asforet el 7ayat
04-07-2012, 08:02 PM
ليلة رحيل كاترينا
هو الحب يرافقنا أينما ذهبنا فهو لا يعرف الملل أو الكلل لا يعرف دين أو طائفة لا يعرف لون أو عمر هو الحب . نعم هو الحب أنواعه جمة ومصائبه كثيرة وجماله لا يوصف وناره لا يحتمل ويبقى الحب ......
كانت الحرب تجتاح بلادنا وما تركت سبيلا واحد يعيلنا في حياتنا اليومية لا عمل لا إقتصاد ولا شيىء فكانت الغربة مقصدنا كانت أملي وأمل الكثيرون مثلي فكان أغلب الشباب شباب وطننا قد هاجروا إلى البعيد كي يعيلوا أهلهم الصامدين بوجه الظروف الصعبة
وصلت برلين عاصمة ألمانيا كانت الدنيا تدور من حولي بشر أشكال وألوان كان الرعب مرتسما على وجهي لا يوجد من يتكلم لغتي أو يفهم لهجتي كنت أبحث عن ملامح عربية عن أناس يرتدون الزي العربي ...
كان نظري يبحث وانا أبحث ولكن لا جدوى...
خرجت من حرم المطار قصدت فندق أمضي فيه ليلتي
وهذا ماحصل لم أنم طوال الليل بقيت منتظرا قرب النافذة منتظرا .... ولكن مالذي انتظره؟
أطل صباح المانيا بشمسه الشحيحة تركت الفندق قاصدا مكان أجد فيه عملا ولكنني لا اعرف أحد في هذه البلاد الكبيرة فكيف سأجد مأوى ومالا ....ساعدني يا رب ليس لدي سواك ....وبقيت على هذه الحالة 5 أسابيع لا عمل لا مأوى أبيت في الحدائق وآكل كسرات الخبز لا اخبار عن الوطن لقد أصبحت كالمشردين الذين نقرأ عنهم في القصص والروايات ....كانت الأيام تمضي وحالتي تزداد سوأ ولكن أملي بالله لم يتبدد وكنت متأكد من انها ستفرج ذات يوم...
كان الوقت قبيل الغروب كنت متواجدا كعادتي قرب الحديقة منتظرها كي تفرغ من البشر لأبيت فيها
مللت من الإنتظار فقررت أن أتمشى فكنت أجوب الحديقة ذهابا وإيابا وعقلي كان شاردا في البعيد وما رجعت إلى أرض الواقع إلا عندما اصدمت بأحد المارة
وقفت مرتعبا نظرت أمامي وإذ بالكتب قد تبعثرت على الأرض أسرعت بجمعها ثم رفعت رأسي لأقدمها لذالك الشخص فكانت بنت شقراء سحرتني بعيناها الزرقاوتين وجعلت نظري يتجمد عليها كقطعة جليد كانت تقول شكرا
شكرا شكرا وأنا غارقا في جمالها فإبتسمت
وقالت ما بك لقد قلت شكرا ...
وقفت من مجلسي حنيت لها رأسي تعبيرا عن إعتذاري
فكانت تتكلم بالألمانية ولم أكن أفهم ما تعنيه ...فكلمتها باللغة الإنكليزية وأخبرتها انني عربي ولست أوروبيا
فسرت كثيرا ولفضولها طلبت مني أن نتعرف أكثر فجلسنا على مقعد خشبي يتوسط الحديقة وكانت تنهمر علي بالأسئلة من كل حدب وصوب كان اسمها كاترينا وأخبرتني أن أصلها من العائلات العربية التي هاجرت أيام الحرب العالمية وهذا ما جعل خط ود بيني وبينها بقينا لأكثر من ثلاث ساعات رحل الغروب ورحلت ملامحه والليل قد غطى المكان كانت ترغب أن نكون اصدقاء وهذا أفرحني كثيرا .... وقفت من مجلسها أعطتني رقم جوالها وقالت إن وجدت وقت فراغ إتصل بي ويمكنني ملاقاتك ...
حملت رقمها الذي أصبح مفتاح الأمل في هذه البلاد ..
ودعتها فمشت بخطوات بطيئة وصلت إلى باب الحديقة ثم إلتفتت لوحت لي بيدها وإبتسمت ....فجلست على المقعد ذاته واضعا رأسي بين كفيٍ ...
