الناصرلدين الله
13-05-2012, 02:18 AM
السير والسلوك مصطلح يراد منه اتخاذ واتباع منهج ومسلك فكري وعملي وعبادي يوصل الإنسان السالك إلى الله تعالى ويجعله قريباً من رحمته ورضوانه. ولعل هذا المصطلح يُعدُّ تعبيراً آخر عن العرفان العملي.
ولقد تعددت وجهات النظر واختلفت في النظرة إلى كيفية وطرائق السير والسلوك، وأيها الطرق والأساليب القويمة التي توصل إلى لقاء الله تعالى فعلاً وأيها لا توصل بل قد تزيد السالك بعداً، على طريقة {الأخسرين أعمالاً}. ومن الناس من اختار طرائق محددة وشعائر وأوراداً خاصة معتبراً إياها المسلك الأوحد المؤدي إلى اللقاء دون أي طريق آخر، وقد رسم هؤلاء لأنفسهم وأتباعهم منهجاً خاصاً ومعقداً وغريباً أحياناً يشتمل على مجموعة من الأعمال والأوراد والأذكار والأفعال التي قد يلامس بعضها حدَّ الحرمة كإيذاء الجسد أو الروح بأعمال شاقة بقصد تقوية الإرادة والعزم؛ وقد يبتعد بعضها الآخر عن بعض الواجبات أو العبادات على أنها واجبات أو عبادات تختص بعوام المؤمنين دون السالكين من أهل السير والسلوك؟!!. والواقع أن هؤلاء رسموا طريقاً خاصاً بهم للسير والسلوك بعيداً عن تعاليم الإسلام الحنيف ظناً منهم بأنه يؤدي إلى الهدف والغاية وهي لقاء الله والوصول إلى رضوانه، وبفعلهم هذا سلكوا مسلكاً خاطئاً ووعراً يبعد الإنسان عن الهدف بل يسير به في الاتجاه المعاكس تماماً لا يطاع الله من حيث يُعصى.
وليس غرضنا في هذه المقالة بيان الآراء والمذاهب العرفانية المختلفة بغض النظر عن سقمها أو صحتها، بل الاطلالة على الأسس التي يبتني عليها السير والسلوك من وجهة نظر الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، والتي هي برأينا تعبير صادق عن وجهة نظر الإسلام الأصيل. ونحن عندما نطل على الفكر العرفاني عند الإمام ونبحث في كلماته وسيرته حول طرائق وأسس السير والسلوك التي تحدث عنها أو اتبعها للوصول إلى معشوقه، نجد أن الإمام قد اهتدى وبكل بساطة إلى المنهج الإسلامي والقرآني للعرفان ولم يحد عنه أبداً بل وعاه جيداً وطبقه خير تطبيق، فالطريق الذي ينبغي أن يسلكه السائر إلى الله هو ليس سوى الصراط المستقيم الذي هو التعبير القرآني عن المنهج القويم.
والطريق الواضح والأوحد الذي ينبغي لكل طلاب الحقيقة أن يتجهوا من خلاله في طريق سيرهم وسلوكهم إلى الله تعالى، وأنه لا سبيل آخر للوصول إلى لقاء المحبوب غير سلوك هذا الطريق القويم والصراط السوي والذي ما أرسلت الأنبياء ولا تنزلت الكتب إلا لأجل الهداية إليه وإرشاد الحائرين والتائهين نحوه. فالقضية بكل اختصار ووضوح هي الهداية إلى الصراط المستقيم والذي هو ليس سوى محصلة للاتباع الصادق والدائم لجميع تعاليم القرآن والإسلام وأحكامهما والتي بيّنها النبي (صلى الله عليه وآله9 وأوصياؤه الكرام عبر كلماتهم الهادية وسيرتهم المرشدة وتعاليمهم الإلهية. وبهذا التوضيح فإن السير والسلوك والعرفان عند الإمام ليس منهجاً أو فكراً مختلفاً عن منهج وفكر الإسلام والقرآن، ولا هو حتى طريقة غير الطرق التي بيّنها النبي والأوصياء المعصومون (عليهم السلام)، ومن باب أولى أنه ليس مذهباً أو ديناً خاصاً يطلع عليه الصفوة من المؤمنين ويجهله الباقون أو لا يحق لهم معرفته!!
