المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيد الكائنات محمد (صلى الله عليه واله وسلم) .. بقلم .. محمد عباس التميمي


محمد عباس التميمي
09-07-2012, 05:19 PM
سيد الكانات محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ..
كتابة وتأليف : محمد عباس خلف لامي التميمي ..
طالب في المرحلة الاعدادية زز من مواليد 1996
تمت الكتابة عام 1432هـ


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

لقد أرسل الله تعالى الكثير من الرسل والانبياء لهداية الناس فخص كل رسول ونبي بقوم وارسله لهدايتهم الى الاسلام وعبادة الله الواحد الاحد والتخلي عن عبادة الاصنام والحيوانات وغيرها من المعبودات فواجه كل رسول عداءا كبيراً من قِبل القوم الذي ارسل لهدايته وذلك من خلال الضرب والشتم واتهامه بالجنون والسحر ولكن رغم ذلك لم يتراجع اي نبي او رسول عن تبليغ رسالته وقد ختم الله تعالى رسله بخاتم الانبياء والمرسلين وهو النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم)،لم يختلف رسول الله عن من سبقه من الانبياء والمرسلين حيث واجه تصدياً كبيراً من قِبل المشركين .

ان شخصية رسول الله من الشخصيات النادرة والتي لا مثيل لها على مر التأريخ ان هذه الشخصية الرائعة والفريدة الهمتني واثارت فضولي فأردت ان اتحدث عنه ولو بشيء قليل وبكل تأكيد سيكون قليلا لأن شخصيةً مثل شخصية رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) يصعب التحدث عنها من جميع جوانبها ومهما اطلنا الحديث وزدناه فسيبقى قليلا في حق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لقد اُمر رسول الله بتبليغ رسالة الاسلام الى الامة جمعاء من دون اي تقصير وحاشى رسول الله من التقصير في اداء رسالته الانسانية ورغم كل ما لاقاه من تحديات وعوائق مشاكل بقي صامدا في وجه جميع هذه المشاكل والعوائق وبتشجيع من اصحابه حيث لاقوا ما لاقاه (صلى الله عليه واله وسلم) إضافة إلى التشجيع من ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) حيث أنها ساندته بكل ما في استطاعتها وهو بدوره واصل نشر الرسالة الاسلامية وفي نهاية الامر استطاع رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)اتمام نشر رسالة الاسلام حيث قال (صلى الله عليه واله وسلم):(اليوم اتممت لكم دينكم ورضيت لكم الاسلام دينا )وهي آية في القرآن الكريم وبعد كل هذا وذاك وبعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)انقلب القوم على اعقابهم فخالفوا رسول الله بعد وفاته واظهروا انهم لم يكونوا محبين لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)حيث لم يستطع الرجل كتم شعوره اتجاه رسول الله فعندما كان رسول الله على فراش الموت امر بجلب قلم ودواة فقال الرجل حسبنا كتاب الله وقال ان الرجل ليهجر ويقصد بذلك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وظلموا آل بيت محمد(صلوات الله عليهم اجمعين)وفعلوا ما استطاعوا في سبيل ايذاء اهل بيت النبي وفوق كل هذا وذاك يأتي البعض ليدّعوا انهم خلفاء رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)وهم ليسوا الاحق في ذلك حيث اوصى رسول الله بالخلافة بعهده للإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام)ويسميهم الناس خلفاء رسول الله ويأتي الان بعض الجهلة النيام ويقولون ان معاوية صحابي جليل وان ابا بكر وعمر وعثمان احق بالخلافة من امير المؤمنين ويحبون هؤلاء اكثر من حبهم لآل بين رسول الله ويمجدونهم ولا يستطيعون اخفاء بغضهم للإمام علي ومن تبعه من اهل البيت(صلوات الله عليهم اجمعين)ويدعون انهم من اهل العلم وانهم مسلمين وعندما تأتي للتأريخ وتقرأ لهم ما قيل في هؤلاء يقولون انتم تسبون وتلعنون صحابة رسول الله رغم اننا لم نذكر شيئاً سوى ما ذكره التأريخ والمصيبة ان ما نذكره لهم هو من مصادرهم وكتبهم المعتمدة وعندما تحظى لك الفرصة للتحدث مع احدهم يبدأ بالقول :لماذا تكذب لماذا تكذب وعندما تطلب منه اعطاء كذبة واحدة لا يستطيع فعل ذلك فيستمر بالثرثرة التي لا معنى لها وهناك امر اخر يحزنني بشدة ألا وهو ادعاء الاسلام او عدم تنفيذ وصايا رسول الله واوامره حيث يوجد في هذا الوقت الفضائيات الفاسدة والتي تريد افقاد المسلمين هويتهم حيث تعرض برامج فاسدة تُفسد شباب المسلمين وخصوصاً ان لم تكن هناك عملية ردع من قِبل الاب او الام فأن هذا سيسبب كارثة حقيقة فلو استمر هذا المر سنرى ما لا يعقل لأن الشعب العربي هو شعب تقليد فأنك تشاهد في احدى الدول العربية او حتى في العراق اورا يتعجب منها العقل المسلم حيث انك في بلد مسلم ونشاهد التقليد الاعمى من قِبل الشباب للممثلين من حيث قصات الشعر والثياب الضيقة وعندما تتحدث مع هذا الشخص تحد انه لا يتحدث الا وذكر اسم الله على لسانه رغم ان الله تعالى بريء من هذا النموذج وان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)قد نهى عن كل هذا وهو بريء من كل شخص بفعل هذه الافعال الشنيعة والتي تسيء الى الاسلام والمسلمين ولكن ما الفائدة من هذا الحديث مع شخص تشبع بأفكار فاسدة منذ الصغر فأنه لم يلقى اي رادع او عائق سواء كان هذا العائق من قِبل الاسرة ام من قِبل المجتمع ليمنعه من مشاهدة هذه الافكار الغربية الفاسدة ولكن العائق الان لمن التزم بقول رسول الله ولم يفعل افعالا تسيء الى الاسلام والمسلمين وتشبع منذ الصغر بالأفكار السليمة وتشبع بحب رسول الله واهل بيته فتجد المجتمع لا يحب هذا الشخص فيسموه بالمعقد وما الى ذلك رغم انه على حق الا انه واجه تصديا من خلال المجتمع حيث ان هذا المجتمع متشبع بأفكار فاسدة فأني اوجه دعوة لكل اب ان يكون والدا بمعنى الكلمة وكذلك الام حيث يجب ان يردعوا كل الافكار السيئة ويشبعوا اطفالهم منذ الصغر على الامور والافكار الجيدة والتي امر رسول الله بالتحلي بها والعمل على تطبيقها والحمد لله رب العالمين وصل اللهم على نبينا محمد واله الطيبين الطاهرين.

