذلك تجد كتب المستشرقين تؤكد على هذه النقطة وترتب عليها آثارا كثيرة ، وكأن هذا الموضوع مختص بالشيعة فقط أما السنة الفرس فهم محروسون من أن يتدسس إليهم الفكر الفارسي حتى ولو كان ثمانون بالمئة من الفرس منهم .

ولست أنفي أن تكون هناك أسباب أخرى لرمي التشيع بالفارسية قد يكون منها أحيانا بعض الاستنتاجات المخطئة أو سوء
الفهم الذي يعتبر كل التقاء بين نظريتين هو تأثير وتأثر وقد يكون صدفة ، إن مجرد التقاء نظرية للشيعة مع نظرية للفرس لا
يشكل مبررا بحال من الأحوال لاعتبار الفكر الفارسي مصدر العقائد الشيعية ، لوضوح أن الفكر الديني في العقائد والأحكام مصدره الكتاب والسنة ، في حين أن نظريات الفرس هي نظريات وضعية لا تستند إلى شريعة واحدة أو متعددة حتى يقال إن
هؤلاء أخذوا من هؤلاء . كيف صار الفرس شيعة إذا حاولنا مسح الأبعاد التاريخية البيئية للفرس نجد أن من تشيع منهم يقسمون أقساما :
1 - القسم الأول : وهم القسم الذي تشيع بعملية انتقاء واختيار عن طريق الصحابة الذين رافقوا عمليات الفتح ونقلوا معهم عقائدهم وفكرهم الشيعي وقد ساعد على

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 114

ذلك أن اعتناق التشيع آنذاك لا يسبب لهم ضررا لأن العملية كانت شيئا طبيعيا وبعدهم عن مواطن الاحتكاك ولأن الفكر كان ضمن نطاق الأمور العقائدية ولا يتجسد في فعاليات سياسية ومن أبرز مواطن التشيع في هذا القسم خراسان ، ثم قم بعد ذلك

2 - القسم الثاني : هم الذين تشيعوا تعاطفا مع الشيعة الذين نالهم الاضطهاد بعد ذلك وهذا القسم جمعه الاضطهاد معهم لأنه كان مضطهدا ومن هؤلاء الموالي في قسم كبير منهم من كان داخل بلدان الخلافة أو الذين لحقهم الاضطهاد داخل إيران وقد
بدأت تصل إليهم أفواج من المهجرين المضطهدين لأجل تشيعهم والذين دفع منهم زياد بن أبيه خمسين ألفا إلى خراسان حتى يخلص الكوفة من العناصر الشيعية الصلبة ( 1 ) والاضطهاد قرابة أحيانا ، وكان بعد ذلك أن تمازجت أفكارهم بعد التقاء
مشاعرهم وصار الفكر متبادلا بينهم وساعد على ذلك استمرار الاضطهاد فترات امتدت طويلا والعقائد كثيرا ما يرسخها الاضطهاد .

3 - القسم الثالث : الذين تشيعوا عن طريق اللقاء الثقافي المعمق لأن الشيعة اضطروا إلى تعميق ثقافتهم وولوج مختلف ميادين المعرفة للدفاع عن وجودهم والذود عن عقائدهم بالنظر إلى تعرضهم إلى وضعيات شرسة خصوصا وأن الحكم
ووسائل القوة ليست بأيديهم ، وكان أن استهوت ثقافتهم قطاعا كبيرا من الفرس نظرا لخلفيتهم الحضارية ونهوض الحجة في نظرهم لكثير من معتقدات الشيعة التي لم يدعمها سيف ولا بريق مال ولا طمع في حكم بل لمجرد الاقتناع بصحة أدلتهم .

4 - القسم الرابع : هم الذين دخلوا التشيع مع التيار الذي صنعه الحكام وأعلنوا ضرورة


* ( هامش ) *
( 1 ) الطبري ج6 ص 126 طبعة 1932 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 115

العدول إلى مذهب الشيعة وهؤلاء قلة لا يعتد بها وقد تظاهرت بذلك لأنه لا يمكن للعقائد أن تفرض فرضا وذلك حينما أعلن خدابنده ثم الصفويون في بداية القرن العاشر رسمية المذهب الشيعي وذلك مثلما حدث لديار بكر وربيعة التي كانت شيعية أيام
الحمدانيين ثم حولها الحكام إلى سنية ، وكما حدث لمصر بعد حكم الفاطميين إذ حولت إلى سنية أيام الأيوبيين وكما حدث ذلك لكثير من البلدان .
ولست أزعم أنه لا يوجد من قد يكون دخل التشيع وله أهداف غير سليمة وليس ذلك بذنب للتشيع فكثير من اليهود دخلوا الإسلام وتظاهروا بذلك وفي نفوسهم أهداف خبيثة ولا نعتبر الإسلام مسؤولا عن ذلك كما أن هذه الفصيلة التي تدخل الإسلام
أو التشيع ولها أهداف مسمومة لا تعدو أصابع اليد ولا تشكل خطر بدليل أن جوهر الإسلام محفوظ رغم وجود أمثال هؤلاء ، وليس من المنطق في شئ أن ننتزع حكما عاما على مذهب من المذاهب لأن بعض الأفراد المندسين فيه عرفوا بنظريات
هدامة ، لا سيما إذا كانت أسس المذهب واضحة لا تلتقي مع المندسين بشكل من الأشكال ، فالإصرار على تحميل مذهب مسؤولية فعل فرد مندس فيه عملية إما أن تكون مشبوهة وغير نظيفة وإما أن تكون بلهاء لا تتصرف بمقاييس .

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:10 AM
إن مذهباً يثبت نفسه من كتب خصمه أحق أن يتبع ، وإن مذهبا يحتج عليه بما في كتبه فيلجأ للتأويل والتحوير أحق أن يتجنب عنه )
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 119

الباب الثالث وفيه فصول
الفصل الأول التوطئة قبل الولوج في صلب الموضوع
لا بد من الإشارة إلى نقاط يتعين البدء بها تجنبا عن الخلط الذي يقع فيه كثير من الباحثين لسبب أو آخر وينتهي الأمر إلى التجني على الحقائق وإلى الخلط وإلى أقوال هي بالهزل أشبه منها بالجد . والمؤسف أن مثل هذه الأقوال الهزيلة بقيت مع
التاريخ كأنها حقائق مقدسة وكأنها مسلمات لا تقبل النقاش يأخذها المتأخرون من المتقدمين بدون الرجوع إلى تمحيص أو إلى مقاييس ، فما أعظم مسؤولية هؤلاء الذين رحلوا وخلفوا هذه التركة الموبوءة وهذا الزاد المسموم الذي ابتلي به المسلمون والله المستعان على الخلاص منه وهاهنا نقاط سنجعلها توطئة لهذا العنوان حتى إذا دخلناه فعلى بصيرة .

1 - النقطة الأولى : إن الشيعة الذين أكتب عنهم هنا وأذكر آراءهم أو أدافع عما ينسب لهم هم الإمامية الإثنا عشرية الذين يؤلفون الجمهور الشيعي اليوم والذين تملأ كتبهم مكتبات العالم وإن شئت فقل الذين تعيش أفكارهم فعلا وتتجسد في سلوك
حي ، وتدون آراؤهم فعلا في الفقه والعقائد والتاريخ ، ولست أتكلم عمن يسمى شيعيا لغة لأنه ذهب إلى تفضيل علي ( ع ) على غيره فعرف بالتشيع من أجل ذلك وما عدى ذلك فليس له مضمون عقائدي أو فقهي في أبعاد التشيع ، فهناك

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 120

من سمي شيعيا وليس له من مضمون إلا أنه يعتقد أن عليا أفضل من غيره وأنه حتى لم يمت وقد انقرض هؤلاء الأشخاص من الوجود وهناك من يعدهم فرقة شيعية إلى الآن . إن مثل هذا القول يضحك ويبكي ، فهو يضحك لأن مثل هؤلاء الأفراد
يسمون فرقة ، ويبكي لأن المسلمين وصل بهم الإسفاف إلى حد جعلهم يلتمسون أمثال هذه الحالات للتهريج بعضهم على بعض . ودعني أضرب لك مثلا في مثل هذا الموضوع فانتبه له :

فقد ذكر الرازي في كتابه اعتقادات فرق المسلمين : أن من فرق الشيعة فرقة الكاملية وقال عنها ما يلي بالحرف الواحد :
وهم يزعمون أن الصحابة كلهم كفروا إذ فوضوا الأمر إلى أبي بكر ، وكفر علي حيث لم يحارب أبا بكر ، إن هؤلاء
الأشخاص الذين لم يبين الرازي موقعهم ولا عددهم هم فرقة في نظره وكل مضمونهم الفكري هذه الكلمات الأربع ، ثم إنهم يكفرون الإمام عليا وهم مع ذلك شيعة في نظر الرازي ، هل سمعت بالأكوس عريض اللحية ، إنه هؤلاء هل رأيت هذا
التناقض شيعي يتشيع لعلي وهو يكفر عليا ، هل رأيت الخصومة كيف تنسي الإنسان حتى البدهيات ، وأي إنسان إنه الرازي صاحب العقلية الكبيرة ومع ذلك يصل إلى حد هذا الإسفاف اللهم إنا نعوذ بك من الخذلان فراجع ما كتبه الرازي عن هذه الفرقة ونظائرها وقف بنفسك على هذا التناقض ( 1 ) .

2 - النقطة الثانية : إن بعض ما يسميه كتاب الفرق بأنه فرقة قد لا يتجاوز فردا واحدا له رأي شاذ ، وقد لا يتجاوز عدد أفراد الفرقة على أحسن الفروض عشرة أفراد ، وقد يكونون منقرضين لا يوجد لهم أثر إلا في مخيلة البعض أو في وريقات من كتب


* ( هامش ) *
( 1 ) اعتقادات فرق المسلمين ص 60 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 121

مهجورة ، فماذا تكون نسبة مثل هؤلاء إلى الأمة حتى يسمون فرقة . هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إذا كانت كل فرقة تؤاخذ برأي فرد شاذ منها ويسمى ذلك الشاذ فرقة فإن كل فرقة يمكن أن تنقسم حينئذ إلى آلاف الفرق وسوف ينتهي الأمر
إلى أن يعد كل فرد أمة برأسه فلا يوجد شخص ليس له ما يمتاز به عن غيره في بعض الآراء السليمة ، أما الآراء الشاذة فما دامت لا تعد من الآراء السائدة والمتعارف عليها عند الفرقة فلا تعتبر من آرائها وقد بادت بعض الفرق ومع ذلك فلا تزال آراؤهم تلقى على بعض من يعيش اليوم مع أنه برئ منها .

3 - النقطة الثالثة : يتحتم على كل كاتب إذا أراد أن يكون لرأيه وزن أن يشعر بمسؤولية الكلمة لما يترتب على الكلمة من آثار ولوازم لها خطرها وفعلها في المجتمع ، فلا بد حين الكتابة من أن يعتمد على مصادر الفئة نفسها التي يكتب عنها على
أن يكون ذلك المصدر أو الكتاب من الكتب المعتبرة عند الفئة والمتسالم عليها أنها تمثل الفئة وتشكل محصل آرائهم وجماع مذهبهم كالصحاح عند السنة والصحاح عند الشيعة فيما تسالموا عليه من رواياتها واعترفوا بصحته لا كل ما يرد فيها فإن في كتب الصحاح عند الفريقين ما لا يعترف به ( 1 ) .

كل ذلك مع اعتماد الموضوعية والبحث عن الحقيقة ، فضلا عن أن يكتب الباحث عن فرقة ويكون مصدره في البحث عنها من مؤلفات خصومها ، وليت الخصوم الذين إليهم ممن يعرف بالصدق والاستقامة ولكنهم يستندون إلى أقوال من عرف
بالوضع والافتعال وعدم التحرج فيرسلون رأيه إرسال المسلمات ويرتبون على كلامه كل اللوازم لتلك الكلمات . وهذا وضع من شأنه لا يسقط كل أمثال هذه الكتب عن الاعتبار فمتى كان الكذب والوضع مصدرا عن أحوال الناس والله تعالى نهانا عن تصديق الفاسقين .


* ( هامش ) *
( 1 ) دراسات في الكافي والصحيح لهاشم معروف طبعة بيروت الأولى . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 122

4 - النقطة الرابعة : أن يكون الكتاب الذي يؤخذ مصدرا من الكتب ذات الاختصاص بموضوعه فلا يمكن أخذ رأي فقهي لبعض الفرق من كتاب أدب أو قصص ولا تؤخذ عقيدة فئة من ديوان شعر كما رأينا البعض يفعله فإن لكل فرع من فروع المعرفة كتبا تختص به فينبغي الرجوع إليها إذا كنا نتوخى الدقة فيما نكتب وإلا فإن ما نكتبه سوف لا يوصف بالعلمية .
إن الملاحظ أن كتب الأدب عندنا تحفل بالآراء العقائدية والفقهية ويتخذها كثير من الكتاب مصدرا عما يكتبه عن عقائد وأحكام الفرق ، ولست أريد أن أقول إن جميع كتب الأدب عندنا لا يعتمد عليها كلا ، وإنما المقصود أن الكتب ذات الاختصاص تكون ألصق بموضوعها وأكثر إحاطة وبذلك توفر مصدرا موثوقا .

5 - النقطة الخامسة : إن معالجات كتاب الفرق فيما يقومون به من تقييم للفرق هي معالجات غير علمية وذلك لأن المفروض
أن تكون العقائد والأحكام عند الفرق مصدرها واحدا من مصادر التشريع المعترف بها والتي تقرها الشريعة كالكتاب والسنة
والإجماع وغيرها . فإذا ذهب الشيعة مثلا إلى نظرية التعيين في الخلافة وأوردوا دليلا من الكتاب أو السنة فينبغي النظر إلى
دليلهم فإذا كان الدليل مستوفيا لشروط الصحة فيها وإلا نوقش الدليل علميا . لا أن يقال : إن الفرس يرون لملوكهم حقا إلهيا
بالحكم وبما أن الشيعة يقولون بالنص لا الشورى فهم قد أخذوا ذلك من الفرس إن مثل هذا المنطق لا يصدر عن عقلية ناضجة فمتى كان مجرد الالتقاء مع الآخرين بنظرية معناه الأخذ منهم . إن الإسلام مثلا يذهب إلى التأميم في حالات معينة
إذا توقفت المصلحة العامة على ذلك والشيوعية تذهب إلى التأميم فهل معنى ذلك أن الإسلام شيوعي أو الشيوعية إسلام لأنها التقت مع الإسلام في موضوع معين . إني أطلب من قارئ الكتاب أن يعود إلى كتب الفرق فإذا وجد

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 123

فيها منطقا غير هذا المنطق فليقل ما شاء ، إن معظم أدلة ابن حزم والشهرستاني وابن عبد ربه الأندلسي ومن لف لفهم من هذا النمط ، وبعضهم يصدر فتاوى بدون دليل وبدون شبهة من دليل وإنما هي مجرد استحسان انقدح في نفسه فأراد أن يدونه بدون مسؤولية .
ودعني أضرب لك مثلا واحدا ذلك هو أن المستشرق ولهوزن ذكر أن أصل الشيعة يهودي ، واستند في ذلك إلى قول نسب للشعبي وقد نقله أصحاب كتب الفرق كابن حزم والشهرستاني وابن عبد ربه الأندلسي والقول المنسوب للشعبي هو : قول
للشعبي قال الشعبي أحذرك الأهواء المضلة : شرها الرافضة فإنها يهود هذه الأمة يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية ولم يدخلوا الإسلام رغبة ولا رهبة من الله إن محبة الرافضة محبة اليهود قالت اليهود لا يكون الملك إلا في آل
داود وقالت الرافضة لا يكون الملك إلا في آل علي ، وقالت اليهود لا يكون جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح ، وقالت الرافضة لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي ، واليهود يؤخرون صلاة المغرب حتى تشتبك النجوم وكذلك الرافضة إنتهى بتلخيص ( 1 ) .
تعقيبان هذه القصة استعرضها الدكتور عرفان عبد الحميد في كتابه دراسات في الفرق وعقب عليها ناقدا ومزيفا بالأمور التالية
أولا : إن العقد الفريد وتاريخ الطبري هي كتب أدب وتاريخ وليست كتب عقائد . وثانيا : إن الطبري استند في هذه الرواية إلى سيف بن عمر وهو كذاب


* ( هامش ) *
( 1 ) العقد الفريد ج2 ص 409 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 124

متهم بالوضع وقد نصت على كذبه كتب الجرح والتعديل ولم تأخذ بأقواله في شئ . ثالثا : إن الشعبي نفسه متهم بالتشيع فلا يصدر منه مثل هذا القول وإنما اختاروه فوضعوا على لسانه هذه القصة وقد عده ابن سعد والشهرستاني شيعيا ( 1 ) وأنا أضيف إلى ملاحظات الدكتور عرفان ما يلي :

أ - سؤال عن أنه هل لليهود صلاة يشترط فيها وقت الغروب ؟ هذا من جانب والجانب الآخر هذه كتب الشيعة كافة في الفقه وأنا أتحدى من يجد فيها رأيا واحدا يذهب إلى أن وقت صلاة المغرب عند اشتباك النجوم وإنما إجماعهم أنه بعد غروب الشمس مباشرة ويحتاطون فيشترط بعضهم ذهاب الحمرة المشرقية فليراجع القارئ أي كتاب فقه من كتبهم .

ب - أما الجهاد فإن باب الجهاد في كل كتب الشيعة كفيل بالرد على هذه الفرية فإن حكم الجهاد عندهم أنه قائم في كل وقت بشروطه كما هو عند سائر الفرق الإسلامية .

ج‍ - أما كون الخلافة عندهم في آل علي فليس ذلك منهم وإنما هو استناد إلى أدلة الكتاب والسنة وقد تقدم بعضها وسيرد قسم آخر منها فينبغي النظر في أدلتهم والحكم عليها هل هي تامة أم لا ، ثم ينبغي توجيه هذا الانتقاد للنبي ( ص ) لأنه قال :
الأئمة من قريش ، كما يذهب لذلك جمهور المسلمين إن هذا النمط من الكلام يوقفك على عقلية هؤلاء الكتاب الذين يكتبون
عن الشيعة ومصدرهم قول وهمي ينسب إلى شخص قبل ألف سنة وبين أيديهم مصادر الشيعة ولا يرجعون إليها فما تسمي
هذا ؟ وبعد هذا الاستطراد نعود للهوية العقائدية عند الشيعة إنها لا تختلف بشئ عما عند باقي فرق المسلمين إلا إذا استثنينا موضوع الإمامة وما يتصل به من صفات الإمام أمام باقي نقاط الخلاف


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر دراسات في الفرق والعقائد ص 30 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 125

التي يفترق بها الشيعة عن باقي فرق المسلمين فإن ما بين المذاهب الأربعة أنفسهم من نقاط الخلاف أضعاف ما يوجد بين السنة والشيعة بل إن علماء المذهب الواحد وفقهائهم بينهم من الخلاف أكثر مما بين الشيعة والسنة بدون مبالغة ، وربما يرد
علينا ما يؤيد هذه الدعوى خلال البحث في فقرات قادمة . عقائدهم بأقلامهم سأذكر هنا جملا قصيرة عما كتبه علماء الشيعة أنفسهم عن آرائهم الدينية وعقائدهم لتكون مجرد مؤشر لمن يريد التوسع ويبحث عن الحقيقة بعيدا عن الأهواء والعواطف .

1 - ابن بابويه القمي : وكتابه " عقائد الشيعة " من الكتب الرائدة في هذا الميدان وقد ضمنه كل عقائد الشيعة بدون مواربة لذا كان كتابه من المصادر التي يرجع إليها بالإضافة إلى أن الرجل من أساطين المذهب وعمالقة الطائفة . وهذه نبذة عما كتبه عن عقيدة الإمامية بالألوهية قال :
إعتقادنا بالتوحيد : أن الله تعالى واحد ليس مثله شئ قديم لم يزل ولا يزال سميعا بصيرا حكيما حيا قيوما عزيزا قدوسا عالم قادرا . لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ، خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه .

واعتقادنا في القرآن : أنه كلام الله ووحيه وتنزيله وكتابه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا أنا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب - ، هذا ما كتبه ابن بابويه الذي عاش وسط القرن الرابع وتوفي سنة 381 ( 1 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) دراسات في العقائد والفرق الإسلامية ص 18 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 120

2 - الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان قال في " أوائل المقالات " : إن الله عز وجل واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شئ ولا يجوز أن يماثله شئ وإنه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كلها والأسباب ، وعلى هذا إجماع
أهل التوحيد إلا من شذ من أهل التشبيه ، وإن الله عز وجل حي لنفسه لا بحياة ، وعالم لنفسه لا كما ذهب إليه المشبهة وقادر لنفسه ، وأقول إن القرآن كلام الله ووحيه ، وإنه محدث كما وصفه الله تعالى ، وأمنع من إطلاق القول عليه بأنه مخلوق ،
وإن الله عالم بكل ما يكون قبل كونه ، وأنه لا حادث إلا وقد علمه قبل حدوثه ، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوما إلا وهو عالم بحقيقته ، ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء لهذا اقتضت دلائل العقول والكتاب المسطور .

ثم تحدث الشيخ المفيد وأشار إلى قول من يدعي أن القرآن حذف منه شئ فأول هذا القول بأن المحذوف هو الشروح والتفسيرات ولا شئ من أصل القرآن محذوف وذكر أنه من الذاهبين إلى هذا الرأي فقال في ذلك : وقال جماعة من أهل
الإمامة إنه لم ينقص من آية ولا من كلمة ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف علي من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتا وإن لم يكن من كلام الله تعالى وقد يسمى تأويل القرآن قرآنا ،
قال الله تعالى : * ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) * ( 1 ) فقد سمى تأويل القرآن قرآنا ، وعندي أن هذا القول أشبه من مقال من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن ( 2 ) .

3 - السيد محسن الأمين العاملي قال : وعقيدة الشيعة أن كل من شك في وجود الباري أو وحدانيته ، أو نبوة


* ( هامش ) *
( 1 ) سورة طه آية 114 ( 2 ) أوائل المقالات للمفيد ص 53 إلى آخر الفصل . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 127

النبي ( ص ) أو جعل له شريكا في النبوة فهو خارج عن دين الإسلام ، وكل من غالى في أحد من الناس من أهل البيت أو غيرهم وأخرجه عن درجة العبودية لله تعالى ، وأثبت له نبوة أو مشاركة فيها ، أو شيئا من صفات الإلهية فهو خارج عن ربقة الإسلام ، والشيعة يبرأون من جميع الغلاة والمفوضة وأمثالهم . إنتهى بتلخيص ( 1 ) .

4 - محمد رضا المظفر قال : نعتقد أن الله واحد ليس كمثله شئ قديم لم يزل ولا يزال هو الأول والآخر ، عليم حكيم عادل قادر حي غني سميع بصير لا يوصف بما توصف به المخلوقات ، ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات بأنه
واحد في ذلك وصفاته عين ذاته ، وكذلك يجب توحيده في العبادة ، ونعتقد أن النبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية يجعلها الله لمن يختاره من عباده الصالحين فيرسلهم إلى سائر الناس لإرشادهم ، ونعتقد أن الإمام أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان
إلا بالاعتقاد بها ، ويجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوة ، وهي كالنبوة لطف من الله تعالى . ونعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم ، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف ، ومن ادعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط وكلهم على غير هدى فإنه كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( 2 ) .

هذه أربع مقتطفات أوردتها بتلخيص لتكون مؤشرا لمن يريد التوسع في معرفة عقائد الشيعة وليرجع إلى المؤلفات في ذلك وراعيت فيها أن تكون ممتدة على أبعاد التاريخ الشيعي فإن اثنين ممن ذكرتهم وهما الصدوق والمفيد عاشا في القرن الرابع أما الآخران فقد عاشا في القرن الرابع عشر .

ومن المضحك حقا بأن نسجل أننا قوم مسلمون ولكن كثيرا من الأمور المضحكة قد يرغم الإنسان


* ( هامش ) *
( 1 ) أعيان الشيعة للأمين ج1 ص 91 . ( 2 ) عقائد الإمامية للمظفر ص 43 فصاعدا . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 128

على عملها بحكم الضرورة فما نصنع ونحن ما زلنا هدفا للرماة وأيسر ما نرمى به هو ما يخرج عن الإسلام وما يؤدي إلى الكفر .
وقد أردت بوضع هذه المقتطفات في صدر البحث لتكون مجرد مذكر للقارئ وهو يمشي معي بهذه المسيرة التي سأطلعه خلالها على ما ينسب للشيعة من دواهي ، والقارئ الذي أقصده هو القارئ السني خاصة من دون باقي القراء لأن في ذهنه
عن الشيعة صور من العسير جدا انتزاعها بسهولة إلا أن أملي بعون الله وإخلاص قصدي في تخليص هذا الطريق من الشوائب يفتح لي باب أمل في وضع لبنة بصرح وحدة المسلمين .

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:12 AM
عبد الله بن سبأ


- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 129




الفصل الثاني عبد الله بن سبأ


بالرغم من وفرة المصادر عن الشيعة وبالرغم من خطورة موضوع الكتابة عن العقائد ، وبالرغم من الواقع المجسد للشيعة من
مؤسسات دينية وفعاليات عقائدية ومساجد تردد كلمة التوحيد ليل نهار برغم ذلك كله فإننا ما زلنا نرى من يكتب عن الشيعة
يترك هذا الواقع القائم وراء ظهره ويولي وجهه شطر كتابات صدرت من قوم كتبوا ومن خلفهم دوافع غير سليمة لمختلف الأسباب فبدلا من أن يعودوا إلى مؤلفات الشيعة أنفسهم رأيناهم يرجعون إلى أقوال صاغها الوهم وافترضها الحقد وخلقتها
الخصومة وقد يكون الجهل أحد عوامل وجودها . ومما افترضه هؤلاء الكتاب بأن عقائد الشيعة الأساسية وضعها يهودي حاقد اندس في صفوف المسلمين اسمه عبد الله بن سبأ .

وهذا العبد المفترض موضوعه طريف جدا ، فقد صنعه قوم واخترعوه اختراعا وأعطوه من الصفات والنعوت ما هو من المعجزات وصنعوا له من القابليات ما لا يمكن نسبته إلا إلى عفاريت الأساطير ومردة الجن وما تعجز عن تحقيقه أمة قوية
فضلا عن فرد وإن مثل هذا الكلام يجسد فجيعتنا بعقولنا قيل أن يجسد هذه الخرافات في تاريخنا وسنرى من الذي حاك عبد الله بن سبأ ، ومن هو ، وما الذي عمله ، ولماذا تربط الشيعة به .


- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 130



من الذي حاك عبد الله بن سبأ إن الذي يريد التعرف على مصدر ولادة عبد الله بن سبأ سيجد أنه ولد من روايات الطبري وروايات الطبري تستند في هذا الموضوع على ركيزتين هما :
أ - الركيزة الأولى : سيف بن عمر وتقول عنه كتب التراجم ما يلي بالحرف الواحد .
يقول ابن حبان كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات وقالوا إنه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة ،
كما يقول عنه الحاكم النيسابوري اتهم سيف بالزندقة وهو بالرواية ساقط ،
ويقول عنه ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها ،
ويقول عنه ابن معين ضعيف الحديث فليس فيه خير ،
وقال ابن حاتم متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي
وقال عنه أبو داود صاحب السنن ليس بشئ ،
وقال عنه النسائي صاحب السنن : ضعيف ،
وقال عنه السيوطي إنه وضاع
وقال محمد بن طاهر بن علي الهندي عنه : سيف بن عمر متروك اتهم بالوضع والزندقة وكان وضاعا( 1 ) .

