الحوزويه الصغيره
14-05-2012, 05:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
علوم القرآن / بقلم الشيخ عباس الجابر
التمهيد
الغرض من الدراسة معرفة أثر علوم القرآن في فهم النص القرآني، وضرورة الاجتهاد والتجديد فيها. وسوف أُمهِّد لذلك بمجموعة مقدمات لابد منها:
المقدمة الأولى:
من الأهمية بمكان التعرف على المعارف المصطلح عليه بعلوم القرآن، قبل الخوض في تفاصيل الدراسة، ولعله من الاستحالة بمكان التعرف عليها من خلال تحديد موضوعها، بناءً على أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية بلا واسطة في العروض، وذلك بسبب كثرة المسائل التي لا تكاد تنتهي الى حدٍّ ونهاية، فلذلك نلجأ الى التعرف عليها من خلال تحديد الغاية منها والغرض.
وقد ذكروا أن الغاية منها أمور أهمها:
1- فهم معاني القرآن.
2- الدفاع عن القرآن ورد شبهات المغرضين.
3- أن يعرف الإنسان القرآن، وكيف وصل إلينا.
4- إدراك الجهود التي بُذلت في حق القرآن من قِبل العُلماء.
وبأدنى تأمل في تلكم الأمور التي ذكرها غير واحد، نجد أن جميعها لا يمكن أن تكون غاية وغرضا لهذه العلوم، وسبباً في تشييدها باستثناء الأمر الأول، وهو فهم معاني القرآن، رغم أن القرآن نفسه حينما يتحدث عن بيانه فإنه يقول: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾.
إلا أن القرآن نفسه يشير أيضاً، إلى أن القرآن بحاجة الى توضيح وبيان زائد، قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ ولذلك نجد المفسرين يقرون بوجود غموض في القرآن الكريم يحتاج الى كشف وإيضاح وبيان، رغم الاعتراف بأن القرآن بيِّن المعالم واضح البيان، ومن مجالات الغموض، ما يوجد في المفردة اللغوية: (الحصير، الخُنَّس، الكُنَّس، العرجون...)، أو لتعدد المعاني اللغوية للمفردة الواحدة، وما يسمى الترادف اللغوي كمفردة «القسط» التي يتبين المراد منها حسب سياق الجملة؛ إذ إنها تأتي بمعنى الانحراف، كما تأتي بمعنى العدل، وهكذا مفردة «البصير» التي تأتي بمعنى الكفيف الأعمى، كما تأتي بمعنى الشديد النظر، وكذلك التعدد في معنى الجملة الواحدة.
ولعله يمكن التسليم أن الغاية من علوم القرآن هو فهم النص القرآني، وإجلاء غموضه، والتعرف على معانيه بلحاظ أنه كتاب هداية ورشاد...
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.
﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.
﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾.
وأنه يتضمن كنوزاً من التجارب الحياتية:
قال علي (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «ستكون محن، قلت: ما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل».
وبهذا اللحاظ نتمكن من تشخيص العلوم ذات الصلة بالغرض، وما هو أجنبي عنه، وكذلك تشخيص التوسع المترف الذي لا يخدم الغرض المفروض، وهو فهم النص القرآني، وإن كان مندرجاً تحت مباحث علوم القرآن.
المقدمة الثانية:
بعد المقدمة السابقة نطرح هذا التساؤل:
هل علوم القرآن هي معارف مستقاة من القرآن الكريم نفسه، وبذلك تأخذ ما للقرآن من قداسة ومكانة وعصمة على فرض الوثوق بها، أم أن هذه العلوم هي خارجة عنه موضوعاً محمولة عليه؟
إن عنوان علوم القرآن يوهم للوهلة الأولى أنها علوم مستقاة من الكتاب العزيز، ولكن بأدنى تأمل، يمكن أن يرتفع هذا الوهم في حق بعض العلوم المدرجة تحت عنوان علوم القرآن، ويرتفع الوهم أيضاً في حق البعض الآخر عند إمعان النظر، ونتمكن أن نصنف علوم القرآن بلحاظ علاقتها بالقرآن ولو على نحو الإجمال الى أصناف:
الصنف الأول:
العلوم التي هي جزء الموضوع، بمعنى أنها بحوث تتناول مباحث لها ذكر في القرآن الكريم كمباحث المُحكم والمتشابه والتأويل والناسخ والمنسوخ.