الهم صل على محمد وال محمد




{ الباب الاول : من هو النبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم)}

لقد ختم الله تعالى انبيائه ورسله برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)ليصبح هو اخر الانبياء والمرسلين وقد بُشر بمبعثه(صلى الله عليه واله وسلم)قبل مبعثه من قِبل من سبقه من الانبياء والمرسلين حيث كانوا يعلمون من هو خاتم الانبياء والمرسلين وكانوا يبشرون بأنه اُرسل لينشر رسالة الاسلام للناس عامة فأن من سبق رسول الله من الانبياء والمرسلين اُرسلوا مبشرين ومنذرين لأقوامهم او لقوم واحد وليس لعدة اقوام ولكن رسول الله ارسل مبشراً ونذيراً لكافة الناس من غير استثناء وسنذكر نسب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كما ذكره المسعودي في كتابه(مروج الذهب):وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ... بن شيث بن ادم (عليه السلام) وقال هذا ما في نسخة هشام في كتاب المغازي والسير عن ابن اسحاق والنسخ مختلفة الاسماء من نزار.
وامه آمنة بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب وقد دُفع الى حليمة بنت عبد الله بن الحارث (حليمة السعدية) لترضعه(صلى الله عليه واله وسلم).

وبعد ان ردت حليمة السعدية رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)الى امه اخذته بعد سنوات الى زيارة اخواله فتوفيت كما قال المسعودي بالأبواء وبعد سنة توفي جده عبد المطلب فضمه عمه ابو طالب وعاش رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)في كنف ابو طالب وقد اشارت بعض الروايات الى ان ابو طالب كان يحب رسول الله مثل حبه لأولاده بل اشد وقد خرج مع عمه في تجارة الى الشام ثم خرج في تجارة لخديجة بني خويلد مع غلامها ميسرة.

لقد تحلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بأخلاق فاضلة وبشجاعة نادرة وقد سمي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بأسماء عديدة منها احمد ومحمد والماحي والعاقب والحاشر وطه وان تعدد الاسماء دليل على عظمة هذا الشخص ومنزلته العالية عند الباري عز وجل لقد تحلى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)بصفات كثيرة وعديدة وهو يستحقها بكل تأكيد ومن الجدير بالذكر ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)كان ذا اخلاق حسنة قبل ان ينزل عليه الوحي اي انه لم يصبح حسن الاخلاق بعد نزول الوحي عليه وايمانه بالله تعالى فقد كان يعرف بين الناس بالصادق الامين حيث كان(صلى الله عليه واله وسلم) وكان ذلك قبل وبعد نزول الوحي عليه وكذلك الامانة فقد عُرف رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بأداء الامانة الى اهلها وكذلك عندما ذهب في تجارة لخديجة بنت خويلد وقد كان مع رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)غلامها ميسرة حيث شاهد ميسرة افعال واقوال النبي الكريم وحدث خديجة عن اخلاق رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)وامانته فأعجبت خديجة برسول الله وبأفعال رسول الله واخلاقه التي تميز بها عن غيره من اقرانه فجعلنا الله من اتباع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)عسى ان يرحمنا الله ويشفع لنا ببركات نبينا محمد واله الاخيار والحمد لله رب العاملين وصل الله على نبينا محمد واله والطيبين الطاهرين.

محمد ( صلى الله عليه واله وسلم )






















{الباب الثاني : ولادته(صلى الله عليه واله وسلم)}

ان ولادة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) تعني الكثير للمسلمين فهو النور الذي شع واضاء لنا الدرب وارشدنا الى الطريق الصحيح وجعلنا من المؤمنين بالله ورسوله وال بيته ان اولياء الله الصالحين الذين سبقوا نبينا الامين كانوا ينتظرون ولادة هذا النور لينشر رسالة الاسلام على الامة جمعاء وكانوا يبشرون بولادته لقد ولد رسول الله في السابع عشر من عام الفيل وقد فرح بنو هاشم بهذا المولود المبارك وعندما كان رسول الله في بني سعد عند مرضعته حليمة السعدية كان ابو عبد الله يقول:

الحـــــــمد لله الـــــذي اعــــــطاني هـــذا الغـــــــلام الطيــب الاردان
قد ساد في المهــد على الغلـــــــمان اعيــــذه بالـبيـــــــت ذي الاركان

وفي رواية ان عبد المطلب قال:

لاهُــــــم الراكـــــــــب المســــــافر يحـــــــمد قلـــــب بغــير طائــــر
تـــــنح عــــن طريـــقه الفـــــواجر وحيــــــه برصـــــد الطــــــواهر
واحـــــبس كــــل حلـــــف فــــاجر فــــي درج الــــريح والاعاصـر

