محمد عباس التميمي
09-07-2012, 04:56 PM
الاسلام وما يتعلق به ..
كتابة وتأليف : محمد عباس خلف لامي التميمي
طالب في المرحلة الاعدادية .. من مواليد 1996
تمت الكتابة عام 1433هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
لقد كرم الله تعالى البشر حين خلقهم بهذه الهيأة وبهذه الصورة الجميلة وجعلهم افضل مخلوقاته على سطح الارض ، فنصبهم اسياداً على كافة المخلوقات الاخرى ، وان الله عز وجل بحكمته لا يترك شيئاً ناقصاً وانما يكمله من كافة النواحي فزاد تكريم البشر واصبحت صورتهم اجمل واكمل بالدين الاسلامي الذي اعطى للإنسان قيمة اكبر ، فالإنسان مفكر بطبعه و فسلجته وحين امر الله تعالى الانسان بعبادته جعل له عقلاً يميز بواسطته بين الخير والشر وبين الصالح والطالح وبين الخطأ والصواب وبين الكثير من الامور الاخرى ، فجعل الله تعالى الانسان مخيراً بين ان يعبد الله تعالى او ان يُذل نفسه بعبادته لمن لا يستحق العبادة ، ولكن لكل منها ثمن فمنزلة المسلم اعظم واجلى واسمى وارفع من منزلة الكافر بالله تعالى ، لذى فان الاسلام والايمان بالله تعالى بمثابة حبل النجاة والخط المستقيم الذي يقودنا الى التقرب من الله تعالى ونيل اعلى الدرجات في دار الاخرة .
ان الاسلام دين يحث الانسان على التسامح والحب والتواد والتعاون وكل ما من شأنه ان يرفع منزلة البشر في الدنيا والاخرة وكل ما يجعل الانسان يتقدم في حياته ، وبالتالي يزداد قرباً من الله تعالى ، ان الدين الاسلامي ليس دين تكفير او تهجير او ارهاب او قمع او ظلم بل هو دين يحث الانسان على الابتعاد عن مثل هذه الممارسات التي تضر بالفرد والمجتمع والتي تنمي روح العداوة والبغضاء التي يحذر منها الاسلام ، ومن الجدير بالذكر ان الاسلام ليس دين اقامة العوائق والعراقيل والتأسيس لها ... تلك التي تحول بين الانسان وسعادته بل العكس صحيح تماماً فهو الداعي الى رفع كل العوائق والعراقيل التي تحول دون ان يمارس الانسان حياته بصورة جيدة وكريمة ، كما ان سعادة الانسان تتجلى في الاسلام والمسلمين لان الاسلام يعطي الانسان منزلته اللائقة به والتي تروق له .
ان المفاهيم تختلف بين الدين الاسلامي وبقية الاديان الاخرى التي ترى في الاستهتار والفوضى حرية للإنسان بينما يقوم الدين الاسلامي بتنظيم حياة الفرد والمجتمع ويرشده الى كيفية التعامل مع الافراد والمجتمع الذي يحيط به بالشكل الذي يكرم الانسان ويرفع من شأنه ، لقد احل الله تعالى في دينه الحنيف اموراً كثيرة وحرم اموراً اخرى ايضاً وان حكمة التحليل والتحريم تتمثل في ان الانسان مخلوق رفيع المنزلة له عقل يفكر به ويعيش حياة تختلف عن حياة بقية المخلوقات لذا لا يجب عليه ان يعيش حياة البهائم .. فيتصرف مثلها في كثير من افعالها التي تتميز بها البهائم ، فيعمل على تأدية واجباته والتمتع بحلال الله وتجنب حرام الله تعالى الذي نهانا عنها في مواضع عديدة.
ان في التحليل والتحريم اختبار للإنسان باعتبار انه عاقل كما قلنا وله عقل يستطيع بواسطته التمييز بين الخطأ والصواب ، فقد خلقنا الله تعالى من اجل اهداف عدة منها بيان قدرته (عز وجل) ، وكذلك عبادته فهو لم يخلقنا من اجل ان نعيش كالبهائم التي تعيش في فوضى يحكم قانون الغاب فيها ، لذا فان الاسلام دين يرفع من منزلة الانسان ويكرمه ويعطيه الحرية المناسبة والملائمة فلا تكون استهتاراً ولا تقييداً له او لفعالياته .
لقد قال امير المؤمنين في خطبة له في نهج البلاغة :( ان هذا الاسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه ، واصطنعه على عينه ، واضفاه خير خلقه ، واقام دعائمه على محبته اذل الاديان بعزته ، ووضع الملل برفعه ، واهان اعداءه بكرامته ، وخذل محاديه بنصره ، وهدم اركان الضلالة بركنه ، وسقى من عطش من حياضه ، واتأق الحياض بمواتحه ، ثم جعله لا انفصام لعروته ، ولا فك لحلقته ، ولا انهدام لأساسه ، ولا زوال لدعائمه ، ولا انقلاع لشجرته ...).
ان الدين الاسلامي يشد الانسان اليه بما فيه من مفاهيم جميلة ورائعة تتجلى في الانسان المسلم الذي يلتزم بأوامر الله تعالى وينتهي عن نواهيه ، لذا فقد شدنا هذا الدين الحنيف الى ان نكتب عنه كتاباً يتناول بعضاً من الجوانب التي يتمحور الاسلام حولها ... والله ولي التوفيق .
{التوحيد}
لقد قلنا ان الله تعالى قد خلقنا من اجل مجموعة من الاهداف منها تبيين قدرته (عز وجل) على الخلق وعلى احياء الناس واماتتهم ، لذا فان الله تعالى يريد منا ان نكون عبيداً له (عز وجل) وان نؤمن بوحدانيته وانه لا يوجد له شريك في الملك وانه (عز وجل) لا زوج له ولا ولد وانه لم يلد ولم يولد بقوله (عز وجل) في محكم كتابه العزيز :{قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم ويولد ولم يكن له كفواً أحد} ، مما يدل على وحدانيته وقدرته وقوته وجبروته (عز وجل) ، وان مفهومنا في الوحدانية والتوحيد يعطي الله تعالى صورته التي وصف بها نفسه في القرآن الكريم المفهوم الذي يختلف عن مفاهيم بعض الاشخاص الذين يصورون الله تعالى بصور لم يصف بها الله تعالى نفسه .
وان الله تعالى ليس كمثله شيء في السماوات ولا في الارض ولا يستطيع احد ان يصوره (عز وجل) بصورة ولا يستطيع ان يهيئه بهيأة فهو اجلى واعظم من ان يوصف فلا تدركه العقول كما قال امامنا ابا جعفر () :( ... ما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الاوهام ، كيف تدركه الاوهام وهو خلاف ما يعقل ، وخلاف ما يتصور في الاوهام ؟...).
وان مما يجب الاشارة اليه هو ان الله عز وجل لا يوصف بأنه شيء ، لان الشيء يُحد بحد فاصل ولكن الله (عز وجل) لا يحده حد ابداً ، أي انه اجلى وارفع واعظم من الشيء لأنه (عز وجل) ذا قدرة لا متناهية .
وان ادنى المعرفة بالله تعالى هو ان نقول انه لا اله غيره وانه لا شبه له ولا نظير وانه قديم فيفنى كل من على الارض ويبقى الله عز وجل .
متى كان الله (عز وجل) ؟:
قد يخطر هذا السؤال في بال احد ما وهو متى كان الله (عز وجل) ؟ ، والجواب هو ان الله تعالى موجود قبل الوجود وانه كان قبل الكون والكونية وانه (عز وجل) متى لم يكن حتى يكون ؟! ، بدلالة قول ابا جعفر () حين قال بعد ان سئل هذا السؤال :( متى لم يكن حتى اخبرك متى كان ، سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً).
وكما قلنا فان الله (عز وجل) لم يكن غير موجود حتى يكون ويصبح له وجود فهو الباقي والصمد الذي له ملك السماوات والارض .
وقد سئل الامام الرضا () : متى كان الله وكيف كان وعلى ماذا كان اعتماده ؟.
فقال الامام () :( ان الله تبارك وتعالى اين الاين بلا اين ، وكيف الكيف بلا كيف ، وكان اعتماده على قدرته ).
لذا فان الله تعالى لا يؤين ولا يكيف فهو الذي جعل لهذه الامور والمفاهيم وجوداً .
ان كونية شخص ما تدل على ان هذا الشخص لم يكن فتكون مع الزمن ولكن الله تعالى كّون الكون بما فيه فهو الذي كان ولا يزال حياً يحيي ويميت ويبعث ويحاسب.
اين الله (عز وجل) ؟:
عندما يسأل احد ما هذا السؤال فان الاجابة تقول ان الله تعالى في كل مكان فهو ليس بشيء يأخذ حيزاً ويحجز بحاجز وله حد يحده ويهيئه ويجعل له صورة ، وان ما يذهب اليه البعض في ان الله تعالى موجود في مكان معين هو امر خاطئ فقد اتجه البعض الى القول ان الله (عز وجل) يكون موجوداً حين يدعوه عبده وهذا الامر منافٍ للعقل فمن المعروف ان الارض كروية او شبه كروية ، فاذا افترضنا ان احداً دعا الله تعالى في الجزء الاسفل من الكرة الارض وكان هناك عبد يدعوه في الجزء الاعلى من الكرة الارضية فأين سيكون الله تعالى ؟ ، ان هذا القول يدل على جهل بالله تعالى وبكونه ليس كمثله شيء ، فه موجود في كل مكان من اماكن هذا الكون الوسيع الذي ابتدعه الله تعالى في مدة وجيزة ، اون الله تعالى موجود في كل مكان وحين ، فهو يرانا ويسمعنا دائماً واينما كنا.
هل نستطيع رؤية الله تعالى ؟:
ان رؤية الله تعالى امر مستحيل ولم ولن يرى احد الله تعالى فهو اعلى من ان تدركه عقولنا ، وقد قال الامام ابا عبد الله () حين سئل عن ما اذا كان قد رأى الله تعالى :( ويلك ما كنت اعبد رباً لم اره ، قيل : وكيف رأيته ؟. قال () :ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ).
ان هذا الحديث دليل على ان الله تعالى اسمى واجلى من ان يراه الانسان وقد قال الامام علي () حين سئل نفس السؤال :( أ فأعبد ما لا ارى ؟) قيل : وكيف رأيته ؟.
قال ():( لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدرمه القلوب بحقائق الايمان ، قريب من الاشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلم لا بروية ، مريد لا بهمة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته ).
وقد نهى الامام علي () عن القول برؤية الله تعالى ونزه الله تعالى من ان يراه عبد من عباده مهما كانت منزلته ومهما كان مقامه عند الله (عز وجل) .
هل يسمع الله تعالى ويرى كما نرى نحن ؟:
لقد وصف الله تعالى نفسه بأنه سميع بصير وعليم ورحيم وغيرها من الصفات الاخرى التي قد نعتبرها مشتركة بيننا وبيننه عز وجل ، ولكن هذا امر خاطئ لأنه عز وجل وصف نفسه بأنه ليس كمثله شيء ، لذا فان كل ما يصف الله تعالى به نفسه من الصفات تكون اسمى وارفع واعلى وافضل مما نتمتع به نحن من نفس تلك الصفات ، لذا فان سمعه (عز وجل) ورؤيته ورحمته وعفوه وعلمه افضل واسمى واعلى مما نتمتع به نحن ، فعندما يسمع الله تعالى فهو يسمع بلا جارحة او اداة او جسم الا نحن نسمع عن طريق الاذن ولكنه تعالى لا يسمع كما نسمع نحن وكذلك امر رؤيته (عز وجل) فهو يرى بلا أية واسطة تساعده على الرؤية .
هل الله تعالى يتصور بصورة ويتجسد بجسد ؟:
كلا ابداً ان الله تعالى لا يوصف بأن له صورة يتصور بها او ان له جسداً يكون (عز وجل) محدوداً ضمن حدوده ، وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن تجسيد الله تعالى وكذلك فعل الائمة (عليهم السلام) ، وقد قال الامام علي () :(سبحان من ليس كمثله شيء لا جسم ولا صورة ).
وكذلك قال الامام ابو عبد الله () :( سبحان من لا يعلم احد كيف هو الا هو ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يحد ولا يحس ولا يجس ولا تدركه الابصار او الحواس ، ولا يحيط به شيء ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد ).
لذا فان الله تعالى لا يتصور بصورة ولا يجب ان نعتقد انه (عز وجل) ذا جسم او صورة .
ما حكمة تعدد اسماءه (عز وجل) ؟:
ان حكمة تعدد اسماءه (عز وجل) تتمثل في ذكر مجموعة من صفاته تعالى ، فاسم العليم يدل على علمه اللامتناهي واسم البصير يدل على البصر الذي لا يحده شيء واسم الرحيم يدل على رحمته التي تسع كل شيء ، وقد قال الامام الرضا () عن موضوع الاسماء :( الاسم صفة لموصوف ).
لذا فان تعدد الاسماء يدل على العظمة والجلال والسمو والعلو .
هل يتحرك الله تعالى ؟:
ان الله تعالى لا يتحرك انما هو موجود في كل مكان كما قلنا ، وقد قال الامام ابو ابراهيم :( ان الله لا ينزل ولا يحتاج الى ان ينزل ، انما منظره في القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج الى شيء بل يحتاج اليه .. واما قول الواصفين انه ينزل تبارك وتعالى فإنما يقول ذلك من ينسبه الى نقص او زيادة ، وكل متحرك يحتاج الى من يحركه او يتحرك به ، فمن ظن بالله الظنون هلك......).
لذا فان امر حركة الله تعالى ونزوله الى الارض في الليل كما قال بعض علماء الوهابية وصعوده الى السماء في وقت اخر هو امر يؤدي الى التنقيص من صفة الله تعالى وربوبيته بدلالة قول الامام .
ما معنى قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} ؟:
لقد اتجه علماء الوهابية الى القول ان معنى هذه الآية يدل على ان الله تعالى يجلس كما نجلس نحن وقد قال ابن تيمية في احد كتبه ان الله تعالى يغضب في بعض الاحيان وخاصة عندما يرتكب احد عباده معصية فيزداد وزنه (عز وجل) وعندها يثقل العرش على من يحمله (حملة العرش) ، وانه عندما يجلس (عز وجل) فان عرشه يصدر اطيطاً كأطيط الكرسي او الركب الجديد ، وان هذا كما هو واضح منافي للعقل ، فان العباد يرتكبون المعاصي او الذنوب بشكل كبير مما يجعل الله تعالى غاضباً دائماً وعندها يجب على حملة العرش المساكين ان يتحملوا غضب الله (عز وجل) ، وكذلك امر الكرسي الذي يؤدي الى الانتقاص من عظمة الله تعالى ، وقد قال الامام ابا عبد الله () :( استوى على كل شيء ، فليس شيء اقرب اليه من شيء). وكذلك قال () :( من زعم ان الله على شيء فقد جعله محمولاً ).
وهذ الحمل انما يدل على التحديد والحدودية لله تعالى وهو خلاف ما وصف به الله تعالى نفسه ، فنحن قد امرنا ان نصف الله تعالى بما وصف به نفسه في القرآن الكريم وان مسألة تجسيده وتصويره وما الى ذلك من الامور هي امور لم تذكر تثبت لله (عز وجل) والقرآن الكريم خير دليل ، بالإضافة الى رسول الله واهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) .
ان التوحيد اكبر من ان نذكره بهذه الكلمات القليلة لما فيه من ايمان بالله تعالى وبصفاته التي يجب ان يوصف بها ، وان توحيد الله تعالى اهم اصل من اصول الدين فهو يحدد لنا ما نعبد وصفاته ، لكي لا نجهل ما قد يزيد او ينقص من ايماننا ومنزلته عند الله تعالى .
{صفات الله تعالى}
لقد قلنا سابقاً ان الله تعالى يتمتع بصفات خاصة به ، لذا سنحاول في هذا الباب ان نتعرف على بعض هذه الصفات بالإضافة الى الصفات والقدرات التي يتميز بها والتي يمتلكها الانسان .
ان الله تعالى قد وصف نفسه بصفات واضحة وجلية في القرآن الكريم ،وان مما يُسأل عنه هو قوله تعالى :{ وهو السميع البصير }، فهل ان الله تعالى يسمع مثلما نسمع نحن ونرى ؟ .
ان ما يمكن ان نتخذه قاعدة في للإجابة عن هذا السؤال هو قوله تعالى :{ ليس كمثله شيء} ، ان هذه الآية المباركة تدل على ان الله تعالى لا يشابه احداً ولا احد يشبهه ، وقد بينا سابقاً انه عز وجل يسمع ويرى ولكن ليس كما نفعل نحن ، فهو يرى كل شيء يحصل في هذا الكون الوسيع ، و من المعروف ان نطاق رؤية العين البشرية محدود جداً وهو يعجز عن الرؤية من خلف الحواجز العادمة ، بالإضافة الى ان مدى الرؤية محدود ايضاً الا ان الله تعالى يرى كل شيء وهو يراها بوضوح واحد اي انه لا يوجد عنده بعيد او قريب فجميع المنظورات بالنسبة لله تعالى والتي لا ولن نستطيع رؤيتها ابداً تُرى من قبل الله تعالى بكل وضوح ، بالإضافة الى كل ذلك فان الله تعالى لا يرى من خلال جارحة ما تساعده على الرؤية كما نفعل نحن برؤيتنا بالعين ، فان فقدت العين قدرتها على العمل فقدنا نحن قدرتنا على الرؤية لأنها الوسيلة الوحيدة التي توفر لنا الرؤية الا ان قدرة الله تعالى على الرؤية تختلف كثيراً عن قدرتنا لأنه ( عز وجل) لا يرى بجارحة .
وكذلك الامر بالنسبة للسمع ، فالله تعالى يسمع ولكن بشكل يختلف عن كيفية سمعنا نحن ، فالله تعالى يسمع كل الاصوات الموجودة في هذا الكون والتي تصدر في وقت واحد فلا يحدث عنده اي تشويش او خلط او ما الى ذلك (حاشى لله) بل هو يسمع بوضوح تام كل الاصوات الموجودة ، وان سمع الله تعالى دون جارحة هو ما يشكل فرقاً كبيراً بين سمعنا وسمع الله (عز وجل) ، فسمعه اقوى واتم واكمل من سمعنا بكثير .
لقد وصف الله تعالى نفسه بأوصاف كثيرة منها العلم والحكمة ، ان العلم الالهي لا يماثله علم في السماوات والارض كما هو الحال بالنسبة لبقية صفات الله (عز وجل) فان العلم الالهي علم متكامل وعظيم ، وقد قال الله تعالى ان الانسان بكل ما قد يصل اليه من تطور في العلوم والمعارف فهو لم يحصل الا على قليل القليل من العلم الالهي ، فان علم الانبياء والرسل لا يصل الى قطرة في بحر علم الله (عز وجل) فما بالك بمن هو ادنى منهم مرتبة واقل علماً ، ورغم ان الانبياء والرسل هم اناس ارسلهم الله تعالى واجتباهم واختارهم واصطفاهم وهم من خيرة عباده وبكل ما يحملونه من علم يعجز سواهم على حمله لا يصلون الى قطرة من العلم الالهي ، فما اعظم هذا العلم ، فعندما تفكر وتتفكر فيما صنعه الانسان وبما وصل اليه من تطور علمي ، وعندما تنظر الى ما اخترعه الانسان من وسائل لن تدل سوى على العلم والتطور و تقرأ قوله تعالى بأن كل هذا العلم لا يعتبر شيئاً بالنسبة لعلم الله تعالى تتجلى عندها عظمة الله تعالى في اسمى معانيها واتم صورها ، وقد تكلم الامام علي () عن العلم الالهي في خطبة طويلة وعريضة ، ورغم كل هذا فلم يذكر الامام علي () سوى القليل الذي قد لا يعد شيئاً من علم الله (عز وجل) .
واما الحكمة فهي من الامور التي يتمتع بها من يتمتع برجاحة العقل وحسن التدبير والتفكير واتخاذ القرارات ، وهي من نعم الله تعالى التي يتنعم بها على عباده والتي من شأنها ان تنقذه من كثير من المشاكل التي قد يتعرض لها ، وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه حكيم فما اعظم هذه الحكمة التي وهب الله تعالى بعضاً منها الى عباده فكانت ولا تزال مصدراً لحل المشاكل ، ان الله تعالى حكيم بطبعه فهو لا يفعل شيئاً لا يوجد له سبب او غاية او تفسير ، وقد ارتأت حكمته العديد من الامور التي حصلت بإرادته وقدرته (عز وجل) والتي لا يستطيع احد ان يمنع حدوثها مهما فعل ومهما كانت منزلته عند الله (عز وجل) فهو احكم الحاكمين .
بالإضافة الى هذا فقد وصف الله تعالى نفسه بأنه قدير يقدر على كل شيء بدلالة قوله تعالى :{ ان الله على كل شيء قدير }، فما اعظم دلائل قدرته (عز وجل) وما اجلها وكيف انها تذهل العقول وتعجب لها الاذهان بما فيها من تجلي لجبروت الله تعالى وقدرته .
وكذلك وصف الله تعالى بأنه المالك فأحد اسمائه (عز وجل) هو ماك الملك ، ان ملكه تعالى بطبيعة الحال ليس مثله اي ملك آخر ، فهو يملك ما في السماوات والارض بدلالة قوله تعالى في محكم كتابه العزيز :{ وله ملك ما في السماوات وما في الارض }، اي انه (عز وجل) يملك الكون بما فيه وبمن عليه ، فكل مالك مملوك امامه فالله (عز وجل) مالك كل مالك بما يملك ، وان كونه (عز اسمه) مالك كل ما في هذا الكون هو احد الدلالات التي توضح لنا قدرته الله تعالى وعظمته وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{ تبارك الذي بيده الملك }، اي انه (عز وجل) يملك زمام الامور بيده وان الملك بيده (عز اسمه) .
وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه احد صمد ليس له زوج او لد كما قال (عز وجل) في القرآن الكريم :{ قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد }، ان هذه السورة المباركة تدل على مجموعة من الصفات الالهية ، وان هذه الصفات خاصة بالله تعالى لن يستطيع اي احد ان يتحلى بها كما يصف الله تعالى نفسه بها ، فقد خلق الانسان بطبيعته محباً لان يكون له ولد وزوج وهو لا يقوى على العيش لوحده بالإضافة الى هذا وذاك فهو نتاج ابويه ، وهو لن يكون موجوداً الا بالولادة اي انه ولد واصبح جزءاً من هذا العالم ، فما اعظم الله تعالى .
وقد وصف الله تعالى نفسه بالقوة والقدرة ، ان قوة الله تعالى تفوق اي قوة كما هو معروف فهو واهب القوى ومنتزعها وهو اقوى من كل قوي فهو يمثل معنى القوة والعظمة والقدرة ، وكل قوي ضعيف امام الله تعالى .
وقد قال امير المؤمنين () في خطبة له :( الحمد لله الذي بطن خفيات الامور ، ودلت عليه اعلام الظهور ، وامتنع على عين البصير ، فلا عين من لم يره تنكره ، ولا قلب من اثبته يبصره ، سبق في العلو فلا شيء اعلى منه ، وقرب في الدنو فلا شيء اقرب منه ، فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ، ولا قربهم ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له اعلام الوجود ، على اقرار قلب ذي الجحود ، تعالى الله عما يقول المشبهون به والجاحدون له علواً كبيراً ).
ان هذه الخطبة المباركة تذكر لنا جملة من صفات الله (عز وجل) ودلائل علمه اللامتناهي وقدرته التي علت على كل شيء ، وقد نهى امير المؤمنين () عن تشبيه الله تعالى ، كما اتجه اليه بعض الجاحدين في الله تعالى ومنهم ابن تيمية ، الذين قالوا ان الله (عز وجل) يتهيأ ويتصور في صورة بشر ، حتى ان بعضهم اورد حادثة تقول ان احد علماء الوهابية او اهل السنة قد جازاه الله تعالى على اعماله بالجنة وبينما هو واقف في الجنة جاء اليه شخص آدمي فقال له : الم تعرفني ؟، فأجاب انه لا يعرفه .. فقال : انا الله ، فتعجب ذلك العالم بحسب قول ابن تيمية .
ان من يشبه الله تعالى بشيء ما هو شخص ملعون في الدنيا والاخرة ، وسيحاسب كل شخص يشبه الله تعالى ويصوره بصورة ما .
وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه كريم ، ان هذه الصفة تتجلى في اسمى معانيها في الله (عز وجل) فهو الكريم الذي اكرمنا واغدق علينا بالكرم والذي لا يريد منا اجراً الا الاطاعة والعبادة والتسليم له ، وهذا اقل ما قد يمكن ان يفعله العبد لربه ، ان كل ما انعم الله تعالى به علينا هو دليل على كرمه اللامتناهي ، فهو الذي وفر لنا كل اصناف الطعام ، وهيأ لنا الوسائل اللازمة لعيشنا ، واعطانا القدرة على تدبير الامور بالواسطة التي نتميز بها عن باقي مخلوقات الله (عز وجل) الا وهي العقل .
وكذلك وصف الله تعالى نفسه بأنه رحيم كما قال في القرآن الكريم :{ وهو ارحم الراحمين } ، ان رحمة الله تعالى وسعت كل شيء وكل انسان بل كل مخلوق على وجه الكون ، فهو الرحيم بعباده الغافر لهم وماحي سيئاتهم ، فرغم كل ما انعم الله تعالى به علينا فإننا نستمر بالعصيان ، فلا ننفذ كل اوامر الله تعالى ونقترف ما يغضبه (عز وجل) ولكنه رغم كل هذا يرحمنا ويغفر لنا ويتوب عنا حتى ولو بعد حين ، وان معنى الرحمة يتجلى في اسم الله (عز وجل).
وقد قال الامام علي () في خطبة له :( الحمد لله الذي لم يسبق له حالاً ، فيكون اولاً قبل ان يكون اخراً ، ويكون ظاهراً قبل ان يكون باطناً ، كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الاصوات ، ويصمه كبيرها ، ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الالوان ، ولطيف الاجسام ، وكل ظاهر غيره باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر ).
ان في هذه الخطبة المباركة معانٍ عظيمة تدل على بعض صفات الله (عز وجل) وتتناولها من اماكن واتجاهات مختلفة ، منها ان الله تعالى يسمع والبشر يسمعون ايضاً ولكن البشر لا يسمعون كل شيء ، فالأصوات الواطئة تخفى عن سمعهم وكذلك هي الاصوات العالية فهي تضر بهم وبسمعهم ، وان الله تعالى يسمع دائماً فهو (عز وجل) لا يشابه البشر في كونهم يصمون ولا يسمعون بسبب خلل ما ، وكذلك الرؤية ايضاً فالله تعالى يرى كل الاجسام .. تلك التي لا نراها والتي نراها بكل تأكيد.
وقال الامام علي () في خطبة اخرى :( الحمد لله الدال على وجوده بخلقه ، و بمحدث خلقه على ازليته ، وباشتباههم على ان لا شبه له ، لا تستلمه المشاعر ، ولا تحجبه السواتر ، لافتراق الصانع والمصنوع ، والحاد والمحدود ، والرب والمربوب ، الاحد لا بتأويل عدد ، والخالق لا بمعنى حركة ولا نصب ، والسميع لا بأداة ، والبصير لا بتفريق آلة ، والشاهد لا بمماسة ، والبائن لا بتراخي مسافة ، والظاهر لا برؤية ، والباطن لا بلطافة ....
ان خطبة الامام علي هذه فيها شيء من صفات الله (عز وجل) ايضاً وهي التي تبين جملة من الصفات التي يشترك فيها العباد مع الله (عز وجل) كالسمع والرؤية .
ان صفات الله (عز وجل) لا يمكن ان توصف او تذكر ابداً فهي اعظم من ان نتحدث عنها وان نصفها بكلمات وهي ان دلت على شيء فهي تدل على ضعفنا وتقصيرنا وذلنا لله تعالى .
بالإضافة الى ان كل الصفات التي يشارك فيها الانسان الله تعالى في امتلاك جزء منها انما تتجلى قدرتها وقوتها وعظمتها في الله تعالى .
{قدرة الله تعالى}
لقد وصف الله تعالى نفسه بأنه قدير كما قال في القرآن الكريم :{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } وكما قلنا فان اي صفة من صفاته لا يماثلها شيء في السماوات ولا في الارض ، لذا فان قدرته وسعت كل شيء ، وان دلائل قدرته (عز وجل) كثيرة ولها دلائل غزيرة ، منها خلقه للكون في ستة ايام ، فكل ما على الارض من جبال وسهول واودية وانهار واشجار و غيرها من الامور الكثيرة الموجودة على الارض والتي يذهل العقل عند التفكير في امرها ، فكيف تنمو النباتات عندما تحصل على غذائها وكيف حصلت على هذه الهيأة والصورة التي تتصور بها والتي تمتاز بأنها تختلف عن اشكال النباتات الاخرى ، وكيف ان هناك لبعضها القدرة على اصدار روائح عطرة وفواحة ، بالإضافة الى ان بعضها لها القدرة على التهام الحشرات و لجميعها القدرة على القيام بعملية البناء الضوئي التي تتم عن طريق مجموعة من العمليات التي احتيج الى سنوات عديدة لفهم جزء من كيفية عملها فما بالك اذا اردنا ان نصنع شيئاً مماثلاً لها في كل شيء ، فرغم قيام الانسان بصنع مجموعة من الامور التي اعتمد في صناعتها على مخلوقات الله تعالى من حيث الشكل وآلية العمل و من نواح وحيثيات اخرى ولكن هناك فرقاً كبيراً بينهما يعرفه العالم وجاهل على حد سواء .... وعندما نأتي الى التحدث عن الجبال فإننا نعجز عن وصف منظرها وهيأتها فكيف لها ان تثبت في مواجهة مجموعة من الظواهر الطبيعية الربانية ذات التأثيرات العنيفة ، و من ثم نأتي الى امر السماء وكيف استطاع (عز وجل) بقدرته الفائقة على رفعها بلا عمد نراها او نحس بها وكيف انها تحتوي على النجوم التي تشع نوراً ربانياً يدل على القدرة الالهية ، بالإضافة الى كل من الشمس والقمر ، فان امر خلقهما وتكوينهما لا يدل سوى على القدرة والعظمة ، فعندما ننظر الى كل منهما نرى ان قدرة الله تعالى تتجلى فيهما فنرى ان كلاً منهما يظهر في وقت محدد له لا يتأخر لحظة ولا يتقدم ، فتظهر الشمس في النهار والقمر في الليل ، بالإضافة الى الانهار التي تحتوي على النعمة الالهية ذات الاهمية البالغة في استمرار الحياة على سطح الكرة الارضية ولولاه لما وجد شيء حي على سطح الارض ، ونحن نصاب بالذهول حين نسمع بأن الشمس تحتاج لمسافة صغيرة لتقضي على الحياة القائمة على الارض ، فما اعظم هذا الشيء ذا الحرارة العالية والتي قد نعجز عن وصفها وما اعظم من خلقها وسيطر عليها وجعلها تحت سيطرته وتدبيره .