إن السير والسلوك والوصول إلى العرفان الحقيقي ليس سوى ناتج طبيعي عن مداومة الالتزام الصادق والتام بأحكام الدين الحنيف وتعاليمه وبنحوٍ شامل وعميق، والتفاعل مع ما ندب إليه الدين من سنن ومستحبات وأخلاقيات والابتعاد عما نبذه من مكروهات، والعيش مع القرآن وآياته والأنس مع الله تعالى بفنون الأدعية الرائعة والنورانية المأثورة عن النبي والآل الكرام، إلى غير ذلك من تعاليم الدين الحنيف، والمأمول، وبعد المواظبة على كل ذلك وبعد سنوات من الصبر في طريق مجاهدة النفس أن يصل الإنسان السالك إلى لقاء الله، فيكون السير والسلوك هنا عبارة عن التقدم والثبات في طريق الجهاد الأكبر وإحراز النصر تلو النصر في هذه الساحة المليئة بجنود النفس الأمارة والشياطين من الإنس والجان، وليكون لقاء الحبيب في نهاية المطاف بعد القضاء على كل أعدائه وتطهير النفس والقلب الذي هو عرش الرحمن من كل وثن يعبد من دونه.
وفي إطار هذا الفهم للسير والسلوك في فكر الإمام الخميني (قدس سره)، نشير إلى بعض الأسس التي تعد معالم أساسية في هذا الطريق:
ــ الحضور في الساحة: إن من الأخطاء الكبيرة التي قد يقع فيها بعض السالكين هي الظن بأن القرب من الله تعالى لا يتحقق مع الحضور في ساحات العمل بين الناس، ولابد من الابتعاد بالتالي عن مواطن الاحتكاك بالناس من أهل الدنيا وهجر الأنشطة الاجتماعية والسياسية وحتى العمل الخاص أحياناً وذلك بقصد التفرغ للعبادة. والحق أنه لا يمكن تصور سير وسلوك حقيقيين بعيداً عن معترك الحياة وتحمل الصعاب والغصص في هذا المضمار، فالسالك هو الشخص الفاعل في محيطه ومجتمعه الكاد على عياله، المهتم بأمور المسلمين السائر في خدمتهم وحل مشاكلهم، لأنه من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم على حد تعبير الحديث. فكيف لا يكون مسلماً ويكون سالكاً واصلاً إلى لقاء الله ورضوانه؟!! فالطريق إلى الله هو طريق كدح وتعب لا طريق راحة وقعود {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}.
ــ أداء التكليف الشرعي مهما كان الثمن ومهما كانت النتيجة: وهذا من الأسس المهمة في بناء شخصية السالك إلى الله، ولتحقيق هذا المهم ينبغي أن يمتلك الإنسان السالك من العزم والارادة والتصميم ما يكفي وفي كل أوقاته وأحواله، ليأخذ قراراً لا عودة عنه بأن يمتثل أمر الله تعالى في أي زمان ومكان ومهما كانت الظروف والنتائج ومهما بلغت التضحيات، وليكون جاهزاً كلما لزم الأمر وقضى التكليف الشرعي بأن يقدم التضحية تلو الأخرى وبالغالي والنفيس بغير تردد أو وجل وصولاً إلى تقديم النفس والروح رخيصة في سبيل الله تعالى. وليعلم بأن كل التعاليم الإسلامية والسنن الأخلاقية والمستحبات والندب إلى قراءة القرآن والتوسل بأدعية الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وما أشبه ذلك إنما كان وسيلة من أجل تحصيل هذه الحالة من امتثال أمر التكليف الشرعي كما فعل حماة الدين ومن سار على هديهم بروح ملؤها الاطمئنان بالله وبشعار ألسنا على الحق، إذن لا يهم أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا.