ب - الركيزة الثانية : السري بن يحيى كما يسميه الطبري ، وهو ليس بالسري بن يحيى الثقة ، لأن السري بن يحيى الثقة يكون زمانه أقدم من الطبري فقد توفي سنة 167 ه‍ .
في حين ولد الطبري سنة 224 ، فالفرق بينهما سبعة وخمسون عاما ، ولا يوجد عند الرواة سري بن يحيى غيره ، ولذلك يفترض أهل الجرح والتعديل أن السري الذي يروي عنه الطبري يجب أن يكون واحدا من اثنين : كل منهما


* ( هامش ) *
( 1 )تهذيب التهذيبلابن حجر ج4 ص 295 ، والغديرللأميني ج8 ص 68 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 131



كذاب وهما : السري بن إسماعيل الهمداني الكوفي وهو أولهما ، وثانيهما السري ابن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفى سنة 258 ، والذي أدرك ابن جرير الطبري وعاصره أكثر من ثلاثين عاما .
وكل من هذين قد كذبه أهل الحديث واتهموه بالوضع فقد كذبهما صاحب تهذيب التهذيب ، وصاحب ميزان الاعتدال ، وصاحب تذكرة الموضوعات ، وصاحب لسان الميزان ، وغيرهم واتهموا كل واحد منهم بالوضع وبوسع القارئ مراجعة المصادر التي ذكرتها في ترجمة المذكورين ( 1 )

وقد ذكر النقاد للطبري سبعمائة حديث وحديثا واحدا ، وهذه الأحاديث تغطي زمن الخلفاء الثلاثة وأسانيد هذه الروايات كلها عن السري الكذاب ، وعن شعيب المجهول وعن سيف الوضاع المتهم بالزندقة .
ومن تلك الروايات رواياته في أحوال عبد الله بن سبأ وسنده عن شعيب وعن سيف بن عمر ، وكل من كتب عن عبد الله بن سبأ فهو عيال عن الطبري وعنه أخذ وإليه استند ( 2 ) ومن ذلك تعرف مقدار ما في موضوع عبد الله بن سبأ من وثاقة
وصدق وفي رأيي أن من العبث أن نلفت أنظار هؤلاء الذين يصرون على وجوده وما قام به من أعمال لأنهم يوجدونه حتى لو لم يكن موجودا وذلك لأمور في نفوسهم .

1 - من هو عبد الله بن سبأ : للتعرف على هوية عبد الله بن سبأ سوف أبدا بالمنبع الأساس وهو تاريخ الطبري وأعقبه بباقي المصادر عنه ، وسأنقل قول الطبري من خلال ما نقله أبو زهرة ، قال : كان عبد الله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء أمه
سوداء فأسلم أيام عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول إضلالهم فبدأ ببلاد الحجاز ثم البصرة ثم الشام ، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتى أتى مصر فقال لهم فيما يقول : العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا


* ( هامش ) *
( 1 )لسان الميزانج3 ص 12 ، والغديرللأميني ج8 ص 143 . ( 2 )أنظرالغديرللأميني ج9 ص 218 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 132



يرجع وقد قال الله تعالى : * ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ) * القصص / 85 .
ثم أن محمدا أحق بالرجعة من عيسى ، ثم قال بعد ذلك إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وعلي وصي محمد ، ومحمد خاتم النبيين وعلى خاتم الأوصياء ( 1 ) .
وهنا نقاط ذكرها أريد أن أؤكد عليها للمقارنة مع غيرها وهي : أولا أنه ابن السوداء وثانيا أنه من أهل صنعاء ، وثالثة أنه يؤكد رجوع النبي ( ص ) للدنيا ورابعا أنه ذكر أن عليا وصي النبي ، وخامسا أنه أسلم أيام عثمان ،
وبعد ذلك نعود لأبي زهرة وفي نفس كتابه المذكور أي تاريخ المذاهب الإسلامية قال في مورد آخر : عبد الله بن سبأ كان يهوديا من أهل الحيرة ، أظهر الإسلام وأخذ ينشر بين الناس أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصيا وأن عليا وصي محمد ، وأن عليا أراد قتله ولكن نهاه عبد الله بن عباس فنفاه للمدائن بدل قتله ( 2 ) .

وبين هذين المقتطفتين الفروق التالية ألفت النظر إليها وهي : أنه في الأولى من أهل صنعاء ، وفي الثانية من أهل الحيرة ، وأنه في الأولى أسلم أيام عثمان وفي الثانية أظهر الإسلام ولم يحدد وقت إسلامه ، وأن الإمام أراد قتله كما ذكر في الثانية
في حين لم يذكر ذلك في الأولى ، وأنه من المقتطفة الثانية قرأ فكرة الوصاية في التوراة في حين في الأولى لم يذكر مصدر فكرة الوصاية فلنحفظ هذا لنرى ما بين المقتطفات من فروق وخصائص قد تتضارب .

2 - محمد فريد وجدي في دائرة المعارف ، قال : السبائية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في الانتصار لعلي وزعم أنه كان نبيا ثم غلا فزعم أنه الله ودعا إلى ذلك قوما من أهل الكوفة فاتصل خبرهم بعلي فأمر بإحراق قوم منهم ، ثم خاف من إحراق الباقين أن ينتقض عليه قوم فنفى


* ( هامش ) *
( 1 )تاريخ المذاهب الإسلاميةج1 ص 32 . ( 2 )تاريخ المذاهب الإسلاميةج1 ص 43 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 133



ابن سبأ للمدائن ، فلما قتل علي زعم ابن سبأ أنه ليس المقتول عليا وإنما هو شيطان صور على صورته وهذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر إنما هو علي ، وكان ابن السوداء في الأصل يهوديا من أهل الحيرة فأظهر الإسلام وأراد أن يكون له عند
أهل الكوفة سوق ورياسة ، فذكر لهم أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصيا وأن عليا وصي محمد ( ص ) فلما سمعوا ذلك قالوا لعلي إنه من محبيك فرفع علي قدره وأجلسه تحت درجة منبره ثم بلغه عنه غلوه فيه فهم بقتله فنهاه عبد الله بن عباس فنفاه إلى المدائن ( 1 )
وفي هذه المقتطفة : أنه من أهل الحيرة لا صنعاء ، وأنه ابن السوداء وأن الإمام عليا خدع به ، وأنه ادعى النبوة لعلي ، ثم ادعى له الألوهية وإلى هنا يمكن الجمع بين هذا الخلط العجيب ولكن كيف يمكن بعد ذلك أن نجمع بين كونه ينسب له الألوهية
ثم يجعله وصيا لمحمد : أترك تقدير هذا إلى العقول الجبارة كمحمد فريد وجدي ونظائره ممن يقود خطى الجماهير في دروب الثقافة والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، ولا تستعجل أيها القارئ فستسمع أمورا أخرى من المقتطفات القادمة تصطدم مع ما مر .

3 - أحمد عطية الله ، قال حفظه الله : ابن سبأ رأس الفرقة السبائية من الشيعة وهو عبد الله بن سبأ كان من يهود صنعاء وأظهر إسلامه في خلافة عثمان يعرف بابن السوداء انتقل إلى المدينة وبث فيها أقوالا وآراء منافية لروح الإسلام ونابعة من
يهوديته ومن معتقدات فارسية كانت شايعة في اليمن ، برز في صورة المنتصر لحق علي ، وادعى أن لكل نبي وصيا ، وأن عليا وصي محمد ، كما ادعى أن في علي جزءا إلهيا ، طاف بأنحاء العراق ناشرا دعوته فطرده عبد الله بن عامر من البصرة
فنزل الكوفة وأوغر صدور الناس على عثمان ، وانتقل إلى دمشق في ولاية معاوية وفيها التقى بأبي ذر الغفاري وحرضه على الثورة مدعيا أنه ليس من حق الأغنياء أن يقتنوا مالا ، وأخرج من الشام فنزل مصر فالتف حوله الناقمون على عثمان وفيهم محمد بن أبي


* ( هامش ) *
( 1 )دائرة معارفالقرن العشرين ج5 ص 17 فصاعدا . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 134



بكر وأبو حذيفة ، ووضع على لسان علي أقوالا لم يقلها كادعاء علم الغيب وبعد استشهاد علي قال إنه لم يقتل وسيرجع وبذلك وضع فكرة الرجعة بين الشيعة ( 1 ) .
وفي هذه المقتطفة التي رواها عطية الله أمور : منها : أن ابن سبأ جمع إلى عقائده اليهودية معتقدات أخرى فنقلها للتشيع ومنها الرجعة ولكن الرجعة هنا لعلي وليست لمحمد كما هي عند أبي زهرة ، ومنها أنه أعطى لعلي جزءا من الألوهية لا كلها ،
حتى يمكن الجمع بين كونه جزء إله وبين كونه وصيا للنبي ( ص ) ، ومنها الكشف عن هذه الطاقات الهائلة عند ابن سبأ بحيث أن كل الثورات على عثمان ومعاوية كانت من فعله .

4 - وبنفس هذا المضمون المتضارب كتب كل من أحمد أمين في فجر الإسلام ، ومحمد بن يحيى في التمهيد والبيان في مقتل عثمان والزركلي في الأعلام ( 2 ) .
ولا أريد أن أطيل عليك فإن كل خلف يأخذ عن سلفه بدون تمحيص مما أدى إلى هذا الخلط والاضطراب في الروايات فهو في هذه الأخبار تارة من أهل الحيرة وأخرى من أهل صنعاء ، وهو عند ابن حزم والشهرستاني وغيرهما ابن السوداء ، بينما
يذهب ابن طاهر البغدادي في الفرق بين الفرق والأسفرايني في كتابه التبصير في الدين أن ابن السوداء شخص آخر ليس عبد الله بن سبأ ( 3 ) .
وهو في بعض هذه الروايات يدعي الرجعة للنبي ، وفي بعضها الآخر يدعي الرجعة لعلي وهو تارة يدعي بأن في علي
جزءا من الألوهية وأخرى أنه إله كامل ، وفي هذه الروايات نجد عليا مرة يحرق الغلاة ولا يخاف ، وأخزى يخاف أن
يحرق ابن السوداء مع أنه يهودي بسيط لا يأبه له أحد ، وهكذا نقع في هذا الخليط المضطرب ، وأهم هذه الأمور في نظرنا هو أنه مرة يكون داعيا لفضل علي


* ( هامش ) *
( 1 )القاموس الإسلاميج3 ص 222 .

( 2 )
أنظرفجر الإسلامص 276 ، والتمهيد والبيانص 96 ، والأعلامللزركلي ج4 ص 220 .
( 3 )

أنظر هامشمنهاج السنةلابن تيمية ص 220 .




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 135



فقط وأخرى يكون محرضا على عثمان وواضعا لأهم عقائد الشيعة من وصية وعلم غيب للأئمة وقول بالرجعة ، وهذان الأمران هما روح الموضوع فإن من صنع فرية عبد الله بن سبأ رمى فيها عصفورين بحجر واحد وأراد هذين الأمرين :
الأول : أن عثمان قتل بتحريض من السبائية لا أنه صنع أشياء نقم فيها عليه المسلمون واشتركوا في قتله وفيهم صحابة النبي مما ذكره التاريخ مفصلا بل كل ما في الأمر أن يهوديا حاقدا حرك المسلمين فانساقوا معه بغباء وبدون تفكير حتى ارتكبوا هذه الجناية وقتلوا الخليفة بدون أن يصدر منه ذنب .

والثاني : أن عقائد الشيعة لا سند لها من الإسلام وإنما هي من هذا اليهودي العبقري عبد الله بن سبأ فالشيعة إذا يهود لا صلة لهم بالمسلمين . وعلى كل حال إن هذا الاضطراب في الصورة المرسومة لعبد الله بن سبأ أيقظ الباحثين ودفعهم لإلقاء الضوء
على هذه الشخصية الأسطورية فأصحروا بآرائهم وكسروا الطوق وأعلنوا للناس زيف هذه الفرية التي لا سبيل للجمع بين أبعادها وأجزائها ، وبدأ الواقع يتضح رويدا رويدا والأهداف من وراء أسطورة ابن سبأ كشفت عن وجهها وسأذكر لك آراء
كثير من النقاد بعد أن أذكر ما عندي في هذه المسألة لنصل إلى صورة واضحة في هذا الموضوع . رأينا في عبد الله بن سبأ إننا نرى أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية مخترعة وندلل على وهميتها بالأمور التالية :
1 - الإختلاف في أنه هو ابن السوداء أم لا مع أن الذي قام بكل المصائب هو ابن السوداء ، وابن طاهر والإسفرايني يقولان إن ابن السوداء شخص آخر شارك عبد الله بن سبأ بمقالته .

2 - الإختلاف في وقت ظهوره فالطبري وجماعة يصرحون بأنه ظهر أيام عثمان بينما يذهب جماعة آخرون إلى أنه ظهر أيام علي ( ع ) أو بعد موته ومن هؤلاء


- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 136



سعد بن عبد الله الأشعري في كتابه المقالات( 1 ) وابن طاهر في الفرق بين الفرق( 2 ) وغيرهما كثير .
3 - الإضطراب في الروايات في أصل دعوته فبينما رأينا الطبري وجماعة معه يقولون إن دعوته اقتصرت على الغلو في علي والانتصار لحقه وكل ما يدور حول علي فقط نجد جماعة من المتأخرين يذهبون ومعهم أسانيدهم طبعا إلى أنه كان في
كل بلد له دعوة خاصة ، يقول محب الدين الخطيب بأسانيده التي ذكرها : ومن دهاء ابن سبأ ومكره أنه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعلي ( ع ) وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة ، وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير ( 3 ) .

4 - إن بعض الروايات ذكرت أنه كان مقتصرا على الإشادة بفضل علي ( ع ) فقط في حين ذهب آخرون إلى أنه كان يحرض على عثمان ويدس الدسائس وهو الذي دفع أبا ذر للثورة أما على معاوية أو على عثمان بروايات أخرى .

5 - لم يعلل لنا واضعوا خرافة ابن سبأ لماذا سكت عنه عثمان وولاته مع أنهم ضربوا المعارضين بمنتهى الشدة والقسوة وهم من خيرة الصحابة كعمار وابن مسعود وغيرهم .

6 - لماذا تخلو المصادر الصحيحة عن ذكر قصة ابن سبأ كالبلاذري وابن سعد وغيرهما ممن يعتد بتاريخهم .

7 - إن رواية عبد الله بن سبأ رواها الوضاعون الكذابون كما أسلفنا فيما مر .

8 - يساعد على أن الرواية موضوعة أنها ليست الوحيدة التي وضعت ضد الشيعة وإنما هي جزء من كل مما سنذكره لك فيما يأتي ونبرهن على كذبه . حتى تعرف أن قصة عبد الله بن سبأ خرجت من نفس المقلع ولنفس الهدف . والآن


* ( هامش ) *
( 1 )المقالات والفرقص 15 .
( 2 )

أنظر هامشمنهاج السنةلابن تيمية ص 15 .
( 3 )

الإمام الصادقلأسدحيدر ج6 ص 237 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:13 AM
- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 137



لنستعرض آراء النقاد والباحثين في هذه القصة لنصل إلى الحقيقة . رأي طه حسين استعرض الدكتور طه حسين الصورة التي رسمت لابن سبأ ومزقها بعد تحليل دقيق وانتهى إلى أن ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة ودعم رأيه بالأمور التالية :
أولا : إن كل المؤرخين الثقاة لم يشيروا إلى قصة عبد الله بن سبأ ولم يذكروا عنها شيئا .
ثانيا : إن المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر وهو رجل معلوم الكذب ، ومقطوع بأنه وضاع .
ثالثا : إن الأمور التي أسندت إلى عبد الله بن سبأ تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذين خدعهم عبد الله بن سبأ وسخرهم لمآربه وهم ينفذون أهدافه بدون اعتراض : في منتهى البلاهة والسخف .
رابعا : عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعماله عنه مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة ، ومحمد بن أبي بكر ، وعمار وغيرهم .
خامسا : قصة الإحراق وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للإحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر .
سادسا : عدم وجود أثر لابن سبأ ولجماعته في واقعة صفين وفي حرب النهروان ، وقد انتهى طه حسين إلى القول : أن ابن سبأ شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة ولا وجود له في الخارج( 1 ) ويشترك مع طه حسين كثير من


* ( هامش ) *
( 1 )طهحسينالفتنة الكبرىفصل ابن سبأ ( * ) .




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 138



المستشرقين في وهمية وجود عبد الله بن سبأ ومنهم : آراء المستشرقين
1 -الدكتور برناد لويس : قال : ولكن التحقيق قد أظهر أن هذا استباق للحوادث وأنه - أي ابن سبأ - صورة مثل بها في الماضي وتخيلها محدثوا القرن الثاني للهجرة من أحوالهم وأفكارهم السائدة حينئذ .
2 -فلهوزن : ذهب إلى أن المؤامرة والدعوة والفعاليات المنسوبة لابن سبأ من اختلاق المتأخرين ، وقد محص النصوص ودرس الموضوع وقام بتحليل دقيق .
3 -فريدليندر : اشترك مع فلهوزن وانتهى لنفس النتيجة معه .
4 -كايتاني شك في وجود عبد الله بن سبأ وقال عما ينسب له من أعمال ضخمة ومؤامرة مثل هذه بهذا التفكير وهذا التنظيم لا يمكن أن يتصورها العالم العربي المعروف عام خمسة وثلاثين بنظامه القائم على سلطان الأبوة ، إنها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء ( 1 ) .

آراء إسلامية أخرى بابن سبأ هناك آراء أخرى في عبد الله بن سبأ تتراوح بين وجوده وعدم صلته بالشيعة ، وبين عدم التصديق بما ينسب إليه لأنه من غير الممكن صدور تلك الأعمال من شخص عادي ، وبين نسبة هذه الأعمال لشخص آخر سمي بابن السوداء فلنستمع لهذه الآراء .
أ -محمد كرد علي قال في خطط الشام : أما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن مذهب التشيع من بدعة عبد الله بن


* ( هامش ) *
( 1 )أنظرآراء المستشرقين المذكورة فينظرية الإمامةلأحمد محمودص 37 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 139



سبأ المعروف بابن السوداء فهو وهم وقلة بتحقيق مذهبهم ، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله ، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك علم مبلغ هذا القول من الصواب ( 1 ) .

ب - الدكتور أحمد محمود صبحي في نظرية الإمامة قال : وليس ما يمنع أن يستغل يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان ليحدث فتنة وليزيدها اشتعالا وليؤلب الناس على عثمان ، بل أن ينادي بأفكار غريبة ، ولكن السابق لأوانه أن يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق فيحدث هذا الانشقاق العقائدي بين طائفة كبيرة من المسلمين ( 2 ) .

ج‍ -الدكتوران علي الوردي وكامل الشيبي التقيا في الآتي : إن المقصود بابن السوداء عمار بن ياسر وقد رمزت له قريش بابن السوداء ولم تصرح باسمه لأن له ثقلا ومركزا بين الصحابة وكان على رأس الثائرين على عثمان ، فلم ترد قريش أن
تضعه مقابل عثمان وبجانب علي لأنه يرجح كفة علي ويهبط بكفة عثمان فرمزوا له وسموه بابن السوداء لأن أمه أمة سوداء ولا وجود لابن سوداء غيره . إن رأي الدكتورين يلتقي مع رأي الأسفرايني ، وابن طاهر البغدادي الذي أشرنا إليه فيما مضى عند ذكرنا لتعيين هوية ابن سبأ .

وبعد هذه الجولة من الآراء اتضح أنه لا وجود لابن سبأ لأن تسليمنا بوجوده يفضي إلى إلغاء عقولنا ، ولأن منهج البحث العلمي يأبى وجوده لأن مصادره مختلقة ، ولأن من خلقوا عبد الله بن سبأ خلقوا له أخوة من الادعاءات سنوقفك عليها قريبا
وإن كانت ستهز مشاعرك وتدمر ثقتك بمن قد تعتبرهم من القمم في دنيا الإسلام ، ولأن الخوارق التي تنسب لابن سبأ لا يمكن تصديقها ، ولأن سكوت عثمان عنه عجيب مع أنه نفى أبا ذر للربذة مع أن أبا ذر من كبار


* ( هامش ) *
( 1 )خطط الشامج1 ص 251 .
( 2 )
نظرية الإمامةص 37 ،وعاظالسلاطينص 279 والصلة بين التصوف والتشيعص 84 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 140



الصحابة لأن أبا ذر كان له رأي في البذخ في أموال المسلمين أيام عثمان ، فلماذا هذا الحلم عن ابن سبأ ، ولأن عليا وهو الخشن في ذات الله لماذا سكت عن ابن سبأ ولم يحرقه كغيره ، ولأن معاوية وهو الذي يقتل على التهمة والظنة كيف سكت
عن ابن سبأ والحال هو الذي دفع بسر للغارة على خصومه وأدت الغارة إلى قتل ثلاثين ألفا من الناس ( 1 ) إن كل هذه الأمور تجعل حديث ابن سبأ حديث خرافة ، وإنما اختراع لما ذكرنا سابقا ليصنع منه مصدرا لعقائد الشيعة كلها كما جعله
مصدرا لعقائد الشيعة كل من محيي الدين عبد الحميد في تعليقته على كتاب مقالات الإسلاميين وعلي سامي النشار في كتابه نشأة الفكر الفلسفي ( 2 ) وما كان كل من النشار ومحيي الدين عبد الحميد بالذي يجهل عقائد الشيعة أو لا يهتدي إلى
مصادرها وبين أيديهما من المصادر ما ينهض بالمطلوب وأمام بصرهما من الممارسات العقائدية ما هو واضح في تجسيد عقائد الشيعة ومع ذلك كله كتبا عن الشيعة ما لا يجتمع وأمانة التاريخ وروح الإسلام ولا ينبغي أن يفت في عضد المصلحين
أمثال هؤلاء ممن هم على أحسن الفروض أصداء بلهاء لغيرهم وإلا فعلامات الاستفهام موجودة إزاء ما كتباه ، في حين يؤكد الكتاب الموضوعيون أن حديث ابن سبأ خرافة يقول أحمد عباس الصالح : عبد الله بن سبأ رجل خرافي بغير شك فأنى هو من
هذه الأحداث جميعا وساذج بغير شك الذي يتجه إلى خلق شخصية كهذا ليعطيها أثرا أي أثر فيما حدث من الأحداث إن كل ما حيك من قصص حول عبد الله بن سبأ من وضع المتأخرين فلا دليل على وجوده في المراجع ( 3 ) .


* ( هامش ) *
( 1 )مروج الذهبللمسعودي ج‍ 3 ص 30 . ( 2 )نشأة الفكر الفلسفيص 28 . ( 3 )مجلة الكاتبعدد آذار 1965 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:14 AM
لماذا تنسب الشيعة لابن سبأ
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 141

الفصل الثالث لماذا تنسب الشيعة لابن سبأ

في الإجابة على هذا السؤال يكمن مركز الثقل في قصة عبد الله بن سبأ كلها ، فإن الفكر الشيعي في الإمامة وما يلحق بها والمواقف المتساجلة بين فرق المسلمين من الشيعة وغيرهم ، إذا شدت إلى جذرها من أدلتها من الكتاب والسنة فقد يختل
الميزان لأن فكرة الوصية ، والعصمة ، وغيرهما تبعد عن الحكم - في نظر الشيعة - من لا تتوفر فيه هذه الشروط وتلك هي الطامة الكبرى ، وأي فكر أخطر من هذا الفكر ، فلم لا يربط فكر الشيعة بجذر يهودي وتخترع له شخصية تكون كبش الفداء
فيلقى اللوم عليها وعلى الذين أخذوا عنها ويشار إليهم بأنهم مارقون ألغموا تاريخ الأمة ودسوا في عقائدها عقائد غريبة عن الإسلام وهكذا صنع عبد الله بن سبأ ولو كان صنعه على حساب الحقيقة وعلى رغم أنف العقول والمقاييس .

وبالإضافة لما ذكرنا هناك سبب آخر دفع إلى خلق عبد الله بن سبأ أشار إليه الدكتور أحمد محمود صبحي وذلك بعد أن استعرض آراء الدكتور طه حسين في وهمية وجود عبد الله بن سبأ . قال الدكتور أحمد صبحي : ويبدو أن مبالغة المؤرخين وكتاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين ، فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة كمقتل عثمان ثم حرب الجمل وقد شارك فيها
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 142

كبار الصحابة وزوجة الرسول ، وكلهم يتفرقون ويتحاربون وكل هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي ، أن يبتلي تاريخ الإسلام هذه الابتلاءات ويشارك فيها كبار الصحابة الذين حاربوا مع رسول الله ( ص ) وشاركوا في وضع
أسس الإسلام ، كان لا بد أن تلقى مسؤولية هذه الأحداث الجسام على كاهل أحد ، ولم يكن من المعقول أن يحتمل وزر ذلك كله صحابة أجلاء أبلوا مع رسول الله ( ص ) بلاء حسنا ، فكان لا بد أن يقع عبء ذلك كله على ابن سبأ فهو الذي أثار
الفتنة التي أدت لقتل عثمان ، وهو الذي حرض الجيشين يوم الجمل على الالتحام على حين غفلة من علي وطلحة والزبير ، أما في التاريخ الفكري فعلى عاتقه يقع أكبر انشقاق عقائدي في الإسلام بظهور الشيعة ، هذا هو تفسير مبالغة كتاب الفرق وأصحاب المذاهب لا سيما السلفيين والمؤرخين : في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ .

ولكن أليس عجيبا أيضا أن يعبث دخيل في الإسلام كل هذا العبث فيحرك تاريخ الإسلام السياسي والعقائدي على النحو الذي تم عليه وكبار الصحابة شهود ( 1 ) . وبعد هذه الإلمامة بملابسات موضوع عبد الله بن سبأ التي انتهينا منها إلى مسك طرف
الخيط فيما نظن ألا وهو ربط عقائد الشيعة بعبد الله بن سبأ وما أسندوه إليه من عقائد الشيعة ولنتبين مصدرها الإسلامي وبذلك نكتفي عن الإصرار على وجود ابن سبأ أو عدم وجوده لأنه قد ثبت أن هذه العقائد مصدرها الإسلام فلا يبقى بعد ذلك قيمة لعدم وجود ابن سبأ أو لوجوده ، لنبدأ من ذلك بموضوع الوصية .

1 - الإمام علي وصي النبي ( ص ) : قلنا فيما سبق أن من أحكام الإسلام ضرورة أن يوصي الإنسان قبل موته بما يريد التصرف به بعد موته فيما من أمور مادية ، وذكرنا أن سيرة النبي ( ص ) أنه كان لا يخرج من المدينة في سفرة ولو ليوم واحد حتى يستخلف على


* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمامة ص 39 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 143

المدينة ، فكيف يترك أمر هذه الأمة من بعده سدى ويعرضها إلى الفتن دون أن يوصي أو يرشح للأمر شخصا من بعده ،
وبما أن هذه المسألة قد أشبعتها أقلام الباحثين من مختلف الفرق الإسلامية فلا أريد العودة إلى ما دار حولها ، وكل ما يعنيني
هنا أن أبين أن مسألة الوصية مصدرها القرآن والسنة ، أما القرآن فقد أشرك عليا بالولاية العامة وجعل إمامته امتدادا للنبوة حين تختم النبوة بموت الرسول فقال تعالى : * ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون ) * وقد ذكرنا نزول هذه الآية في علي ( ع ) وما يترتب عليها من لوازم في مكان آخر من هذا الكتاب ، وأما السنة الشريفة فإن الروايات المعتبرة متظافرة بأن رسول الله ( ص ) نص على علي بالوصية في أكثر من مورد ، ومن تلك الموارد :

لما نزل عليه قوله تعالى : * ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) * الشعراء / 214 ، فجمع أقاربه وعددهم أربعون على فخذ شاة وطلب منهم أن يؤازروه على الدعوة فلم يقم إليه إلا علي فأخذ برقبته وقال : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ( 1 ) . فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع .

هذا وقد ذكر ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة فصلا ممتعا في موضوع وصاية الإمام علي ( ع ) للنبي وأشبع الموضوع وبوسع القارئ الرجوع إليه ، وها أنت قد سمعت أن الوصية جاءت على لسان النبي ( ص ) لفظا ومعنى ومع
ذلك ترى هؤلاء يقولون إن موضوع الوصية اخترعه عبد الله بن سبأ وستسمع لو قلت لهم إن الوصية لها مصادرها من السنة : من يقول لك هذه أحاديث دسها الشيعة على لسان السنة .

2 - العصمة : موضوع العصمة موضوع مهم في الفكر الشيعي خاصة والإسلامي عامة


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر تاريخ الطبري ج2 ص 216 ، وتاريخ ابن الأثير ج2 ص 28 ،
وتفسير الدر المنثور للسيوطي ج45 ص 97 طبعة أوفست . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 144

وسأضطر للإطالة فيه لأنه يرتبط بأمور هامة لا بد من التعريف عليها . فالعصمة لغة هي المنع ومنه قوله تعالى : * ( سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ) * سورة هود / 43 . أما في الاصطلاح الكلامي فالعصمة : لطف يفعله الله تعالى بالمكلف لا يكون معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك ( 1 ) .