فأحسست بإقتراب أحد مني خفت أن يكون حارس الحديقة فرفعت رأسي برعب..... وإذ بكاترينا قد عادت
تفاجئت لعودتها ... وقبل أن أقول أي شيىء سألتني
لماذا لم تغادر ؟
نظرت يمينا ثم يسارا حرت بجوابي ولكنني لا أريد أن أكذب عليها فلتعرف الحقيقة
كانت نظرات عيوني مغمسة بالدموع التي خرجت عن إرادتي وقلت لم يبقى لدي المال الكافي فلهذا إتخذت هذه الحديقة مأوى حتى أجد عملا يحميني من برد الغربة قبل برد الشتاء
ثم خفضت نظري إلى الأرض التي كانت تدور من حولي أما هي فبقيت صامتة دون ان تقول شيأ
وبعد أكثر من 10 دقائق من الصمت مدت يدها وقالت هيا بنا ستبيت في منزلنا
لا مستحيل كيف سأبيت في منزلكم؟؟!! وأهلك والناس؟؟!
دعك منهم وهيا بنا وكانت مصرة على ذالك.....
لقد كان موقفا صعبا حرت في أمري وتسائلت في نفسي
ولكن يا ترى هل أبقى أسير الشوراع وأعيش تحت رحمة الحديقة ؟ هل أستطيع الصمود اكثر في برد الليالي؟ ماذا أختار يا ترى؟ الدفىء ام البرد؟
إستسلمت لها ومشيت منحيا الظهر لم أكن اتوقع أن الأيام ستفعل بي هكذا
وصلنا إلى البيت كان جميلا للغاية وكان دليلا على أن أصحابه من الأغنياء ...دخلنا إلى غرفة الضيوف فجاء أبواها لملاقاتي كانا عجوزين ولكنهما كانا طيبا القلب لدرجة عالية لم أتوقعها ..... كانت كاترينا تشرح قصتي
وأنا أنتظر قدري فوعدني والدها بمنحي فرصة عمل في إحدى شركاته وهذا ما جعلني أفرح من الأعماق
بت تلك الليلة في الغرفة التي قدموها لي داخل المنزل
ولاحقا بدأت في العمل وأصبحت أجني بعض المال فقررت أن أستأجر غرفة رخيصة فلا أحب أن اكون ضيفا لوقت طويل
جمعت حقائبي ودعت غرفتي فتحت الباب وإذ بكاترينا تنتظرني خارجا تهز برأسها وتقول لم نتفق هكذا
أتريد أن تتركنا من بعد أن جعلناك شخصا منا؟؟؟
وقفت خجلا من سؤالها ولكن يا كاترينا انا لا أقصد ...إنما كل ما في الأمر ...لا داعي لأن تكمل ولن ندعك تتركنا حتى والدها إستاء من فعلتي وأصر على ان أبقى
معهم فتراجعت عن قراري وبقيت معهم... كانت الأشهر تمر وأحوالي تتحسن .....
كنت مازلت في الشركة إتصلت بي كاترينا وصوتها كان يخنقه البكاء لم أفهم من كلامها شيأ سوى تعال تعال بسرعة ركضت بسرعة إلى سيارتي واتجهت إلى البيت
كانت كاترينا تجلس أرضا والدموع تملىء خديها جلست قربها أسألها عن الأمر فأخبرتني ان والداها قد فارقا الحياة بحادث على الطريق السريع .....
كان الخبر فاجعة ....صدمت لهول الحكاية لم استطع الحراك فكانت دموعي تذرفها عيوني لفراق من قدم لي يد العون وأحيانا أبكي على بكاء كاترينا الوحيدة التي أصبحت يتيمة لا أهل ولا أقارب.....
وبعد عدة أيام الحزن لم يفارقنا ولكن الوقت كان مناسبا لأقول لكاترينا أنني ساترك المنزل فكبريائي وكرامتي لا تسمح لي ان أبقى مع بنت لا تصلني بها قرابة أو علاقة سوى صداقة ووعدتها أن أزورها يوميا للإطمئنان عليها .............كانت تسمع ما أقول دون أن تجيب بأي شيىء وأصلا هي مازالت صامتة منذ حادث والديها ......فتحت الباب وحقيبتي على كتفي أدرت ظهري كي أودعها ثم سرت بخطوات حزينة وفجأة أحسست بحرارة يدها على كتفي توقفت في مكاني وكنت أسمع ما تقول
أتتركني وحيدة؟ يتيمة في منزل أصبح موحشا؟
لقد أخبرتك السبب وأنا مجبر على فعل هذا ...