الصنف الثاني:
العلوم الخارجة عن الموضوع والتي لم يرد لها ذكر في القرآن، وإن كان لها نحو ارتباط بالموضوع، كرسم القرآن وإعرابه... وما أشبه.
الصنف الثالث:
العلوم التي أملتها الظروف والحاجة كتنقيط القرآن وتحريكه، والتي جاءت الحاجة لذلك بعد مرور ما يقرب من الأربعين سنة، وبالخصوص عندما امتدت الفتوحات الإسلامية في الشرق والغرب، ودخلت في الإسلام طوائف وأمم غير عربية يجهلون اللغة وأساليبها.
والحاصل أن هذه العلوم لا يمكن التسليم بما يظهر من عنوانها، وبمعنى أنها علوم مستقاة من القرآن الكريم نفسه.
المقدمة الثالثة:
بعد التسليم بحاصل المقدمة الثانية، نحاول أن نجيب عن هذا التساؤل، وهو إن لم تكن تلك العلوم علوم مستقاة من القرآن الكريم فما عسى أن تكون طبيعة العلاقة بينها وبين القرآن نفسه؟
بعد دعوى استقاء هذه العلوم من القرآن نفسه نقول: إن هذه العلوم تمثّل اجتهادات في جملتها لفهم النص القرآني، وبمعنى آخر: إنها أدوات يُراد منها بيان النص وكشف معانيه وإزالة غوامضه.
ويمكن أن نستدل على أن هذه العلوم اجتهادات لفهم النص وأدوات حادثة وطارئة على القرآن بما يلي:
أولاً: أنها لم تكن معروفة في فترات زمنية، ثم ظهرت وهذا يمكن رصده من خلال البحوث التي تناولت نشأة علوم القرآن وأنها ظهرت تدريجيًّا بحسب الحاجة لفهم معاني القرآن فكان المسلمون الأوائل يفهمون القرآن كونه نزل بلغتهم، وقلَّما يغيب عنهم معنى أو يستشكل عليهم ظاهر من القرآن فجاءت الحاجة إلى علم التفسـير.
ومع تطور الخط العربي، نُقط المصحف ونشأ علم اصطلح عليه برسم القرآن، ورافق ذلك إعجامه والحديث عن إعرابه، فظهر علم إعراب القرآن.
ومع توسع المعارف والعلوم ظهرت أنواع علوم القرآن المختلفة فظهر مبكراً الحديث عن أسباب النزول، والمكي والمدني والناسخ والمنسوخ وعلم الغريب.
بل إن أقدم استعمال لعنوان علوم القرآن -كما عن صاحب الفهرست- يُنسب الى «محمد بن خلف بن المرزبان» (309هـ). في كتابه «الحاوي في علوم القرآن» من دون أن يحمل دلالة اصطلاحية.
ولعل بداية إطلاق علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي الشامل بدأ في القرن الرابع الهجري، حينما جاء «علي بن إبراهيم الحوفي» ليؤلف كتابه «البرهان في تفسير القرآن».
ثانياً: أن هذه العلوم غير منحصرة في مقدار محدود، وإنما هي قابلة للتوسع والزيادة تبعاً للحاجة لفهم النص، حتى اختلف في تعدادها بين مقل أو مكثر أوصلها البعض الى أرقام عجيبة.
قال الزركشي المتوفى سنة (794 هـ) في مقدمة كتابه «البرهان في علوم القرآن»: ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر حتى أنه أوصلها البعض الى سبعة وأربعين علماً.
الحاصل من تلك المقدمات:
لو جمعنا تلك المقدمات السابقة في سياق واحد، لجاءت المحصلة أن علوم القرآن عبارة عن أدوات اجتهادية غير مستقاة -بما هي علم- من القرآن الكريم والغرض منها فهم النص القرآني وإجلاء غوامضه.
دواعي التنقيح والاجتهاد
ربما تكون تلك العلوم المصطلح عليها بعلوم القرآن ساهمت في فترات تاريخية ولو بمقدار في بيان النص وتوضيحه.
والسؤال:
هل تؤدي تلك العلوم -وفي عصرنا الحاضر- الغرض المنشود، وهو فهم النص القرآني، أم أن الأمر يحتاج الى تنقيح واجتهاد؟
وإليك بعض المبررات:
الأول: تخلف الغرض وهو فهم النص القرآني في عصرنا الحاضر والاستجابة لمعانيه.
