أبو حيدر11
23-04-2012, 08:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://c.shia4up.net/uploads/13351974472.jpg (http://c.shia4up.net/)
ظلامة الإمام عليّ بعد شهادة النبي الأكرم (ص)
بعد أن استعرضنا ظلامة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ينبغي أن نشير إلى بعض ماجرى عليه من مآسي وويلات بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله، فبينما كان الإمام عليّ صلوات الله عليه مشغولاً بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله انقلبت الأمة على أعقابها، حيث عقد بعض المسلمين سقيفة بني ساعدة وبايعوا أبابكر وتناسوا وصية النبي صلى الله عليه وآله بحق الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين صلوات الله عليه قائلاً: حتى إذا قبض الله رسوله صلى الله عليه وآله رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودّته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه (1).
ولم يكتفوا أن زحزحوا الخلافة عن موضعها بل عمدوا إلى الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وطالبوه بالبيعة بدل أن يبايعوه وينفّذوا وصية رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، ويلتزموا ببيعتهم له يوم غدير خم.
ولايخفى أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يصرّح في مواطن عديدة أنه أولى بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه في خطبته الشقشقية: أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة وأنه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير (2).
وفي موضع آخر من الخطبة قال صلوات الله عليه: ومتى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت اُقرن إلى هذه النظائر (3).
والآن لنرى كيف تعامل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع إقصاء الخلافة عنه، فهل أنه كما يدّعي البعض بايع وسلّم إلى الأمر الواقع؟ وإذا سلَم للأمر الواقع متى سلَم وكيف؟
أمّا موقف أمير المؤمنين صلوات الله عليه إزاء إقصاء الخلافة عنه فيتجلّى من خلال عدّة مواقف وهي:
1- عدم البيعة: يشير المؤرخون أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يبايع بالخلافة مدّة إلى أن اضطرّ وبايع بيعة صورية، ومن الذين ذكروا ذلك:
أخرج البخاري: أنّ عليّاً امتنع عن البيعة لمدّة ستة أشهر حتى توفيت فاطمة الزهراء صلوات الله عليها (4).
وقد روى مسلم والطبري وغيرهم أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبني هاشم لم يبايعوا أبا بكر في حياة الصدّيقة الزهراء صلوات الله عليها، أي مدّة ستة أشهر (5).
والسؤال هنا: إذا كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه غير راض على خلافة أبي بكر لماذا بايع وكيف؟
أما لماذا بايع فيظهر من أكثر التواريخ أنه بايع مقهوراً.
من جانب آخر لم يجد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه المناصر والمعين سوى القلّة القليلة من بني هاشم وبعض الصحابة الخلّص، حتى قال صلوات الله عليه: فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم (6).
2- المطالبة بالخلافة: لم يقتصر الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه على عدم البيعة بل طالب القوم بحقّه جهاراً واحتج على أولويته بالخلافة مراراً، فحين جاءوا إليه، وقالوا له: بايع!
قال: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون. قال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع.
فقال صلوات الله عليه: إحلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته إلاّ ليؤثرك غداً.
وقال أيضاً: قد قال قائل: إنك على هذا الأمر يابن أبي طالب لحريص! فقلت: بل أنتم والله لأحرص وأبعد، وأنا أخصّ وأقرب، وإنما طلبت حقّاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه.
فلما قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به! اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم! فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي.
ثم قالوا: ألا إنّ في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه (7).
3- الدعاء على منكري خلافته: بلغ الأمر بالإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه دعا على الذين أنكروا تنصيب رسول الله صلى الله عليه وآله له وذلك بعد أن ناشد كل من شهد يوم الغدير أن يقف أمام الملأ ويشهد بما جرى في ذلك اليوم، ففي - مسند ابن حنبل عن سماك بن عبيد بن الوليد العبسي: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدّثني أنه شهد عليّاً في الرحبة قال: أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وشهده يوم غدير خم إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ من قد رآه.
فقام اثنا عشر رجلاً، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فقام إلاّ ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته (8).
4- الاستنصار: حيث كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يستنصر المسلمين فلم يجد مناصراً، ففي الإمامة والسياسة جاء: خرج عليّ كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله على دابة ليلاً في مجالس الأنصار؛ تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به! فيقول عليّ كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟!
فقالت فاطمة صلوات الله عليها: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (9).