لالالا أنت لست مجبرا يمكنك أن تتزوجني وتبقى إلى جانبي........
صدمت لكلامها مذا اتزوجك ؟
نعم كما سمعت أنا وانت متفقان ويمكننا الزواج..
يا إلهي من اين جائت بهذه الفكرة ؟!!!
وافقت فلم يكن لدي أي عذر او خيار آخر
ومنذ ذالك اليوم كان لحياتنا طعم جديد أصبحنا زوجين بدأت أحس تجاهها بحب حقيقي وهي كذالك كنا نذهب كل غروب إلى الحديقة نفسها التي التقينا فيها أول مرة
نجلس على نفس المقعد وعندما نمل من مجلسنا نذهب كي ندور بين بساتين الكرز التي تسحر زائريها بجمالها
لقد كنت فرحا معها فهي كانت تملىء الدنيا عليا من كل صوب وكانت قد أنستني حياتي وكل آهاتي وآلامي ولكنني كنت مازلت أخبىء في ذاوية قلبي مكانا لأهلي للأصحاب وللوطن فمكانهم لا يمكن أن يمحى .....
خرجت ذات يوم إلى حديقة المنزل وجلست وحيدا أراقب الشمس القادمة من سماء بلادنا كانت تلمع كالذهب فكنت احدق فيها لعلها تعكس صورة الوطن وبقيت مراقبا لها لساعات أحست كاترينا بغيابي فخرجت للبحث عني فوجدتني مراقبا للشمس حزين الوجه منكسر الخاطر قليل الحيلة ...... جلست قربي وقالت ما بك يا حبيبي مالذي يزعجك ...؟
خفضت رأسي وقلت الوطن ..... الوطن يا كاترينا
قالت وما به الوطن ؟
لقد اشتقت إليه وإلى أهله إلى سمائه وبحره جباله وأوديته صغاره وكباره .............
إبتسمت وقالت لماذا لا نقصده سويا في الصيف القادم
إرتسمت الفرحة على وجهي وقلت حقا هل أنت موافقة ؟
نعم ولماذا لا أوافق فوطنك هو وطني أيضا... ولكن يجب أن تعلمني كلمات عربية أستخدمها عند ذهابنا كي
لا أكون مضحكة امام الناس ....
حسنا حسنا سأعلمك كل ما يهمني ان تكوني سعيدة يا حبيبتي .....
الصيف كان يقترب ولقائي مع الوطن كان يسبقه شعور لا يوصف وخاصة برفقة كاترينا ...
كنت عائدا من عملي دخلت المنزل الذي كان صامتا فهذه المرة الأولى التي لا تستقبلني فيها كاترينا فدائما كانت تنتظرني قرب الباب كي تغمرني بيديها ....
بحثت عنها في أرجاء المنزل ولكن كل شيىء على حاله منذ الصباح دخلت غرفة النوم وإذ بها ما زالت مستلقية جلست قربها .... وضعت يدي على رأسها وقلت ما بك حبيبتي ؟
كانت شاحبة وجهها قارب لونه إلى الإصفرار مقطوعة الحيلة إستغربت لحالتها وقلت سأتصل بالطبيب حالا
وبعد نصف ساعة وصل الطبيب قام بفحوصاته
لم يخبرنا أي شيىء بل طلب منها أن تقوم ببعض التحليلات المخبرية وهذا ما فعلناه في اليوم الثاني
وبعد ثلاثة أيام كنا على موعد مع النتيجة دخلنا عيادة الطبيب نظر الطبيب إليها وقال هل انت كاترينا؟
نعم يا دكتور انا كاترينا ....
قال مع الأسف الشديد أنت مصابة بمرض خبيث
صرخت من مجلسي بصوت سمعه المارة في الشارع العام لالالالالالالالالالالالالالا مستحيييييل
لا يمكن ......أما كاترينا فبقيت دون حراك مستسلمة لقدرها
عدنا إلى المنزل.... أعصابي لم تهدأ .. كيف حصل هذا
مسكينة أنت يا كاترينا ......