فبكل تجرد أقول: إننا لا نجد -في الغالب- أثراً للقرآن الكريم في حياة الناس، وأين هي الآثار التي تحدث عنها القرآن نفسه بقوله:
(1) ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ﴾.
(2) ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾.
(3) القرآن يقص استجابة لنفر من الجن وإيمانهم بقوله تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾.
(4) أوَليس الإنسان يكرر في كل صلاة الفاتحة وسورة من سور القرآن، بل وقد يقضي ساعات طوال في قراءة القرآن في لياليه وأيامه... لكنه هل يجد شيئاً من تلك الآثار.
الثاني: أن علوم القرآن التي هي بين الأيدي، عبارة عن بحوث تخصصية، قلَّما يستفيد منها العوام من الناس في فهم النص القرآني، وهذه الطبيعة التخصصية تختلف عن بعض البحوث التخصصية الأخرى كالبحوث «الفقهية» مثلاً، والتي يغلب عليها البُعد التخصصي أيضاً، إلا أن المكلَّف العادي يستفيد من حاصل تلك البحوث في أفعاله العبادية منها والمعاملاتية.
الثالث: التوسع المفرط والترف المبالغ في كثير منها والتي تخرج بالضرورة عن حيز الحاجة.
الرابع: التوقف والجمود في الغالب عند اجتهادات السلف ممن أسسوا لهذا العلم وتكرار مقولاتهم، فمعظم ما ألف حديثاً في علوم القرآن مقتبس من مصنفات السابقين وبالخصوص «جلال الدين السيوطي» (911) صاحب كتاب الإتقان الذي يعتبر مرجعاً لما صُنِّف من بعده، بل حتى ما ظهر فيما يصطلح عليها بالنهضة الحديثة في القرن الرابع عشر الهجري من عشرات الكتب لا تعدو كونها مختصرات لما تقدم مع شيء يسير من الإضافات.
الخامس: التأثير المذهبي والتعصب الواضح على الكثير من تلك العلوم، وكذلك تأثير الفكر الأموي بالخصوص، فالزمخشري في كشافه جعل منه منطلقاً لبث أفكار الاعتزال والتبشير بها.
السادس: أنه كما ذكرنا أن علوم القرآن اجتهادات لفهم النص، فلماذا لا تستمر المسيرة بما يحقق الغرض المنشود، وهو الاستعانة على فهم النص بأدوات مستحدثة تتلاءم والعصر الحاضر.
السابع: أن الكثير من المباحث في علوم القرآن تحتاج الى إعادة نظر ومراجعة وتمحيص لاحتوائها على نصوص وروايات تخالف كمال النص القرآني وقدسيته.
فهذه مجموعة من المبررات التي تدعو لإعادة النظر في كثير من مباحث علوم القرآن.
طبيعة القراءات المعاصرة
هناك إحجام لدى الكثير من المهتمين بالشأن القرآني في تناول مسألة التجديد والمراجعة لمباحث علوم القرآن خشية ردَّات الفعل القاسية التي قد تطالهم، وربما أوصلتهم إلى أن يُوصفوا الكفر والزندقة والخروج من المِلة.
وبسبب هذا الإحجام الواضح أصبحت الساحة مفتوحة، ومنذ زمن، أمام الفكر الاستشراقي ورموزه: «نولدكه» صاحب الكتاب الضخم «تاريخ القرآن»، و«بلاشير» صاحب «ترجمة القرآن» المشهورة، وكتاب «القرآن تاريخ تنزيله»...
وهذا الفكر يعتمد المنهج الإسقاطي، حيث يسقط الصراع الذي دار عن الكتاب المقدس عندهم على النص القرآني، بل إنهم لا يؤمنون أن القرآن الكريم من عند الله وإنما يعتبرونه من تأليف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما شابه ذلك...
وهذا المنهج الاستشراقي ليس ببعيد عن قراءة «محمد أركون» الذي يتبنى المنهجية السيميائية النقدية التفكيكية، والتي تتبنى القطيعة مع كل ما هو غيبي ميتافيزيقي والخروج من سلطته وتقويضه لإعادة البناء.