ــ اختيار طريق الجهاد كأقصر الطرق إلى الله: باعتبار أن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وأنه أقصر الطرق إلى لقاء الله، فلابد إذاً للسالك على نحو الحقيقة، أن يختار نهج الجهاد وطريقه، ومن يعرض عن هذا الدرب لا يكون سالكاً حقاً بل مجرد مدعٍ بالقول بل وحتى بالعمل، لأن السالك هدفه هو لقاء الله تعالى، ومن كان هدفه لقاء الحبيب والمعشوق الحقيقي والأوحد لابد وأن يكون حريصاً على الاسراع في اللحاق بحبيبه وعجلت إليك ربي لترضى. وهذه سيرة الأنبياء والأولياء تشهد على ذلك من خلال عشقهم لساحات الوغى ولقاء العدو طلباً للشهادة الموصلة للقاء المعشوق بأسرع طريق وأفضل حال. أما الاسراع فيتحقق بالقتل ومغادرة الروح لهذه الدنيا قبل الأوان أولاً ويتحقق كذلك من خلال تجاوز مرحلة الحياة البرزخية أو اختزالها ليتم اللقاء الأبدي في جنة القرب والخلد الإلهي قبل يوم القيامة، وهذا وحده يكفي السالك لاختيار طريق الجهاد. وأما حال اللقاء فنعم الحال فهو لقاء الحبيب بحبيبه المضرج بدماء عشق اللقاء لا يسبق ذلك حساب ولا يتبعه عتاب، أولا يكفي هذا لتشرئب أعناق السالكين متطلعة إلى درب الجهاد سالكة إياه دون باقي الدروب الطويلة، هذا إضافة إلى شيء آخر وهو أنَّ طريق الجهاد هو أسرع طريق في بناء الأنفس وتزكيتها وذلك بسرعة قياسية لا نظير لها بحيث لا يوجد في هذا العالم مكان أو ظرف يسمحان بهذه السرعة في طي مراحل تهذيب النفس وتزكيتها كميادين القتال والجهاد في سبيل الله، يقول الإمام الخميني (قدس سره) اشارة إلى المجاهدين: «لقد طوى هؤلاء في ليلة واحدة طريق مئة سنة، وقد وصلت أيديهم وبشكل مباغت إلى كل ما يتمناه العرفاء والشعراء من العرفاء في سنوات متمادية، ونقلوا العشق للقاء الله من الشعار إلى العمل، وثبتوا آمال الشهادة من خلال أعمالهم في جبهات الدفاع عن الإسلام العزيز». وفي نفس هذا السياق يقول سماحة السيد القائد الخامنئي (دام ظله): «إن بعض الشباب في الجبهات من أبناء 13 إلى 20 سنة استطاعوا أن يصلوا إلى مقام ودرجة عند الله عجز الكثير من أهل السير والسلوك والعرفان من الوصول إليها بعشرات السنين».
ــ مراعاة التدرج في طريق طي مراتب الكمال: وهو أمر لابد منه للسالك حيث يصعب جداً بلوغ مرتبة الكمال المطلوب دفعة واحدة، بل لابد من التدرج مع ما يصاحب ذلك من تعثر وسقوط يتبعه قيام ومتابعة ومن ثم تعثر وقيام وهكذا دواليك للوصول أخيراً إلى مرحلة تنعدم أو تندر معها حالات التعثر فيوفق الإنسان السالك إلى بلوغ درجة الكمال ونهاية الامال وليعلم أنه لابد لطي هذا الطريق التصاعدي وبلوغ القمة من العمل والسعي ما أمكن وبجد للانتقال من فعل الواجب فقط إلى المستحب ومن ترك الحرام فقط إلى ترك المكروه أو حتى المباح إذا قدر، وكذلك التدرج صعوداً ورقياً في المواظبة على قراءة القرآن والأدعية والمناجاة والانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى. وهذا يعتبر أساساً لازماً في مسيرة السير والسلوك ليستعين في طريقه الطويل والشاق من مشاعل الهداية تلك وزيت التقوى وترانيم الدعاء، ما يمكنه من مواجهة مهاوي الطريق وزلات المسير بإذن الله تعالى.
