حبیب عساکره
05-06-2012, 05:31 PM
شهادة فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
http://img.tebyan.net/big/1388/02/921032441472210376140157942051051681222181.jpg (http://www.tebyan.net/bigimage.aspx?img=http://img.tebyan.net/big/1388/02/130462515014423424017111717242213212011899.jpg)
بعد وفاة رسول الله (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216)( صلى الله عليه وآله ) اشتدَّ عليها الحزن و الأسى ، و نزل بها المرض ، لِمَا لاقَتْهُ من هجوم أَزْلامِ الزُمرة الحاكمة آنذاك على دارها ، وَ عَصْرِهَا بَين الحَائطِ و البَابِ ، وَ سُقُوطِ جَنِينِها ، المُحسِن ( عليه السلام ) ، وَ كَسْرِ ضِلعِها ، وَ غَصبِ أَرضِهَا ( فَدَك ) . فتوالت الأمراض على وديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، و فَتك الحزن جِسمَها النحيلَ المُعذَّبَ ، حتى انهارت قواها ( عليه السلام ) .
فقد مشى إليها الموت سريعاً ، و هي ( عليها السلام ) في شبابها الغَض ، و قد حان موعد اللقاء القريب بينها ( عليها السلام ) ، و بين أبيها ( صلى الله عليه وآله ) الذي غاب عنها ، و غابت معه عواطفه الفَيَّاضة .
وَ لَمَّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة ، طَلَبتْ حضورَ
أمير المؤمنين ، علي (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=43862)( عليه السلام ) ، فَعَهدتْ إليهِ بِوَصِيَّتِها ، و مضمون الوصية : أن يُوارِي ( عليه السلام ) ، جثمانها ( عليها السلام ) المقدس في غَلس اللَّيل البهيم ، و أن لا يُشَيِّعُها أحد من الذين هَضَمُوهَا ، لأنهم أَعداؤها ( عليها السلام ) ، و أعداء أبيها ( صلى الله عليه وآله ) - على حَدِّ تعبيرها - .
كَما عَهدت إليه ، أن يتزوَّج من بعدها بابنة أختها أمَامَة ، لأنَّها تقوم بِرِعَايَة ولديها
الحسن (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=74415) و الحسين (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=28208) ( عليهما السلام ) اللَّذَين هما أعزُّ عندها من الحياة . وعهدت إليه ، أن يعفي موضع قبرها ، ليكون رمزاً لِغَضَبِهَا غير قابلٍ للتأويل على مَمَرِّ الأجيال الصاعدة .
وضمن لها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جميع ما عَهدَت إليه ، و انصرف عنها ( عليها السلام ) ، و هو غارق في الأسى و الشجون .
و في آخر يوم من حياتها ( عليها السلام ) ، ظهر بعض التحسّن على صحتها ، بادية الفرح و السرور ، فقد علمت ( عليها السلام ) ، أنها في يومها تلحق بأبيها ( صلى الله عليه وآله ) .
و عمدت ( عليها السلام ) إلى ولديها ( عليهما السلام ) فَغَسَلت لهما ، و صنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم ، و أمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما ، و هي تلقي عليهما نظرة الوداع ، و قلبها يذوب من اللوعة والوجد .
فخرج الحسنان ( عليهما السلام ) ، و قد هاما في تيار من الهواجس ، و أَحسَّا ببوادر مخيفة ، أغرقتهما بالهموم و الأحزان ، و التفت وديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى أسماء بنت عميس ، و كانت تتولى تمريضها ، و خدمتها فقالت ( عليها السلام ) لها : يا أُمَّاه .فقالت أسماء : نعم يا حبيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقالت ( عليها السلام ) : اسكبي لي غسلاً .
فانبرت أسماء ، و أتتها بالماء فاغتسلت ( عليها السلام ) فيه ، و قالت ( عليها السلام ) لها ثانياً : إيتيني بثيابي الجدد .
فناولتها أسماء ثيابها ( عليها السلام ) .
ثم هتفت الزهراء ( عليها السلام ) ، بها مرة أخرى : اجعلي فراشي وسط البيت .