منطلقات التجديد
أولاً: فهم النص القرآني من خلال استحداث أدوات تساهم في فهم القرآن بلغتيه معاً، لغة «الخطاب القرآني» للعقل، والتي تقوم على الدليل والبرهان، ولغته الأخرى التي يخاطب بها القلب والوجدان، وهذه اللغة التي لم تعطَ حقها بالمقدار المطلوب، رغم أنها ذات أثر فـوري، ويفترض أن تكون مفهومة للجميع وليس لأهل الاختصاص، وهذه اللغة التي تتوجه الى الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، وتستثير المشاعر السامية، وتؤدي الى صفاء البواطن تماماً، كلغة الموسيقى التي تثير الغرائز والقوى الشهوية عند الإنسان، وتترك أثرها على الصغير والكبير والعالم والجاهل.
ولذلك نجد أن القرآن نفسه يوصينا أن نقرأه بلحن لطيف وجميل ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ بغية الاستجابة إلى القوى المثيرة والكامنة في كلام الله العزيز.
بل إن هذه اللغة في كثير من الأحيان تكون سبباً للوثوق والاطمئنان بمدركات العقل.
ثانياً: أن القرآن الكريم خطاب موجَّه ليس فقط للمشافهين من العرب الأوائل، بل لم يكن فناً عربيًّا مألوفاً إنما هو نسيج إبداعي فريد من نوعه.
فالعرب الذين كانوا زمن نزول القرآن لهم فنون اختصوا بها شعراً كانت أو نثراً، ولم تكن السياقات القرآنية منها، وهذا يعني أن القرآن يحمل نسقاً لغويًّا لا يفنى ولا يبلى ويتجدد على مرَّ العصور والأزمان.
ثالثاً: إن القرآن ليس لأهل الاختصاص، وإنما هو خطاب لكافة البشر وكافة المستويات يستفيد منه الجميع كلًّا حسب فهمه ومستواه، وهذا أشبه بالليل والنهار والشمس والقمر، حيث تتباين استفادة الناس منها كمًّا وكيفاً.
والإنسان مكلف بما يدركه من المعاني والحقائق، وهي بذلك حجة عليه وليس مكلفاً بمدركات الغير فقط.
وهذا الأمر بحاجة الى زرع الثقة في النفوس، حيث إنها أصيبت بالعمى وابتُليت بالهزيمة أمام النص القرآن، فلا يكاد قارئ القرآن أن يلتفت الى معانيه لأنه محجوب عنها بسبب الثقافة التي أقرت أن فهم القرآن يتوقف على عشرات العلوم التخصصية المختلفة ومن دونها لا يحق للإنسان أن يتأمل في شيء منها.
توصيات
(1) لعل من المناسب كتابة مختصر مفيد عن علوم القرآن يُراعى فيه ما هو مفيد، ويُصاغ بأسلوب واضح يناسب مستوى العامة من الناس.
(2) إعادة كتابة منهج التدبر، والدعوة مجدداً للاهتمام بالقرآن من خلال التدبر في آياته، وإقامة الدورات والدروس المكثفة، وإحياء ما اهتمت به هذه المدرسة المباركة ومنذ أواخر القرن الماضي، واستطاعت بحق أن توجد ثقافة قرآنية، ورجالاً قرآنيين، استشعروا طعم التدبر وعشقوا التفكر في آياته. ولو علم الناس حلاوة التدبر في كتاب الله لتنافسوا عليه واهتموا به الاهتمام البالغ.
(3) التأكيد على تطوير تلاوة القرآن، واستحداث الأساليب التي تبعث الطمأنينة في أعماق الإنسان، وتستثير دفائن الخير فيه، وتسمو به الى عالم من الراحة والفضيلة والكمال، وإذا كان أهل الدنيا يجدون راحتهم في الموسيقى وما تستثيره فيهم فإن أهل الإيمان يجدون راحتهم حينما ينصتون خاشعين ذائبين في كلام الله العزيز الحكيم.
(4) الاهتمام بدراسة غياب أو ضعف التأثر بالقرآن الكريم وبصورة علمية، والبحث عن الوسائل العلاجية لذلك.
(5) العمل على كشف أباطيل أولئك الذين أضلهم الله وأعمى قلوبهم وكشف زيف ما يذهبون إليه، من خلال بيان فساد مناهجهم التي يصفونها بالمناهج العلمية، وتحصين الشباب الذين هم عرضة للوقوع في حبائلهم، والتركيز على أن هؤلاء وإن خاضوا في القرآن وعلومه ومعارفه، إلا أنهم أبعد ما يكونون عن القرآن. ومما يؤسف له حقًّا أن مثل هذه القراءات الفاسدة تجد لها رواجاً عند بعض المثقفين والمنبهرين بالألفاظ والمصطلحات الأجنبية.
