حميد م
28-04-2012, 02:46 PM
شجاعة ابي ذر ونفيه
شرح نهج البلاغة: إنّ أباذرّ لمّا دخل على عثمان، قال له: لا أنعم اللَّه بك عيناً يا جُنَيْدِب! فقال أبوذرّ: أنا جُنيدب، وسمّاني رسولُ اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عبدَاللَّه، فاخترتُ اسمَ رسول اللَّه الذي سمّاني به على اسمي.
فقال عثمان: أنت الذي تزعم أنّا نقول: إنّ يد اللَّه مغلولة؛ وإنّ اللَّه فقير ونحن أغنياء!
فقال أبوذرّ: لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مالَ اللَّه على عباده! ولكنّي أشهد لَسمعتُ رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مالَ اللَّه دولاً، وعبادَ اللَّه خولاً، ودينَ اللَّه دخلاً.
فقال عثمان لمن حضره: أسَمِعتموها من نبي اللَّه؟! فقالوا: ما سمعناه. فقال عثمان: ويلك يا أباذرّ! أتكذب على رسول اللَّه!
فقال أبوذرّ لمن حضر: أما تظنّون أنّي صدقت! قالوا: لا واللَّه ما ندري.
فقال عثمان: ادعُوا لي عليّاً. فدُعيَ، فلمّا جاء قال عثمان لأبي ذرّ: اقصُص عليه حديثك في بني أبي العاص! فحدّثه، فقال عثمان لعليٍّ: هل سمعتَ هذا من رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؟
فقال عليّ(عليه السلام) : لا، وقد صدق أبوذرّ.
قال عثمان: بمَ عرفت صدقه؟
قال: لأنّي سمعتُ رسولَ اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء من ذي لَهجةٍ أصدق من أبي فقال جميع من حضر من أصحاب النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : لقد صدق أبوذرّ.
فقال أبوذرّ: اُحدّثكم أنّي سمعت هذا من رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ثمّ تتّهمونني!! ما كنتُ أظنّ أنّي أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمّد
تاريخ اليعقوبي: بلغ عثمان أنّ أباذرّ يقع فيه، ويذكر ما غُيّر وبُدّل من سنن رسول اللَّه، وسنن أبي بكر وعمر، فسيّره إلى الشام إلى معاوية.
وكان يجلس في المسجد، فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه الناس، حتى كثر من يجتمع إليه، ويسمع منه. وكان يقف على باب دمشق-إذا صلّى صلاة الصبح فيقول: جاءت القطار تحمل النار، لعن اللَّه الآمرين بالمعروف والتاركين له، ولعن اللَّه الناهين عن المنكر والآتين له.
وكتب معاوية إلى عثمان: إنّك قد أفسدتَ الشام على نفسك بأبي ذرّ. فكتب إليه: أن احمله على قَتَب بغير وطاءٍ. فقدِم به إلى المدينة، وقد ذهب لحم فخذيه....
فلم يُقِم بالمدينة إلّا أياماً، حتى أرسل إليه عثمان: واللَّه لتخرجنّ عنها!
قال: أتُخرجني من حرم رسول اللَّه؟! قال: نعم، وأنفك راغم.
قال: فإلى مكّة؟ قال: لا.
قال: فإلى البصرة؟ قال: لا.
قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا ولكن إلى الرَّبَذة التي خرجتَ منها، حتى تموت بها. يا مروان، أخرِجه، ولا تدَع أحداً يُكلّمه حتى يخرج.
مروج الذهب-في ذكر ما طُعن به على عثمان-: ومن ذلك ما فعل بأبي ذرّ؛ وهو أنّه حضر مجلسَه ذات يوم، فقال عثمان: أرأيتم من زكّى ماله، هل فيه حقّ لغيره؟ فقال كعب: لا، يا أميرالمؤمنين.
فدفع أبوذرّ في صدر كعب، وقال له: كذبتَ يابن اليهودي، ثمّ تلا: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الآية.
فقال عثمان: أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بيت مال المسلمين فنُنفقه فيما ينوبنا من اُمورنا، ونعطيكموه؟ فقال كعب: لا بأس بذلك.
فرفع أبوذرّ العصا، فدفع بها في صدر كعب، وقال: يابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا!
فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي! غيِّبْ وجهك عنّي؛ فقد آذيتنا. فخرج أبوذرّ إلى الشام.
فكتب معاوية إلى عثمان: إنّ أباذرّ تجتمع إليه الجموع، ولا آمن أن يُفسدهم عليك، فإن كان لك في القوم حاجة فأحمله إليك.
فكتب إليه عثمان بحمله. فحمله على بعير، عليه قَتَب يابس، معه خمسة من الصقالبة يطيرون به، حتى أتوا به المدينة، وقد تسلّخت بواطن أفخاذه، وكاد أن يتلف، فقيل له: إنّك تموت من ذلك. فقال: هيهات، لن أموت حتى اُنفى. وذكر جوامع ما ينزل به بعدُ، ومن يتولّى دفنه.
فأحسن إليه في داره أيّاماً، ثمّ دخل إليه فجلس على ركبتيه، وتكلّم بأشياء، وذكر الخبر في ولد أبي العاص: «إذا بلغوا ثلاثين رجلاً اتّخذوا عباد اللَّه خوَلاً»... وكان في ذلك اليوم قد أتى عثمان بتركة عبدالرحمن بن عوف الزهري من المال، فنثرت البِدَر حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم، فقال عثمان: إنّي لأرجو لعبدالرحمن خيراً؛ لأنّه كان يتصدّق، ويقري الضيف، وترك ما ترون.
فقال كعب الأحبار: صدقت يا أميرالمؤمنين، فشال أبوذرّ العصا، فضرب بها رأس كعب، ولم يشغله ما كان فيه من الألم، وقال: يابن اليهودي تقول لرجل مات وترك هذا المال: إنّ اللَّه أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة، وتقطع على اللَّه بذلك! وأنا سمعت النبيّ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول:« ايسرّني أن أموت وأدع ما يَزِن قيراطاً»!!
فقال له عثمان: وارِ عنّي وجهك. فقال: أسير إلى مكّة؟ قال: لا واللَّه. قال: فتمنعني من بيت ربّي أعبده فيه حتى أموت؟ قال: إي واللَّه.
قال: فإلى الشام؟ قال: لا واللَّه.
قال: البصرة؟ قال: لا واللَّه، فاختَر غير هذه البلدان.
قال: لا واللَّه، ما أختار غير ما ذكرت لك، ولو تركتني في دار هجرتي ما أردتُ شيئاً من البلدان، فسيّرني حيث شئت من البلاد.
قال: فإنّي مسيّرك إلى الرَّبَذة. قال: اللَّه أكبر! صدق رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؛ قد أخبرني بكلّ ما أنا لاقٍ.
قال عثمان: وما قال لك؟! قال: أخبرني بأنّي اُمنع عن مكّة والمدينة، وأموت بالرَّبَذة، ويتولّى مواراتي نفر ممّن يَرِدون من العراق نحو الحجاز.
وبعث أبوذرّ إلى جمل له، فحمل عليه امرأته، وقيل: ابنته. وأمر عثمان أن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الرَّبَذة.
فلمّا طلع عن المدينة-ومروان يُسيّرُ[ه ] عنها-طلع عليه عليّ بن أبي طالب(رضى اللّه عنه)، ومعه ابناه الحسن والحسين، وعقيل أخوه، وعبداللَّه بن جعفر، وعمّار بن ياسر.
فاعترض مروان، فقال: يا عليّ، إنّ أميرالمؤمنين قد نهى الناس أن يصحبوا أباذرّ في مسيره ويشيّعوه، فإن كنت لم تدرِ بذلك فقد أعلمتُك!
فحمل عليه عليّ بن أبي طالب بالسوط، وضرب بين اُذني راحلته، وقال: تَنَحَّ، نحّاك اللَّه إلى النار. ومضى مع أبي ذرّ فشيّعه، ثمّ ودَّعه وانصرف.
فلمّا أراد عليٌّ الانصراف بكى أبوذرّ، وقال: رحمكم اللَّه أهل البيت، إذا رأيتك يا أباالحسن وولدك ذكرتُ بكم رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
فشكا مروانُ إلى عثمان ما فعل به عليّ بن أبي طالب، فقال عثمان: يا معشر المسلمين! من يعذرني من عليّ؟ ردَّ رسولي عمّا وجّهته له، وفعل كذا، واللَّه لنعطينّه حقّه!