وواضح من هذا التعريف أن العصمة لا إلجاء فيها وإنما هي مجدد مدد من الله تعالى واستعداد من العبد ، فهي أشبه شئ بأستاذ يقبل على تلميذه لأنه وجد عند التلميذ استعدادا أكثر من غيره لتلقي العلم . وقد أجمعت الأمة الإسلامية على عصمة
الأنبياء عن تعمد الكذب فيما يبلغونه عن الله تعالى واختلفوا بعد ذلك في صدور ما ينافي العصمة منهم على سبيل السهو أو النسيان سواء كانت أدلتهم في ذلك سمعية أو عقلية ، على صدور أو عدم صدور ما ينافي العصمة ذهب بعض أئمة السنة
إلى جواز وقوع كل ذنب منهم صغيرا كان أو كبيرا حتى الكفر وبوسع القارئ الرجوع إلى آراء الباقلاني والرازي والغزالي مفصلا في نظرية الإمامة ( 2 ) بينما البعض الآخر فصل في ذلك ولم بصل إلى هذا الحد في تجريدهم من العصمة .

أما الشيعة فقد ذهبوا إلى عصمة الأنبياء مطلقا قبل البعثة وبعدها ( 3 ) وقد ساقوا لذلك أدلة كثيرة . وقد تعرض الفخر الرازي في كتابه عصمة الأنبياء وكذلك الشيخ المجلسي في البحار مفصلا لذلك والذي يهمني هنا عصمة الأئمة لأنها موضع
البحث ، إن عصمة الأئمة أمر مفروغ منه عند الشيعة وقد أثبتها الشيعة للإمام بأدلة من العقل والنقل أقتصر على ذكر بعضها وبوسع طالب المزيد أن يرجع إلى الكتب والبحوث المطولة في ذلك .


* ( هامش ) *
( 1 ) توفيق التطبيق للكيلاني ص 16 . ( 2 ) نظرية الإمامة ص 111 و 112 . ( 3 ) معالم الفلسفة لمغنية ص 193 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 03:14 AM
عصمة الأئمة وأدلتها العقلية


- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 145




عصمة الأئمة وأدلتها العقلية


1 - الدليل الأول : يقول العلامة الحلي في كتابه الألفين : الممكنات تحتاج في وجودها وعدمها إلى علة ليست من جنسها إذ لو كانت من جنسها لاحتاجت إلى علة أخرى واجبة غير ممكنة ، كذلك الخطأ من البشر ممكن فإذا أردنا رفع الخطأ الممكن
يجب أن نرجع إلى المجرد من الخطأ وهو المعصوم ، ولا يمكن افتراض عدم عصمته لأدائه إلى التسلسل أو الدور أما التسلسل فإن الإمام إذا لم يكن معصوما احتاج إلى إمام آخر لأن العلة المحوجة إلى نصبه هي جواز الخطأ على الرعية ،
فلو جاز عليه الخطأ لاحتاج إلى إمام آخر فإن كان معصوما وإلا لزم التسلسل ، وأما الدور فلحاجة الإمام إذا لم يكن معصوما للرعية لترده إلى الصواب مع حاجة الرعية للاقتداء به ( 1 ) .

2 - الدليل الثاني : يقول الشيعة إن مفهوم الإمام يتضمن معنى العصمة لأن الإمام لغة هو المؤتم به : كالرداء اسم لما يرتدى به ، فلو جاز عليه الذنب فحال إقدامه على الذنب إما أن يقتدى به أو لا ، فإن كان الأول كان الأول كان الله تعالى قد أمر بالذنب وهذا محال ، وإن كان الثاني - خرج الإمام عن كونه إماما فيستحيل رفع التناقض بين وجوب كونه مؤتما به وبين وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بتصور أن العصمة متضمنة في مفهوم الإمام ولازمة لوجوده ( 2 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) الألفين للعلامة الحلي ص 54 . ( 2 ) الأربعين للرازي ص 434 . ( * )

* ( هامش ) *





- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 146



3 - الدليل الثالث : الإمام حجة الله في تبليغ الشرع للعباد وهو لا يقرب العباد من الطاعة ويبعدهم عن المعصية من حيث كونه إنسانا ، ولا من حيث سلطته فإن بعض الرؤساء الذين ادعو الإمامة كانوا فجرة لا يصح الاقتداء بهم فإذا أمروا بطاعة
الله كانوا مصداق قوله تعالى : * ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) * 44 / البقرة . وفي مثل هذه الحالات لا يثق المكلف بقولهم وله عذره ، فثبت أن تقريب الناس من طاعة الله لا من حيث كون الإمام إماما ، وإنما من حيث كونه معصوما
حيث لا يكون للناس عذر عصيانه تصديقا لقوله تعالى : * ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) * الآية / 165 من سورة النساء ، والأئمة حجج الله كالرسل سواء بسواء لأن الإمام منصوب من قبل الله تعالى لهداية البشر ( 1 ) .
هذه ثلاثة أدلة من كثير من الأدلة العقلية التي اعتمدوها في التدليل على العصمة .

الأدلة النقلية على عصمة الإمام
أ - قال الله تعالى في سورة البقرة : الآية / 124 لنبيه إبراهيم : * ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) * دلت هذه الآية على العصمة لأن المذنب ظالم ولم لنفسه لقوله تعالى : * ( فمنهم ظالم لنفسه ) * 32 / فاطر .

ب - قال الله تعالى : * ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) * الآية / 49 من سورة النساء ، والدليل فيها : أن أولي الأمر الواجب طاعتهم يجب أن تكون أوامرهم موافقة لأحكام الله تعالى لتجب لهم هذه الطاعة ولا يتسنى هذا إلا بعصمتهم إذ لو وقع الخطأ منهم لوجب الإنكار عليهم وذلك ينافي أمر الله بالطاعة لهم ( 2 ) .


* ( هامش ) *
( 1 )نهاية الإقدامللشهرستاني ص 85 . ( 2 )كشف المرادللعلامة الحلي ص 124 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 147



ج‍ - ذهبت الآية الثانية والثلاثين من سورة الأحزاب إلى عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم وهي قوله تعالى : * ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) * فبعد إثبات نزولها في أهل البيت الذي نص عليه كل من الإمام أحمد
في مسنده ، ومستدرك الصحيحين والدر المنثور ، وكنز العمال وسنن الترمذي ، وتفسير الطبري ، وخصائص النسائي ، وتاريخ بغداد ، والإستيعاب لابن عبد البر ، والرياض النضرة للمحب الطبري ، ومسند أبي داوود وأسد الغابة ، جميع هؤلاء قالوا إنها نزلت في النبي ( ص ) وعلي ( ع ) وفاطمة والحسن والحسين ( ع )( 1 ) .

ويتساءل العلماء عن معنى ذهاب الرجس لينتهوا إلى أنه نفي كل ذنب وخطأ عنهم والإرادة هنا تكوينية لا تشريعية لوضوح أن التشريعية مراده لكل الناس . ولا يلزم منه الإلجاء لما سبق أن ذكرناه من أن العصمة مدد من الله تعالى واستعداد من العبد .
هذه بعض أدلة الشيعة في العصمة وهي كما ترى منتزعة من الكتاب والسنة والعقل ، فما وجه نسبتها إلى عبد الله بن سبأ ؟ وأين موضع الصدق من تلك النسبة ، إن القارئ من حقه أن يسأل هؤلاء الكتاب هل اطلعوا على مصادر الفكر الشيعي عند
ما كتبوا عن الشيعة أم لا ، فإن كان الأول فما معنى هذا الخبط وهذه النسب الباطلة ، وإن كان الثاني فما هو المبرر لهو للخوض في أمور لم يطلعوا عليها أليس لهم رادع من مقاييس الأدب الإسلامي الذي رسمه الله تعالى بقوله : * ( ولا تقف ما
ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) * الإسراء / 36 ، وفي الوقت ذاته إن المنهج العلمي يأبى عليهم هذه التخرصات ونسبة الأشياء إلى غير مصادرها إذا ففكرة العصمة حتى ولو كانت أدلتها غير ناهضة ، فلا يجوز أن تنحى عن مصدرها وتنسب إلى شخصية وهمية خلقها الحقد وافتعلها الهوى .


* ( هامش ) *
( 1 )أنظرفضائل الخمسة من الصحاح الستةج5 ص 219 فصاعدا . ( * )

يتبع

Dr.Zahra
20-08-2007, 04:29 PM
موقف السنة من العصمة
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 148


موقف السنة من العصمة

قبل الدخول بالموضوع ألفت النظر إلى قصة تحكى ولها دلالتها في موضوعنا وهي : أن شخصا مدينا جلب إلى الحاكم فسأله الحاكم هل أنت مدين لهذا المدعي ؟ قال : نعم ، أنا مدين ولكني منكر للدين ، إن هذه القصة تشبه تماما موقف من ينكر علينا
القول بالعصمة وفي الوقت ذاته يقول بها . على أننا إنما نشترط العصمة في الإمام لضمان وصول أحكام وعقائد صحيحة ، ولضمان اجتناب المفارقات التي قد تنشأ من كون الإمام غير معصوم ، ولا نريد من العصمة أن تكون وساما نضعه على
صدور الأئمة فإن لهم من فضائلهم ما يكفيهم كما أننا لا نسبح في بحر من الطوبائية لأننا نعيش دنيا الواقع بكل مفارقاتها ، إننا من وراء القول بالعصمة نربأ بالإمام أن يكون من سنخ من نراهم من الناس ، لأنه لو كان من نفس السنخ والسلوكية فما هي
ميزته حتى يحكم الناس وفي الناس من هو أكثر منه استقامة ومؤهلات وقابلية ، تلك هي الأمور التي نريدها من وراء العصمة لا أن المعصوم من نوع آخر غير نوع الإنسان كما قد يتصور البعض . فالعصمة في نظرنا ضابط يؤدي إلى حفظ
شريعة الله تعالى نظريا وصيانتها من العبث تطبيقيا ، وأساطين السنة يذهبون لمثل ذلك ولكنهم في الوقت نفسه ينكرون علينا القول بها وإليك نماذج من أقوالهم لتعرف صحة ما نسبناه لهم :

1 - الرازي : يذهب الرازي في معرض رده على عصمة الإمام عند الشيعة : إلى أن لا حاجة إلى إمام معصوم ، وذلك لأن الأمة حال إجماعها تكون معصومة لاستحالة اجتماع الأمة على خطأ ، بمقتضى حديث رسول الله ( ص ) لا تجتمع أمتي على
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 149

ضلالة ( 1 ) . ومع غض النظر عن صحة وعدم صحة هذا الحديث ، نسأل هل مثل هذا الإجماع ممكن بحيث يضم كل مسلم في شرق الأرض وغربها ، قد يكون الجواب إن المسلمين يمثلون في هذا الإجماع بأهل الحل والعقد ،
وهنا نسأل : من هم وما عددهم ؟ وهل هم محصورون في مكان معين ؟ وما الدليل على ذلك ؟
ثم نسأل : هل المجموع إلا ضم فرد إلى فرد فإذا جاز الخطأ على الأفراد جاز على المجموع المكون من الأفراد ، إن الإمام ابن تيمية يجيب على ذلك بأنه لا يلزم أن يخطأ المجموع إذا أخطأ الأفراد لأن للجمع خاصية لا توجد في الأفراد ، ومثلها
مثل اللقمة الواحدة لا تشبع بينما مجموع اللقم يشبع ، والعصا الواحدة تكسر في حين مجموع العصي لا يكسر ، إلى أن يقول قال رسول الله ( ص ) : الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد ( 2 ) وما أدري ما هو وجه الشبه بين كون اللقم تشبع
بعكس اللقمة الواحدة ، وبين كون المجموع يعصم والأفراد لا تعصم ، وذلك لأن اللقمة تحمل قابلية الإشباع بنسبة معينة فإذا ضمت إلى مثلها اجتمعت هذه الأفراد من قابلية الإشباع فكونت إشباعا كاملا ، وكذلك العصا تحمل نسبة من القوة فإذا ضمت
لمثها كونت قوة كافية ، وأين هذا من الفرد المخطئ فإنه لا يكون نسبة من الصحة إذا ضمت لغيرها كونت مجموعا صحيحا ، بل بالعكس فالفرد يمثل هنا نسبة من الخطأ إذا ضمت لمثلها تضاعف الخطأ وكون خطأ كبيرا ، إن هذا القياس مع الفارق ،
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن ابن تيمية لم ينف فكرة العصمة وإنما نفى أن تكون لواحد ليس إلا فكأن العقدة أن تكون لواحد أما لو نسبت لجماعة فلا إشكال ومن ناحية ثالثة إنه إنما اشترط العصمة للأمة من أجل الثقة وضمان سلامة الأحكام وهو عين الهدف الذي تذهب إليه الشيعة وأنا أنقل لك رأيه مفصلا :


* ( هامش ) *
( 1 ) المستصفى مبحث أركان الإجماع . ( 2 ) نظرية الإمامة 117 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 150

رأي ابن تيمية في العصمة قال ابن تيمية عند رده على الشيعة عند قولهم : إن وجود الإمام المعصوم لا بد منه بعد موت النبي وذلك لأن الأحكام تتجدد تبعا للموضوعات ، والأحوال تتغير وللقضاء على الاختلاف في تفاسير القرآن وفي فهم الأحاديث وغير ذلك .
ولو كانت عصمة النبي ( ص ) وكمال الدين كافيين لما حدث الاختلاف ، فثبت أنه لا بد من إمام معصوم يبين لنا معاني القرآن ويعين لنا مقاصد الشرع كما هو مراده إلى آخر ما ذكروه في المقام : فقال ابن تيمية : لا يسلم أهل السنة أن يكون
الإمام حافظا للشرع بعد انقطاع الوحي لأن ذلك حاصل للمجموع ، والشرع إذا نقله أهل التواتر كان ذلك خيرا من نقل الواحد ، فالقراء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه ، والمحدثون معصومون في حفظ الأحاديث وتبليغها ، والفقهاء معصومون في الكلام والاستدلال ( 1 )

ويختلف هنا ابن تيمية عن الرازي فإذا كانت العصمة عند الرازي لمجموع الأمة فهي عند ابن تيمية لجماعة من الناس كالقراء والفقهاء والمحدثين ، وهنا يشترط ابن تيمية العصمة لضمان حفظ مضمون الشريعة كما هو الحال عند الآخرين من الشيعة وغيرهم ، فما الذي أجازها لمجموعة ومنعها عن فرد ؟

إن عدد المعصومين عند الشيعة لا يتجاوز الأربعة عشر وهم مجموعة منتخبة خصها الله تعالى بكثير من الفضائل بإجماع فرق المسلمين فلماذا نستكثر عليهم العصمة ونجيزها لغيرهم مجرد سؤال ؟

رأي جمهور السنة في العصمة يمكن القول أن جمهور السنة يصححون الحديث المروي عن النبي ( ص ) وهو قوله ( ص ) : " أصحابي ، كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ( 2 ) ولازم هذا الحديث عصمة الصحابة كما سيرد به التصريح من بعضهم لأن صحة الاقتداء


* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمامة 120 . ( 2 ) طبقات الفقهاء للشيرازي ص 3 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 151

بأي منهم ومتابعته في الظلم لو حصلت حال كونه مرتكبا للذنب وهو الحاصل من كونه غير معصوم فمعناه الأمر من الله تعالى باتباع العاصي والظالم ولو لنفسه وإذا لم يتابع ويعمل بما أراده النبي فإن معناه ترك أمر القرآن لأنه قال : * ( ما أتاكم
الرسول فخذوه ) * ( 1 ) والصحابي هنا ينقل أمر الرسول ، فإن قلت إن الله تعالى أمرنا بأن نأخذ الحديث من العادل الثقة لقوله تعالى : * ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) * الآية 6 / الحجرات ، التي دلت
بمفهومها على حجية خبر العادل ، ونحن لا نأخذ الأمر إلا من العادل منهم ، قلت : إن ذلك يدل بالمفهوم على أن فيهم غير العادل حينئذ وهو المطلوب . وعلى العموم إن لازم الحديث المذكور عصمة الصحابة ، وما سمعنا من ينكر على هؤلاء فلماذا إذا قال الشيعة بعصمة أئمتهم ينتقدون ؟

التفتازاني والعصمة يقول التفتازاني وهو من أجلاء علماء السنة في كتابه شرح المقاصد : احتج أصحابنا على عدم وجوب العصمة : بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ( رض ) مع الإجماع على أنهم لم تجب عصمتهم ، وإن كانوا معصومين بمعنى أنهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها ( 2 ) وفي هذا النص أمور :
1 - إن التفتازاني هنا يصرح بعصمة الخلفاء الثلاثة .
2 - يقول : إن عصمتهم غير واجبة بمعنى أنهم لا يقسرون عليها وإلا فلا يتصور تعلق الأحكام بالأمور التكوينية وإنما مجال الأحكام السلوك الاختياري والاستعداد لقبول العصمة أمر مخلوق فيهم .
3 - مفاد كلامه أن العصمة ملكة تمنع صاحبها من مقارفة الذنب لا على


* ( هامش ) *
( 1 ) الآية 7 من سورة الحشر . ( 2 ) شرح المقاصد بتوسط الغدير للأميني ج9 ص 375 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 152

نحو سلب الاختيار وهذا عين ما يقوله الشيعة في أئمتهم وليرجع من شاء إلى بحث العصمة في كتب الكلام الشيعة ، وعلى هذا فلماذا هذه الجعجعة يا مسلمون ؟

شمس الدين الأصفهاني ونور محمد والعصمة يذهب الحافظ نور محمد وشمس الدين الأصفهاني الأول في تاريخ مزار شريف ، والثاني كما نقله عنه الغدير إلى أن الخليفة عثمان معصوم ( 1 ) وقد نقله عن كتابه مطالع الأنظار . والرجلان من علماء أهل السنة .

الإيجي والعصمة يذهب عبد الرحمن الإيجي صاحب كتاب المواقف في نفس الكتاب إلى عصمة الخلفاء وعلى النحو الذي قال به التفتازاني فيما ذكرناه عنه أي أنها ملكة فيهم لا توجب سلب الاختيار ( 2 ) وهو من علماء السنة وقد كشفت لنا هذه الجولة أن الشيعة لا ينفردون بالقول بالعصمة بل علماء السنة يذهبون لذلك ، إذاً فما هو وجه نسبتها إلى عبد الله بن سبأ وما هو وجه نقد الشيعة على القول بها ؟

أنا لا أريد أن أحشد للقارئ نقد كتب السنة ومؤلفيهم حول موضوع العصمة فإن كتبهم طافحة بذلك ، ولكن سأستعرض لك رأي كاتب يعيش في القرن العشرين وفي عصره الذرة بالذات وهو وأيم الحق من أكثر أهل السنة الذين قرأت لهم اعتدالا في
الكتابة عن الشيعة ولكن مع ذلك كله تبقى الرواسب في النفوس تعمل عملها . إني أعتقد أن هذا الرجل قد بحث في كتب الشيعة وغيرهم قبل أن يكتب كتابه وذلك لما رأيت له من كثرة المصادر مع افتراض أنه اطلع على آراء أهل السنة في هذه المواضيع فلماذا الإنكار على الشيعة دون الآخرين وإذا كان لم يطلع وهو ما أستبعده ، فلماذا يكتب ؟


* ( هامش ) *
( 1 ) الغدير ج9 ص 375 . ( 2 ) الغدير للأميني ج9 ص 375 . ( 2 ) الغدير للأميني ج7 ص 140 . والمواقف ص 399 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 04:30 PM
مناقشة كتاب نشأة الآراء والمذاهب
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 153

الفصل الرابع مناقشة كتاب نشأة الآراء والمذاهب

يقول مؤلف الكتاب المذكور يحيى هاشم فرغل مستعرضا فكرة عصمة الأئمة : إن عصمة الأئمة ظهرت عند غلاة الشيعة ، ذكر أن زيد بن علي كان يستنكرها ثم استنتج أن السنة إنما بحثوا عصمة الأنبياء لأن الشيعة بحثوا عصمة الأئمة ، وذكر أدلة
الإمامية على العصمة ومنها حديث الثقلين وقد رواه هكذا : إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي . كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ،
ثم ذكر صورا أخرى للحديث ثم قال : إن هذا الحديث جعل العترة أهل البيت بمنزلة القرآن وعدلا له ، كما جعل لهم جميع ما كان للنبي من المناصب إلا النبوة ليكون كأنه موجود بنفسه ليقوم على رعاية الشريعة ، وقد نزل الحديث العترة منزلة القرآن
فلا بد من أن يكون عندهم كل ما فيه من العلوم ، فمن ثم يكون الإمام عالما بجميع تفاصيل القرآن والسنة لتؤخذ عنه علومهما كاملة . ثم أورد روايات للشيعة حول علم الإمام ومنها ما ورد عن الإمام علي ( ع ) : ما أنزلت آية من القرآن على رسول
الله ( ص ) إلا وأقرأنيها وتلاها علي فكتبتها بيدي وعلمني تفسيرها وتأويلها ومحكمها ومتشابهها وناسخها ومنسوخها وخاصها وعامها ودعا الله تعالى أن يعطيني فهمها وحفظها ووضع يده على صدري ودعا الله أن يملأ قلبي علما وفهما وحكمة ، ثم أورد روايات هي في الواقع تجسيد لمنطوق هذا الحديث وهذه الرواية : كوجود كتاب الجفر والجامعة ومصحف فاطمة

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 154

عند أهل البيت وشرح آراء الشيعة في معنى وجود هذه الكتب عند أهل البيت وذكر أن الشيعة قالوا إنها بإملاء النبي وخط علي وأنه ليس فيها من القرآن شئ وإنما هي شروح وأخبار بالملاحم ، ثم ذكر الروايات التي تدل على أن أهل البيت محدثون
وأنهم يعضدون هذه الروايات بروايات سنية ومنها قول النبي ( ص ) الذي اتفق عليه أهل السنة " إن فيكم محدثين " وقول بعض الصحابة : كنت أحدث حتى اكتويت ، ثم انتقل بعد ذلك إلى الروايات التي تدل على وحدة السنخية بين النبي والأئمة
كقول النبي ( ص ) : إن الله خلقني وخلق عليا والحسن والحسين من نور واحد ، وقال في نهاية هذا الفصل : وإذا فنحن في النهاية نصل إلى عقيدة فلسفية أو ميتافيزيقية في الإمام تجعل من الأئمة ومن الرسول جوهرا نورانيا واحدا سابقا على الوجود
الأرضي وهنا نصل إلى نقطة هامة نسأل فيها عن ماهية درجة الإمامة وهل هي بدرجة النبوة أم لا ، واستطرادا من هنا أقول : إن المرء أمام هذه الآراء لا يستغرب أن تنشأ في تربتها آراء الغلاة ودعاوى التنبؤ ويجد في هذه إظهارا طبيعيا لمكونات تلك انتهى كلام فرغل بتلخيص وتصرف في لفظ العبارة ( 1 ) مع حفظ المضمون بمنتهى الضبط .

إتضح من هذا الفصل الذي لخصناه أن فرغل يستنكر عدة أمور ويعتبرها نوعا من الغلو وهي العصمة ، ثم وحدة الأصل والسنخية بين النبي ( ص ) وأهله ( ع ) ثم استنكر ما ينسب لأهل البيت من علوم واستنكر رابعا أن تكون منزلة الأئمة بعد النبي ( ص ) وخامسا نسب الشيعة للغلو .

تعقيب وأنا أوجه للأستاذ فرغل سؤالا هو : لو أن هذه الأمور التي استنكرها عند الشيعة وجدت عند السنة فهل ينتقد السنة أم لا ، وستعجب من هذا السؤال وتقول كيف لا ينتقدهم والموضوع واحد ولا فرق بين أن يقول به السنة أو الشيعة


* ( هامش ) *
( 1 ) نشأة الآراء والمذاهب والفرق الكلامية ج1 ص 1279 حتى 142 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 155

وأنا أجيبك أنه لا ينتقدهم إذا كانوا غير شيعة وهو ما وقع بالفعل لأنهم قالوا بهذه الأمور التي نقد بها الشيعة وسأوقفك على قولهم فيما يلي :
1 - فالأمر الأول : الذي نقد به الشيعة القول بالعصمة ولا أحتاج أن أكرر ما سبق أن ذكرته ودللت عليه من قول كثير من السنة بالعصمة إن لم يكن كلهم ومع ذلك لم يعرض لهم يحيى فرغل بالنقد ، على أن يحيى فرغل أهون من غيره في هذا
الباب ، ذلك أن غيره كان أكثر منه عنفا وتهجما خذ مثلا : الدكتور نبيه حجاب أستاذ الأدب - لو كان هناك أدب - في دار العلوم بالقاهرة ، إن هذا الرجل يشتم الشيعة شتما عجيبا ويعتبر عقيدتهم بالعصمة مظهرا من مظاهر الشعوبية فاسمعه يقول :
إن هذه العقيدة تسربت للشيعة عن الفرس الذين نشأوا على تقديس الحاكم لهذا أطلق عليها العرب النزعة الكسروية - ولا أعرف أحدا من العرب قال ذلك في حدود اطلاعي - ولعل غالبية الشيعة كانت ترمي من وراء هذه الفكرة إلى تنزيه علي ع
عن الخطأ حتى يتضح للملأ عدوان بني أمية في اغتصاب الخلافة هذا وفي اليهودية كثير من المذاهب التي تسربت إلى الشيعة ( 1 ) أسمعت هذه الأنشودة التي يتناقلها الخلف عن السلف بصورة بلهاء وقد فندنا لك هذا الزعم فيما مضى من مبحث فارسية التشيع .
لكن الذي أريد السؤال عنه ما هو الخطأ في سلوك الإمام علي ( ع ) في نظر نبيه حجاب هل هو الحروب التي قام بها من أجل مبادئ مما أدى إلى عدم الاستقرار في الوقت الذي لم يستقر فيه وضع الأمويين إلى على الجماجم وعلى كل حال لا
يضر عليا أن يخطئه نبيه حجاب بعد أن قال فيه الرسول علي مع الحق والحق مع علي . ومن الطبيعي جدا أن يكون علي في جانب مع من هو من معدنه ونبيه حجاب ومن هم من معدنه في الجانب المقابل .


* ( هامش ) *
( 1 ) مظاهر الشعوبية في الأدب العربي ص 492 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 156

2 - الأمر الثاني : الذي استنكره فرغل هو كون النبي ( ص ) وأهل بيته من نور واحد ، ولا أدري ما هو وجه الاستغراب بعد أن أثبت الشيعة ذلك من مصادره الصحيحة هل لأن ذلك لم يصادف هوى في نفوس من لا يوالون أهل البيت أم ماذا ؟

3 - الأمر الثالث : الذي استنكره الأستاذ فرغل هو علم أهل البيت بالشريعة والعلوم القرآنية وعلوم السنة الشريفة وأن يكونوا محدثين ، وهنا يقال إن علم أهل البيت أما أن يكون بالطرق العادية كالتلقي والمدارسة ، أو يكون من قبيل الإلهام وأنهم
محدثون ، أم الطريق الأول فهو محقق لأهل البيت لأنهم نشأوا في بيت محمد ( ص ) وتربوا في حجره وأخذوا العلوم من هذه البيئة وهذا أمر لا غبار عليه ، أما العلم بالطريقة الثانية وهو الإلهام والتحديث كما تذهب إليه الروايات فالمسلمون كلهم
يقرون بذلك وسأذكر جملة من نصوصهم في إمكان مثل هذا العلم : يقول الآلوسي في تفسيره روح المعاني عند تفسير الآية 65 من سورة النحل : وهي قوله تعالى : * ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 157

الله ) * عقب عليها فقال : لعل الحق أن يقال إن علم الغيب عن غيره جل وعلا هو ما كان للشخص بذاته أي بلا واسطة في ثبوته له ، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شئ وإنما هو من الواجب عز وجل إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه ، فلا يقال إنهم علموا بالغيب بذلك المعنى فإنه كفر بل يقال إنهم اظهروا واطلعوا على الغيب ( 1 ) .