مما راق لي
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
علوم القرآن / بقلم الشيخ عباس الجابر
التمهيد
الغرض من الدراسة معرفة أثر علوم القرآن في فهم النص القرآني، وضرورة الاجتهاد والتجديد فيها. وسوف أُمهِّد لذلك بمجموعة مقدمات لابد منها:
المقدمة الأولى:
من الأهمية بمكان التعرف على المعارف المصطلح عليه بعلوم القرآن، قبل الخوض في تفاصيل الدراسة، ولعله من الاستحالة بمكان التعرف عليها من خلال تحديد موضوعها، بناءً على أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية بلا واسطة في العروض، وذلك بسبب كثرة المسائل التي لا تكاد تنتهي الى حدٍّ ونهاية، فلذلك نلجأ الى التعرف عليها من خلال تحديد الغاية منها والغرض.
وقد ذكروا أن الغاية منها أمور أهمها:
1- فهم معاني القرآن.
2- الدفاع عن القرآن ورد شبهات المغرضين.
3- أن يعرف الإنسان القرآن، وكيف وصل إلينا.
4- إدراك الجهود التي بُذلت في حق القرآن من قِبل العُلماء.
وبأدنى تأمل في تلكم الأمور التي ذكرها غير واحد، نجد أن جميعها لا يمكن أن تكون غاية وغرضا لهذه العلوم، وسبباً في تشييدها باستثناء الأمر الأول، وهو فهم معاني القرآن، رغم أن القرآن نفسه حينما يتحدث عن بيانه فإنه يقول: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾.
إلا أن القرآن نفسه يشير أيضاً، إلى أن القرآن بحاجة الى توضيح وبيان زائد، قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ ولذلك نجد المفسرين يقرون بوجود غموض في القرآن الكريم يحتاج الى كشف وإيضاح وبيان، رغم الاعتراف بأن القرآن بيِّن المعالم واضح البيان، ومن مجالات الغموض، ما يوجد في المفردة اللغوية: (الحصير، الخُنَّس، الكُنَّس، العرجون...)، أو لتعدد المعاني اللغوية للمفردة الواحدة، وما يسمى الترادف اللغوي كمفردة «القسط» التي يتبين المراد منها حسب سياق الجملة؛ إذ إنها تأتي بمعنى الانحراف، كما تأتي بمعنى العدل، وهكذا مفردة «البصير» التي تأتي بمعنى الكفيف الأعمى، كما تأتي بمعنى الشديد النظر، وكذلك التعدد في معنى الجملة الواحدة.
ولعله يمكن التسليم أن الغاية من علوم القرآن هو فهم النص القرآني، وإجلاء غموضه، والتعرف على معانيه بلحاظ أنه كتاب هداية ورشاد...
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.
﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.
﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾.
وأنه يتضمن كنوزاً من التجارب الحياتية:
قال علي (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «ستكون محن، قلت: ما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل».
وبهذا اللحاظ نتمكن من تشخيص العلوم ذات الصلة بالغرض، وما هو أجنبي عنه، وكذلك تشخيص التوسع المترف الذي لا يخدم الغرض المفروض، وهو فهم النص القرآني، وإن كان مندرجاً تحت مباحث علوم القرآن.
المقدمة الثانية:
بعد المقدمة السابقة نطرح هذا التساؤل:
هل علوم القرآن هي معارف مستقاة من القرآن الكريم نفسه، وبذلك تأخذ ما للقرآن من قداسة ومكانة وعصمة على فرض الوثوق بها، أم أن هذه العلوم هي خارجة عنه موضوعاً محمولة عليه؟
إن عنوان علوم القرآن يوهم للوهلة الأولى أنها علوم مستقاة من الكتاب العزيز، ولكن بأدنى تأمل، يمكن أن يرتفع هذا الوهم في حق بعض العلوم المدرجة تحت عنوان علوم القرآن، ويرتفع الوهم أيضاً في حق البعض الآخر عند إمعان النظر، ونتمكن أن نصنف علوم القرآن بلحاظ علاقتها بالقرآن ولو على نحو الإجمال الى أصناف:
الصنف الأول:
العلوم التي هي جزء الموضوع، بمعنى أنها بحوث تتناول مباحث لها ذكر في القرآن الكريم كمباحث المُحكم والمتشابه والتأويل والناسخ والمنسوخ.