وان الانسان هو احد اعظم الدلائل على قدرة الله تعالى ، فقد احتاج العلماء الاف السنين لمحاولة دراسة عمل هذا الجسم فلم يستطيعوا كشف كافة اسرار عمل هذا الجسم وقد بقيت الكثير من الامور الغامضة عن هذا الجسم العجيب بما فيه من اجهزة معقدة التركيب والعمل ذات القدرة على العمل لسنوات عديدة ، وفيه شيء من التحدي الذي يتحدانا فيه الله تعالى ، حيث اننا لا نملك القدرة على تكوين جسم مثل الجسم البشري ، وحتى لو استطعنا صنع جسم مماثل للجسم البشري نوعاً ما فانه لن يستطيع القيام بالوظائف التي يقوم بها جسم الانسان او بنفس الجودة والكفاءة .
يجب علينا ان نفوض امرنا الى الله تعالى وان نحمده (عز اسمه) على مكارمه وافضاله علينا والتي لا يستطيع احد انكارها ، فقد قال الامام الصادق () :( رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما احب العبد او كره ، ولا يرضى عبد عن الله فيما احب او كره الا كان هيراً له فيما احب او كره).
وقال الامام الصادق ايضاً :( قال الله (عز وجل) : عبدي المؤمن لا اصرفه في شيء الا جعلته خيراً له ، فليرض بقضائي ، وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، اكتبه يا محمد من الصديقين عندي}.
وقال الامام الحسن () لعبد الله بن جعفر:( يا عبد الله كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمته ، ويحقر منزلته ، والحاكم عليه الله ، وانا الضامن لمن لم يهجس في قلبه الا الرضا أن يدعوا الله فيستجاب له}.
وكذلك قال الامام ابو جعفر() :( احق خلق الله ان يسلم لما قضى الله عز وجل ، من عرف الله عز وجل ، ومن رضي بالقضاء اتى عليه القضاء وعظم الله اجره ، ومن سخط القضاء مضى عليه القضاء واحبط الله اجره).
ان في هذه الاحاديث ما يحثنا على ان نسلم وجهنا لله تعالى وان نرضى بما قسمه (عز جل) لنا وان لا نسخط على قضاء الله فيسخط الله علينا وعندها سيكون الانسان هو المتضرر الاول والاخير ، ويجب ان نحمد الله تعالى على كل ما يقدره لنا فهو خير لنا مهما كان من شيء .
قال الامام علي () :( بان من الاشياء بالقهر لها و القدرة عليها ، وبانت الاشياء منه بالخضوع له والرجوع اليه ).
وكذلك قال () في خطبة له :( الحمد لله المعروف من غير رؤية ، والخالق من غير منصبة ، خلق الخلائق بقدرته ، واستعبد الارباب بعزته ، وساد العظماء بجوده ، وهو الذي اسكن الدنيا خلقه ، وبعث الى الجن والانس رسله ، ليكشفوا لهم عن غطائها ).
ان من صور عظمة الله تعالى كما سبق وقلنا هو خلقه (عز وجل) لنا ، بالإضافة الى مجموعة من الامور الاخرى .. تلك التي يصعب علينا ذمرها جميعاً ومنها انه (عز وجل) خلق لنا هذه الارض بما فيها وبمن عليها ومن ثم خلق السماوات السبع وقد قال في القرآن الكريم :{الذي خلق لكم ما في الارض جميعاً ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم }.
بالإضافة الى ان الله تعالى هو من خلق لنا هذه الارض التي جعلها ملائمة لنا و لأجسامنا ولطبيعة حياتنا وكذلك مصدراً لرزقنا بما فيها من خيرات كثيرة ... اخرجها (عز وجل) من هذه الارض فقد قال (عز وجل) :{الذي جعل لكم الارض فراشاً والسماء بناءاً ولنزل من السماء ماءاً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله اندادً وانتم تعلمون }.
ان صور قدرة الله اكثر من ان نذكرها في هذا الكتاب فهي كثيرة جداً وتدل على عظمة الله تعالى ، وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه قادر على كل شيء وان كل ما في السماوات والارض واقع تحت سيطرته وتدبيره (عز وجل) .
{العلم الالهي}
ان العلم الالهي لا يماثله علم احد من الاولين والاخرين ، وهو المحيط بكل شيء ، فان علم الله تعالى قد احاط ما في السماوات والارض ... ان الله تعالى قد احاطها علماً وتدبيراً وحكماً وملكاً ، ان العلوم في تطور مستمر ومن المعروف ان عجلة التقدم والتطور للعلم البشري في حركة مستمرة نحو الامام الامر الذي يجعل تقدمها سريعاً ينتج لنا العديد من الامور التي لم نستطع و لن نستطيع تخيلها اصلاً ، ولكن كل هذا العلم والتطور لا يساوي شيئاً وهو لا يعد امراً امام العلم الالهي العظيم الذي لا يماثله اي علم آخر فقد قلنا فيما سبق ان الآية الكريمة :{ليس كمثله شيء} تعتبر قاعدة رصينة تلدنا على ان لا شيء يماثل الله تعالى او صفاته او قدراته ، لذا فان علمه (عز وجل) افضل واكمل من علمنا نحن البشر ، ومن المعروف ان لفظ العلم يجمع كل امر لم يكن الانسان يعلم بأمره من قبل او انه اكتسب العلم به مع مرور الوقت ، وان من وسائل العلم والتعلم هي العين والاذن والانف وغيرها من الجوارح التي تعد الوسيلة الوحيدة التي توفر لنا العلم بما يدور حولنا .
فرؤية الانسان لنبتة ما لم يكن قد رآها من قبل او انه عرف كل ما يدور حولها تقريباً يعتبر علماً ، وان سمع الانسان اي شيء يعد علماً ايضاً وان شمه لأية رائحة او لمسه لجسم ما او تذوقه لأي شيء يعد علماً عن هذا الشيء ، وان المقصود من قولنا هذا هو ان علم الله تعالى يشمل كل هذه الامور ايضاً الا انه لا يتعرف عليها تدريجياً ومع مرور الوقت كما يحدث مع البشر فهو قد انشأها واوجدها في هذا العالم ، وان علمه يفوق علمنا بأضعاف مضاعفة فقد اسلفنا انه (عز وجل) عليم بكل شيء وان علمه اكمل من علمنا وان علمنا لا يمثل شيئاً امام علم الله (عز وجل) الذي لا يحده حد .
ان من دلائل علم الله تعالى هو خلقه للسماوات والارض وما فيهما وما عليهما وكل هذا الكون الوسيع الذي لم يستطع البشر لحد الان التعرف سوى على جزء بسيط منه مقارنة بما يحتويه هذا الكون من اسرار ودلائل وبراهين تدل على عظمة الله (عز وجل) وعلمه وقدرته .
ولقد ذكر الله تعالى هذا العلم في آية كريمة تقول :{ يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين }.
ان هذه الآية الكريمة اعظم واسمى وابلغ من ان نتحدث عنها لأنها تبين علم الله تعالى وعظمته وقدرته .
ان الله تعالى يعلم كل ما يجري في هذا العالم وان من ما يجدر الاشارة به هو ان الله تعالى يعلم بأمر الورقة التي تسقط وبأمر كل شيء في ظلمات الارض ونورها ، فبالرغم من ان هذه الامور لا تتمتع بأهمية بالغة الا ان الله تعالى يعلم بأمرها ، فما بالك بما يدور حول العالم من احداث ومن افعال لبني البشر ، فالله تعالى يعلم ما فعلنا وما نفعل وما ننوي ان نفعل فقد قال الله تعالى انه اقرب الى الانسان من حبل الوريد ، لذا فان الله تعالى يعلم ما في السماوات وما في الارض ، وقد قال الامام علي () في خطبة له تحدث فيها عن علم الله (عز وجل) :( يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد في الخلوات ، واختلاف النينات في البحار الغامرات ، وتلاطم الماء بالرياح العاصفات).
ان علم الله تعالى يفوق علم الجميع كما قلنا وان الحديث عن هذا العلم المتكامل غير ممكن ابداً فهو من المستحيلات التي لا يستطيع الانسان التعرف عليها او التكلم عنها بشكل كامل .
{غاية الخلق}
لقد خلق الله تعالى كل ما في هذا الكون من مخلوقات بأنواعها المختلفة وبقدراتها العقلية والجسدية والمعيشية المتفاوتة لسبب وغاية ارتأها الله (عز وجل) بحكمته وتدبيره للأمور ، وان هذه الغاية من وراء خلق الكون بما فيه وبمن عليه هو لعبادته (عز وجل) وتوحيده والتسليم لأمره والايمان بما جاء به رسله ، وبما ان الله تعالى قد انعم علينا بنعمة التفكير بواسطة العقل فقد جعلنا مطالبين بعبادته والايمان به والتسليم لأمره دون الكائنات والمخلوقات الاخرى التي تؤمن بالله تعالى من غير وجود عقل يسمح لها بالتفكير بعظمة الله ودلائل قدرته ، ومن المعروف ان كل المخلوقات تسبح لله تعالى بدلالة الآية الكريمة التي تقول :{ يسبح له ما في السماوات و ما في الارض }، فان كل المخلوقات التي نراها انما هي تعبد الله تعالى وتخشع له وتعظمه وتسبح له رغم انها لا تتمتع بالعقل ، ان امر عبادتها لله تعالى وتسبيحها وخشوعها انما هو امر فطري فطرها الله تعالى عليه فلم يجعلها تعصي لان لا عقل لها .. اي ان امر عبادتها لله تعالى انما هو امر ملازم لها ولكل نوع منها ، ولكن الانسان يختلف عنها بطبيعة الحال لأنه يتمتع بعقل يؤهله لان يفكر ويتخذ رباً له يراه الاكثر استحقاقاً في نظره .. ومن يستحق العبادة غير الله (عز وجل) ، لذا فان علينا ان نتدبر في خلق الله وقدرته .
وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون}.
ان هذه الآية المباركة تدل على غاية الخلق وحكمة الله (عز وجل) في خلقه لنا ، اذ ان الغاية هي العبادة لله تعالى والايمان به وبرسله وبما جاءوا به ، فان الآية الكريمة تدل على ان واجب كل مخلوق من الانس والجن ان يعبد الله تعالى لأنه الخالق والمنشئ لكل شيء في كوننا ، وقد قال الامام علي () :( لم يخلق ما خلقه لتشديد الالوان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور ، ولا شريك مكاثر ، ولا ضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون ، لم يحلل في الاشياء فيقال هو (فيها) كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن ، لم يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير ما ذرأ ، ولا وقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر ، بل قضاء متقن ، وعلم محكم ، وامر مبرم ، المأمول مع النقم والمرهوب مع النعم).
ان كلام امير المؤمنين () يدل على الامر القائل بأن غاية الخلق هي عبادة الله تعالى وهو مماثل لكلام الله (عز وجل) .
لقد تبين لنا ان الله تعالى قد خلق الانس والجن والمخلوقات كافة لغرض عبادته و الخشوع والتسبيح له (عز وجل) ، وان امر العبادة يتجلى بشكل كبير في الانس والجن ، فهم يتمتعون بقدرات ذهنية وفكرية تؤهلهم لمعرفة الحق من الباطل ، لذا فان الكفر بالله تعالى هو امر ان دل على شيء فانه يدل على ان هذا الشخص الكافر لم يستخدم عقله للتدبر في هذا الامر والتفكير والامعان في امره والبحث عن الحقيقة والسير على طريق الحق والصواب ، لذا فان الحيوانات افضل منه .
وليس الامر هو عبادة الله (عز وجل) فقط ، وانما الالتزام بأوامر الله تعالى فيما ينهى الانسان عنه وفيما يحثه عليه ، فعلى الانسان ان يتقي الله تعالى في كل وقت وحين وان يفعل ما امر الله تعالى به في القرآن الكريم وعلى لسان الانبياء والرسل و ائمة الهدى المعصومين ، فليس الغرض ان يقول الانسان انه مسلم او انه يعبد الله تعالى وحسب وانما يجب ان يلتزم بتعاليم الاسلام وان ينتهي عن ما نهى عنه ، الامر الذي لا نراه مطبقاً من قبل المسلمين في دول واماكن عديدة ، كما قال احد الاشخاص حين قارن بين الدول الغربية غير المسلمة والدول العربية المسلمة فقال انه وجد الاسلام ولم يجد المسلمين في الدول العربية المسلمة والتي دائماً ما تتحدث عن اسلامها وتفتخر به ، بينما وجد المسلمين لدى الغرب ولكنه لم يجد الاسلام ، والمغزى من كلامنا هذا هو ان على الانسان المسلم ان يلتزم بتعاليم الله تعالى وان يؤدي واجباته التي فرضت عليه ، من حسن السيرة والاخلاق وحسن المعاشرة وغيرها من الواجبات التي فرضها الاسلام على المسلمين واوجبها عليهم ، وفي النهاية الغاية هي السعي لإرضاء الله تعالى وابتغاء وجهه .
ان من اهم الامور التي حث الله تعالى عليها هي خوفه (عز وجل) وعبادته و الخشوع له وتأدية حقوقه وحقوق العباد التي فرضها الله على الانسان ، وكذلك حث على حسن الاخلاق ، وان صفات الاسلام التي حث عليها الله تعالى تتجلى في رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، حيث قال انه نتاج لتأديب الله تعالى وانه لا ينطق عن هواه انما يتكلم ويفعل بأوامر من الله تعالى وبتربية منه في مختلف الامور ، لذا فان رسول الله خير قدوة وافضل دليل لنا على الاسلام الصحيح والقويم ، وكذلك الائمة المعصومون (عليهم السلام) ، فهم ورثة علم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) .
وان ما يجب الاشارة اليه هو ان الله تعالى يؤاخذ العباد بما اقترفوا ، فالله تعالى لا يحاسب احداً بما اقترف والداه او اي شخص آخر ، وانما هو مطالب بتأدية الواجبات التي اوكلت اليه ، فلا يقع على عاتقه تأدية واجبات اولاده او ابويه .
ان تقوى الله تعالى والخشوع له من اهم واسمى الغايات التي حث الله تعالى عليها ، وبينها رسول الله والائمة المعصومون .. وقد قال الامام علي () في خطبة له :( اوصاكم الله بالتقوى وجعلها منتهى رضاه وحاجته من خلقه ، فاتقوا الله الذي انتم بعينه ، ونواصيكم بيده ، وتقلبكم في قبضته ، ان اسررتم علمه وان اعلمتم كتبه ).
ان رضا الله تعالى يتحقق بتقواه فهي الحاجة التي نحتاجها نحن والتي فرضها الله تعالى علينا .
ان من يعمل صالحاً انما هو يفعل لنفسه ، و ان منفعة اعماله تعود عليه هو لا على غيره ، وكذلك امر اعماله السيئة فان عواقبها تعود على الانسان نفسه لا على غيره من الأشخاص .
قال الامام علي () :( اما بعد فاني اوصيكم بتقوى الله الذي ابتدأ خلقكم ، واليه يكون معادكم ، وبه نجاح طلبتكم ، واليه منتهى رغبتكم ، ونحوه قصد سبيلكم ، واليه مرامي مفزعكم ، فان تقوى الله دواء داء قلوبكم ، وبصر عمى افئدتكم ، وشفاء مرض اجسادكم ، وصلاح فساد صدوركم ، وطهور دنس انفسكم ، وجلاء عشى ابصاركم ، وامن فزع جأشكم ، وضياء سواد ظلمتكم .
ان الامام علي () قد بين لنا ان منتهى كل الامور تعود الى الله تعالى وان نهايتنا بيده (عزو جل) وان كل ما نفعله واقع تحت علمه .
قال الامام علي () :( فاجعلوا طاعة الله شعاراً دون دثاركم ن ودخيلاً دون شعاركم ، ولطيفاً بين اضلاعكم ، واميراً فوق اموركم ، ومنهلاً لحين ورودكم ، وشفيعاً لدرك طلبتكم ، وجنة ليوم فزعكم .... فاتقوا الله الذي نفعكم بموعظته ، ووعظكم برسالته ، وامتن عليكم بنعمته ، فعبدوا انفسكم لعبادته ، واخرجوا اليه من حق طاعته ...).
ان ما جاء في كلام الامام علي () يرشدنا الى ان الله (عز وجل) هو غايتنا الاسمى وان توجهنا ومعونتنا يجب ان تطلب منه لا من غيره ، لأنه من يستحق ذلك دون غيره .
{القرآن الكريم}
عندما ارسل الله تعالى عباده الى اقوامهم جعل لكل منهم معجزة يقوم بها بإذن الله تعالى وبمشيئته ومن اجل اعلاء كلمة الله تعالى ورفع راية الحق والحقيقة المتمثلة براية الاسلام التي يعلوها اسم الله تعالى ، ان حكمة الاعجاز والمعجزات انما تتمثل في كونها حجة من الله تعالى على عباده ليتم حجته عليهم ولكي لا يقول احد انه لم يكن يعلم ، ان معجزة الاسلام تتمثل في امر اعجازي حقيقي تمثل في الكتاب الذي بقي محفوظاً من ايدي المدنسين الذين حرفوا الكتب السماوية وتلاعبوا بها الا كتاب واحد عجز الجميع عن تحريفه او الاتيان بمثله لأنه معجزة الاسلام التي تذهل لها الاذهان.
ان للقرآن اسماءاً عديدة بينها الله تعالى في آياته ، ومن هذه الاسماء الفرقان والكتاب او الكتاب المبين ، والامام ، القرآن ... ان هذه الاسماء ان دلت على شيء فهي تدل على عظمة القرآن الكريم ، فان تعدد الاسماء يدل على عظمة الشيء ومنزلته الرفيعة واهميته البالغة لان الاسم انما هو لفظ يعبر عن مكنونات الشيء وما يتمتع به هذا الشيء او ما اهميته بالإضافة الى مجموعة من الامور الاخرى ، وان اكبر دليل على ذلك هو ان لله تعالى اسماءاً متعددة وكثيرة تدل على صفاته وقدرته وجبروته وعظمته ، ولكل منها معنى خاص بها ودلالة يمتاز بها عن بقية الاسماء الاخرى .
ان اهمية القرآن الكريم تكمن في انه حجة من الحجج التي انزلها الله تعالى على عباده وان فيه تباين لكل شيء بدلالة الآية الكريمة التي تقول :{فيه تبيان لكل شيء}ان مثل القرآن كمثل الامام ، وانما هو شخص ناطق ، بين الله تعالى فيه كل الامور التي يحتاجها الانسان بما فيه من معنى ظاهر وخفي ، فالآيات الكريمة لا تحتوي على علم ظاهر فقط او معنى ظاهر فقط ، وانما فيها معنى ظاهر وآخر باطن لا يعلم تأويله الا من اصطفاهم الله تعالى بدلالة قوله في كتابه العزيز :{ لا يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم } .
ان تأويل القرآن من الامور المهمة ان لم يكن اهمها ، ففيه تبيان ما يخفى على الناس وهنا تبيان لعظمة الله تعالى ، الذي تحدى العرب بالقرآن الكريم لما فيه من اعجاز وقدرة لم يستطع المشركون الوصول او التوصل اليها ولن يستطيعوا ذلك ابداً ، لان هذه هي حكم الله تعالى التي ارتأى فيها ان يكون القرآن معجزة الاسلام الخالدة معه والتي ستبقى ناصعة الى يوم الدين .
ان في القرآن الكريم كمال للدين الاسلامي الحنيف ، فلم يُبق القرآن الكريم شيئاً مخفياً عن الناس من امور حياتهم ومماتهم وما بعد مماتهم من الحساب ، وقد قال امير المؤمنين () في وصفه للقرآن الكريم :( القرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجة الله على خلقه اخذ عليم ميثاقه ، وارتهن عليه انفسهم ، اتم نوره ، واكمل به دينه ، وقبض نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) وقد فرغ الى الخلق من احكام الهدى به ، فعظموا منه سبحانه ما عظم منه نفسه ، فانه لم يخف عنكم شيئاً من دينه ، ولم يترك شيئاً رضيه او كرهه الا وجعل له علماً بادياً واية محكمة تزجر عنه او تدعوا اليه ، فرضاه فيما بقي واحد ، وسخطه فيما بقي واحد ).
ان في القرآن الكريم ذكر لله تعالى ووعظ من الله تعالى الى عباده كلما قرأوا آياته وتدبروا فيها ، وقد قال الامام علي () :{افيضوا في ذكر الله فانه احسن الذكر ، وارغبوا فيما وعد المتقين ، فان وعده اصدق الوعد ، .... ، وتعلموا القرآن فانه احسن الحديث ، وتفقهوا فيه فانه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره فانه شفاء الصدور ، واحسنوا تلاوته فانه انفع القصص ، فان العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله ، بل الحجة عليه اعظم ، والحسرة له الزم ، وهو عند الله الوم ).
ان في القرآن الكريم شفاء للصدور وتيسير للأمور و شفاء لكل مرض وداء ، وقد قال الامام علي () :( اعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن احد الا قام عنه بزيادة او نقان : زيادة في هدى ، او نقصان في عمى .
واعلموا انه ليس على احد بعد القرآن من فاقه ، ولا لاحد من القرآن من غنى ، فاستشفوه من ادوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فان فيه شفاء من اكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق ، والغي والضلال ، فاسألوا الله به ، وتوجهوا اليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه انه ما توجه العباد الى الله بمثله ).
ان في القرآن الكريم شفاء للأمراض النفسية والجسدية فهو يشفي النفوس ويكسبها السكينة وكذلك يخلص الجسم من الاسقام والامراض .
ان عظمة القرآن الكريم تفوق هذه الكلمة كثيراً ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم :{و لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } .
ان هذه الآية الكريمة تدل على ان الجبل بهيأته العظيمة وقوته البالغة لن يحتمل القرآن الكريم بما فيه من آيات ودلائل و مواعظ وغيرها من الامور التي تجعله يخشع له ويتوجس خيفة من ما فيه من تبيين لعظمة الله (عز وجل) .
{نعم الله تعالى على عباده}
لقد تبين لنا فيما سبق ان الله تعالى هو القادر على كل شيء وانه مالك الملك وانه (عز وجل) الواهب وانه يرزق من يشاء من عباده ، ومن الضروري ان نتعرف على نعم الله تعالى .. تلك التي انعم بها علينا .. والتي لم يفكر الكثيرون بفائدتها واهميتها لنا ...
ان مما يجدر الاشارة اليه هو ان من يعلو الناس شأناً ومن يملك قدرة تفوق قدرتهم قادر على وهب الناس مما يملك او مما لا يملك من خلال قدرته .. فيهب لهم ما يستطيع .. الامر الذي لا نشاهده كثيراً في حياتنا جميعاً .. ورغم هذه الهبة فانه ينتظر اجراً من اولئك الناس وهو لا يفعل ذلك في سبيل الله تعالى الا من هداه الله (عز وجل) ... فنجد انه ينتظر ان يجزيه الناس على افعاله ...
والامر الذي يحرنا ويبين لنا عطف الله تعالى ورحمته ورأفته بنا اعظم من ان توصف .. فان الله تعالى يهب لنا اموراً كثيرة ينعم بها علينا وتكون سبباً في سعادتنا وراحتنا ولكنه (عز وجل) لا ينتظر اجراً مماثلاً لما وهبه لنا .. فنرى ان الله تعالى لم يطلب من العبد سوى ان يؤمن به ويعبده ويأتمر بأوامره .. تلك التي فيها صلاح للفرد والمجتمع الذي يعيش هذا الفرد فيه ..
ان الله تعالى وهب لنا العديد من النعم التي لا يمكننا ان نحصيها او نعدها .. فمنها انه فضل الانسان بالعقل وانه وهب له هذا الجسم الجميل وانه (عز وجل) سخر ما في الارض لخدمة الانسان ومنفعته وانه تعالى قد سخر ما في السماوات لخدمة الانسان و لتهيئة الظروف اللازمة لممارسة حياته اليومية .. وانه انعم على الانسان بنعم كثيرة اخرى منها انه اعطى الانسان القدرة على الرؤية والشم والسمع وغيرها من الامور الاخرى التي لم يفكر احد بأنها نعم من النعم الكثيرة التي انعم الله تعالى بها علينا ..
بالإضافة الى ان الله تعالى قد اعطانا القدرة على المشيء والتحرك من مكان الى اخر بسهولة تامة .. واعطانا القدرة على التفكير والتحقيق والتحليل وغيرها من الامور التي سيطول بنا الحديث اذا ما اردنا ذكر جميعها.
منها ان الله تعالى قد وهب لنا الارض بخيراتها الكثيرة .. فما اكثرها من خيرات تلك التي تخرج من الارض والتي يقوم الانسان بإخراج بعضا الاخر ..وقد قال تعالى في القرآن الكريم :{الذي جعل لكم الارض فراشاً }.
لقد جعل الله تعالى الارض مصدراً من مصادر العيش التي يحتاجها الانسان فالإنسان يحصل على طعامه من الارض ، وكذلك يستطيع الانسان الحصول على الوقود من الارض ويستطيع ان يعيش عليها فيبني فيها مسكناً له ... بالإضافة الى ان فيها من الامور الاخرى التي يصعب على الانسان فهمها حتى ...
وان من نعمه (عز وجل) انه تعالى قد جعل لنا الماء الذي جعل من كل شيء حي ، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{وجعلنا من الماء كل شيء حي}.
لقد انعم الله تعالى علينا بهذه النعمة ذات الفوائد الكثيرة والكبيرة ... فاستعمالات الماء كثيرة ومنافع الماء اكثر من ان نذكرها ..
بالإضافة الى ان الله تعالى قد انعم علينا بهذه السماء التي يعجب لها الانسان بما فيها من امور عجيبة وعظيمة
{الحساب : ثواب وعقاب}
لقد تبين لنا ان الله تعالى قد خلقنا وكل المخلوقات الاخرى على هذا الكون انما لعبادته وتعظيمه والتسليم لأمره لأنه مقضي بقدرة الله تعالى ، وان هذه الغاية التي خلقنا الله تعالى من اجلها هي ميزان للتفاضل بين الناس وان خوف الله تعالى وخشيته وتقواه والخشوع له انما هو الامر الذي يتفاضل فيه عباد الله تعالى بعضهم على بعض بدلالة قول القرآن الكريم :{ انما خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم }.
لقد جعل الله تعالى بدلالة الآية الكريمة التقوى مقياساً وميزاناً للتفاضل بين الناس ، فلا فرق يذكر بين عربي او اعجمي وبين ابيض او اسود وبين الغني والفقير ، انما تقوى الله تمثل اساساً وقاعدة للتفاضل بين الناس والتفريق بينهم من حيث المنزلة .
ان الله تعالى يحاسب عباده بما اقترفت ايديهم وبما فعلوه من خير او شر في كل لحظة من لحظات حياتهم ، وان كل شخص يحاسب بما اقترفه هو لا بما اقترفه غيره كما اسلفنا فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز : {انما يؤاخذ الناس بما اقترفت ايديهم} ، ان هذه الآية الكريمة تدلل على ان الله تعالى لا يظلم احداً فهو اساس العدل وواضعه .
ان حساب الانسان امر محتم لا بد منه ، فقد جعل الله تعالى الجنة والنار ليكون البشر خالدين في احد هذين المكانين ، ان الجنة هي ثواب لكل عبدٍ عَبد الله تعالى على اتم وجه واكمله ، فطبق ما امر الله تعالى به ونفذه من غير الشعور بالملل لأنه واجب فرضه الله تعالى على كل عبد من عباده ، وان النار هي مثوى كل من لم ينفذ ما امر الله تعالى به عباده ممن عصاه ولم ينفذ اوامره وذاك هو مثوى الكفار المعاندين .
ان يوم الحساب هو يوم عظيم يخيف اهل السماوات والارض .. فلا يفكر احد الا بنفسه .. وان الآيات التي وصفت يوم القيامة وما يحدث عند قيام الساعة كثيرة منها قوله تعالى :{ يوم تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها }.
ان يوم القيامة هو ذلك اليوم الذي تعرض فيه اعمالنا امام الله (عز وجل) ، ويعطى كل شخص كتاب اعماله في احدى يديه .
وهناك اية اخرى وصفت ما يحدث يوم القيامة والتي تقول :{يوم يفر المرء من امه وابيه وصاحبته وبنيه }
ان عظمة ذلك اليوم تجعل الانسان يترك كل ما يشغله من امور الحياة بشواغلها المختلفة والتي يعيرها اهتماماً بالغاً في حياته ، ولكنه لا يفكر بأي من امور الدنيا وزينتها فيبدأ بالفزع والهرع والشعور بالخوف ، فتتجلى عظمة الله تعالى في ذلك اليوم .
ان الله تعالى يحاسب العبد على افعاله فان جاء بخير كتبت في ميزان حسناته وان جاء بشر كتبت في ميزان سيئاته ، فيحصد الانسان في ذلك اليوم ثمار اعماله في الدنيا والتي لم يتفكر فيها الا القليل ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم : { ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره }.
ان هذه الآية الكريمة خير دليل على كلامنا الذي تقدم ذكره ، وقد قال الله تعالى في آية اخرى : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له وله اجر كريم}.
ان الله تعالى غني عن العباد لا يحتاجنا ولكننا نحتاج اليه ، لذا فان من يعمل عملاً فان عواقب هذا العمل ونتائجه ومتعلقاته تعود على الانسان نفسه ولن يضر الله شيء من عمل عباده .
ان من يأخذ كتابه في يمينه فقد بشر خيراً لان مثواه الجنة وان الجنة هي دار الخلود الذي ما بعده خلود ، وان الجنة فضل من افضال الله تعالى علينا ، بالإضافة الى انها نتاج اعمالنا في الدنيا ونتيجة لهدايتنا التي انعم الله تعالى بها علينا وهي فضل من افضاله الكثيرة التي لا تحصى ، وقال الله تعالى في القرآن الكريم : {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
وان من يأخذ كتابه بيمينه فوجهه مسود يومئذ لأنه لم او يتفكر في دنياه ولم يفكر في نتائج اعماله القبيحة التي اقترفها في حياته والتي نهى الله تعالى عن الاتيان بها لأنها تدعوا الى النار كما يدعو ابليس الى النار .