وما قاله الآلوسي هو عين ما ورد عن أئمة أهل البيت : يقول الإمام الرضا ثامن أئمة أهل البيت : " يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم " وهذا المعنى هو عين مفاد الآية : 27 من سورة الجن وهي قوله تعالى : * ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسوله ) * وفي شرح هذه الآية يقول الرضا لعمرو بن هداب وقد سأله عن علم الأئمة قال : " إن رسول الله ( ص ) هو المرتضى عند الله ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة " ( 2 )

وفي هذا المعنى يقول النيسابوري المفسر : إن امتناع الكرامة عن الأولياء إما لأن الله ليس أهلا لأن يعطي المؤمن ما يريد ، وإما لأن المؤمن ليس أهلا لذلك وكل منهما بعيد فإن توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالى لعبده فإذا لم يبخل
الفياض بالأشرف فلأن لا يبخل بالأدون أولى - . وقد ألقى الإمام الصادق ( ع ) الضوء على بعض العلوم التي أخذوها من القرآن بالطرق الطبيعية وذلك عندما سأله بعض أصحابه ، فقال الصادق : " إني أعلم ما في السماوات والأرض وأعلم ما في
الجنة والنار وأعلم ما كان وما يكون " فلما رأى أن السائل استغرب كلامه قال الإمام : " إني علمت ذلك من كتاب الله عز وجل الذي يقول : * ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) * الآية 89 / من سورة النحل " وقد روى ذلك عنه وعن


* ( هامش ) *
( 1 ) روح المعاني ج20 ص 9 . ( 2 ) البحار للمجلسي ج21 ص 22 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 158

نظرية تلقي أهل البيت للعلم المقرم في فصل كبير ( 1 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) مقتل الحسين للمقرم باب علم الإمام ص 24 فصاعدا .

Dr.Zahra
20-08-2007, 04:43 PM
السنة وعلم الغيب
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 158

السنة وعلم الغيب
وبعد أن أشرت إلى أن الشيعة يرون أن الإمام مستعد لأن يفيض عليه الله عز وجل من نوره وعلمه لأنه إذا وجد القابل فلا بخل ، في ساحة الله تعالى فعلم الغيب للذات عند الشيعة مختص بالله تعالى أما علم أهل البيت فأما إفاضة مباشرة من الله عن
طريق الإلهام أو التحديث ، أو بتوسط النبي ، على أنه لا ينكر أن هناك من يغلو في أهل البيت ونحن من هؤلاء براء وسيمر علينا ذلك إلا أن الذي أريد قوله : إن أهل السنة يثبتون على الغيب لأئمتهم على نحو ما يفعل الشيعة ويرون أنهم محدثون :
ومن ذلك ما رواه القرطبي في تفسيره للآية 52 / من سورة الحج وهي قوله تعالى : * ( وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ) * إلى آخر الآية ، فقال : جاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ الآية هكذا : وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث الخ
ذكره مسلمة بن القاسم بن عبد الله ورواه سفيان عن عمر بن دينار عن ابن عباس قال مسلمة : فوجدنا المحدثين معتصمين بالنبوة لأنهم تكلموا بأمور عالية من أنباء الغيب خطرات ، ونطقوا بالحكمة الباطنة فأصابوا فيما تكلموا وعصموا فيما نطقوا كعمر بن الخطاب في قصة سارية وما تكلم به من البراهين العالية هذا هو نص ما أورده القرطبي ( 1 )

وكذلك روى السيوطي قراءة الآية المذكورة وتكلم عن المحدثين في تفسيره الدر المنثور فراجعه ( 2 ) . وقد روى البخاري في صحيحه باب مناقب عمر عن أبي هريرة قال قال النبي ( ص ) لقد كان فيما قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر القرطبي تفسير سورة الحج من تفسيره . ( 2 ) أنظر الدر المنثور ج4 ص 366 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 159

أنبياء فإن يكن من أمتي فيهم أحد فعمر ، كما أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عمر عن عائشة عن النبي ( ص ) قد كان في الإسلام قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر بن الخطاب منهم ( 1 ) .
ولم يقف الأمر عند الخلفاء ولكنه وصل إلى عمران بن الحصين ، فعن مطرف قال : قال لي عمران بن الحصين : أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله ( ص ) جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن
يحرمه ، وإني كنت أحدث حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد وقد روى ذلك كل من الدارمي ومسلم في صحيحيهما
( 2 ) . ولست أدري ما هي صلة الكي بهروب المحدث والعلم عند الحصين رحمه الله . بل إن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي كان الخضر يمشي معه ويحدثه كما روى ذلك ابن حجر في التهذيب ( 3 ) .

وبعد كل هذا الذي أوردناه فهل يشكل هذا مبررا لأن يكون أهل البيت ممن يفاض عليهم العلم أم لا ؟ أغلب الظن أن الإشكال سيبقى قائما وسيبقى الشيعة غلاة أو مخرفين لأنهم يقولون إن الأئمة يعلمون الغيب بأمر الله .

الأمر الرابع : الذي استنكره الأستاذ فرغل أن تأتي منزلة أئمة أهل البيت بعد منزلة النبي ( ص ) مباشرة عند الشيعة ، والمقصود الأئمة الإثنا عشر فقط لا غيرهم ، والحقيقة أن الشيعة ليسوا هم الذين وضعوا الأئمة بهذا الموضع بل السماء هي التي وضعتهم والشيعة تعبدوا بأمر السماء يقول الله تعالى : * ( إنما وليكم الله ورسوله


* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح البخاري وصحيح مسلم باب فضائل عمر .
( 2 ) الغدير للأميني ج6 ص 186 .
( 3 ) التهذيب لابن حجر ج7 ص 477 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 160

والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) * 56 / المائدة . فقد تظافرت الروايات على نزولها في الإمام علي ( ع ) وأنها أشركته في الولاية العامة وقد روى ذلك كل من الفخر الرازي في تفسيره ، وابن جرير الطبري في
تفسيره ، والبيضاوي في تفسيره ، وأبي حيان في تفسيره والزمخشري في تفسيره وابن كثير في تفسيره وغيرهم ثم من بعد القرآن الكريم أعطته السنة النبوية هذه المكانة فقال له النبي ( ص ) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
، والحديث من الأحاديث المتواترة وقد أخرجه أهل الصحاح ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب فضائل علي من صحيح البخاري وكذلك من صحيح مسلم . ويأتي أولاد علي ( ع ) من بعده وقد وضعهم النبي ( ص ) في هذه المكانة وليس
أدل على ذلك من أنه جعلهم عدل الكتاب فقال ( ص ) إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا . إلى آخر الحديث ( 1 ) .

والآن لنرجع إلى الفكر السني فسنجده يضع أئمته في نفس الموضع بدون نكير بل يرى أن النبي ( ص ) وهو المسدد بالوحي لا يستغني عن هؤلاء الأئمة لحاجته إليهم : يقول الحاكم في المستدرك بسنده عن حذيفة بن اليمان : سمعت رسول الله ( ص )
يقول لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالا يعلمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين ، قيل له : فأين أنت عن أبي بكر وعمر ؟ فقال ( ص ) : إنه لا غنى بي عنهما إنهما من الدين كالسمع والبصر ( 2 ) .
بل أعطى السنة للصحابة منزلة تساوي منزلة النبي من ناحية حجية أقوالهم وأفعالهم وكونهم مصدرا للتشريع : يقول موسى جار الله في الوشيعة : " نحن فقهاء أهل السنة والجماعة نعتبر سيرة الشيخين الصديق والفاروق أصلا تعادل سنن الشارع في إثبات الأحكام الشرعية في حياة الأمة وإدارة الدولة وأن الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة وأنها ناصفتها في


* ( هامش ) *
( 1 ) البيان والتعريف لابن حمزة الحنفي ج2 ص 136 . ( 2 ) مستدرك الحاكم ج3 ص 745 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 161

تثبيت أركان دين الإسلام " ( 1 ) فالخلفاء كما ينص جار الله هنا سيرتهم تعادل سنة النبي ونص القرآن ، والخلفاء معصومون كالنبي ( ص ) وأنهم شاطروا النبي فلهم نصف تثبيت الإسلام وللنبي ( ص ) النصف الثاني ويقول الإمام الغزالي : مذهب الصحابي حجة مطلقا ( 2 ) .
ويقول : ابن قيم الجوزية إن فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها وإن اختلفوا فإن كان الخلفاء الأربعة في شق فلا شك أنه الصواب وإن كان أكثرهم في شق فالصواب الشق الأغلب وإن كانوا اثنين واثنين فشق أبي بكر وعمر أقرب إلى الصواب
فإن اختلف أبو بكر وعمر فالصواب مع أبي بكر وكلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب ( 3 ) وما أدري ما يقصده ابن القيم من قرب العهد فإذا كان يريد القرب الزماني فكل الخلفاء كانوا مع النبي ( ص ) في زمان واحد وإن كان
يريد القرب المكاني بالإضافة لذلك فعلي كان ألزم للنبي ( ص ) من ظله فعلى تعليل ابن القيم يجب تقديم قوله إذا تعارض مع أقوال غيره .

ودعني أحدثك عن أروع من هذا كله وهو أن يكون قول بعض أئمة السنة هو المقياس لتصحيح القرآن وأحاديث النبي ( ص ) إذا اختلف الكتاب والسنة مع قول ذلك الإمام : يقول الكرخي من أئمة الأحناف : الأصل وجوب العمل بقول أبي حنيفة ، فإن
وافقه نص الكتاب والسنة فذاك . وإلا وجب تأويل الكتاب والسنة على وفق قول أبي حنيفة ، وقد ذكر ذلك الأستاذ رشيد رضا في تفسير المنار عند تفسير الآية : * ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ) * الآية 165 / من سورة البقرة ( 4 )
. ويأتي القوشجي دون الكرخي بمرقاة فإذا كان الكرخي جعل فقه الأحناف هو المقياس الذي يعرض عليه الكتاب والسنة ، فإن القوشجي جعل للخليفة عمر حقا في أن يجتهد مقابل


* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمام ص 61 .
( 2 ) المستصفى ج 1 ص 260 .
( 3 ) أعلام الموقعين ج4 ص 118 .
( 4 ) تفسير المنار ج2 ص 83 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 162

الرسول فاسمعه في مبحث الإمامة من كتابه شرح التجريد يقول : إن عمر قال وهو على المنبر : أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله ( ص ) وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل ، ثم عقب القوشجي على ذلك بقوله : إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع ( 1 ) .

بعد ذلك نقول للأستاذ فرغل إننا نضع الإمامة بعد النبوة ونتعبد بما أعطاه النبي ( ص ) للإمام من صلاحيات ، ولكننا لا نجعل الإمام مقياسا يعرض عليه الكتاب والسنة بل العكس المقياس هو الكتاب والسنة ونرمي بما خالفهما عرض الجدار ، كما أننا
لا نجيز الاجتهاد مقابل النص كما اعتبر القوشجي النبي ( ص ) على أنه مجتهد وقد خالف بذلك إطلاق قوله تعالى : * ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) * الآيتان 3 و 4 / من سورة النجم ، ومع ذلك فإن تقييم الإمام عندنا موضع
استغراب ، بينما يذهب غيرنا في أئمتهم إلى ما ذكرناه عنهم ومع ذلك لا تسمع من ينقدهم فلماذا هذا يا أستاذ فرغل ؟ هل حاولت مرة أنت أو أمثالك أن تسألوا أنفسكم عن صحة عقائدكم أو تنقدوها كما تنقدون غيركم أم أنكم شعب الله المختار يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم أم ماذا ؟

5 - الأمر الخامس : إعتبر الأستاذ فرغل روايات الشيعة بأنها مناخ صالح للغلو ، وأريد أن أشرح للأستاذ فرغل موقف الشيعة من الغلو والغلاة : فالغلو عرفه الطبرسي في تفسيره عند شرح الآية 77 من سورة المائدة : * ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ) * بأنه ما يقابل التقصير وهو تجاوز الحد ، فقال : إن معنى الآية : لا تتجاوزوا الحد الذي حده
الله ، لكم إلى الازدياد ، وضده : التقصير وهو الخروج عن الحد إلى النقصان ، والزيادة في الحد والنقصان عنه كلاهما فساد ، ودين الله الذي أمر به هو بين الغلو والتقصير وهو الاقتصاد - أي الاعتدال - ( 2 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) الغدير للأميني ج6 ص 223 . ( 2 ) مجمع البيان ج2 ص 230 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 163

أما مناشئ الغلو فأبرزها وأهمها في نظرنا أربعة مناشئ هي على التوالي :
أ - المنشأ الأول : أن يغالي الإنسان بشخص أو فكرة ليتخذ من ذلك مبررا لاختياره الانتماء لهذه الفكرة أو الشخص فكأنه يريد مرجحا أمام الناس ومبررا نفسيا ويتبلور هذا المعنى أكثر وأكثر في العقيدة بالأشخاص فإن الأتباع يحاولون رفع من
يعتقدون به إلى مستويات غير عادية وهذا المعنى موجود على الصعيد الديني والسياسي ، فقد وصف هوبز الحاكم بأنه المعبر عن إرادة الله وإرادة الشعب ، ومنحه السلطة المطلقة في التصرف ، ولم يعط الشعب حق عزله واعتبر إرادته من إرادة الله
تعالى ، وقد ذهب فلاسفة الألمان نفس المذهب فيما خلعوه على الحاكم من صفات ، وأشدهم في ذلك : هيكل أستاذ ماركس ، فالملك عند هيكل صاحب السلطة المطلقة ، وله مركز مستقل عن مصالح الأفراد وتتمثل في شخصيته الذات النهائية وهو
مجموع الشعب مشخص في واحد ، وهو وهو الخ . وقد سبق هؤلاء جميعا أفلاطون حين أعطى الحاكم منازل مقدسة ، وكذلك الفارابي حيث صور رئيس المدينة بأنه متصل بالعقل الفعال حيث يقترب من الله تعالى ( 1 ) . إن كل هذه المواقف تبرير لاعتناق الفكرة بنحو وآخر يوجده تصور معين .

ب - المنشأ الثاني للغلو : رد الفعل فإن البعض قد يضطهد من أجل معتقداته ، وقد ينتقص أو يشتم أو يهزأ به فيدفعه كل ذلك إلى المغالاة بدافع رد الفعل ، ولهذا رأينا القرآن الكريم في مثل هذه المواطن أخذ العوامل النفسية بعين الاعتبار إذ يقول تعالى
: * ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) * 108 / الأنعام . وهذه المسألة لها تطبيقاتها على أبعاد التاريخ في كثير من الموارد ، ومن هنا ذهب دونالدسن : إلى أن القول بالعصمة هو رد فعل من الخلفاء الغاصبين وهو


* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمامة ص 135 فصاعدا . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 164

واهم بذلك ( 1 ) . وقد كان لردة الفعل دور كبير في تاريخ المسلمين وعقائدهم يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند معالجة كثير من المواقف وتقييم النصوص في مختلف الميادين .

ج‍ - المنشأ الثالث : هو الغلو الذي ينشأ من الطيبة والبراءة وحسن الظن بالآخرين فيركن إلى مروياتهم من دون تمحيص خصوصا من الذين اندسوا في الإسلام لسبب وآخر وأرادوا تغطية حقيقتهم فتحمسوا تحمسا مشبوها لأشخاص أو أفكار ،
وهذا المنشأ : الحديث فيه طويل فإن كثيرا من المندسين لعبوا دورا بارزا في تسجيل نظريات ومواقف تنزع إلى الغلو حتى أفسدوا على كثير من المسلمين عقائدهم لمختلف الأهداف التي كانت تدفعهم وقد كان لكل مذهب من المذاهب حصة من هؤلاء تكثر أو تقل تبعا لظروف المذهب نفسه وربما يمر علينا هذا المعنى مفصلا فيما يأتي .

د - المنشأ الرابع عدم الدقة : فقد يبتلي بعضهم بشبهات نتيجة فهم خاطئ ، أو تعميم غير مبرر علميا كان يرى رأيا لشخص من طائفة فيعمم رأيه على الطائفة كلها ، وقد تذهب جماعة إلى رأي ثم تبيد ويبقى الرأي فيأتي من يحمل الرأي للآخرين ، قد
يكون استنتاجا لرأي من لازم من لوازم القول لم يتفطن له صاحب القول نفسه ، وقد يكون نتيجة خطأ في تطبيق ضابط من الضوابط الكلية على بعض الجزئيات وهكذا ، ولذا لا بد من التروي والحذر الشديد عند الكتابة عن فئة أو طائفة ، ولا بد من
أخذ رأيها من مصادرها المتسالم عليها ، فإذا كان بعض الشيعة في يوم من الأيام غالى بالإمام علي لقلعه باب خيبر فليس كل الشيعة كذلك وإذا كان شخص قال لعلي وهو يخطب أنت أنت فليس كل الشيعة كذلك .


* ( هامش ) *
( 1 ) عقيدة الشيعة لدونالدسن ص 228 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 04:46 PM
موقفنا من الغلو والغلاة


- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 165




موقفنا من الغلو والغلاة


وبعد شرح مناشئ الغلو أو أهمها نقول : إن الشيعة تبعا لمواقف أئمتهم وقفوا موقفا حازما من الغلو والغلاة فسلطوا عليهم الأضواء وتبرأوا منهم وكافحوهم وشهروا بهم ، وهم بذلك لا يتعدون موقف أمير المؤمنين ( ع ) حينما يقول : " هلك في اثنان محب غال وعدو قال "
وموقف الإمام الصادق ( ع ) حينما يقول : " ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ، والله ما لنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة ، وإنا لميتون وموقوفون ، ومسؤولون ، من أحب الغلاة فقد أبغضنا ، ومن أبغضهم فقد أحبنا ، الغلاة كفار والمفوضة مشركون ، لعن الله الغلاة ألا كانوا نصارى ألا كانوا قدرية ألا كانوا مرجئة ألا كانوا حرورية "( 1 ) .

والإمامية لا يورثون الغلاة وإليك نص عبارتهم في ذلك : يرث المحق من المسلمين من مبطلهم ومبطلهم من محقهم ومبطلهم ، إلا الغلاة يرث منهم المسلمون وهم لا يرثون المسلمين كما أن الإمامية لا يغسلون موتى الغلاة ولا يدفنونهم ويحرمون
تزويجهم وإعطائهم الزكاة ، وتجد هذه الأحكام موزعة في كتب فقه الإمامية في أبواب الطهارة والزكاة والإرث ، إن الإمامية لا يعتبرون الغلاة مسلمين : يقول الشهيدان الأول والثاني في اللمعة وشرحها في باب الوقف ! عند تعريف المسلمين :
والمسلمون من صلى إلى القبلة أي اعتقد الصلاة إليها وإن لم يصل لا مستحلا ، إلا الخوارج والغلاة فلا يدخلون في مفهوم المسلمين وإن صلوا إليها للحكم بكفرهم ( 2 ) وألحقا بهم المشبهة والمجسمة في الحكم ، بل إن


* ( هامش ) *
( 1 )بحار الأنوارللمجلسي ج3 ص 51 . ( 2 )اللمعة الدمشقيةج1 ص 228 طبع إيران . ( * )




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 166



الإمام الصادق ( ع ) يعتبر الجلوس إلى الغالي وتصديقه بحديثه مخرجا من الإيمان كما روى ذلك المفضل بن يزيد قال : قال لي أبو عبد الله الصادق وقد ذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة : " لا تقاعدوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا تورثوهم " وقال الصادق لمرازم أحد أصحابه : " قل للغالية توبوا إلى الله فإنكم فساق مشركون "( 1 ) .

آراء بعض الباحثين وانطلاقا من ذلك يقول الشيخ المفيد : الغلاة من المتظاهرين بالإسلام وهم الذين نسبوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وذريته إلى الألوهية والنبوة ووصفوهم من الفضل من الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد وخرجوا عن القصد فهم ضلال كفار ( 2 ) .

ولا أحتاج إلى حشد النصوص والأدلة على براءة الشيعة من الغلاة وأي موقف أشد صراحة من هذه المواقف التي ذكرتها . ولا يسع مؤمنا يؤمن بالله ورسوله ويصدر عن تعاليم الإسلام في سلوكه ثم ينزع إلى الغلو في عقيدة أو بشر إلا من ضرب الله على بصيرته .

ولأجل وضوح موقف الشيعة من الغلاة انطلقت الأصوات الموضوعية تشهد ببراءتهم من ذلك ، ومن هذه الأصوات : مؤلفوا دائرة المعارف الإسلامية فقد جاء في دائرة المعارف : الزيدية والإمامية الذين يؤلفون المذهب الوسط يحاربون الشيعة
الحلوليين حربا شعواء - الحلولي لا نعتبره من الشيعة كما مر - ويعتبرونهم غلاة يسيئون إلى المذهب بل يعتبرونهم مارقين عن الإسلام ( 3 ) . ويقول الدكتور أحمد محمود في نظرية الإمامة عند ذكره للبابية والبهائية :


* ( هامش ) *
( 1 )الإمام الصادقلأسد حيدر ج4 ص 150 .

( 2 )
شرح عقائد الصدوقللشيخالمفيد باب الغلاة .
( 3 )

دائرة المعارف الإسلاميةج14 ص 63 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 167



وفي البابية آراء غالية جعلت منها مذهبا منشقا تماما عن الإسلام ، واتفق علماء الأزهر في مصر وعلماء الشيعة في العراق وإيران على تكفير البابية والبهائية وأغلق المحفل البهائي في مصر ( 1 ) .
وقد استعرض الدكتور أحمد أمين حركة الغلاة فقال : إن أفرادا بسطاء هم الغلاة الذين يؤلهون عليا وإن الشيعة تبرأ منهم ولا يجوز عندهم الصلاة عليهم ( 2 ) .
هذه أمثلة بسيطة في موضوع الغلو والغلاة أضعها أمام الذين دأبوا على رمي الشيعة بالغلو ولست أنفي أن يكون بعض من شمله اسم الشيعة بمعنى انتمائه إلى الفئة التي تفضل عليا أو قل للتشيع بمعناه اللغوي قد نسبت له آراء وأقوال تفيد الغلو وقد
بادوا وبادت معهم آراؤهم ولا يوجد اليوم منهم أحد إلا في بطون الكتب ومن ذلك ما ذكره البغدادي في الفرق بين الفرق حيث قال : الإمامية من الرافضة هم خمس عشرة فرقة هي : الكاملية ، والمحمدية ، الباقرية ، والناووسية ، والشمطية ، والعمارية
، والإسماعيلية ، المباركية ، والموسوية ، والقطعية ، والاثنا عشرية ، والهشامية ، والزرارية ، واليونسية ، والشيطانية ، ( 3 )

وتعقيبا على قول البغدادي نذكر أن الإمامية هم الإثنا عشرية وهم جمهور الشيعة اليوم ولا يوجد من الشيعة غيرهم وغير الزيدية والإسماعيلية في هذه الآونة ، ثم إن الاثني عشرية الذين هم مدار بحثنا يمتازون عن غيرهم بعقائدهم ولا يصح أن
تنسب إليهم آراء غيرهم لأنه يجمعه معهم الاسم وشئ آخر هو أن من ذكرهم البغدادي قد يمثلون لكل فرقة ذكرها بضعة أفراد
ليس إلا ، وهذا اللون من الخبط والتساهل تعلمنا أن نرى مثله كثيرا في كتاب الفرق لابن طاهر وغيره خذ مثلا ما يقول ابن
طاهر في كتابه الفرق بين الفرق عن جابر بن يزيد الجعفي يقول : جابر بن يزيد الجعفي من المحمدية وهم أصحاب محمد بن عبد الله بن الحسن ينتظرون ظهوره وكان يقول برجعة الأموات إلى الدنيا قبل القيامة ( 4 ) .


* ( هامش ) *
( 1 )نظرية الإمامةص 436 هامش .
( 2 )

فجر الإسلامص 2371 .
( 3 )

الفرق بين الفرقص 53 .
( 4 )

الفرق بين الفرقص 44 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 168



ولم يكن جابر من أتباع محمد بن عبد الله بن الحسن ، ولا كان يقول برجعة مطلق الأموات وإنما كان يقول برجعة بعض أهل البيت لروايات سمعها ليس إلا ، وهكذا يكون التحقيق عند أمثال ابن طاهر من الكتاب كأن مسألة العقائد أمر بهذه السهولة بحيث ينسب للناس ما لم يقولوه ويرجعهم إلى فئة ليسوا منها .

وأعود لموضوع الغلاة فأقول قد اتضح للقارئ موقف الشيعة من الغلاة ولكن مع ذلك تجد باحثا كالزبيدي صاحب تاج العروس يعرف الإمامية في كتابه التاج فيقول : الإمامية هم فرقة من غلاة الشيعة ( 1 ) ،

وتجد الدكتور محمود حلمي في كتابه تطور المجتمع الإسلامي العربي يقول : وقد سموا بالشيعة لأنهم شايعوا عليا وقدموه على سائر أصحاب رسول الله ( ص ) واستشهد أهل الشيعة بنصوص من القرآن الكريم فسروها على حسب نظريتهم وغالى بعض الشيعة في تبرير أحقية علي بن أبي طالب وأضفى عليه بعض صفات التقديس والألوهية ( 2 )

إنك لتستغرب لهجة هؤلاء الكتاب خصوصا بعض كتاب مصر فإنهم يصورون الشيعة كأنهم أناس لا إيمان لهم ولا دين يتلاعبون بالنصوص من دون رقيب من الله تعالى ولا ضوابط من علم وخلق : وإنهم والله أولى بذلك ، وإلا فما الدليل على
ما ذكره محمود حلمي وهذه كتب الإمامية بين يديه فليدلنا على مكان تنسب فيه الشيعة الحلول والألوهية إلى علي وسوف لا يجد ذلك قطعا إنهم يصدرون فيما يقولون عن عدم شعور بالمسؤولية : * ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا )
* الكهف / 5 والأنكى من ذلك أن تجد من تأثر بهؤلاء الكتاب من قريب أو بعيد وهو من الشيعة وتراه يكتب بنفس الأسلوب ورحم الله من يقول : وظلم ذوي القربى أشد مضاضة * على المرء من وقع الحسام المهند
يقول الدكتور كامل مصطفى في كتابه : وبذلك يتبين أن الغلاة وإن كانوا مغضوبا عليهم من الشيعة المعتدلين وأئمتهم : قد أسسوا العقائد الأصلية للتشيع


* ( هامش ) *
( 1 )تاج العروسج8 ص 194 . ( 2 )تطور المجتمع الإسلاميص 48 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 169



من بداء ، ورجعة ، وعصمة وعلم لدني بحيث صارت مبادئ رسمية للتشيع فيما بعد ولكن على صورة ملطفة انتهى ، وظهر لي أن الدكتور كامل أخذ ذلك من تصريح ابن نوف وهو أحد أصحاب المختار وهو قد أخذها من المختار ( 1 ) وأعيد إلى
الذاكرة أن العقائد قد أخذها الشيعة من القرآن والسنة كما برهنا عليه فيما مر ، ثم لو قدر أن ابن نوف هذا أو المختار قد قالا قولا خاصا بهما فما ذنب الشيعة ومن هو ابن نوف حتى يمثل الشيعة ؟ ! وإذا كان الدكتور كامل يعترف بأن الغلاة مغضوب
عليهم من الشيعة وأئمتهم فكيف تأخذ الشيعة منهم وهي إنما غضبت عليهم لغلوهم إذا كانت هذه العقائد من الغلو وهو ليس منه في شئ ، أليس هذا هو التناقض بعينه ؟ وإذا كنا نعذر حلمي وأمثاله لأنهم لم يأخذونا من مصادرنا فما عذر مثل كامل الشيبي
وهو من الشيعة ويعيش بين مصادرهم . وليس هذا بالاستنتاج الوحيد من الدكتور كامل الذي لا نقره عليه بل له استنتاجات كثيرة من هذا النوع ومنها : أنه عندما استعرض مصادر القول بالرجعة عند الشيعة ذكر أن من مصادرها كلمات للإمام علي
( ع ) وردت في نهج البلاغة عندما أظفره الله تعالى بأصحاب الجمل وقال له بعض أصحابه : وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك فقال له أمير المؤمنين ( ع ) : أهوى أخيك معنا ؟ قال : نعم ، قال : فقد شهدنا ، لعل الإمام يشير إلى الآية : * ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) * 169 / آل عمران .
ولكن الخبر يتوجه إلى الرجعة بكل ما فيها من عبرة وعمق بل إن بقية الخبر تنفذ إلى أغوار بعيدة من فلسفة الرجعة وحكمتها فإن الإمام يقول : ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمن ويقوى بهم الإيمان
، ومن ذلك يبدو أن عليا لا يكتفي بتقرير عودة الماضين في الجهاد ليقطفوا ثمرة جهادهم بل يقرر أن المجاهدين الآتين يحضرون هذا النصر ، ليزيد ذلك من أيدهم ويربط على قلوبهم وتلك أمور فيها من


* ( هامش ) *
( 1 )الصلة بين التصوف والتشيع - فصل الغلاة . ( * )