لم أعد أذهب إلى العمل بقيت قربها طوال اليوم.....حالتها كانت تتدهور بسرعة وعلامات الألم والتعب كانت ترتسم على وجهها كانت تأخذ دوائها يوميا رغم أن الأمل بالشفاء ضعيف جدا.....كانت الأيام تشبه بعضها لم أعد أحس بطعم الحياة لم أعد أتناول الطعام إلا لكي أعيش ولا الماء إلا لكي أروي نفسي
فكنت أمضي وقتي قربها أضع يدي على رأسها أواسيها
غفوت تلك الليلة ورأسي على وسادتها يدي بقيت على رأسها وما إستيقظت سوى على صوت المنبه الذي كانت تستخدمه لتنبيهها بأوقات تناول الدواء...
ولكن أمره غريب هذه المرة لأنه بقي يدق على غير عادته فكاترينا لا تدعه يدق اكثر من عدة ثواني لأنها كانت تستيقظ بسرعة إنتظرت أكثر فإستغربت للأمر لأن المنبه لم يصمت رفعت رأسي ونظرت إليها وجدتها مازالت نائمة حاولت إيقاظها فلم تستيقظ لأن هذه المرة قد نامت إلى الأبد وقفت وبدأت أصرخ كاتريناااااااا أرجوكي اجيبي أنا حبيبك أرجوكي اجيبي
هيا استيقظي حان وقت الدواء (كوكو) أعرف أنك تسمعينني هيا لا تتكاسلي فلتأخذي الدواء ولتنامين بعد ذلك وللأسف لا مجيب بقي المنبه يدق وأنا انظر إليه ثم أنظر إلى (كوكو) لعلها تستيقظ على صوته نفذ صبري
نظرت إلى المنبه وقلت له صاحبتك التي كانت تستخدمك كل يوم لن تغلقك هذه المرة ومددت يدي وأغلقته ثم قلت أيها المنبه منذ 24 ساعة كنت أنت نفسك الذي تدق لتوقظ صاحبتك ولكنك لم تكن تدري أنها كانت آخر مرة تدق فيها لإيقاظها لقد رحلت صاحتبك أيها المنبه لقد رحلت وتركتنا وحيدين رحلت وتركت عطرها يفح من ثيابي
رحلت وتركت عيوني تذرف دموع عينيها الزرقاوتين أي نوع من الوداع هذا يا حبيبي....؟؟؟
بقيت وحيدا في البيت الذي جف من الحياة أصبح كالخريف جدرانه صفراء والهواء يلعلع في ممراته
حتى العصافير لم تعد تنتظر قرب النافذة كي ترمى لها بذور القمح .....الورود قد ذبلت أمام الباب الشتاء هب بعاصفة قوية وغطى حديقة المنزل بثلج قاتل قد مسح كل آثار الحياة في ذالك المكان ...... كنت حاملا لوردة حمراء واقفا قرب قبرها أودعها من بعد أن ودعت الحديقة التي كانت شاهدت على لقائنا الأول كانت الوردة تبكي وأنا أبكي أيضا جلست قرب مرقدها الأبدي وفي قلبي حسرة فراقها لقد كنت أتمنى لو أنها ترافقني في عودتي إلى الوطن كنت أتمنى لو أنها مختبئة خلف باب المنزل كي تفاجئني لحظة عودتي من العمل ..... او أنها ترافقني بين بساتين الكرز وشوراع برلين
(كوكو) لم يبقى شيأ مهم في هذه البلاد كي أبقى لأجله
فسامحيني لأنني سأرحل وحيدا
ماتت حبيبتي التي كانت بالأشواق ترويني
أيا ليت القبر الذي يحويها ..يحويني
كيف أعيش مجروحا .. وأنت الوحيدة التي تقدر أن تداويني
سأبقى لحبك حافظا ... مهما الحياة تغويني
فراقك هذا ...نار وجمرسيظل .. يكويني
سأرحل الآن فأرجوكي ....سامحيني
سقطت الوردة الحمراء من يدي وانغرست قربها
حان وقت الرحيل فمشيت مكسور الخاطر أوقفت سيارة أجرة أقلتني إلى المطار
وأثناء العودة كنت جالسا قرب النافذة في الطائرة كانت ذكريات الماضي تعيد أحداثها فكيف تغيب وهي قد
أصبحت جزءا من حياتي لن تفارقني أبدا
Abbas El Moussawi
1739
هو الحب يرافقنا أينما ذهبنا فهو لا يعرف الملل أو الكلل لا يعرف دين أو طائفة لا يعرف لون أو عمر هو الحب . نعم هو الحب أنواعه جمة ومصائبه كثيرة وجماله لا يوصف وناره لا يحتمل ويبقى الحب ......