وقد الامام علي () :( واعلموا انه لن يرضى عنكم بشيء سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشيء رضيه ممن كان قبلكم ، وانما تسيرون في اثر بين ، .. ايها اليفن الكبير الذي قد لهزه القتير ، كيف انت اذا التحمت اطواق النار بعظام الاعناق ، ونشبت الجوامع حتى اكلت لحوم السواعد ، فالله الله معشر العباد وانتم سالمون في الصحة قبل السقم وفي الفسحة قبل الضيق ، فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل ان تغلق رهائنها ).
ان امر الحساب امر واقع لا محالة ، فيحاسب الله تعالى كل انسان بما اقترف من اعمال خير واعمال شر ... فيجازي الانسان الذي خافه (عز وجل) بالجنة وبالخلود فيها ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم :{وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا واوتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون }.
واما الذي لم يؤمن بالله تعالى ولم يسلم له (عز وجل) فقد فعل اقبح الاعمال بكفره بالله تعالى وبمخالفته لأوامر الله تعالى ، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون }.
لذا فان الله تعالى لا يغض البصر على عمل اي عبد من عباده ويحاسب كلاً بما عمل واقترف وبما اعتقد وآمن .
وفي النهاية اقول : ايها الشخص المسن الكبير الذي لم يبقَ منه شيء يُنظر اليه ماذا اذا كانت النار مثواك الاخير الذي لا مهرب منه !، وماذا لو كان ابليس هو امامك الذي تتبعه في الدنيا والاخرة !، ماذا لو اكلت النار جسمك وكان لهيبها يلتهب في جسدك .. ولن يسعنا القول سوى هنيئاً لمن يعمل صالحاً ويتفكر في اعماله فيتجنب قبيحها ويزيد من جميلها .
{اركان الاسلام}
من الطبيعي ان هناك لكل دين مجموعة من الثوابت والاركان التي يستند عليها ويتخذ منها قاعدة له ، فنجد ان هذه الاركان تمثل خطوطاً عريضة يستطيع الانسان من خلالها ان يكون مسلماً ، فواجب كل شخص مسلم ان يؤدي هذه الاركان الربانية التي وضعها الله تعالى واليك بعض الاحاديث عن هذه الاركان :
1. قال الامام الصادق () :( شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ، والاقرار بما جاء به من عند الله ، وصلوات الخمس ن واداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، وولاية ولينا وعداوة عدونا ، والدخول مع الصادقين ) .
2. قال الامام ابو جعفر () :( شهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً (صلى الله عليه واله وسلم) عبده ورسوله ، وتقر بما جاء من عند الله ، والولاية لنا اهل البيت ، والبراءة من عدونا ، والتسليم لأمرنا ، والورع والتواضع وانتظار قائمنا فان لنا دولة اذا شاء الله جاء بها ).
3. قال الامام ابو جعفر () لسليمان بن خالد :( الا خبرك بالإسلام اصله وفرعه وذروة سنامه ؟. قلت : بلى جعلت فداك . قال : اما اصله فالصلاة ، وفرعه الزكاة وذروة سنامه الجهاد ، ثم قال : ان شئت اخبرتك بأبواب الخير؟. قلت : نعم جعلت فداك . قال : الصوم جنة من النار ، والصدقة تذهب بالخطيئة ، وقيام الرجل في جوف الليل بذكر الله ، ثم قرأ :{تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
4. وقد ذكر الامام علي () ما يتعلق ببعض جوانب الاسلام واركانه في خطبته التي قال فيها :( ان افضل ما توسل به المتوسلون الى الله سبحانه ، الايمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله فانه ذروة الاسلام ، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة ، واقام الصلاة فإنها الملة ، وايتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان فانه جنة من العقاب ، وحج البيت واعتماره فانهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال ، ومنسأة في الاجل ، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة ، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان ).
واما هذه الاركان فهي :
أ- شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله .
ب- اقامة الصلاة .
ت- ايتاء الزكاة .
ث- صوم رمضان .
ج- حج البيت من استطاع اليه سبيلاً .
1. شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله : ان هاتين الشهادتين تعدان مفتاحين للدخول الى الاسلام ، فعندما يريد احدهم ان يصبح مسلماً يقال له ان يتشهد وينطق الشهادتين ، وان للشهادتين فضل كبير لكل من ينطق بهما فقد حث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على التشهد كثيراً حيث ان لها فضلاً كبيراً وعن احد الائمة : (من قال : اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له الاهاً واحداً احداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً .... كتبت له خمس وعشرون الف حسنة ومحيت عنه خمس وعشرون الف سيئة ورفع خمس وعشرون الف درجة) ، وان فضلهما يكمن في اننا حين نقول بهما فإننا نؤمن بأن الله هو الواحد القهار الذي يملك ما في السماوات والارض وانه رب السماوات والارض وما بينهما بما فيها .
2. اقامة الصلاة : ان اقامة الصلاة عمود مهم من الاعمدة التي يستند عليها الدين الاسلامي ، وان للصلاة فضل عظيم ، فان عمل الانسان كاملاً مقرون بالصلاة فان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها ... بالإضافة الى اهميتها في نهي الانسان عن ارتكاب المعاصي فقد قال (عز وجل) في محكم كتابه العزيز :{ ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } لذا فان اهميتها تتجلى في امور عديدة ، وان صلاة الانسان تعتبر وسيلة الاتصال الوحيد بينه وبين ربه ، فبواسطتها يدعو الله و يطلب منه وفيها يتكلم مع الله من خلال ما يتكلم به من آيات وسور ، ويبين لله تعالى انه يخافه ويخشاه في السر والعلن ، وان اقامة الصلاة واجب على كل شخص بالغ وعاقل وسليم وسواء كان رجلاً ام امرأة .
3. ايتاء الزكاة : ان ايتاء الزكاة ركن من اركان الاسلام والتي اوجب الله تعالى تأديتها من قبل عباده لما لها من فضل كبر في تهذيب النفوس ومساعدة المحتاجين ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم :{وفي اموالهم حق للسائل والمحروم} أي ان على كل مسلم يكسب قوت يومه فيمر عليه عام كامل ان يؤدي واجبه تجاه الله وتجاه المحتاجين من المحرومين والذين لا يقوون على كسب قوت يومهم .
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( حصنوا اموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة ). وكأن رسول الله يقول ان الانسان يبعد المصائب والابتلاءات بالزكاة فنحصنها من الضياع او ان تذهب بما فيه شر للإنسان و التي قد تلحق به ان لم يؤد الزكاة ، وان فضلها عظيم وكبير وهي واجبة على كل فرد عاقل بالغ يكسب مالاً من عمله .
وان مما يجب الاشارة اليه هو ان للزكاة مفاهيم وانواع عديدة الا وهي :
اولاً : الخمس : وهو ان يخرج الانسان المسلم البالغ 1/5 مما زاد عن حاجته عند رأس السنة ، فيجب على كل مسلم ان يحدد رأس سنة خمسية له ، فعليه ان يخمس ما لم يستعمل لفترة سنة كاملة والذي لم يستفد منه المسلم طيلة هذه المدة ، وتشمل الاموال والعقارات التي لا يسكنها مالكها فيجب عليه الخمس بالإضافة الى الذهب غير المستعمل وغيرها الكثير من الامور كالمواد الغذائية ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم {واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه و للرسول ولذي القربى}.
وان مفهوم الغنيمة يعني الربح الذي يحصل عليه الانسان بكل مفاهيمه .
ثانياً : الزكاة : وهي ان يخرج الانسان المسلم مقداراً معيناً يختلف باختلاف الاموال التي تتعلق بها الزكاة ، والاموال التي تتعلق بها الزكاة هي :
1) الذهب والفضة المسكوكات بسكة المعاملة ، يعني نقود الذهب والفضة التي انتهى زمنها ، وبعض المسلمين يوجبون الزكاة على الذهب والفضة حتى وان لم يكونا مسكوكين .
2) الغلات الاربع : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، بالنسبة للفلاحين الذين يزرعونها .
3) الانعام الثلاث : الابل والغنم والابقار ، ولها شروط محددة ، فان قام الراعي بشراء العلف لها فلا تجب الزكاة حينها ، ولكن ان كانت تتغذى على النبات الطبيعي فتجب الزكاة حينها .
ثالثاً : زكاة الفطر : وهي ان يخرج المسلم مقداراً معيناً من المال او الطعام قبل فجر عيد الفطر ، وان المستحقون للزكاة هم ثمانية اصناف تبينهم الآية الكريمة {انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}.
لذا فان هذه الاصناف المذكورة في الآية هم :
أ- الفقراء : وهم الذين ليس لهم مال .
ب- المساكين : وهم الذي يمتلكون مالاً قليلاً لا يكفي لسد احتياجاتهم .
ت- العاملون عليها : وهم العمال الذين يجمعون الزكاة من الناس لبيت المال .
ث- المؤلفة قلوبهم : وهم الجماعة التي يراد تأليف قلوبها وجمعها على الاسلام .
ج- في الرقاب : وهم العبيد الذين يحتاجون المال لشراء حريتهم .
ح- الغارمون : وهم المدينون في غير معصية الله ، والذي لا يستطيعون الايفاء بديونهم .
خ- في سبيل الله : الذين يجاهدون والذين يعملون فيما ينفع المسلمين .
د- ابن السبيل : وهو الغريب الذي انقطع عن اهله ولا يملك نفقة مسكنه ومأكله ومشربه .
4. صوم رمضان : ان صوم الانسان امر من الامور التي فرضها الله على عباده لما له من دور في تهذيب النفس والاحساس بمن لا يملك قوت يومه وكيف يعيش هذا الانسان ، وفيه حث على تأدية الزكاة وعلى التصدق ومساعدة المحتاجين بالإضافة الى كل ذلك فان صوم الانسان لا يكون من الطعام والشراب فقط بل يجب ان يصوم عن كل عمل او قول غير اخلاقي والذي لا يدل على الادب ، وعندما يصوم الانسان شهر رمضان فان له اجراً كبيرا وعظيماً لأنه يؤدي حقاً من حقوق الله (عز وجل) ، وان الصوم واجب على كل شخص عاقل وبالغ سواء كان رجلاً ام امرأة .
5. حج البيت من استطاع اليه سبيلاً : ان الحج هو احد اركان الدين الاسلامي ، ولكن الله (عز وجل) رؤوف رحيم بعباده فقال تعالى على كل من يستطيع ان يزور بيت الله في موسم الحج ان يبادر الى القيام بذلك ، وقد سقط الواجب على كل من لا يستطيع زيارة هذا البيت المبارك كالعجز المادي والمالي او امر يتعلق بصحة الانسان كأن يكون معرضاً لخطر الموت وما الى ذلك اذا سافر لمسافة بعيدة الامر الذي يحتم عليه ان لا يؤدي الحج ، وان فضل الحج عظيم جداً ، وان تأدية الحج تعتمد على اركان الحج الا وهي : الاحرام والطواف حول الكعبة ، ومن ثم السعي بين الصفا والمروة ، ثم الوقوف بعرفة .
وهو يعتمد على شروط يجب ان تتوفر في الحاج وهي : ان يكون بالغاً وعاقلاً وان يكون مسلماً ، استطاعة الانسان الانفاق على نفسه وعياله ، وكما اسلفنا يجب ان لا تكون به عاهة او مرض ما يمنعانه من تأدية مناسك الحج .
بالإضافة الى ذلك فان الحج يعتمد على سنن تسمى سنن الحج الا وهي : على الحاج ان يغتسل قبل الاحرام ، و عليه قص الاظافر والتنظيف ، وصلاة ركعتين ومن ثم يحرم من الميقات ثم التلبية مع الاحرام ولفظها (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ) .
وان من الجدير بالذكر ان للحج مجموعة من الانواع التي تختلف عن بعضها البعض وهي :
أ- الافراد : وهو ان ينوي الحاج تأدية الحج لوحده ، ويشمل هذا النوع الحجيج الذين يسكنون حول مكة المكرمة .
ب- القِران : وهو ان ينوي اداء الحج اولاً ومن ثم اداء العمرة من بعدها ، وسمي هذا الحج بالقران لان الحاج يأتي بذبيحته معه .
ت- التمتع : وهو ان ينوي العمرة وحدها فيحرم من الميقات ، فاذا وصل مكة وادى اعمال العمرة تحلل ولبس ملابسه العادية ثم احرم مرة اخرى من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة ، ويؤدي اعمال الحج .
اعمال الحج : اذا اراد المسلم اداء فريض الحج نظف جسمه واغتسل وقال : (اللهم اني اريد الحج فيسره لي وتقبله مني) ثم يلبس ملابس الاحرام ويلبي ، فاذا وصل مكة المكرمة طاف حول الكعبة سبع مرات ثم سعى بين الصفا والمروة ثم يصعد على جبل عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة ، ويقف مع المسلمين الى غروب الشمس وبعد الغروب ينزل الى المزدلفة وينام فيها ، وفي العاشر يذهب الى منى بعد صلاة الفجر ، بعد طلوع الشمس يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات ، ثم يذبح هدية واقله شاة ، ويحلق رأسه او يقصر منه قليلاً ثم يعود ويطوف حول الكعبة سبع مرات طواف الافاضة ويتحلل من ملابس الاحرام وعند مغادرته الديار المقدسة يطوف طواف النساء ، ويسمى طواف الوداع .
ان هذه باختصار هي اركان الاسلام التي اوجب الله تعالى علينا ان نؤديها لما فيها من اثر ايجابي كبير على انفسنا وعلى المجتمع المحيط بنا ، بالإضافة الى الركن الذي ذكره ائمتنا الا وهو الحب والولاية لهم (عليهم افضل الصلاة وازكى السلام) والذي يعنى به حبهم واتباع خطهم والسير على الطريق الذي ساروا هم عليه لانهم حجج الله تعالى على ارضه وهم مبلغون لرسالات الله تعالى ايضاً ، وقد قال الامام ابو جعفر () :( بني الاسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ).
وكذلك قال الامام ابو جعفر () ايضاً :( بني الاسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه – يعني الولاية ).
{اركان الايمان}
بالإضافة الى اركان الاسلام التي تناولناها في الباب السابق توجد اركان اخرى تسمى اركان الايمان ، وان الايمان بالله تعالى اعلى مرتبة واسمى منزلة من الاسلام فعلى الانسان ان يؤمن به (عز وجل) وبقدرته على خلق السماوات والارض وقدرته على الاحياء والاماتة والخلق والتكوين وغيرها من الصفات الاخرى التي وصف بها الله نفسه في القرآن الكريم ، وان اركان الايمان خمس ايضاً هي :
1. الايمان بالله تعالى .
2. الايمان بملائكته .
3. الايمان بالرسل والانبياء .
4. الايمان باليوم الاخر .
5. الايمان بالقدر .
1. الايمان بالله تعالى : ان الايمان بالله تعالى ركن من اركان الايمان ، وان معنى الايمان بالله تعالى هو ايماننا بأن الله (عز وجل) موجود في كل مكان ، يرانا ولا نراه ويسمعنا ويعلم ما نفكر به فهو اقرب الينا من حبل الوريد ، والايمان بأنه (عز وجل) قادر على تلبية ما نطلبه منه وانه لا خالق سواه وانه (عز اسمه) اله السماوات والارض ومالك الملك لا مالك سواه وهو الحي الذي لا يموت ، وعلينا ان نؤمن بأن الله تعالى هو خالق كل شيء وهو البادئ في الانشاء وان لا اله يشاركه في الملك والسلطان ... لذا فان الايمان بالله تعالى تعني ان نؤمن بصفاته واسماءه (عز وجل) .
2. الايمان بملائكته : ان الايمان بالملائكة امر مهم فهو ركن من اركان الايمان كما اسلفنا ، وان ايماننا بالملائكة يتمثل في تصديقنا بأن الملائكة مخلوقات من تلك المخلوقات التي كونها الله تعالى والتي تعمل على تنفيذ اوامره والتي سخرها (عز وجل) لتعمل اعمالاً مختلفة ، فيجب ان نؤمن بأن الملائكة هم عبيد لله تعالى وانهم دليل من دلائل القدرة الالهية .
3. الايمان بالرسل والانبياء : ان الله تعالى استخدم الانبياء والرسل لنشر الدين الاسلامي ولتبيين الحقائق للناس جميعاً ، فيبينوا ان الله تعالى هو خالق كل شيء وانه احق بالعبادة من بقية الارباب التي اصطنعها الانسان ارباباً له وعبدها رغم انه صنعها بيده ، لذا فان من اهم الامور التي يجب ان نؤمن بها هو ايماننا بالأنبياء والرسل الذين ارسلهم الله تعالى مبشرين ومنذرين للبشرية جمعاء ، وهم المبلغون لرسالاته (عز وجل) ، فلولا الانبياء والرسل لما نشر الدين الاسلامي ، فهم الاشخاص الوحيدون الذين اختارهم الله تعالى واصطفاهم برحمته وفضلهم على الناس لحمل هذا العبء الرباني الجليل .
4. الايمان باليوم الاخر : ان الله تعالى قد بين مجموعة من الامور عبر القرآن الكريم او عبر الرسل والانبياء ، ومنها الحساب والعقاب ، فقد بين (عز وجل) بأنه سيأتي يوم يحاسب (عز اسمه) البشرية جمعاء ، فيحاسبهم على ما اقترفوا من اعمال خير او شر ، فإما ان يعاقبهم واما ان يكافئهم على اعمالهم التي اقترفوها في الدنيا ، وان ايماننا باليوم الاخر (يوم القيامة) من اركان الايمان التي يجب ان يؤمن بها الانسان المسلم ، وهو يوم الحساب يوم لا ملك الا ملكه ، ولا ينفع الانسان مال ولا بنون الا ما كسب في الدنيا من حسنات نتجت عن اعمال الخير التي عملها .
5. الايمان بالقدر : ان الايمان بالقدر يعني ان يؤمن الانسان بأن كل ما يحدث معه من احداث وكل ما يمر به من مواقف وكل الامور التي تواجهه انما هي من صنع الله (عز وجل) وتقديره ، واننا مهما فعلنا في محاولتنا لدفع قدر من الاقدار التي قدرها الله تعالى لنا فإننا لن نفلح في ذلك الا بالدعاء والاعمال الصالحة ، لذا يجب علينا ان نؤمن بان الله تعالى هو المقدر والقادر على كل شيء وان كل ما يحدث انما هو بتدبيره وقدرته ويجب ان نحمد الله تعالى على كل نتعرض له من مواقف واحداث وابتلاءات وامتحانات .
ان هذه الاركان هي التي تضمن للمسلم ان يكون مؤمناً حين يؤمن بهذه الامور بالإضافة الى ذلك فان هناك مجموعة من الصفات التي تميز المؤمنين والتي سيرد ذكرها ان شاء الله تعالى .
ان للإيمان فوائد وفضائل كبيرة و قد قال الامام ابو جعفر () بعد ان سئل عن قول الله تعالى { انزل الله السكينة في قلوب المؤمنين} :( هو الايمان ، وسئل عن قوله تعالى {وايدهم بروح منه ، قال : هو الايمان).
ان هذا يدل على ان الايمان هو السكينة وان السكينة تأتي مع الايمان وقد قال الامام ابو جعفر () :(السكينة الايمان).
لذا فان سكينة الله تعالى تنزل على عبده حين يؤمن به ويؤمن بما انزله (عز وجل) من رسل ويؤمن بالكتب التي انزلها مع رسله .
وان السبق الى الايمان ذا فضل كبير ، فشتان ما بين من آمن بالله تعالى في بداية الامر حين كان الاسلام في حالة ضعف وبين الذي آمن بعد ان تهيأت الظروف التي تسمح له بأن يكون مؤمناً بالله تعالى كأن يكف اذى المشركين المتواصل وما الى ذلك.
و ان ما يجب ان يقال هو ان الايمان درجات ومنازل ، فليس الجميع في منزلة واحدة فهناك من يتمتع بإيمان عظيم وهناك من يتمتع بإيمان اقل منزلة منه ، وقد قسم الامام علي () الايمان الى اقسام في خطبته الشريفة التي قال فيها :( فمن الايمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب ، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور الى اجل معلوم ، فاذا كانت لكم براءة من احد فقفوه حتى يحضر الموت ، فعند ذلك يقع حد البراءة ، وقد ذكر امر الهجرة فقال :( ان امرنا صعب مستصعب ، لا يحمله الا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان ، ولا يعي حديثنا الا صدور امينة ، واحلام رزينة ).
لقد قسم الامام علي () الايمان الى مراتب .. لا مرتبة واحدة ، فمن المعروف ان كل ما في هذه الحياة متفاوت ومتغاير ومختلف من شخص الى اخر حسب صفة هذا الانسان وما يتمتع به من صفات ومن رجاحة عقل ، وقد اشار الامام () الى ان المؤمنين هم اصحاب الامور الصعبة التي لا يقدر عليها غير المؤمن .
وقد ذكر () ان الشخص المؤمن هو الشخص الممتحن من الله تعالى والذي مر بمجموعة من الاختبارات الالهية التي اهلته ليكون شخصاً مؤمناً بالله تعالى يسلم امره له في كل وقت وحين .
{الانبياء والرسل}
لقد اقتضت حكمة الله تعالى وقدرته ان يخلق البشر وان يدخلهم في مجموعة من الاختبارات التي يخوضونها في حياتهم التي يعيشونها ، فان كل لحظة قد تكون لحظة اختبار من الله تعالى لعبده ، وبالتالي فان العبد عليه ان يلتزم بجملة من الامور التي يحث الله تعالى عليها والتي بينها انبياءه ورسله الذين ارسلهم رحمة للعباد ، فقد اصطفى الله تعالى عدداً من الاشخاص الذين فضلهم على غيرهم من الناس من الذين يتمتعون بصفات جليلة وعظيمة ، ومن يمتلكون علماً الهياً انزله الله تعالى على قلوبهم كما انزل سكينته عليهم حين اختارهم واجتباهم لتأدية واجب عظيم الا وهو نشر الدين الاسلامي وتبيين قدرة الله تعالى وانه احق بالعبادة ممن سواه من الارباب الذي لم ينزل الله بهم من سلطان والذين لا تصل قدرتهم الى قدرة الذبابة فما بالك بقدرة الله تعالى ، لذا فان الله تعالى قد اختار مجموعة من البشر الذين شملهم برحمته ليكونوا مبشرين ومنذرين ، وقد ارسل الله تعالى هؤلاء الرسل وهم من البشر فلم ينزل الملائكة ليكونوا انبياءاً او رسلاً ، حيث انه (عز وجل) اراد ان يكون الخاطب والمخاطب من مستوى واحد .. والقصد بالمستوى هو بعض من القدرات وبعض الصفات المشتركة كأن نقول ان النبي والرسول له اذنان وعينان وانف وفم كالذي يمتلكه الشخص العادي وانهم (عليهم السلام) ينامون ويأكلون ويشربون كما نشرب نحن ، لكي لا تكون حجة العباد ان ارسل الله تعالى ملائكة الى الارض ان يا رب هؤلاء ملائكة ونحن بشر وشتان ما بين الاثنين ، فارسل الله تعالى بشراً ليبلغوا الناس رسالة الرحمن لتتم حينها حجته عليهم ، ولكي لا تقوم للمشككين والمعاندين قائمة ، وعندما ارسل الله تعالى الانبياء والرسل ارسلهم ولكل منهم رسالة محملة الى قوم معين حيث ان واجبه هو ابلاغهم كلام الله وانه (عز وجل) هو الواحد القهار وانهم سيحاسبون من قبله (عز اسمه) وان يقولوا انهم رسل رب العالمين ، وان الانبياء والرسل هم احدى الدعائم التي رفع الله تعالى بها هذا الدين وجعله عالياً وسامياً ، فهم المبلغون لكلام الله تعالى ، لذا فان دورهم في ارساء كلمة هذا الدين واعطاءه هذا القوام والشكل هو دور كبير وتظهر فائدته بشكل واضح وجلي .
وكما قلنا فان الله تعالى قد ارسل كل نبي ورسول الى قرية معينة ولكنه (عز وجل) ارسل النبي محمداً (صلى الله عليه واله وسلم) الى البشرية جمعاء ليكون خاتماً لأنبيائه ورسله .
وان مما يجب الاشارة اليه هو ان مقام الانبياء مختلف على حسب الابتلاءات التي يمر بها ذلك النبي ، او حسب ما يقوم به او شمولية رسالته الى الناس .
لقد دلت الروايات على ان عدد الانبياء والرسل الذين ارسلهم الله تعالى قد بلغ مئة وعشرين الف نبي ، وقد اشارت بعض الروايات الى ان عددهم قد بلغ مئة واربعين الف نبي وقد قال البعض ان عددهم هو مئة واربع وعشرون نبياً ، ولكن الارجح هو ان عددهم هو مئة وعشرين الفاً او مئة واربعاً وعشرين الف نبي ومرسل .
وقد قال النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ان عدد الانبياء العظماء هو ثمانية الاف نبي ، واما عد المرسلين فهو 313 مرسل ، وقد اشارت الروايات الى ان عدد الاوصياء هو مئة وعشرن الف نبي او مئة واربعاً وعشرون الف نبي .
ان انبياء الله هم صفوة عباده وان اختيارهم لم يأتي اعتباطاً وانما اختارهم الله تعالى قبل ان يولد اباؤهم واجدادهم وان مما يجب الاشارة اليه هو ان هؤلاء الانبياء والمرسلين قد حظوا بوالدين عظيمين ومهيأين ليكون ابنهما احد انبياء الله تعالى الذين يرسلهم الى عباده ، فان الله تعالى يهيئهم ليكون هؤلاء الانبياء منحدرين من نسل طاهر وموحِد لله تعالى .
ويجب الاشارة الى ان لكل نبي من هؤلاء الانبياء معجزة يختص بها لتكون حجة دامغة على قدرة الله تعالى ، فنرى ان النبي عيسى له القدرة على احياء الموتى بإذن الله وشفاء المرضى ، بالإضافة الى عصا موسى (عليهم وعلى نبينا و اله السلام)، وكذلك معجزة الاسلام والنبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الا وهي القرآن الكريم الذي بقي محفوظاً من التزوير والتلاعب من قبل الايادي الخبيثة التي حرفت الكتب التي ارسل بها انبياء اولي العزم وهي التوراة والانجيل والزبور ، لذا فان لكل نبي معجزة يستطيع اظهارها والقيام بها بإذن الله تعالى ، كقدرة سيدنا عيسى على احياء الموتى ... فهذه القدرة هي قدرة ربانية ولا يستطيع النبي عيسى ان يحيي الموتى الا بإذن الله تعالى اي ان النبي عيسى ليست له القدرة على احياء الموتى من دون الله (عز وجل) لان الانبياء عبيد لله كما نحن تماماً ولكن لكل منزلته الخاصة به ، حيث انهم مماثلون لنا وليس كما قال البعض عنهم .. حيث قال المسيح بأن عيسى ابن الله تعالى ... وهذا الامر يعد كفراً بصفات الله تعالى فقد عرفنا انه الواحد الصمد الذي لا صاحبة له ولا ولد ، وان تأليه الانبياء هو كفر بذات الله ايضاً فنحن كما قلنا سابقاً ان الانبياء هم عباد الله وليسوا ارباباً علينا او على غيرنا فليس هناك سوى رب واحد وهو الله (سبحانه وتعالى) .
ان هؤلاء الانبياء والمرسلون هم المطبقون لأوامر الله على ارض الواقع وهم بمثابة قرآن ناطق ومتحرك فهم ينفذون اوامر الله تعالى فيأتمرون بأوامره وينتهون عن ما نهى عنه ، فنجد انهم (عليهم وعلى نبينا واله افضل الصلاة والسلام) يتحلون بأخلاق حميدة فهم تربية الله تعالى ، ونرى انهم قد ادوا حقوق الله وعباده على اتم واكمل وجه .
وان عقيدتنا في النبوة تقول : ان النبي بشر مثلنا ولكنه معصوم في تصرفاته واقواله وانه لا يسهو ولا ينسى ولا يخطئ وانه غير معرض لعوارض الامراض وما ينتج عنها من هذيان او ما ينتج من نتائج السحر ، وانهم يقولون حقاً في نومهم ويقظتهم وفي فرحهم وفي غضبهم وفي صحتهم وفي مرضهم ايضاً ، فهم رسل الله تعالى الينا ولا يعقل ان يكون النبي معرض للخطأ والا فما الذي يضمن لنا انه لم يخطئ في نشر الدعوة كأن يخطأ في حكم من الاحكام ، وان ان لا يبلغ الناس امراً من اوامر الله تعالى ، وان كلامنا هذا يستند الى الآية الكريمة التي تقول عن نبي الإنسانية محمد (صلى الله عليه واله وسلم) :{وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى}.
اي انه (صلى الله عليه واله وسلم) لا يتكلم او يتصرف من عند نفسه وانما كل افعاله هي تنفيذ حرفي للوحي من عند الله تعالى .
وان مما يجب الاشارة اليه هو ان الله تعالى قد فضل بعض الانبياء والرسل على بعض ، كل حسب الابتلاءات والاختبارات التي تعرض لها او الكرامات التي حظي بها كما اسلفنا ، فان لكل شيء مستويات متفاوتة .. كذلك الانبياء والرسل فلكل منهم منزلة خاصة به .. بدلالة قول القرآن الكريم :{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات}.
وان الله تعالى قد صرح بهذا الامر بشكل اكبر واكثر وضوحاً في الآية الكريم التي تقول :{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض}.
وفي هذه الآية الكريمة دليل على تصريح بأن الانبياء ذوو منازل ودرجات مختلفة في الدنيا والاخرة.
وان الآيات القرآنية التي تدل على ان الناس درجات كثيرة منها قوله تعالى : :{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة اكبر درجات واكبر تفضيلاً}.
وكذلك مجموعة من الآيات القرآنية الاخرى منها قوله تعالى :{هم درجات عند الله}.
وقوله تعالى :{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات}.
وقال الامام الصادق () :( ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عبداً قبل ان يتخذه نبياً ،وان الله اتخذه نبياً قبل ان يتخذه رسولاً ، وان الله اتخذه رسولاً قبل ان يتخذه خليلاً ، وان الله اتخذه خليلاً قبل ان يجعله اماماً ، فلما جمع له الاشياء قال :{اني جاعلك للناس اماماً} ، قال : فمن عظمها في عيم ابراهيم قال :{ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} قال : لا يكون السفيه امام المتقي).
ان هذا الاكم يبين لنا ان لكل نبي منزلة ومرتبة لأنه يمر بمجموعة من الصفات والتسميات التي توصله الى تلك المرتبة التي يتمتع بها ، وقد بين لنا هذا الحديث ان الرسالة اعظم من النبوة وان الامام اعظم من كل تلك الصفات والتسميات المختلفة التي بينها الامام الصادق () .