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 170



الأفلاطونية القديمة والحديثة مدخل كبير انتهى كلامه ( 1 ) .
وأنا أضع هذا النص بين يدي القارئ ليرى ما هو المقدار الصواب من هذه الاستنتاجات التي أوردها الدكتور والآثار التي رتبها عليها والاكتشافات الأفلاطونية التي ذكرها ، وأعقب على ذلك بما يلي :
أولا : إذا كان هذا النص واردا في الرجعة فمعنى هذا أن الإمام عليا ( ع ) هو الذي وضع عقيدة الرجعة وليس الغلاة كما يقول الدكتور كامل .
ثانيا : إن هذا النص وبكل بساطة أجنبي كما ذكره الدكتور ولا صلة له بالمرة بالمعاني التي ذكرها وكل ما في الأمر أن هذا النص يفيد معنى الرواية " من أحب عمل قوم حشر معهم وشاركهم في عملهم " ولذلك سأل الإمام علي ( ع ) الرجل عن
هوى أخيه هل هو مع أمير المؤمنين ( ع ) وأصحابه فلما أجابه بنعم قال : " لقد شهدنا " أي أنه شاركنا بمشاعره ثم قال له الإمام : إن جميع من سيرعف بهم الزمان وهم على رأينا سيشاركوننا بعد ذلك بحصول الثواب والفرح بالنصر ، وكم لهذا
الموضوع من نظائر ، ومن ذلك ما رواه مؤرخو واقعة الطف حيث قالوا : إن جابر بن عبد الله زار الحسين ( ع ) بعد قتله فقال في الزيارة : " أشهد أنا شاركناكم فيما أنتم فيه " فقال له رفيقه الأعمش : إن القوم قطعت رؤوسهم وجاهدوا حتى قتلوا
فكيف شاركناهم نحن فيما هم فيه ؟ فقال له جابر : إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحاب الحسين ذكر ذلك أصحاب المزارات كافة ، هذا هو معنى كلام الإمام علي ( ع ) لا كما ذهب إليه الدكتور .
أين موضع الغلو أعود بعد ذلك لأضع بين يدي الأستاذ فرغل بضع روايات من مئات من نوعها تدله على موضع الغلو ليعلم أن الغلو عند غير الشيعة ، وعلى أسوأ


* ( هامش ) *
( 1 )الصلة بين التصوف والتشيعص 114 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 171



الفروض فإن عند السنة أضعاف ما عند الشيعة ، وسأبدأ معه من الخلافة وأتسلسل معه .
1 - الشاهد الأول : ذكر الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في كتابه عمدة التحقيق في بشائر آل الصديق قال روي أن النبي ( ص ) قال يوما لعائشة : إن الله لما خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة مرة وأربعين مرة - مع ملاحظة أن
حجم الشمس كما يقول الفلكيون مليون وثلثمائة ألف مرة تقريبا - وجعلها على عجلة وخلق للعجلة ثمانمائة عروة وستين عروة وجعل في كل عروة سلسلة من الياقوت الأحمر ، وأمر ستين ألفا من الملائكة المقربين أن يجروها بتلك السلاسل مع قوتهم
التي اختصهم الله بها ، والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تجول في القبة الخضراء وتجلو جمالها على أهل الغبراء وفي كل يوم تقف على خط الاستواء فوق الكعبة لأنها مركز الأرض : - ملاحظة : خط الاستواء ليس فوق الكعبة - وتقول يا
ملائكة ربي إني لأستحيي من الله عز وجل إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة التي هي قبلة المسلمين أن أجوز عليها والملائكة تجر الشمس لتعبر على الكعبة ، بكل قوتها فلا تقبل منهم وتعجز الملائكة عنها فالله تعالى يوحي إلى الملائكة ومن الإلهام
فينادون : أيتها الشمس بحرمة الرجل الذي اسمه منقوش على وجهك المنير إلا رجعت إلى ما كنت فيه من السير ، فإذا سمعت ذلك تحركت بقدرة المالك فقالت عائشة : يا رسول الله من الرجل الذي اسمه منقوش عليها ؟ قال : هو أبو بكر
الصديق يا عائشة قبل أن يخلق الله العالم علم بعلمه القديم أنه يخلق الهواء ويخلق على الهواء هذه السماء ويخلق بحرا من الماء ويخلق عليه عجلة مركبا للشمس المشرقة على الدنيا وإن الشمس تتمرد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء وإن الله
قدر أن يخلق في آخر الزمان نبيا مفضلا على الأنبياء وهو بعلك يا عائشة على رغم الأعداء ونقش على وجه الشمس اسم وزيره أعني أبا بكر صديق

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 172



المصطفى فإذا أقسمت الملائكة عليها به زالت الشمس وعادت إلى سيرها بقدرة المولى وكذلك إذا مر العاصي من أمتي على نار جهنم وأرادت النار أن تهجم على المؤمن فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه ترجع النار إلى ورائها هاربة ( 1 ) .
2 - الشاهد الثاني : ذكر محمد بن عبد الله الجرداني في مصباح الظلام قال : روي عن ابن عباس جاء جبرئيل وقال يا محمد اقرأ عمر السلام وأخبره أن رضاه عز ، وغضبه حلم ، وليبك الإسلام بعد موتك على موت عمر قال : يا جبرئيل أخبرني عن فضائل عمر وما له عند الله تعالى ؟ فقال : يا محمد لو جلست معك قدر ما لبث نوح لم أستطع أن أخبرك بفضائل عمر وما له عند الله تعالى ( 2 ) .

3 - الشاهد الثالث : ذكر الإمام أحمد في مسنده بإسناده عن عائشة : أن أبا بكر استأذن على رسول الله ( ص ) وكان مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه وساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ، ثم استأذن عمر فأذن له
وهو كذلك فتحدث ، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله ( ص ) وسوى ثيابه فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهش له ولم تباله ، ثم دخل عمر فلم تهش له ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلس فجلست وسويت ثيابك فقال : ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ( 3 ) .

هذه ثلاثة نماذج من عشرات من الروايات : التي يأباها الخلفاء أنفسهم فإن لهم من مواقفهم ومناقبهم ما يكفيهم إنهم ليسوا بحاجة إلى أن تشاد لهم صروح من خيال أبله كما أن تاريخنا الإسلامي أعز علينا من أن نرضى بأن تكون


* ( هامش ) *
( 1 )عمدة التحقيقص 184 . ( 2 )مصباح الظلامج2 ص 216 . ( 3 )مصباح الظلامج2 ص 16 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 04:47 PM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 173



مادته من هذا التخريف ، فإن لنا من محتويات تاريخنا الناصع ما هو محل اعتزاز الإنسانية وإلحاقا بهذا أشفع لك هذه الروايات ببعض النماذج الأخرى التي خلقها التنافس بين المذاهب بدون أن يلتفت إلى أنه بذلك يحط من قيمة المذاهب كلها .

يقول ابن الجوزي في كتابه الياقوتة : إن أبا حنيفة كان في حياته يعلم الخضر ولما مات أسف الخضر وناجى ربه وقال إلهي إن كان لي عندك منزلة فأذن لأبي حنيفة حتى يعلمني من القبر على حسب عادته حتى أتعلم شرع محمد على الكمال فأحياه الله تعالى وتعلم منه العلم إلى خمسة وعشرين سنة الخ ( 1 ) .

فمن هو الذي يقول بالرجعة يا مسلمون ؟ ويقول ابن الجوزي في كتاب المناقب على علي بن إسماعيل قال : رأيت القيامة قد قامت وجاء الناس إلى قنطرة ولا يترك أحد يجوز حتى يأتي بخاتم ورجل جالس ناحية يختم للناس ويعطيهم فقلت : من هذا ؟ قالوا : أحمد بن حنبل ( 2 ) .

وبوسعك أن تقرأ روايات في الإمام مالك وفي الإمام الشافعي وفي كثير من الفقهاء والأئمة مما نسج من الخيال ووضع في طريق القارئ يؤذي ذوقه ويخدش حسه ، وبعد ذلك فماذا يسمى مثل هذا هل هو غلو أم لا سؤال موجه للأستاذ فرغل ؟ .
وسأقدم لفرغل نموذجا واحدا فقط يقول صاحب تفسير روح البيان : عند تفسير قوله تعالى : * ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) * إن نصف الثمانية الذين ذكرتهم الآية هم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ، ما يقول مولانا فرغل في ذلك ؟ ؟ ! !


* ( هامش ) *
( 1 ) الإمام الصادقلأسد حيدر ج5 ص 117 . ( 2 )المصدر السابق ج3 ص 470 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 04:48 PM
هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 174

الفصل الخامس من عقائدنا - المهدي

ما رأيت كاتبا كتب عن الشيعة إلا واتخذ من عقيدتهم بالمهدي وسيلة للسخرية والتهريج ووضع للفكرة حواشي ورتب عليها لوازم وأشرع سلاحه وتفيهق بكلامه وصال وجال كأنه اكتشف كشفا ضخما وأنه وحده العبقري وأن الآخرين بلهاء ، ولنر من أين جاءت فكرة المهدي وهل أخذها الشيعة من مصدر ديني سليم أم لا ؟
وهكذا نمشي مع الفكرة ، إن الذين كتبوا عن المهدي ربطوا مصدر هذه الفكرة بأمرين أحدهما الفكر الوضعي والآخر العقيدة الدينية ، والذين ربطوا العقيدة بالفكر الوضعي انقسموا أيضا . وسنذكر أقوالهم حسب الشق الذي مالوا إليه ورجحوا أنه المصدر لهذه الفكرة :

1 - القسم الأول : الذين ربطوا فكرة الإمام المهدي بالفكر الوضعي في بعده النفسي يرون أن عقيدة المهدوية ليست وقفا على الفكر الشيعي ولا على المسلمين فقط بل ولا على الديانات السماوية كلها إنما هي على مستوى الشعوب وذلك أن العامل
المشترك بين كل هذه الفئات هو عامل نفسي موحد : وهو الشعور بوضعية غير عادلة من حكم قائم بالفعل وخزين متراكم من حكام سابقين عاشوا مع شعوبهم على شكل قاهر ومقهور ، ومتسلط ومسحوق ، ورزحوا تحت نيز الظلم والطغيان . ولذا كانت هذه العقيدة عند الشعوب الشرقية ونظائرها ممن يشترك

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 175

مع الشعوب الشرقية بأنه مسحوق ، وحيث أن بعض هذه الشعوب عنده عقيدة دينية تبشر بالمهدي أيضا : فإن هذه العقيدة مهمتها تدعيم هذا العامل النفسي وخلق لون من المشروعية لهذه النزعة في نفوس الناس وهذا هو المعنى الذي عبر عنه
برتراند رسل بقوله : ليس السبب في تصديق كثير من المعتقدات الدينية الاستناد إلى دليل قائم على صحة واقع كما هو الحال في العلم ، ولكنه الشعور بالراحة المستمد من التصديق فإذا كان الإيمان بقضية معينة يحقق رغباتي فأنا أتمنى أن تكون هذه القضية صحيحة وبالتالي فأعتقد بصحتها ( 1 ) .

إذا فالقدر الجامع بناء على هذا هو الأمل بظهور مخلص من واقع سيئ تعيشه الجماعة ، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد محمود : إن الاعتقاد بظهور مسيح أو انتظار رجعة مخلص وليد العقل الجمعي في مجتمعات تفكر تفكيرا ثيوقراطيا في شؤونها
السياسية ، وبين شعوب قاست الظلم ورزحت تحت نير الطغيان ، سواء من حكامهم أم من غزاة أجانب ، فإزاء استبداد الحاكم وفي ظل التفكير الديني تتعلق الآمال بقيام مخلص أو محرر يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ( 2 ) .
فهذه العقيدة بالرغم من وجود مصادر دينية لها عند المسلمين واليهود والمسيحيين إلا أن هذه المصادر ليست هي العامل الأساسي في نظر هؤلاء بالاعتقاد بها ، وإنما تلعب دورا مبررا ثانويا ، ويرى الدكتور أحمد محمود أن عقيدة السنة بالصبر
على الظالم وعدم الخروج عليه عمقت نزعة المهدي وتركت الوسط الديني السني الذي يعتقد بموضوع المهدي يعيش بين عامل الألم من الواقع الفاسد الذي عاشه أيام الأمويين وما تلاها من عصور ، وبين ضرورة الخلاص ، فمال إلى الخلاص
في المدى الأبعد الذي وجده في عقيدة المهدي وقد حاول إشراك


* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمامة ص 420 . ( 2 ) نفس المصدر السابق ص 399 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 176

الشيعة في ذلك باعتبارهم صابرين على الظلم حيث قال : إن هذه العقيدة لا يؤمن بها إلا أولئك الذين يعانون صراعا نفسيا نتيجة السخط على تصرفات الحكام وعدم استحقاقهم لقب الخلافة لفسقهم ، ونتيجة خضوعهم من ناحية ثانية للأمر الواقع أما
خشية الفتنة كما هو عند السنة ، الذين لا يرون الخروج على أئمة الجور استنادا إلى أدلة عندهم ، أو نتيجة للتخاذل بسبب فشل كثير من الحركات الثورية كما هو عند الشيعة الذين يرون الصبر على الخلفاء تقية فعقيدة المهدي مخرج لهذا الصراع ،
أما الفرق التي تجعل من أصول مبادئها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف كالخوارج والزيدية : فإن هذه العقيدة عندهم غير ذات موضوع ، إلى أن قال : ولذا لا تبلغ أهمية المهدي عند فرقة من الفرق كما تبلغ عند الشيعة الاثني عشرية الذي يتطرف حكمهم على الخلفاء من ناحية كما يتطرف تحريمهم الخروج على الخلفاء من ناحية أخرى ( 1 ) .

هذا ملخص ما قاله الدكتور أحمد محمود ولنا على مضامين هذا الفصل الملاحظات التالية :
1 - الملاحظة الأولى : أن هذا خلط بين السبب وبعض نتائجه ذلك لأن الشعوب المرتبطة بدين معين تربط مظاهرها العقائدية بدينها في الجملة ، فإذا لم يوجد مصدر ديني لذلك المظهر يبحث عندئذ عن سببه الآخر ، ولا شك أن الأديان الثلاثة بشرت
بفكرة المخلص وهو إما واحد للجميع يوحد به الله تعالى الأديان في الخلاص من الظلم ، أو متعدد لكل أمة من الأمم مهديها ، والهدف منه ومن التبشير به أن يوضع أمام كل أمة مثل أعلى يجسد فكرة العدل ولتكون الشعوب على تماس مباشر مع الفكرة
الخيرة والمثل الأعلى كما هو متصور فالأصل في فكرة المهدي النصوص الدينية ، وساعد على ترسيخها في النفوس ارتياح النفوس إليها ، خصوصا إذا لم تقو على تجسيد العدل لسبب ما . ولكنها إذ تتخذ من فكرة المهدي وسيلة تعويضية


* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمام ص 127 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 177

تمسخ الغرض الأصلي من فكرة المهدي وهو أن تكون حافزا يدفع الناس إلى السعي إلى دفع الظلم وفكرة قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصوصا إذا كانت النصوص الدينية قائمة في تحميل الإنسان مسؤولية الدفاع عن نفسه وعن
مقدساته بغض النظر عن قيام المهدي وعدمه كما هو واقع التعاليم الدينية ، فلا ينبغي أن تتحول فكرة الإمام المهدي من نصب مثل أعلى لاستشعار سبل ومناهج الحياة الكريمة إلى مخدر يميت في النفوس نزعات التطلع ووثبات الرجولة ، أو من محفز إلى منوم .

2 - الملاحظة الثانية : إن إشراك الشيعة مع السنة بأنهم لا ينهضون ضد الظالم تقية مغالطة صريحة ، وذلك لأن عامل صبر السنة على الظلم عامل اختياري نتيجة تمسك بأحاديث يرون صحتها في حين أن صبر الشيعة على الظلم نتيجة عامل قهري
لعدم وجود قدرة ووسيلة للنهضة ، وهذا عامل عام عند كل الناس ، أما لو وجدت عوامل النهضة فلا ينتظر الشيعة خروج المهدي ليصلح لهم الأمر بدليل أن حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطهما قائم عندهم فعلا ، وكذلك الجهاد بكل
أقسامه بوجود نائب الإمام الخاص أو العام في رأي بعضهم قائم بالفعل ، أما دفاع الظالم عن النفس والمقدسات فلا يشترط فيه وجود إمام أو نائبه على رأي جمهور فقهاء الشيعة لأنه دفاع عن النفس ويتعين القيام به في كل وقت من الأوقات ( 1 ) .

إن الرجوع إلى تاريخ الشيعة يشكل أدلة قائمة على ما ذكرناه لكثرة ثوراتهم على الباطل في مختلف العصور والجهاد مع باقي فرق المسلمين في ساحات الجهاد ضد الكفر والظلم ولست بحاجة للإطالة بذلك لوضوحه .

2 - الملاحظة الثالثة : لا ينهض اشتراك الشعوب في عقيدة المهدي دليلا على وحدة العامل ، لأننا


* ( هامش ) *
( 1 ) شرح اللمعة للشهيد الثاني ج2 ص 381 ، وكنز العرفان للمقداد ج1 ص 342 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 178

نرى كثيرا من المظاهر السلوكية سواء كانت مظاهر دينية أم لا تشترك بها شعوب دون أن تصدر عن علة واحدة . خذ مثلا ظاهرة تقديم القرابين فهي عند معتنقي الأديان السماوية شعيرة أمر بها الدين بهدف التوسعة على الفقراء والمعوزين في حين
نجدها عند بعض الشعوب بهدف اتقاء سخط الآلهة ، وعند البعض الآخر لطرد الأرواح الشريرة وعند البعض الآخر تقدم الضحايا من البشر بهدف استدرار الخير كما هو عند قدماء المصريين ، فلم تكن العلة واحدة عند الشعوب كما ترى ، إذا فمن
الممكن أن تكون فكرة الإمام المهدي ليست عملية تعويض أو تنفيس وإنما هي فكرة تستهدف وضع نصب يظل شاخصا دائما يذكر الناس بأن الظالم قد يمهل ولكنه لا يهمل لأن الناس إذا تقاعسوا عن طلب حقوقهم فإن السماء لا تسكت بل لا بد من
الانتقام على يد مخلص ، مع ملاحظة أن الأصل في مثل هذه الحالات أن يتصدى الناس لتقويم الإعوجاج ولذلك يقول الله تعالى : * ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) * الرعد / 12
فإذا غلب عليهم التخاذل فإن الله تعالى لا يهمل أمر عباده ولذلك تشير الآية الكريمة وهي قوله تعالى * ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) * يوسف / 110 وقد حام
المفسرون حول هذا المعنى الذي ذكرناه عند تفسيرهم للآية المذكورة ( 1 ) وذكروا أن السماء تتدخل عندما يطول البلاء وتشتد الحالة ويهلع الناس إلى حد اليأس .

2 - الشق الثاني : الذين ربطوا فكرة الإمام المهدي ( ع ) بالأخذ التقليدي وقالوا إنها عبارة عن اقتباس أخذه المسلمون عن بعض الشعوب من دون أن يكون هناك عامل شعوري مشترك وسواء أخذت هذه العقيدة من هذا الشعب أو ذاك فإن جولد
تسهير ، وفان فلوتن : المستشرقان قالا إنها مقتبسة من اليهود بشكل وبآخر ، ويؤكد فان فلوتن أنها جاءت من تنبؤات كعب الأحبار ووهب بن منبه فهي من


* ( هامش ) *
( 1 ) صفوة البيان لمخلوق ج1 ص 397 ، ومجمع البيان للطبرسي ج3 ص 271 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 179

الأفكار الإسرائيلية التي نشرت بين المسلمين ( 1 ) .
في حين يذهب أحمد الكسروي إلى أنها مقتبسة من الفرس حيث يقول : لا يخفى أن قدماء الفرس كانوا يعتقدون بإله خير يسمى يزدن ، وإله شر يسمى أهريمن ، ويزعمون أنهما لا يزالان يحكمان الأرض حتى يقوم ساوشيانت ابن زرادشت النبي ،
فيغلب أهريمن ويصير العالم مهدا للخير وقد تأصل عندهم هذا المعتقد فلما ظهر الإسلام وفتح المسلمون العراق وإيران واختلطوا بالإيرانيين سرى ذلك المعتقد منهم إلى المسلمين ونشأ بينهم بسرعة غريبة ولسنا على بينة من أمر كلمة المهدي من وضعها ومتى وضعت . إنتهى بتلخيص ( 2 ) .
إن هذا الرأي لا يستحق المناقشة في الواقع لأسباب كثيرة منها : افتراضه تساهل المسلمين بحيث يعتقدون بأمور لا يعرفون مصدرها ومنها عدم وجود صلة بين فكرة إلهي خير وشر وفكرة مخلص ، ومنها أن حجم مسألة المهدوية ليس بهذه البساطة فالفكرة من الفكر الكبيرة الحجم بالعقيدة الدينية .

3 - الشق الثالث : ربط فكرة المهدي بالفكر الوضعي في بعده السياسي ويقول أصحاب هذه الفكرة أن فكرة المهدي اخترعها بعض الحكام الذين حكموا ولم تتوفر فيهم صفات يفترضها المسلمون في الحاكم ، فافترضوا أن هناك إماما غائبا محررا
سيظهر بعد ذلك وقد عهد إليهم بالقيام بالحكم إلى أن يظهر وقالوا إلى المختار الثقفي ممن سلك هذا الطريق وادعى أنه منصوب من قبل المهدي من آل محمد ، وممن أكد هذا الرأي المستشرق وات ( 3 ) وهذا الرأي يضع الأثر مكان المؤثر فإن
الذين اتخذوا من فكرة المهدي سنادا لهم على فرض وجودهم بهذه الكثرة : لا بد أن تكون فكرة المهدي شائعة عند الناس قبل مجيئهم فاستفادوا منها وركبوا ظهر العقيدة ، على أن نسبة هذا الرأي للمختار باعتباره جزءا من العقيدة الكيسانية


* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمامة ص 399 . ( 2 ) التشيع والشيعة ص 35 . ( 3 ) تاريخ الإمامية وأسلافهم ص 165 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 180

فنده كثير من المحققين ، وحتى مع فرض صحته يبقى متأخرا عن وجود عقيدة المهدي كما ذكرنا . وليس للمختار تلك المكانة الكبيرة عند فرق المسلمين حتى يأخذوا عنه ويتأثروا بآرائه مع التفات المسلمين لهدفه .

عقيدة المسلمين بالمهدي إن فكرة الإمام المهدي في نطاق العقيدة الدينية بغض النظر عن تفاصيلها موضع اتفاق جمهور المسلمين فإن روايات المهدي وانتظار الفرج على يديه وظهوره ليملأ الأرض عدلا وردت عند كل من الشيعة والسنة ،
وممن رواها من أئمة السنة : الإمام أحمد في مسنده ، والترمذي في سننه ، وأبو داوود في سننه ، وابن ماجة في سننه ، والحاكم في مستدركه ، والكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان وابن حجر العسقلاني في القول المختصر
في علامات المهدي المنتظر ، ويوسف بن يحيى الدمشقي في عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر ، وأحمد بن عبد الله أبو نعيم صاحب الحلية في نعت المهدي ، ومحمد بن إبراهيم الحموي في مشكاة المصابيح ، والسمهودي في جواهر العقدين وعشرات من أعلام السنة وغيرهم ( 1 ) لا أريد الإطالة بذكرهم .

وقد أخرج أئمة السنة أحاديث المهدي عن طريق الإمام علي ( ع ) وابن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وطلحة ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، وأم سلمة ، وغيرهم . ومن تلك الأحاديث ما رواه ابن عمر بسنده عن النبي ( ص ) :
يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، ذلك هو المهدي ، وكقول النبي ( ص ) : المهدي من عترتي من ولد فاطمة ، وقد صحح هذه الأحاديث وغيرها مما ورد في الإمام المهدي : ابن تيمية


* ( هامش ) *
( 1 ) راجع أعيان الشيعة ج4 ص 348 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 181

مستند إلى مسند الإمام أحمد بن حنبل وصحيح الترمذي ، وسنن أبي داوود ( 1 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) نظرية الإمامة ص 405 .

Dr.Zahra
20-08-2007, 04:50 PM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 181

وقد ذهب ابن حجر تبعا للنصوص إلى تكفير منكر المهدي فقد أجاب في الفتاوى الحديثية حين سئل عمن ينكرون خروج المهدي المنتظر
فقال : فهؤلاء المنكرون للمهدي الموعود به آخر الزمان وقد ورد في حديث عن أبي بكر الإسكافي أن النبي ( ص ) قال : من كذب بالدجال فقد كفر ، ومن كذب بالمهدي فقد كفر ، إلى أن قال : ونملي عليك من الأحاديث المصرحة بتكذيب هؤلاء
وتضليلهم وتفسيقهم ما فيه مقنع وكفاية لمن تدبره : أخرج أبو نعيم أنه ( ص ) قال : يخرج المهدي وعلى رأسه عمامة ومعه مناد ينادي هذا خليفة الله فاتبعوه ، ثم أخذ يورد الأحاديث الواردة في المهدي ( 1 ) .

هذه بعض المأثورات السنية في الإمام المهدي ، أما الشيعة فرواياتهم في موضوع الإمام المهدي بكل جوانبه كثيرة واردة عن النبي ( ص ) وأهل بيته ، وقد ألفوا في ذلك كتبا كثيرة استوفت وغطت كل التساؤلات حول موضوع الإمام المهدي : مثل
كتاب الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني ، وكمال الدين وتمام النعمة لمحمد بن علي بن بابويه القمي ، وكتاب الغيبة لمحمد ابن الحسن الطوسي ( 2 ) وغيرهم كثير وقد تناولها فكتب بالمهدي كل من الصدوق في علل الشرائع ، والمرتضى في تنزيه
الأنبياء والمجلسي في البحار والمفيد في الفصول ، وفي الإرشاد ومن المتأخرين كتب عشرات المؤلفين بالمهدي وأشبعوا الموضوع .

وقد استعرضوا الأدلة في موضوع المهدي وأذكر من أدلتهم دليلين فقط :
1 - فمن الأدلة العقلية التي أوردوها دليل اللطف ومفاد هذا الدليل : أن العقل يحكم بوجوب اللطف على الله تعالى وهو فعل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية ويوجب إزاحة العلة وقطع العذر بما لا يصل إلى حد الإلجاء لئلا يكون للناس على الله حجة فكما أن العقل حاكم بوجوب إرسال الرسل وبعثة


* ( هامش ) *
( 1 ) الإمام الصادق ج6 ص 146 . ( 2 ) أعيان الشيعة ج4 ص 388 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 182

الأنبياء ليبينوا للناس ما أراد الله منهم وللحكم بينهما بالعدل : كذلك يجب نصب الإمام ليقوم مقامهم تحقيقا لنفس العلة ، فإن الله لا يخلي الأرض من حجة ، وليس زمان بأولى من زمان في ذلك ، إلى آخر ما أوردوه .

2 - أما من الأدلة النقلية فذكروا ما يلي : قال الله تعالى * ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم ) * فقد فسرت هذه الآية كما عن الإمام الصادق ( ع ) بخروج
المهدي وتحقيق هذه الأشياء على يديه ( 1 ) وقد قيل إن لسان هذه الآية عام يشير إلى تحقيق هذه الأمور على أيدي المسلمين فأجابوا أن القرائن تفيد أن هذه الأمور لم تتحقق على النحو الذي ذكرته هذه الآية من مجئ الإسلام حتى يومنا هذا ، ووعد
الله لا بد من تحقيقه ، وتلك قرينة على تحققه في المستقبل ، يضاف لذلك أن من أساليب القرآن الكريم أن يعبر عن الخاص بصيغة العام وعن المفرد بالجمع في كثير من الموارد ، ولذلك قال الفخر الرازي عند تفسير قوله تعالى : * ( يا أيها الذين
آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) * الخ المائدة : / 57 . قال : إنها نزلت في أبي بكر بقرينه أنه هو الذي قاتل المرتدين مع أن لسان
الآية عام ( 2 ) ، ومن الأحاديث التي استدل بها الشيعة في موضوع المهدي ما رواه الطوسي في الغيبة عن النبي ( ص ) : لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهدي ( 3 ) ، هذه فكرة موجزة أردت بها الإشارة إلى إجماع المسلمين على موضوع المهدي .

