تقوى القلوب
20-05-2012, 06:31 PM
نسختان من القرآن عند علي عليه السلام
ورد في مصادرنا ومصادر إخواننا حول مصحف علي عليه السلام ، ما يدل على ذلك :
فقد روى ابن سعد في الطبقات مجلد 2 قسم 2 ص 101 :
( عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن علياًّ أبطأ عن بيعة أبي بكر ، فلقيه أبو بكر .
فقال : أكرهت إمارتي ؟
قال : لا، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن.
قال : فزعموا أنه كتبه على تنزيل . قال محمد : فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم .
قال ابن عون : فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه . ورواه في كنز العمال : 2/588 ) .
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب : 3/974 :
( حدثنا أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، قال : لما بويع أبو بكر الصديق أبطأ عليٌّ عن بيعته وجلس في بيته فبعث إليه أبو بكر : ما أبطأ بك عني ، أكرهت إمارتي ؟
قال علي : ما كرهت إمارتك ، ولكني آليت ألا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع القرآن .
قال ابن سيرين : فبلغني أنه كتب على تنزيله ، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير .
ورواه عبد الرزاق في مصنفه : 5/450 ، وقال في هامشه : رواه البلاذري عن ابن سيرين موقوفاً مختصراً ، راجع أنساب الأشراف : 1/587 ) . انتهى .
وقال ابن جزي في التسهيل : 1/6 :
( وكان القرآن على عهد رسول الله متفرقاً في الصحف وفي صدور الرجال ، فلما توفي رسول الله قعد
علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته فجمعه على ترتيب نزوله . ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ، ولكنه لم يوجد ) .
وقال عن تميز علي عن الصحابة في علمه بالقرآن ص 13 :
( واعلم أن المفسرين على طبقات ، فالطبقة الأولى الصحابة رضي الله عنهم وأكثرهم كلاماً في التفسير ابن عباس ، وكان علي بن أبي طالب رضي الله يثني على تفسير ابن عباس ، ويقول : كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق . وقال ابن عباس : ما عندي من تفسير القرآن فهو من علي بن أبي طالب ، ويتلوهما عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص . وكلما جاء من التفسير من الصحابة فهو حسن ) .
وقال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب :1/319 :
( ومن عجب أمره في هذا الباب أنه لا شئ من العلوم إلا وأهله يجعلون علياًّ قدوة ، فصار قوله قبلة في الشريعة ، فمنه سمع القرآن .
ذكر الشيرازي في نزول القرآن ، وأبو يوسف يعقوب في تفسيره ، عن ابن عباس في قوله : لا تحرك به لسانك :
كان النبي يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه ، وقيل له لا تحرك به لسانك يعني بالقرآن ، لتعجل به من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك . إن علينا جمعه وقرآنه ، قال : ضمن الله محمداً أن يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن أبي طالب . قال ابن عباس : فجمع الله القرآن في قلب عليٍّ وجمعه عليٌّ بعد موت رسول الله بستة أشهر .
وفي أخبار ابن أبي رافع ، أن النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي :
يا علي هذا كتاب الله ، خذه إليك ، فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جلس علي عليه السلام فألفه كما أنزله الله وكان به عالماً .
وحدثني أبو العلاء العطار ، والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالإسناد عن علي بن رباح أن النبي صلى الله عليه وآله أمر علياًّ بتأليف القرآن فألفه وكتبه جبلة بن سحيم ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :
لو ثني لي الوسادة وعُرِف لي حقي لأخرجت لهم مصحفاً كتبته وأملاه علي رسول الله صلى الله عليه وآله ...
أبو نعيم في الحلية ، والخطيب في الأربعين بالإسناد عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي عليه السلام ، قال :
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين ، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن .
وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ، ثم خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد ، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع التيه ، فقالوا : لأمرٍ ما جاء أبو الحسن ! فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم .
ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب وأنا العترة .
فقام إليه الثاني فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا فيكما !
فحمل عليه السلام الكتاب وعاد به بعد أن ألزمهم الحجة ... إلخ .