5- التظلَم: فبين الحين والآخر كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يذكر ظلامته ويبثّ شكواه، ومن ذلك تظلّمه من قريش حيث قال: اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم؛ فإنهم قد قطعوا رحمي، وأكفؤوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري، وقالوا: " ألا إنّ في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تمنعه، فاصبر مغموماً، أو مت متأسفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذاب، ولا مساعد، إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من وخز الشفار (10).
6- تذكير الأمة بحقّه: فقد كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يذكّر الأمة بين الفترة والأخرى بأحقيّته بالخلافة، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه للقوم عندما أرادوا مبايعة عثمان: لقد علمتم أني أحقّ بها من غيري (11).
وقال أيضاً: وقال قائل إنك ياابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص، فقلت: بل أنتم والله أحرص وأبعد وأنا أخصّ وأقرب، وإنما طلبت حقّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه، فلما قرعته بالحجّة في الملا الحاضرين بهت لا يدري ما يجيبني (12).
7- التعريض بمن غصبوا حقّه: لم يقف الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه خلال تنحّي الخلافة عنه مكتوف اليدين بل كان يعرّض بمن غصبوا حقّه جهاراً ومن ذلك:
* إنتقاده صلوات الله عليه لأبي بكر: ومن ذلك قوله صلوات الله عليه في الخطبة الشقيقية: أما والله لقد تقمّصها فلان- يعني أبا بكر- وإنه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى (13).
وكما يروي الطبري والبلاذري وغيرهما أنّ أبا بكر كان يردّد في بعض المناسبات قوله: أقيلوني فلست بخيركم، وبعضهم يزيد عليها قوله: وعليّ فيكم.
وإلى ذلك يعرّض الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأبي بكر في قوله: فواعجباً، بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها (14).
ومن المعروف أن عمر كان يعبّر عن بيعة أبي بكر بكونها فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه (15).
وكما ينقل ابن أبي الحديد: أنّ الشعبي كان يحدّث الناس ويقول: كان في صدر عمر ضب (أي بغض وحقد) علا لابن أبي بكر، ولما أنكر عليه بعض من سمع هذا منه، قال له الشعبي: كيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرّها، أيقول عدوّ في عدوّه أكثر من ذلك؟ (16)
على كل كان الإمام عليّ صلوات الله عليه يعرّض بخلافة أبي بكر التي عُبّر عنها أنها فلتة قائلاً: لم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس أمري وأمركم واحداً (17).
* إنتقاده صلوات الله عليه لعمر: فمن انتقاداته صلوات الله عليه له ما ورد في الخطبة الشقشقية حيث قال صلوات الله عليه: فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم، فمُني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلوّن واعتراض، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر (18).
* إنتقاده صلوات الله عليه لعثمان: حيث كان صلوات الله عليه يعترض عليه في مواضع متعدّدة حتى أنّ عثمان قال له في إحدى المرات: إنك لكثير الخلاف علينا (19).
ووصفه في خطبة الشقشقية قائلاً: إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته (20).
====
المصادر:
1. نهج البلاغة ج2 ص36-37.
2. المصدر نفسه ج1 الخطبة الشقشقية ص30.
3. المصدر نفسه ج1 الخطبة الشقشقية ص34.
4. صحيح البخاري ج5 ص288.
5. راجع صحيح مسلم ج5 ص153-154.
6. نهج البلاغة ج1 في خطبة له صلوات الله عليه في الحث على الجهاد ص67.
7. المصدر نفسه ج2 من كلام له في الحجة على من رماه بالحرص 85.
8. مسند أحمد ج1 ص23.
9. الإمامة والسياسة ج1 ص19.
10. نهج البلاغة ج2 من كلام له صلوات الله عليه في التشكى من قريش وظلمهم له ص202.
11. شرح نهج البلاغة ج6 ص166.
12. المصدر نفسه ج3 ص67.
13. نهج البلاغة ج1 الخطبة الشقشقية ص30.
14. المصدر نفسه ج1 الخطبة الشقشقية ص32.
15. شرح نهج البلاغة ج2 ص26.
16. المصدر نفسه ج2 ص29-30.
17. نهج البلاغة ج2 من كلام له×في طلحة والزبير وفتنتهما ص19.
18. المصدر نفسه ج1 الخطبة الشقشقية ص33.
19. الغدير ج8 ص186.
20. نهج البلاغة ج1 الخطبة الشقشقية ص35.