كانت الحرب تجتاح بلادنا وما تركت سبيلا واحد يعيلنا في حياتنا اليومية لا عمل لا إقتصاد ولا شيىء فكانت الغربة مقصدنا كانت أملي وأمل الكثيرون مثلي فكان أغلب الشباب شباب وطننا قد هاجروا إلى البعيد كي يعيلوا أهلهم الصامدين بوجه الظروف الصعبة
وصلت برلين عاصمة ألمانيا كانت الدنيا تدور من حولي بشر أشكال وألوان كان الرعب مرتسما على وجهي لا يوجد من يتكلم لغتي أو يفهم لهجتي كنت أبحث عن ملامح عربية عن أناس يرتدون الزي العربي ...
كان نظري يبحث وانا أبحث ولكن لا جدوى...
خرجت من حرم المطار قصدت فندق أمضي فيه ليلتي
وهذا ماحصل لم أنم طوال الليل بقيت منتظرا قرب النافذة منتظرا .... ولكن مالذي انتظره؟
أطل صباح المانيا بشمسه الشحيحة تركت الفندق قاصدا مكان أجد فيه عملا ولكنني لا اعرف أحد في هذه البلاد الكبيرة فكيف سأجد مأوى ومالا ....ساعدني يا رب ليس لدي سواك ....وبقيت على هذه الحالة 5 أسابيع لا عمل لا مأوى أبيت في الحدائق وآكل كسرات الخبز لا اخبار عن الوطن لقد أصبحت كالمشردين الذين نقرأ عنهم في القصص والروايات ....كانت الأيام تمضي وحالتي تزداد سوأ ولكن أملي بالله لم يتبدد وكنت متأكد من انها ستفرج ذات يوم...
كان الوقت قبيل الغروب كنت متواجدا كعادتي قرب الحديقة منتظرها كي تفرغ من البشر لأبيت فيها
مللت من الإنتظار فقررت أن أتمشى فكنت أجوب الحديقة ذهابا وإيابا وعقلي كان شاردا في البعيد وما رجعت إلى أرض الواقع إلا عندما اصدمت بأحد المارة
وقفت مرتعبا نظرت أمامي وإذ بالكتب قد تبعثرت على الأرض أسرعت بجمعها ثم رفعت رأسي لأقدمها لذالك الشخص فكانت بنت شقراء سحرتني بعيناها الزرقاوتين وجعلت نظري يتجمد عليها كقطعة جليد كانت تقول شكرا
شكرا شكرا وأنا غارقا في جمالها فإبتسمت
وقالت ما بك لقد قلت شكرا ...
وقفت من مجلسي حنيت لها رأسي تعبيرا عن إعتذاري
فكانت تتكلم بالألمانية ولم أكن أفهم ما تعنيه ...فكلمتها باللغة الإنكليزية وأخبرتها انني عربي ولست أوروبيا
فسرت كثيرا ولفضولها طلبت مني أن نتعرف أكثر فجلسنا على مقعد خشبي يتوسط الحديقة وكانت تنهمر علي بالأسئلة من كل حدب وصوب كان اسمها كاترينا وأخبرتني أن أصلها من العائلات العربية التي هاجرت أيام الحرب العالمية وهذا ما جعل خط ود بيني وبينها بقينا لأكثر من ثلاث ساعات رحل الغروب ورحلت ملامحه والليل قد غطى المكان كانت ترغب أن نكون اصدقاء وهذا أفرحني كثيرا .... وقفت من مجلسها أعطتني رقم جوالها وقالت إن وجدت وقت فراغ إتصل بي ويمكنني ملاقاتك ...
حملت رقمها الذي أصبح مفتاح الأمل في هذه البلاد ..
ودعتها فمشت بخطوات بطيئة وصلت إلى باب الحديقة ثم إلتفتت لوحت لي بيدها وإبتسمت ....فجلست على المقعد ذاته واضعا رأسي بين كفيٍ ...