ــ ملازمة الدعاء والتضرع إلى الله والتوسل إليه تعالى بأحب خلقه إليه محمد وآله الطاهرين، وأن يكون محور دعائه وتوسله بأن يعينه الله في طريق سيره وسلوكه على نفسه وهواه، وأن يخرج حب الدنيا من قلبه وأن يرزقه محبته ومحبة أوليائه المعصومين، لأنه وبغير هذا الدعاء الصادق والدائم لا يمكن للسالك أن يصل إلى خير وإن ظن ذلك، وليعلم بأن سادتنا الأطهار قد تركوا لنا من فنون الأدعية والمناجاة العرفانية والتربوية ما يعجز اللسان عن شكر نعمتها.
ــ عدم الوقوع في شرك أتباع بعض الطرق الصوفية الخاطئة والمسالك العرفانية الباطلة ولو كانت جزئية أو بسيطة، فكل عمل أو ورد أو طريقة تعرض على السالك على أن لها آثاراً وفوائد عرفانية ومسلكية لابد قبل العمل بها من تحصيل أحد أمرين: أولهما أن نجد لها أصلاً في تعاليم الإسلام والقرآن ومنهج النبي وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وثانيهما إن لم يتحقق الأول بشكل صريح أن لا يخالف ذلك الورد أو العمل سنة أو مستحباً أولى منه، وأن لا يكون فيه كراهية فضلاً عن الحرمة والعياذ بالله، وينصح هنا بعدم الانجرار أصلاً وراء هذا النوع من الطرق والأعمال والأوراد سوى ما كان منها وارداً في كتب الأدعية والأعمال المعتبرة ككتاب مفاتيح الجنان للمحقق الشيخ عباس القمي (رحمه الله). وبنظري القاصر فإن في كتاب الأدعية هذا من الكنوز العرفانية والأدعية والأعمال والأوراد ما يفي بالغرض وزيادة للوصول بالسالك إلى بر الأمان وموطن العشق، هذا إضافة للقرآن الكريم والالتزام بالتكاليف الشرعية والأخلاق الإسلامية الحميدة
ولقد تعددت وجهات النظر واختلفت في النظرة إلى كيفية وطرائق السير والسلوك، وأيها الطرق والأساليب القويمة التي توصل إلى لقاء الله تعالى فعلاً وأيها لا توصل بل قد تزيد السالك بعداً، على طريقة {الأخسرين أعمالاً}. ومن الناس من اختار طرائق محددة وشعائر وأوراداً خاصة معتبراً إياها المسلك الأوحد المؤدي إلى اللقاء دون أي طريق آخر، وقد رسم هؤلاء لأنفسهم وأتباعهم منهجاً خاصاً ومعقداً وغريباً أحياناً يشتمل على مجموعة من الأعمال والأوراد والأذكار والأفعال التي قد يلامس بعضها حدَّ الحرمة كإيذاء الجسد أو الروح بأعمال شاقة بقصد تقوية الإرادة والعزم؛ وقد يبتعد بعضها الآخر عن بعض الواجبات أو العبادات على أنها واجبات أو عبادات تختص بعوام المؤمنين دون السالكين من أهل السير والسلوك؟!!. والواقع أن هؤلاء رسموا طريقاً خاصاً بهم للسير والسلوك بعيداً عن تعاليم الإسلام الحنيف ظناً منهم بأنه يؤدي إلى الهدف والغاية وهي لقاء الله والوصول إلى رضوانه، وبفعلهم هذا سلكوا مسلكاً خاطئاً ووعراً يبعد الإنسان عن الهدف بل يسير به في الاتجاه المعاكس تماماً لا يطاع الله من حيث يُعصى.