ومنهم العلماء بالقراءات :
أحمد بن حنبل ، وابن بطة ، وأبو يعلى في مصنفاتهم عن الأعمش ، عن أبي بكر بن أبي عياش في خبر طويل أنه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف ، فاختلفا في قراءتهما .
فقال ابن مسعود : هذا خلاف ما أقرؤه ، فذهبت بهما إلى النبي صلى الله عليه وآله فغضب ، وعلي عنده .
فقال علي : رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم ، وهذا دليل على علم علي بوجوه القراءات المختلفة .
وروي أن زيداً لما قرأ ( التابوه ) ، قال علي عليه السلام اكتبه ( التابوت ) فكتبه كذلك .
والقراء السبعة إلى قراءته يرجعون :
* فأما حمزة والكسائي فيعوِّلان على قراءة علي عليه السلام وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنما يرجعان إلى عليٍّ ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب .
وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحداً أقرأ من علي بن أبي طالب للقرآن .
* فأما نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو فمعظم قراءتهم ترجع إلى ابن عباس ، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي عليه السلام ، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة أُبي ، فهو إذا مأخوذ عن علي عليه السلام .
* وأما عاصم ، فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي ، وقال أبو عبد الرحمن : قرأت القرآن كله على عليٍّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقالوا أفصح القراءات قراءة عاصم ، لأنه أتى بالأصل ، وذلك أنه يظهر ما أدغمه غيره ، ويحقق من الهمز ما ليَّنه غيره ، ويفتح من الألِفات ما أماله غيره .
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام ، ليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره ، وإنما كتب عدد ذلك كل مصرٍ عن بعض التابعين .
ومنهم المفسرون كعبد الله بن العباس ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدم ) .
تفسير النقاش :
( قال ابن عباس : جل ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليه السلام ، وابن مسعود .
إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عليه السلام علم الظاهر والباطن .
فضائل العكبري : قال الشعبي : ما أحد أعلم بكتاب الله ، بعد نبي الله من علي بن أبي طالب عليه السلام .
تاريخ البلاذري وحلية الأولياء : قال علي عليه السلام : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، أبليلٍ نزلت ، أم بنهار نزلت ، في سهلٍ أو جبل ، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً .
قوت القلوب : قال علي عليه السلام / لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب . وما وجد المفسرون قوله إلا ويأخذون به . انتهى . ورواه المجلسي في بحار الأنوار : 40/155 و : 89/51 ) .
وروى العياشي في تفسيره : 1/14 :
( عن الأصبغ بن نباتة قال : لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة ، صلَّى بهم أربعين صباحاً يقرأ بهم : سبح اسم ربك الأعلى .
قال فقال المنافقون : لا والله ما يحسن ابن أبي طالب أن يقرأ القرآن ! ولو أحسن أن يقرأ القرآن لقر
بنا غير هذه السورة ! قال : فبلغه ذلك .
فقال : ويلٌ لهم ! إني لأعرف ناسخه من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه ، وفصله من فصاله ، وحروفه من معانيه ، والله ما من حرف نزل على محمد صلى الله عليه وآله إلا أني أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم وفي أي موضع ! ويلٌ لهم ! أما يقرؤون : إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى . والله عندي ، ورثتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد أنهى إليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله من إبراهيم وموسى عليهما السلام ، ويلٌ لهم ! والله أنا الذي أنزل الله في : " وتعيها أذن واعية " فإنما كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فيخبرنا بالوحي فأعيَهُ أنا ومن يعيه ، فإذا خرجنا ، قالوا : ماذا قال آنفاً ؟! ) . انتهى .
وروى الكليني في الكافي : 1/62 :
( عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : قلت لأمير المؤمنين عليه السلام : إني سمعت من سلمان ، والمقداد وأبي ذرٍّ ، شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس ، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كله باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين ، ويفسرون القرآن بآرائهم ؟!
قال : فأقبل عليٌّ ، فقال : قد سألت فافهم الجواب : إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام خطيباً ، فقال :
أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، ثم كذب عليه من بعده . وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمداً ، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله ! وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل : " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم " . ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة .
ورجل ، سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمد كذباً ، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلو علم المسلمون أنه وهْمٌ لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه .
ورجل ثالث ، سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً أمر به ، ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ولو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه .
وآخر رابع ، لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وآله ، لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ .
فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقال الله عز وجل في كتابه : " ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا " ، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدرِ ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله .
وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشئ فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتى أن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا . وقد كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة
فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بنيَّ ، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ وكتبته ، منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته ، فلم أنسَ حرفاً واحداً ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً .
فقلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شئ لم أكتبه أفتتخوف علي النسيان فيما بعد ؟
فقال : لا ، لست أتخوف عليك النسيان والجهل ) . انتهى .
ورواه الصدوق في الخصال ص 255 ، والعياشي في تفسيره : 1/14 ، والنعماني في الغيبة ص 59 ، والمجلسي في بحار الأنوار : 36/273 و : 36/139 .
وأصل هذه الرواية أكبر مما نقله الكليني ، وقد أوردت المصادر بقية أجزائها ..
ومن ذلك ما رواه العياشي في تفسيره : 1/253 :
( عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت علياًّ عليه السلام : يقول ما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليّ ، فأكتبها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها ، ودعا الله لي أن يعلمني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ فكتبته بيدي على ما دعا لي ، وما نزل شئ علمه الله من حلال ولا حرام ، أمر ولا نهي كان أو يكون من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس منه حرفاً واحداً ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكمة ونوراً فلم أنس شيئاً ولم يفتني شئ لم أكتبه .
فقلت : يا رسول الله أتخوفت علي النسيان فيما بعد ؟
فقال : لست أتخوف عليك نسياناً ولا جهلاً ، وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك .
فقلت : يا رسول الله ومن شركائي من بعدي ؟
قال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي ، فقال : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ، الأئمة .
فقلت : يا رسول الله ، ومن هم ؟
فقال : الأوصياء مني إلى أن يردوا علي الحوض كلهم هادٍ مهتدٍ لا يضرهم من خذلهم ، هم مع القرآن ، والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنصر أمتي ، وبهم يمطرون وبهم يدفع عنهم ، وبهم يستجاب دعاؤهم .
فقلت : يا رسول الله سمِّهم لي .
فقال لي : ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسن ، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن له يقال له علي ، وسيولد في حياتك فأقرئه مني السلام ، ثم تكملة إلى اثني عشر من ولد محمد .
فقلت له : بأبي وأمي أنت ، سمِّهم .
فسماهم لي رجلاً رجلاً ، فيهم والله يا أخا بني هلال مهديُّ أمة محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، والله إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم . وذكر الحديث بتمامه ) . انتهى .
وهي روايات صريحة في أن القرآن كله كان مكتوباً عند علي عليه السلام من عهد النبي صلى الله عليه وآله ، وأن النبي كان حريصاً على أن يكتب عنه عليٍّ ، أو مأموراً من الله تعالى أن يبلغ القرآن وما يوحيه إليه الله تعالى إلى من يعيه ويبلغه من بعده .
ويأتي هنا سؤال ، وهو أنه يفهم من روايات مصادر إخواننا السنة أن علياًّ لم يكن عنده نسخة القرآن ، بل كتبها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، وأن ذلك كان سبب تأخره عن بيعة أبي بكر .
والجواب : أن علياًّ عليه السلام كان في اليوم الأول لوفاة النبي صلى الله عليه وآله مشغولاً بمراسم جنازته ودفنه ..
أما الأيام التي تلت ذلك ، فقد كانت مليئة بالأحداث السياسية المهمة التي روتها مصادر الشيعة والسنة ، ولا بد أن علياًّ كان مشغولاّ بها ..
ويكفي أن بيته الذي كان يعرفه المسلمون ببيت فاطمة عليهما السلام ، كان مركز اعتصام المعزين بوفاة النبي صلى الله عليه وآله والمعارضين لبيعة أبي بكر من أنصار ومهاجرين ، وقد ذكرت المصادر أسماء عدد منهم ..
وفي تلك الأيام قامت السلطة الوليدة بالهجوم على بيت فاطمة مطالبين بأن يبايع المعتصمون وإلا أحرقوا البيت عليهم بمن فيه ..