فأحسست بإقتراب أحد مني خفت أن يكون حارس الحديقة فرفعت رأسي برعب..... وإذ بكاترينا قد عادت
تفاجئت لعودتها ... وقبل أن أقول أي شيىء سألتني
لماذا لم تغادر ؟
نظرت يمينا ثم يسارا حرت بجوابي ولكنني لا أريد أن أكذب عليها فلتعرف الحقيقة
كانت نظرات عيوني مغمسة بالدموع التي خرجت عن إرادتي وقلت لم يبقى لدي المال الكافي فلهذا إتخذت هذه الحديقة مأوى حتى أجد عملا يحميني من برد الغربة قبل برد الشتاء
ثم خفضت نظري إلى الأرض التي كانت تدور من حولي أما هي فبقيت صامتة دون ان تقول شيأ
وبعد أكثر من 10 دقائق من الصمت مدت يدها وقالت هيا بنا ستبيت في منزلنا
لا مستحيل كيف سأبيت في منزلكم؟؟!! وأهلك والناس؟؟!
دعك منهم وهيا بنا وكانت مصرة على ذالك.....
لقد كان موقفا صعبا حرت في أمري وتسائلت في نفسي
ولكن يا ترى هل أبقى أسير الشوراع وأعيش تحت رحمة الحديقة ؟ هل أستطيع الصمود اكثر في برد الليالي؟ ماذا أختار يا ترى؟ الدفىء ام البرد؟
إستسلمت لها ومشيت منحيا الظهر لم أكن اتوقع أن الأيام ستفعل بي هكذا
وصلنا إلى البيت كان جميلا للغاية وكان دليلا على أن أصحابه من الأغنياء ...دخلنا إلى غرفة الضيوف فجاء أبواها لملاقاتي كانا عجوزين ولكنهما كانا طيبا القلب لدرجة عالية لم أتوقعها ..... كانت كاترينا تشرح قصتي
وأنا أنتظر قدري فوعدني والدها بمنحي فرصة عمل في إحدى شركاته وهذا ما جعلني أفرح من الأعماق
بت تلك الليلة في الغرفة التي قدموها لي داخل المنزل
ولاحقا بدأت في العمل وأصبحت أجني بعض المال فقررت أن أستأجر غرفة رخيصة فلا أحب أن اكون ضيفا لوقت طويل
جمعت حقائبي ودعت غرفتي فتحت الباب وإذ بكاترينا تنتظرني خارجا تهز برأسها وتقول لم نتفق هكذا
أتريد أن تتركنا من بعد أن جعلناك شخصا منا؟؟؟
وقفت خجلا من سؤالها ولكن يا كاترينا انا لا أقصد ...إنما كل ما في الأمر ...لا داعي لأن تكمل ولن ندعك تتركنا حتى والدها إستاء من فعلتي وأصر على ان أبقى
معهم فتراجعت عن قراري وبقيت معهم... كانت الأشهر تمر وأحوالي تتحسن .....
كنت مازلت في الشركة إتصلت بي كاترينا وصوتها كان يخنقه البكاء لم أفهم من كلامها شيأ سوى تعال تعال بسرعة ركضت بسرعة إلى سيارتي واتجهت إلى البيت
كانت كاترينا تجلس أرضا والدموع تملىء خديها جلست قربها أسألها عن الأمر فأخبرتني ان والداها قد فارقا الحياة بحادث على الطريق السريع .....
كان الخبر فاجعة ....صدمت لهول الحكاية لم استطع الحراك فكانت دموعي تذرفها عيوني لفراق من قدم لي يد العون وأحيانا أبكي على بكاء كاترينا الوحيدة التي أصبحت يتيمة لا أهل ولا أقارب.....
وبعد عدة أيام الحزن لم يفارقنا ولكن الوقت كان مناسبا لأقول لكاترينا أنني ساترك المنزل فكبريائي وكرامتي لا تسمح لي ان أبقى مع بنت لا تصلني بها قرابة أو علاقة سوى صداقة ووعدتها أن أزورها يوميا للإطمئنان عليها .............كانت تسمع ما أقول دون أن تجيب بأي شيىء وأصلا هي مازالت صامتة منذ حادث والديها ......فتحت الباب وحقيبتي على كتفي أدرت ظهري كي أودعها ثم سرت بخطوات حزينة وفجأة أحسست بحرارة يدها على كتفي توقفت في مكاني وكنت أسمع ما تقول
أتتركني وحيدة؟ يتيمة في منزل أصبح موحشا؟
لقد أخبرتك السبب وأنا مجبر على فعل هذا ...