ان رسول الله يمثل الرحمة والنفحة التي اهدانا الله اياها لنستفيد منها فهو الرحمة المهداة الى العالم اجمع فمن اراد الرحمة من الله تعالى تمسك برسول الله وبالمنهج الذي يسير عليه(صلى الله عليه واله وسلم)واما من لم يرغب بالرحمة من عند الله تعالى لم يتمسك برسول الله وعاداه وآذى رسول الله والاسلام والمسلمين فقد فقد الفرصة في الحصول على الرحمة من عند الله تعالى فأن رسول الله يشفع لمن اتبعه من المسلمين عند الله تعالى في ذلك اليوم الذي لا ريب في قدومه ليغفر الله لهم ذنوبهم ويكفر عن خطاياهم ويجب على كل من يدعي انه من المسلمين ان ينفذ ما اوصى به رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فيفعل ما امر به الرسول الكريم ويترك ما نهى عنه ويتجنب عمل المحرمات وكل ما يسيء الى الاسلام والمسلمين فان هناك من يدعي انه من المسلمين وهو يفعل ما نهى عنه رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)وامر يترك العمل به وان هذا الشخص قد خالف رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)ورغم ذلك يحسب نفسه من المسلمين ومن المؤمنين بالله وبرسوله والرسالة التي ارسل من اجلها وهناك نماذج كثيرة مثل هذا النموذج في المجتمعات العربية المسلمة نعود الان الى موضوعنا وهو ولادة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم).
اقول: ان الاحتفال بولادة رسول الله هو من الامور الطبيعية عند محبي رسول الله واهل بيته ولكن البعض يحارب هذه الظاهرة الجميلة والرائعة حيث انهم يحبون رسول الله ويفرحون بولادته فيعبرون عن ذلك بالاحتفالات وتوزيع الحلوى واقامة مجالس افارح بخصوص هذا الحدث الجلل ألا وهو ولادة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)ولكن هناك بعض مدعي العلم يظهرون العداء لهذا الامر ويقولون انه من الامور المحرمة ويسمونها بدعة وما الى ذلك ويقوم هؤلاء بالادعاء بأنهم من انباع رسول الله وهم يحاربون ويحاولون التصدي لمحبي رسول الله من المسلمين لأنهم يفرحون بذكرى ولادته ولكن المسلمين والمؤمنين تصدوا لمحاولات هؤلاء الجهلة وان هؤلاء المؤمنين في تزايد يوما بعد يوم لأنهم يدركون الحق ويميزون الحق من الباطل ان الجهلة الذين يتصدون للاحتفال بذكرى ولادة رسول الله لا يستحقون ان يكونوا من المسلمين وهم ليسوا من المسلمين ولكن المحزن ان هناك الكثير ممن يتبعون هذه النماذج الشاذة ويقومون بأتباع اوامرهم ويعادون محبي رسول الله واهل بيته والسؤال الان هو ما سبب هذا العداء الواضح لهؤلاء المؤمنين بل ما سبب هذا العداء الواضح لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)اليس هو نبي من انبياء الله وهو خاتم الانبياء والمرسلين ارسله الله تعالى الى الناس مبشرا ونذيرا وخصه بمهمة هداية الناس الى الاسلام والى عبادة الله الواحد الاحد وضحى في سبيل الله وفي سبيل الاسلام وفي سبيل تبليغ رسالته واكمالها على احسن وجه وافنى عمره في سبيل اتمام رسالة الاسلام وهدايتنا الى الصراط المستقيم ان هذه الشخصية تستحق كل التقدير والمحبة وتستحق ان يقتدي بها الناس ويستحق جزاءاً كبيرا لقاء ما فعله وقد جازاه الله بأحسن الجزاء ورفعه في اسمى درجة ومنزلة ولكننا لا نستطيع مجازاة رسول الله لأننا لم ندركه وحتى لو ادركناه وكنا معه لما استطعنا تقديم شيء ومهما فعلنا فلن نستطيع مجازاة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)فلماذا لا نبذل جهدنا في سبيل مجازاة رسول الله وذلك من خلال تنفيذ ما امر به وترك ما نهى عنه ونفرح لفرحه ونحزن لحزنه وان الاحتفال بذكرى ولادته هو جزء من هذه المجازاة فما سبب كل هذا العداء والعمل للتظليل والعداء ولكن رغم كل ما يبذلونه من جهد في سبيل القضاء على هذه الظاهرة فقد ازداد الناس الذين يقومون بهذه الاحتفالات المحمدية وانقلب السحر على الساحر فأنقلب كل هذا العداء ضدهم واتباع رسول الله واهل بيته في تزايد واتباعهم في تناقص و نتمنا لهؤلاء الهداية رغم انهم تشبعوا بمبادئ غريبة عن الاسلام وهي مبادئ بنو امية ولكن نتمنا من اعماق قلوبنا ان يهتدي هؤلاء الى الطريق الصحيح والله القادر على كل شيء.


وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى


{الباب الثالث : لمحة من أخلاقه(صلى الله عليه واله وسلم)وبعض صفاته}

لقد تحلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بأخلاق فاضلة فقد قال(صلى الله عليه واله وسلم):(ادبني الله فأحسن تأديبي)لقد ادب الله تعالى رسوله وميزه بالعديد من الصفات والخصائص فأن رسول الله هو المثال لحسن الاخلاق والادب وعلى كل مسلم الاقتداء برسول الله فهو شخصية فذة وان قول رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)ان الله تعالى ادبه فأحسن تأديبه دليل على شخصية رسول الله النادرة من نوعها فأن الله تعالى قد خصه بهذه الفضيلة التي يتمنى كل شخص مؤمن ان ان يُخص بها ولكن الله تعالى لا يخص اي عبد من عباده ليتحلى بهذه الفضيلة وارسله الله تعالى مبشراً ونذيراً للامة جمعاء من دون استثناء فأستطاع بأدبه وحسن اخلاقه وعمله الجاد ان يهدي الناس الى عبادة الله تعالى فلو كان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ليس من ذوي الاخلاق الحسنة لما سانده احد و لانفض الناس من حوله ولما آمن به احد ولتفرق الناس من حوله وسنذكر بعض صفاته(صلى الله عليه واله وسلم):