الصنف الثاني:
العلوم الخارجة عن الموضوع والتي لم يرد لها ذكر في القرآن، وإن كان لها نحو ارتباط بالموضوع، كرسم القرآن وإعرابه... وما أشبه.
الصنف الثالث:
العلوم التي أملتها الظروف والحاجة كتنقيط القرآن وتحريكه، والتي جاءت الحاجة لذلك بعد مرور ما يقرب من الأربعين سنة، وبالخصوص عندما امتدت الفتوحات الإسلامية في الشرق والغرب، ودخلت في الإسلام طوائف وأمم غير عربية يجهلون اللغة وأساليبها.
والحاصل أن هذه العلوم لا يمكن التسليم بما يظهر من عنوانها، وبمعنى أنها علوم مستقاة من القرآن الكريم نفسه.
المقدمة الثالثة:
بعد التسليم بحاصل المقدمة الثانية، نحاول أن نجيب عن هذا التساؤل، وهو إن لم تكن تلك العلوم علوم مستقاة من القرآن الكريم فما عسى أن تكون طبيعة العلاقة بينها وبين القرآن نفسه؟
بعد دعوى استقاء هذه العلوم من القرآن نفسه نقول: إن هذه العلوم تمثّل اجتهادات في جملتها لفهم النص القرآني، وبمعنى آخر: إنها أدوات يُراد منها بيان النص وكشف معانيه وإزالة غوامضه.
ويمكن أن نستدل على أن هذه العلوم اجتهادات لفهم النص وأدوات حادثة وطارئة على القرآن بما يلي:
أولاً: أنها لم تكن معروفة في فترات زمنية، ثم ظهرت وهذا يمكن رصده من خلال البحوث التي تناولت نشأة علوم القرآن وأنها ظهرت تدريجيًّا بحسب الحاجة لفهم معاني القرآن فكان المسلمون الأوائل يفهمون القرآن كونه نزل بلغتهم، وقلَّما يغيب عنهم معنى أو يستشكل عليهم ظاهر من القرآن فجاءت الحاجة إلى علم التفسـير.
ومع تطور الخط العربي، نُقط المصحف ونشأ علم اصطلح عليه برسم القرآن، ورافق ذلك إعجامه والحديث عن إعرابه، فظهر علم إعراب القرآن.
ومع توسع المعارف والعلوم ظهرت أنواع علوم القرآن المختلفة فظهر مبكراً الحديث عن أسباب النزول، والمكي والمدني والناسخ والمنسوخ وعلم الغريب.
بل إن أقدم استعمال لعنوان علوم القرآن -كما عن صاحب الفهرست- يُنسب الى «محمد بن خلف بن المرزبان» (309هـ). في كتابه «الحاوي في علوم القرآن» من دون أن يحمل دلالة اصطلاحية.
ولعل بداية إطلاق علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي الشامل بدأ في القرن الرابع الهجري، حينما جاء «علي بن إبراهيم الحوفي» ليؤلف كتابه «البرهان في تفسير القرآن».
ثانياً: أن هذه العلوم غير منحصرة في مقدار محدود، وإنما هي قابلة للتوسع والزيادة تبعاً للحاجة لفهم النص، حتى اختلف في تعدادها بين مقل أو مكثر أوصلها البعض الى أرقام عجيبة.
قال الزركشي المتوفى سنة (794 هـ) في مقدمة كتابه «البرهان في علوم القرآن»: ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر حتى أنه أوصلها البعض الى سبعة وأربعين علماً.
الحاصل من تلك المقدمات:
لو جمعنا تلك المقدمات السابقة في سياق واحد، لجاءت المحصلة أن علوم القرآن عبارة عن أدوات اجتهادية غير مستقاة -بما هي علم- من القرآن الكريم والغرض منها فهم النص القرآني وإجلاء غوامضه.
دواعي التنقيح والاجتهاد
ربما تكون تلك العلوم المصطلح عليها بعلوم القرآن ساهمت في فترات تاريخية ولو بمقدار في بيان النص وتوضيحه.
والسؤال:
هل تؤدي تلك العلوم -وفي عصرنا الحاضر- الغرض المنشود، وهو فهم النص القرآني، أم أن الأمر يحتاج الى تنقيح واجتهاد؟
وإليك بعض المبررات:
الأول: تخلف الغرض وهو فهم النص القرآني في عصرنا الحاضر والاستجابة لمعانيه.