ومع السلامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
http://c.shia4up.net/uploads/13351974472.jpg (http://c.shia4up.net/)
ظلامة الإمام عليّ بعد شهادة النبي الأكرم (ص)
بعد أن استعرضنا ظلامة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ينبغي أن نشير إلى بعض ماجرى عليه من مآسي وويلات بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله، فبينما كان الإمام عليّ صلوات الله عليه مشغولاً بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله انقلبت الأمة على أعقابها، حيث عقد بعض المسلمين سقيفة بني ساعدة وبايعوا أبابكر وتناسوا وصية النبي صلى الله عليه وآله بحق الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين صلوات الله عليه قائلاً: حتى إذا قبض الله رسوله صلى الله عليه وآله رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودّته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه (1).
ولم يكتفوا أن زحزحوا الخلافة عن موضعها بل عمدوا إلى الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وطالبوه بالبيعة بدل أن يبايعوه وينفّذوا وصية رسول الله صلى الله عليه وآله فيه، ويلتزموا ببيعتهم له يوم غدير خم.
ولايخفى أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يصرّح في مواطن عديدة أنه أولى بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه في خطبته الشقشقية: أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة وأنه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير (2).
وفي موضع آخر من الخطبة قال صلوات الله عليه: ومتى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت اُقرن إلى هذه النظائر (3).
والآن لنرى كيف تعامل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه مع إقصاء الخلافة عنه، فهل أنه كما يدّعي البعض بايع وسلّم إلى الأمر الواقع؟ وإذا سلَم للأمر الواقع متى سلَم وكيف؟
أمّا موقف أمير المؤمنين صلوات الله عليه إزاء إقصاء الخلافة عنه فيتجلّى من خلال عدّة مواقف وهي:
1- عدم البيعة: يشير المؤرخون أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يبايع بالخلافة مدّة إلى أن اضطرّ وبايع بيعة صورية، ومن الذين ذكروا ذلك:
أخرج البخاري: أنّ عليّاً امتنع عن البيعة لمدّة ستة أشهر حتى توفيت فاطمة الزهراء صلوات الله عليها (4).
وقد روى مسلم والطبري وغيرهم أنّ الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبني هاشم لم يبايعوا أبا بكر في حياة الصدّيقة الزهراء صلوات الله عليها، أي مدّة ستة أشهر (5).
والسؤال هنا: إذا كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه غير راض على خلافة أبي بكر لماذا بايع وكيف؟
أما لماذا بايع فيظهر من أكثر التواريخ أنه بايع مقهوراً.
من جانب آخر لم يجد الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه المناصر والمعين سوى القلّة القليلة من بني هاشم وبعض الصحابة الخلّص، حتى قال صلوات الله عليه: فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم (6).
2- المطالبة بالخلافة: لم يقتصر الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه على عدم البيعة بل طالب القوم بحقّه جهاراً واحتج على أولويته بالخلافة مراراً، فحين جاءوا إليه، وقالوا له: بايع!
قال: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلاّ فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون. قال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع.
فقال صلوات الله عليه: إحلب حلباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته إلاّ ليؤثرك غداً.
وقال أيضاً: قد قال قائل: إنك على هذا الأمر يابن أبي طالب لحريص! فقلت: بل أنتم والله لأحرص وأبعد، وأنا أخصّ وأقرب، وإنما طلبت حقّاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه.
فلما قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به! اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم! فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي.
ثم قالوا: ألا إنّ في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تتركه (7).
3- الدعاء على منكري خلافته: بلغ الأمر بالإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه دعا على الذين أنكروا تنصيب رسول الله صلى الله عليه وآله له وذلك بعد أن ناشد كل من شهد يوم الغدير أن يقف أمام الملأ ويشهد بما جرى في ذلك اليوم، ففي - مسند ابن حنبل عن سماك بن عبيد بن الوليد العبسي: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى فحدّثني أنه شهد عليّاً في الرحبة قال: أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وشهده يوم غدير خم إلاّ قام، ولا يقوم إلاّ من قد رآه.
فقام اثنا عشر رجلاً، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فقام إلاّ ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته (8).
4- الاستنصار: حيث كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يستنصر المسلمين فلم يجد مناصراً، ففي الإمامة والسياسة جاء: خرج عليّ كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله على دابة ليلاً في مجالس الأنصار؛ تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به! فيقول عليّ كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟!
فقالت فاطمة صلوات الله عليها: ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (9).