العفو والصفح:

ان العفو والصفح من الامور المهمة التي يجب على كل مؤمن ان يتحلى بها فعليه ان يعفو على كل من اساء اليه وعليه ان يقابل الاساءة بالإحسان ويصفح عن كل مخطئ حتى لو كان قادرا على الرد على المسيء والانتقام منه ولكنه رغم ذلك يعفو ويصفح عن المسيء والمخطئ ،وقد قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم):(مروتنا اهل البيت :العفو عمن ظلمنا وإعطاء من حرمنا) ان هذه الصفة واحدة من صفات كثيرة تحلى بها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

بشاشة الوجه والمصافحة:

ان بشاشة الوجه من الامور المهمة ايضاً فلا يجب على الانسان ان يكون عابس الوجه غليظ الكلام لقد كان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)بشوشاً وعن جابر بن عبد الله الانصاري عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)قال:(من اخلاق النبيين والصديقين البشاشة اذا تراءوا والمصافحة اذا تلاقوا) وقد كان(صلى الله عليه واله وسلم) لا يفرق في المصافحة بين الغني والفقير فهو يصافح الغني والفقير ولا يسحب رسول الله يده حتى يفعل المقابل ذلك وسواء كان المقابل من الاغنياء ام من الفقراء.



الامانة وحفظ الوعد:

ان الامانة وحفظ الوعد من الصفات التي يجب على كل مؤمن ان يتحلى بها فأن حفظ الامانة من الركائز الاساسية للإسلام وكذلك حفظ الوعد وان حفظ الوعد من الامور التي حث عليها رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)،وقد قال ابو عبد الله(عليه السلام)قال :ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)وعد رجلا الى صخرة فقال :انا لك ها هنا حتى تأتي ،قال فاشتدت الشمس عليه، فقال له اصحابه :يا رسول الله، لو انك تحولت الى الظل، قال وعدته الى ها هنا وان لم يجيء كان منه الجشر ،اي التباعد وخلف الوعد.

كما قال في الامانة حيث قال ابو عبد الله (عليه السلام):(ادوا الامانة الى من ائتمنكم عليها برا او فاجر ،فأن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) كان يأمر بأداء الامانة الخيط والمخيط) .

مداراة الناس وحسن معاملتهم:

ان مداراة الناس تأتي من حسن الخلق وقد كان رسول الله يحب معاملة الناس بشكل جيد ويتكلم معهم بكلام لائق او لطيف وكان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)لا يفرق بين شخص واخر فهو لا يفرق بين المساكين وغيرهم بل انه كان يحبهم ويعطف عليهم وكان لا يفرق بين كبير وصغير وقد كان يجلس على التراب كغيره من الناس ويأكل مع العبيد ويقدم ما في وسعه من المساعدة الى جميع الناس فهو لا يفرق بين احد حتى وصل الامر الى انه لا يفرق بين من يتكلم مع رسول الله بكلام جيد ويحترم رسول الله ومن يشتم رسول الله ويؤذيه حيث انه كان اذا شتمه احدهم رد عليه بالإحسان وعن الامام الصادق(عليه السلام) عن ابائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:(انا امرنا معاشر الانبياء بمداراة الناس كما امرنا بإقامة الفرائض).

وعنه (عليه السلام)قال :قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم):(مداراة الناس نصف الايمان والرفق بهم نصف العيش).

وعنه (عليه السلام):في حديث لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم):(امرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم).

التواضع والزهد:

ان التواضع والزهد امران اساسيان في حياة الانسان المسلم والمؤمن فعلى الانسان ان يكون متواضعا كائنا من كان سواء كان طبيبا ام مهندسا ام بقالا او اي شخص اخر وكذلك يجب عليه ان يكون زاهدا وعن الامام الرضا(عليه السلام)عن ابائه قال :قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):(خمس لا ادعهن حتى الممات :الاكل على الارض مع العبيد ،وركوبي الحمار مؤكفا وحلبي العنز بيدي ولبس الصوف والتسليم على الصبيان، ليكون سنة من بعدي).
وقال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)لبعض نسائه:(ألم انهك ان تحبسي شيئاً لغد ،فأن الله يأتي برزق كل غد).
وفي رواية سُئلت عائشة عما يفعله النبي اذا خلا؟ قالت:(يخيط ثوبه ،ويخصف نعله ،ويصنع ما يصنع الرجل في اهله).
وروي ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان يسلم على الصغير والكبير .

ان كل هذه الصفات وجدت في رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)وبالطبع ان جميعها صفات مهمة وعلى كل مؤمن التحلي بها فهي رمز ووسام للشخص المؤمن الذي يعبد الله تعالى و يتبع رسول الله واهل بيته فجعلنا الله من المتبعين لرسول الله واهل بيته(صلوات الله عليهم اجمعين).