وحينئذ لا يبقى قيمة لأقوال المهرجين الذين يريدون إبعاد الفكرة عن الإسلام غير عابئين بما ورد فيها من آثار ونصوص ، وإذا كان البعض قد استغل الفكرة عبر التاريخ فما ذلك بموجب لنكرانها ورمي من يعتقد بها


* ( هامش ) *
( 1 ) أعيان الشيعة ج4 ص 389 . ( 2 ) تفسير الرازي ج3 ص 416 . ( 3 ) أعيان الشيعة ج4 ص 390 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 183

بالتخريف ، وما أسهل نفي فكرة إذا كانت لا تلتقي مع مصلحة شخص أو كان يجهلها . على أنني لا أصحح جميع ما أحاط بها من ذيول بل لا بد من الاقتصار على ما تثبت صحته بالطرق المعتبرة ويجدر بالبعض أن يبتعد عن التهريج الذي يصل
ببعضهم إلى القول : ما آن للسرداب أن يلد الذي * صيرتموه بزعمكم إنسانا فعلى عقولكم العفاء لأنكم * ثلثتموا العنقاء والغيلانا إن هؤلاء تسرعوا فقالوا بما لا يعرفون وإننا نقول لأمثال هؤلاء سلاما كما أمر القرآن الكريم .
المردود الإيجابي في عقيدة المهدي بقي أن نعرف ما هي حصيلة عقيدتنا بوجود المهدي فإن تقييم مثل هذه الأمور يصحح كثيرا من التصورات الخاطئة عن أمثال هذه العقائد خصوصا إذا عرفنا أن العقائد فواعل بالنفوس .

1 - المردود الأول : فأول المردودات الإيجابية بهذه العقيدة حصول الامتثال لأمر الله تعالى بهذه العقيدة ككل العقائد ، فإن المفروض أن النصوص تحتم الإيمان بها كما ذكرنا آراء العلماء بذلك .

2 - المردود الثاني : الشعور بقيام الحجة على العباد لله تعالى بوجود الإمام إذ لو حصلت الكفاية بغيره لما حصل الخلاف بين المسلمين ، فإن قيل إن الخلاف حاصل بالفعل قيل : إن ذلك ناتج من عدم الالتزام بإمامته ، بالإضافة إلى الشعور بالتسديد في آراء العلماء لوجود الإمام بين أظهرهم وإن لم يعرفوه .

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 184

3 - المردود الثالث : في وجود المهدي لطف يقرب العباد إلى الله تعالى لشعورهم بأن الله تعالى يهيئ لإقامة العدل ورفع الظلم ، فإن قيل إن رفع الظلم يجب أن يحدث بالأسباب الطبيعية من قبل الناس : قيل إن ذلك صحيح ولكن إذا تهاونوا بذلك
فلا بد أن يدافع الله تعالى عن الذين آمنوا ، فإن قيل إن ذلك يحصل بالآخرة ، قيل إن مثل ذلك كمثل إقامة الحدود في الدنيا مع أن المجرم لا يترك بالآخرة ، هذه بعض الفوائد في موضوع الإمام المهدي وليست هي علة تامة بل حكمة ونحن نتعبد بما ورد في النصوص ، وهناك فوائد أخرى ذكرتها المطولات وغطت أبعاد المسألة يمكن الرجوع إليها .

المردود السلبي في عقيدة المهدي
1 - المردود الأول : إن أول المردودات السلبية أن هذه الفكرة تشل الإنسان وتمنعه عن القيام بواجباته وتخدر الإنسان وتتركه خائفا ذليلا بانتظار ظهور الإمام ليأخذ له بحقه ، وقد صور بعضهم شدة لهفة الشيعة لانتظار ظهور الإمام بأن قسما
من الشيعة لا يصلون مخافة أن يخرج الإمام وهم مشغولون بالصلاة فلا يستطيعون اللحاق به ( 1 ) وهذا التصور مردود جملة وتفصيلا فلا أحتاج إلى إكثار القول فيه بل ألفت النظر إلى كتب فقه الإمامية فإن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ووجوب الدفاع عن النفس قائم بالفعل ولا يرتبط بالمهدي من قريب أو بعيد ومن ادعى خلاف ذلك فليدلنا على المصدر ، أما الدعاوى الفارغة والقول البذئ فمردود على القائل وهو به أولى ، ومن قفا مؤمنا بما ليس فيه حسبه الله تعالى في ردغة الخبال ، كما يقول الحديث النبوي الشريف ( 2 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) منهاج السنة لابن تيمية ج1 ص 29 .
( 2 ) تفسير الفخر الرازي عند قوله تعالى * ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) * الخ . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 185

2 - المردود الثاني : أن الإيمان بفكرة المهدي يؤدي إلى الازدراء بالعقل لما في ذلك من مفارقات مثل طول العمر غير المعتاد ، وغيبته من الأبصار ، وعدم وجود فائدة في إمام كهذا وغير ذلك .
والجواب على ذلك بالاختصار : أن الشيعة لا يجعلون بقاءه هذه المدة أمرا طبيعيا وإنما هو معجزة لأنهم يقولون لما ثبت بالأدلة وجوده وغيبته والوعد بظهوره فلا بد والحالة هذه من الإيمان بذلك بالإضافة لعدم خلو الزمان من إمام مفترض الطاعة
، وبناءا على أن وجوده معجزة ينقل حينئذ الكلام إلى المعجزات ككل فأما أن تصدق أو تكذب وإذا كذبناها كذبنا الثابت في الإسلام أما أنه لا يرى فليس بمعلوم بل يجوز أن يرى ولا يعرف ويستفاد بآرائه لأنه يشترك مع الناس بالآراء ويلقي بالرأي
الصحيح ، يبقى الكلام على عدم تعليل اختفائه ، وما أكثر العقائد والأحكام التي لا نجد لها علة ونقول بمضمونها مثل رمي الجمرات في الحج ، والهرولة ، ومعاقلة المرأة الرجل إلى ثلث الدية وأعداد ركعات الصلاة وهكذا . فإنها كلها أحكام غير معللة بل معظم الأحكام هكذا ، وكذلك كثير من العقائد .

3 - المردود الثالث : الازدواجية التي تحصل من وجود إمام تجب طاعته ولا يحكم وآخر يحكم ولا تجب طاعته ، والجواب أن فقهاء الإمامية بالجملة في حال غيبة الإمام يقرون حكومة الحاكم العادل الذي يرعى مصالح المسلمين ويحمي ثغورهم ويجاهد عدوهم ويرتبون المشروعية على تصرفاته بالجملة .

أما بعد فهذه إلمامة موجزة بفكرة الإمام المهدي أردت أن أذكر من يكتبون عنها فيصورون الشيعة كأنهم اقتبسوا أحكامهم من كسرى وقيصر مع وفرة ما أوردناه من أحاديث حول فكرة المهدي فهل يسع مسلما يؤمن بالله نكرانها أو رميها بعيدا عن
الإسلام ، اللهم إلا أن يقال إن أحاديث المهدي دسها الشيعة في كتب السنة كما قيل ذلك في موارد أخر فإن بعضهم إذا لزمته الحجة بحديث قال ذلك ،

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 186

وعليه يجب أن نرمي كل كتب التراث بالبحر إذا كانت قابلة لهذا التصور ولا يبقى بها ثقة إرضاء لسواد عيون بعض من لا يروق له الإذعان للحق ويطربه أن يتأصل الخلاف بين المسلمين إننا مدعوون إلى حمل شعار القرآن : * ( إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) * الأنبياء / 92

وما أروع إيماءة القرآن بالأمر للأمة بعبادة الله عقب ذكر وحدة الأمة ففي الآية إشارة إلى أن كثيرا من الناس يعز عليهم وحدة الأمة لأن مصلحتهم المادية في فرقتها ولأن أصناما من العصبية في رؤوسهم يعبدونها وقد أمرهم الله تعالى بنبذها وعبادته وحده لأنه وحد الأمة وصهرها بكلمة التوحيد .

Dr.Zahra
20-08-2007, 04:52 PM
التقية وأحكامها


- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 186




التقية وأحكامها

ومما الصق بالشيعة وأصبح لا يتخلف عنهم عندما يخطرون في الذهن وكأنه عضو منهم خاصة دون باقي المسلمين : التقية ، والذي ساعد على ذلك أن التشيع انفرد على مدى تاريخه بالتعرض إلى ضغط يفوق الوصف لأنه يشكل جبهة المعارضة في
وقت لا معنى للمعارضة إلا العداء وليس كما تعطيه لفظة المعارضة من مدلول في الوقت الحاضر ، وكان اعتياديا أن يتعرضوا إلى مطاردة وتنكيل ، وكان لا بد من المحافظة على أنفسهم من الإبادة التامة فلجئوا إلى التقية باعتبارها وسيلة يقرها
الدين للاحتماء بها عند الضرورة ورووا لها سندها من الكتاب والسنة وكان من الأولى أن يمدحوا على ذلك لأنهم استعملوا ما أمر به الشارع لحفظ النفس عند الخطر ، ولئلا يعرضوا إلى أحد أمرين إما الإبادة ، أو الانهيار ، والارتماء في أحضان
الظالمين كما فعل غيرهم ممن آوى إلى فراش الحكم والحكام يرتع في موائدهم ويعيش في حمايتهم ويتكلف الأدلة لتصبح آراؤهم منسجمة مع الشرع ، كما قال ابن خلكان في ترجمة أبي يوسف القاضي : قال : إن زبيدة زوجة الرشيد كتبت إلى
أبي يوسف القاضي ما ترى في كذا ، وأحب الأشياء إلي أن يكون الحق فيه كذا فأفتاها بما أحبت فبعثت إليه بحق فضة فيه حقاق فضة


- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 187



مطبقات في كل واحد لون من الطيب وفي جام دراهم وسطها جام فيه دنانير ، والخ ( 1 ) . وقد كان للشيعة مندوحة عن كل ما عانوه من الجور والظلم بشئ من مجاراة الحكام ولكنهم أبوا ذلك وتصلبوا من أجل مبادئهم إلا في حالات شاذة .
على أن هناك ظاهرة ألفت النظر إليها : وهي أن الشيعة منذ تعرضوا للضغط عاشت عندهم التقية على مستوى الفتاوى ولم تعش على المستوى العملي بل كانوا عمليا من أكثر الناس تضحية وبوسع كل باحث أن يرجع إلى مواقف الشيعة مع معاوية
وغيره من حكام الأمويين وحكام العباسيين كحجر بن عدي وميثم التمار ورشيد الهجري وكميل بن زياد ومئات غيرهم وكمواقف غيرهم وكمواقف العلويين على امتداد التاريخ وثوراتهم المتتالية .
وبعد هذا فإن القول بالتقية لم ينفرد به الشيعة بل هم في ذلك كسائر المسلمين وذلك واضح من آراء المسلمين عند شرحهم للآيات الكريمة والأحاديث الواردة في هذا الخصوص . فمن الآيات الكريمة التي وردت في هذا الموضوع قوله تعالى :
* ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) * آل عمران / 28 وقوله تعالى : * ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) * النحل / 106 .
أما الأحاديث فمنها ما ذكره البخاري في صحيحه كتاب الأدب باب المداراة مع الناس عن النبي ( ص ) إنا لنكشر في وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم( 2 ) .
وكقوله : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه( 3 ) ذكر ذلك ابن العربي عند تفسيره للآية 106 من سورة النحل ، وكقول النبي ( ص ) :


* ( هامش ) *
( 1 )وفيات الأعيانج2 ص 465 . ( 2 )البخاريج4 ص 43 . ( 3 )أحكام القرآنلابن العربي ص 1166 تسلسل عام . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 188



لمحمد بن مسلمة ومن معه لما أرسلهم لقتل كعب بن الأشرف فقالوا : يا رسول الله أتأذن لنا أن ننال منك ؟ فأذن لهم ( 1 ) وقد انقسم المسلمون في مفاد هذه النصوص ودلالتها على التقية إلى أقسام قال بعضهم بجوازها بالقول دون الفعل ، وعممها
بعضهم إلى الفعل ، واختلفوا في وجوبها مطلقا ، أو جوازها مطلقا أو التفصيل فتجب في بعض الموارد وتجوز في أخرى وسأذكر لك في الفصل القادم آراء بعض فقهاء المسلمين لأخذ صورة عن الموضوع وذلك بعد مدخل بسيط لصلب الموضوع
: تعريف التقية : عرف المفسرون التقية بأنها : " إخفاء المعتقد خوفا من ضرر هالك ، ومعاشرة ظاهرة مع العدو المخالف والقلب مطمئن بالعداوة والبغضاء ، وانتظار زوال المانع من شق العصا "( 2 ) .

وعرفها الشيخ المفيد في كتابه أوائل المقالات بأنها : " كتمان الحق وستر الاعتقاد به ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدنيا والدين " ( 3 ) والمؤدى واحد في كل ومن التعريفين .

وبعد تعريف التقية أعود إلى آراء فقهاء المذاهب الإسلامية في أحكام التقية المختلفة . أقوال فرق المسلمين فيها
1 - المعتزلة : أجاز المعتزلة التقية عند الخطر المهلك وعند خوف تلف النفس وفي ذلك يقول أبو الهذيل العلاف : إن المكره إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ويكون وزر الكذب موضوعا عنه ( 4 ) .


* ( هامش ) *
( 1 )المصدر السابق ج2 ص 1257 .

( 2 )
دراسات في الفرق والعقائدص 45 .
( 3 )

أوائل المقالاتص 66 .
( 4 )

الإنتصار للخياط 8 ص128 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 189



2 - الخوارج : إنقسم الخوارج حول التقية إلى ثلاثة أقسام ، فقسم وهو الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق منعوا التقية ونددوا بمن يعمل بها بشدة وكفروا القاعدين عن الثورة بوجه الظلم والظالمين ، وفي ذلك يقول نافع بن الأزرق : التقية لا تحل
والقعود عن القتال كفر واضح لقوله تعالى : * ( إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله ) * الخ النساء / 77 . ولقوله تعالى : * ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) * المائدة / 55 .
والقسم الثاني وهم النجدات أتباع نجدة بن عويمر فقد أجازوا التقية في القول والعمل ولو أدى ذلك إلى قتل النفس التي حرم الله .
والقسم الثالث وهم الصفرية أتباع زياد بن الأصفر فكانوا وسطا بين هؤلاء وهؤلاء فأجازوها في القول دون الفعل ، كما نص على ذلك عنهم الشهرستاني ( 1 ) وأدلتهم قابلة للمناقشة ولست بصدد ذلك .

3 - أهل السنة : التقية عند السنة بالإجماع جائزة في القول دون العمل ، ويذهب بعضهم إلى الوجوب فيقول بوجوبها في بعض الحالات ومنهم الغزالي حيث يقول في ذلك : إن عصمة دم المسلم واجبة فمهما كان القصد سفك دم مسلم فالكذب فيه
واجب ( 2 ) وقد اقتصر بعضهم على الرخصة بالتقية إذا كان المسلم بين كفار يخافهم على نفسه أو ماله ومن هؤلاء القائلين بالرخصة الرازي المفسر والطبري كذلك في تفسيريهما عند قوله تعالى : * ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) * ( 3 ) بينما ذهب
قسم آخر من العلماء إلى أن التقية متعينة ليست بين الكفار فقط بل حتى إذا كان المسلم بين مسلمين شابهت حالهم الحال مع الكافرين أي في حال عدم قدرة المسلم على


* ( هامش ) *
( 1 )المل والنحلهامش الفصل ج4 ص 68 .
( 2 )

إحياء العلومج3 ص 119 .
( 3 )

تفسير الطبريج3 ص 229، وتفسير الرازيعند تفسير الآية المذكورة . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 190



إظهار عقيدته المذهبية بين مسلمين من فرق أخرى وممن ذهب لهذا الرأي الإمام الشافعي وابن حزم الظاهري ( 1 ) . وحكم التقية كباقي الأحكام باق إلى يوم القيامة خلافا لمن قصره على أيام ضعف الإسلام وفي ذلك يقول الفقهاء : إنها جائزة للمسلم
إلى يوم القيامة ، مستندين إلى قول النبي ( ص ) لعمار ابن ياسر لما قال للنبي ( ص ) ما تركوني حتى نلت منك فقال له : إن عادوا فعد لهم بما قلت ، ذكر ذلك البيضاوي في تفسيره الآية 106 من سورة النحل فراجعه .

4 - رأي الشيعة بالتقية : لا يختلف الشيعة عن السنة في القول بالتقية فإنها عندهم وسيلة أرشد إليها الشرع لحفظ النفوس الواجب حفظها ، وحفظ باقي الأمور التي أمر الشرع بحفظها هذا كل هدف التقية عندهم لا غير ، وليس كما يقول البعض إن الشيعة اتخذوا من التقية أداة للختل والمراوغة والازدواجية ولأجل المؤسسات السرية الهدامة ( 2 ) .

والتقية عند الشيعة تختلف باختلاف المقام فقد تكون واجبة وقد تكون مباحة وقد تكون محرمة ، ولذلك تجد عبارات فقهاء الشيعة قد ذكرت الحالات الثلاث يقول ابن بابويه القمي : إعتقادنا في التقية : أنها واجبة وأن من تركها فكأنما ترك فرضا لازما كالصلاة ، ومن تركها قبل ظهور المهدي فقد خرج عن دين الله ودين نبيه والأئمة ،

بينما يقول الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان : التقية جائزة عند الخوف عن النفس وقد تجوز في حال دونه عند الخوف على المال ولضروب من الاستصلاح ، وأقول إنها قد تجب أحيانا من غير وجوب وأقول إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وليس تجوز في الأفعال في قتل المؤمنين وما


* ( هامش ) *
( 1 )المحلىلابن حزم ج8 ص 335 ، والمسألة 1408 . ( 2 )ضحى الإسلامج3 ص 246 . ( * )




- هوية التشيع - الدكتورالشيخ أحمد الوائلي ص 191



يغلب أنه استفساد في الدين ( 1 ) .
بينما يقول فقيه شيعي معاصر : وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر وليس هي بواجبة على كل حال بل قد يجوز أن يجب خلافها في بعض الأحوال كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين
وخدمة للإسلام وجهاد في سبيله فإنه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعز النفوس ، وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجا للباطل ، أو فسادا في الدين ، أو ضررا بالغا على المسلمين بإضلالهم أو إفشاء الظلم
والجور فيهم ، إلى أن قال : إن عقيدتنا في التقية قد استغلها من أراد التشنيع على الإمامية فجعلوها من جملة المطاعن فيهم وكأنهم لا يشفى غليلهم إلا أن تقدم رقابهم - أي رقاب الشيعة - إلى السيوف لاستئصالهم ( 2 ) .

ومن هذه المقتطفات التي ذكرتها يتضح أن التقية تتبع الحالات والظروف وتكون محلا للأحكام المذكورة تبعا لاختلاف العناوين ، وقد سبق أن ذكرنا استدلالات الشيعة للتقية من الكتاب والسنة ، ولذلك كان الإمام الصادق ( ع ) يقول : " التقية ديني ودين
آبائي " وخصوصا في عصره حيث كانت السيوف هي اللغة الوحيدة ، وقد حاول بعضهم أن يفلسف من موقف الإمام الصادق ومواقف الشيعة في التقية بأن التقية علاج لأمرين :
أ - هو أن سكوت أئمة أهل البيت عن المطالبة بحقهم والتصدي للظالمين من ناحية ، ومن ناحية أخرى إن المفروض أنهم الأئمة المفترضة طاعتهم ، إن ذلك يشكل تناقضا لا مخرج منه إلا التقية ، قال بذلك كل من الرازي في كتابه محصل آراء المتقدمين والمتأخرين والملطي في كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ( 3 ) .


* ( هامش ) *
( 1 )أوائل المقالات 97 . ( 2 )عقائد الإماميةللمظفر ص 87 . ( 3 )التنبيه والرد بحت التقية . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 05:32 PM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 192

ب - والأمر الثاني هو ما يظهر من اختلاف في أقوال الأئمة بعضهم مع بعض وفي أقوال الإمام الواحد في مقامات مختلفة مما يشكل علامة استفهام ودفعا لذلك قالوا بالتقية حتى لا يبقى إشكال في ذلك ، محصل قولهم ذكره صاحب كتاب دراسات في الفرق والعقائد ( 1 ) .

إن هذا الباحث يظهر من تصويره لمسألة التقية عند الأئمة أنه اختلط عليه المقسم بالقسم ، وذلك أن الموردين الذين ذكرهما إنما هما من موارد تطبيق مبدأ التقية لا أن التقية أنشئت من أجلهما ، هذا مع أن هذا الباحث وهو الدكتور عرفان من أكثر الناس إنصافا للشيعة فيما كتب عنهم بالقياس إلى غيره فانظر لما كتبه حولهم ( 2 ) .

وقد اعتبر كثير من الكتاب أن موقف الإمام الصادق ( ع ) من التشديد على التقية فيه ضعف وتخاذل بينما الواقع أن الإمام بموقفه هذا حفظ أصحابه من هجمات شرسة فقدت صوابها ولم يعد لها من منطق غير المخلب والناب وفي مثل هذه الحالات
لا بد من الحكمة ، وسأذكر لك صورا مصغرة عما كان عليه الحال : يقول الخطيب البغدادي بسنده عن أبي معاوية قال : دخلت على هارون الرشيد فقال لي : لقد هممت أن من يثبت الخلافة لعلي أن أفعل به وأفعل قال أبو معاوية : فسكت ، فقال
لي : تكلم ، قلت : إن أذنت لي ؟ قال : تكلم ، قلت : يا أمير المؤمنين قالت تيم منا خليفة رسول الله ، وقالت عدي منا خليفة رسول الله ، وقالت بنو أمية : منا خليفة الخلفاء ، فأين حظكم يا بني هاشم ، والله ما حظكم إلا ابن أبي طالب فسكت ( 3 )
لقد أحسن الرجل الدخول وعرف من أين يأتيه ، وهنا نقول إذا كان من يذكر حق علي بالخلافة يصنع به ما يصنع فما رأي هؤلاء المتفيهقين في أيام الرخاء الذين لم تلفح وجوههم النار ولم يعضهم الحديد .


* ( هامش ) *
( 1 ) دراسات في الفرق والعقائد ص 35 .
( 2 ) دراسات في الفرق والعقائد ص 42 .
( 3 ) الإمام الصادق لأسد حيدر ج2 ص 310 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 193

على أن هناك شيئا آخر وهو أن أئمة المسلمين الآخرين اضطروا إلى استعمال التقية فيما تعرضوا له من مواقف ، ومن ذلك ما ذكره أحمد بن أبي يعقوب المعروف باليعقوبي عند استعراضه لموقف الإمام أحمد بن حنبل أيام المحنة والقول بخلق القرآن
قال : لما امتنع أحمد بن حنبل من القول بخلق القرآن وضرب عدة سياط قال إسحاق بن إبراهيم للمعتصم ولني يا أمير المؤمنين مناظرته فقال : شأنك به ، فقال إسحاق للإمام أحمد ما تقول في خلق القرآن ؟ فقال الإمام أحمد : أنا رجل علمت
علما ولم أعلم فيه بهذا ، فقال : هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أم علمته من الرجال ، فقال أحمد : بل علمته من الرجال ، فقال إسحاق . علمته شيئا بعد شئ قال نعم ، قال إسحاق : فبقي عليك شئ لم تعلمه ؟ فقال : نعم ، قال : فهذا مما لم
تعلم وعلمكه أمير المؤمنين ، فقال أحمد : فإني أقول بقول أمير المؤمنين : فقال إسحاق به خلق القرآن ، قال أحمد في خلق القرآن فاشهد عليه ، وخلع عليه وأطلقه إلى منزله ( 1 ) .

ولهذا قال الجاحظ في حواره مع أهل الحديث بعد أن ذكر محنة الإمام أحمد ابن حنبل وامتحانه : قد كان صاحبكم هذا - يعني الإمام - يقول لا تقية إلا في دار الشرك فلو كان ما أقر به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية فلقد أعملها في دار
الإسلام وقد أكذب نفسه ، ولو كان ما أقر به على الصحة والحقيقة فلستم منه وليس منكم على أنه لم ير سيفا مشهورا ولا ضرب ضربا كثيرا ، ولا ضرب إلا الثلاثين سوطا مقطوعة الثمار مشبعة الأطراف حتى أفصح بالإقرار مرارا ، ولا كان
في مجلس ضيق ، ولا كانت حالته مؤيسة ، ولا كان مثقلا بالحديد ، ولا خلع قلبه بشدة الوعيد ، ولقد كان ينازع بألين الكلام ويجيب بأغلظ الجواب ويزنون ويخلف ويحلمون ويطيش ( 2 ) .
على أن سيرة المسلمين بالفعل قائمة على التقية فهناك أمور لا يقرها بعض


* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ اليعقوبي ج3 ص 198 . ( 2 ) الإمام الصادق لأسد حيدر ج2 ص 310 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 194

المسلمين وهي قائمة عندهم .
خذ مثلا بقاء قبر النبي ( ص ) فإن الوهابيين لا يتركون قبرا قائما فقد رووا في الصحاح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي ابن أبي طالب ( ع ) ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( ص ) ألا أدع قبرا قائما إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته
وعلى هذه الرواية استند الوهابيون أو هي أحد مستنداتهم في تهديم القبور ( 1 ) ولكنهم لم يتعرضوا لقبر النبي مع أن لسان الرواية عام لم يستثن قبرا وليس ذلك إلا تقية من المسلمين .

وقد كان خبر أبي الهياج سببا للتهريج عند ابن تيمية على الشيعة مع أن الرواية ما ثبتت عندهم من ناحية سندها ، لقد شحن ابن تيمية كتابه بقوارص من الشتم يأباها خلق الإسلام وأدب القرآن ومن ذلك أنه إذا مر بذكر العلامة ابن المطهر الحلي يسميه بابن المنجس ( 2 ) .

في حين كان العلامة في خصومته مع العلماء في غاية التهذيب وبوسع القارئ أن يرجع إلى الكتابين الذين طبعا معا وأن يحكم على الأسلوبين ليرى الفرق بينهما .
وإلى هنا أرجو أن أكون قد وضعت بين يدي القارئ فكرة عن التقية كافية لأخذ صورة عن الموضوع ولا يخلو الواقع المعاصر من تقية متجسدة عند مختلف الشعوب .


* ( هامش ) *
( 1 ) منهاج السنة لابن تيمية ج1 ص 333 . ( 2 ) المصدر السابق ج1 ص 13 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 05:41 PM
هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 195

الباب الرابع وفيه فصول
استهدفت فيما قدمته من بحوث توضيح هوية التشيع عرقيا وفكريا ، وكنت قد ذكر ت سابقا أن قصة عبد الله بن سبأ تؤلف جزءا من كل يراد من ورائه مسخ صورة التشيع ولئلا يقول القارئ إن مسألة ابن سبأ لا يمكن أن تكون أمرا وهميا فإني أقدم
له هنا نماذج من المفتريات على الشيعة مقطوعة الكذب حتى يرى بأم عينه صدق دعوانا . إن هذه الأمور التي سيرد ذكرها وغيرها تحتم إعادة النظر في محتوى تاريخنا وعقائدنا ومحاولة تصحيح هذا المحتوى لأن بقاء هذه الذخيرة الفاسدة في تاريخنا
سيظل يعمل عمل السوس في أسس البناء حتى ينهار البناء فجأة ولا يكون ضحية هذا الانهيار إلا المسلمون أنفسهم ، أما من كتب بهذه الأمور وسطرها فقد مضى إلى ربه وسيقف أمام حكم عدل ، ولكننا نحن ملزمون في تصحيح أوضاعنا فلا يجوز
بحال من الأحوال أن نلقح أنفسنا وأبنائنا ضد مرض الحصبة مثلا وهو لا يمكث إلا بضعة أيام ، ولا نلقح أنفسنا ضد الفرقة والتناحر ، وضد الأوبئة الفكرية التي تبقى ويبقى أثرها طويلا ، وقد آن الأوان لأقدم لك نماذج من هذه المفتريات .

النموذج الأول : في الجمع بين النساء الجمع بين النساء وعددهن ، وجمهور المسلمين على أنه لا يجوز للحر أن يجمع زيادة على أربع زوجات لقوله تعالى : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) * النساء / 3 ، وللسنة الشريفة التي
حددت الزوجات بأربع كما سيأتي ، والشيعة في ذلك كسائر فرق المسلمين لا يبيحون الجمع بين أكثر من أربع زوجات ، وعندهم حتى لو طلق الرجل زوجة واحدة من الأربع فلا يجوز له

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 198

أن يكمل العدد برابعة حتى تنتهي عدة المطلقة ، وقد أجمعوا على ذلك وإليك نموذجين من أقوالهم :
أولا - : يقول الشهيد الأول في اللمعة : لا يجوز للحر أن يجمع زيادة على أربع حرائر أو حرتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة ، ولا للعبد أن يجمع أكثر من أربع إماء أو حرتين أو حرة وأمتين ، ولا يباح له ثلاث إماء وحرة ( 1 ) .