وبالفعل جمعوا الحطب على باب البيت وأضرموا النار وأحرقوه ... إلى آخر الأحداث !
وقد اختلف المؤرخون والمحدثون في تاريخ بيعة علي لأبي بكر ، وذهب المحققون منهم إلى أن فاطمة غضبت ولم تبايع ، وأن علياًّ لم يبايع إلا بعد وفاتها عليهما السلام .
قال ابن الأثير في أسد الغابة : 3/222 :
( وتخلف عن بيعته علي وبنو هاشم والزبير ابن العوام وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن عبادة الأنصاري . ثم أن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا سعد بن عبادة فإنه لم يبايع أحداً إلى أن مات ، وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح ، وقيل غير ذلك ) . انتهى .
لكن مع ذلك يطمئن الإنسان بأن علياًّ كتب نسخة من القرآن في المرحلة الأولى من خلافة أبي بكر وقدمها لهم ، لأن روايتها وردت في مصادر السنة كما تقدم ، وفي مصادرنا أيضاً .
كالذي رواه الكليني في الكافي : 2/633 :
( عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس .
فقال أبو عبد الله عليه السلام : كفَّ عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده .
وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام ، وقال : أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله ، وقد جمعته بين اللوحين .
فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه .
فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً ! إنما كان عليَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه ! ) .
والذي رواه الطبرسي في الإحتجاج : 1/225 :
( وفي رواية أبي ذر الغفاري ، أنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله . ورواه المجلسي في البحار : 96/42 - 43 ، والحويزي تفسير نور الثقلين : 5/226 ) .
ويفهم من هذه الروايات وغيرها أن علياًّ عليه السلام كان عنده نسختان من القرآن :
نسخة كتبها في عهد النبي بإملائه صلى الله عليه وآله وهي النسخة الموروثة المذخورة للإمام المهدي عليه السلام .. وقد تظافرت الروايات عنها في مصادرنا وفيها روايات صحيحة .. وأن الله تعالى يظهرها على يده فيما يظهر من معجزات أحقية الإسلام وتأويل آيات القرآن ، وقد تكون هي التي تحدث عنها ابن سيرين وابن سعد وعاصم وابن جزي ، بأن تأليفها على حسب التنزيل .
أما النسخة الأخرى ، فقد كتبها علي عليه السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، وهي بأسلوب التأليف الذي بين أيدينا ، ولا بد أن النبي صلى الله عليه وآله قد علمه أسلوب تأليفها أيضاً وأوصاه بعرضها عليهم كما نصت رواية الطبرسي : " وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله " .
والظاهر أنها النسخة التي يصفها الخليفة عثمان بافتخار في رسالته إلى الأمصار بأنها " القرآن الذي كتب عن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوحاه الله إلى جبريل ، وأوحاه جبريل إلى محمد ، وأنزله عليه ، وإذا القرآن غض !! " .
ولا يبعد أن يكون الرواة خلطوا أحياناً بين النسختين ..
أما الفرق بينهما فهو في الترتيب فقط .. وقد نصت مصادر إخواننا على أن ترتيب نسخة علي عليه السلام على حسب النزول كما تقدم .
فما المانع من أن يكون المقصود بها النسخة التي كتبها في عهد النبي صلى الله عليه وآله والتي هي مذخورة عند أهل البيت للإمام المهدي عليه السلام . ونصت مصادرنا الشيعية أيضاً على ذلك ..
قال المفيد في الإرشاد : 2/360 :
( وروى جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنه قال : إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ضرب فساطيط لمن يعلِّم الناس القرآن على ما أنزل الله عز وجل ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنه يخالف فيه التأليف . ورواه النيسابوري في روضة الواعظين ص 265 ، والمجلسي في بحار الأنوار : 52/339 ، وغيرهم ) .
ورد في مصادرنا ومصادر إخواننا حول مصحف علي عليه السلام ، ما يدل على ذلك :
فقد روى ابن سعد في الطبقات مجلد 2 قسم 2 ص 101 :
( عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن علياًّ أبطأ عن بيعة أبي بكر ، فلقيه أبو بكر .