وليس غرضنا في هذه المقالة بيان الآراء والمذاهب العرفانية المختلفة بغض النظر عن سقمها أو صحتها، بل الاطلالة على الأسس التي يبتني عليها السير والسلوك من وجهة نظر الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، والتي هي برأينا تعبير صادق عن وجهة نظر الإسلام الأصيل. ونحن عندما نطل على الفكر العرفاني عند الإمام ونبحث في كلماته وسيرته حول طرائق وأسس السير والسلوك التي تحدث عنها أو اتبعها للوصول إلى معشوقه، نجد أن الإمام قد اهتدى وبكل بساطة إلى المنهج الإسلامي والقرآني للعرفان ولم يحد عنه أبداً بل وعاه جيداً وطبقه خير تطبيق، فالطريق الذي ينبغي أن يسلكه السائر إلى الله هو ليس سوى الصراط المستقيم الذي هو التعبير القرآني عن المنهج القويم.
والطريق الواضح والأوحد الذي ينبغي لكل طلاب الحقيقة أن يتجهوا من خلاله في طريق سيرهم وسلوكهم إلى الله تعالى، وأنه لا سبيل آخر للوصول إلى لقاء المحبوب غير سلوك هذا الطريق القويم والصراط السوي والذي ما أرسلت الأنبياء ولا تنزلت الكتب إلا لأجل الهداية إليه وإرشاد الحائرين والتائهين نحوه. فالقضية بكل اختصار ووضوح هي الهداية إلى الصراط المستقيم والذي هو ليس سوى محصلة للاتباع الصادق والدائم لجميع تعاليم القرآن والإسلام وأحكامهما والتي بيّنها النبي (صلى الله عليه وآله9 وأوصياؤه الكرام عبر كلماتهم الهادية وسيرتهم المرشدة وتعاليمهم الإلهية. وبهذا التوضيح فإن السير والسلوك والعرفان عند الإمام ليس منهجاً أو فكراً مختلفاً عن منهج وفكر الإسلام والقرآن، ولا هو حتى طريقة غير الطرق التي بيّنها النبي والأوصياء المعصومون (عليهم السلام)، ومن باب أولى أنه ليس مذهباً أو ديناً خاصاً يطلع عليه الصفوة من المؤمنين ويجهله الباقون أو لا يحق لهم معرفته!!
إن السير والسلوك والوصول إلى العرفان الحقيقي ليس سوى ناتج طبيعي عن مداومة الالتزام الصادق والتام بأحكام الدين الحنيف وتعاليمه وبنحوٍ شامل وعميق، والتفاعل مع ما ندب إليه الدين من سنن ومستحبات وأخلاقيات والابتعاد عما نبذه من مكروهات، والعيش مع القرآن وآياته والأنس مع الله تعالى بفنون الأدعية الرائعة والنورانية المأثورة عن النبي والآل الكرام، إلى غير ذلك من تعاليم الدين الحنيف، والمأمول، وبعد المواظبة على كل ذلك وبعد سنوات من الصبر في طريق مجاهدة النفس أن يصل الإنسان السالك إلى لقاء الله، فيكون السير والسلوك هنا عبارة عن التقدم والثبات في طريق الجهاد الأكبر وإحراز النصر تلو النصر في هذه الساحة المليئة بجنود النفس الأمارة والشياطين من الإنس والجان، وليكون لقاء الحبيب في نهاية المطاف بعد القضاء على كل أعدائه وتطهير النفس والقلب الذي هو عرش الرحمن من كل وثن يعبد من دونه.
وفي إطار هذا الفهم للسير والسلوك في فكر الإمام الخميني (قدس سره)، نشير إلى بعض الأسس التي تعد معالم أساسية في هذا الطريق:
ــ الحضور في الساحة: إن من الأخطاء الكبيرة التي قد يقع فيها بعض السالكين هي الظن بأن القرب من الله تعالى لا يتحقق مع الحضور في ساحات العمل بين الناس، ولابد من الابتعاد بالتالي عن مواطن الاحتكاك بالناس من أهل الدنيا وهجر الأنشطة الاجتماعية والسياسية وحتى العمل الخاص أحياناً وذلك بقصد التفرغ للعبادة. والحق أنه لا يمكن تصور سير وسلوك حقيقيين بعيداً عن معترك الحياة وتحمل الصعاب والغصص في هذا المضمار، فالسالك هو الشخص الفاعل في محيطه ومجتمعه الكاد على عياله، المهتم بأمور المسلمين السائر في خدمتهم وحل مشاكلهم، لأنه من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم على حد تعبير الحديث. فكيف لا يكون مسلماً ويكون سالكاً واصلاً إلى لقاء الله ورضوانه؟!! فالطريق إلى الله هو طريق كدح وتعب لا طريق راحة وقعود {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}.