فلمّا رجع عليٌّ استقبله الناس، فقالوا له: إنّ أميرالمؤمنين عليك غضبان؛ لتشييعك أباذرّ. فقال عليّ: «غَضبُ الخيلِ على اللُّجُم». وهي من أمثال العرب تضرب لمن يغضب غضبا
لا ينتفع به ولا موضع له
فلمّا كان بالعشي جاء إلى عثمان، فقال له: ما حملك على ما صنعتَ بمروان! ولِمَ اجترأتَ عليّ، ورددتَ رسولي وأمري؟!
قال: أمّا مروان؛ فإنّه استقبلني يردّني، فرددتُه عن ردّي. وأمّا أمرك فلم أردّه.
قال عثمان: ألم يبلغك أنّي قد نهيتُ الناس عن أبي ذرّ وعن تشييعه؟
فقال عليّ: أوَكلّ ما أمرتَنا به من شي ء نرى طاعة اللَّه والحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك!! باللَّه لا نفعل.
قال عثمان: أقِد مروان.
قال: ومِمّ أقيده؟
قال: ضربت بين اُذني راحلته، وشتمتَه، فهو شاتمك وضارب بين اُذني راحلتك.
قال عليّ: أمّا راحلتي فهي تلك، فإن أراد أن يضربها كما ضربتُ راحلتَه فليفعل، وأمّا أنا فوَاللَّه لئن شتمني لأشتمنَّك أنتَ مثلَها بما لا أكذب فيه، ولا أقول إلّا حقّاً.
قال عثمان: ولِم لا يشتمك إذا شتمته؟!، فوَ اللَّه ما أنت عندي بأفضل منه!
فغضب عليّ بن أبي طالب، وقال: ألي تقول هذا القول؟! وبمروان تعدلني!! فأنا واللَّه أفضل منك! وأبي أفضل من أبيك! واُمّي أفضل من اُمّك! وهذه نبلي قد نثلتها، وهلُمّ فانثلْ بنبلك.
فغضب عثمان، واحمرّ وجهه، فقام ودخل داره. وانصرف عليّ، فاجتمع إليه أهل بيته، ورجال من المهاجرين والأنصار.
شرح نهج البلاغة: إنّ أباذرّ لمّا دخل على عثمان، قال له: لا أنعم اللَّه بك عيناً يا جُنَيْدِب! فقال أبوذرّ: أنا جُنيدب، وسمّاني رسولُ اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عبدَاللَّه، فاخترتُ اسمَ رسول اللَّه الذي سمّاني به على اسمي.
فقال عثمان: أنت الذي تزعم أنّا نقول: إنّ يد اللَّه مغلولة؛ وإنّ اللَّه فقير ونحن أغنياء!
فقال أبوذرّ: لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مالَ اللَّه على عباده! ولكنّي أشهد لَسمعتُ رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مالَ اللَّه دولاً، وعبادَ اللَّه خولاً، ودينَ اللَّه دخلاً.
فقال عثمان لمن حضره: أسَمِعتموها من نبي اللَّه؟! فقالوا: ما سمعناه. فقال عثمان: ويلك يا أباذرّ! أتكذب على رسول اللَّه!
فقال أبوذرّ لمن حضر: أما تظنّون أنّي صدقت! قالوا: لا واللَّه ما ندري.
فقال عثمان: ادعُوا لي عليّاً. فدُعيَ، فلمّا جاء قال عثمان لأبي ذرّ: اقصُص عليه حديثك في بني أبي العاص! فحدّثه، فقال عثمان لعليٍّ: هل سمعتَ هذا من رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؟
فقال عليّ(عليه السلام) : لا، وقد صدق أبوذرّ.
قال عثمان: بمَ عرفت صدقه؟
قال: لأنّي سمعتُ رسولَ اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء من ذي لَهجةٍ أصدق من أبي فقال جميع من حضر من أصحاب النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : لقد صدق أبوذرّ.
فقال أبوذرّ: اُحدّثكم أنّي سمعت هذا من رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ثمّ تتّهمونني!! ما كنتُ أظنّ أنّي أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمّد
تاريخ اليعقوبي: بلغ عثمان أنّ أباذرّ يقع فيه، ويذكر ما غُيّر وبُدّل من سنن رسول اللَّه، وسنن أبي بكر وعمر، فسيّره إلى الشام إلى معاوية.