و عندها ذعرت أسماء ، و ارتعش قلبها ، فقد عرفت أن الموت قد حلّ بوديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فصنعت لها ما أرادت ، فاضطجعت الزهراء ( عليها السلام ) على فراشها ، و استقبلت القبلة ، و التفتت إلى أسماء قائلة بصوت خافت : يا أُمَّاه ، إني مقبوضة الآن ، و قد تَطَهَّرتُ فلا يكشفني أحد .
و أخذت ( عليها السلام ) تتلو آيات من الذكر الحكيم ، حتى فارقت الروحُ الجسد ، وَ سَمت تلك الروح العظيمة إلى بارئها ، لتلتقي بأبيها ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي كرهت الحياة بعده .
و كان ذلك في ( 13 من جمادي الأول ) من سنة ( 11 هـ ) ، و في رواية أخرى أنه كان في ( 13 ربيع الثاني ) من نفس السنة ، و في رواية أخرى في ( 3 جمادي الثاني ) من نفس السنة أيضاً .
و رجع الحسنان ( عليهما السلام ) إلى الدار ، فلم يجدا فيها أمهما ( عليها السلام ) ، فبادرا يسألان أسماء عن أمّهما ، ففاجئتهما ، و هي غارقة في العويل و البكاء قائلة : يا سيدي إن أمّكما قد ماتت ، فأخبرا بذلك أباكما ، و كان هذا الخبر كالصاعقة عليهما .
فهرعا ( عليهما السلام ) مسرعين إلى جثمانها ، فوقع عليها الحسن ( عليه السلام ) ، و هو يقول : يا أُمَّاه ، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني .
وألقى الحسين ( عليه السلام ) نفسه عليها ،و هو يَعجُّ بالبكاء قائلاً : يا أُمَّاه ، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي .
و أخذت أسماء تعزيهما وتطلب منهما أن يسرعا إلى أبيهما ( عليه السلام ) فيخبراه ، فانطلقا ( عليهما السلام ) إلى مسجد جدّهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما غارقان في البكاء ، فلما قربا من المسجد رفعا صوتهما بالبكاء ، فاستقبلهما المسلمون وقد ظنوا أنهما تذكرا جدّهما ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا :
ما يبكيكما يا ابنَي رسول الله ؟ لعلّكما نظرتما موقف جدّكما ( صلى الله عليه وآله ) فبكيتما شوقاً إليه ؟
فهرعا ( عليهما السلام ) إلى أبيهما وقالا بأعلى صوتهما : أَوَ ليس قد ماتت أُمُّنا فاطمة .
فاضطرب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهزَّ النبأ المؤلم كِيانَه ، وطفق يقول :
بمن العزاء يا بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
كنتُ بِكِ أتعزَّى ، فَفِيمَ العزاء من بعدك ؟
وخَفَّ ( عليه السلام ) مسرعاً إلى الدار وهو يذرف الدموع ، ولما ألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخذ ينشد ( عليه السلام ) :
لِكُلِّ اجتِمَاعٍ مِن خَلِيلَيْنِ فِرقَةٌ وَكُلُّ الَّذي دُونَ الفِرَاقِ قَليلُ
وَإِنَّ افتِقَادِي فَاطماً بَعدَ أَحمَد دَلِيلٌ عَلى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ
وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام ( عليه السلام ) وهم يذرفون الدموع على وديعة نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد انطوت بموت الزهراء ( عليها السلام ) آخر صفحة من صحفات النبوة ، وتذكروا بموتها عطف الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عليهم ، وقد ارتَجَّت المدينة المنورة من الصراخ والعويل .
وعهد الإمام ( عليه السلام ) إلى سَلمَان أن يقول للناس بأن مواراة بضعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) تأخّر هذه العشية ، وتفرقت الجماهير .
ولما مضى من الليل شَطرُهُ ، قام الإمام ( عليه السلام ) فغسَّل الجسد الطاهر ، ومعه أسماء والحسنان ( عليهما السلام ) ، وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم .
وبعد أن أدرجها في أكفانها دعا بأطفالها – الذين لم ينتهلوا من حنان أُمِّهم – ليلقوا عليها النظرة الأخيرة ، وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وعويلهم ، وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها .
ولما حَلَّ الهزيع الأخير من الليل قام ( عليه السلام ) فصلّى عليها ، وعهد إلى بني هاشم وخُلَّصِ أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير .
ولم يخبر ( عليه السلام ) أي أحد بذلك ، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخُلَّص وأهل بيته ( عليهم السلام ) .
وأودعها في قبرها وأهال عليها التراب ، ووقف ( عليه السلام ) على حافة القبر ، وهو يروي ثراه بدموع عينيه ، واندفع يُؤَبِّنها بهذه الكلمات التي تمثل لوعته وحزنه على هذا الرزء القاصم قائلاً :
( السَّلام عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النَّازِلَة في جوارك ، السريعة اللحاق بك ، قَلَّ يا رسولَ الله عن صَفِيَّتِك صَبرِي ، وَرَقَّ عنها تَجَلُّدِي ، إِلاَّ أنَّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقد وَسَّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك ، وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ . إِنَّـا لله وإنَّا إليه راجعون ، لقد استُرجِعَتْ الوَديعةُ ، وأُخِذَتْ الرَّهينَة ، أمَّا حُزنِي فَسَرْمَدْ ، وَأمَّا لَيلِي فَمُسَهَّدْ ، إلى أَنْ يختارَ اللهُ لي دارَك التي أنتَ بِها مُقيم ، وَسَتُنَبِّئُكَ ابنتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ على هَضمِها ، فَاحفِهَا السُّؤَالَ ، واستَخبِرْهَا الحَالَ ) . فأعلن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في هذه الكلمات شكواه للرسول ( صلى الله عليه وآله ) على ما أَلَمَّ بابنتِه من الخطوب والنكبات ، وطَلبَ ( عليه السلام ) منه ( صلى الله عليه وآله ) أن يَلحَّ في السُؤال منها ( عليها السلام ) ، لتخبِرَهُ ( صلى الله عليه وآله ) بما جرى عليها ( عليها السلام ) من الظُلم والضَيم في تلك الفترة القصيرة الأمد التي قد عاشتها ( عليها السلام ) .
وعاد الإمام ( عليه السلام ) إلى بيته كئيباً حزيناً ، ينظر إلى أطفاله
http://img.tebyan.net/big/1388/02/921032441472210376140157942051051681222181.jpg (http://www.tebyan.net/bigimage.aspx?img=http://img.tebyan.net/big/1388/02/130462515014423424017111717242213212011899.jpg)
بعد وفاة رسول الله (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=44216)( صلى الله عليه وآله ) اشتدَّ عليها الحزن و الأسى ، و نزل بها المرض ، لِمَا لاقَتْهُ من هجوم أَزْلامِ الزُمرة الحاكمة آنذاك على دارها ، وَ عَصْرِهَا بَين الحَائطِ و البَابِ ، وَ سُقُوطِ جَنِينِها ، المُحسِن ( عليه السلام ) ، وَ كَسْرِ ضِلعِها ، وَ غَصبِ أَرضِهَا ( فَدَك ) . فتوالت الأمراض على وديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، و فَتك الحزن جِسمَها النحيلَ المُعذَّبَ ، حتى انهارت قواها ( عليه السلام ) .
فقد مشى إليها الموت سريعاً ، و هي ( عليها السلام ) في شبابها الغَض ، و قد حان موعد اللقاء القريب بينها ( عليها السلام ) ، و بين أبيها ( صلى الله عليه وآله ) الذي غاب عنها ، و غابت معه عواطفه الفَيَّاضة .
وَ لَمَّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة ، طَلَبتْ حضورَ
أمير المؤمنين ، علي (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=43862)( عليه السلام ) ، فَعَهدتْ إليهِ بِوَصِيَّتِها ، و مضمون الوصية : أن يُوارِي ( عليه السلام ) ، جثمانها ( عليها السلام ) المقدس في غَلس اللَّيل البهيم ، و أن لا يُشَيِّعُها أحد من الذين هَضَمُوهَا ، لأنهم أَعداؤها ( عليها السلام ) ، و أعداء أبيها ( صلى الله عليه وآله ) - على حَدِّ تعبيرها - .