ــ أداء التكليف الشرعي مهما كان الثمن ومهما كانت النتيجة: وهذا من الأسس المهمة في بناء شخصية السالك إلى الله، ولتحقيق هذا المهم ينبغي أن يمتلك الإنسان السالك من العزم والارادة والتصميم ما يكفي وفي كل أوقاته وأحواله، ليأخذ قراراً لا عودة عنه بأن يمتثل أمر الله تعالى في أي زمان ومكان ومهما كانت الظروف والنتائج ومهما بلغت التضحيات، وليكون جاهزاً كلما لزم الأمر وقضى التكليف الشرعي بأن يقدم التضحية تلو الأخرى وبالغالي والنفيس بغير تردد أو وجل وصولاً إلى تقديم النفس والروح رخيصة في سبيل الله تعالى. وليعلم بأن كل التعاليم الإسلامية والسنن الأخلاقية والمستحبات والندب إلى قراءة القرآن والتوسل بأدعية الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وما أشبه ذلك إنما كان وسيلة من أجل تحصيل هذه الحالة من امتثال أمر التكليف الشرعي كما فعل حماة الدين ومن سار على هديهم بروح ملؤها الاطمئنان بالله وبشعار ألسنا على الحق، إذن لا يهم أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا.
ــ اختيار طريق الجهاد كأقصر الطرق إلى الله: باعتبار أن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وأنه أقصر الطرق إلى لقاء الله، فلابد إذاً للسالك على نحو الحقيقة، أن يختار نهج الجهاد وطريقه، ومن يعرض عن هذا الدرب لا يكون سالكاً حقاً بل مجرد مدعٍ بالقول بل وحتى بالعمل، لأن السالك هدفه هو لقاء الله تعالى، ومن كان هدفه لقاء الحبيب والمعشوق الحقيقي والأوحد لابد وأن يكون حريصاً على الاسراع في اللحاق بحبيبه وعجلت إليك ربي لترضى. وهذه سيرة الأنبياء والأولياء تشهد على ذلك من خلال عشقهم لساحات الوغى ولقاء العدو طلباً للشهادة الموصلة للقاء المعشوق بأسرع طريق وأفضل حال. أما الاسراع فيتحقق بالقتل ومغادرة الروح لهذه الدنيا قبل الأوان أولاً ويتحقق كذلك من خلال تجاوز مرحلة الحياة البرزخية أو اختزالها ليتم اللقاء الأبدي في جنة القرب والخلد الإلهي قبل يوم القيامة، وهذا وحده يكفي السالك لاختيار طريق الجهاد. وأما حال اللقاء فنعم الحال فهو لقاء الحبيب بحبيبه المضرج بدماء عشق اللقاء لا يسبق ذلك حساب ولا يتبعه عتاب، أولا يكفي هذا لتشرئب أعناق السالكين متطلعة إلى درب الجهاد سالكة إياه دون باقي الدروب الطويلة، هذا إضافة إلى شيء آخر وهو أنَّ طريق الجهاد هو أسرع طريق في بناء الأنفس وتزكيتها وذلك بسرعة قياسية لا نظير لها بحيث لا يوجد في هذا العالم مكان أو ظرف يسمحان بهذه السرعة في طي مراحل تهذيب النفس وتزكيتها كميادين القتال والجهاد في سبيل الله، يقول الإمام الخميني (قدس سره) اشارة إلى المجاهدين: «لقد طوى هؤلاء في ليلة واحدة طريق مئة سنة، وقد وصلت أيديهم وبشكل مباغت إلى كل ما يتمناه العرفاء والشعراء من العرفاء في سنوات متمادية، ونقلوا العشق للقاء الله من الشعار إلى العمل، وثبتوا آمال الشهادة من خلال أعمالهم في جبهات الدفاع عن الإسلام العزيز». وفي نفس هذا السياق يقول سماحة السيد القائد الخامنئي (دام ظله): «إن بعض الشباب في الجبهات من أبناء 13 إلى 20 سنة استطاعوا أن يصلوا إلى مقام ودرجة عند الله عجز الكثير من أهل السير والسلوك والعرفان من الوصول إليها بعشرات السنين».