وكذلك قال الامام الصادق () في موضع آخر :( الانبياء والمرسلون على اربع طبقات : فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها ، ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ، ولم يبعث الى احد وعليه امام مثل ما كان ابراهيم على لوط ()، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك ، وقد ارسل الى طائفة قلوا او كثروا ، كيونس ، قال الله ليونس :{ وارسلناه الى مائة الف او يزيدون}قال : يزيدون ثلاثين الفاً وعليهم امام ، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو امام مثل اولي العزم ، وقد كان ابراهيم ()نبياً وليس بإمام حتى قال الله :{اني جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}من عبد صنما او وثنا لا يكون اماماً ).
ان في كلام الامام الصادق هذا تصنيفاً للأنبياء (عليهم السلام) وتبيينا بأنهم على مراتب ومنازل مختلفة .
ان منزلة البشر بشكل عام تعتمد على افعالهم التي قاموا بها وبما ان الانبياء هم بشر مثلنا فهذا يدل على ان لكل منهم عملاً يفضل به على غيره من الانبياء وقد قال الله تعالى :{الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله}.
وكذلك قوله (عز وجل) :{ذلك بأنهم لا يصيبهم نصب ولا ظمأٌ ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً الا كتب لهم به عمل صالح}.
لذا فان لكل شخص عمل ما يعاقب او يكافأ عليه وللأنبياء افضال تختلف فيما بينهم الامر الذي يؤدي الى تفاوت مراتبهم ومنزلتهم عند الله تعالى ولكنهم في نهاية الامر انبياء مرسلون من عند الله تعالى .
{الاسلام دين التسامح والوئام}
لقد بعث الله تعالى الانبياء والرسل من اجل نشر الدين الاسلامي كما اسلفنا ، وان هذا الدين هو دين تسامح وحب وتعاون ووئام ، فهو ليس دين تقييد الحريات بل هو دين التمتع بهذه الحريات لأنها بكل بساطة حرية يجب ان يتمتع الانسان بها ولكن ضمن نطاق محدود ومسيطر عليه وحسب ما يقتضيه العقل وبما يساعد على تنظيم حياة الانسان بالشكل الذي يساهم في تقدمه ورقيه ، و قد حث الدين الاسلامي الحنيف على مجموعة من الصفات والثوابت التي يجب ان يعرفها سكان العالم اجمع منها تحقيق الحب والوئام ونبذ الكراهية والبغضاء والتي من شأنها ان تفسد المجتمع وتجر افراده الى نزاعات لا توصف سوى انها تنم عن جهل بكل الامور ، فمن المعلوم ان الاسلام قد حث على كل ما من شأنه ان يساهم في تقدم المجتمع بل ان التقدم لا يتم الا بالعمل على وفق هذه الثوابت والاعمال الاسلامية والتي لا يطبقها عدد كبير من المسلمين في ارجاء العالم للاسف ، ومن المعروف ان الصفات الحميدة هي التي تحرز التقدم والبناء الصحيح والقوي للمجتمع بحيث يكون المجتمع قوياً وذا اساس قوي رصين .
ومن الامور التي حث عليها الدين الاسلامي بلسان الانبياء والمرسلين او عن طريق القرآن الكريم او عبر ائمة الهدى هي ان لكل فرد من افراد المجتمع حرية اختيار الدين الذي يراه احق باتباعه وله حرية عبادة الرب الذي يتراءى له انه الرب الذي يستحق العبادة دون الاخرين وخير دليل على ذلك هو الصلح الذي عقده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مع يهود المدينة والذي نقضه اليهود في النهاية .. الامر الذي ادى الى طردهم من المدينة من قبل رسول الله بسبب نقضهم لعهدهم ، وان مغزى الكلام هو ان رسول الله الذي ارسله الله تعالى ليبلغ الناس برسالة الاسلام لم يمانع العيش مع اليهود في نفس المدينة الامر الذي تفتقده الكثير من الاديان الاخرى التي تعتمد على اساس ضعيف لا اصل له ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم {لا اكراه في الدين}.
بالإضافة الى ذلك فقد حث الاسلام على شيوع مبدأ الشورى والتشاور في جميع الامور مع الاشخاص الذين يخصهم الامر والذي يستطيعون المساهمة في ايجاد حل لكل مشكلة تطرأ على المسلمين ، فان مبدأ المشاورة هو اصل النجاح والتقدم وهو اساس لكل خير في المجتمع ، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم {وامرهم شورى بينهم} وان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هو قرآن ناطق وتطبيق للقرآن الكريم لذا نجد انه قد شاور المسلمين في كثير من المواقف التي مر بها المسلمون في مسيرتهم الخالدة والتي افنوا حياتهم في سبيلها ، وخير دليل عليها هو مشاورة رسول الله المسلمين في معركة الخندق (الاحزاب) وقد اختلفت فيها آراء المسلمين حول الحل للمشكلة التي طرأت آنذاك الى ان وصل الامر برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ان يستمع الى مشورة سلمان المحمدي الذي اقترح حفر الخندق ، فحصد المسلمون الانتصار بفضل حفرهم للخندق وشجاعة الامام علي () ، لقد امر الله تعالى رسوله الكريم ان يشاور المسلمين في كل شيء ، بالإضافة الى ان فيه امراً لنا نحن ايضاً يدعونا الى التشاور حين قال (عز وجل) :{وشاورهم في الامر}.
بالإضافة الى كل هذا فقد حث الاسلام على جملة من الامور الاخرى ومنها تطبيق مبدأ العدالة والمساواة بين الناس ، فالإسلام بمبادئه واسسه لا يفرق بين مسلم وكافر وبين رجل وامرأة وبين شيخ وطفل وبين عالم وجاهل في الحقوق والواجبات فيطبق مبدأ العدل والمساواة بينهم جميعاً ، فالأمر الوحيد الذي قد يفرق بين شخص وآخر او بالأحرى مسلم وآخر هو التقوى وعبادة الله تعالى ، فليس الامر كما كان يعتقد بعض الاشخاص الذين كانوا يفاضلون بين الناس حسب الانساب وغيرها من الامور الاخرى التي لا يتحقق فيها اي عدل او مساواة في الحقوق او الواجبات التي تقع على الناس جميعاً .
ومن ثم حث الاسلام على تحقيق الالفة والوئام بين المسلمين فهي كما قلنا من الامور التي تؤمن للمجتمع التقدم الايجابي الذي يمكن ان يحدث فرقاً في مفاهيم المجتمع العلمية والثقافية والاخلاقية .
وكذلك حث الاسلام على المؤاخاة بين المسلمين الامر الذي طبقه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بشكل جلي حين آخى بين المهاجرين والنصارى لكي ينمي روح الاخوة والتعاون وحب المساعدة ، فآخى بينه وبين الامام علي () ، لان مبدأ الاخوة من المبادئ التي من شأنها ان ترفع من قيمة المجتمعات ، وان الانسان بطبعه يميل الى اقامة العلاقات ووصل الارحام لذا قام الدين الاسلامي بتنمية هذه المبادئ والسعي لنشر هذه المفاهيم الانسانية والتي ان دلت على شيء فهي تدل على ان الشخص الذي يقوم بها هو انسان يحترم انسانيته ويقدر خلق الله تعالى وما هو عليه فيضع نفسه مكان من يراه محتاجاً لمساعدته فيساعده بقلب رؤوف ورحيم ، ومقتدياً برسول الامة (صلى الله عليه واله وسلم) ، وان من الآيات التي حثت على التآخي قوله تعالى في سورة الحجرات :{انما المؤمنون اخوة} ، لذا فان من صفات الانسان المؤمن هو انه يسعى للتآخي مع الافراد الصالحين من مجتمعه ، وقد حث الله تعالى على التآخي وعدم الفرق حين قال (عز وجل) في القرآن الكريم :{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} ليتبين لنا شيء آخر هو ان الله تعالى هو اساس الخير وانه (عز اسمه) يرشدنا الى طريق الصواب والصحة وان من يتمسك بحبله المتين القائم على اساس القيام بما يأمر به والنهي عن ما نهى عنه هو الناجي الوحيد من هذه المعمعة التي تجري في حياتنا .
بالإضافة كل ذلك فان الاسلام قد حث على جملة من الامور الاخرى والكثيرة والتي سيطول بنا الحديث ان ذكرناها جميعاً ، وبالمقابل فقد نهى الدين الاسلامي عن مجموعة من الامور التي تخالف ما حث عليه بالتأكيد والتي يجب علينا اجتنابها لنكون من المتمسكين بحبل الله المتين .
{من هو المسلم؟}
ان المسلم بطبيعة الحال هو الشخص الذي يعبد الله تعالى ويؤمن به وبما جاء به الانبياء والمرسلون ، ونطق بالشهادتين اللتين تدخلانه الى كنف الدين الاسلامي الحنيف ، ان من يسلم وجهه لله تعالى هو انسان مسلم ، فيفوض له كافة اموره التي تتعلق به وبما يدور حوله وبمن يحيطونه وبما يجري معه من حوادث ، ان الشخص المسلم هو من يصدق اركان الاسلام ويطبقها كما هي تماماً من دون ان ينقص شيئاً او يزيد ، فهو الشخص الذي يؤدي صلاته وزكاته على اتم وجه ويصوم شهر رمضان منيباً لله تعالى ، فيطلب المسلم رضا ربه في كل فعل يقوم به ويرجوا منه المسامحة على اخطائه التي يرتكبها .
ان معنى الاسلام يختلف كثيراً عن معنى الايمان ، فالإنسان المؤمن لتمتع بصفات تميزه كثيراً عن المسلم الذي يتحلى بصفات اخرى قد تزيد او تنقص ، لان لكل منهما منزلة ودرجة عند الله تعالى ، وقد بين القرآن الكريم ان هناك اختلافاً بين المسلم والمؤمن ، حين قال تعالى :{قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا}.
ان هذه الآية الكريمة تدل على ان هناك فرقاً كبيراً بين المسلم والمؤمن .
وكذلك يجب ان يتم الاشارة الى ان الايمان مصحوب بالإسلام ، ولكن الاسلام غير مصحوب بالإيمان ، اي يجب ان يكون الشخص المؤمن مسلماً فهو امر بديهي لا نقاش فيه ، ولكن ليس بالضرورة ان يكون الانسان المسلم مؤمناً ، وقد دل على هذا الامر مجموعة من الاحاديث منها قول الامام الصادق () :( ان الايمان يشارك الاسلام ولا يشاركه الاسلام ، ان الايمان ما وقر في القلوب ، والاسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء ، والايمان يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان ) .
وكذلك قوله () :( ان الايمان يشارك الاسلام والاسلام لا يشارك الايمان ، فقال سماعة : فصفها لي ، فقال : الاسلام شهادة ان لا الاه الا الله والتصديق برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ، والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الاسلام وما ظهر من العمل به ، والايمان ارفع من الاسلام بدرجة ، ان الايمان يشارك الاسلام في الظاهر ، والاسلام لا يشارك الايمان في الباطن ، وان اجتمعا في القول والصفة).
ان هذين الحديثين يضعان لنا خطوطاً عريضة للتمييز فيما بين الاسلام والايمان وفيما بين الشخص المسلم والشخص المؤمن .
{ظلامة المسلمين}
من المعروف ان الحق واهله محاربون من كل حدب وصوب وهم يتلقون العداء في كل مكان وزمان ومهما كان الموقف المتخذ من قبلهم ، وبطبيعة الحال فان الاسلام يمثل تياراً صحيحاً قائم على اساس العدل والمساواة واقامة الحق بين الناس ، الامر الذي يثير في قلوب المعادين غيظاً شديداً يدفعهم لإلحاق الاذى بالمسلمين ، فان الباطل بمبادئه لا يترك حقاً يستشري وينتشر بين الناس فهو يسعى دائماً من خلال الادوات التي يمتلكها الى نشر الباطل في الامم والمجتمعات المختلفة .
ان المسلمين محاربون من قبل كل الاطراف ، تلك التي يغيظها كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين فنرى انهم يشهرون العداء ضد المسلمين ، وان اكبر عداء للإسلام والمسلمين متمثل في بغض اليهود وحقدهم للإسلام ولرسالة الحق الالهية التي بذل من اجلها العديد من الناس ارواحهم ، فنرى انهم في الوقت الحاضر يحتلون الارض المقدسة في فلسطين ونرى انهم يسيطرون على المسجد الاقصى الذي كان قبلة المسلمين وما يزال معلماً من معالم الدين الاسلامي التي يفتخر بها على مر التأريخ ، لذا فقد مارس اليهود عملهم المتمثل بمحاولة القضاء على الاسلام والمسلمين بسيطرتهم تلك ونرى انهم يشنون غارات عديدة على اناس فلسطينيين عزل لم يفعلوا شيئاً سوى انهم طالبوا ويطالبون بحقوقهم التي انتزعت منهم غصباً وظلماً ، والكل يعلم بمساعيهم لإقامة دولة ثابتة لهم في القدس المحتلة ويمارسون نوعاً من الترهيب المتمثل بمحاولتهم صناعة سلاح نووي يهيمنون بواسطته على كل الاوساط سواء كانت عربية ام عالمية ، ونرى كل يوم مؤامرة من مؤامراتهم الخبيثة التي ترمي الى زرع روح الصراع و التنازع والفرقة بين المسلمين بما يجري من عمل حثيث ومنظم في سبيل القضاء على المسلمين حيث نرى ما يحدث في الاوساط العربية من مشاكل تلك التي من شأنها نزع روح الفرقة والنزاع بين المسلمين .
ان افعال اليهود هذه تذكرنا بأفعال آباءهم واجدادهم مع المسلمين فنحن نتذكر نقضهم للوعود والعهود التي اتفقوا عليها مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، ومحاولاتهم الرامية آنذاك الى اضعاف دولة الاسلام ومحاولة القضاء عليها ، فقد كانوا يتحينون الفرص للقضاء على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وخياناتهم خير دليل على ذلك فقد قاموا بالكثير من الاعمال الرامية الى القضاء على الاسلام والمسلمين لأنه شكل لهم مشكلة على مر العصور والازمان ، لذا فقد امتد عدائهم للإسلام والمسلمين عبر كل هذه العصور والازمان ، ولم يتوانوا في انتهاز الفرص التي حاولت ايذاء المسلمين ولا يزالون يفعلون ذلك لحد الام .
ان ظلامة المسلمين امر يتكرر في زمننا هذا ، فنرى عداء الكفار لحجاب النساء في الدول الغربية وكيف ان بعض الدول منعت النساء من ارتداء الحجاب في الاوساط العامة ، وكذلك قيام القس الكافر بحرق القرآن الكريم الذي يدل على بغض و حقد كبيرين ، لذا فان العداء ضد المسلمين هو عداء ازلي يتجدد مع تجدد الاجيال .
{من هو المؤمن وما صفاته ؟}
لقد بينا في حديثنا السابق ان الشخص المؤمن يختلف عن المسلم في امور كثيرة ومن نواح عدة ، وان الشخص المؤمن هو الذي يؤمن بالله تعالى وبملائكته ورسله وبما جاءوا به من الحكم والشرائع الربانية ، ان الايمان على درجات اوردها الامام الصادق () حين قال :( ا ن الله تعالى وضع الايمان على سبعة اسهم ، على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم ، ثم قسم ذلك بين الناس ، فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كاملٌ ، محتمل ، وقسم لبعض الناس السهم ، ولبعضٍ السهمين ، ولبعضٍ الثلاثة ، حتى انتهوا الى السبعة ، ثم قال : لا تحملوا على صاحب السهم سهمين ، ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهظوهم ثم قال كذلك حتى ينتهي الى السبعة ).
ان هذا الحديث يدل على ان الايمان على درجات واكمل المؤمنين ايماناً هو الذي يمتلك سبعة اسهم على حسب ما ورد عن الامام الصادق () ، وان كل ما في هذه الحياة مقسم الى درجات ومتفاوت في صفاته حيث تختلف فيما بينها كقول البعض ان العافية درجات فان الايمان درجات ايضاً ، ولقد اشرنا الى ان الايمان افضل من الاسلام وقد قال الامام الصادق () :(ان الايمان افضل من الاسلام ..).
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( اكمل المؤمنين ايماناً احسنهم اخلاقاً الموطؤون اكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ).
ان للمؤمن عدداً كبيراً من الصفات التي يتميز بها عن غير ومنها ما ذكره رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في حديثه ، فعلى المؤمن ان يتمتع بخلق حسن ، وعليه ان يكون محموداً عند الناس فلا يكون مذموماً لمخالفته لله تعالى وما الى ذلك من الامور الاخرى .
لذا فان المؤمن افضل بالتأكيد من المسلم وهو ارفع منزلة منه ، واما صفات المؤمنين فقد اورد بعضها الامام الصادق () في حديثه حين قال :(ينبغي للمؤمن ان يكون فيه ثمان خصال : وقوراً عند الهزاهز ، صبوراً عند البلاء ، شكوراً عند الرخاء ، قانعاً بما رزقه الله ، لا يظلم الاعداء ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة ، ان العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل امير جنوده ، والرفق اخوه ، والبر والده ).
ان في حديث الامام الصادق () امور يجب التوقف عندها والتي تحتاج الى وقفة طويلة ، فعلى كل شخص مؤمن ان يشكر الله تعالى في السراء والضراء وان يقنع بنعم الله تعالى عليه ، ويجب ان يكون عالماً بحق الله وعباده وان يعمل على تأديتها ، و ان الامر المهم والذي يجب الاشارة اليه هو الظلم ، لان الظلم امر عظيم يحاسب الله تعالى الظالم فيعاقبه اشد العقاب ولكن اللافت في حديث الامام الصادق () هو الاشارة الى ظلم العدو فلا يجوز ... انظر ما أجَل الدين الاسلامي وما اجل من يدعون الى السير على صراط الحق المستقيم الذي لا عوج فيه .
وعلى المؤمن ان يحكم عقله في كل ما يسمع ويرى وان يستثمر هذه النعمة الالهية والمتمثلة بهذه الاداة العجيبة التي تمكننا من اتخاذ القرارات التي من شأنها ان تنقذ حياتنا في كثير من الاحيان ، وعلى الانسان المؤمن ان يتمتع بالرفق بمن هو اضعف منه ومن يصغره سناً ومن يحتاج مساعدته ... فيتذكر حينها قدرة الله تعالى عليه وعليه ان يكون براً بوالديه .. الامر الذي حث عليه الله تعالى كثيراً في كتابه الكريم .
وقال الامام علي () :( الايمان له اربعة اركان : التوكل على الله ، وتفويض الامر الى الله ، والرضا بقضاء الله ، والتسليم لأمر الله عز وجل ).
ان هذا الحديث يشير الى اهمية ايمان الانسان بقدرة الله تعالى فان التوكل على الله يدل على ايمان الانسان بان الله تعالى هو القادر على كل شيء وانه صاحب الامر في النهاية وان في يده تدبير امر السماوات والارض ، فيجب ان نفوض الامر اليه وان نرضى بحكمه (عز وجل) مهما كان لأنه صادر من ارحم الراحمين ، ويجب ان نؤمن ان الله تعالى يفعل ذلك من اجلنا .. فقد روي حديث يقول ان الله تعالى يفرح للإنسان حينما يتوب او يكسب حسنة اكثر مما يفرح العبد نفسه .. وهذ دليل على اللطف الالهي .
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لجماعة :( ما بلغ ايمانكم ؟ ، قالوا : الصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والرضا بالقضاء ، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : حلماء علماء كادوا من الفقه ان يكونوا انبياء ، ان كنتم كما تصفون ، فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي اليه ترجعون).
ان ما قاله رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لا يحتاج الى اي تعليق من عندنا وفي نهاية الامر اقول بما ان الايمان درجات فان كل شخص يحصد ثمار عمله الذي عمله في الدنيا وكل له منزلة تنتج عن اعماله الصالح منها والطالح ، و ان الله عادل يحب العدل فلا يؤاخذ احداً الا بما عمل ، وتقع على المؤمن مجموعة من الواجبات التي يجب عليه ان يؤديها كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم السكوت على الظلام وغيرها من الامور التي يجب على الانسان المؤمن ان يتصرف فيما يخصها كما امر الله تعالى بلسان رسول الكريم والائمة الطاهرين او القرآن الكريم .
وقد وردت مجموعة من الروايات التي سنذكرها زيادة للمنفعة منها قول النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) :( ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الايمان ما خلص في القلب وصدقه الاعمال ).
وكذلك قال الامام علي بن ابي طالب () :( قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( الايمان معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالأركان ).
وقد قال الله تعالى في محكــم كتابـــه العزيــــز :{ومـــا تقـــدمـــوا لأنفســكم من خـــــير تجـــدوه عنــــــد الله}.
وقال (عز وجل) ايضاً :{انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً وعلى ربهم يتوكلون }.
وقال تعالى :{آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير }.
وقال تعالى :{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم }.
وقال الله تعالى :{ فمـــن يعمـــل مثقــــال ذرة خــــيراً يـــره ومـــن يعمـــل مثقــــال ذرة شـــراً يـــره}.
والله ولي التوفيق وهو اساس كل خير .
{الاسلام ينتشر !}
ان الاسلام دين ككل الاديان التي يعتقد بها اهل الكرة الارضية وان مما يجدر الاشارة اليه هو ان هذا الدين السماوي الحنيف بدأ بالانتشار حول العالم وقد ازدادت موجة الاستسلام ، وان عدد المسلمين في تزايد حول العالم اجمع ، فقد بدأنا نسمع بدول ليس فيها اي مسلم في وقت سابق وقد افتتحت فيها مساجد وحسينيات واماكن لعبادة الله تعالى وذكره والخشوع له وتفويض امورهم اليه ، وقد بدأ الاسلام ينتشر بصورة كبيرة الامر الذي ادى الى ازدياد نفوس المسلمين حول العالم وقد بدأت بعض المناطق والبلدان تزداد شهرة بعد ان دخل المسلمون اليها فبدأوا يحيون فيها شعائر الدين الاسلامي ، ان هذا الامر بدأ يغيظ المشركين بشكل عام واليهود بشكل خاص .. فقد علمنا ان اليهود يضمرون حقداً دفيناً للإسلام والمسلمين والذي يصبح ظاهراً في اوقات كثيرة ، فهم عدو الاسلام الاول والاخير .. و رغم كل التفضيل الذي ابداه الله تعالى لهم حين نرى كيف فضلهم على جميع الامم وقد صرح (عز وجل) بهذا الامر في آيات عديدة ، الا تعنتهم وتكبرهم ادى بهم الى الانحراف عن طريق الحق والصواب فاتجهوا في اتجاه اخر وانحنوا الى منحناً غير الذي دعا اليه الاسلام ، وان هذا الحقد قد امتد الى بقية المشركين من الذي يؤمنون بوجود الله كالمسيحين ومن غيرهم ايضاً وقد دل على هذا افعالهم التي تمثلت بالرسوم التي قصدت اهانة رسول الله والتشكيك في رسالته الالهية ومحاولة زعزعة ايمان المؤمنين واضعافه في نفسوهم ولكن افعالهم لم تزد المسلمين الا ايماناً فوق ايمانهم ولم تزعزع ثباتهم على عقيدتهم بل زادتهم ثباتاً الى ثباتهم لذا فان تبعات افعالهم هذه انما هي ذات آثار سلبية على من يفعلها ، و لم يقف المسلمون مكتوفي الايدي في اوقات كثيرة ، كقيام مجموعة من المظاهرات التي استنكرت رسم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) برسوم يراد منها الاساءة الى شخصه .
ان عداءهم للإسلام لا يعترف بصغير او كبير ولا برجل او امرأة وان كل المشاكل التي تحصل في محيطنا الاسلامي دليل على ذلك ، وهؤلاء لا يوصفون الا كما وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم حين قال (عزو جل) : {وفي قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً}.
فقد ابتلاهم الله تعالى بهذا الابتلاء ، فان الاسلام سينتشر رغم انوفهم وان هذا الانتشار الواسع انما هو تمهيد لخروج قائم آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) والطلب بثأر جده الامام الحسين () ، فينشر العدل في العالم اجمع ولا يحتاج سوى لستة اشهر لإقامة ذلك ، عندها يسلم كل من على سطح الكرة الارضية لله تعالى فينتشر الاسلام في العالم اجمع ولا يبقى مسيحي او يهودي لا يؤمن بالله تعالى الا من يحارب الامام () والذي سيواجه مصيره المحتوم .
لذا اقول في نهاية حديثي ان الدين الاسلامي هو دين خالد لأنه الدين الذي اختاره الله تعالى لنفسه وحثنا على التحلي بما يحث عليه هذا الدين الحنيف بما يرضيه (عز وجل) ... لذا فان الاسلام باق والمسلمون باقون على مر الازمان والعصور والدهور.
{اسلام القول وكفر الفعل}
لقد قام البعض بالتستر تحت شعار الاسلام وكأن اسم المسلم مجرد مظهر خارجي ، فنرى ان مجتمعاتنا العربية والاسلامية التي كانت تفتخر بأصالتها العربية واخلاقها العالية التي عمل الدين الاسلامي على تنميتها وزيادة نسبة من يؤمن بها لأنها اساس من اسس بناء المجتمعات على اساس علمي صحيح قد بدأت تفقد هذه الاصالة ، لقد قام اليهود بالعمل على غزو البلدان العربية والتي بدأت تتطبع بطباع اليهود والغربيين التي لا تمت للدين الاسلامي بأية صلة من قريب او بعيد ، وانه امر لا استطيع وصفه سوى انه امر مخجل ومخزي وهو وصمة عار في جبين المجتمعات العربية التي كانت تفاخر بقيمها ولكن ما طرأ عليها هو انها فقدت قدرتها على جر الشعوب والامم لتقلدها وفقدت تأثيرها في الاشخاص الذي يطلعون على مبادئها لأنها بدأت تفقد هذه المبادئ شيئاً فشيئاً .
لقد اصبح المجتمع العربي مجتمع تقليد وهو نسخة لمجتمعات الغرب التي بدأت تتسلل الى مجتمعاتنا ، فقد بدأ المسلمون يتركون بعضاً من اسس دينهم تحت عنوان التطور وانهم سيتطورون اذا تخلوا عن هذه المبادئ والاسس ، وان ما يثير العجب هو ان المجتمعات العربية لا تلتفت الا الى توافه الامور التي لا تقدم ولكن قد تؤخر والتي تحدث ضرراً في اجيالنا المتتابعة ، لقد ترك هؤلاء الاشخاص ابواب العلم والتعلم الصحيحة التي تحدث التطور والتقدم واتجهوا الى الامور التي من شأنها ان تفسد مجتمعاتنا والتي قد تثير فيه نوعاً من الفساد الذي لا تحمد عقباه .
ان كل هذه الامور التي تحدث من تشبه الرجال بالنساء والعكس هو مخطط يهودي يهدف الى افقاد الشخص المسلم هويته الاسلامية التي يتميز بها عن غيره لما يتمتع به الشخص المسلم العالم من شخصية قوية وله القدرة والقابلية على اقامة النقاشات والدفاع عن ثوابت دينه ، لذا فان كل هذه الافعال ترمي الى التأثير على ضعاف الشخصيات الذين يحسون بنقص في شخصياتهم والذين يحاولون سد هذا النقص ويظنون انهم يسدون هذا الفراغ والنقص الموجود في شخصياتهم عن طريق افعالهم غير المبررة ابداً ، ان هذا المخطط اليهودي يستشري في الاوساط العربية المسلمة ، فقد فقدت الكثير من المجتمعات العربية شيئاً من اصالتها بما حدث لها ، وكذلك فقد فقدت اسلامها نتيجة لما وصلت اليه من استهتار الاشخاص واستهانتهم بطبيعتهم البشرية وبدأوا يفقدون انسانيتهم شيئاً فشيئاً .
و ان ما يحزننا ويحز في نفوسنا هو ادعاء البعض انهم مسلمون متمسكون بتعاليم دينهم رغم انهم لا يطبقون امراً واحداً من اوامر الله تعالى .. فترى احدهم كلما تكلم جملتين ذكر الله تعالى ، وان ما يثير العجب هو ان موضوع الحديث لا يربطه بالله تعالى اي رابط ، فما رجاءنا من اشخاص كهؤلاء جهلوا حقهم وحق الله عليهم اولئك الذين جهلوا وادعوا العلم فأصبح جهلهم جهلاً مركباً وهو ابشع انواع الجهل واقبحها.
وليس في يدنا شيء سوى ان ندعوا لمن انعطف في منعطف ابعده عن دينه بالهداية الى طريق الصواب الذي دعا الله تعالى الى السير فيه لضمان النجاة واجتياز الاختبارات بنجاح ، وعلينا ان نحصن انفسنا من كل هذه الامور التي بدأت تستشري في مجتمعاتنا والتي بدأت تشكل خطراً يهدد الإسلام والمسلمين .
{الخاتمة}
اود في نهاية هذا الكتاب ان اقول ان الله تعالى ارفع واسمى واجل و اعظم من ان نصفه نحن البشر ، ولكننا نأمل ان نحقق بوصفنا هذا القرب والتقرب منه عز وجل فنحن في نهاية الامر ونتمنى ان نكون ممن يضلهم الله تعالى بظله يوم لا ظل الا ظله ، وكذلك نحاول تبيين بعض الجوانب المتعلقة بالله تعالى وبهذا الدين الحنيف الذي ارسله الله تعالى رحمة الى عباده ففيه تكريمهم وتفضيلهم على غيرهم من بني البشر ، ولن يكون الانسان انساناً ان لم يكن مسلماً يطبق اوامر الله تعالى وينتهي عن نواهيه ، وارجوا ان يوفقنا الله تعالى لنؤدي الواجبات التي فرضها (عز وجل) علينا وان يساعدنا على تأدية حقوقه وحقوق عباده التي سنحاسب في ذلك اليوم العظيم عليها وسنعاقب ان لم نؤدها كما امر (عز اسمه) ، واتمنى من الله تعالى ان يتقبل منا صالح الاعمال وان يجعلنا من السائرين على نهج نبيه محمد وال بيته الطيبين الطاهرين .