فقال : أكرهت إمارتي ؟
قال : لا، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن.
قال : فزعموا أنه كتبه على تنزيل . قال محمد : فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم .
قال ابن عون : فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه . ورواه في كنز العمال : 2/588 ) .
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب : 3/974 :
( حدثنا أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، قال : لما بويع أبو بكر الصديق أبطأ عليٌّ عن بيعته وجلس في بيته فبعث إليه أبو بكر : ما أبطأ بك عني ، أكرهت إمارتي ؟
قال علي : ما كرهت إمارتك ، ولكني آليت ألا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع القرآن .
قال ابن سيرين : فبلغني أنه كتب على تنزيله ، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير .
ورواه عبد الرزاق في مصنفه : 5/450 ، وقال في هامشه : رواه البلاذري عن ابن سيرين موقوفاً مختصراً ، راجع أنساب الأشراف : 1/587 ) . انتهى .
وقال ابن جزي في التسهيل : 1/6 :
( وكان القرآن على عهد رسول الله متفرقاً في الصحف وفي صدور الرجال ، فلما توفي رسول الله قعد
علي بن أبي طالب رضي الله عنه في بيته فجمعه على ترتيب نزوله . ولو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير ، ولكنه لم يوجد ) .
وقال عن تميز علي عن الصحابة في علمه بالقرآن ص 13 :
( واعلم أن المفسرين على طبقات ، فالطبقة الأولى الصحابة رضي الله عنهم وأكثرهم كلاماً في التفسير ابن عباس ، وكان علي بن أبي طالب رضي الله يثني على تفسير ابن عباس ، ويقول : كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق . وقال ابن عباس : ما عندي من تفسير القرآن فهو من علي بن أبي طالب ، ويتلوهما عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمرو بن العاص . وكلما جاء من التفسير من الصحابة فهو حسن ) .
وقال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب :1/319 :
( ومن عجب أمره في هذا الباب أنه لا شئ من العلوم إلا وأهله يجعلون علياًّ قدوة ، فصار قوله قبلة في الشريعة ، فمنه سمع القرآن .
ذكر الشيرازي في نزول القرآن ، وأبو يوسف يعقوب في تفسيره ، عن ابن عباس في قوله : لا تحرك به لسانك :
كان النبي يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه ، وقيل له لا تحرك به لسانك يعني بالقرآن ، لتعجل به من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك . إن علينا جمعه وقرآنه ، قال : ضمن الله محمداً أن يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن أبي طالب . قال ابن عباس : فجمع الله القرآن في قلب عليٍّ وجمعه عليٌّ بعد موت رسول الله بستة أشهر .
وفي أخبار ابن أبي رافع ، أن النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي :
يا علي هذا كتاب الله ، خذه إليك ، فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله جلس علي عليه السلام فألفه كما أنزله الله وكان به عالماً .
وحدثني أبو العلاء العطار ، والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالإسناد عن علي بن رباح أن النبي صلى الله عليه وآله أمر علياًّ بتأليف القرآن فألفه وكتبه جبلة بن سحيم ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :
لو ثني لي الوسادة وعُرِف لي حقي لأخرجت لهم مصحفاً كتبته وأملاه علي رسول الله صلى الله عليه وآله ...
أبو نعيم في الحلية ، والخطيب في الأربعين بالإسناد عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي عليه السلام ، قال :
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين ، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن .
وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ، ثم خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد ، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع التيه ، فقالوا : لأمرٍ ما جاء أبو الحسن ! فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم .
ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب وأنا العترة .
فقام إليه الثاني فقال له : إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله ، فلا حاجة لنا فيكما !
فحمل عليه السلام الكتاب وعاد به بعد أن ألزمهم الحجة ... إلخ .
ومنهم العلماء بالقراءات :
أحمد بن حنبل ، وابن بطة ، وأبو يعلى في مصنفاتهم عن الأعمش ، عن أبي بكر بن أبي عياش في خبر طويل أنه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف ، فاختلفا في قراءتهما .