لقد أدبني ربي فأحسن تأديبي








{الباب الرابع : نزول الوحي }

لقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يذهب لغار حراء والذي يقع في جبل ثور حيث انه كان يتأمل الخلق ولم تعجبه الافعال المحرمة التي كان يفعلها المشركون فكان يتأمل في ذرء الخلق ومن خلق كل هذه المخلوقات، وعندما اصبح عمره(صلى الله عليه واله وسلم)اربعين سنة نزل عليه الوحي فنزلت اول آية وغار حراء هو اول موضع نزلت فيه آية على النبي محمد وهي{اقرأ بسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق إقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم} وبعدها نزلت متممة هذه السورة فأصبح رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)بشيراً ونذيراً للناس وكُلف بنشر الاسلام بين الناس من دون استثناء وبعد ذلك نزلت آية على النبي الكريم(صلى الله عليه واله وسلم)تضمن فيها امر للنبي محمد ان ينذر المقربين منه او اقربائه فقام رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)بعرض الاسلام على خديجة الكبرى وهي اول من امن به من النساء وامير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام)وان كل من يدعي ان اول من اسلم من الرجال هو شخص اخر غير الامام علي(عليه السلام) فهو على خطأ بكل تأكيد فأن هناك من يقول ان ابا بكر هو اول المسلمين من الرجال ولكن هذه الآية هي اكبر دليل على ان ان واول من اسلم من الرجال هو الامام علي(عليه السلام)حيث امر النبي بتبليغ رسالته الى اقربائه وان خديجة الكبرى هي زوجة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)لذا فهي من اقربائه وان الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام)هو من اقرباء رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)حيث انه كان يعيش تحت رعاية رسول الله وكان يتبع رسول الله في اقواله وافعاله وهو ابن عمه لذا فهو من اقربائه وبعد ذلك اسلم من اسلم من الرجال والنساء وهذا لديلي كبير على بطلان ادعاء اهل السنة في ان ابا بكر هو اول من اسلم من الرجال حيث ان ابا بكر لا تربطه صله برسول اي انه لا يرتبط به وليس من اقربائه حيث ان امير المؤمنين هو ابن عم رسول الله وخديجة الكبرى هي زوجة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)لذا فأن اول من اسلم من الرجال هو امير المؤمنين (عليه السلام)ومن النساء خديجة الكبرى وقد اثبتنا ذلك وهذا هو دليل الشيعة على ان امير المؤمنين هو اول من اسلم من الرجال وبعد ذلك اسلم ابا بكر ومن معه بعد عرض من رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم).

ان ارسال الله تعالى للنبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) انما هو رحمة للعالمين لما تخلى به رسول الله من خلق حسن جذب اليه الكثير من الناس الذين امنوا بدعوته فشملهم العطف الالهي بتأثير رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أي انه اسلم وآمن بالله تعالى بتأثير رسول الله ن وان حقيقة الامر ان كل من على الارض من هذه الامة قد اسلم وآمن بالله تعالى نتيجة جهود رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الحثيثة لنشر الاسلام بين الناس .
وان قولنا ان الرسول لنما هو رحمة للناس جميعاً قوله تعالى في محكم كتابه العزيز :{و انما ارسلناك رحمة للعالمين} .

أي ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) انما هو رحمة الله التي انزلها على ارضه وشمل بها عباده ، وان قدوم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) انما هو في سبيل وضع اصر الناس وهدايتهم الى طريق الصواب وقد جاء النبي لرفع الاغلال عن ايدي الناس ، فهو لم يأت (صلى الله عليه واله وسلم) ليكون واضعاً للأغلال والسلاسل التي تقيد المجتمع آنذاك ، وان رسول الله هو ارحم بأمته من أي احد آخر .





اقرأ بسم ربك الذي خلق






{الباب الخامس : الدعوة إلى الإسلام}

بعد ان اسلم عدد من الاشخاص وامنوا برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)وبالرسالة الاسلامية اُمر بالدعوة سراً فنفذ رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)هذا المر وبدأ بدعوة الناس سراً لكي لا يحس عليه المشركين من قريش فأن عرفوا بما يسعى اليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)فأنهم سيبذلون ما في وسعهم في سبيل ايقاف رسول الله ويقومون بإيذاء رسول الله واصحابه فهم قليلون ولكن اذا جمع عددا من الاشخاص المسلمين فأنه يستطيع نشر الرسالة على الناس علنا فقام رسول الله بعرض الاسلام على اقربائه ومن يثق بهم ويعرف بأن هناك املا في اسلامهم فأستمر هذا الامر ثلاث سنين اصبح عدد المسلمين لا بأس به فأمر الله تعالى رسوله بإعلان الاسلام وعرض هذا الدين على الناس فسبب هذا الامر فوضى كبيرة و قريش هم اول المتضررين حيث انهم كانوا يحسون بأن هذا الدين سينتشر واذا حدث هذا الامر فأنه سيؤثر على مكانة قريش بين القبائل وكذلك نفوذها السياسي وما الى ذلك فبدأ رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)بنشر دين الاسلام بين الناس علنا وبدأت بذلك المشاكل وبدأت تظهر العوائق والعقبات امام رسول الله ومن معه من اصحابه واتباعه لكن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) تمسك بما اُرسل من اجله وتابع بكل ثبات وعزم، وعندما عرفت قريش او المشركين عامة بما ينوي النبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) القيام به ادركوا ان الخطر سيهددهم ان انتشر هذا الدين فحاولوا اغراء رسول الله بالأموال وما الى ذلك ولكنه لم يقبل عروضهم فأنهم حين طلبوا من ابي طالب ان يقنع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بالتراجع عن نشر هذا الدين ووان فعل رسول الله ذلك فأنه سيحققون ما يطلبه النبي منهم ولكن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)لم يتراجع وحين قال له عمه ما قيل له قال رسول الله: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان هذا الامر ما تركته وبذلك قررت قريش قتل رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)لانهم لم يستطيعوا اقناع رسول الله في ترك نشر الدين الاسلامي وعرفوا اصرار رسول الله على نشر هذا الدين وعندما علم رسول الله بذلك امر رسول الله بأمر من الله عز وجل بالهجرة للتخلص من المشركين وابقى امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) في فراشه وعند قدوم المشركين الى فراش رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)تفاجئوا بوجود الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام)في فراش رسول الله وفي ذلك الوقت كان رسول الله في طريقه الى يثرب وقد سبقه المسلمون الى هناك وبعد ايام لحق امير المؤمنين (عليه السلام) بالمسلمين وان اختيار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)الهجرة الى يثرب بالذات لأن حاكم يثرب هو مسيحي لذا فهو يؤمن بوجود الله وبعد ذلك ارسل المشركون بعض رجالهم ومنهم خالد بن الوليد والذي يعتبره بعض الجهلة صحابي وما الى ذلك ولكنه ذهب الى حاكم الحبشة لاسترداد المسلمين ليقتلوهم الا ان حاكم الحبشة ابى تسليم المسلمين الى قريش وبذلك تخلص المسلمون من قريش لبعض الوقت واستطاع رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)في هذا الوقت عرض الاسلام على اهل الحبشة فأسلم عدد منهم وامنوا برسول الله وبذلك استطاع جمع عدد جيد من الانصار ليستطيع بذلك ان يتصدى لخطر قريش وقد فعلت قريش ما في استطاعتها في سبيل ايذاء رسول الله والمسلمون الذين رافقوه وامنوا به حيث قاموا بكثير من الاعمال والافعال البشعة وآذوا المسلمين بشكل كبير وسيطول بنا الحديث ان تكلمنا عنها.