كتابة وتأليف : محمد عباس خلف لامي التميمي
طالب في المرحلة الاعدادية .. من مواليد 1996
تمت الكتابة عام 1433هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
لقد كرم الله تعالى البشر حين خلقهم بهذه الهيأة وبهذه الصورة الجميلة وجعلهم افضل مخلوقاته على سطح الارض ، فنصبهم اسياداً على كافة المخلوقات الاخرى ، وان الله عز وجل بحكمته لا يترك شيئاً ناقصاً وانما يكمله من كافة النواحي فزاد تكريم البشر واصبحت صورتهم اجمل واكمل بالدين الاسلامي الذي اعطى للإنسان قيمة اكبر ، فالإنسان مفكر بطبعه و فسلجته وحين امر الله تعالى الانسان بعبادته جعل له عقلاً يميز بواسطته بين الخير والشر وبين الصالح والطالح وبين الخطأ والصواب وبين الكثير من الامور الاخرى ، فجعل الله تعالى الانسان مخيراً بين ان يعبد الله تعالى او ان يُذل نفسه بعبادته لمن لا يستحق العبادة ، ولكن لكل منها ثمن فمنزلة المسلم اعظم واجلى واسمى وارفع من منزلة الكافر بالله تعالى ، لذى فان الاسلام والايمان بالله تعالى بمثابة حبل النجاة والخط المستقيم الذي يقودنا الى التقرب من الله تعالى ونيل اعلى الدرجات في دار الاخرة .
ان الاسلام دين يحث الانسان على التسامح والحب والتواد والتعاون وكل ما من شأنه ان يرفع منزلة البشر في الدنيا والاخرة وكل ما يجعل الانسان يتقدم في حياته ، وبالتالي يزداد قرباً من الله تعالى ، ان الدين الاسلامي ليس دين تكفير او تهجير او ارهاب او قمع او ظلم بل هو دين يحث الانسان على الابتعاد عن مثل هذه الممارسات التي تضر بالفرد والمجتمع والتي تنمي روح العداوة والبغضاء التي يحذر منها الاسلام ، ومن الجدير بالذكر ان الاسلام ليس دين اقامة العوائق والعراقيل والتأسيس لها ... تلك التي تحول بين الانسان وسعادته بل العكس صحيح تماماً فهو الداعي الى رفع كل العوائق والعراقيل التي تحول دون ان يمارس الانسان حياته بصورة جيدة وكريمة ، كما ان سعادة الانسان تتجلى في الاسلام والمسلمين لان الاسلام يعطي الانسان منزلته اللائقة به والتي تروق له .
ان المفاهيم تختلف بين الدين الاسلامي وبقية الاديان الاخرى التي ترى في الاستهتار والفوضى حرية للإنسان بينما يقوم الدين الاسلامي بتنظيم حياة الفرد والمجتمع ويرشده الى كيفية التعامل مع الافراد والمجتمع الذي يحيط به بالشكل الذي يكرم الانسان ويرفع من شأنه ، لقد احل الله تعالى في دينه الحنيف اموراً كثيرة وحرم اموراً اخرى ايضاً وان حكمة التحليل والتحريم تتمثل في ان الانسان مخلوق رفيع المنزلة له عقل يفكر به ويعيش حياة تختلف عن حياة بقية المخلوقات لذا لا يجب عليه ان يعيش حياة البهائم .. فيتصرف مثلها في كثير من افعالها التي تتميز بها البهائم ، فيعمل على تأدية واجباته والتمتع بحلال الله وتجنب حرام الله تعالى الذي نهانا عنها في مواضع عديدة.
ان في التحليل والتحريم اختبار للإنسان باعتبار انه عاقل كما قلنا وله عقل يستطيع بواسطته التمييز بين الخطأ والصواب ، فقد خلقنا الله تعالى من اجل اهداف عدة منها بيان قدرته (عز وجل) ، وكذلك عبادته فهو لم يخلقنا من اجل ان نعيش كالبهائم التي تعيش في فوضى يحكم قانون الغاب فيها ، لذا فان الاسلام دين يرفع من منزلة الانسان ويكرمه ويعطيه الحرية المناسبة والملائمة فلا تكون استهتاراً ولا تقييداً له او لفعالياته .
لقد قال امير المؤمنين في خطبة له في نهج البلاغة :( ان هذا الاسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه ، واصطنعه على عينه ، واضفاه خير خلقه ، واقام دعائمه على محبته اذل الاديان بعزته ، ووضع الملل برفعه ، واهان اعداءه بكرامته ، وخذل محاديه بنصره ، وهدم اركان الضلالة بركنه ، وسقى من عطش من حياضه ، واتأق الحياض بمواتحه ، ثم جعله لا انفصام لعروته ، ولا فك لحلقته ، ولا انهدام لأساسه ، ولا زوال لدعائمه ، ولا انقلاع لشجرته ...).
ان الدين الاسلامي يشد الانسان اليه بما فيه من مفاهيم جميلة ورائعة تتجلى في الانسان المسلم الذي يلتزم بأوامر الله تعالى وينتهي عن نواهيه ، لذا فقد شدنا هذا الدين الحنيف الى ان نكتب عنه كتاباً يتناول بعضاً من الجوانب التي يتمحور الاسلام حولها ... والله ولي التوفيق .
{التوحيد}
لقد قلنا ان الله تعالى قد خلقنا من اجل مجموعة من الاهداف منها تبيين قدرته (عز وجل) على الخلق وعلى احياء الناس واماتتهم ، لذا فان الله تعالى يريد منا ان نكون عبيداً له (عز وجل) وان نؤمن بوحدانيته وانه لا يوجد له شريك في الملك وانه (عز وجل) لا زوج له ولا ولد وانه لم يلد ولم يولد بقوله (عز وجل) في محكم كتابه العزيز :{قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم ويولد ولم يكن له كفواً أحد} ، مما يدل على وحدانيته وقدرته وقوته وجبروته (عز وجل) ، وان مفهومنا في الوحدانية والتوحيد يعطي الله تعالى صورته التي وصف بها نفسه في القرآن الكريم المفهوم الذي يختلف عن مفاهيم بعض الاشخاص الذين يصورون الله تعالى بصور لم يصف بها الله تعالى نفسه .
وان الله تعالى ليس كمثله شيء في السماوات ولا في الارض ولا يستطيع احد ان يصوره (عز وجل) بصورة ولا يستطيع ان يهيئه بهيأة فهو اجلى واعظم من ان يوصف فلا تدركه العقول كما قال امامنا ابا جعفر () :( ... ما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الاوهام ، كيف تدركه الاوهام وهو خلاف ما يعقل ، وخلاف ما يتصور في الاوهام ؟...).
وان مما يجب الاشارة اليه هو ان الله عز وجل لا يوصف بأنه شيء ، لان الشيء يُحد بحد فاصل ولكن الله (عز وجل) لا يحده حد ابداً ، أي انه اجلى وارفع واعظم من الشيء لأنه (عز وجل) ذا قدرة لا متناهية .
وان ادنى المعرفة بالله تعالى هو ان نقول انه لا اله غيره وانه لا شبه له ولا نظير وانه قديم فيفنى كل من على الارض ويبقى الله عز وجل .
متى كان الله (عز وجل) ؟:
قد يخطر هذا السؤال في بال احد ما وهو متى كان الله (عز وجل) ؟ ، والجواب هو ان الله تعالى موجود قبل الوجود وانه كان قبل الكون والكونية وانه (عز وجل) متى لم يكن حتى يكون ؟! ، بدلالة قول ابا جعفر () حين قال بعد ان سئل هذا السؤال :( متى لم يكن حتى اخبرك متى كان ، سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً).
وكما قلنا فان الله (عز وجل) لم يكن غير موجود حتى يكون ويصبح له وجود فهو الباقي والصمد الذي له ملك السماوات والارض .
وقد سئل الامام الرضا () : متى كان الله وكيف كان وعلى ماذا كان اعتماده ؟.
فقال الامام () :( ان الله تبارك وتعالى اين الاين بلا اين ، وكيف الكيف بلا كيف ، وكان اعتماده على قدرته ).
لذا فان الله تعالى لا يؤين ولا يكيف فهو الذي جعل لهذه الامور والمفاهيم وجوداً .
ان كونية شخص ما تدل على ان هذا الشخص لم يكن فتكون مع الزمن ولكن الله تعالى كّون الكون بما فيه فهو الذي كان ولا يزال حياً يحيي ويميت ويبعث ويحاسب.
اين الله (عز وجل) ؟:
عندما يسأل احد ما هذا السؤال فان الاجابة تقول ان الله تعالى في كل مكان فهو ليس بشيء يأخذ حيزاً ويحجز بحاجز وله حد يحده ويهيئه ويجعل له صورة ، وان ما يذهب اليه البعض في ان الله تعالى موجود في مكان معين هو امر خاطئ فقد اتجه البعض الى القول ان الله (عز وجل) يكون موجوداً حين يدعوه عبده وهذا الامر منافٍ للعقل فمن المعروف ان الارض كروية او شبه كروية ، فاذا افترضنا ان احداً دعا الله تعالى في الجزء الاسفل من الكرة الارض وكان هناك عبد يدعوه في الجزء الاعلى من الكرة الارضية فأين سيكون الله تعالى ؟ ، ان هذا القول يدل على جهل بالله تعالى وبكونه ليس كمثله شيء ، فه موجود في كل مكان من اماكن هذا الكون الوسيع الذي ابتدعه الله تعالى في مدة وجيزة ، اون الله تعالى موجود في كل مكان وحين ، فهو يرانا ويسمعنا دائماً واينما كنا.
هل نستطيع رؤية الله تعالى ؟:
ان رؤية الله تعالى امر مستحيل ولم ولن يرى احد الله تعالى فهو اعلى من ان تدركه عقولنا ، وقد قال الامام ابا عبد الله () حين سئل عن ما اذا كان قد رأى الله تعالى :( ويلك ما كنت اعبد رباً لم اره ، قيل : وكيف رأيته ؟. قال () :ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ).
ان هذا الحديث دليل على ان الله تعالى اسمى واجلى من ان يراه الانسان وقد قال الامام علي () حين سئل نفس السؤال :( أ فأعبد ما لا ارى ؟) قيل : وكيف رأيته ؟.
قال ():( لا تراه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدرمه القلوب بحقائق الايمان ، قريب من الاشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلم لا بروية ، مريد لا بهمة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجب القلوب من مخافته ).
وقد نهى الامام علي () عن القول برؤية الله تعالى ونزه الله تعالى من ان يراه عبد من عباده مهما كانت منزلته ومهما كان مقامه عند الله (عز وجل) .
هل يسمع الله تعالى ويرى كما نرى نحن ؟:
لقد وصف الله تعالى نفسه بأنه سميع بصير وعليم ورحيم وغيرها من الصفات الاخرى التي قد نعتبرها مشتركة بيننا وبيننه عز وجل ، ولكن هذا امر خاطئ لأنه عز وجل وصف نفسه بأنه ليس كمثله شيء ، لذا فان كل ما يصف الله تعالى به نفسه من الصفات تكون اسمى وارفع واعلى وافضل مما نتمتع به نحن من نفس تلك الصفات ، لذا فان سمعه (عز وجل) ورؤيته ورحمته وعفوه وعلمه افضل واسمى واعلى مما نتمتع به نحن ، فعندما يسمع الله تعالى فهو يسمع بلا جارحة او اداة او جسم الا نحن نسمع عن طريق الاذن ولكنه تعالى لا يسمع كما نسمع نحن وكذلك امر رؤيته (عز وجل) فهو يرى بلا أية واسطة تساعده على الرؤية .
هل الله تعالى يتصور بصورة ويتجسد بجسد ؟:
كلا ابداً ان الله تعالى لا يوصف بأن له صورة يتصور بها او ان له جسداً يكون (عز وجل) محدوداً ضمن حدوده ، وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن تجسيد الله تعالى وكذلك فعل الائمة (عليهم السلام) ، وقد قال الامام علي () :(سبحان من ليس كمثله شيء لا جسم ولا صورة ).
وكذلك قال الامام ابو عبد الله () :( سبحان من لا يعلم احد كيف هو الا هو ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا يحد ولا يحس ولا يجس ولا تدركه الابصار او الحواس ، ولا يحيط به شيء ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد ).
لذا فان الله تعالى لا يتصور بصورة ولا يجب ان نعتقد انه (عز وجل) ذا جسم او صورة .
ما حكمة تعدد اسماءه (عز وجل) ؟:
ان حكمة تعدد اسماءه (عز وجل) تتمثل في ذكر مجموعة من صفاته تعالى ، فاسم العليم يدل على علمه اللامتناهي واسم البصير يدل على البصر الذي لا يحده شيء واسم الرحيم يدل على رحمته التي تسع كل شيء ، وقد قال الامام الرضا () عن موضوع الاسماء :( الاسم صفة لموصوف ).
لذا فان تعدد الاسماء يدل على العظمة والجلال والسمو والعلو .
هل يتحرك الله تعالى ؟:
ان الله تعالى لا يتحرك انما هو موجود في كل مكان كما قلنا ، وقد قال الامام ابو ابراهيم :( ان الله لا ينزل ولا يحتاج الى ان ينزل ، انما منظره في القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج الى شيء بل يحتاج اليه .. واما قول الواصفين انه ينزل تبارك وتعالى فإنما يقول ذلك من ينسبه الى نقص او زيادة ، وكل متحرك يحتاج الى من يحركه او يتحرك به ، فمن ظن بالله الظنون هلك......).
لذا فان امر حركة الله تعالى ونزوله الى الارض في الليل كما قال بعض علماء الوهابية وصعوده الى السماء في وقت اخر هو امر يؤدي الى التنقيص من صفة الله تعالى وربوبيته بدلالة قول الامام .
ما معنى قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} ؟:
لقد اتجه علماء الوهابية الى القول ان معنى هذه الآية يدل على ان الله تعالى يجلس كما نجلس نحن وقد قال ابن تيمية في احد كتبه ان الله تعالى يغضب في بعض الاحيان وخاصة عندما يرتكب احد عباده معصية فيزداد وزنه (عز وجل) وعندها يثقل العرش على من يحمله (حملة العرش) ، وانه عندما يجلس (عز وجل) فان عرشه يصدر اطيطاً كأطيط الكرسي او الركب الجديد ، وان هذا كما هو واضح منافي للعقل ، فان العباد يرتكبون المعاصي او الذنوب بشكل كبير مما يجعل الله تعالى غاضباً دائماً وعندها يجب على حملة العرش المساكين ان يتحملوا غضب الله (عز وجل) ، وكذلك امر الكرسي الذي يؤدي الى الانتقاص من عظمة الله تعالى ، وقد قال الامام ابا عبد الله () :( استوى على كل شيء ، فليس شيء اقرب اليه من شيء). وكذلك قال () :( من زعم ان الله على شيء فقد جعله محمولاً ).
وهذ الحمل انما يدل على التحديد والحدودية لله تعالى وهو خلاف ما وصف به الله تعالى نفسه ، فنحن قد امرنا ان نصف الله تعالى بما وصف به نفسه في القرآن الكريم وان مسألة تجسيده وتصويره وما الى ذلك من الامور هي امور لم تذكر تثبت لله (عز وجل) والقرآن الكريم خير دليل ، بالإضافة الى رسول الله واهل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) .
ان التوحيد اكبر من ان نذكره بهذه الكلمات القليلة لما فيه من ايمان بالله تعالى وبصفاته التي يجب ان يوصف بها ، وان توحيد الله تعالى اهم اصل من اصول الدين فهو يحدد لنا ما نعبد وصفاته ، لكي لا نجهل ما قد يزيد او ينقص من ايماننا ومنزلته عند الله تعالى .
{صفات الله تعالى}
لقد قلنا سابقاً ان الله تعالى يتمتع بصفات خاصة به ، لذا سنحاول في هذا الباب ان نتعرف على بعض هذه الصفات بالإضافة الى الصفات والقدرات التي يتميز بها والتي يمتلكها الانسان .
ان الله تعالى قد وصف نفسه بصفات واضحة وجلية في القرآن الكريم ،وان مما يُسأل عنه هو قوله تعالى :{ وهو السميع البصير }، فهل ان الله تعالى يسمع مثلما نسمع نحن ونرى ؟ .
ان ما يمكن ان نتخذه قاعدة في للإجابة عن هذا السؤال هو قوله تعالى :{ ليس كمثله شيء} ، ان هذه الآية المباركة تدل على ان الله تعالى لا يشابه احداً ولا احد يشبهه ، وقد بينا سابقاً انه عز وجل يسمع ويرى ولكن ليس كما نفعل نحن ، فهو يرى كل شيء يحصل في هذا الكون الوسيع ، و من المعروف ان نطاق رؤية العين البشرية محدود جداً وهو يعجز عن الرؤية من خلف الحواجز العادمة ، بالإضافة الى ان مدى الرؤية محدود ايضاً الا ان الله تعالى يرى كل شيء وهو يراها بوضوح واحد اي انه لا يوجد عنده بعيد او قريب فجميع المنظورات بالنسبة لله تعالى والتي لا ولن نستطيع رؤيتها ابداً تُرى من قبل الله تعالى بكل وضوح ، بالإضافة الى كل ذلك فان الله تعالى لا يرى من خلال جارحة ما تساعده على الرؤية كما نفعل نحن برؤيتنا بالعين ، فان فقدت العين قدرتها على العمل فقدنا نحن قدرتنا على الرؤية لأنها الوسيلة الوحيدة التي توفر لنا الرؤية الا ان قدرة الله تعالى على الرؤية تختلف كثيراً عن قدرتنا لأنه ( عز وجل) لا يرى بجارحة .
وكذلك الامر بالنسبة للسمع ، فالله تعالى يسمع ولكن بشكل يختلف عن كيفية سمعنا نحن ، فالله تعالى يسمع كل الاصوات الموجودة في هذا الكون والتي تصدر في وقت واحد فلا يحدث عنده اي تشويش او خلط او ما الى ذلك (حاشى لله) بل هو يسمع بوضوح تام كل الاصوات الموجودة ، وان سمع الله تعالى دون جارحة هو ما يشكل فرقاً كبيراً بين سمعنا وسمع الله (عز وجل) ، فسمعه اقوى واتم واكمل من سمعنا بكثير .
لقد وصف الله تعالى نفسه بأوصاف كثيرة منها العلم والحكمة ، ان العلم الالهي لا يماثله علم في السماوات والارض كما هو الحال بالنسبة لبقية صفات الله (عز وجل) فان العلم الالهي علم متكامل وعظيم ، وقد قال الله تعالى ان الانسان بكل ما قد يصل اليه من تطور في العلوم والمعارف فهو لم يحصل الا على قليل القليل من العلم الالهي ، فان علم الانبياء والرسل لا يصل الى قطرة في بحر علم الله (عز وجل) فما بالك بمن هو ادنى منهم مرتبة واقل علماً ، ورغم ان الانبياء والرسل هم اناس ارسلهم الله تعالى واجتباهم واختارهم واصطفاهم وهم من خيرة عباده وبكل ما يحملونه من علم يعجز سواهم على حمله لا يصلون الى قطرة من العلم الالهي ، فما اعظم هذا العلم ، فعندما تفكر وتتفكر فيما صنعه الانسان وبما وصل اليه من تطور علمي ، وعندما تنظر الى ما اخترعه الانسان من وسائل لن تدل سوى على العلم والتطور و تقرأ قوله تعالى بأن كل هذا العلم لا يعتبر شيئاً بالنسبة لعلم الله تعالى تتجلى عندها عظمة الله تعالى في اسمى معانيها واتم صورها ، وقد تكلم الامام علي () عن العلم الالهي في خطبة طويلة وعريضة ، ورغم كل هذا فلم يذكر الامام علي () سوى القليل الذي قد لا يعد شيئاً من علم الله (عز وجل) .
واما الحكمة فهي من الامور التي يتمتع بها من يتمتع برجاحة العقل وحسن التدبير والتفكير واتخاذ القرارات ، وهي من نعم الله تعالى التي يتنعم بها على عباده والتي من شأنها ان تنقذه من كثير من المشاكل التي قد يتعرض لها ، وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه حكيم فما اعظم هذه الحكمة التي وهب الله تعالى بعضاً منها الى عباده فكانت ولا تزال مصدراً لحل المشاكل ، ان الله تعالى حكيم بطبعه فهو لا يفعل شيئاً لا يوجد له سبب او غاية او تفسير ، وقد ارتأت حكمته العديد من الامور التي حصلت بإرادته وقدرته (عز وجل) والتي لا يستطيع احد ان يمنع حدوثها مهما فعل ومهما كانت منزلته عند الله (عز وجل) فهو احكم الحاكمين .
بالإضافة الى هذا فقد وصف الله تعالى نفسه بأنه قدير يقدر على كل شيء بدلالة قوله تعالى :{ ان الله على كل شيء قدير }، فما اعظم دلائل قدرته (عز وجل) وما اجلها وكيف انها تذهل العقول وتعجب لها الاذهان بما فيها من تجلي لجبروت الله تعالى وقدرته .
وكذلك وصف الله تعالى بأنه المالك فأحد اسمائه (عز وجل) هو ماك الملك ، ان ملكه تعالى بطبيعة الحال ليس مثله اي ملك آخر ، فهو يملك ما في السماوات والارض بدلالة قوله تعالى في محكم كتابه العزيز :{ وله ملك ما في السماوات وما في الارض }، اي انه (عز وجل) يملك الكون بما فيه وبمن عليه ، فكل مالك مملوك امامه فالله (عز وجل) مالك كل مالك بما يملك ، وان كونه (عز اسمه) مالك كل ما في هذا الكون هو احد الدلالات التي توضح لنا قدرته الله تعالى وعظمته وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{ تبارك الذي بيده الملك }، اي انه (عز وجل) يملك زمام الامور بيده وان الملك بيده (عز اسمه) .
وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه احد صمد ليس له زوج او لد كما قال (عز وجل) في القرآن الكريم :{ قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد }، ان هذه السورة المباركة تدل على مجموعة من الصفات الالهية ، وان هذه الصفات خاصة بالله تعالى لن يستطيع اي احد ان يتحلى بها كما يصف الله تعالى نفسه بها ، فقد خلق الانسان بطبيعته محباً لان يكون له ولد وزوج وهو لا يقوى على العيش لوحده بالإضافة الى هذا وذاك فهو نتاج ابويه ، وهو لن يكون موجوداً الا بالولادة اي انه ولد واصبح جزءاً من هذا العالم ، فما اعظم الله تعالى .
وقد وصف الله تعالى نفسه بالقوة والقدرة ، ان قوة الله تعالى تفوق اي قوة كما هو معروف فهو واهب القوى ومنتزعها وهو اقوى من كل قوي فهو يمثل معنى القوة والعظمة والقدرة ، وكل قوي ضعيف امام الله تعالى .
وقد قال امير المؤمنين () في خطبة له :( الحمد لله الذي بطن خفيات الامور ، ودلت عليه اعلام الظهور ، وامتنع على عين البصير ، فلا عين من لم يره تنكره ، ولا قلب من اثبته يبصره ، سبق في العلو فلا شيء اعلى منه ، وقرب في الدنو فلا شيء اقرب منه ، فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ، ولا قربهم ساواهم في المكان به ، لم يطلع العقول على تحديد صفته ، ولم يحجبها عن واجب معرفته ، فهو الذي تشهد له اعلام الوجود ، على اقرار قلب ذي الجحود ، تعالى الله عما يقول المشبهون به والجاحدون له علواً كبيراً ).
ان هذه الخطبة المباركة تذكر لنا جملة من صفات الله (عز وجل) ودلائل علمه اللامتناهي وقدرته التي علت على كل شيء ، وقد نهى امير المؤمنين () عن تشبيه الله تعالى ، كما اتجه اليه بعض الجاحدين في الله تعالى ومنهم ابن تيمية ، الذين قالوا ان الله (عز وجل) يتهيأ ويتصور في صورة بشر ، حتى ان بعضهم اورد حادثة تقول ان احد علماء الوهابية او اهل السنة قد جازاه الله تعالى على اعماله بالجنة وبينما هو واقف في الجنة جاء اليه شخص آدمي فقال له : الم تعرفني ؟، فأجاب انه لا يعرفه .. فقال : انا الله ، فتعجب ذلك العالم بحسب قول ابن تيمية .
ان من يشبه الله تعالى بشيء ما هو شخص ملعون في الدنيا والاخرة ، وسيحاسب كل شخص يشبه الله تعالى ويصوره بصورة ما .
وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه كريم ، ان هذه الصفة تتجلى في اسمى معانيها في الله (عز وجل) فهو الكريم الذي اكرمنا واغدق علينا بالكرم والذي لا يريد منا اجراً الا الاطاعة والعبادة والتسليم له ، وهذا اقل ما قد يمكن ان يفعله العبد لربه ، ان كل ما انعم الله تعالى به علينا هو دليل على كرمه اللامتناهي ، فهو الذي وفر لنا كل اصناف الطعام ، وهيأ لنا الوسائل اللازمة لعيشنا ، واعطانا القدرة على تدبير الامور بالواسطة التي نتميز بها عن باقي مخلوقات الله (عز وجل) الا وهي العقل .
وكذلك وصف الله تعالى نفسه بأنه رحيم كما قال في القرآن الكريم :{ وهو ارحم الراحمين } ، ان رحمة الله تعالى وسعت كل شيء وكل انسان بل كل مخلوق على وجه الكون ، فهو الرحيم بعباده الغافر لهم وماحي سيئاتهم ، فرغم كل ما انعم الله تعالى به علينا فإننا نستمر بالعصيان ، فلا ننفذ كل اوامر الله تعالى ونقترف ما يغضبه (عز وجل) ولكنه رغم كل هذا يرحمنا ويغفر لنا ويتوب عنا حتى ولو بعد حين ، وان معنى الرحمة يتجلى في اسم الله (عز وجل).
وقد قال الامام علي () في خطبة له :( الحمد لله الذي لم يسبق له حالاً ، فيكون اولاً قبل ان يكون اخراً ، ويكون ظاهراً قبل ان يكون باطناً ، كل مسمى بالوحدة غيره قليل ، وكل عزيز غيره ذليل ، وكل قوي غيره ضعيف ، وكل مالك غيره مملوك ، وكل عالم غيره متعلم ، وكل قادر غيره يقدر ويعجز ، وكل سميع غيره يصم عن لطيف الاصوات ، ويصمه كبيرها ، ويذهب عنه ما بعد منها ، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الالوان ، ولطيف الاجسام ، وكل ظاهر غيره باطن ، وكل باطن غيره غير ظاهر ).
ان في هذه الخطبة المباركة معانٍ عظيمة تدل على بعض صفات الله (عز وجل) وتتناولها من اماكن واتجاهات مختلفة ، منها ان الله تعالى يسمع والبشر يسمعون ايضاً ولكن البشر لا يسمعون كل شيء ، فالأصوات الواطئة تخفى عن سمعهم وكذلك هي الاصوات العالية فهي تضر بهم وبسمعهم ، وان الله تعالى يسمع دائماً فهو (عز وجل) لا يشابه البشر في كونهم يصمون ولا يسمعون بسبب خلل ما ، وكذلك الرؤية ايضاً فالله تعالى يرى كل الاجسام .. تلك التي لا نراها والتي نراها بكل تأكيد.
وقال الامام علي () في خطبة اخرى :( الحمد لله الدال على وجوده بخلقه ، و بمحدث خلقه على ازليته ، وباشتباههم على ان لا شبه له ، لا تستلمه المشاعر ، ولا تحجبه السواتر ، لافتراق الصانع والمصنوع ، والحاد والمحدود ، والرب والمربوب ، الاحد لا بتأويل عدد ، والخالق لا بمعنى حركة ولا نصب ، والسميع لا بأداة ، والبصير لا بتفريق آلة ، والشاهد لا بمماسة ، والبائن لا بتراخي مسافة ، والظاهر لا برؤية ، والباطن لا بلطافة ....
ان خطبة الامام علي هذه فيها شيء من صفات الله (عز وجل) ايضاً وهي التي تبين جملة من الصفات التي يشترك فيها العباد مع الله (عز وجل) كالسمع والرؤية .
ان صفات الله (عز وجل) لا يمكن ان توصف او تذكر ابداً فهي اعظم من ان نتحدث عنها وان نصفها بكلمات وهي ان دلت على شيء فهي تدل على ضعفنا وتقصيرنا وذلنا لله تعالى .
بالإضافة الى ان كل الصفات التي يشارك فيها الانسان الله تعالى في امتلاك جزء منها انما تتجلى قدرتها وقوتها وعظمتها في الله تعالى .
{قدرة الله تعالى}
لقد وصف الله تعالى نفسه بأنه قدير كما قال في القرآن الكريم :{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } وكما قلنا فان اي صفة من صفاته لا يماثلها شيء في السماوات ولا في الارض ، لذا فان قدرته وسعت كل شيء ، وان دلائل قدرته (عز وجل) كثيرة ولها دلائل غزيرة ، منها خلقه للكون في ستة ايام ، فكل ما على الارض من جبال وسهول واودية وانهار واشجار و غيرها من الامور الكثيرة الموجودة على الارض والتي يذهل العقل عند التفكير في امرها ، فكيف تنمو النباتات عندما تحصل على غذائها وكيف حصلت على هذه الهيأة والصورة التي تتصور بها والتي تمتاز بأنها تختلف عن اشكال النباتات الاخرى ، وكيف ان هناك لبعضها القدرة على اصدار روائح عطرة وفواحة ، بالإضافة الى ان بعضها لها القدرة على التهام الحشرات و لجميعها القدرة على القيام بعملية البناء الضوئي التي تتم عن طريق مجموعة من العمليات التي احتيج الى سنوات عديدة لفهم جزء من كيفية عملها فما بالك اذا اردنا ان نصنع شيئاً مماثلاً لها في كل شيء ، فرغم قيام الانسان بصنع مجموعة من الامور التي اعتمد في صناعتها على مخلوقات الله تعالى من حيث الشكل وآلية العمل و من نواح وحيثيات اخرى ولكن هناك فرقاً كبيراً بينهما يعرفه العالم وجاهل على حد سواء .... وعندما نأتي الى التحدث عن الجبال فإننا نعجز عن وصف منظرها وهيأتها فكيف لها ان تثبت في مواجهة مجموعة من الظواهر الطبيعية الربانية ذات التأثيرات العنيفة ، و من ثم نأتي الى امر السماء وكيف استطاع (عز وجل) بقدرته الفائقة على رفعها بلا عمد نراها او نحس بها وكيف انها تحتوي على النجوم التي تشع نوراً ربانياً يدل على القدرة الالهية ، بالإضافة الى كل من الشمس والقمر ، فان امر خلقهما وتكوينهما لا يدل سوى على القدرة والعظمة ، فعندما ننظر الى كل منهما نرى ان قدرة الله تعالى تتجلى فيهما فنرى ان كلاً منهما يظهر في وقت محدد له لا يتأخر لحظة ولا يتقدم ، فتظهر الشمس في النهار والقمر في الليل ، بالإضافة الى الانهار التي تحتوي على النعمة الالهية ذات الاهمية البالغة في استمرار الحياة على سطح الكرة الارضية ولولاه لما وجد شيء حي على سطح الارض ، ونحن نصاب بالذهول حين نسمع بأن الشمس تحتاج لمسافة صغيرة لتقضي على الحياة القائمة على الارض ، فما اعظم هذا الشيء ذا الحرارة العالية والتي قد نعجز عن وصفها وما اعظم من خلقها وسيطر عليها وجعلها تحت سيطرته وتدبيره .