فقال ابن مسعود : هذا خلاف ما أقرؤه ، فذهبت بهما إلى النبي صلى الله عليه وآله فغضب ، وعلي عنده .
فقال علي : رسول الله صلى الله عليه وآله يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم ، وهذا دليل على علم علي بوجوه القراءات المختلفة .
وروي أن زيداً لما قرأ ( التابوه ) ، قال علي عليه السلام اكتبه ( التابوت ) فكتبه كذلك .
والقراء السبعة إلى قراءته يرجعون :
* فأما حمزة والكسائي فيعوِّلان على قراءة علي عليه السلام وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنما يرجعان إلى عليٍّ ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب .
وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحداً أقرأ من علي بن أبي طالب للقرآن .
* فأما نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو فمعظم قراءتهم ترجع إلى ابن عباس ، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي عليه السلام ، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة أُبي ، فهو إذا مأخوذ عن علي عليه السلام .
* وأما عاصم ، فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي ، وقال أبو عبد الرحمن : قرأت القرآن كله على عليٍّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقالوا أفصح القراءات قراءة عاصم ، لأنه أتى بالأصل ، وذلك أنه يظهر ما أدغمه غيره ، ويحقق من الهمز ما ليَّنه غيره ، ويفتح من الألِفات ما أماله غيره .
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام ، ليس في الصحابة من ينسب إليه العدد غيره ، وإنما كتب عدد ذلك كل مصرٍ عن بعض التابعين .
ومنهم المفسرون كعبد الله بن العباس ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وهم معترفون له بالتقدم ) .
تفسير النقاش :
( قال ابن عباس : جل ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليه السلام ، وابن مسعود .
إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عليه السلام علم الظاهر والباطن .
فضائل العكبري : قال الشعبي : ما أحد أعلم بكتاب الله ، بعد نبي الله من علي بن أبي طالب عليه السلام .
تاريخ البلاذري وحلية الأولياء : قال علي عليه السلام : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، أبليلٍ نزلت ، أم بنهار نزلت ، في سهلٍ أو جبل ، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً .
قوت القلوب : قال علي عليه السلام / لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً في تفسير فاتحة الكتاب . وما وجد المفسرون قوله إلا ويأخذون به . انتهى . ورواه المجلسي في بحار الأنوار : 40/155 و : 89/51 ) .
وروى العياشي في تفسيره : 1/14 :
( عن الأصبغ بن نباتة قال : لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة ، صلَّى بهم أربعين صباحاً يقرأ بهم : سبح اسم ربك الأعلى .
قال فقال المنافقون : لا والله ما يحسن ابن أبي طالب أن يقرأ القرآن ! ولو أحسن أن يقرأ القرآن لقر
بنا غير هذه السورة ! قال : فبلغه ذلك .
فقال : ويلٌ لهم ! إني لأعرف ناسخه من منسوخه ، ومحكمه من متشابهه ، وفصله من فصاله ، وحروفه من معانيه ، والله ما من حرف نزل على محمد صلى الله عليه وآله إلا أني أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم وفي أي موضع ! ويلٌ لهم ! أما يقرؤون : إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى . والله عندي ، ورثتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد أنهى إليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله من إبراهيم وموسى عليهما السلام ، ويلٌ لهم ! والله أنا الذي أنزل الله في : " وتعيها أذن واعية " فإنما كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فيخبرنا بالوحي فأعيَهُ أنا ومن يعيه ، فإذا خرجنا ، قالوا : ماذا قال آنفاً ؟! ) . انتهى .
وروى الكليني في الكافي : 1/62 :
( عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : قلت لأمير المؤمنين عليه السلام : إني سمعت من سلمان ، والمقداد وأبي ذرٍّ ، شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس ، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أن ذلك كله باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين ، ويفسرون القرآن بآرائهم ؟!
قال : فأقبل عليٌّ ، فقال : قد سألت فافهم الجواب : إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام خطيباً ، فقال :
أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، ثم كذب عليه من بعده . وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمداً ، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله ! وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل : " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم " . ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهذا أحد الأربعة .