ثانيا - : يقول المقداد السيوري في كنز العرفان : الحصر في الأربع وعدم جواز الزائد في النكاح الدائم إجماعي ، وحتى المنقطع عند كثير من فقهائنا لقول النبي ( ص ) لغيلان لما أسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن أي باقيهن ، ولقول الإمام الصادق ( ع ) لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر ( 2 ) .

وبوسع القارئ أن يرجع لأي كتاب فقهي من كتب الإمامية في باب النكاح ليرى أن هذه المسألة إجماعية عندهم ، ومع ذلك استمع إلى بعض فقهاء المسلمين من أهل السنة الذين يجب أن يكونوا قدوة في الأمانة والصدق :
أ - : يقول ابن حزم في المحلى لم يختلف في أنه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة : أحد من أهل الإسلام وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يحل لهم عقد الإسلام ( 3 ) .

ب - قال محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي : وأجاز الروافض تسعا من الحرائر ، ونقل عن النخعي وابن أبي ليلى - أي جواز التسع - وأجاز الخوارج ثماني عشرة ، وحكي عن بعض الناس إباحة أي عدد شاء بلا حصر : وجه الأول : أنه بين العدد المحلل بمثنى وثلاث ورباع بحرف الجمع


* ( هامش ) *
( 1 ) شرح اللمعة ج2 ص 73 . ( 2 ) كنز العرفان ج2 ص 141 . ( 3 ) المحلى لابن حزم ج6 ص 441 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 199

والحاصل من ذلك تسع ، ووجه الثاني ذلك إلا أن مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرر على ما عرف في العربية ، فيصير الحاصل ثمانية عشر ، ووجه الثالث العمومات من نحو فانكحوا ما طاب لكم من النساء ، ولفظ مثنى وثلاث ورباع
تعداد عرفي لا قيد ، كما يقال خذ من البحر ما شئت قربة أو قربتين أو ثلاثا ، ويخص الأولين تزوجه تسعا والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل ، إلى آخر ما أورده ، ثم شرع يقدم أدلته على الحصر بأربع ( 1 ) .
وقد اتضح من قول ابن الهمام أمران :
أولهما نسبة إباحة التسع للإمامية وهو محض اختلاق ونتحدى من يذكر لنا مصدرا واحدا يقول بذلك من الشيعة ،
وثانيهما أن هناك من أهل السنة من يقول بإباحة التسع والأكثر من التسع كما نص عليه ، ابن الهمام نفسه .

ج‍ - يقول محمد أبو زهرة في الأحوال الشخصية : إن بعض الشيعة يجوز الزواج بتسع حرائر لأن معنى قوله تعالى : * ( مثنى وثلاث ورباع ) * يعني اثنين وثلاثة وأربعة ( 2 ) وهذا من أبي زهرة كأمثال له كثيرة ، إن الرجل فيما أعرفه من مؤلفاته كثير التساهل فيما ينسبه للغير ، ولا يحتاط بالنقل وللمناقشة مكان غير هذا لأن موارد تساهله كثيرة تحتاج إلى جهد ومكان .

وبعد ما ذكرته سأقدم لك الأدلة على أن هذا الرأي عند أهل السنة وليس عند الشيعة كما مر عليك :
1 - يقول الكاساني علاء الدين في البدائع : لا يجوز للحر أن يتزوج أكثر من أربع زوجات من الحرائر والإماء عند عامة العلماء ، وقال بعضهم : يباح له الجمع بين التسع ، وقال بعضهم : يباح له الجمع بين ثمانية عشر ، واحتجوا بظاهر قوله
تعالى : * ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) * الخ فالأولون قالوا إنه ذكر هذه الأعداد بحرف الجمع وهو الواو وجملتها تسعة ، واستدلوا أيضا بفعل


* ( هامش ) *
( 1 ) شرح فتح القدير ج2 ص 379 . ( 2 ) الأحوال الشخصية ص 83 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 200

رسول الله وأنه تزوج تسع نسوة وهو قدوة الأمة ، والآخرون قالوا إن المثنى ضعف الاثنين والثلاث ضعف الثلاثة ، والرباع ضعف الأربعة وجملتها ثمانية عشرة ، إلى آخر ما ذكره وظاهر قوله إن هذه الآراء عند أهل السنة لأنه لو كان للشيعة رأي هنا لنص عليه كعادته ( 1 ) .

2 - يقول إبراهيم بن موسى الغرناطي الشاطبي صاحب الموافقات في كتابه الإعتصام : ثم أن بعض من نسب إلى الفرق ممن حرف - من الحرفة - التأويل في كتاب الله تعالى أجاز نكاح أكثر من أربع نسوة إما اقتداءا في زعمه بالنبي حيث أحل
له أكثر من ذلك ولم يلتفت إلى إجماع المسلمين أن ذلك خاص به ، وإما تحريفا لقوله تعالى : * ( فانكحوا ما طاب ) * الخ فأجاز الجمع بين تسع نسوة في ذلك فأتى ببدعة أجراها في هذه الأمة ( 2 )

وما ذكره الشاطبي هو عند السنة ولو كان عند الشيعة ، لنص عليه أولا ، وثانيا لتغيرت لهجته ، فإن لهجة هذا الرجل مع الشيعة أترك لك نعتها بعد أن تسمعها فاسمع قوله : " قال : يحكى عن الشيعة أن النبي أسقط عن أهل بيته ومن دان بحبهم :
جميع الأعمال ، وأنهم غير مكلفين إلا بما تطوعوا به ، وأن المحظورات مباحة لهم كالخنزير والزنا والخمر وسائر الفواحش ، وعندهم نساء يسمين النوابات يتصدقن بفروجهن على المحتاجين رغبة في الأجر ، وينكحون ما شاؤوا من الأخوات والبنات
والأمهات لا حرج عليهم ولا في تكثير النساء ، ومن هؤلاء العبيدية الذين ملكوا مصر وإفريقية ومما يحكى عنهم في ذلك أن يكون للمرأة ثلاثة أزواج وأكثر في بيت واحد يستولدونها وتنسب الولد لكل واحد منهم " إنتهى
وقد عقب عليه الناشر بالحاشية بقوله إنما يريد بعض فرق الشيعة الباطنية المارقين عن الإسلام ( 3 ) إني أدعو القارئ ليضع يده على أنفه لئلا يشم هذه الجيف ، وبعد ذلك أعقب على قوله بما يلي :


* ( هامش ) *
( 1 ) بدائع الصنائع ج7 ص 65 . ( 2 ) الإعتصام ج2 ص 44 . ( 3 ) الإعتصام ج2 ص 44 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 201

أولا - : إن العبيدين وغيرهم ليسوا من الشيعة الإمامية وإن كنت أعتقد جازما عدم صحة ما نسبه إليهم قياسا على ما نسبه لغيرهم وهو غير صحيح .

ثانيا - : لسنا الذين نبيح نكاح المحارم وحكم من يقع على إحدى محارمه عندنا القتل فراجع أي كتاب من كتب فقه الشيعة باب الحدود ، وإنما يقول الإمام أبو حنيفة من عقد على أمه أو أخته أو بنته ، عالما عامدا ودخل بها فلا يقام عليه الحد وإنما يعزر
لأن العقد أورث شبهة ( 1 ) . إذا فلسنا نحن الذين نتساهل في الاعتداء على المحارم كما أننا لا نريد التهريج على أبي حنيفة بل نرى رأيه هنا خطأ في تطبيق معنى الشبهة هنا على هذا العقد . ولأن المحارم ليست محلا للعقد .

ثالثا - : أنا أسأل الله تعالى أن يجعل حصيلة هذا القول في ميزان الشاطبي يوم يلقاه وسوف يسأله عن ذلك لأنه تعالى يقول : * ( من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) * 7 و 8 من سورة الزلزال ، وأنا إنما أطلت الكلام في
هذه المسألة وهي من البديهيات تقريبا حتى أوقفك على مدى أمانة بعض الناس ، ولست أدري بماذا يتعلل هؤلاء وحولهم كتب الشيعة تملأ المكتبات فهل ذكروا لنا كتابا واحدا يفتي بإباحة لحم الخنزير أو شرب الخمر إن الذي يقول بذلك غيرنا إذا أحببت
فراجع تفسير قوله تعالى : * ( ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ) * النحل / 76 في تفاسير أهل السنة لترى رأي الإمام أبي حنيفة حول النبيذ فرأيه معروف ،
ودعني أذكر لك فتوى واحدة من فتاواه توضح لك رأيه في هذا الموضوع يقول أبو زهرة في كتابه فلسفة العقوبة : والسبب في تساهل أبي حنيفة في موضوع بعض المسكرات هو أنه ثبت بالرواية عنده أن بعض الصحابة تناول بعض هذه الأشربة ، فامتنع عن تحريمها حتى لا يتهم الصحابة بالمعصية وقال في ذلك : لو غرقوني في الفرات لأقول إنها


* ( هامش ) *
( 1 ) بدائع الصنائع ج7 ص 35 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 202

حرام ما فعلت ، حتى لا أفسق بعض الصحابة ولو غرقوني في الفرات على أن أتناول قطرة منها ما فعلت ، فالأمر بالنسبة لأبي حنيفة احتياط لكرامة الصحابة واحتياط لدينه ( 1 ) ولست أفهم معنى الاحتياط هنا فإن الحرام حرام على الصحابة
وغيرهم ، إن استنتاج أبي زهرة لا يقبل بحال من الأحوال وصدق في تسمية كتابه فلسفة العقوبة فهو فلسفة غير ذات معنى أحيانا .

3 - الرأي الثالث الذي يدل على أن الجمع بين أكثر من أربع عند غير الشيعة ما ذكره ابن قدامة في المغني معلقا على قول المتن : وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحدا خالفه إلا شيئا يحكى عن ابن
القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعا لقوله تعالى : * ( فانكحوا ما طاب لكم ) * الخ والواو للجمع ، ولأن النبي ( ص ) مات عن تسع ، وهذا ليس بشئ لأنه خرق وترك للسنة ، فإن رسول الله قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة : أمسك
أربعا وفارق سائرهن ( 2 ) ومن ذلك يظهر أن لا قول للشيعة في المسألة فما أدري من أين جاء من ينسب هذا القول الشيعة بهذا القول . لقد أصبح هذا الخلط من الشاطبي وغيره زادا دسما للمستشرقين الذين أخذوا يؤكدون على أن الشيعة والصوفية يسقطون الشريعة ويحلون المحارم عند وصول الحقيقة ، والخ . ( 3 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) فلسفة العقوبة لأبي زهرة ص 183 .
( 2 ) المغني لابن قدامة ج6 ص 439 .
( 3 ) الحضارة الإسلامية لآدم متز ج2 ص 30 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 05:44 PM
الشك بالنبوة
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 202

لنموذج الثاني : الشك بالنبوة
وإذا كانت بعض الافتراءات على الشيعة قيلت ثم ماتت واندثرت ، وبعضها قيلت ولكنها لم تشتهر كما هو الحال في النموذج الأول الذي ذكرناه ، فإن

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 203

هذه الفرية التي سأذكرها تعيش فعلا وقد سئلت عنها حيثما ذهبت ، وبالرغم مما شرحته لمن سألني في أنها كاذبة ، فإني أعتقد أنها لم تمسح من أذهانهم ، فإن ما يشب عليه الإنسان ليس من السهل الخلاص منه إن هذه المسألة هي : أن الشيعة يعتقدون
أن الوحي أراده الله تعالى لعلي بن أبي طالب ولكن جبرئيل خان أو أخطأ فذهب بالوحي إلى النبي ، هذا ملخص الفرية المنسوبة للشيعة ولقد وضعت هذه الفرية على لسان الشعبي عامر بن شراحيل في مقالة سبق أن ذكرت مقطعا منها وبينت
كذب مضمونها ، والآن أذكر لك صدر الكلمة وما يتصل بموضوعنا منها فقد ذكر ابن شاهين عمر بن أحمد في كتابه اللطف في السنة ، كما ذكره ابن تيمية في منهاج السنة ، قال : حدثنا محمد بن أبي القاسم بن هارون حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي
حدثني جعفر بن نصير الطوسي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال : قال لي الشعبي : أحذركم أهل هذه الأهواء المضلة وشرها الرافضة ، لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة ، إلى أن قال : واليهود تبغض جبرئيل ويقولون هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة يقولون غلط جبرئيل بالوحي على محمد الخ ( 1 )

إن هذه الصورة التي وضعت على لسان الشعبي : أخذها ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل فنسبها لفرقة من الغلاة سماهم الغرابية : لأنهم قالوا إن عليا أشبه بمحمد من الغراب بالغراب ، ولذلك غلط جبرئيل بالوحي فذهب به لمحمد وهو مبعوث لعلي ولا لوم عليه لأنه اشتبه ، وبعضهم شتمه وقال بل تعمد ذلك ، هكذا رواه ابن حزم ( 2 )

في حين ذهب الرازي في كتابه إعتقادات فرق المسلمين إلى أنهم قالوا غلط ولم يتعمد ( 3 ) وقد عرفت أن منشأ الرواية الشعبي ونظرا لأهمية الموضوع فسأناقش هذه الرواية وأذكر لك سخفها وإن الذين وضعوها لم يتفطنوا إلى ما فيها من ثغرات :
أ - أول ما يقال في هذه الرواية أن الشعبي عندما كان يقارن بين اليهود


* ( هامش ) *
( 1 ) منهاج السنة ج 1 ص 16 . ( 2 ) الفصل بين الملل والنحل ج4 ص 183 . ( 3 ) اعتقادات فرق المسلمين ص 59 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 204

والشيعة يسمي الشيعة بالرافضة ، وهذا اللقب الذي نبز به الشيعة وفندناه سابقا ، ذكر مؤرخو السنة أنه عرف في آخر أيام زيد بن علي عندما طلب منه أفراد جيشه البراءة من الخليفتين فأبى فرفضه قوم منهم سموا بالرافضة هذه هي رواية هذا
اللقب وهذه الواقعة كانت سنة مقتل زيد أي 124 هجرية في حين أن الشعبي ولد سنة عشرين أو ثلاثين على رواية أخرى من الهجرة فالفرق بين وجوده والرواية سبعة عشر سنة لأنه مات سنة مائة وخمس من الهجرة ، فأما أن يكون لفظ الرافضة ورد قبل هذا وهو ما لا تقول به رواياتهم أو أن القصة مخترعة وهو الأصح ( 1 ) .

ب - إن رجال سند هذه الرواية بين متهم مثل عبد الرحمن بن مالك بن مغول فقد قالت عنه كتب التراجم بأنه ضعيف ، وكذاب ، ووضاع ، ويقول عنه الدارقطني متروك ، ويقول عنه أبو داوود كذاب وضاع ، ويقول عنه النسائي ليس بثقة ( 2 ) . وبين مجهول : كمحمد الباهلي ولم أجد لمحمد هذا أي ذكر في لسان الميزان وتاريخ بغداد وغيرهما .

ج‍ - سبق أن ذكرنا أن الشعبي يرمى بالتشيع وقد نص على تشيعه كل من ابن سعد والشهرستاني ولا يعقل أن يقول شيعي هذا القول .
د - وعلى فرض صحة جميع هذه المقدمات فمن هم هؤلاء الغرابية وكم عددهم وأين مكانهم وهل لهم من وجود خارجي ، أغلب الظن أنهم من المقلع الذي نحت منه عبد الله بن سبأ خلقتهم نفس الأهداف التي خلقته .
ه‍ - إن الذي يدعي نبوة شخص فلا بد أن يكون هذا النبي منصوبا من رب وهنا يقال هل أن هذا الرب الذي أرسل رسوله لنبيه كان يعلم أن هذا الرسول مغفل لا يفرق بين من أرسل إليه وغيره أم لا فإذا كان لا يعلم فهو لا * ( هامش ) *

* ( هامش ) *
( 1 ) راجع ترجمة الشعبي وفيات الأعيان ج1 ص 266 . ( 2 ) لسان الميزان ج‍ ص 427 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 205

يصلح للألوهية وإذا كان يعلم وأرسله مع علمه فأي رب هذا الذي يرسل من لا ينفذ أوامره أو أنه متواطئ مع جبرئيل فلا إشكال حينئذ .
و - أو ليس القرآن الكريم يقول عن جبرئيل : * ( مطاع ثم أمين ) * التكوير / 21 . ويقول عن النبي ( ص ) * ( ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) * الأحزاب / 40 . والشيعة مسلمون يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار فكيف لا يفهمون
ذلك ، اللهم إلا أن يقال كما قيل : إنهم يرون القرآن محرفا ، وقد فندنا هذا القول بما أوردناه من نصوص أن من الثابت عند المسلمين قول النبي ( ص ) لا نبي بعدي والمسلمون سمعوا منه ذلك .

ز - كل من له إلمام بالتاريخ يعلم مدى طاعة الإمام علي ( ع ) للنبي ( ص ) وجهاده بين يديه فكيف يجتمع ذلك مع علمه بأنه أخذ منه الرسالة إلا أن يقال إنه لا يعلم أن الرسالة هي له .
ح‍ - إن مصدر التشريع الأول والأساس هو القرآن الكريم عند كل فرق المسلمين ومنهم الشيعة فإذا نزل القرآن على مغفل بيد خائن فأي ثقة تبقى به بعد ذلك .
ط - ألا تكفي آلاف المنائر والمساجد عند الشيعة والتي تصرخ ليل نهار أشهد أن محمدا رسول الله للتدليل على أن هذه القصة فرية مفتعلة كأخواتها .
ي - إن كتب عقائد وفقه الشيعة تملأ الدنيا فهل يوجد في كتاب واحد منها ما يشير إلى هذه الفرية ونرضى بأن يكون حتى من المخرفين ممن نراهم عند فئة أخرى .

إننا نطالب بمصدر واحد اعتمد عليه هؤلاء في نقل ما نقلوه . وإذا كان العوام يتلقون أقوال رجال فكرهم بالقبول مهما كانت فما بال المثقفين يعيشون نفس العقلية وما فائدة العلم إذا لم يقوم تفكير الإنسان ، وإلى كم يبقى المسلمون يجترون ما أدخل إلى
أمعائهم يوما ما ، ليت هؤلاء يصارحونا بأن لهم مصالح في بقاء هذه المهازل إذا لأراحوا الأجيال ولكانوا صادقين مع أنفسهم كما صنع مروان ابن الحكم في لحظة من لحظات استيقاظ ضميره وقد سئل عن موقف الإمام علي ( ع ) .

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 206

من عثمان بالثورة فقال : ما كان أحد أدفع عن عثمان بن علي فقيل له : ما لكم تسبونه على المنابر ؟ فقال : لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك ( 1 ) .
ويبدو أن بعض الناس لا يصدق أن هذه الافتراءات لا أساس لها لأن تصديقه بذلك فيه تبرئة للروافض ومعناه ترك بعض الناس بدون عمل ، على أني لا أشك أن كثيرا من الناس لا مصلحة لهم في أمثال هذه التهم ولكن ليس من السهل التخلص من محتوى نفسي نشأ معهم خلال أدوار العمر ولكن ذلك لا يبرر الإصرار على الخطأ .

ك - إن الله تعالى يقول * ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ) * وعلي عند البعثة طفل ابن سبع سنين فالآية تنص على أن النبوة لا تكون إلا لرجل .
وفي ختام هذا الفصل يحسن بنا الإشارة إلى ما كتبه جهابذة الشيعة في كتب العقائد عن النبوة وشخص النبي الكريم ( ص ) في كتب العقائد وأنا ألفت النظر إلى عقائد الصدوق وأوائل المقالات للمفيد ، والشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء وغيرهم وأكتفي بفقرتين :
الأولى : يقول السيد محسن الأمين العاملي : إن من شك في نبوة النبي وجعل له شريكا في النبوة فهو خارج عن دين الإسلام ( 2 ) .
الثانية : يقول الرضا المظفر في عقائد الإمامية . نعتقد أن صاحب الرسالة الإسلامية هو محمد بن عبد الله وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين ، وأفضلهم على الإطلاق كما أنه سيد البشر جميعا لا يوازيه فاضل في فضل ولا يدانيه أحد في مكرمة ، وأنه لعلى خلق عظيم ( 3 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) الصواعق المحرقة لابن حجر ص 53 . ( 2 ) أعيان الشيعة ج1 ص 92 . ( 3 ) عقائد الإمامية ص 64 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 05:46 PM
رمي التشيع بالشعوبية
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 207

النموذج الثالث : رمي التشيع بالشعوبية
والشعوبية لغة : جمع شعوبي نسبة للشعب ، وقد تطلق ويراد بها النزعة العدائية للعرب ، وهي بالإطلاق الثاني مصدر صناعي ، والشعوبي في إطلاق آخر هو الذي يسوي بين العربي وغيره ولا يفضل العربي وقد اشتق هذا الاسم من الآية الكريمة * ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) * الحجرات / 13 .
وذلك لأن المسلمين من غير العرب دعوا إلى التسوية وكانت هذه الآية من شعاراتهم ، ومن شعاراتهم الحديث النبوي الشريف لا فضل لعربي على عجمي كلكم لآدم وآدم من تراب ، ثم توسع العرب فأطلقوا لفظ الشعوبي على من يحقر العرب وتوسعوا
بعد ذلك فأطلقوه على الزنديق والملحد ، معتبرين الزندقة والإلحاد مظهرا ينم على كره العرب لأنه كره لدينهم ، ثم أطلق بعد ذلك على الموالي .

أسباب نشوء الشعوبية : تنقسم الأسباب إلى قسمين : القسم الأول : فعل والثاني رد فعل ، وهذا الأخير أعني ردة الفعل : ملخصه أن العرب كانوا في الجاهلية ممزقين لا تجمعهم جامعة ، وكانت الدولة لغيرهم ، فجاء الإسلام ووحدهم وأوطأهم
عروش كسرى وقيصر فنظر العرب فجأة فإذا بهم أمة عظيمة بيدها أكثر من سلاح تخافها الأمم وينظر إليها الناس بإجلال باعتبارها المبشرة بالإسلام والحاملة لتعاليمه ، فنفخ ذلك فيهم روح الغرور وأخذوا يعاملون الشعوب التي افتتحوها معاملة
فيها كثير من الغطرسة والصلف ولم يسووهم بهم ، ومنعوا الموالي من الزواج بالعربية وسموا من يولد من زواج كهذا

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 208

هجينا ، وكانوا إذا نزل عربي بحي من أحيائهم فمن العار أن يباع عليه الطعام بيعا بل يقدم له بعكس الموالي : يقول جرير الشاعر : وقد نزل ببني العنبر فلم يضيفوه وباعوه القرى بيعا : يا مالك بن طريف إن بيعكم * رفد القرى مفسد للدين والحسب قالوا نبيعكم بيعا فقلت لهم * بيعوا الموالي واستحيوا من العرب ( 1 )

وذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون : لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة : حمار ، أو كلب ، أو مولى ، وكانوا لا يكنون المولى ولا يمشون معه في الصف ولا يواكلونه بل يقف على رؤوسهم فإذا أشركوه بالطعام خصصوا له مكانا ليعرف أنه مولى وكانت الأمة لا تخطب من أبيها وأخيها وإنما من مولاها وكانوا في الحرب يركبون الخيل ويتركون الموالي مشاة ( 2 ) .

ومن الحق أن يشار إلى أن فعل العرب هذا بالموالي هو ردة فعل لما كان يعامل به العرب من قبل الروم والفرس ، وكان ما أشرنا إليه من معاملة للموالي هو على مستوى سائر الناس ، أما ما كان على مستوى الحكام فكان لا يلتقي بحال من الأحوال
مع الإنسانية وخصوصا ولاة الأمويين كالحجاج الذي لم يرفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة ، والذي وسم أيدي الموالي وردهم إلى القرى لما هاجروا للمدن ( 3 ) كل ذلك دفع هؤلاء الموالي إلى تبني شعار الإسلام والدعوة للمساواة فسموا أهل
التسوية ، ثم مرت ظروف أدت إلى رفع شأن الموالي خصوصا أيام عمر بن عبد العزيز وما بعده فتحفزوا لإثبات وجودهم وتطور الأمر بعد ذلك أن بدأت ردود الفعل تشتد فتصل إلى احتقار العرب وشتمهم . أما القسم الثاني : الذي هو فعل فهو امتداد للعصور السالفة عندما كان العرب أيام الأكاسرة


* ( هامش ) *
( 1 ) الكامل للمبرد ج2 ص . ( 2 ) مظاهر الشعوبية لمحمد نبيه حجاب ص 51 . ( 3 ) تاريخ الطبري ج8 ص 35 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 209

والقياصرة ليس لهم شأن يذكر ، وقد اختفت هذه النظرة للعرب لفترة طويلة بعد حكم الإسلام هذه الشعوب ، ولكن عادت إلى الظهور بفضل عوامل كثيرة لا سبيل للإفاضة بها هنا ، وساعد على هذا أن الموالي من أمم ذات خلفية حضارية فكان أن نبغ
مجموعة من الشعوبيين من مختلف الشؤون الإدارية والعلمية فلعبوا دورا كبيرا في أبعاد المجتمع المختلفة ، يضاف لذلك أن الدولة العباسية اعتمدت على كثير منهم لأمرين :
الأول : لحاجتها لتنظيم شؤون الدولة والاستفادة من خبرات هذه الأمم في التطبيق وما لهم من قدم وعراقة في ذلك وتشبها بهم في البذخ والترف .
والثاني : للاستعانة بهم في كسر شوكة العرب لأنهم خافوا من العرب وخصوصا عندما شاهدوا ميل العرب للعلويين ، وقد لعب الفرس والترك دورا شرسا في كسر شوكة العرب وتحقيق مآرب العباسيين في ذلك ولكنهم بعد ذلك قضوا على الخلافة العباسية وحتى على مظهرها العربي ، وأحالوا بغداد إلى مؤسسة انمحت فيها آثار العروبة في تفصيل ليس محله هنا .

مظاهر الشعوبية : المجالات التي ظهرت فيها الشعوبية أهمها الأدب بقسميه الشعر والنثر ، ابتداءا من أيام الأمويين حتى العصر العباسي ، وظهرت في التاريخ مرويات تحط من شأن العرب وترفع من غيرهم ، ومظاهر أخرى تجسدت في إحياء
طقوس وعادات وعقائد كانت عند بعض تلك الأمم التي دخلت الإسلام ، وحتى السلوك الاجتماعي عند الحكام والمواطنين في الأكل واللباس وأنماط السلوك الاجتماعي الأخرى ظهرت عليها سمات غير عربية وكان طبيعيا أن يكون هناك اقتباس لو اقتصر على ذلك ولكنه اقتباس يرافقه تحدي وفخر بهذا المظهر وحط من مظاهر العرب وانتقاص من أنماط معيشتها وحياتها .

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 210

علاقة الشعوبية بالتشيع : وبعد هذه الجمل الموجزة عن الشعوبية نتساءل ما هي علاقة الشعوبية بالتشيع ؟ وما هو منشأ رمي التشيع بالشعوبية الأمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين أن يقول : وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه وستارهم الذي يتسترون به ( 1 ) .
إن رمي التشيع بالشعوبية أمر يدعو للاستغراب فليس هناك أي علاقة بين الشعوبية والتشيع ، وسنحاول استقصاء الأمور التي تكون علامة أو منشأ للشعوبية لنرى أين مكان الشيعة من هذه الأمور ، وبالتالي ما هي قيمة هذه التهمة :

1 - الأصل غير العربي : لم يكن الشيعة الرواد والذين يلونهم : من الموالي أو من أي عنصر غير العنصر العربي كما أسلفنا ذلك وذكرناه مفصلا فيما سبق من هذا الكتاب فلا حاجة لإعادته .

2 - مواقف الشيعة إزاء العروبة : لقد وقف مؤلفوا ومفكروا الشيعة إزاء العروبة والعرب موقفا جليلا في تكريم العرب وتكريم الفكر العربي والإشادة بإسهامه في خدمة الشريعة مبرهنين على أن الله تعالى كرم العرب بحملهم للرسالة وجعل لغة القرآن الكريم لغتهم ، واعتبر أرضهم مهدا لانطلاق الدعوة والذود عن حياضها وقد شرحنا موقفهم من اللغة وعروبة الخليفة وغير ذلك مفصلا .