5- التظلَم: فبين الحين والآخر كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يذكر ظلامته ويبثّ شكواه، ومن ذلك تظلّمه من قريش حيث قال: اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم؛ فإنهم قد قطعوا رحمي، وأكفؤوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري، وقالوا: " ألا إنّ في الحق أن تأخذه، وفي الحق أن تمنعه، فاصبر مغموماً، أو مت متأسفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذاب، ولا مساعد، إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجا، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من وخز الشفار (10).
6- تذكير الأمة بحقّه: فقد كان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يذكّر الأمة بين الفترة والأخرى بأحقيّته بالخلافة، ومن ذلك قوله صلوات الله عليه للقوم عندما أرادوا مبايعة عثمان: لقد علمتم أني أحقّ بها من غيري (11).
وقال أيضاً: وقال قائل إنك ياابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص، فقلت: بل أنتم والله أحرص وأبعد وأنا أخصّ وأقرب، وإنما طلبت حقّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه، فلما قرعته بالحجّة في الملا الحاضرين بهت لا يدري ما يجيبني (12).
7- التعريض بمن غصبوا حقّه: لم يقف الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه خلال تنحّي الخلافة عنه مكتوف اليدين بل كان يعرّض بمن غصبوا حقّه جهاراً ومن ذلك:
* إنتقاده صلوات الله عليه لأبي بكر: ومن ذلك قوله صلوات الله عليه في الخطبة الشقيقية: أما والله لقد تقمّصها فلان- يعني أبا بكر- وإنه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى (13).
وكما يروي الطبري والبلاذري وغيرهما أنّ أبا بكر كان يردّد في بعض المناسبات قوله: أقيلوني فلست بخيركم، وبعضهم يزيد عليها قوله: وعليّ فيكم.
وإلى ذلك يعرّض الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه بأبي بكر في قوله: فواعجباً، بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها (14).
ومن المعروف أن عمر كان يعبّر عن بيعة أبي بكر بكونها فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه (15).
وكما ينقل ابن أبي الحديد: أنّ الشعبي كان يحدّث الناس ويقول: كان في صدر عمر ضب (أي بغض وحقد) علا لابن أبي بكر، ولما أنكر عليه بعض من سمع هذا منه، قال له الشعبي: كيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرّها، أيقول عدوّ في عدوّه أكثر من ذلك؟ (16)
على كل كان الإمام عليّ صلوات الله عليه يعرّض بخلافة أبي بكر التي عُبّر عنها أنها فلتة قائلاً: لم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس أمري وأمركم واحداً (17).
* إنتقاده صلوات الله عليه لعمر: فمن انتقاداته صلوات الله عليه له ما ورد في الخطبة الشقشقية حيث قال صلوات الله عليه: فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم، فمُني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلوّن واعتراض، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر (18).
* إنتقاده صلوات الله عليه لعثمان: حيث كان صلوات الله عليه يعترض عليه في مواضع متعدّدة حتى أنّ عثمان قال له في إحدى المرات: إنك لكثير الخلاف علينا (19).
ووصفه في خطبة الشقشقية قائلاً: إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته (20).
====
المصادر:
1. نهج البلاغة ج2 ص36-37.
2. المصدر نفسه ج1 الخطبة الشقشقية ص30.
3. المصدر نفسه ج1 الخطبة الشقشقية ص34.
4. صحيح البخاري ج5 ص288.
5. راجع صحيح مسلم ج5 ص153-154.
6. نهج البلاغة ج1 في خطبة له صلوات الله عليه في الحث على الجهاد ص67.
7. المصدر نفسه ج2 من كلام له في الحجة على من رماه بالحرص 85.
8. مسند أحمد ج1 ص23.
9. الإمامة والسياسة ج1 ص19.
10. نهج البلاغة ج2 من كلام له صلوات الله عليه في التشكى من قريش وظلمهم له ص202.
11. شرح نهج البلاغة ج6 ص166.
12. المصدر نفسه ج3 ص67.
13. نهج البلاغة ج1 الخطبة الشقشقية ص30.
14. المصدر نفسه ج1 الخطبة الشقشقية ص32.
15. شرح نهج البلاغة ج2 ص26.
16. المصدر نفسه ج2 ص29-30.
17. نهج البلاغة ج2 من كلام له×في طلحة والزبير وفتنتهما ص19.
18. المصدر نفسه ج1 الخطبة الشقشقية ص33.
19. الغدير ج8 ص186.
20. نهج البلاغة ج1 الخطبة الشقشقية ص35.
ومع السلامة.