لالالا أنت لست مجبرا يمكنك أن تتزوجني وتبقى إلى جانبي........
صدمت لكلامها مذا اتزوجك ؟
نعم كما سمعت أنا وانت متفقان ويمكننا الزواج..
يا إلهي من اين جائت بهذه الفكرة ؟!!!
وافقت فلم يكن لدي أي عذر او خيار آخر
ومنذ ذالك اليوم كان لحياتنا طعم جديد أصبحنا زوجين بدأت أحس تجاهها بحب حقيقي وهي كذالك كنا نذهب كل غروب إلى الحديقة نفسها التي التقينا فيها أول مرة
نجلس على نفس المقعد وعندما نمل من مجلسنا نذهب كي ندور بين بساتين الكرز التي تسحر زائريها بجمالها
لقد كنت فرحا معها فهي كانت تملىء الدنيا عليا من كل صوب وكانت قد أنستني حياتي وكل آهاتي وآلامي ولكنني كنت مازلت أخبىء في ذاوية قلبي مكانا لأهلي للأصحاب وللوطن فمكانهم لا يمكن أن يمحى .....
خرجت ذات يوم إلى حديقة المنزل وجلست وحيدا أراقب الشمس القادمة من سماء بلادنا كانت تلمع كالذهب فكنت احدق فيها لعلها تعكس صورة الوطن وبقيت مراقبا لها لساعات أحست كاترينا بغيابي فخرجت للبحث عني فوجدتني مراقبا للشمس حزين الوجه منكسر الخاطر قليل الحيلة ...... جلست قربي وقالت ما بك يا حبيبي مالذي يزعجك ...؟
خفضت رأسي وقلت الوطن ..... الوطن يا كاترينا
قالت وما به الوطن ؟
لقد اشتقت إليه وإلى أهله إلى سمائه وبحره جباله وأوديته صغاره وكباره .............
إبتسمت وقالت لماذا لا نقصده سويا في الصيف القادم
إرتسمت الفرحة على وجهي وقلت حقا هل أنت موافقة ؟
نعم ولماذا لا أوافق فوطنك هو وطني أيضا... ولكن يجب أن تعلمني كلمات عربية أستخدمها عند ذهابنا كي
لا أكون مضحكة امام الناس ....
حسنا حسنا سأعلمك كل ما يهمني ان تكوني سعيدة يا حبيبتي .....
الصيف كان يقترب ولقائي مع الوطن كان يسبقه شعور لا يوصف وخاصة برفقة كاترينا ...
كنت عائدا من عملي دخلت المنزل الذي كان صامتا فهذه المرة الأولى التي لا تستقبلني فيها كاترينا فدائما كانت تنتظرني قرب الباب كي تغمرني بيديها ....
بحثت عنها في أرجاء المنزل ولكن كل شيىء على حاله منذ الصباح دخلت غرفة النوم وإذ بها ما زالت مستلقية جلست قربها .... وضعت يدي على رأسها وقلت ما بك حبيبتي ؟
كانت شاحبة وجهها قارب لونه إلى الإصفرار مقطوعة الحيلة إستغربت لحالتها وقلت سأتصل بالطبيب حالا
وبعد نصف ساعة وصل الطبيب قام بفحوصاته
لم يخبرنا أي شيىء بل طلب منها أن تقوم ببعض التحليلات المخبرية وهذا ما فعلناه في اليوم الثاني
وبعد ثلاثة أيام كنا على موعد مع النتيجة دخلنا عيادة الطبيب نظر الطبيب إليها وقال هل انت كاترينا؟
نعم يا دكتور انا كاترينا ....
قال مع الأسف الشديد أنت مصابة بمرض خبيث
صرخت من مجلسي بصوت سمعه المارة في الشارع العام لالالالالالالالالالالالالالا مستحيييييل
لا يمكن ......أما كاترينا فبقيت دون حراك مستسلمة لقدرها
عدنا إلى المنزل.... أعصابي لم تهدأ .. كيف حصل هذا
مسكينة أنت يا كاترينا ......