وكان يجلس في المسجد، فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه الناس، حتى كثر من يجتمع إليه، ويسمع منه. وكان يقف على باب دمشق-إذا صلّى صلاة الصبح فيقول: جاءت القطار تحمل النار، لعن اللَّه الآمرين بالمعروف والتاركين له، ولعن اللَّه الناهين عن المنكر والآتين له.
وكتب معاوية إلى عثمان: إنّك قد أفسدتَ الشام على نفسك بأبي ذرّ. فكتب إليه: أن احمله على قَتَب بغير وطاءٍ. فقدِم به إلى المدينة، وقد ذهب لحم فخذيه....
فلم يُقِم بالمدينة إلّا أياماً، حتى أرسل إليه عثمان: واللَّه لتخرجنّ عنها!
قال: أتُخرجني من حرم رسول اللَّه؟! قال: نعم، وأنفك راغم.
قال: فإلى مكّة؟ قال: لا.
قال: فإلى البصرة؟ قال: لا.
قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا ولكن إلى الرَّبَذة التي خرجتَ منها، حتى تموت بها. يا مروان، أخرِجه، ولا تدَع أحداً يُكلّمه حتى يخرج.
مروج الذهب-في ذكر ما طُعن به على عثمان-: ومن ذلك ما فعل بأبي ذرّ؛ وهو أنّه حضر مجلسَه ذات يوم، فقال عثمان: أرأيتم من زكّى ماله، هل فيه حقّ لغيره؟ فقال كعب: لا، يا أميرالمؤمنين.
فدفع أبوذرّ في صدر كعب، وقال له: كذبتَ يابن اليهودي، ثمّ تلا: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الآية.
فقال عثمان: أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بيت مال المسلمين فنُنفقه فيما ينوبنا من اُمورنا، ونعطيكموه؟ فقال كعب: لا بأس بذلك.
فرفع أبوذرّ العصا، فدفع بها في صدر كعب، وقال: يابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا!
فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي! غيِّبْ وجهك عنّي؛ فقد آذيتنا. فخرج أبوذرّ إلى الشام.
فكتب معاوية إلى عثمان: إنّ أباذرّ تجتمع إليه الجموع، ولا آمن أن يُفسدهم عليك، فإن كان لك في القوم حاجة فأحمله إليك.
فكتب إليه عثمان بحمله. فحمله على بعير، عليه قَتَب يابس، معه خمسة من الصقالبة يطيرون به، حتى أتوا به المدينة، وقد تسلّخت بواطن أفخاذه، وكاد أن يتلف، فقيل له: إنّك تموت من ذلك. فقال: هيهات، لن أموت حتى اُنفى. وذكر جوامع ما ينزل به بعدُ، ومن يتولّى دفنه.
فأحسن إليه في داره أيّاماً، ثمّ دخل إليه فجلس على ركبتيه، وتكلّم بأشياء، وذكر الخبر في ولد أبي العاص: «إذا بلغوا ثلاثين رجلاً اتّخذوا عباد اللَّه خوَلاً»... وكان في ذلك اليوم قد أتى عثمان بتركة عبدالرحمن بن عوف الزهري من المال، فنثرت البِدَر حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم، فقال عثمان: إنّي لأرجو لعبدالرحمن خيراً؛ لأنّه كان يتصدّق، ويقري الضيف، وترك ما ترون.
فقال كعب الأحبار: صدقت يا أميرالمؤمنين، فشال أبوذرّ العصا، فضرب بها رأس كعب، ولم يشغله ما كان فيه من الألم، وقال: يابن اليهودي تقول لرجل مات وترك هذا المال: إنّ اللَّه أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة، وتقطع على اللَّه بذلك! وأنا سمعت النبيّ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول:« ايسرّني أن أموت وأدع ما يَزِن قيراطاً»!!
فقال له عثمان: وارِ عنّي وجهك. فقال: أسير إلى مكّة؟ قال: لا واللَّه. قال: فتمنعني من بيت ربّي أعبده فيه حتى أموت؟ قال: إي واللَّه.
قال: فإلى الشام؟ قال: لا واللَّه.
قال: البصرة؟ قال: لا واللَّه، فاختَر غير هذه البلدان.