احمد ( صلى الله عليه واله وسلم )






















{الباب السادس : الحروب والغزوات}

عندما اصبح عدد المسلمين عددا لا بأس به اصبح رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)و المسلمون مستعدون للحروب وكانت قريش تؤذي المسلمين في جميع الاوقات والاحيان التي يستطيعون فيها ذلك ولكن تمسك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)ومن معه من اصحابه المسلمين الثبات بكل عزم فبدأت الحروب والغزوات ومنها غزوة احد وغزوة بدر وغزوة الخندق وغزوة تبوك وخيبر والعديد من الحروب الاخرى وقد قالت الروايات انها بلغت ستا وعشرين غزوة وقال البعض انها سبع وعشرين غزوة خاضها المسلمين ضد المشركين ومن الجدير بالذكر ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)لم يخض اي حرب من هذه الحروب وهو محب لها بل انه يكره الحروب وقد اسماها امير المؤمنين بالخدعة لذا فأنه مجبر على خوضها حيث تبدأ الحرب من طرف المشركين ويرد جيش المسلمين لكن في بعض الاحيان كان المسلمون يحاولون القضاء على المشركين فيبدأون الهجوم كتعرضهم لقافلة ابي سفيان لقد سببت هذه المعارك مقتل الكثير من الاشخاص سواء كانوا من جيش المشركين ام من جيش المسلمين ولكن جيش المشركين هو الطرف الاكثر خسارة لمقاتليه لقد قلال بعض المؤرخين ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)خاض تسعة غزوات من مجموع غزوات المسلمين ولكن بعض العلماء قالوا انها اكثر من تسعة غزوات وقد رتبا المسعودي في كتابه(مروج الذهب)لقد انتصر المسلمون في هذه الحروب والمعارك بفضل التعاون فيما بينهم والثبات على هدفهم وعدم التراجع مهما حدث و لقد حضي رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) بمساعدة كبيرة من اصحابه واتباعه فقد كان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)يتشاور معهم ويستمع الى افكارهم بخصوص الحروب والغزوات حيث كانوا يخططون لكل حرب قادمة ومثال ذلك غزوة الخندق حيث ان الصحابي سلمان المحمدي(رضي الله عنه)هو الذي اعطى الفكرة بأن يحفر خندقا حول المدينة لكي لا يستطيع احد من المشركين عبوره وقد تعاون جميع المسلمين في حفر هذا الخندق ورسول الله معهم ايضاً حيث كان يعمل مثل اصحابه وقد نجح المسلمون في هذه الغزوة وانتصروا على المشركين ،ان بعض الجهلة يقولون ان ابا طالب ليس من المسلمين ويقولون ان خالد بن الوليد وابا سفيان من المسلمين فكيف يستطيعون قول ذلك ولكن هؤلاء لا يمتلكون عقولا ليفكروا بها لقد كان ابو طالب هو السند لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)وكان يحميه وفعل ما باستطاعته في سبيل مساعدة رسول الله اما خالد بن الوليد وابا سفيان فقد حاربوا رسول الله والمسلمين فقد كان ابا سفيان من اشد المحاربين والمبغضين للإسلام ولرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)وللمسلمين وقد حارب المسلمين في كل وقت استطاع ذلك وقام بإيذاء المسلمين واما خالد بن الوليد فقد كان قائدا على قسم من جيش المشركين وهو سبب انتصار المشركين في غزوة احد حيث التف حول الجبل وحدث ما حدث، فهل يستحق مثل هذين الشخصين ان يعتبران من المسلمين، اضافة الى العديد من الاشخاص الذين كانوا مثل هذين الشخصين وان ابا طالب لا يستحق غير ان يكون مسلما فأن الافعال التي فعلها في سبيل الدفاع عن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)خير دليل على ذلك، وان السؤال الذي يطرح الان هو ما سبب دفاع هؤلاء الجهلة عن اشخاص مثل ابا سفيان وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم الكثيرين فهل يعتقدون حقا ان هؤلاء الاشخاص من الصحابة الاجلاء ام انهم يضحكون على انفسهم وعلى من تبعهم من الجهلة امثالهم فأن كان الاحتمال الاول هو الصحيح فهو لا يصدق لانهم يعتبرون انفسهم من العلماء وما الى ذلك ولهم مؤرخون كثيرون اضافة الى المؤرخين من اهل الشيعة والسؤال الم يقرأ اي من هؤلاء الجهلة التأريخ الصحيح الخالي من التزوير والتحريف فأن افعال هؤلاء واضحة وان هناك الكثير من مؤرخيهم وعلمائهم ذكروا افعال هؤلاء ومن امثلتهم المسعودي الذي يتحدث بشكل واضح حيث انه يذكر افعال معاوية بن ابي سفيان على سبيل المثال ويذكر افعاله المشينة واما اذا كان الاحتمال الثاني هو الوارد فأن مصير هؤلاء هو نار جهنم وبئس المصير رغم ان اي من الاحتمالين سيؤديان الى نار جهنم فأن هؤلاء يتمنون ان يُحشرون مع من يحبون فحشرهم الله مع من يحبون والحمد لله رب العالمين وصل الله على نبينا محمد وال الطيبين الطاهرين.