لم أعد أذهب إلى العمل بقيت قربها طوال اليوم.....حالتها كانت تتدهور بسرعة وعلامات الألم والتعب كانت ترتسم على وجهها كانت تأخذ دوائها يوميا رغم أن الأمل بالشفاء ضعيف جدا.....كانت الأيام تشبه بعضها لم أعد أحس بطعم الحياة لم أعد أتناول الطعام إلا لكي أعيش ولا الماء إلا لكي أروي نفسي
فكنت أمضي وقتي قربها أضع يدي على رأسها أواسيها
غفوت تلك الليلة ورأسي على وسادتها يدي بقيت على رأسها وما إستيقظت سوى على صوت المنبه الذي كانت تستخدمه لتنبيهها بأوقات تناول الدواء...
ولكن أمره غريب هذه المرة لأنه بقي يدق على غير عادته فكاترينا لا تدعه يدق اكثر من عدة ثواني لأنها كانت تستيقظ بسرعة إنتظرت أكثر فإستغربت للأمر لأن المنبه لم يصمت رفعت رأسي ونظرت إليها وجدتها مازالت نائمة حاولت إيقاظها فلم تستيقظ لأن هذه المرة قد نامت إلى الأبد وقفت وبدأت أصرخ كاتريناااااااا أرجوكي اجيبي أنا حبيبك أرجوكي اجيبي
هيا استيقظي حان وقت الدواء (كوكو) أعرف أنك تسمعينني هيا لا تتكاسلي فلتأخذي الدواء ولتنامين بعد ذلك وللأسف لا مجيب بقي المنبه يدق وأنا انظر إليه ثم أنظر إلى (كوكو) لعلها تستيقظ على صوته نفذ صبري
نظرت إلى المنبه وقلت له صاحبتك التي كانت تستخدمك كل يوم لن تغلقك هذه المرة ومددت يدي وأغلقته ثم قلت أيها المنبه منذ 24 ساعة كنت أنت نفسك الذي تدق لتوقظ صاحبتك ولكنك لم تكن تدري أنها كانت آخر مرة تدق فيها لإيقاظها لقد رحلت صاحتبك أيها المنبه لقد رحلت وتركتنا وحيدين رحلت وتركت عطرها يفح من ثيابي
رحلت وتركت عيوني تذرف دموع عينيها الزرقاوتين أي نوع من الوداع هذا يا حبيبي....؟؟؟
بقيت وحيدا في البيت الذي جف من الحياة أصبح كالخريف جدرانه صفراء والهواء يلعلع في ممراته
حتى العصافير لم تعد تنتظر قرب النافذة كي ترمى لها بذور القمح .....الورود قد ذبلت أمام الباب الشتاء هب بعاصفة قوية وغطى حديقة المنزل بثلج قاتل قد مسح كل آثار الحياة في ذالك المكان ...... كنت حاملا لوردة حمراء واقفا قرب قبرها أودعها من بعد أن ودعت الحديقة التي كانت شاهدت على لقائنا الأول كانت الوردة تبكي وأنا أبكي أيضا جلست قرب مرقدها الأبدي وفي قلبي حسرة فراقها لقد كنت أتمنى لو أنها ترافقني في عودتي إلى الوطن كنت أتمنى لو أنها مختبئة خلف باب المنزل كي تفاجئني لحظة عودتي من العمل ..... او أنها ترافقني بين بساتين الكرز وشوراع برلين
(كوكو) لم يبقى شيأ مهم في هذه البلاد كي أبقى لأجله
فسامحيني لأنني سأرحل وحيدا
ماتت حبيبتي التي كانت بالأشواق ترويني
أيا ليت القبر الذي يحويها ..يحويني
كيف أعيش مجروحا .. وأنت الوحيدة التي تقدر أن تداويني
سأبقى لحبك حافظا ... مهما الحياة تغويني
فراقك هذا ...نار وجمرسيظل .. يكويني
سأرحل الآن فأرجوكي ....سامحيني
سقطت الوردة الحمراء من يدي وانغرست قربها
حان وقت الرحيل فمشيت مكسور الخاطر أوقفت سيارة أجرة أقلتني إلى المطار
وأثناء العودة كنت جالسا قرب النافذة في الطائرة كانت ذكريات الماضي تعيد أحداثها فكيف تغيب وهي قد
أصبحت جزءا من حياتي لن تفارقني أبدا
Abbas El Moussawi
1739