فبكل تجرد أقول: إننا لا نجد -في الغالب- أثراً للقرآن الكريم في حياة الناس، وأين هي الآثار التي تحدث عنها القرآن نفسه بقوله:
(1) ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ﴾.
(2) ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾.
(3) القرآن يقص استجابة لنفر من الجن وإيمانهم بقوله تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾.
(4) أوَليس الإنسان يكرر في كل صلاة الفاتحة وسورة من سور القرآن، بل وقد يقضي ساعات طوال في قراءة القرآن في لياليه وأيامه... لكنه هل يجد شيئاً من تلك الآثار.
الثاني: أن علوم القرآن التي هي بين الأيدي، عبارة عن بحوث تخصصية، قلَّما يستفيد منها العوام من الناس في فهم النص القرآني، وهذه الطبيعة التخصصية تختلف عن بعض البحوث التخصصية الأخرى كالبحوث «الفقهية» مثلاً، والتي يغلب عليها البُعد التخصصي أيضاً، إلا أن المكلَّف العادي يستفيد من حاصل تلك البحوث في أفعاله العبادية منها والمعاملاتية.
الثالث: التوسع المفرط والترف المبالغ في كثير منها والتي تخرج بالضرورة عن حيز الحاجة.
الرابع: التوقف والجمود في الغالب عند اجتهادات السلف ممن أسسوا لهذا العلم وتكرار مقولاتهم، فمعظم ما ألف حديثاً في علوم القرآن مقتبس من مصنفات السابقين وبالخصوص «جلال الدين السيوطي» (911) صاحب كتاب الإتقان الذي يعتبر مرجعاً لما صُنِّف من بعده، بل حتى ما ظهر فيما يصطلح عليها بالنهضة الحديثة في القرن الرابع عشر الهجري من عشرات الكتب لا تعدو كونها مختصرات لما تقدم مع شيء يسير من الإضافات.
الخامس: التأثير المذهبي والتعصب الواضح على الكثير من تلك العلوم، وكذلك تأثير الفكر الأموي بالخصوص، فالزمخشري في كشافه جعل منه منطلقاً لبث أفكار الاعتزال والتبشير بها.
السادس: أنه كما ذكرنا أن علوم القرآن اجتهادات لفهم النص، فلماذا لا تستمر المسيرة بما يحقق الغرض المنشود، وهو الاستعانة على فهم النص بأدوات مستحدثة تتلاءم والعصر الحاضر.
السابع: أن الكثير من المباحث في علوم القرآن تحتاج الى إعادة نظر ومراجعة وتمحيص لاحتوائها على نصوص وروايات تخالف كمال النص القرآني وقدسيته.
فهذه مجموعة من المبررات التي تدعو لإعادة النظر في كثير من مباحث علوم القرآن.
طبيعة القراءات المعاصرة
هناك إحجام لدى الكثير من المهتمين بالشأن القرآني في تناول مسألة التجديد والمراجعة لمباحث علوم القرآن خشية ردَّات الفعل القاسية التي قد تطالهم، وربما أوصلتهم إلى أن يُوصفوا الكفر والزندقة والخروج من المِلة.
وبسبب هذا الإحجام الواضح أصبحت الساحة مفتوحة، ومنذ زمن، أمام الفكر الاستشراقي ورموزه: «نولدكه» صاحب الكتاب الضخم «تاريخ القرآن»، و«بلاشير» صاحب «ترجمة القرآن» المشهورة، وكتاب «القرآن تاريخ تنزيله»...
وهذا الفكر يعتمد المنهج الإسقاطي، حيث يسقط الصراع الذي دار عن الكتاب المقدس عندهم على النص القرآني، بل إنهم لا يؤمنون أن القرآن الكريم من عند الله وإنما يعتبرونه من تأليف محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما شابه ذلك...
وهذا المنهج الاستشراقي ليس ببعيد عن قراءة «محمد أركون» الذي يتبنى المنهجية السيميائية النقدية التفكيكية، والتي تتبنى القطيعة مع كل ما هو غيبي ميتافيزيقي والخروج من سلطته وتقويضه لإعادة البناء.