ورجل ، سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمد كذباً ، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلو علم المسلمون أنه وهْمٌ لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه .
ورجل ثالث ، سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً أمر به ، ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ولو علم أنه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه .
وآخر رابع ، لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وآله ، لم ينسه بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ .
فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقال الله عز وجل في كتابه : " ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا " ، فيشتبه على من لم يعرف ولم يدرِ ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله .
وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشئ فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتى أن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا . وقد كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة
فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بنيَّ ، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصها وعامها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ وكتبته ، منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته ، فلم أنسَ حرفاً واحداً ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً .
فقلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شئ لم أكتبه أفتتخوف علي النسيان فيما بعد ؟
فقال : لا ، لست أتخوف عليك النسيان والجهل ) . انتهى .
ورواه الصدوق في الخصال ص 255 ، والعياشي في تفسيره : 1/14 ، والنعماني في الغيبة ص 59 ، والمجلسي في بحار الأنوار : 36/273 و : 36/139 .
وأصل هذه الرواية أكبر مما نقله الكليني ، وقد أوردت المصادر بقية أجزائها ..
ومن ذلك ما رواه العياشي في تفسيره : 1/253 :
( عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت علياًّ عليه السلام : يقول ما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليّ ، فأكتبها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها ، ودعا الله لي أن يعلمني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ فكتبته بيدي على ما دعا لي ، وما نزل شئ علمه الله من حلال ولا حرام ، أمر ولا نهي كان أو يكون من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس منه حرفاً واحداً ، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكمة ونوراً فلم أنس شيئاً ولم يفتني شئ لم أكتبه .
فقلت : يا رسول الله أتخوفت علي النسيان فيما بعد ؟
فقال : لست أتخوف عليك نسياناً ولا جهلاً ، وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك .
فقلت : يا رسول الله ومن شركائي من بعدي ؟
قال : الذين قرنهم الله بنفسه وبي ، فقال : " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ، الأئمة .
فقلت : يا رسول الله ، ومن هم ؟
فقال : الأوصياء مني إلى أن يردوا علي الحوض كلهم هادٍ مهتدٍ لا يضرهم من خذلهم ، هم مع القرآن ، والقرآن معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنصر أمتي ، وبهم يمطرون وبهم يدفع عنهم ، وبهم يستجاب دعاؤهم .
فقلت : يا رسول الله سمِّهم لي .
فقال لي : ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسن ، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن له يقال له علي ، وسيولد في حياتك فأقرئه مني السلام ، ثم تكملة إلى اثني عشر من ولد محمد .
فقلت له : بأبي وأمي أنت ، سمِّهم .
فسماهم لي رجلاً رجلاً ، فيهم والله يا أخا بني هلال مهديُّ أمة محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، والله إني لأعرف من يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم . وذكر الحديث بتمامه ) . انتهى .
وهي روايات صريحة في أن القرآن كله كان مكتوباً عند علي عليه السلام من عهد النبي صلى الله عليه وآله ، وأن النبي كان حريصاً على أن يكتب عنه عليٍّ ، أو مأموراً من الله تعالى أن يبلغ القرآن وما يوحيه إليه الله تعالى إلى من يعيه ويبلغه من بعده .
ويأتي هنا سؤال ، وهو أنه يفهم من روايات مصادر إخواننا السنة أن علياًّ لم يكن عنده نسخة القرآن ، بل كتبها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، وأن ذلك كان سبب تأخره عن بيعة أبي بكر .
والجواب : أن علياًّ عليه السلام كان في اليوم الأول لوفاة النبي صلى الله عليه وآله مشغولاً بمراسم جنازته ودفنه ..
أما الأيام التي تلت ذلك ، فقد كانت مليئة بالأحداث السياسية المهمة التي روتها مصادر الشيعة والسنة ، ولا بد أن علياًّ كان مشغولاّ بها ..
ويكفي أن بيته الذي كان يعرفه المسلمون ببيت فاطمة عليهما السلام ، كان مركز اعتصام المعزين بوفاة النبي صلى الله عليه وآله والمعارضين لبيعة أبي بكر من أنصار ومهاجرين ، وقد ذكرت المصادر أسماء عدد منهم ..