وان الانسان هو احد اعظم الدلائل على قدرة الله تعالى ، فقد احتاج العلماء الاف السنين لمحاولة دراسة عمل هذا الجسم فلم يستطيعوا كشف كافة اسرار عمل هذا الجسم وقد بقيت الكثير من الامور الغامضة عن هذا الجسم العجيب بما فيه من اجهزة معقدة التركيب والعمل ذات القدرة على العمل لسنوات عديدة ، وفيه شيء من التحدي الذي يتحدانا فيه الله تعالى ، حيث اننا لا نملك القدرة على تكوين جسم مثل الجسم البشري ، وحتى لو استطعنا صنع جسم مماثل للجسم البشري نوعاً ما فانه لن يستطيع القيام بالوظائف التي يقوم بها جسم الانسان او بنفس الجودة والكفاءة .
يجب علينا ان نفوض امرنا الى الله تعالى وان نحمده (عز اسمه) على مكارمه وافضاله علينا والتي لا يستطيع احد انكارها ، فقد قال الامام الصادق () :( رأس طاعة الله الصبر والرضا عن الله فيما احب العبد او كره ، ولا يرضى عبد عن الله فيما احب او كره الا كان هيراً له فيما احب او كره).
وقال الامام الصادق ايضاً :( قال الله (عز وجل) : عبدي المؤمن لا اصرفه في شيء الا جعلته خيراً له ، فليرض بقضائي ، وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، اكتبه يا محمد من الصديقين عندي}.
وقال الامام الحسن () لعبد الله بن جعفر:( يا عبد الله كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمته ، ويحقر منزلته ، والحاكم عليه الله ، وانا الضامن لمن لم يهجس في قلبه الا الرضا أن يدعوا الله فيستجاب له}.
وكذلك قال الامام ابو جعفر() :( احق خلق الله ان يسلم لما قضى الله عز وجل ، من عرف الله عز وجل ، ومن رضي بالقضاء اتى عليه القضاء وعظم الله اجره ، ومن سخط القضاء مضى عليه القضاء واحبط الله اجره).
ان في هذه الاحاديث ما يحثنا على ان نسلم وجهنا لله تعالى وان نرضى بما قسمه (عز جل) لنا وان لا نسخط على قضاء الله فيسخط الله علينا وعندها سيكون الانسان هو المتضرر الاول والاخير ، ويجب ان نحمد الله تعالى على كل ما يقدره لنا فهو خير لنا مهما كان من شيء .
قال الامام علي () :( بان من الاشياء بالقهر لها و القدرة عليها ، وبانت الاشياء منه بالخضوع له والرجوع اليه ).
وكذلك قال () في خطبة له :( الحمد لله المعروف من غير رؤية ، والخالق من غير منصبة ، خلق الخلائق بقدرته ، واستعبد الارباب بعزته ، وساد العظماء بجوده ، وهو الذي اسكن الدنيا خلقه ، وبعث الى الجن والانس رسله ، ليكشفوا لهم عن غطائها ).
ان من صور عظمة الله تعالى كما سبق وقلنا هو خلقه (عز وجل) لنا ، بالإضافة الى مجموعة من الامور الاخرى .. تلك التي يصعب علينا ذمرها جميعاً ومنها انه (عز وجل) خلق لنا هذه الارض بما فيها وبمن عليها ومن ثم خلق السماوات السبع وقد قال في القرآن الكريم :{الذي خلق لكم ما في الارض جميعاً ثم استوى الى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم }.
بالإضافة الى ان الله تعالى هو من خلق لنا هذه الارض التي جعلها ملائمة لنا و لأجسامنا ولطبيعة حياتنا وكذلك مصدراً لرزقنا بما فيها من خيرات كثيرة ... اخرجها (عز وجل) من هذه الارض فقد قال (عز وجل) :{الذي جعل لكم الارض فراشاً والسماء بناءاً ولنزل من السماء ماءاً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله اندادً وانتم تعلمون }.
ان صور قدرة الله اكثر من ان نذكرها في هذا الكتاب فهي كثيرة جداً وتدل على عظمة الله تعالى ، وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه قادر على كل شيء وان كل ما في السماوات والارض واقع تحت سيطرته وتدبيره (عز وجل) .
{العلم الالهي}
ان العلم الالهي لا يماثله علم احد من الاولين والاخرين ، وهو المحيط بكل شيء ، فان علم الله تعالى قد احاط ما في السماوات والارض ... ان الله تعالى قد احاطها علماً وتدبيراً وحكماً وملكاً ، ان العلوم في تطور مستمر ومن المعروف ان عجلة التقدم والتطور للعلم البشري في حركة مستمرة نحو الامام الامر الذي يجعل تقدمها سريعاً ينتج لنا العديد من الامور التي لم نستطع و لن نستطيع تخيلها اصلاً ، ولكن كل هذا العلم والتطور لا يساوي شيئاً وهو لا يعد امراً امام العلم الالهي العظيم الذي لا يماثله اي علم آخر فقد قلنا فيما سبق ان الآية الكريمة :{ليس كمثله شيء} تعتبر قاعدة رصينة تلدنا على ان لا شيء يماثل الله تعالى او صفاته او قدراته ، لذا فان علمه (عز وجل) افضل واكمل من علمنا نحن البشر ، ومن المعروف ان لفظ العلم يجمع كل امر لم يكن الانسان يعلم بأمره من قبل او انه اكتسب العلم به مع مرور الوقت ، وان من وسائل العلم والتعلم هي العين والاذن والانف وغيرها من الجوارح التي تعد الوسيلة الوحيدة التي توفر لنا العلم بما يدور حولنا .
فرؤية الانسان لنبتة ما لم يكن قد رآها من قبل او انه عرف كل ما يدور حولها تقريباً يعتبر علماً ، وان سمع الانسان اي شيء يعد علماً ايضاً وان شمه لأية رائحة او لمسه لجسم ما او تذوقه لأي شيء يعد علماً عن هذا الشيء ، وان المقصود من قولنا هذا هو ان علم الله تعالى يشمل كل هذه الامور ايضاً الا انه لا يتعرف عليها تدريجياً ومع مرور الوقت كما يحدث مع البشر فهو قد انشأها واوجدها في هذا العالم ، وان علمه يفوق علمنا بأضعاف مضاعفة فقد اسلفنا انه (عز وجل) عليم بكل شيء وان علمه اكمل من علمنا وان علمنا لا يمثل شيئاً امام علم الله (عز وجل) الذي لا يحده حد .
ان من دلائل علم الله تعالى هو خلقه للسماوات والارض وما فيهما وما عليهما وكل هذا الكون الوسيع الذي لم يستطع البشر لحد الان التعرف سوى على جزء بسيط منه مقارنة بما يحتويه هذا الكون من اسرار ودلائل وبراهين تدل على عظمة الله (عز وجل) وعلمه وقدرته .
ولقد ذكر الله تعالى هذا العلم في آية كريمة تقول :{ يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين }.
ان هذه الآية الكريمة اعظم واسمى وابلغ من ان نتحدث عنها لأنها تبين علم الله تعالى وعظمته وقدرته .
ان الله تعالى يعلم كل ما يجري في هذا العالم وان من ما يجدر الاشارة به هو ان الله تعالى يعلم بأمر الورقة التي تسقط وبأمر كل شيء في ظلمات الارض ونورها ، فبالرغم من ان هذه الامور لا تتمتع بأهمية بالغة الا ان الله تعالى يعلم بأمرها ، فما بالك بما يدور حول العالم من احداث ومن افعال لبني البشر ، فالله تعالى يعلم ما فعلنا وما نفعل وما ننوي ان نفعل فقد قال الله تعالى انه اقرب الى الانسان من حبل الوريد ، لذا فان الله تعالى يعلم ما في السماوات وما في الارض ، وقد قال الامام علي () في خطبة له تحدث فيها عن علم الله (عز وجل) :( يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد في الخلوات ، واختلاف النينات في البحار الغامرات ، وتلاطم الماء بالرياح العاصفات).
ان علم الله تعالى يفوق علم الجميع كما قلنا وان الحديث عن هذا العلم المتكامل غير ممكن ابداً فهو من المستحيلات التي لا يستطيع الانسان التعرف عليها او التكلم عنها بشكل كامل .
{غاية الخلق}
لقد خلق الله تعالى كل ما في هذا الكون من مخلوقات بأنواعها المختلفة وبقدراتها العقلية والجسدية والمعيشية المتفاوتة لسبب وغاية ارتأها الله (عز وجل) بحكمته وتدبيره للأمور ، وان هذه الغاية من وراء خلق الكون بما فيه وبمن عليه هو لعبادته (عز وجل) وتوحيده والتسليم لأمره والايمان بما جاء به رسله ، وبما ان الله تعالى قد انعم علينا بنعمة التفكير بواسطة العقل فقد جعلنا مطالبين بعبادته والايمان به والتسليم لأمره دون الكائنات والمخلوقات الاخرى التي تؤمن بالله تعالى من غير وجود عقل يسمح لها بالتفكير بعظمة الله ودلائل قدرته ، ومن المعروف ان كل المخلوقات تسبح لله تعالى بدلالة الآية الكريمة التي تقول :{ يسبح له ما في السماوات و ما في الارض }، فان كل المخلوقات التي نراها انما هي تعبد الله تعالى وتخشع له وتعظمه وتسبح له رغم انها لا تتمتع بالعقل ، ان امر عبادتها لله تعالى وتسبيحها وخشوعها انما هو امر فطري فطرها الله تعالى عليه فلم يجعلها تعصي لان لا عقل لها .. اي ان امر عبادتها لله تعالى انما هو امر ملازم لها ولكل نوع منها ، ولكن الانسان يختلف عنها بطبيعة الحال لأنه يتمتع بعقل يؤهله لان يفكر ويتخذ رباً له يراه الاكثر استحقاقاً في نظره .. ومن يستحق العبادة غير الله (عز وجل) ، لذا فان علينا ان نتدبر في خلق الله وقدرته .
وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون}.
ان هذه الآية المباركة تدل على غاية الخلق وحكمة الله (عز وجل) في خلقه لنا ، اذ ان الغاية هي العبادة لله تعالى والايمان به وبرسله وبما جاءوا به ، فان الآية الكريمة تدل على ان واجب كل مخلوق من الانس والجن ان يعبد الله تعالى لأنه الخالق والمنشئ لكل شيء في كوننا ، وقد قال الامام علي () :( لم يخلق ما خلقه لتشديد الالوان ، ولا تخوف من عواقب زمان ، ولا استعانة على ند مثاور ، ولا شريك مكاثر ، ولا ضد منافر ، ولكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون ، لم يحلل في الاشياء فيقال هو (فيها) كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن ، لم يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير ما ذرأ ، ولا وقف به عجز عما خلق ، ولا ولجت عليه شبهة فيما قضى وقدر ، بل قضاء متقن ، وعلم محكم ، وامر مبرم ، المأمول مع النقم والمرهوب مع النعم).
ان كلام امير المؤمنين () يدل على الامر القائل بأن غاية الخلق هي عبادة الله تعالى وهو مماثل لكلام الله (عز وجل) .
لقد تبين لنا ان الله تعالى قد خلق الانس والجن والمخلوقات كافة لغرض عبادته و الخشوع والتسبيح له (عز وجل) ، وان امر العبادة يتجلى بشكل كبير في الانس والجن ، فهم يتمتعون بقدرات ذهنية وفكرية تؤهلهم لمعرفة الحق من الباطل ، لذا فان الكفر بالله تعالى هو امر ان دل على شيء فانه يدل على ان هذا الشخص الكافر لم يستخدم عقله للتدبر في هذا الامر والتفكير والامعان في امره والبحث عن الحقيقة والسير على طريق الحق والصواب ، لذا فان الحيوانات افضل منه .
وليس الامر هو عبادة الله (عز وجل) فقط ، وانما الالتزام بأوامر الله تعالى فيما ينهى الانسان عنه وفيما يحثه عليه ، فعلى الانسان ان يتقي الله تعالى في كل وقت وحين وان يفعل ما امر الله تعالى به في القرآن الكريم وعلى لسان الانبياء والرسل و ائمة الهدى المعصومين ، فليس الغرض ان يقول الانسان انه مسلم او انه يعبد الله تعالى وحسب وانما يجب ان يلتزم بتعاليم الاسلام وان ينتهي عن ما نهى عنه ، الامر الذي لا نراه مطبقاً من قبل المسلمين في دول واماكن عديدة ، كما قال احد الاشخاص حين قارن بين الدول الغربية غير المسلمة والدول العربية المسلمة فقال انه وجد الاسلام ولم يجد المسلمين في الدول العربية المسلمة والتي دائماً ما تتحدث عن اسلامها وتفتخر به ، بينما وجد المسلمين لدى الغرب ولكنه لم يجد الاسلام ، والمغزى من كلامنا هذا هو ان على الانسان المسلم ان يلتزم بتعاليم الله تعالى وان يؤدي واجباته التي فرضت عليه ، من حسن السيرة والاخلاق وحسن المعاشرة وغيرها من الواجبات التي فرضها الاسلام على المسلمين واوجبها عليهم ، وفي النهاية الغاية هي السعي لإرضاء الله تعالى وابتغاء وجهه .
ان من اهم الامور التي حث الله تعالى عليها هي خوفه (عز وجل) وعبادته و الخشوع له وتأدية حقوقه وحقوق العباد التي فرضها الله على الانسان ، وكذلك حث على حسن الاخلاق ، وان صفات الاسلام التي حث عليها الله تعالى تتجلى في رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، حيث قال انه نتاج لتأديب الله تعالى وانه لا ينطق عن هواه انما يتكلم ويفعل بأوامر من الله تعالى وبتربية منه في مختلف الامور ، لذا فان رسول الله خير قدوة وافضل دليل لنا على الاسلام الصحيح والقويم ، وكذلك الائمة المعصومون (عليهم السلام) ، فهم ورثة علم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) .
وان ما يجب الاشارة اليه هو ان الله تعالى يؤاخذ العباد بما اقترفوا ، فالله تعالى لا يحاسب احداً بما اقترف والداه او اي شخص آخر ، وانما هو مطالب بتأدية الواجبات التي اوكلت اليه ، فلا يقع على عاتقه تأدية واجبات اولاده او ابويه .
ان تقوى الله تعالى والخشوع له من اهم واسمى الغايات التي حث الله تعالى عليها ، وبينها رسول الله والائمة المعصومون .. وقد قال الامام علي () في خطبة له :( اوصاكم الله بالتقوى وجعلها منتهى رضاه وحاجته من خلقه ، فاتقوا الله الذي انتم بعينه ، ونواصيكم بيده ، وتقلبكم في قبضته ، ان اسررتم علمه وان اعلمتم كتبه ).
ان رضا الله تعالى يتحقق بتقواه فهي الحاجة التي نحتاجها نحن والتي فرضها الله تعالى علينا .
ان من يعمل صالحاً انما هو يفعل لنفسه ، و ان منفعة اعماله تعود عليه هو لا على غيره ، وكذلك امر اعماله السيئة فان عواقبها تعود على الانسان نفسه لا على غيره من الأشخاص .
قال الامام علي () :( اما بعد فاني اوصيكم بتقوى الله الذي ابتدأ خلقكم ، واليه يكون معادكم ، وبه نجاح طلبتكم ، واليه منتهى رغبتكم ، ونحوه قصد سبيلكم ، واليه مرامي مفزعكم ، فان تقوى الله دواء داء قلوبكم ، وبصر عمى افئدتكم ، وشفاء مرض اجسادكم ، وصلاح فساد صدوركم ، وطهور دنس انفسكم ، وجلاء عشى ابصاركم ، وامن فزع جأشكم ، وضياء سواد ظلمتكم .
ان الامام علي () قد بين لنا ان منتهى كل الامور تعود الى الله تعالى وان نهايتنا بيده (عزو جل) وان كل ما نفعله واقع تحت علمه .
قال الامام علي () :( فاجعلوا طاعة الله شعاراً دون دثاركم ن ودخيلاً دون شعاركم ، ولطيفاً بين اضلاعكم ، واميراً فوق اموركم ، ومنهلاً لحين ورودكم ، وشفيعاً لدرك طلبتكم ، وجنة ليوم فزعكم .... فاتقوا الله الذي نفعكم بموعظته ، ووعظكم برسالته ، وامتن عليكم بنعمته ، فعبدوا انفسكم لعبادته ، واخرجوا اليه من حق طاعته ...).
ان ما جاء في كلام الامام علي () يرشدنا الى ان الله (عز وجل) هو غايتنا الاسمى وان توجهنا ومعونتنا يجب ان تطلب منه لا من غيره ، لأنه من يستحق ذلك دون غيره .
{القرآن الكريم}
عندما ارسل الله تعالى عباده الى اقوامهم جعل لكل منهم معجزة يقوم بها بإذن الله تعالى وبمشيئته ومن اجل اعلاء كلمة الله تعالى ورفع راية الحق والحقيقة المتمثلة براية الاسلام التي يعلوها اسم الله تعالى ، ان حكمة الاعجاز والمعجزات انما تتمثل في كونها حجة من الله تعالى على عباده ليتم حجته عليهم ولكي لا يقول احد انه لم يكن يعلم ، ان معجزة الاسلام تتمثل في امر اعجازي حقيقي تمثل في الكتاب الذي بقي محفوظاً من ايدي المدنسين الذين حرفوا الكتب السماوية وتلاعبوا بها الا كتاب واحد عجز الجميع عن تحريفه او الاتيان بمثله لأنه معجزة الاسلام التي تذهل لها الاذهان.
ان للقرآن اسماءاً عديدة بينها الله تعالى في آياته ، ومن هذه الاسماء الفرقان والكتاب او الكتاب المبين ، والامام ، القرآن ... ان هذه الاسماء ان دلت على شيء فهي تدل على عظمة القرآن الكريم ، فان تعدد الاسماء يدل على عظمة الشيء ومنزلته الرفيعة واهميته البالغة لان الاسم انما هو لفظ يعبر عن مكنونات الشيء وما يتمتع به هذا الشيء او ما اهميته بالإضافة الى مجموعة من الامور الاخرى ، وان اكبر دليل على ذلك هو ان لله تعالى اسماءاً متعددة وكثيرة تدل على صفاته وقدرته وجبروته وعظمته ، ولكل منها معنى خاص بها ودلالة يمتاز بها عن بقية الاسماء الاخرى .
ان اهمية القرآن الكريم تكمن في انه حجة من الحجج التي انزلها الله تعالى على عباده وان فيه تباين لكل شيء بدلالة الآية الكريمة التي تقول :{فيه تبيان لكل شيء}ان مثل القرآن كمثل الامام ، وانما هو شخص ناطق ، بين الله تعالى فيه كل الامور التي يحتاجها الانسان بما فيه من معنى ظاهر وخفي ، فالآيات الكريمة لا تحتوي على علم ظاهر فقط او معنى ظاهر فقط ، وانما فيها معنى ظاهر وآخر باطن لا يعلم تأويله الا من اصطفاهم الله تعالى بدلالة قوله في كتابه العزيز :{ لا يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم } .
ان تأويل القرآن من الامور المهمة ان لم يكن اهمها ، ففيه تبيان ما يخفى على الناس وهنا تبيان لعظمة الله تعالى ، الذي تحدى العرب بالقرآن الكريم لما فيه من اعجاز وقدرة لم يستطع المشركون الوصول او التوصل اليها ولن يستطيعوا ذلك ابداً ، لان هذه هي حكم الله تعالى التي ارتأى فيها ان يكون القرآن معجزة الاسلام الخالدة معه والتي ستبقى ناصعة الى يوم الدين .
ان في القرآن الكريم كمال للدين الاسلامي الحنيف ، فلم يُبق القرآن الكريم شيئاً مخفياً عن الناس من امور حياتهم ومماتهم وما بعد مماتهم من الحساب ، وقد قال امير المؤمنين () في وصفه للقرآن الكريم :( القرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجة الله على خلقه اخذ عليم ميثاقه ، وارتهن عليه انفسهم ، اتم نوره ، واكمل به دينه ، وقبض نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) وقد فرغ الى الخلق من احكام الهدى به ، فعظموا منه سبحانه ما عظم منه نفسه ، فانه لم يخف عنكم شيئاً من دينه ، ولم يترك شيئاً رضيه او كرهه الا وجعل له علماً بادياً واية محكمة تزجر عنه او تدعوا اليه ، فرضاه فيما بقي واحد ، وسخطه فيما بقي واحد ).
ان في القرآن الكريم ذكر لله تعالى ووعظ من الله تعالى الى عباده كلما قرأوا آياته وتدبروا فيها ، وقد قال الامام علي () :{افيضوا في ذكر الله فانه احسن الذكر ، وارغبوا فيما وعد المتقين ، فان وعده اصدق الوعد ، .... ، وتعلموا القرآن فانه احسن الحديث ، وتفقهوا فيه فانه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره فانه شفاء الصدور ، واحسنوا تلاوته فانه انفع القصص ، فان العالم العامل بغير علمه كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله ، بل الحجة عليه اعظم ، والحسرة له الزم ، وهو عند الله الوم ).
ان في القرآن الكريم شفاء للصدور وتيسير للأمور و شفاء لكل مرض وداء ، وقد قال الامام علي () :( اعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش ، والهادي الذي لا يضل ، والمحدث الذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن احد الا قام عنه بزيادة او نقان : زيادة في هدى ، او نقصان في عمى .
واعلموا انه ليس على احد بعد القرآن من فاقه ، ولا لاحد من القرآن من غنى ، فاستشفوه من ادوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فان فيه شفاء من اكبر الداء ، وهو الكفر والنفاق ، والغي والضلال ، فاسألوا الله به ، وتوجهوا اليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه انه ما توجه العباد الى الله بمثله ).
ان في القرآن الكريم شفاء للأمراض النفسية والجسدية فهو يشفي النفوس ويكسبها السكينة وكذلك يخلص الجسم من الاسقام والامراض .
ان عظمة القرآن الكريم تفوق هذه الكلمة كثيراً ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم :{و لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله } .
ان هذه الآية الكريمة تدل على ان الجبل بهيأته العظيمة وقوته البالغة لن يحتمل القرآن الكريم بما فيه من آيات ودلائل و مواعظ وغيرها من الامور التي تجعله يخشع له ويتوجس خيفة من ما فيه من تبيين لعظمة الله (عز وجل) .
{نعم الله تعالى على عباده}
لقد تبين لنا فيما سبق ان الله تعالى هو القادر على كل شيء وانه مالك الملك وانه (عز وجل) الواهب وانه يرزق من يشاء من عباده ، ومن الضروري ان نتعرف على نعم الله تعالى .. تلك التي انعم بها علينا .. والتي لم يفكر الكثيرون بفائدتها واهميتها لنا ...
ان مما يجدر الاشارة اليه هو ان من يعلو الناس شأناً ومن يملك قدرة تفوق قدرتهم قادر على وهب الناس مما يملك او مما لا يملك من خلال قدرته .. فيهب لهم ما يستطيع .. الامر الذي لا نشاهده كثيراً في حياتنا جميعاً .. ورغم هذه الهبة فانه ينتظر اجراً من اولئك الناس وهو لا يفعل ذلك في سبيل الله تعالى الا من هداه الله (عز وجل) ... فنجد انه ينتظر ان يجزيه الناس على افعاله ...
والامر الذي يحرنا ويبين لنا عطف الله تعالى ورحمته ورأفته بنا اعظم من ان توصف .. فان الله تعالى يهب لنا اموراً كثيرة ينعم بها علينا وتكون سبباً في سعادتنا وراحتنا ولكنه (عز وجل) لا ينتظر اجراً مماثلاً لما وهبه لنا .. فنرى ان الله تعالى لم يطلب من العبد سوى ان يؤمن به ويعبده ويأتمر بأوامره .. تلك التي فيها صلاح للفرد والمجتمع الذي يعيش هذا الفرد فيه ..
ان الله تعالى وهب لنا العديد من النعم التي لا يمكننا ان نحصيها او نعدها .. فمنها انه فضل الانسان بالعقل وانه وهب له هذا الجسم الجميل وانه (عز وجل) سخر ما في الارض لخدمة الانسان ومنفعته وانه تعالى قد سخر ما في السماوات لخدمة الانسان و لتهيئة الظروف اللازمة لممارسة حياته اليومية .. وانه انعم على الانسان بنعم كثيرة اخرى منها انه اعطى الانسان القدرة على الرؤية والشم والسمع وغيرها من الامور الاخرى التي لم يفكر احد بأنها نعم من النعم الكثيرة التي انعم الله تعالى بها علينا ..
بالإضافة الى ان الله تعالى قد اعطانا القدرة على المشيء والتحرك من مكان الى اخر بسهولة تامة .. واعطانا القدرة على التفكير والتحقيق والتحليل وغيرها من الامور التي سيطول بنا الحديث اذا ما اردنا ذكر جميعها.
منها ان الله تعالى قد وهب لنا الارض بخيراتها الكثيرة .. فما اكثرها من خيرات تلك التي تخرج من الارض والتي يقوم الانسان بإخراج بعضا الاخر ..وقد قال تعالى في القرآن الكريم :{الذي جعل لكم الارض فراشاً }.
لقد جعل الله تعالى الارض مصدراً من مصادر العيش التي يحتاجها الانسان فالإنسان يحصل على طعامه من الارض ، وكذلك يستطيع الانسان الحصول على الوقود من الارض ويستطيع ان يعيش عليها فيبني فيها مسكناً له ... بالإضافة الى ان فيها من الامور الاخرى التي يصعب على الانسان فهمها حتى ...
وان من نعمه (عز وجل) انه تعالى قد جعل لنا الماء الذي جعل من كل شيء حي ، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{وجعلنا من الماء كل شيء حي}.
لقد انعم الله تعالى علينا بهذه النعمة ذات الفوائد الكثيرة والكبيرة ... فاستعمالات الماء كثيرة ومنافع الماء اكثر من ان نذكرها ..
بالإضافة الى ان الله تعالى قد انعم علينا بهذه السماء التي يعجب لها الانسان بما فيها من امور عجيبة وعظيمة
{الحساب : ثواب وعقاب}
لقد تبين لنا ان الله تعالى قد خلقنا وكل المخلوقات الاخرى على هذا الكون انما لعبادته وتعظيمه والتسليم لأمره لأنه مقضي بقدرة الله تعالى ، وان هذه الغاية التي خلقنا الله تعالى من اجلها هي ميزان للتفاضل بين الناس وان خوف الله تعالى وخشيته وتقواه والخشوع له انما هو الامر الذي يتفاضل فيه عباد الله تعالى بعضهم على بعض بدلالة قول القرآن الكريم :{ انما خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم }.
لقد جعل الله تعالى بدلالة الآية الكريمة التقوى مقياساً وميزاناً للتفاضل بين الناس ، فلا فرق يذكر بين عربي او اعجمي وبين ابيض او اسود وبين الغني والفقير ، انما تقوى الله تمثل اساساً وقاعدة للتفاضل بين الناس والتفريق بينهم من حيث المنزلة .
ان الله تعالى يحاسب عباده بما اقترفت ايديهم وبما فعلوه من خير او شر في كل لحظة من لحظات حياتهم ، وان كل شخص يحاسب بما اقترفه هو لا بما اقترفه غيره كما اسلفنا فقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز : {انما يؤاخذ الناس بما اقترفت ايديهم} ، ان هذه الآية الكريمة تدلل على ان الله تعالى لا يظلم احداً فهو اساس العدل وواضعه .
ان حساب الانسان امر محتم لا بد منه ، فقد جعل الله تعالى الجنة والنار ليكون البشر خالدين في احد هذين المكانين ، ان الجنة هي ثواب لكل عبدٍ عَبد الله تعالى على اتم وجه واكمله ، فطبق ما امر الله تعالى به ونفذه من غير الشعور بالملل لأنه واجب فرضه الله تعالى على كل عبد من عباده ، وان النار هي مثوى كل من لم ينفذ ما امر الله تعالى به عباده ممن عصاه ولم ينفذ اوامره وذاك هو مثوى الكفار المعاندين .
ان يوم الحساب هو يوم عظيم يخيف اهل السماوات والارض .. فلا يفكر احد الا بنفسه .. وان الآيات التي وصفت يوم القيامة وما يحدث عند قيام الساعة كثيرة منها قوله تعالى :{ يوم تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها }.
ان يوم القيامة هو ذلك اليوم الذي تعرض فيه اعمالنا امام الله (عز وجل) ، ويعطى كل شخص كتاب اعماله في احدى يديه .
وهناك اية اخرى وصفت ما يحدث يوم القيامة والتي تقول :{يوم يفر المرء من امه وابيه وصاحبته وبنيه }
ان عظمة ذلك اليوم تجعل الانسان يترك كل ما يشغله من امور الحياة بشواغلها المختلفة والتي يعيرها اهتماماً بالغاً في حياته ، ولكنه لا يفكر بأي من امور الدنيا وزينتها فيبدأ بالفزع والهرع والشعور بالخوف ، فتتجلى عظمة الله تعالى في ذلك اليوم .
ان الله تعالى يحاسب العبد على افعاله فان جاء بخير كتبت في ميزان حسناته وان جاء بشر كتبت في ميزان سيئاته ، فيحصد الانسان في ذلك اليوم ثمار اعماله في الدنيا والتي لم يتفكر فيها الا القليل ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم : { ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره }.
ان هذه الآية الكريمة خير دليل على كلامنا الذي تقدم ذكره ، وقد قال الله تعالى في آية اخرى : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له وله اجر كريم}.
ان الله تعالى غني عن العباد لا يحتاجنا ولكننا نحتاج اليه ، لذا فان من يعمل عملاً فان عواقب هذا العمل ونتائجه ومتعلقاته تعود على الانسان نفسه ولن يضر الله شيء من عمل عباده .
ان من يأخذ كتابه في يمينه فقد بشر خيراً لان مثواه الجنة وان الجنة هي دار الخلود الذي ما بعده خلود ، وان الجنة فضل من افضال الله تعالى علينا ، بالإضافة الى انها نتاج اعمالنا في الدنيا ونتيجة لهدايتنا التي انعم الله تعالى بها علينا وهي فضل من افضاله الكثيرة التي لا تحصى ، وقال الله تعالى في القرآن الكريم : {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}.
وان من يأخذ كتابه بيمينه فوجهه مسود يومئذ لأنه لم او يتفكر في دنياه ولم يفكر في نتائج اعماله القبيحة التي اقترفها في حياته والتي نهى الله تعالى عن الاتيان بها لأنها تدعوا الى النار كما يدعو ابليس الى النار .