طه ( صلى الله عليه و اله وسلم )












{الباب السابع : غزوة بدر الكبرى }

سنكتفي هنا بذكر ما قيل كتاب الكامل في التأريخ :

وفي السنة الثانية كانت وقعة بدر الكبرى في شهر رمضان في سابع عشرة ،وقيل : تاسع عشرة وكانت يوم الجمعة .

وكان سببها قتل عمرو بن الحضرمي وإقبال أبي سفيان بن حرب في عِيْر لقريش عظيمة من الشام وفيها أموال كثيرة ومعها ثلاثون رجلًا أو أربعون ، وقيل : قريباً من سبعين رجلاً من قريش منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمرو بن العاص فلما سمع بهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ندب المسلمين إليهم وقال : هذه عِيْر قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أنْ ينفلكموها، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك لأنهم لم يظنوا أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يلقى حرباً، وكان أبو سفيان قد سمع أن النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) يريده فحذر، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة يستنفر قريشاً ويخبرهم الخبر فخرج ضمضم إلى مكة .

ثم ارتحل رسول اللهّ (صلى الله عليه واله وسلم) وترك الصفراء يساراً وعد إليه بسيس بن عمرو يخبره أنّ العِيْر قد قاربت بدراً ولمِ يكن عند رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والمسلمين عِلْم بمسير قريش لمنع عِيرهم ، وكان قد بعث علياَ والزبير وسعداً يلتمسون له الخبر ببدر فأصابوا راوية لقريش فيهم أسلم غلام بني الجحجاح ، وأبو يسار غلام بني العاص فأتوا بهما النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وهو قائم يصلي فسألوهما فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكَرِه القوم خبرهما وضربوهما ليخبروهما عن أبي سفيان فقالا : نحن لأبي سفيان ، فتركوهما، وفرغ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من الصلاة وقال : إذا صدقاكم ضربتموها، وإذا كذباكم تركتموها! صدقا أنهما لقريش أخبِرَاني أين قريش ؟.

قالا : هم وراء هذا الكثيب الذي تري بالعَدْوة القُصْوَى . فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : كم القوم ؟ قالا : كثير، قال : كم عدتهم ؟ قالا : لا ندري ، قال : كم ينحرون ؟ قالا : يوماً تسعاً، ويوماً عشراً . قال : القوم بين التسعمائة إلى الألف . ثم قال : لهما : فمَنْ فيهم من أشراف قريش ؟ قالا : عتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والوليد، وأبو البختري بن هشام ، وحَكيم بن حِزَام ، والحارث بن عامر، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث وزَمْعَة بن الأسود، وأبو جهل ، وأمية بن خلف ، ونُبَيْه ، ومُنبه ابنا الحجاج ، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد وُدّ.
فأقبل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على أصحابه وقال : "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها".

فسار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : " أبشروا فَإِن الله قد وَعَدَنِي إحدى الطائفتين ، والله لكَأنِّي أنظر إلى مصارع القوم . ثم انحط على بدر فنزل قريباً منها.

وكان أبو سفيان قد ساحل (3) وترك بدراً يساراً ثم أسرع فنجا فلما رأى أنه قد أحرز عِيْرَه أرسل إلى قريش وهم بالجُحْفَة (4)إن الله قد نَجَى عيركم وأموالكم فارجعوا .

فلما نزلت قريش أقبل جماعة ، منهم حكيم بن حزام حتى وردوا حوض النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : اتركوهم . فما شرب منه رجل إلا قتل يومئذ إلا حكيم نجا على فرس له يقال : له الوجيه ، وأسلم بعد ذلك فحسُنَ اسلامه وكان يقول إذا اجتهد في يمينه ؛ لا والذي نجّاني يوم بدر. ولما اطمأنت قريش بعثوا عمرو بن وهب الجمحي ليحزر المسلمين (1) فجال بفرسه حولهم ثم عاد فقال : هم ثلاثمائة يزيدون قليلاً أو ينقصون ، ولقد رأيت البلايا (2) تحمل المنايا نواضح (3) يثرب تحمل الموت الناقع ،ليس لهم منعة ولا ملجأ إِلا سيوفهم ، والله لا يُقتل رجلً منهم إلا يقتل رجلاً منكم فإذا أصابوا أعدادهم فما خيرُ العيش بعد ذلك فَرُوا رأيكم .

فقام عامِر وصرخ : وا عمراه وا عمراه ، فحمِيَتْ الحربُ واستوثق الناس على الشر فلما بلغ عتبة قول أبي جهل " انتفخ سحره " قال : سيعلم المُصَفِّرُّ استه من انتفخ سَحره أنا أم هو؟ ثم ألتمس بيضة يدخلها رأسَه فما وجد من عظم هامته فاعتجر (1) ببرد له وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان سيئ الخلق فقال : أعاهد الله لأشربن من حوضهم و لأهدمنه ، أو لأموتن دونه .