قال: لا واللَّه، ما أختار غير ما ذكرت لك، ولو تركتني في دار هجرتي ما أردتُ شيئاً من البلدان، فسيّرني حيث شئت من البلاد.
قال: فإنّي مسيّرك إلى الرَّبَذة. قال: اللَّه أكبر! صدق رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؛ قد أخبرني بكلّ ما أنا لاقٍ.
قال عثمان: وما قال لك؟! قال: أخبرني بأنّي اُمنع عن مكّة والمدينة، وأموت بالرَّبَذة، ويتولّى مواراتي نفر ممّن يَرِدون من العراق نحو الحجاز.
وبعث أبوذرّ إلى جمل له، فحمل عليه امرأته، وقيل: ابنته. وأمر عثمان أن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الرَّبَذة.
فلمّا طلع عن المدينة-ومروان يُسيّرُ[ه ] عنها-طلع عليه عليّ بن أبي طالب(رضى اللّه عنه)، ومعه ابناه الحسن والحسين، وعقيل أخوه، وعبداللَّه بن جعفر، وعمّار بن ياسر.
فاعترض مروان، فقال: يا عليّ، إنّ أميرالمؤمنين قد نهى الناس أن يصحبوا أباذرّ في مسيره ويشيّعوه، فإن كنت لم تدرِ بذلك فقد أعلمتُك!
فحمل عليه عليّ بن أبي طالب بالسوط، وضرب بين اُذني راحلته، وقال: تَنَحَّ، نحّاك اللَّه إلى النار. ومضى مع أبي ذرّ فشيّعه، ثمّ ودَّعه وانصرف.
فلمّا أراد عليٌّ الانصراف بكى أبوذرّ، وقال: رحمكم اللَّه أهل البيت، إذا رأيتك يا أباالحسن وولدك ذكرتُ بكم رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
فشكا مروانُ إلى عثمان ما فعل به عليّ بن أبي طالب، فقال عثمان: يا معشر المسلمين! من يعذرني من عليّ؟ ردَّ رسولي عمّا وجّهته له، وفعل كذا، واللَّه لنعطينّه حقّه!
فلمّا رجع عليٌّ استقبله الناس، فقالوا له: إنّ أميرالمؤمنين عليك غضبان؛ لتشييعك أباذرّ. فقال عليّ: «غَضبُ الخيلِ على اللُّجُم». وهي من أمثال العرب تضرب لمن يغضب غضبا
لا ينتفع به ولا موضع له
فلمّا كان بالعشي جاء إلى عثمان، فقال له: ما حملك على ما صنعتَ بمروان! ولِمَ اجترأتَ عليّ، ورددتَ رسولي وأمري؟!
قال: أمّا مروان؛ فإنّه استقبلني يردّني، فرددتُه عن ردّي. وأمّا أمرك فلم أردّه.
قال عثمان: ألم يبلغك أنّي قد نهيتُ الناس عن أبي ذرّ وعن تشييعه؟
فقال عليّ: أوَكلّ ما أمرتَنا به من شي ء نرى طاعة اللَّه والحقّ في خلافه اتّبعنا فيه أمرك!! باللَّه لا نفعل.
قال عثمان: أقِد مروان.
قال: ومِمّ أقيده؟
قال: ضربت بين اُذني راحلته، وشتمتَه، فهو شاتمك وضارب بين اُذني راحلتك.
قال عليّ: أمّا راحلتي فهي تلك، فإن أراد أن يضربها كما ضربتُ راحلتَه فليفعل، وأمّا أنا فوَاللَّه لئن شتمني لأشتمنَّك أنتَ مثلَها بما لا أكذب فيه، ولا أقول إلّا حقّاً.
قال عثمان: ولِم لا يشتمك إذا شتمته؟!، فوَ اللَّه ما أنت عندي بأفضل منه!
فغضب عليّ بن أبي طالب، وقال: ألي تقول هذا القول؟! وبمروان تعدلني!! فأنا واللَّه أفضل منك! وأبي أفضل من أبيك! واُمّي أفضل من اُمّك! وهذه نبلي قد نثلتها، وهلُمّ فانثلْ بنبلك.
فغضب عثمان، واحمرّ وجهه، فقام ودخل داره. وانصرف عليّ، فاجتمع إليه أهل بيته، ورجال من المهاجرين والأنصار.