منطلقات التجديد
أولاً: فهم النص القرآني من خلال استحداث أدوات تساهم في فهم القرآن بلغتيه معاً، لغة «الخطاب القرآني» للعقل، والتي تقوم على الدليل والبرهان، ولغته الأخرى التي يخاطب بها القلب والوجدان، وهذه اللغة التي لم تعطَ حقها بالمقدار المطلوب، رغم أنها ذات أثر فـوري، ويفترض أن تكون مفهومة للجميع وليس لأهل الاختصاص، وهذه اللغة التي تتوجه الى الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، وتستثير المشاعر السامية، وتؤدي الى صفاء البواطن تماماً، كلغة الموسيقى التي تثير الغرائز والقوى الشهوية عند الإنسان، وتترك أثرها على الصغير والكبير والعالم والجاهل.
ولذلك نجد أن القرآن نفسه يوصينا أن نقرأه بلحن لطيف وجميل ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ بغية الاستجابة إلى القوى المثيرة والكامنة في كلام الله العزيز.
بل إن هذه اللغة في كثير من الأحيان تكون سبباً للوثوق والاطمئنان بمدركات العقل.
ثانياً: أن القرآن الكريم خطاب موجَّه ليس فقط للمشافهين من العرب الأوائل، بل لم يكن فناً عربيًّا مألوفاً إنما هو نسيج إبداعي فريد من نوعه.
فالعرب الذين كانوا زمن نزول القرآن لهم فنون اختصوا بها شعراً كانت أو نثراً، ولم تكن السياقات القرآنية منها، وهذا يعني أن القرآن يحمل نسقاً لغويًّا لا يفنى ولا يبلى ويتجدد على مرَّ العصور والأزمان.
ثالثاً: إن القرآن ليس لأهل الاختصاص، وإنما هو خطاب لكافة البشر وكافة المستويات يستفيد منه الجميع كلًّا حسب فهمه ومستواه، وهذا أشبه بالليل والنهار والشمس والقمر، حيث تتباين استفادة الناس منها كمًّا وكيفاً.
والإنسان مكلف بما يدركه من المعاني والحقائق، وهي بذلك حجة عليه وليس مكلفاً بمدركات الغير فقط.
وهذا الأمر بحاجة الى زرع الثقة في النفوس، حيث إنها أصيبت بالعمى وابتُليت بالهزيمة أمام النص القرآن، فلا يكاد قارئ القرآن أن يلتفت الى معانيه لأنه محجوب عنها بسبب الثقافة التي أقرت أن فهم القرآن يتوقف على عشرات العلوم التخصصية المختلفة ومن دونها لا يحق للإنسان أن يتأمل في شيء منها.
توصيات
(1) لعل من المناسب كتابة مختصر مفيد عن علوم القرآن يُراعى فيه ما هو مفيد، ويُصاغ بأسلوب واضح يناسب مستوى العامة من الناس.
(2) إعادة كتابة منهج التدبر، والدعوة مجدداً للاهتمام بالقرآن من خلال التدبر في آياته، وإقامة الدورات والدروس المكثفة، وإحياء ما اهتمت به هذه المدرسة المباركة ومنذ أواخر القرن الماضي، واستطاعت بحق أن توجد ثقافة قرآنية، ورجالاً قرآنيين، استشعروا طعم التدبر وعشقوا التفكر في آياته. ولو علم الناس حلاوة التدبر في كتاب الله لتنافسوا عليه واهتموا به الاهتمام البالغ.
(3) التأكيد على تطوير تلاوة القرآن، واستحداث الأساليب التي تبعث الطمأنينة في أعماق الإنسان، وتستثير دفائن الخير فيه، وتسمو به الى عالم من الراحة والفضيلة والكمال، وإذا كان أهل الدنيا يجدون راحتهم في الموسيقى وما تستثيره فيهم فإن أهل الإيمان يجدون راحتهم حينما ينصتون خاشعين ذائبين في كلام الله العزيز الحكيم.
(4) الاهتمام بدراسة غياب أو ضعف التأثر بالقرآن الكريم وبصورة علمية، والبحث عن الوسائل العلاجية لذلك.
(5) العمل على كشف أباطيل أولئك الذين أضلهم الله وأعمى قلوبهم وكشف زيف ما يذهبون إليه، من خلال بيان فساد مناهجهم التي يصفونها بالمناهج العلمية، وتحصين الشباب الذين هم عرضة للوقوع في حبائلهم، والتركيز على أن هؤلاء وإن خاضوا في القرآن وعلومه ومعارفه، إلا أنهم أبعد ما يكونون عن القرآن. ومما يؤسف له حقًّا أن مثل هذه القراءات الفاسدة تجد لها رواجاً عند بعض المثقفين والمنبهرين بالألفاظ والمصطلحات الأجنبية.
مما راق لي