كَما عَهدت إليه ، أن يتزوَّج من بعدها بابنة أختها أمَامَة ، لأنَّها تقوم بِرِعَايَة ولديها
الحسن (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=74415) و الحسين (http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=28208) ( عليهما السلام ) اللَّذَين هما أعزُّ عندها من الحياة . وعهدت إليه ، أن يعفي موضع قبرها ، ليكون رمزاً لِغَضَبِهَا غير قابلٍ للتأويل على مَمَرِّ الأجيال الصاعدة .
وضمن لها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جميع ما عَهدَت إليه ، و انصرف عنها ( عليها السلام ) ، و هو غارق في الأسى و الشجون .
و في آخر يوم من حياتها ( عليها السلام ) ، ظهر بعض التحسّن على صحتها ، بادية الفرح و السرور ، فقد علمت ( عليها السلام ) ، أنها في يومها تلحق بأبيها ( صلى الله عليه وآله ) .
و عمدت ( عليها السلام ) إلى ولديها ( عليهما السلام ) فَغَسَلت لهما ، و صنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم ، و أمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما ، و هي تلقي عليهما نظرة الوداع ، و قلبها يذوب من اللوعة والوجد .
فخرج الحسنان ( عليهما السلام ) ، و قد هاما في تيار من الهواجس ، و أَحسَّا ببوادر مخيفة ، أغرقتهما بالهموم و الأحزان ، و التفت وديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى أسماء بنت عميس ، و كانت تتولى تمريضها ، و خدمتها فقالت ( عليها السلام ) لها : يا أُمَّاه .فقالت أسماء : نعم يا حبيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فقالت ( عليها السلام ) : اسكبي لي غسلاً .
فانبرت أسماء ، و أتتها بالماء فاغتسلت ( عليها السلام ) فيه ، و قالت ( عليها السلام ) لها ثانياً : إيتيني بثيابي الجدد .
فناولتها أسماء ثيابها ( عليها السلام ) .
ثم هتفت الزهراء ( عليها السلام ) ، بها مرة أخرى : اجعلي فراشي وسط البيت .
و عندها ذعرت أسماء ، و ارتعش قلبها ، فقد عرفت أن الموت قد حلّ بوديعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
فصنعت لها ما أرادت ، فاضطجعت الزهراء ( عليها السلام ) على فراشها ، و استقبلت القبلة ، و التفتت إلى أسماء قائلة بصوت خافت : يا أُمَّاه ، إني مقبوضة الآن ، و قد تَطَهَّرتُ فلا يكشفني أحد .
و أخذت ( عليها السلام ) تتلو آيات من الذكر الحكيم ، حتى فارقت الروحُ الجسد ، وَ سَمت تلك الروح العظيمة إلى بارئها ، لتلتقي بأبيها ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي كرهت الحياة بعده .
و كان ذلك في ( 13 من جمادي الأول ) من سنة ( 11 هـ ) ، و في رواية أخرى أنه كان في ( 13 ربيع الثاني ) من نفس السنة ، و في رواية أخرى في ( 3 جمادي الثاني ) من نفس السنة أيضاً .
و رجع الحسنان ( عليهما السلام ) إلى الدار ، فلم يجدا فيها أمهما ( عليها السلام ) ، فبادرا يسألان أسماء عن أمّهما ، ففاجئتهما ، و هي غارقة في العويل و البكاء قائلة : يا سيدي إن أمّكما قد ماتت ، فأخبرا بذلك أباكما ، و كان هذا الخبر كالصاعقة عليهما .
فهرعا ( عليهما السلام ) مسرعين إلى جثمانها ، فوقع عليها الحسن ( عليه السلام ) ، و هو يقول : يا أُمَّاه ، كلميني قبل أن تفارق روحي بدني .
وألقى الحسين ( عليه السلام ) نفسه عليها ،و هو يَعجُّ بالبكاء قائلاً : يا أُمَّاه ، أنا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي .
و أخذت أسماء تعزيهما وتطلب منهما أن يسرعا إلى أبيهما ( عليه السلام ) فيخبراه ، فانطلقا ( عليهما السلام ) إلى مسجد جدّهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما غارقان في البكاء ، فلما قربا من المسجد رفعا صوتهما بالبكاء ، فاستقبلهما المسلمون وقد ظنوا أنهما تذكرا جدّهما ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا :
ما يبكيكما يا ابنَي رسول الله ؟ لعلّكما نظرتما موقف جدّكما ( صلى الله عليه وآله ) فبكيتما شوقاً إليه ؟
فهرعا ( عليهما السلام ) إلى أبيهما وقالا بأعلى صوتهما : أَوَ ليس قد ماتت أُمُّنا فاطمة .
