المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : : الإمامُ المَهدي: ع: وثنائيَّة الغيبِ والشهادة :وقفةٌ معرفيّة مع المُعطى القرآني :


مرتضى علي الحلي
30-06-2012, 11:45 AM
الإمامُ المَهدي: عليه السلام : وثنائيَّة الغيبِ والشهادة :

=============================
: وقفةٌ معرفيَّة مع المُعطى القرآني :

===========================

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله المعصومين

إنَّ الإيمانَ بثنائية الغيب والشهادة تُعتبر حقيقة بمثابة النظام بالمعنى اللغوي

والذي يَلفُّ في خيطه كل مفردات الشخصية المؤمنة دينيا

لذا جعل الله تعالى هذه الثنائية من اُولى صفات المتقين بحسب ترتب الصفات التي ذكرها القرآن الكريم تراتبيا وجوديا


فالمُلاحَظ في سياقية القرآن الكريم في أُولى آيات سورة البقرة


هواهتمامه بهذه الثنائية بصورة كبيرة على مستوى الأيمان بالله تعالى وبرسله

وخاصة برسولنا الكريم محمد:صلى الله عليه وآله وسلّم:

وما أُنزل إليه وماأُنزل من قبله

إهتماماً يستبطن في ذاتياته صور الغيب والشهادة المتعددة حياتيا


فمثلاً الشخص الذي عاش في وقت رسول الله :ص:

وآمن بماأُنزل على نبينا محمد:ص:

هذه صورة من صور الشهادة

وإيمانه بماأُنزل على الرسل من قبله صورة من صور الإيمان بالغيب


أما نحن اليوم فإيماننا بنبوة النبي الخاتم محمد:ص:

وإمامة الأئمة الأثني عشر تمثل لنا غيبا محضا

إذ لم نشهد نحن وقت نبوة نبينا محمد:ص:
ولا إمامة الأئمة الأثني عشر المعصومين :عليهم السلام:




نعم نحن آلان نعيشُ ثنائية الغيب والشهادة بالنسبة لإمامنا المهدي :عليه السلام:


فمن جهة ولادته وغيبتة الصغرى وبدء غيبتة الكبرى هذا كله غيبا محضا بالنسبة لنا

إذ أننا لم نحسه وجودا فعليا

لكن وجوده آلان بين ظهرانينا هو وجودا غيبيا وشهادتيا في نفس الوقت


فعدم رؤيتنا له شخصانيا و تعذر إمكاننا من الإتصال به

يُمثل جنبة الغيب لنا


ووجوده في حد ذاته ومساحاته العملية هو شهادة وجودية علينا


بإعتباره يرانا ولانراه

أو هو لم يخرج عن مساحة عالم الشهادة في عالمنا الدنيوي


وعلى هذا الأساسُ القرآني المتين يتطلبُ إيماننا بالإمام المهدي :ع:

تفعيل جنبتي الإيمان بالغيب والشهادة معاً إيمانا إندكاكيا لاتفكيك فيه


لأنّك ترى كل الأنبياء والرسل والأئمة المعصومين :عليهم السلام:


قد ركَّزوا على هذه الحقيقة الدينية تركيزا كبيرا

فلا تجد نبياً أو إماماً معصوماً إلاّ وأكد على ضرورة الإيمان بالغيب المكنون

شدّا للإنسان بهذه الحقيقة الوجودية


فألله تعالى بالنسبة لنا غيبا مطلقا

فلِمَ لا نؤمن بما أسس له سبحانه من الإيمان بالغيب

أيٌّ غيبٍ غيبٌ لحقيقته تعالى

أوغيب لبعثة الرسل من قبل

أو غيبة الإمام المهدي في عالم الشهادة



من هنا يجب الإلتفات عقديا لما تفرضة موضوعة الإيمان بالغيب علينا


إذ أنها تمثل الحاجة الفعلية لإستلهام مدد الغيب الإلهي للناس أجمعين


وفي حالة ترك ورفض الناس للإيمان بالغيب

فسوف يُحاصرون بضغوطات وفروضات عالم الطبيعة القهري

ويركنون إلى عقولهم أو غرائزهم أو علومهم

كما يصنع اليوم أرباب الحضارات المادية المتقوقعة في تعاطيها وأشيائها مع عالم الشهادة فحسب



فلا العقل البشري ولا مُنجزاته المعرفية والعلمية

تتمكن اليوم من سد وملء الفراغ في الحاجة والإستمداد من الغيب مهما بلغ التطور العلمي والتقني

.
إذ لايمكن للإنسان أن يتصل بعالم الغيب إلا بسلطان

وهو لامحالة إما أن يكون نبيا أو إماما معصوما
منصوب من قبله تعالى

وهذا مانؤمن به قطعا


لأنّ الله تعالى لايسمح لأحد الإطلاع على الغيب إلاّ لمن ارتضى من رسول


كما في قوله تعالى ::


حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً{24}
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً{25}

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26}

إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً{27}
لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً{28 : :سورة الجن:



وهنا تلويحٌ رائع في حكاية القرآن الكريم

لتعاطي الإنسان المؤمن مع الغيب الإلهي السديد


ففي الأيتين الأوليتين من صورة الجن تقطع الآية

بحتمية تحقق المُغيَّبات الموعود بتحققها إلهيَّا

كما هو حالنا اليوم نحن المُنتَظِرين لفرج وظهور

إمامنا المهدي :عجّلَ الله تعالى فرجه الشريف :


لا حظوا قوله تعالى:

حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً{24}


إنَّ هذه الآية ترمز إلى وجوبية تحقق الوعود الإلهيَّة للمؤمنين في نهاية المطاف.


والآية التي بعدها :

قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً{25}


هي الأخرى تبثُ روح الإيمان بالغيب في كيانية الإنسان المؤمن

وترديد الآية الإستفهامي يرمز إلى حقيقة وضرورة الإنتظار

لتحقق أهداف الغيب في عالم الشهادة



ثمّ تأتي الآيات التالية لتؤسِّس هي الأخرى

لضرورة إرتباط المعصوم بالغيب

نبياً كان أم إماماً منصوباً إلهيَّا

وعلى طول زمنية عالم الشهادة


ولاعجب من إرتباط مهدينا الموعود اليوم بعالم الغيب مباشرة


إذ أنَّ الآية :

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26}

إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً{27}
لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً{28 :



هذه صريحة في إرتباط نبينا محمد:ص:

مباشرة بالغيب

إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ


وهذا الرسول هو رسولنا محمد:ص:


فقال أبو جعفر الإمام محمد الباقر: عليه السلام :

إلاّ من ارتضى من رسول :

وكان والله محمد:ص: ممن ارتضاه

وأما قوله : عالم الغيب :

فإنَّ الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه
فيما يقدر من شئ ، ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه ، وقبل أن يفضيه إلى الملائكة :

: الكافي : الكليني :ج1: ص 256.



وعن الإمام علي بن موسى الرضا :عليه السلام:



أنه قال في تفسير هذه الآية الشريفة:


: أنَّ رسول الله:ص: هو المُرتضى عند الله تعالى

ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على الغيب

فعلّمنا ما كان ويكون إلى يوم القيامة:


:الخرائج والجرائح : الراوندي :ص204.




ويقيناً أنَّ الإمام المهدي :عليه السلام:

هو الوريث المعصوم لرسول الله محمد:ص:

وآل بيته المعصومين:عليهم السلام:

بحكم قانون الوراثة الإلهيَّة للإرض التي هي منطوق قوله تعالى:


(( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )) الأنبياء105

والمعنى:هو


ولقد كتبنا في الكتب المُنزلة من بعد ما كُتِب في اللوح المحفوظ:

أنَّ الأرض يرثها عباد الله الصالحون المعصومون

الذين قاموا بما أُمروا به, واجتنبوا ما نُهوا عنه

وآخرهم من أهل بيت النبي محمد
:صلى الله عليه وآله وسلَّم:.

وهو الإمام المهدي:ع:



وأخيراً نقول إنَّ التعاطي الأحادي الرؤية

أي: الإيمان بعالم الشهادة فحسب:

في هذه الحياة مع الأشياء لايُحقق لنا حلاّ كاملاً في الإجابة عن أسئلتنا الوجودية دينيا ودنيويا



فلا العلم الحديث يستطيع أن يُهذب الغرائز البشرية

ولا يُربي الوجدان الأخلاقي ولايمكن له أن يكون بديلاً وضعيا عن الدين


وإنما الدين هو الوحيد الذي يُلبي الإجابة كاملة عن اسئلتنا الوجودية اليوم


وخاصة مايتعلق بأسئلة الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي:ع:

فإذاً إهتمامنا بالإيمان بالغيب هو من جهة أمرٌ ديني عقدي

ومن جهة اخرى هو حلُ عقلاني مُريح ومُطمئِن لحيرة النفس في هذه الحياة الدنيا



وختاماً ختاماً مسكا بقوله تعالى:

الم{1}
ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2}

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3}
والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4}

أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5: سورة البقرة:







والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف:

دمعةرقية
01-07-2012, 11:10 PM
احسنتم وبارك الله بك على طرح القيم جدااااااااااا والمهم

مرتضى علي الحلي
02-07-2012, 09:57 AM
وفقكم الله تعالى وشكرا لكم
وبارك الله بكم أيضا