وقد الامام علي () :( واعلموا انه لن يرضى عنكم بشيء سخطه على من كان قبلكم ، ولن يسخط عليكم بشيء رضيه ممن كان قبلكم ، وانما تسيرون في اثر بين ، .. ايها اليفن الكبير الذي قد لهزه القتير ، كيف انت اذا التحمت اطواق النار بعظام الاعناق ، ونشبت الجوامع حتى اكلت لحوم السواعد ، فالله الله معشر العباد وانتم سالمون في الصحة قبل السقم وفي الفسحة قبل الضيق ، فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل ان تغلق رهائنها ).
ان امر الحساب امر واقع لا محالة ، فيحاسب الله تعالى كل انسان بما اقترف من اعمال خير واعمال شر ... فيجازي الانسان الذي خافه (عز وجل) بالجنة وبالخلود فيها ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم :{وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ان لهم جنات تجري من تحتها الانهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا واوتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون }.
واما الذي لم يؤمن بالله تعالى ولم يسلم له (عز وجل) فقد فعل اقبح الاعمال بكفره بالله تعالى وبمخالفته لأوامر الله تعالى ، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{والذين كفروا وكذبوا بآياتنا اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون }.
لذا فان الله تعالى لا يغض البصر على عمل اي عبد من عباده ويحاسب كلاً بما عمل واقترف وبما اعتقد وآمن .
وفي النهاية اقول : ايها الشخص المسن الكبير الذي لم يبقَ منه شيء يُنظر اليه ماذا اذا كانت النار مثواك الاخير الذي لا مهرب منه !، وماذا لو كان ابليس هو امامك الذي تتبعه في الدنيا والاخرة !، ماذا لو اكلت النار جسمك وكان لهيبها يلتهب في جسدك .. ولن يسعنا القول سوى هنيئاً لمن يعمل صالحاً ويتفكر في اعماله فيتجنب قبيحها ويزيد من جميلها .
{اركان الاسلام}
من الطبيعي ان هناك لكل دين مجموعة من الثوابت والاركان التي يستند عليها ويتخذ منها قاعدة له ، فنجد ان هذه الاركان تمثل خطوطاً عريضة يستطيع الانسان من خلالها ان يكون مسلماً ، فواجب كل شخص مسلم ان يؤدي هذه الاركان الربانية التي وضعها الله تعالى واليك بعض الاحاديث عن هذه الاركان :
1. قال الامام الصادق () :( شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ، والاقرار بما جاء به من عند الله ، وصلوات الخمس ن واداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحج البيت ، وولاية ولينا وعداوة عدونا ، والدخول مع الصادقين ) .
2. قال الامام ابو جعفر () :( شهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمداً (صلى الله عليه واله وسلم) عبده ورسوله ، وتقر بما جاء من عند الله ، والولاية لنا اهل البيت ، والبراءة من عدونا ، والتسليم لأمرنا ، والورع والتواضع وانتظار قائمنا فان لنا دولة اذا شاء الله جاء بها ).
3. قال الامام ابو جعفر () لسليمان بن خالد :( الا خبرك بالإسلام اصله وفرعه وذروة سنامه ؟. قلت : بلى جعلت فداك . قال : اما اصله فالصلاة ، وفرعه الزكاة وذروة سنامه الجهاد ، ثم قال : ان شئت اخبرتك بأبواب الخير؟. قلت : نعم جعلت فداك . قال : الصوم جنة من النار ، والصدقة تذهب بالخطيئة ، وقيام الرجل في جوف الليل بذكر الله ، ثم قرأ :{تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
4. وقد ذكر الامام علي () ما يتعلق ببعض جوانب الاسلام واركانه في خطبته التي قال فيها :( ان افضل ما توسل به المتوسلون الى الله سبحانه ، الايمان به وبرسوله ، والجهاد في سبيله فانه ذروة الاسلام ، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة ، واقام الصلاة فإنها الملة ، وايتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة ، وصوم شهر رمضان فانه جنة من العقاب ، وحج البيت واعتماره فانهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب ، وصلة الرحم فإنها مثراة في المال ، ومنسأة في الاجل ، وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة ، وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء ، وصنائع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان ).
واما هذه الاركان فهي :
أ- شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله .
ب- اقامة الصلاة .
ت- ايتاء الزكاة .
ث- صوم رمضان .
ج- حج البيت من استطاع اليه سبيلاً .
1. شهادة ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله : ان هاتين الشهادتين تعدان مفتاحين للدخول الى الاسلام ، فعندما يريد احدهم ان يصبح مسلماً يقال له ان يتشهد وينطق الشهادتين ، وان للشهادتين فضل كبير لكل من ينطق بهما فقد حث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على التشهد كثيراً حيث ان لها فضلاً كبيراً وعن احد الائمة : (من قال : اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له الاهاً واحداً احداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً .... كتبت له خمس وعشرون الف حسنة ومحيت عنه خمس وعشرون الف سيئة ورفع خمس وعشرون الف درجة) ، وان فضلهما يكمن في اننا حين نقول بهما فإننا نؤمن بأن الله هو الواحد القهار الذي يملك ما في السماوات والارض وانه رب السماوات والارض وما بينهما بما فيها .
2. اقامة الصلاة : ان اقامة الصلاة عمود مهم من الاعمدة التي يستند عليها الدين الاسلامي ، وان للصلاة فضل عظيم ، فان عمل الانسان كاملاً مقرون بالصلاة فان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها ... بالإضافة الى اهميتها في نهي الانسان عن ارتكاب المعاصي فقد قال (عز وجل) في محكم كتابه العزيز :{ ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } لذا فان اهميتها تتجلى في امور عديدة ، وان صلاة الانسان تعتبر وسيلة الاتصال الوحيد بينه وبين ربه ، فبواسطتها يدعو الله و يطلب منه وفيها يتكلم مع الله من خلال ما يتكلم به من آيات وسور ، ويبين لله تعالى انه يخافه ويخشاه في السر والعلن ، وان اقامة الصلاة واجب على كل شخص بالغ وعاقل وسليم وسواء كان رجلاً ام امرأة .
3. ايتاء الزكاة : ان ايتاء الزكاة ركن من اركان الاسلام والتي اوجب الله تعالى تأديتها من قبل عباده لما لها من فضل كبر في تهذيب النفوس ومساعدة المحتاجين ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم :{وفي اموالهم حق للسائل والمحروم} أي ان على كل مسلم يكسب قوت يومه فيمر عليه عام كامل ان يؤدي واجبه تجاه الله وتجاه المحتاجين من المحرومين والذين لا يقوون على كسب قوت يومهم .
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( حصنوا اموالكم بالزكاة ، وداووا مرضاكم بالصدقة ). وكأن رسول الله يقول ان الانسان يبعد المصائب والابتلاءات بالزكاة فنحصنها من الضياع او ان تذهب بما فيه شر للإنسان و التي قد تلحق به ان لم يؤد الزكاة ، وان فضلها عظيم وكبير وهي واجبة على كل فرد عاقل بالغ يكسب مالاً من عمله .
وان مما يجب الاشارة اليه هو ان للزكاة مفاهيم وانواع عديدة الا وهي :
اولاً : الخمس : وهو ان يخرج الانسان المسلم البالغ 1/5 مما زاد عن حاجته عند رأس السنة ، فيجب على كل مسلم ان يحدد رأس سنة خمسية له ، فعليه ان يخمس ما لم يستعمل لفترة سنة كاملة والذي لم يستفد منه المسلم طيلة هذه المدة ، وتشمل الاموال والعقارات التي لا يسكنها مالكها فيجب عليه الخمس بالإضافة الى الذهب غير المستعمل وغيرها الكثير من الامور كالمواد الغذائية ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم {واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه و للرسول ولذي القربى}.
وان مفهوم الغنيمة يعني الربح الذي يحصل عليه الانسان بكل مفاهيمه .
ثانياً : الزكاة : وهي ان يخرج الانسان المسلم مقداراً معيناً يختلف باختلاف الاموال التي تتعلق بها الزكاة ، والاموال التي تتعلق بها الزكاة هي :
1) الذهب والفضة المسكوكات بسكة المعاملة ، يعني نقود الذهب والفضة التي انتهى زمنها ، وبعض المسلمين يوجبون الزكاة على الذهب والفضة حتى وان لم يكونا مسكوكين .
2) الغلات الاربع : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، بالنسبة للفلاحين الذين يزرعونها .
3) الانعام الثلاث : الابل والغنم والابقار ، ولها شروط محددة ، فان قام الراعي بشراء العلف لها فلا تجب الزكاة حينها ، ولكن ان كانت تتغذى على النبات الطبيعي فتجب الزكاة حينها .
ثالثاً : زكاة الفطر : وهي ان يخرج المسلم مقداراً معيناً من المال او الطعام قبل فجر عيد الفطر ، وان المستحقون للزكاة هم ثمانية اصناف تبينهم الآية الكريمة {انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}.
لذا فان هذه الاصناف المذكورة في الآية هم :
أ- الفقراء : وهم الذين ليس لهم مال .
ب- المساكين : وهم الذي يمتلكون مالاً قليلاً لا يكفي لسد احتياجاتهم .
ت- العاملون عليها : وهم العمال الذين يجمعون الزكاة من الناس لبيت المال .
ث- المؤلفة قلوبهم : وهم الجماعة التي يراد تأليف قلوبها وجمعها على الاسلام .
ج- في الرقاب : وهم العبيد الذين يحتاجون المال لشراء حريتهم .
ح- الغارمون : وهم المدينون في غير معصية الله ، والذي لا يستطيعون الايفاء بديونهم .
خ- في سبيل الله : الذين يجاهدون والذين يعملون فيما ينفع المسلمين .
د- ابن السبيل : وهو الغريب الذي انقطع عن اهله ولا يملك نفقة مسكنه ومأكله ومشربه .
4. صوم رمضان : ان صوم الانسان امر من الامور التي فرضها الله على عباده لما له من دور في تهذيب النفس والاحساس بمن لا يملك قوت يومه وكيف يعيش هذا الانسان ، وفيه حث على تأدية الزكاة وعلى التصدق ومساعدة المحتاجين بالإضافة الى كل ذلك فان صوم الانسان لا يكون من الطعام والشراب فقط بل يجب ان يصوم عن كل عمل او قول غير اخلاقي والذي لا يدل على الادب ، وعندما يصوم الانسان شهر رمضان فان له اجراً كبيرا وعظيماً لأنه يؤدي حقاً من حقوق الله (عز وجل) ، وان الصوم واجب على كل شخص عاقل وبالغ سواء كان رجلاً ام امرأة .
5. حج البيت من استطاع اليه سبيلاً : ان الحج هو احد اركان الدين الاسلامي ، ولكن الله (عز وجل) رؤوف رحيم بعباده فقال تعالى على كل من يستطيع ان يزور بيت الله في موسم الحج ان يبادر الى القيام بذلك ، وقد سقط الواجب على كل من لا يستطيع زيارة هذا البيت المبارك كالعجز المادي والمالي او امر يتعلق بصحة الانسان كأن يكون معرضاً لخطر الموت وما الى ذلك اذا سافر لمسافة بعيدة الامر الذي يحتم عليه ان لا يؤدي الحج ، وان فضل الحج عظيم جداً ، وان تأدية الحج تعتمد على اركان الحج الا وهي : الاحرام والطواف حول الكعبة ، ومن ثم السعي بين الصفا والمروة ، ثم الوقوف بعرفة .
وهو يعتمد على شروط يجب ان تتوفر في الحاج وهي : ان يكون بالغاً وعاقلاً وان يكون مسلماً ، استطاعة الانسان الانفاق على نفسه وعياله ، وكما اسلفنا يجب ان لا تكون به عاهة او مرض ما يمنعانه من تأدية مناسك الحج .
بالإضافة الى ذلك فان الحج يعتمد على سنن تسمى سنن الحج الا وهي : على الحاج ان يغتسل قبل الاحرام ، و عليه قص الاظافر والتنظيف ، وصلاة ركعتين ومن ثم يحرم من الميقات ثم التلبية مع الاحرام ولفظها (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك ) .
وان من الجدير بالذكر ان للحج مجموعة من الانواع التي تختلف عن بعضها البعض وهي :
أ- الافراد : وهو ان ينوي الحاج تأدية الحج لوحده ، ويشمل هذا النوع الحجيج الذين يسكنون حول مكة المكرمة .
ب- القِران : وهو ان ينوي اداء الحج اولاً ومن ثم اداء العمرة من بعدها ، وسمي هذا الحج بالقران لان الحاج يأتي بذبيحته معه .
ت- التمتع : وهو ان ينوي العمرة وحدها فيحرم من الميقات ، فاذا وصل مكة وادى اعمال العمرة تحلل ولبس ملابسه العادية ثم احرم مرة اخرى من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة ، ويؤدي اعمال الحج .
اعمال الحج : اذا اراد المسلم اداء فريض الحج نظف جسمه واغتسل وقال : (اللهم اني اريد الحج فيسره لي وتقبله مني) ثم يلبس ملابس الاحرام ويلبي ، فاذا وصل مكة المكرمة طاف حول الكعبة سبع مرات ثم سعى بين الصفا والمروة ثم يصعد على جبل عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة ، ويقف مع المسلمين الى غروب الشمس وبعد الغروب ينزل الى المزدلفة وينام فيها ، وفي العاشر يذهب الى منى بعد صلاة الفجر ، بعد طلوع الشمس يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات ، ثم يذبح هدية واقله شاة ، ويحلق رأسه او يقصر منه قليلاً ثم يعود ويطوف حول الكعبة سبع مرات طواف الافاضة ويتحلل من ملابس الاحرام وعند مغادرته الديار المقدسة يطوف طواف النساء ، ويسمى طواف الوداع .
ان هذه باختصار هي اركان الاسلام التي اوجب الله تعالى علينا ان نؤديها لما فيها من اثر ايجابي كبير على انفسنا وعلى المجتمع المحيط بنا ، بالإضافة الى الركن الذي ذكره ائمتنا الا وهو الحب والولاية لهم (عليهم افضل الصلاة وازكى السلام) والذي يعنى به حبهم واتباع خطهم والسير على الطريق الذي ساروا هم عليه لانهم حجج الله تعالى على ارضه وهم مبلغون لرسالات الله تعالى ايضاً ، وقد قال الامام ابو جعفر () :( بني الاسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ).
وكذلك قال الامام ابو جعفر () ايضاً :( بني الاسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه – يعني الولاية ).
{اركان الايمان}
بالإضافة الى اركان الاسلام التي تناولناها في الباب السابق توجد اركان اخرى تسمى اركان الايمان ، وان الايمان بالله تعالى اعلى مرتبة واسمى منزلة من الاسلام فعلى الانسان ان يؤمن به (عز وجل) وبقدرته على خلق السماوات والارض وقدرته على الاحياء والاماتة والخلق والتكوين وغيرها من الصفات الاخرى التي وصف بها الله نفسه في القرآن الكريم ، وان اركان الايمان خمس ايضاً هي :
1. الايمان بالله تعالى .
2. الايمان بملائكته .
3. الايمان بالرسل والانبياء .
4. الايمان باليوم الاخر .
5. الايمان بالقدر .
1. الايمان بالله تعالى : ان الايمان بالله تعالى ركن من اركان الايمان ، وان معنى الايمان بالله تعالى هو ايماننا بأن الله (عز وجل) موجود في كل مكان ، يرانا ولا نراه ويسمعنا ويعلم ما نفكر به فهو اقرب الينا من حبل الوريد ، والايمان بأنه (عز وجل) قادر على تلبية ما نطلبه منه وانه لا خالق سواه وانه (عز اسمه) اله السماوات والارض ومالك الملك لا مالك سواه وهو الحي الذي لا يموت ، وعلينا ان نؤمن بأن الله تعالى هو خالق كل شيء وهو البادئ في الانشاء وان لا اله يشاركه في الملك والسلطان ... لذا فان الايمان بالله تعالى تعني ان نؤمن بصفاته واسماءه (عز وجل) .
2. الايمان بملائكته : ان الايمان بالملائكة امر مهم فهو ركن من اركان الايمان كما اسلفنا ، وان ايماننا بالملائكة يتمثل في تصديقنا بأن الملائكة مخلوقات من تلك المخلوقات التي كونها الله تعالى والتي تعمل على تنفيذ اوامره والتي سخرها (عز وجل) لتعمل اعمالاً مختلفة ، فيجب ان نؤمن بأن الملائكة هم عبيد لله تعالى وانهم دليل من دلائل القدرة الالهية .
3. الايمان بالرسل والانبياء : ان الله تعالى استخدم الانبياء والرسل لنشر الدين الاسلامي ولتبيين الحقائق للناس جميعاً ، فيبينوا ان الله تعالى هو خالق كل شيء وانه احق بالعبادة من بقية الارباب التي اصطنعها الانسان ارباباً له وعبدها رغم انه صنعها بيده ، لذا فان من اهم الامور التي يجب ان نؤمن بها هو ايماننا بالأنبياء والرسل الذين ارسلهم الله تعالى مبشرين ومنذرين للبشرية جمعاء ، وهم المبلغون لرسالاته (عز وجل) ، فلولا الانبياء والرسل لما نشر الدين الاسلامي ، فهم الاشخاص الوحيدون الذين اختارهم الله تعالى واصطفاهم برحمته وفضلهم على الناس لحمل هذا العبء الرباني الجليل .
4. الايمان باليوم الاخر : ان الله تعالى قد بين مجموعة من الامور عبر القرآن الكريم او عبر الرسل والانبياء ، ومنها الحساب والعقاب ، فقد بين (عز وجل) بأنه سيأتي يوم يحاسب (عز اسمه) البشرية جمعاء ، فيحاسبهم على ما اقترفوا من اعمال خير او شر ، فإما ان يعاقبهم واما ان يكافئهم على اعمالهم التي اقترفوها في الدنيا ، وان ايماننا باليوم الاخر (يوم القيامة) من اركان الايمان التي يجب ان يؤمن بها الانسان المسلم ، وهو يوم الحساب يوم لا ملك الا ملكه ، ولا ينفع الانسان مال ولا بنون الا ما كسب في الدنيا من حسنات نتجت عن اعمال الخير التي عملها .
5. الايمان بالقدر : ان الايمان بالقدر يعني ان يؤمن الانسان بأن كل ما يحدث معه من احداث وكل ما يمر به من مواقف وكل الامور التي تواجهه انما هي من صنع الله (عز وجل) وتقديره ، واننا مهما فعلنا في محاولتنا لدفع قدر من الاقدار التي قدرها الله تعالى لنا فإننا لن نفلح في ذلك الا بالدعاء والاعمال الصالحة ، لذا يجب علينا ان نؤمن بان الله تعالى هو المقدر والقادر على كل شيء وان كل ما يحدث انما هو بتدبيره وقدرته ويجب ان نحمد الله تعالى على كل نتعرض له من مواقف واحداث وابتلاءات وامتحانات .
ان هذه الاركان هي التي تضمن للمسلم ان يكون مؤمناً حين يؤمن بهذه الامور بالإضافة الى ذلك فان هناك مجموعة من الصفات التي تميز المؤمنين والتي سيرد ذكرها ان شاء الله تعالى .
ان للإيمان فوائد وفضائل كبيرة و قد قال الامام ابو جعفر () بعد ان سئل عن قول الله تعالى { انزل الله السكينة في قلوب المؤمنين} :( هو الايمان ، وسئل عن قوله تعالى {وايدهم بروح منه ، قال : هو الايمان).
ان هذا يدل على ان الايمان هو السكينة وان السكينة تأتي مع الايمان وقد قال الامام ابو جعفر () :(السكينة الايمان).
لذا فان سكينة الله تعالى تنزل على عبده حين يؤمن به ويؤمن بما انزله (عز وجل) من رسل ويؤمن بالكتب التي انزلها مع رسله .
وان السبق الى الايمان ذا فضل كبير ، فشتان ما بين من آمن بالله تعالى في بداية الامر حين كان الاسلام في حالة ضعف وبين الذي آمن بعد ان تهيأت الظروف التي تسمح له بأن يكون مؤمناً بالله تعالى كأن يكف اذى المشركين المتواصل وما الى ذلك.
و ان ما يجب ان يقال هو ان الايمان درجات ومنازل ، فليس الجميع في منزلة واحدة فهناك من يتمتع بإيمان عظيم وهناك من يتمتع بإيمان اقل منزلة منه ، وقد قسم الامام علي () الايمان الى اقسام في خطبته الشريفة التي قال فيها :( فمن الايمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب ، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور الى اجل معلوم ، فاذا كانت لكم براءة من احد فقفوه حتى يحضر الموت ، فعند ذلك يقع حد البراءة ، وقد ذكر امر الهجرة فقال :( ان امرنا صعب مستصعب ، لا يحمله الا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان ، ولا يعي حديثنا الا صدور امينة ، واحلام رزينة ).
لقد قسم الامام علي () الايمان الى مراتب .. لا مرتبة واحدة ، فمن المعروف ان كل ما في هذه الحياة متفاوت ومتغاير ومختلف من شخص الى اخر حسب صفة هذا الانسان وما يتمتع به من صفات ومن رجاحة عقل ، وقد اشار الامام () الى ان المؤمنين هم اصحاب الامور الصعبة التي لا يقدر عليها غير المؤمن .
وقد ذكر () ان الشخص المؤمن هو الشخص الممتحن من الله تعالى والذي مر بمجموعة من الاختبارات الالهية التي اهلته ليكون شخصاً مؤمناً بالله تعالى يسلم امره له في كل وقت وحين .
{الانبياء والرسل}
لقد اقتضت حكمة الله تعالى وقدرته ان يخلق البشر وان يدخلهم في مجموعة من الاختبارات التي يخوضونها في حياتهم التي يعيشونها ، فان كل لحظة قد تكون لحظة اختبار من الله تعالى لعبده ، وبالتالي فان العبد عليه ان يلتزم بجملة من الامور التي يحث الله تعالى عليها والتي بينها انبياءه ورسله الذين ارسلهم رحمة للعباد ، فقد اصطفى الله تعالى عدداً من الاشخاص الذين فضلهم على غيرهم من الناس من الذين يتمتعون بصفات جليلة وعظيمة ، ومن يمتلكون علماً الهياً انزله الله تعالى على قلوبهم كما انزل سكينته عليهم حين اختارهم واجتباهم لتأدية واجب عظيم الا وهو نشر الدين الاسلامي وتبيين قدرة الله تعالى وانه احق بالعبادة ممن سواه من الارباب الذي لم ينزل الله بهم من سلطان والذين لا تصل قدرتهم الى قدرة الذبابة فما بالك بقدرة الله تعالى ، لذا فان الله تعالى قد اختار مجموعة من البشر الذين شملهم برحمته ليكونوا مبشرين ومنذرين ، وقد ارسل الله تعالى هؤلاء الرسل وهم من البشر فلم ينزل الملائكة ليكونوا انبياءاً او رسلاً ، حيث انه (عز وجل) اراد ان يكون الخاطب والمخاطب من مستوى واحد .. والقصد بالمستوى هو بعض من القدرات وبعض الصفات المشتركة كأن نقول ان النبي والرسول له اذنان وعينان وانف وفم كالذي يمتلكه الشخص العادي وانهم (عليهم السلام) ينامون ويأكلون ويشربون كما نشرب نحن ، لكي لا تكون حجة العباد ان ارسل الله تعالى ملائكة الى الارض ان يا رب هؤلاء ملائكة ونحن بشر وشتان ما بين الاثنين ، فارسل الله تعالى بشراً ليبلغوا الناس رسالة الرحمن لتتم حينها حجته عليهم ، ولكي لا تقوم للمشككين والمعاندين قائمة ، وعندما ارسل الله تعالى الانبياء والرسل ارسلهم ولكل منهم رسالة محملة الى قوم معين حيث ان واجبه هو ابلاغهم كلام الله وانه (عز وجل) هو الواحد القهار وانهم سيحاسبون من قبله (عز اسمه) وان يقولوا انهم رسل رب العالمين ، وان الانبياء والرسل هم احدى الدعائم التي رفع الله تعالى بها هذا الدين وجعله عالياً وسامياً ، فهم المبلغون لكلام الله تعالى ، لذا فان دورهم في ارساء كلمة هذا الدين واعطاءه هذا القوام والشكل هو دور كبير وتظهر فائدته بشكل واضح وجلي .
وكما قلنا فان الله تعالى قد ارسل كل نبي ورسول الى قرية معينة ولكنه (عز وجل) ارسل النبي محمداً (صلى الله عليه واله وسلم) الى البشرية جمعاء ليكون خاتماً لأنبيائه ورسله .
وان مما يجب الاشارة اليه هو ان مقام الانبياء مختلف على حسب الابتلاءات التي يمر بها ذلك النبي ، او حسب ما يقوم به او شمولية رسالته الى الناس .
لقد دلت الروايات على ان عدد الانبياء والرسل الذين ارسلهم الله تعالى قد بلغ مئة وعشرين الف نبي ، وقد اشارت بعض الروايات الى ان عددهم قد بلغ مئة واربعين الف نبي وقد قال البعض ان عددهم هو مئة واربع وعشرون نبياً ، ولكن الارجح هو ان عددهم هو مئة وعشرين الفاً او مئة واربعاً وعشرين الف نبي ومرسل .
وقد قال النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ان عدد الانبياء العظماء هو ثمانية الاف نبي ، واما عد المرسلين فهو 313 مرسل ، وقد اشارت الروايات الى ان عدد الاوصياء هو مئة وعشرن الف نبي او مئة واربعاً وعشرون الف نبي .
ان انبياء الله هم صفوة عباده وان اختيارهم لم يأتي اعتباطاً وانما اختارهم الله تعالى قبل ان يولد اباؤهم واجدادهم وان مما يجب الاشارة اليه هو ان هؤلاء الانبياء والمرسلين قد حظوا بوالدين عظيمين ومهيأين ليكون ابنهما احد انبياء الله تعالى الذين يرسلهم الى عباده ، فان الله تعالى يهيئهم ليكون هؤلاء الانبياء منحدرين من نسل طاهر وموحِد لله تعالى .
ويجب الاشارة الى ان لكل نبي من هؤلاء الانبياء معجزة يختص بها لتكون حجة دامغة على قدرة الله تعالى ، فنرى ان النبي عيسى له القدرة على احياء الموتى بإذن الله وشفاء المرضى ، بالإضافة الى عصا موسى (عليهم وعلى نبينا و اله السلام)، وكذلك معجزة الاسلام والنبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الا وهي القرآن الكريم الذي بقي محفوظاً من التزوير والتلاعب من قبل الايادي الخبيثة التي حرفت الكتب التي ارسل بها انبياء اولي العزم وهي التوراة والانجيل والزبور ، لذا فان لكل نبي معجزة يستطيع اظهارها والقيام بها بإذن الله تعالى ، كقدرة سيدنا عيسى على احياء الموتى ... فهذه القدرة هي قدرة ربانية ولا يستطيع النبي عيسى ان يحيي الموتى الا بإذن الله تعالى اي ان النبي عيسى ليست له القدرة على احياء الموتى من دون الله (عز وجل) لان الانبياء عبيد لله كما نحن تماماً ولكن لكل منزلته الخاصة به ، حيث انهم مماثلون لنا وليس كما قال البعض عنهم .. حيث قال المسيح بأن عيسى ابن الله تعالى ... وهذا الامر يعد كفراً بصفات الله تعالى فقد عرفنا انه الواحد الصمد الذي لا صاحبة له ولا ولد ، وان تأليه الانبياء هو كفر بذات الله ايضاً فنحن كما قلنا سابقاً ان الانبياء هم عباد الله وليسوا ارباباً علينا او على غيرنا فليس هناك سوى رب واحد وهو الله (سبحانه وتعالى) .
ان هؤلاء الانبياء والمرسلون هم المطبقون لأوامر الله على ارض الواقع وهم بمثابة قرآن ناطق ومتحرك فهم ينفذون اوامر الله تعالى فيأتمرون بأوامره وينتهون عن ما نهى عنه ، فنجد انهم (عليهم وعلى نبينا واله افضل الصلاة والسلام) يتحلون بأخلاق حميدة فهم تربية الله تعالى ، ونرى انهم قد ادوا حقوق الله وعباده على اتم واكمل وجه .
وان عقيدتنا في النبوة تقول : ان النبي بشر مثلنا ولكنه معصوم في تصرفاته واقواله وانه لا يسهو ولا ينسى ولا يخطئ وانه غير معرض لعوارض الامراض وما ينتج عنها من هذيان او ما ينتج من نتائج السحر ، وانهم يقولون حقاً في نومهم ويقظتهم وفي فرحهم وفي غضبهم وفي صحتهم وفي مرضهم ايضاً ، فهم رسل الله تعالى الينا ولا يعقل ان يكون النبي معرض للخطأ والا فما الذي يضمن لنا انه لم يخطئ في نشر الدعوة كأن يخطأ في حكم من الاحكام ، وان ان لا يبلغ الناس امراً من اوامر الله تعالى ، وان كلامنا هذا يستند الى الآية الكريمة التي تقول عن نبي الإنسانية محمد (صلى الله عليه واله وسلم) :{وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى}.
اي انه (صلى الله عليه واله وسلم) لا يتكلم او يتصرف من عند نفسه وانما كل افعاله هي تنفيذ حرفي للوحي من عند الله تعالى .
وان مما يجب الاشارة اليه هو ان الله تعالى قد فضل بعض الانبياء والرسل على بعض ، كل حسب الابتلاءات والاختبارات التي تعرض لها او الكرامات التي حظي بها كما اسلفنا ، فان لكل شيء مستويات متفاوتة .. كذلك الانبياء والرسل فلكل منهم منزلة خاصة به .. بدلالة قول القرآن الكريم :{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات}.
وان الله تعالى قد صرح بهذا الامر بشكل اكبر واكثر وضوحاً في الآية الكريم التي تقول :{ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض}.
وفي هذه الآية الكريمة دليل على تصريح بأن الانبياء ذوو منازل ودرجات مختلفة في الدنيا والاخرة.
وان الآيات القرآنية التي تدل على ان الناس درجات كثيرة منها قوله تعالى : :{انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة اكبر درجات واكبر تفضيلاً}.
وكذلك مجموعة من الآيات القرآنية الاخرى منها قوله تعالى :{هم درجات عند الله}.
وقوله تعالى :{يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات}.
وقال الامام الصادق () :( ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عبداً قبل ان يتخذه نبياً ،وان الله اتخذه نبياً قبل ان يتخذه رسولاً ، وان الله اتخذه رسولاً قبل ان يتخذه خليلاً ، وان الله اتخذه خليلاً قبل ان يجعله اماماً ، فلما جمع له الاشياء قال :{اني جاعلك للناس اماماً} ، قال : فمن عظمها في عيم ابراهيم قال :{ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} قال : لا يكون السفيه امام المتقي).