فاضطرب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهزَّ النبأ المؤلم كِيانَه ، وطفق يقول :
بمن العزاء يا بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟
كنتُ بِكِ أتعزَّى ، فَفِيمَ العزاء من بعدك ؟
وخَفَّ ( عليه السلام ) مسرعاً إلى الدار وهو يذرف الدموع ، ولما ألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخذ ينشد ( عليه السلام ) :
لِكُلِّ اجتِمَاعٍ مِن خَلِيلَيْنِ فِرقَةٌ وَكُلُّ الَّذي دُونَ الفِرَاقِ قَليلُ
وَإِنَّ افتِقَادِي فَاطماً بَعدَ أَحمَد دَلِيلٌ عَلى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ
وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام ( عليه السلام ) وهم يذرفون الدموع على وديعة نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد انطوت بموت الزهراء ( عليها السلام ) آخر صفحة من صحفات النبوة ، وتذكروا بموتها عطف الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عليهم ، وقد ارتَجَّت المدينة المنورة من الصراخ والعويل .
وعهد الإمام ( عليه السلام ) إلى سَلمَان أن يقول للناس بأن مواراة بضعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) تأخّر هذه العشية ، وتفرقت الجماهير .
ولما مضى من الليل شَطرُهُ ، قام الإمام ( عليه السلام ) فغسَّل الجسد الطاهر ، ومعه أسماء والحسنان ( عليهما السلام ) ، وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم .
وبعد أن أدرجها في أكفانها دعا بأطفالها – الذين لم ينتهلوا من حنان أُمِّهم – ليلقوا عليها النظرة الأخيرة ، وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وعويلهم ، وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها .
ولما حَلَّ الهزيع الأخير من الليل قام ( عليه السلام ) فصلّى عليها ، وعهد إلى بني هاشم وخُلَّصِ أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير .
ولم يخبر ( عليه السلام ) أي أحد بذلك ، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخُلَّص وأهل بيته ( عليهم السلام ) .
وأودعها في قبرها وأهال عليها التراب ، ووقف ( عليه السلام ) على حافة القبر ، وهو يروي ثراه بدموع عينيه ، واندفع يُؤَبِّنها بهذه الكلمات التي تمثل لوعته وحزنه على هذا الرزء القاصم قائلاً :
( السَّلام عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النَّازِلَة في جوارك ، السريعة اللحاق بك ، قَلَّ يا رسولَ الله عن صَفِيَّتِك صَبرِي ، وَرَقَّ عنها تَجَلُّدِي ، إِلاَّ أنَّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقد وَسَّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك ، وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ . إِنَّـا لله وإنَّا إليه راجعون ، لقد استُرجِعَتْ الوَديعةُ ، وأُخِذَتْ الرَّهينَة ، أمَّا حُزنِي فَسَرْمَدْ ، وَأمَّا لَيلِي فَمُسَهَّدْ ، إلى أَنْ يختارَ اللهُ لي دارَك التي أنتَ بِها مُقيم ، وَسَتُنَبِّئُكَ ابنتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ على هَضمِها ، فَاحفِهَا السُّؤَالَ ، واستَخبِرْهَا الحَالَ ) . فأعلن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في هذه الكلمات شكواه للرسول ( صلى الله عليه وآله ) على ما أَلَمَّ بابنتِه من الخطوب والنكبات ، وطَلبَ ( عليه السلام ) منه ( صلى الله عليه وآله ) أن يَلحَّ في السُؤال منها ( عليها السلام ) ، لتخبِرَهُ ( صلى الله عليه وآله ) بما جرى عليها ( عليها السلام ) من الظُلم والضَيم في تلك الفترة القصيرة الأمد التي قد عاشتها ( عليها السلام ) .
وعاد الإمام ( عليه السلام ) إلى بيته كئيباً حزيناً ، ينظر إلى أطفاله