وفي تلك الأيام قامت السلطة الوليدة بالهجوم على بيت فاطمة مطالبين بأن يبايع المعتصمون وإلا أحرقوا البيت عليهم بمن فيه ..
وبالفعل جمعوا الحطب على باب البيت وأضرموا النار وأحرقوه ... إلى آخر الأحداث !
وقد اختلف المؤرخون والمحدثون في تاريخ بيعة علي لأبي بكر ، وذهب المحققون منهم إلى أن فاطمة غضبت ولم تبايع ، وأن علياًّ لم يبايع إلا بعد وفاتها عليهما السلام .
قال ابن الأثير في أسد الغابة : 3/222 :
( وتخلف عن بيعته علي وبنو هاشم والزبير ابن العوام وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن عبادة الأنصاري . ثم أن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا سعد بن عبادة فإنه لم يبايع أحداً إلى أن مات ، وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح ، وقيل غير ذلك ) . انتهى .
لكن مع ذلك يطمئن الإنسان بأن علياًّ كتب نسخة من القرآن في المرحلة الأولى من خلافة أبي بكر وقدمها لهم ، لأن روايتها وردت في مصادر السنة كما تقدم ، وفي مصادرنا أيضاً .
كالذي رواه الكليني في الكافي : 2/633 :
( عن سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس .
فقال أبو عبد الله عليه السلام : كفَّ عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عز وجل على حده .
وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام ، وقال : أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله ، وقد جمعته بين اللوحين .
فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه .
فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً ! إنما كان عليَّ أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه ! ) .
والذي رواه الطبرسي في الإحتجاج : 1/225 :
( وفي رواية أبي ذر الغفاري ، أنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله . ورواه المجلسي في البحار : 96/42 - 43 ، والحويزي تفسير نور الثقلين : 5/226 ) .
ويفهم من هذه الروايات وغيرها أن علياًّ عليه السلام كان عنده نسختان من القرآن :
نسخة كتبها في عهد النبي بإملائه صلى الله عليه وآله وهي النسخة الموروثة المذخورة للإمام المهدي عليه السلام .. وقد تظافرت الروايات عنها في مصادرنا وفيها روايات صحيحة .. وأن الله تعالى يظهرها على يده فيما يظهر من معجزات أحقية الإسلام وتأويل آيات القرآن ، وقد تكون هي التي تحدث عنها ابن سيرين وابن سعد وعاصم وابن جزي ، بأن تأليفها على حسب التنزيل .
أما النسخة الأخرى ، فقد كتبها علي عليه السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، وهي بأسلوب التأليف الذي بين أيدينا ، ولا بد أن النبي صلى الله عليه وآله قد علمه أسلوب تأليفها أيضاً وأوصاه بعرضها عليهم كما نصت رواية الطبرسي : " وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم ، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله " .
والظاهر أنها النسخة التي يصفها الخليفة عثمان بافتخار في رسالته إلى الأمصار بأنها " القرآن الذي كتب عن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوحاه الله إلى جبريل ، وأوحاه جبريل إلى محمد ، وأنزله عليه ، وإذا القرآن غض !! " .
ولا يبعد أن يكون الرواة خلطوا أحياناً بين النسختين ..
أما الفرق بينهما فهو في الترتيب فقط .. وقد نصت مصادر إخواننا على أن ترتيب نسخة علي عليه السلام على حسب النزول كما تقدم .
فما المانع من أن يكون المقصود بها النسخة التي كتبها في عهد النبي صلى الله عليه وآله والتي هي مذخورة عند أهل البيت للإمام المهدي عليه السلام . ونصت مصادرنا الشيعية أيضاً على ذلك ..
قال المفيد في الإرشاد : 2/360 :
( وروى جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنه قال : إذا قام قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ضرب فساطيط لمن يعلِّم الناس القرآن على ما أنزل الله عز وجل ، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم ، لأنه يخالف فيه التأليف . ورواه النيسابوري في روضة الواعظين ص 265 ، والمجلسي في بحار الأنوار : 52/339 ، وغيرهم ) .