ان هذا الاكم يبين لنا ان لكل نبي منزلة ومرتبة لأنه يمر بمجموعة من الصفات والتسميات التي توصله الى تلك المرتبة التي يتمتع بها ، وقد بين لنا هذا الحديث ان الرسالة اعظم من النبوة وان الامام اعظم من كل تلك الصفات والتسميات المختلفة التي بينها الامام الصادق () .
وكذلك قال الامام الصادق () في موضع آخر :( الانبياء والمرسلون على اربع طبقات : فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها ، ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة ، ولم يبعث الى احد وعليه امام مثل ما كان ابراهيم على لوط ()، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك ، وقد ارسل الى طائفة قلوا او كثروا ، كيونس ، قال الله ليونس :{ وارسلناه الى مائة الف او يزيدون}قال : يزيدون ثلاثين الفاً وعليهم امام ، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو امام مثل اولي العزم ، وقد كان ابراهيم ()نبياً وليس بإمام حتى قال الله :{اني جاعلك للناس اماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}من عبد صنما او وثنا لا يكون اماماً ).
ان في كلام الامام الصادق هذا تصنيفاً للأنبياء (عليهم السلام) وتبيينا بأنهم على مراتب ومنازل مختلفة .
ان منزلة البشر بشكل عام تعتمد على افعالهم التي قاموا بها وبما ان الانبياء هم بشر مثلنا فهذا يدل على ان لكل منهم عملاً يفضل به على غيره من الانبياء وقد قال الله تعالى :{الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وانفسهم اعظم درجة عند الله}.
وكذلك قوله (عز وجل) :{ذلك بأنهم لا يصيبهم نصب ولا ظمأٌ ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً الا كتب لهم به عمل صالح}.
لذا فان لكل شخص عمل ما يعاقب او يكافأ عليه وللأنبياء افضال تختلف فيما بينهم الامر الذي يؤدي الى تفاوت مراتبهم ومنزلتهم عند الله تعالى ولكنهم في نهاية الامر انبياء مرسلون من عند الله تعالى .
{الاسلام دين التسامح والوئام}
لقد بعث الله تعالى الانبياء والرسل من اجل نشر الدين الاسلامي كما اسلفنا ، وان هذا الدين هو دين تسامح وحب وتعاون ووئام ، فهو ليس دين تقييد الحريات بل هو دين التمتع بهذه الحريات لأنها بكل بساطة حرية يجب ان يتمتع الانسان بها ولكن ضمن نطاق محدود ومسيطر عليه وحسب ما يقتضيه العقل وبما يساعد على تنظيم حياة الانسان بالشكل الذي يساهم في تقدمه ورقيه ، و قد حث الدين الاسلامي الحنيف على مجموعة من الصفات والثوابت التي يجب ان يعرفها سكان العالم اجمع منها تحقيق الحب والوئام ونبذ الكراهية والبغضاء والتي من شأنها ان تفسد المجتمع وتجر افراده الى نزاعات لا توصف سوى انها تنم عن جهل بكل الامور ، فمن المعلوم ان الاسلام قد حث على كل ما من شأنه ان يساهم في تقدم المجتمع بل ان التقدم لا يتم الا بالعمل على وفق هذه الثوابت والاعمال الاسلامية والتي لا يطبقها عدد كبير من المسلمين في ارجاء العالم للاسف ، ومن المعروف ان الصفات الحميدة هي التي تحرز التقدم والبناء الصحيح والقوي للمجتمع بحيث يكون المجتمع قوياً وذا اساس قوي رصين .
ومن الامور التي حث عليها الدين الاسلامي بلسان الانبياء والمرسلين او عن طريق القرآن الكريم او عبر ائمة الهدى هي ان لكل فرد من افراد المجتمع حرية اختيار الدين الذي يراه احق باتباعه وله حرية عبادة الرب الذي يتراءى له انه الرب الذي يستحق العبادة دون الاخرين وخير دليل على ذلك هو الصلح الذي عقده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مع يهود المدينة والذي نقضه اليهود في النهاية .. الامر الذي ادى الى طردهم من المدينة من قبل رسول الله بسبب نقضهم لعهدهم ، وان مغزى الكلام هو ان رسول الله الذي ارسله الله تعالى ليبلغ الناس برسالة الاسلام لم يمانع العيش مع اليهود في نفس المدينة الامر الذي تفتقده الكثير من الاديان الاخرى التي تعتمد على اساس ضعيف لا اصل له ، وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم {لا اكراه في الدين}.
بالإضافة الى ذلك فقد حث الاسلام على شيوع مبدأ الشورى والتشاور في جميع الامور مع الاشخاص الذين يخصهم الامر والذي يستطيعون المساهمة في ايجاد حل لكل مشكلة تطرأ على المسلمين ، فان مبدأ المشاورة هو اصل النجاح والتقدم وهو اساس لكل خير في المجتمع ، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم {وامرهم شورى بينهم} وان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هو قرآن ناطق وتطبيق للقرآن الكريم لذا نجد انه قد شاور المسلمين في كثير من المواقف التي مر بها المسلمون في مسيرتهم الخالدة والتي افنوا حياتهم في سبيلها ، وخير دليل عليها هو مشاورة رسول الله المسلمين في معركة الخندق (الاحزاب) وقد اختلفت فيها آراء المسلمين حول الحل للمشكلة التي طرأت آنذاك الى ان وصل الامر برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ان يستمع الى مشورة سلمان المحمدي الذي اقترح حفر الخندق ، فحصد المسلمون الانتصار بفضل حفرهم للخندق وشجاعة الامام علي () ، لقد امر الله تعالى رسوله الكريم ان يشاور المسلمين في كل شيء ، بالإضافة الى ان فيه امراً لنا نحن ايضاً يدعونا الى التشاور حين قال (عز وجل) :{وشاورهم في الامر}.
بالإضافة الى كل هذا فقد حث الاسلام على جملة من الامور الاخرى ومنها تطبيق مبدأ العدالة والمساواة بين الناس ، فالإسلام بمبادئه واسسه لا يفرق بين مسلم وكافر وبين رجل وامرأة وبين شيخ وطفل وبين عالم وجاهل في الحقوق والواجبات فيطبق مبدأ العدل والمساواة بينهم جميعاً ، فالأمر الوحيد الذي قد يفرق بين شخص وآخر او بالأحرى مسلم وآخر هو التقوى وعبادة الله تعالى ، فليس الامر كما كان يعتقد بعض الاشخاص الذين كانوا يفاضلون بين الناس حسب الانساب وغيرها من الامور الاخرى التي لا يتحقق فيها اي عدل او مساواة في الحقوق او الواجبات التي تقع على الناس جميعاً .
ومن ثم حث الاسلام على تحقيق الالفة والوئام بين المسلمين فهي كما قلنا من الامور التي تؤمن للمجتمع التقدم الايجابي الذي يمكن ان يحدث فرقاً في مفاهيم المجتمع العلمية والثقافية والاخلاقية .
وكذلك حث الاسلام على المؤاخاة بين المسلمين الامر الذي طبقه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بشكل جلي حين آخى بين المهاجرين والنصارى لكي ينمي روح الاخوة والتعاون وحب المساعدة ، فآخى بينه وبين الامام علي () ، لان مبدأ الاخوة من المبادئ التي من شأنها ان ترفع من قيمة المجتمعات ، وان الانسان بطبعه يميل الى اقامة العلاقات ووصل الارحام لذا قام الدين الاسلامي بتنمية هذه المبادئ والسعي لنشر هذه المفاهيم الانسانية والتي ان دلت على شيء فهي تدل على ان الشخص الذي يقوم بها هو انسان يحترم انسانيته ويقدر خلق الله تعالى وما هو عليه فيضع نفسه مكان من يراه محتاجاً لمساعدته فيساعده بقلب رؤوف ورحيم ، ومقتدياً برسول الامة (صلى الله عليه واله وسلم) ، وان من الآيات التي حثت على التآخي قوله تعالى في سورة الحجرات :{انما المؤمنون اخوة} ، لذا فان من صفات الانسان المؤمن هو انه يسعى للتآخي مع الافراد الصالحين من مجتمعه ، وقد حث الله تعالى على التآخي وعدم الفرق حين قال (عز وجل) في القرآن الكريم :{ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} ليتبين لنا شيء آخر هو ان الله تعالى هو اساس الخير وانه (عز اسمه) يرشدنا الى طريق الصواب والصحة وان من يتمسك بحبله المتين القائم على اساس القيام بما يأمر به والنهي عن ما نهى عنه هو الناجي الوحيد من هذه المعمعة التي تجري في حياتنا .
بالإضافة كل ذلك فان الاسلام قد حث على جملة من الامور الاخرى والكثيرة والتي سيطول بنا الحديث ان ذكرناها جميعاً ، وبالمقابل فقد نهى الدين الاسلامي عن مجموعة من الامور التي تخالف ما حث عليه بالتأكيد والتي يجب علينا اجتنابها لنكون من المتمسكين بحبل الله المتين .
{من هو المسلم؟}
ان المسلم بطبيعة الحال هو الشخص الذي يعبد الله تعالى ويؤمن به وبما جاء به الانبياء والمرسلون ، ونطق بالشهادتين اللتين تدخلانه الى كنف الدين الاسلامي الحنيف ، ان من يسلم وجهه لله تعالى هو انسان مسلم ، فيفوض له كافة اموره التي تتعلق به وبما يدور حوله وبمن يحيطونه وبما يجري معه من حوادث ، ان الشخص المسلم هو من يصدق اركان الاسلام ويطبقها كما هي تماماً من دون ان ينقص شيئاً او يزيد ، فهو الشخص الذي يؤدي صلاته وزكاته على اتم وجه ويصوم شهر رمضان منيباً لله تعالى ، فيطلب المسلم رضا ربه في كل فعل يقوم به ويرجوا منه المسامحة على اخطائه التي يرتكبها .
ان معنى الاسلام يختلف كثيراً عن معنى الايمان ، فالإنسان المؤمن لتمتع بصفات تميزه كثيراً عن المسلم الذي يتحلى بصفات اخرى قد تزيد او تنقص ، لان لكل منهما منزلة ودرجة عند الله تعالى ، وقد بين القرآن الكريم ان هناك اختلافاً بين المسلم والمؤمن ، حين قال تعالى :{قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا}.
ان هذه الآية الكريمة تدل على ان هناك فرقاً كبيراً بين المسلم والمؤمن .
وكذلك يجب ان يتم الاشارة الى ان الايمان مصحوب بالإسلام ، ولكن الاسلام غير مصحوب بالإيمان ، اي يجب ان يكون الشخص المؤمن مسلماً فهو امر بديهي لا نقاش فيه ، ولكن ليس بالضرورة ان يكون الانسان المسلم مؤمناً ، وقد دل على هذا الامر مجموعة من الاحاديث منها قول الامام الصادق () :( ان الايمان يشارك الاسلام ولا يشاركه الاسلام ، ان الايمان ما وقر في القلوب ، والاسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء ، والايمان يشرك الاسلام والاسلام لا يشرك الايمان ) .
وكذلك قوله () :( ان الايمان يشارك الاسلام والاسلام لا يشارك الايمان ، فقال سماعة : فصفها لي ، فقال : الاسلام شهادة ان لا الاه الا الله والتصديق برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ، والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الاسلام وما ظهر من العمل به ، والايمان ارفع من الاسلام بدرجة ، ان الايمان يشارك الاسلام في الظاهر ، والاسلام لا يشارك الايمان في الباطن ، وان اجتمعا في القول والصفة).
ان هذين الحديثين يضعان لنا خطوطاً عريضة للتمييز فيما بين الاسلام والايمان وفيما بين الشخص المسلم والشخص المؤمن .
{ظلامة المسلمين}
من المعروف ان الحق واهله محاربون من كل حدب وصوب وهم يتلقون العداء في كل مكان وزمان ومهما كان الموقف المتخذ من قبلهم ، وبطبيعة الحال فان الاسلام يمثل تياراً صحيحاً قائم على اساس العدل والمساواة واقامة الحق بين الناس ، الامر الذي يثير في قلوب المعادين غيظاً شديداً يدفعهم لإلحاق الاذى بالمسلمين ، فان الباطل بمبادئه لا يترك حقاً يستشري وينتشر بين الناس فهو يسعى دائماً من خلال الادوات التي يمتلكها الى نشر الباطل في الامم والمجتمعات المختلفة .
ان المسلمين محاربون من قبل كل الاطراف ، تلك التي يغيظها كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين فنرى انهم يشهرون العداء ضد المسلمين ، وان اكبر عداء للإسلام والمسلمين متمثل في بغض اليهود وحقدهم للإسلام ولرسالة الحق الالهية التي بذل من اجلها العديد من الناس ارواحهم ، فنرى انهم في الوقت الحاضر يحتلون الارض المقدسة في فلسطين ونرى انهم يسيطرون على المسجد الاقصى الذي كان قبلة المسلمين وما يزال معلماً من معالم الدين الاسلامي التي يفتخر بها على مر التأريخ ، لذا فقد مارس اليهود عملهم المتمثل بمحاولة القضاء على الاسلام والمسلمين بسيطرتهم تلك ونرى انهم يشنون غارات عديدة على اناس فلسطينيين عزل لم يفعلوا شيئاً سوى انهم طالبوا ويطالبون بحقوقهم التي انتزعت منهم غصباً وظلماً ، والكل يعلم بمساعيهم لإقامة دولة ثابتة لهم في القدس المحتلة ويمارسون نوعاً من الترهيب المتمثل بمحاولتهم صناعة سلاح نووي يهيمنون بواسطته على كل الاوساط سواء كانت عربية ام عالمية ، ونرى كل يوم مؤامرة من مؤامراتهم الخبيثة التي ترمي الى زرع روح الصراع و التنازع والفرقة بين المسلمين بما يجري من عمل حثيث ومنظم في سبيل القضاء على المسلمين حيث نرى ما يحدث في الاوساط العربية من مشاكل تلك التي من شأنها نزع روح الفرقة والنزاع بين المسلمين .
ان افعال اليهود هذه تذكرنا بأفعال آباءهم واجدادهم مع المسلمين فنحن نتذكر نقضهم للوعود والعهود التي اتفقوا عليها مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، ومحاولاتهم الرامية آنذاك الى اضعاف دولة الاسلام ومحاولة القضاء عليها ، فقد كانوا يتحينون الفرص للقضاء على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وخياناتهم خير دليل على ذلك فقد قاموا بالكثير من الاعمال الرامية الى القضاء على الاسلام والمسلمين لأنه شكل لهم مشكلة على مر العصور والازمان ، لذا فقد امتد عدائهم للإسلام والمسلمين عبر كل هذه العصور والازمان ، ولم يتوانوا في انتهاز الفرص التي حاولت ايذاء المسلمين ولا يزالون يفعلون ذلك لحد الام .
ان ظلامة المسلمين امر يتكرر في زمننا هذا ، فنرى عداء الكفار لحجاب النساء في الدول الغربية وكيف ان بعض الدول منعت النساء من ارتداء الحجاب في الاوساط العامة ، وكذلك قيام القس الكافر بحرق القرآن الكريم الذي يدل على بغض و حقد كبيرين ، لذا فان العداء ضد المسلمين هو عداء ازلي يتجدد مع تجدد الاجيال .
{من هو المؤمن وما صفاته ؟}
لقد بينا في حديثنا السابق ان الشخص المؤمن يختلف عن المسلم في امور كثيرة ومن نواح عدة ، وان الشخص المؤمن هو الذي يؤمن بالله تعالى وبملائكته ورسله وبما جاءوا به من الحكم والشرائع الربانية ، ان الايمان على درجات اوردها الامام الصادق () حين قال :( ا ن الله تعالى وضع الايمان على سبعة اسهم ، على البر والصدق واليقين والرضا والوفاء والعلم والحلم ، ثم قسم ذلك بين الناس ، فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كاملٌ ، محتمل ، وقسم لبعض الناس السهم ، ولبعضٍ السهمين ، ولبعضٍ الثلاثة ، حتى انتهوا الى السبعة ، ثم قال : لا تحملوا على صاحب السهم سهمين ، ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهظوهم ثم قال كذلك حتى ينتهي الى السبعة ).
ان هذا الحديث يدل على ان الايمان على درجات واكمل المؤمنين ايماناً هو الذي يمتلك سبعة اسهم على حسب ما ورد عن الامام الصادق () ، وان كل ما في هذه الحياة مقسم الى درجات ومتفاوت في صفاته حيث تختلف فيما بينها كقول البعض ان العافية درجات فان الايمان درجات ايضاً ، ولقد اشرنا الى ان الايمان افضل من الاسلام وقد قال الامام الصادق () :(ان الايمان افضل من الاسلام ..).
وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( اكمل المؤمنين ايماناً احسنهم اخلاقاً الموطؤون اكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ).
ان للمؤمن عدداً كبيراً من الصفات التي يتميز بها عن غير ومنها ما ذكره رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في حديثه ، فعلى المؤمن ان يتمتع بخلق حسن ، وعليه ان يكون محموداً عند الناس فلا يكون مذموماً لمخالفته لله تعالى وما الى ذلك من الامور الاخرى .
لذا فان المؤمن افضل بالتأكيد من المسلم وهو ارفع منزلة منه ، واما صفات المؤمنين فقد اورد بعضها الامام الصادق () في حديثه حين قال :(ينبغي للمؤمن ان يكون فيه ثمان خصال : وقوراً عند الهزاهز ، صبوراً عند البلاء ، شكوراً عند الرخاء ، قانعاً بما رزقه الله ، لا يظلم الاعداء ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة ، ان العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل امير جنوده ، والرفق اخوه ، والبر والده ).
ان في حديث الامام الصادق () امور يجب التوقف عندها والتي تحتاج الى وقفة طويلة ، فعلى كل شخص مؤمن ان يشكر الله تعالى في السراء والضراء وان يقنع بنعم الله تعالى عليه ، ويجب ان يكون عالماً بحق الله وعباده وان يعمل على تأديتها ، و ان الامر المهم والذي يجب الاشارة اليه هو الظلم ، لان الظلم امر عظيم يحاسب الله تعالى الظالم فيعاقبه اشد العقاب ولكن اللافت في حديث الامام الصادق () هو الاشارة الى ظلم العدو فلا يجوز ... انظر ما أجَل الدين الاسلامي وما اجل من يدعون الى السير على صراط الحق المستقيم الذي لا عوج فيه .
وعلى المؤمن ان يحكم عقله في كل ما يسمع ويرى وان يستثمر هذه النعمة الالهية والمتمثلة بهذه الاداة العجيبة التي تمكننا من اتخاذ القرارات التي من شأنها ان تنقذ حياتنا في كثير من الاحيان ، وعلى الانسان المؤمن ان يتمتع بالرفق بمن هو اضعف منه ومن يصغره سناً ومن يحتاج مساعدته ... فيتذكر حينها قدرة الله تعالى عليه وعليه ان يكون براً بوالديه .. الامر الذي حث عليه الله تعالى كثيراً في كتابه الكريم .
وقال الامام علي () :( الايمان له اربعة اركان : التوكل على الله ، وتفويض الامر الى الله ، والرضا بقضاء الله ، والتسليم لأمر الله عز وجل ).
ان هذا الحديث يشير الى اهمية ايمان الانسان بقدرة الله تعالى فان التوكل على الله يدل على ايمان الانسان بان الله تعالى هو القادر على كل شيء وانه صاحب الامر في النهاية وان في يده تدبير امر السماوات والارض ، فيجب ان نفوض الامر اليه وان نرضى بحكمه (عز وجل) مهما كان لأنه صادر من ارحم الراحمين ، ويجب ان نؤمن ان الله تعالى يفعل ذلك من اجلنا .. فقد روي حديث يقول ان الله تعالى يفرح للإنسان حينما يتوب او يكسب حسنة اكثر مما يفرح العبد نفسه .. وهذ دليل على اللطف الالهي .
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لجماعة :( ما بلغ ايمانكم ؟ ، قالوا : الصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والرضا بالقضاء ، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : حلماء علماء كادوا من الفقه ان يكونوا انبياء ، ان كنتم كما تصفون ، فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي اليه ترجعون).
ان ما قاله رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لا يحتاج الى اي تعليق من عندنا وفي نهاية الامر اقول بما ان الايمان درجات فان كل شخص يحصد ثمار عمله الذي عمله في الدنيا وكل له منزلة تنتج عن اعماله الصالح منها والطالح ، و ان الله عادل يحب العدل فلا يؤاخذ احداً الا بما عمل ، وتقع على المؤمن مجموعة من الواجبات التي يجب عليه ان يؤديها كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم السكوت على الظلام وغيرها من الامور التي يجب على الانسان المؤمن ان يتصرف فيما يخصها كما امر الله تعالى بلسان رسول الكريم والائمة الطاهرين او القرآن الكريم .
وقد وردت مجموعة من الروايات التي سنذكرها زيادة للمنفعة منها قول النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) :( ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الايمان ما خلص في القلب وصدقه الاعمال ).
وكذلك قال الامام علي بن ابي طالب () :( قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( الايمان معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالأركان ).
وقد قال الله تعالى في محكــم كتابـــه العزيــــز :{ومـــا تقـــدمـــوا لأنفســكم من خـــــير تجـــدوه عنــــــد الله}.
وقال (عز وجل) ايضاً :{انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً وعلى ربهم يتوكلون }.
وقال تعالى :{آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير }.
وقال تعالى :{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم }.
وقال الله تعالى :{ فمـــن يعمـــل مثقــــال ذرة خــــيراً يـــره ومـــن يعمـــل مثقــــال ذرة شـــراً يـــره}.
والله ولي التوفيق وهو اساس كل خير .
{الاسلام ينتشر !}
ان الاسلام دين ككل الاديان التي يعتقد بها اهل الكرة الارضية وان مما يجدر الاشارة اليه هو ان هذا الدين السماوي الحنيف بدأ بالانتشار حول العالم وقد ازدادت موجة الاستسلام ، وان عدد المسلمين في تزايد حول العالم اجمع ، فقد بدأنا نسمع بدول ليس فيها اي مسلم في وقت سابق وقد افتتحت فيها مساجد وحسينيات واماكن لعبادة الله تعالى وذكره والخشوع له وتفويض امورهم اليه ، وقد بدأ الاسلام ينتشر بصورة كبيرة الامر الذي ادى الى ازدياد نفوس المسلمين حول العالم وقد بدأت بعض المناطق والبلدان تزداد شهرة بعد ان دخل المسلمون اليها فبدأوا يحيون فيها شعائر الدين الاسلامي ، ان هذا الامر بدأ يغيظ المشركين بشكل عام واليهود بشكل خاص .. فقد علمنا ان اليهود يضمرون حقداً دفيناً للإسلام والمسلمين والذي يصبح ظاهراً في اوقات كثيرة ، فهم عدو الاسلام الاول والاخير .. و رغم كل التفضيل الذي ابداه الله تعالى لهم حين نرى كيف فضلهم على جميع الامم وقد صرح (عز وجل) بهذا الامر في آيات عديدة ، الا تعنتهم وتكبرهم ادى بهم الى الانحراف عن طريق الحق والصواب فاتجهوا في اتجاه اخر وانحنوا الى منحناً غير الذي دعا اليه الاسلام ، وان هذا الحقد قد امتد الى بقية المشركين من الذي يؤمنون بوجود الله كالمسيحين ومن غيرهم ايضاً وقد دل على هذا افعالهم التي تمثلت بالرسوم التي قصدت اهانة رسول الله والتشكيك في رسالته الالهية ومحاولة زعزعة ايمان المؤمنين واضعافه في نفسوهم ولكن افعالهم لم تزد المسلمين الا ايماناً فوق ايمانهم ولم تزعزع ثباتهم على عقيدتهم بل زادتهم ثباتاً الى ثباتهم لذا فان تبعات افعالهم هذه انما هي ذات آثار سلبية على من يفعلها ، و لم يقف المسلمون مكتوفي الايدي في اوقات كثيرة ، كقيام مجموعة من المظاهرات التي استنكرت رسم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) برسوم يراد منها الاساءة الى شخصه .
ان عداءهم للإسلام لا يعترف بصغير او كبير ولا برجل او امرأة وان كل المشاكل التي تحصل في محيطنا الاسلامي دليل على ذلك ، وهؤلاء لا يوصفون الا كما وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم حين قال (عزو جل) : {وفي قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً}.
فقد ابتلاهم الله تعالى بهذا الابتلاء ، فان الاسلام سينتشر رغم انوفهم وان هذا الانتشار الواسع انما هو تمهيد لخروج قائم آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) والطلب بثأر جده الامام الحسين () ، فينشر العدل في العالم اجمع ولا يحتاج سوى لستة اشهر لإقامة ذلك ، عندها يسلم كل من على سطح الكرة الارضية لله تعالى فينتشر الاسلام في العالم اجمع ولا يبقى مسيحي او يهودي لا يؤمن بالله تعالى الا من يحارب الامام () والذي سيواجه مصيره المحتوم .
لذا اقول في نهاية حديثي ان الدين الاسلامي هو دين خالد لأنه الدين الذي اختاره الله تعالى لنفسه وحثنا على التحلي بما يحث عليه هذا الدين الحنيف بما يرضيه (عز وجل) ... لذا فان الاسلام باق والمسلمون باقون على مر الازمان والعصور والدهور.
{اسلام القول وكفر الفعل}
لقد قام البعض بالتستر تحت شعار الاسلام وكأن اسم المسلم مجرد مظهر خارجي ، فنرى ان مجتمعاتنا العربية والاسلامية التي كانت تفتخر بأصالتها العربية واخلاقها العالية التي عمل الدين الاسلامي على تنميتها وزيادة نسبة من يؤمن بها لأنها اساس من اسس بناء المجتمعات على اساس علمي صحيح قد بدأت تفقد هذه الاصالة ، لقد قام اليهود بالعمل على غزو البلدان العربية والتي بدأت تتطبع بطباع اليهود والغربيين التي لا تمت للدين الاسلامي بأية صلة من قريب او بعيد ، وانه امر لا استطيع وصفه سوى انه امر مخجل ومخزي وهو وصمة عار في جبين المجتمعات العربية التي كانت تفاخر بقيمها ولكن ما طرأ عليها هو انها فقدت قدرتها على جر الشعوب والامم لتقلدها وفقدت تأثيرها في الاشخاص الذي يطلعون على مبادئها لأنها بدأت تفقد هذه المبادئ شيئاً فشيئاً .
لقد اصبح المجتمع العربي مجتمع تقليد وهو نسخة لمجتمعات الغرب التي بدأت تتسلل الى مجتمعاتنا ، فقد بدأ المسلمون يتركون بعضاً من اسس دينهم تحت عنوان التطور وانهم سيتطورون اذا تخلوا عن هذه المبادئ والاسس ، وان ما يثير العجب هو ان المجتمعات العربية لا تلتفت الا الى توافه الامور التي لا تقدم ولكن قد تؤخر والتي تحدث ضرراً في اجيالنا المتتابعة ، لقد ترك هؤلاء الاشخاص ابواب العلم والتعلم الصحيحة التي تحدث التطور والتقدم واتجهوا الى الامور التي من شأنها ان تفسد مجتمعاتنا والتي قد تثير فيه نوعاً من الفساد الذي لا تحمد عقباه .
ان كل هذه الامور التي تحدث من تشبه الرجال بالنساء والعكس هو مخطط يهودي يهدف الى افقاد الشخص المسلم هويته الاسلامية التي يتميز بها عن غيره لما يتمتع به الشخص المسلم العالم من شخصية قوية وله القدرة والقابلية على اقامة النقاشات والدفاع عن ثوابت دينه ، لذا فان كل هذه الافعال ترمي الى التأثير على ضعاف الشخصيات الذين يحسون بنقص في شخصياتهم والذين يحاولون سد هذا النقص ويظنون انهم يسدون هذا الفراغ والنقص الموجود في شخصياتهم عن طريق افعالهم غير المبررة ابداً ، ان هذا المخطط اليهودي يستشري في الاوساط العربية المسلمة ، فقد فقدت الكثير من المجتمعات العربية شيئاً من اصالتها بما حدث لها ، وكذلك فقد فقدت اسلامها نتيجة لما وصلت اليه من استهتار الاشخاص واستهانتهم بطبيعتهم البشرية وبدأوا يفقدون انسانيتهم شيئاً فشيئاً .
و ان ما يحزننا ويحز في نفوسنا هو ادعاء البعض انهم مسلمون متمسكون بتعاليم دينهم رغم انهم لا يطبقون امراً واحداً من اوامر الله تعالى .. فترى احدهم كلما تكلم جملتين ذكر الله تعالى ، وان ما يثير العجب هو ان موضوع الحديث لا يربطه بالله تعالى اي رابط ، فما رجاءنا من اشخاص كهؤلاء جهلوا حقهم وحق الله عليهم اولئك الذين جهلوا وادعوا العلم فأصبح جهلهم جهلاً مركباً وهو ابشع انواع الجهل واقبحها.
وليس في يدنا شيء سوى ان ندعوا لمن انعطف في منعطف ابعده عن دينه بالهداية الى طريق الصواب الذي دعا الله تعالى الى السير فيه لضمان النجاة واجتياز الاختبارات بنجاح ، وعلينا ان نحصن انفسنا من كل هذه الامور التي بدأت تستشري في مجتمعاتنا والتي بدأت تشكل خطراً يهدد الإسلام والمسلمين .
{الخاتمة}
اود في نهاية هذا الكتاب ان اقول ان الله تعالى ارفع واسمى واجل و اعظم من ان نصفه نحن البشر ، ولكننا نأمل ان نحقق بوصفنا هذا القرب والتقرب منه عز وجل فنحن في نهاية الامر ونتمنى ان نكون ممن يضلهم الله تعالى بظله يوم لا ظل الا ظله ، وكذلك نحاول تبيين بعض الجوانب المتعلقة بالله تعالى وبهذا الدين الحنيف الذي ارسله الله تعالى رحمة الى عباده ففيه تكريمهم وتفضيلهم على غيرهم من بني البشر ، ولن يكون الانسان انساناً ان لم يكن مسلماً يطبق اوامر الله تعالى وينتهي عن نواهيه ، وارجوا ان يوفقنا الله تعالى لنؤدي الواجبات التي فرضها (عز وجل) علينا وان يساعدنا على تأدية حقوقه وحقوق عباده التي سنحاسب في ذلك اليوم العظيم عليها وسنعاقب ان لم نؤدها كما امر (عز اسمه) ، واتمنى من الله تعالى ان يتقبل منا صالح الاعمال وان يجعلنا من السائرين على نهج نبيه محمد وال بيته الطيبين الطاهرين .