3 - موقفهم من حضارة العرب : لم يكن للشيعة موقف سلبي إزاء حضارة العرب بل العكس فالشيعة هم الرواد الأوائل في خدمة الحضارة العربية في مختلف أبعادها وإليك شريحة من


* ( هامش ) *
( 1 ) ضحى الإسلام ج1 ص 63 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 211

أعلامهم الذين خدموا في ميادين الثقافة
فمن الرواد في علم السير والتواريخ عبد الله بن أبي رافع صاحب كتاب تسمية من شهد من الصحابة مع علي ( ع ) ، ومحمد ابن إسحاق صاحب السيرة النبوية ، وجابر بن يزيد الجعفي
ومن الرواد في علم النحو : أبو الأسود الدؤلي ، والخليل بن أحمد إمام البصريين ، ومحمد بن الحسين الرواسي إمام الكوفيين وأستاذ الكسائي والفراء ، وعطاء بن أبي الأسود الدؤلي ، ويحيى المبرد بن يعمر العدواني ، ويحيى بن زياد الفراء ،
وبكر بن محمد أبو عثمان المازني ، ومحمد بن يزيد أبو العباس المبرد ، وثعلبة بن ميمون أبو إسحاق النحوي ، ومحمد بن يحيى أبو بكر الصولي ، وأبو على الفارسي الحسن بن علي ، والأخفش الأول أحمد بن عمران ، ومحمد بن العباس أبو بكر
الخوارزمي الذي يقول عنه الثعالبي في يتيمة الدهر : نابغة الدهر وبحر الأدب وعيلم النظم والنثر وعالم الظرف والفضل ، كان يجمع بين الفصاحة والبلاغة ويحاضر بأخبار العرب وأيامها ويدرس كتب اللغة والنحو والشعر ، والتنوخي علي بن
محمد ، والمرزباني محمد بن عمران صاحب التصانيف الرائعة في علوم العربية ، وملك النحاة الحسن بن هاني ، ومعاذ الهراء واضع علم التصريف ، وعثمان بن جني أبو الفتح وأبان بن عثمان الأحمر ، ويعقوب بن السكيت صاحب إصلاح
المنطق ، وأبو بكر بن دريد صاحب الجمهرة ، ومحمد بن عمران المرزباني صاحب المفصل في علم البيان وصفي الدين الحلي صاحب الكافية في البديع والخالع النحوي الحسين بن محمد صاحب كتاب صنعة الشعر ، والخ ( 1 ) .


* ( هامش ) *
( 1 ) تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام 46 إلى 182 ، والغدير للأميني ج3 ص 330 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 05:57 PM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 211

تعقيب هذه مجموعة بسيطة أردت منها أن تكون مجرد مؤشر إلى سبق الشيعة في خدمة الفكر العربي والإشادة به ، وليرجع القارئ إلى المصادر لأجل المزيد من ذلك .

- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 212

4 - شعراء الشيعة : مواقف شعراء الشيعة في الذود عن العرب والعروبة مشهورة ودفاعهم عن كل ما له صلة بوجود العرب ومجدهم ، والوقوف بوجه خصوم العرب يشكل سفرا كبيرا لو جمع وسأورد لك نماذج : من مواقفهم في ذلك منهم :
أ - أبو الأسد نباتة بن عبد الله الحماني : لقد سكت عن تعيين مذهبه كل من أبي الفرج في الأغاني ، والعباسي في معاهد التنصيص ، وابن قتيبة في الشعر والشعراء ، ولكنه شيعي لعدة قرائن منها :
أولا ارتباطه بأهل البيت بشعره ، وولادته في محلة حمانا بالكوفة مهد التشيع ، وانقطاعه لأبي دلف القائد الشيعي ، وإليك قصيدته في هجاء الشعوبية ضمن هجائه لعلي بن يحيى المنجم ، وسنرى إلمامه القوي بالمصطلحات المحلية :
صنع من الله أني كنت أعرفكم * قبل اليسار وأنتم في التبابين ( 1 )
فما مضت سنة حتى رأيتكم * تمشون في القز والقوهي وفي اللين
وفي المشاريق وما زالت نساؤكم * يصحن تحت الدولي بالـوراشين
فصرن يرفلن في وشي العراق وفي * طرائف الخز من دكن وطاروني
نسين قطع الحلاني من معادنها * وحملهن كشوشا في الشقابين
حتى إذا أيسروا قالوا وقد كذبوا * نحن الشهاريج أولاد الدهاقين
لو سيل أوضعهم قدرا أو أنذلهم * لقال من فخره إني ابن شوبين
وقال أقطعني كسرى وورثني * فمن يفاخرني أم من يناويني
فقل لهم وهم أهل لتربية * شر الخليقة يا بخر العثانين
ما الناس إلا نزار في أرومتها * وهاشم سرحة الشم العرانين
والحي من سلفي قحطان أنهم * يزرون بالنبط اللكن الملاعين
أما تراهم وقد حطوا براذعهم * عن أتنهم واستبدوا بالبراذين
وأخرجوا عن مشارات البقول إلى * دور الملوك وأبواب السلاطين

* ( هامش ) *
( 1 ) الأغاني ج12 ص 167 ط الساسي . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 05:59 PM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 213

تغلي على العرب من غيظ مراجلهم * عداوة لرسول الله والدين
يقول فون كريمر في كتابه الحضارة الإسلامية إن هذه القصيدة تمثل مشاعر الحزب العربي تمثيلا صادقا ( 1 ) .
ب - الشريف الرضي محمد بن الحسين : ملأ ديوانه بالإشادة بالعرب والعروبة ومن ذلك قوله في إحدى روائعه :
أثرها على ما بها من لغب * يقلقل أغراضها والحقب
وأنا نرى لجوار الديار * حقوقا فكيف جوار النسب
فإن ترع شركة أحسابنا * جميعا فذلك دين العرب
إذا لبست بقواها قوى * وإن طنب مسن منها طنب ( 2 )
ويقول في رائعة ثانية :
لنا الدوحة العليا التي نزعت لها * إلى المجد أغصان الجدود الأطائب
علونا إلى اثباجها ولغيرها * عن المنكب العالي إذا رام ناكب
فإن تر فينا صولة عجرفية * فقد عرقت فينا الجدود الأعارب ( 3 )
والجدير بالذكر أن ديوان الشريف الرضي وديوان أخيه المرتضى وسائر مؤلفاتهما تعتبر من خمائل الفكر العربي المترفة ومن رياضه الأنيقة .

ج‍ - أبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين : والمتنبي عروبة متجسدة بالدم والفكر وقد عاش عمره يتطلع إلى تحقيق الوجود العربي على مختلف المستويات ويرسم نهايات كل فضيلة على أنها بداية من حالة عربية وكم له في ثنايا شعره من إشادة بالعرب والعروبة وفخر واعتزاز بهذا الدم وهذه الأرومة ، يقول : في مدح سيف الدولة :


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر مظاهر الشعوبية ص 317 . ( 2 ) ديوان الرضي ج1 ص 128 . ( 3 ) ديوان الرضي ج1 ص 145 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 214

رفعت بك العرب العماد وصيرت * قمم الملوك مواقد النيران
أنساب فخرهم إليك وإنما * أنساب أصلهم إلى عدنان
ويقول :
تهاب سيوف الهند وهي حدائد * فكيف إذا كانت نزارية عربا
ونراه يتطلع إلى سيادة العرب وحكم العرب فلا خير في قوم يحكمهم أجنبي عنهم فيقول :
وإنما الناس بالملوك وما * تفلح عرب ملوكها عجم
لا أدب عندهم ولا حسب * ولا عهود لهم ولا ذمم
بكل أرض وطئتها أمم * ترعى بعبد كأنها غنم ( 1 )

د - الحارث الحمداني أبو فراس : من ألسنة العروبة الفصاح وممن أشاد بمجدهم وقد تألم لمنابرهم إذ يفترعها غيرهم : يقول في قصيدته الشافية :
أبلغ لديك بني العباس مألكة * يدعوا ملكها ملاكها العجم
أي المفاخر أضحت في منابركم * وغيركم آمر فيهن محتكم ( 2 )
هذه مجرد نماذج بسيطة من مواقف شعراء الشيعة إزاء العرب والعروبة وبوسع القارئ مراجعة دواوين شعراء الشيعة في مختلف العصور ليرى مدى عروبة الشيعة .

ه‍ - الشعوبيون البارزون ليسوا بشيعة : إن أبرز من عرف بالشعوبية في مختلف الأبعاد الفكرية والاجتماعية هم من غير الشيعة وسأذكر لك جملا قصيرة من تراجمهم تنهض بالمطلوب .


* ( هامش ) *
( 1 ) ديوان المتنبي ج4 ص 179 و 261 . ( 2 ) شرح الشافية ص 219 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 06:26 PM
هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 215

أ - معمر بن المثنى أبو عبيدة : من أبرز المؤلفين وممن عرف بأنه من أئمة الشعوبية وهو من موالي بني تيم بالبصرة وكان يهودي الأصل أسلم جده على يد بعض أولاد أبي بكر وهو الذي جدد كتاب مثالب العرب وزاد فيه : كان خارجيا يرى رأي الأباضية ( 1 ) .
ب - الهيثم بن عدي بن زيد : كانت أمه أمة وأبوه عربيا وكان من أبرز الشعوبيين وكان كذلك خارجيا في عقيدته وقد وضح ذلك في كل كتبه منها كتاب المثالب الكبير ، وكتاب المثالب الصغير ( 2 ) .
ج‍ - علان الشعوبي : وهو علان بن الحسن الوراق كان من أبرز الشعوبيين وكان كما يقول الآلوسي زنديقا ثنويا عمل كتابا لطاهر بن الحسين بدأ فيه بمثالب بني هاشم ، ثم بطون قريش ، ثم سائر العرب ( 3 ) .
د - عبد الله بن مسلم بن قتيبة : كان من أئمة أهل السنة ومبرزيهم كان من الشعوبيين كما نص على ذلك ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ، ولكن الدكتور محمد نبيه حجاب حاول تنزيهه عن الشعوبية لأنه كما يقول ورد له مدح للعرب ،
في حين ورد لابن المقفع أكثر من نص في مدح العرب ومع ذلك كان الدكتور محمد نبيه إذا مر بالنصوص التي لابن المقفع في مدح العرب يقول إنه عمل ذلك للتستر ، والسبب في موقف محمد نبيه هذا : أن عبد الله بن مسلم من أهل السنة في حين لم يكن ابن المقفع


* ( هامش ) *
( 1 ) معجم الأدباء ج19 ص 156 وانظر سر انحلال الأمة العربية .
( 2 ) معجم الأدباء ج19 ص 310 .
( 3 ) معجم الأدباء ج12 ص 191 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 216

شيعيا ولكن لأنه يميل للعلويين كما يقول محمد نبيه ، وإذا عرف السبب بطل العجب ( 1 ) .
ه‍ - عبد الله بن المقفع : عده الباحثون من الشعوبيين ولكن الأستاذ محمد كرد علي في كتابه أمراء البيان تصدى للدفاع عنه واعتبره ممن أسلم وحسن إسلامه في حين يذهب جماعة من قدامى المؤرخين كأبي الفرج الأصبهاني والمسعودي
والجهشياري إلى أنه زنديق ، أما الدكتور محمد نبيه حجاب فيرى أنه مجوسي الدين ثنوي العقيدة وأنه لم يتخل عن الطقوس المجوسية ، ومع آراء المؤرخين القدامى فيه ومع رأي محمد نبيه نفسه في أنه مجوسي مع كل ذلك يقول نبيه حجاب إنه
علوي السياسة وذلك استنادا إلى رأي رآه حنا فاخوري في كتابه تاريخ الأدب ، وما أدري أين هي علويته مع ما ذكروه عنه ( 2 ) .
و - سهل بن هارون بن رهبون الفارسي : كان من صنائع البرامكة ورئيس بيت الحكمة للمأمون ترجم له أكثر من واحد ومنهم ياقوت الحموي في معجم الأدباء وابن النديم في الفهرست وفريد وجدي في دائرة معارفه . وغيرهم ، وعلى هؤلاء
اعتمد محمد نبيه حجاب في ترجمته ولم ينص أحد من هؤلاء الذين ذكرنا أنهم ترجموا له : على أنه من الشيعة ، ولكن نبيه حجاب يقول : كان سهل علوي المذهب ميالا إلى الاعتزال كغيره من شيعة العراق في عصره وكان فارسي النزعة ، في حين يذهب محمد كرد علي في كتابه أمراء البيان للدفاع عنه ويبرئه من الشعوبية ( 3 ) .

ز - بشار بن برد : كان زنديقا يكفر الناس كلها بما فيهم الهاشميين ويكفر الأمة كلها لأنها


* ( هامش ) *
( 1 ) مظاهر الشعوبية ص 422 . ( 2 ) المصدر السابق ص 397 . ( 3 ) دائرة معارف وجدي ج20 ص 505 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 217

حادت عن الجادة في نظره فقيل له وعلي بن أبي طالب فقال متمثلا :
وما شر الثلاثة أم عمرو * بصاحبك الذي لا تصحبينا
وله مدح لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن لما خرج على المنصور وذلك بأبياته التي يقول فيها :
أقول لبسام عليه جلالة * غدا اريحيا عاشقا للمكارم
من الفاطميين الدعاة إلى الهدى * جهارا ومن يهديك مثل ابن فاطم
سراجا لعين المستضئ وتارة * يكون ظلاما للعدو المزاحم
فاستدل نبيه حجاب من هذه الأبيات على أنه من الشيعة ، مع أنه مدح العباسيين بقصائد أكثر وأبيات أكثر حرارة وذلك كقوله
أنصفتمونا فعابوا حكمكم حسدا * والله يعصمكم من غل حساد
لولا الخليفة أنا لا نخالفه * لقد دلفنا لأرواد بأرواد
ومدح غيرهم وغيرهم وذلك واضح في ديوانه ولكنه لم ينسب لمن مدحهم ولكن بمدحه لإبراهيم صار شيعيا والغرض من ذلك أن يكون شيعيا وهو في نفس الوقت شعوبي حتى تنسب بعد ذلك الشعوبية للشيعة : فاستمع إلى ما يقول محمد نبيه حجاب :
يقول في آخر ترجمته : هذا هو بشار الزنديق المارق الماجن المستهتر الزرادشتي العقيدة الشيعي المذهب الشعوبي المتعصب ( 1 ) .
وتذكرني هذه العبقريات المتوثبة من نبيه حجاب بحكاية مثلها أذكرها لك وقد رواها عبد الحي الكتاني في كتابه التراتيب الإدارية : قال : كان عند أولاد تميم الداري كتاب النبي ( ص ) في قطعة أديم : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا ما أنطى محمد رسول الله تميما الداري أقطعه قريتين جبرون ، وبيت عينون ببلد الخليل ، فبقي ذلك في يده ويشاهد الناس كتابه إلى


* ( هامش ) *
( 1 ) مظاهر الشعوبية ص 274 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 06:30 PM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 218

أن غلب الإفرنج على القدس والخليل سنة 492 ه‍ قال ولقد اعترض بعض الولاة على آل تميم أيام كنت بالشام - الحديث لأبي بكر القاضي - وأراد انتزاعها منهم فحضر القاضي حامد الهروي وكان حنفيا في الظاهر ، معتزليا في الباطن ملحدا شيعيا ، فاحتج أولاد تميم بالكتاب فقال القاضي هذا الكتاب ليس بلازم إلى آخر القصة ( 1 ) .
أرأيت كيف يتفق منطق المهرجين في كل عصر : قاضي من الأحناف يريد أن يدفعه عن الأحناف فيجعله تارة معتزليا وفي نفس الوقت حنفيا وملحدا وشيعيا وهكذا إنه نفس منطق نبيه حجاب . إن أمثال هذه الأقوال يجب أن ترمى في الكناسة لنخلص أجيالنا من هذه الجيف .

ح‍ - يزيد بن ضبة مولى ثقيف : كان مع الأمويين ويرمى بالمانوية والشعوبية وانقطع للوليد بن يزيد وعده أكثر من مؤلف من الشعوبيين ( 2 ) .
ط - حماد بن سابور : ابن المبارك المعروف بحماد الرواية ديلمي الأصل بكري الولاء وهو من أكابر الشعوبية ( 3 ) .
ي - إسماعيل بن يسار : كان منقطعا لآل الزبير ثم مال لبني مروان وعده بعضهم انتهازيا وكان يعد من أبرز الشعوبيين وأشدهم تعصبا على العرب ( 4 ) .
ك - إسحاق بن حسان الحريمي : لم يرد نص على أنه من النحلة الفلانية أو غيرها وكان من كبار الشعوبيين .


* ( هامش ) *
( 1 ) التراتيب الإدارية ج1 ص 150 .
( 2 ) مظاهر الشعوبية ص 161 .
( 3 ) مظاهر الشعوبية ص 153 .
( 4 ) مظاهر الشعوبية ج2 ص 159 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 219

ولكن الخطيب البغدادي يقول عنه كان يتأله ويتدين فهو عنده مؤمن ( 1 ) .
ل - إبراهيم بن حمشاذ المتوكلي : وقد كان من ندماء المتوكل الخليفة العباسي ( محي السنة ) وكان ينادمه على الشراب حتى نسبه إليه ، ولم يذكروا له عقيدة خاصة ولكن انتمائه إلى المتوكل قد يقوم قرينة على الاتحاد في الميول وكان من كبار الشعوبية ( 2 ) .
م - الحسن بن هاني أبو نواس : مولى الجراح بن الحكم اعتبره بعضهم مجرد متهتك ، واعتبره البعض الآخر زنديقا ، واعتبره آخرون مانويا ورموه بالشعوبية ، واعتبره نبيه حجاب كافرا ملحدا لا دين له ( 3 ) .
ن - ابن الرومي علي بن العباس بن جريح : يقول عنه نبيه حجاب : ولم يشر أحد من رواة الأدب ومؤرخيه إلى ما كان عنده من عصبية لقومه ، ولكن أشعاره لا تخلو من هذه النزعة وإن بدت في أبيات قليلة ومن هذه الأبيات قوله :
ونحن بنو اليونان قوم لنا حجى * ومجد وعيدان صلاب المعاجم
ومنها قوله :
وإذا ما حكيت والروم أهلي * في كلام معرب كنت أهلا
أما البيت الوحيد الذي قطع فيه نبيه حجاب على شعوبية ابن الرومي فهو البيت الآتي :
آبائي الروم توفيل وتوفلس * ولم يلدني ربعي ولا شبث


* ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ الخطيب ج6 ص 326 . ( 2 ) مظاهر الشعوبية ص 307 . ( 3 ) مظاهر الشعوبية ص 286 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 220

مع أن ابن الرومي لم يقصد بربعي وشبث الكلي الطبيعي وإنما أراد به شبثا وربعيا أباه الذي ثبت انه أحد قتلة الحسين ( ع ) ، وكأن ابن الرومي يريد أن يقول مع أني ابن توفيل ولكني محب لآل رسول الله ، ومع أن شبثا وربعيا من العرب وممن
رفعتهم رسالة النبي ولكنهم أعداء لآله وعلى العموم فابن الرومي شيعي مشهور وهذا هو السر في أن نبيه حجاب يعتبره من الشعوبيين وإلا فقد سمعت شهادة نبيه حجاب نفسه على أنه لم ينص أحد من المؤرخين وكتاب الأدب على عصبيته لقومه ( 1 ) .
س - عبد السلام بن رغبان : اعتبروه من الشعوبيين ويقول نبيه حجاب لم نجد له بيتا واحدا يشير إلى شعوبيته ومع ذلك فقد نص ابن خلكان على عصبيته لقومه بقوله : ما لهم - يعني العرب - فضل علينا أسلمنا وأسلموا ، وبالوقت الذي يقول فيه نبيه
حجاب ما سمعته لكنه في الأخير : يقول : وإذا علمنا أنه كان متشيعا وأنه كان ماجنا خليعا عاكفا على اللهو والقصف كما يقول ابن خلكان ، وهذان من مظاهر الشعوبية فقد حق لنا بعد هذا أن ننظمه في سمط الشعوبية كما فعل الأستاذ السباعي
بيومي مع الخريمي وبشار وغيرهما ( 2 ) :
وأنا أريد أن أسأل القارئ هل لاحظ هذه الأدلة القوية على الشعوبية التي يوزعها هؤلاء العباقرة يمينا وشمالا بأدلة كهذه الأدلة . اللهم إنك تعلم أننا نأسى على الجيل الذي يربيه أمثال هؤلاء فإن بلية العلم والأدب والفكر بهؤلاء عظيمة ، وأروع من ذلك ما سأقدمه لك في المثل الأخير وهو منطقه في الاستدلال على شعوبية دعبل بن علي فاستمع إليه .
ع - دعبل بن علي الخزاعي : وهو خزاعي صلبي وليس من الموالي كما حاول البعض أن يصوره وكتب


) مظاهر الشعوبية ص 313 . ( * )

Dr.Zahra
20-08-2007, 06:31 PM
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 221

الأنساب قد أكدت ذلك .
وكان من مشاهير الشيعة وأدبائهم وحملة المبادئ فيهم وهو صاحب القصائد الرائعة في مدح أهل البيت ورثائهم والتفجع لهم . وقد صورته كتب الأدب بأنه هجاء خبيث اللسان لم يسلم أحد من لسانه ، وقد استدل نبيه حجاب على أنه من الشعوبية لأنه
هجا المأمون وفي ذلك يقول نبيه : وفي هجائه المأمون وتطاوله عليه تتجلى عصبيته وشعوبيته حيث فخر بقومه وبلائهم في الحروب وأياديهم عليه في ارتقاء عرش الخلافة استمع إليه يقول :
أيسومني المأمون خطة عاجز * أو ما رأى بالأمس رأس محمد
إني من القوم الذين سيوفهم * قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
رفعوا محلك بعد طول خموله * واستنقذوك من الحضيض الأوهد
ويقول في آخر ترجمته : هذا هو دعبل الخزاعي وهذا هو لسانه السليط الذي جرده على العرب وخلفائهم ( 1 ) .
وهذه هي الأدلة المثبتة التي تساق لنسبة الشعوبية إلى الشيعة فاعطفها على ما سبقها من التهم . وبعد هذه الجولة نعود ثانية لنسائل الدكتور أحمد أمين ما هو دليله لنسبة الشعوبية للشيعة فإنه عندما نطق بالعبارة التي أثبتناها في صدر هذا العنوان وعد
بأنه سيبحث موضوع الشعوبية عند ذكره للمذاهب في فصل الشيعة لكنه لم ينفذ وعده لأنه لم يجد ولن يجد أي دليل على قوله ، وقد ذكرنا لك في هذا الفصل أسماء أبرز الشعوبيين كما ينص عليهم المؤرخون والكتاب وعرفت أين هم من الشيعة .

وأختم هذا الفصل بصورة أضعها أمامك فهي قوية في تعبيرها : يقول شكري الآلوسي في كتابه بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب ما يلي : قال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي : كتاب مثالب العرب أصله


* ( هامش ) *
( 1 ) مظاهر الشعوبية ص 301 . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 222

لزياد بن أبيه فإنه لما ادعى أبا سفيان أبا علم أن العرب لا تقر له بذلك مع علمهم بنسبه فعمل كتاب المثالب والصف بالعرب كل عيب وعار وباطل وإفك وبهت ثم ثنى على ذلك الهيثم بن عدي وكان دعيا فأراد أن يعير أهل الشرف تشفيا منهم ثم جدد
ذلك أبو عبيدة محمد بن المثنى وزاد فيه لأن أصله كان يهوديا أسلم جده على يد بعض آل أبي بكر فانتمى إلى ولاء تيم ، انتهى النص كما ذكره الآلوسي في فصل الشعوبية من كتابه المذكور . إن زيادا يعتبره مؤرخو السنة وكتابهم من أسرة تمثل
نموذجا للحكم العربي وتطلعاته القومية وكان موقفه من العرب كما سمعت موقف مشوه لتاريخهم طاعن من أنسابهم باحث في مثالبهم رائد من رواد الشعوبية بأقذر صورها .

وبعد هذا سأقدم لك موقف شيعي من الشيعة وإن كان من أصل غير عربي حتى تتخذ من الموقفين مؤشرا يدل على اتجاه كل من الفريقين إزاء الشعوبية لتعلم أين مكان الشعوبية من الفريقين : يقول بديع الزمان الهمداني كنت عند الصاحب إسماعيل بن عباد يوما وقد دخل عليه شاعر من شعراء العجم فأنشده قصيدة يفضل فيها قومه على العرب ويذم العرب وهي :
غنينا بالطبول عن الطلول * وعن عيس عذافرة ذمول
وأذهلني عقار عن عقار * ففي است أم القضاء مع العدول
فلست بتارك إيوان كسرى * لتوضح أو لحومل فالذحول
وضب بالفلا ساع وذئب * بها يعوي وليث وسط غيل
يسلون السيوف لراس ضب * حسراشا بالغداة وبالأصيل
إذا ذبحوا فذلك يوم عيد * وإن نحروا ففي عرس جليل
أما لو لم يكن للفرس إلا * نجار الصاحب القرم النبيل
لكان لهم بذلك خير فخر * وجيلهم بذلك خير جيل
فلما وصل إلى هذا الموضع من الانشاد قال له الصاحب فذاك ثم اشرأب ينظر إلى الزوايا وإلى أهل المجلس وكنت جالسا في زاوية من البهو فلم يرني فقال
- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 223

أين أبو الفضل . فقمت وقبلت الأرض وقلت أمرك فقال أجب عن ثلاثتك . قلت وما هي قال : أدبك ونسبك ومذهبك فقلت لا فسحة للقول ولا راحة للطبع إلى السرد كما تسمع ، ثم أنشدت أقول :
أراك على شفا خطر مهول * بما أودعت لفظك من فضول
تريد على مكارمنا دليلا * متى احتاج النهار إلى دليل
ألسنا الضاربين جزى عليكم * وإن الجزي أولى بالذليل
متى قرع المنابر فارسي * متى عرف الأغر من الحجول
متى عرفت وأنت بها زعيم * أكف الفرس أعراف الخيول
فخرت بملء ما ضغتيك هجرا * على قحطان والبيت الأصيل
وتفخران ماكولا ولبسا * وذلك فخر ربات الحجول
ففاخرهن في خد أسيل * وفرع في مفارقها رسيل
فامجد من أبيك إذا تزيا * عراة كالليوث على الخيول
قال فلما أتممت إنشادي التفت إليه الصاحب وقال كيف رأيت . قال لو سمعت به ما صدقت . قال فإذا جائزتك جوازك ، إن رأيتك بعد هذا ضربت عنقك ، ثم قال لا أدري أحدا يفضل العجم إلا وفيه عرق من المجوسية ينزع إليه . ( 1 ) وأظنك تلمح
معي نظرة الشيعي الإيجابية التي ترى في العرب موئل أمجاد وموضع تشريف لحملهم رسالة الإسلام وهي رسالة الخلود ولا أريد الإطالة لأترك لك أن تتمتع بأصداء هذا الموقف المشرف وتجيل ذهنك في أجوائه ، أما بعد فإني في ختام هذا البحث
أرجو أن أكون قد وضعت بيد يدي القارئ بطاقة واضحة عن هوية التشيع ولم يكن رائدي والله يعلم حب التهجم أو الانتقام وممن ينتقم المسلم أمن أخيه المسلم ؟
وذلك تفاهة وأي تفاهة وإنما كان رائدي لذلك رغبة ملحة في جلاء الضباب الذي حجب الرؤية الواضحة زمانا طويلا لشيعة أهل البيت عن أنظار الباحثين مما سبب كثيرا من الخلط والتجديف ، والله تعالى


* ( هامش ) *
( 1 ) أنظر انحلال الأمة العربية ص 29 لمحمد سعيد العوفي . ( * )



- هوية التشيع - الدكتور الشيخ أحمد الوائلي ص 223

هو المسؤول أن يجمع كلمة المسلمين ويلم شعثهم والحمد الله أولا وآخرا .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

بسام الشلاه
20-08-2007, 08:31 PM
تسلمي اختي سراج العراق على هذا المجهود الجبار

Dr.Zahra
20-08-2007, 11:47 PM
http://7bna.com/up/uploads/be0e992736.gif
اللهم صل على صاحب الدعوه المحمديه والشجاعه الحيدريه والصلابه الحسنيه والأستقامه الحسينيه والعباده السجاديه والماثر الباقريه والاثار الجعفريه والعلوم الكاظميه والحجج الرضويه والفضائل الجواديه والانوار الهاديه والهيبه العسكريه والحجه الالهيه

اخي الفاضل: بسام الشلاه انا اشكرك الشكر الجزيل لتواجدك في هذه الصفحات
لك كل الشكر اخي الفاضل لتقديرك هذا النقل

http://7bna.com/up/uploads/be0e992736.gif

صابر 515
19-09-2009, 06:23 AM
يعطيك ألف ألف عافية
تسلم يدااااااك وننتظر جديدك
بالتوفيق والنجاح

http://www.alnshama.com/lines/f057.gif (http://www.alnshama.com/lines/f057.gif)
تحياتي .....