ــ مراعاة التدرج في طريق طي مراتب الكمال: وهو أمر لابد منه للسالك حيث يصعب جداً بلوغ مرتبة الكمال المطلوب دفعة واحدة، بل لابد من التدرج مع ما يصاحب ذلك من تعثر وسقوط يتبعه قيام ومتابعة ومن ثم تعثر وقيام وهكذا دواليك للوصول أخيراً إلى مرحلة تنعدم أو تندر معها حالات التعثر فيوفق الإنسان السالك إلى بلوغ درجة الكمال ونهاية الامال وليعلم أنه لابد لطي هذا الطريق التصاعدي وبلوغ القمة من العمل والسعي ما أمكن وبجد للانتقال من فعل الواجب فقط إلى المستحب ومن ترك الحرام فقط إلى ترك المكروه أو حتى المباح إذا قدر، وكذلك التدرج صعوداً ورقياً في المواظبة على قراءة القرآن والأدعية والمناجاة والانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى. وهذا يعتبر أساساً لازماً في مسيرة السير والسلوك ليستعين في طريقه الطويل والشاق من مشاعل الهداية تلك وزيت التقوى وترانيم الدعاء، ما يمكنه من مواجهة مهاوي الطريق وزلات المسير بإذن الله تعالى.
ــ ملازمة الدعاء والتضرع إلى الله والتوسل إليه تعالى بأحب خلقه إليه محمد وآله الطاهرين، وأن يكون محور دعائه وتوسله بأن يعينه الله في طريق سيره وسلوكه على نفسه وهواه، وأن يخرج حب الدنيا من قلبه وأن يرزقه محبته ومحبة أوليائه المعصومين، لأنه وبغير هذا الدعاء الصادق والدائم لا يمكن للسالك أن يصل إلى خير وإن ظن ذلك، وليعلم بأن سادتنا الأطهار قد تركوا لنا من فنون الأدعية والمناجاة العرفانية والتربوية ما يعجز اللسان عن شكر نعمتها.
ــ عدم الوقوع في شرك أتباع بعض الطرق الصوفية الخاطئة والمسالك العرفانية الباطلة ولو كانت جزئية أو بسيطة، فكل عمل أو ورد أو طريقة تعرض على السالك على أن لها آثاراً وفوائد عرفانية ومسلكية لابد قبل العمل بها من تحصيل أحد أمرين: أولهما أن نجد لها أصلاً في تعاليم الإسلام والقرآن ومنهج النبي وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وثانيهما إن لم يتحقق الأول بشكل صريح أن لا يخالف ذلك الورد أو العمل سنة أو مستحباً أولى منه، وأن لا يكون فيه كراهية فضلاً عن الحرمة والعياذ بالله، وينصح هنا بعدم الانجرار أصلاً وراء هذا النوع من الطرق والأعمال والأوراد سوى ما كان منها وارداً في كتب الأدعية والأعمال المعتبرة ككتاب مفاتيح الجنان للمحقق الشيخ عباس القمي (رحمه الله). وبنظري القاصر فإن في كتاب الأدعية هذا من الكنوز العرفانية والأدعية والأعمال والأوراد ما يفي بالغرض وزيادة للوصول بالسالك إلى بر الأمان وموطن العشق، هذا إضافة للقرآن الكريم والالتزام بالتكاليف الشرعية والأخلاق الإسلامية الحميدة