فخرج إليه حمزة فضربه فأطن قدمه (2) بنصف ساقه فوقع على الأرض ثم حبا إلى الحوض فاقتحم فيه ليبر يمينه ، وتبعه حمزة فضربه حَتى قتله في الحوض . ثم خرج عتبة، وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة ودَعُوا إلى المبارزة، فخرج إليهم عوف ومُعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة كلهم من الأنصار، فقالوا : من أنتم ؟ قالوا : من الأنصار. فقالوا : أكفاء كِرام وما لنا بكم من حاجة؟ ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا . فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : قُم يا حمزة، قم يا عبيدة بن الحارث ، قم يا علي ، فقاموا، ودنا بعضُهم من بعض فبارز عبيدة بن الحارث بن عبد الطلب وكان أمير القوم عتبة، وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد، فأما حمزة فلم يمهل شيبة أنْ قتله ، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما قد أثبت صاحبه ، وكر حمزة وعليّ على عتبة فقتلاه ، واحتملا عبيدة إلى أصحابه وقد قُطِعَتْ رجله فلما أتوا به النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " ألستُ شهيداً يا رسول الله "؟ قال : نعم .
فقال النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) : والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إِلا أدخله الله الجنة .

فقال : عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن "بَخ بَخٍ ما بيني وبين أنْ أدخل الجنة إلا أن يقتُلني هؤلاء "! ثم ألقى التمرات من يده وقاتل حتى قُتِلَ .

فاقتتل الناس قتالا شديداً، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حِفْنة من التراب ورمى بها قريشاً وقال : " شاهت الوجوه "، وقال لأصحابه : " شُذوا عليهم "، فكانت الهزيمة فقتل الله من قَتَل من المشركين ، وأسر من أسَرَ منهم .

ففدي بعض هؤلاء الاسرى واطلق سراح البعض منهم .

واريد القول بان لفظه (واله) انما هي اضافة اضفناها نحن .









{الباب الثامن : غزوة احد}

وفيها في شوال لسبع ليال خلون منه كانت وقعة أحُد، وقيل للنصف منه .

وكان الذي أهاجها وقعة بدر، فإنه لما أصِيْب من المشركين مَن أصيب ببدر مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية وغيرهم ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهِم وإخوانهم بها فكلموا أبا سفيان ؛ ومن كان له في تلك العير تجارة وسألوهم أنْ يعينوهم بذلك المال على حرب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ليدركوا ثأرهم منهم ففعلوا وتجهز الناس وأرسلوا أربعة نفر وهم عمرو بن العاص ، وهبيرة بن أبىِ وهب ، وابن الزبعرى وأبو عزة الجمحي ، فساروا في العرب ليستنفروهم ، فجمعوا جمعاً من ثقيف وكنانة وغيرهم واجتمعت قريش بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وتهامة، ودعا جبير بن مُطَعّم غلامه وَحْشِي بن حرب وكان حبشياً يقدف بالحربة قلّما يخطىء فقال له : اخرج ت الناس فإنْ قتلت عم محمد بعمي طعيمة بن عَدِيّ فأنت عتيق ، وخرجوا معهم بالظُعُن (2) لئلا يفروا، وكان أبو سفيان قائد الناس فخرج بزوجته هند بنت عتبة وغيره من رؤساء قريش ، خرجوا بنسائهم ، خرج عكرمة بن أبي جهل بزوجته أمّ حكيم بنت الحارث بزَ هشام ، وخرج الحارث بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد، وخرج صفوان بن أمية ببريرة – وقيل : برزة بنت مسعود الثقفية أخت عروة بن مسعود وهي أمّ ابنه عبد الله بن صفوان –وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج وهي أمّ ولده عبد الله بن عمرو، وخرج طلحة بن أبي طلحة بسلافة بنت سعد؛ وهي أمّ بنيه .

وكان مع النساء الدفوف يبكين على قتلى بدر يحرضنَ بذلك المشركين .

وكان مع المشركين أبو عامر الراهب الأنصاري وكان خرج إلى مكة مباعداً لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومعه خمسون غلاماً من الأوس - وقيل : كانوا خمسة عشر.

وكانت هند كلما مرّت بوحشيّ أو مر بها قالت له : يا أبا دُسْمَة (1)أشف واستشف - وكان يكنى أبا دُسْمَة - فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة . فلما سمع بهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والمسلمون قال : إني رأيتُ بَقَراً فأوّلتُها خيراً، ورأيتُ في ذُباب سيفي ثلماً (2) ، ورأيتُ أنّي أدخلتُ يدي في دِرْعٍ حصينة فأوّلتها المدينة فإنْ رأيتم أنْ تقيموا بالمدينة وتَدَعوهم فإنْ أقاموا اقاموا بشر مقام وانْ دخلوا علينا قاتلناهم فيها .

وكان رأىُ عبد الله بن أبَي بن سلول مع رَأي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يكره الخروج ، وأشار بالخروج جماعة ممن استشهد يومئذ وأقامت قريش يوم الأربعاء والخميس والجمعة، ؤ وخرج رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حِين صلى الجمعة فالتقوا يوم السبت نصف شوال فلما لَبس رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحه وخرج ندم الذين كانوا أشاروا بالخروج إلى قريش وقالوا : استكرهنا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ونشير عليه ، فالوحيُ يأتيه فيه فاعتذروا إليه وقالوا : اصنع ما شئت . فقال : " لا ينبغي لنبي أن يلبس لأمته (3) فيضعها حتى يقاتل " .

فخرج في ألف رجل واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم فلما كان بين المدينة واحُد عاد عبد الله بن أبيّ بثُلُث الناس . فقال : أطاعهم وعصاني وكان من تبعه أهل النفاق والريب واتّبعهم عبد الله بن حرام أخو بني سلمة يُذكرهم الله أن لا يخذلوا نبيهم. فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم وانصرفوا . فقال : أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم . وبقي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في سبعمائة فسار في حرّة بني حارثة وبين أموالهم ، فمر بمال رجل من المنافقين يقال له : مربع بن قيظى وكان ضرير البصر، فلما سمع حِسّ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومن معه قام يحثي التراب في وجوههم ويقول : إنْ كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي وأخذ حفنة من تراب في يده ، وقال : لو أعلم أني لا أصيب غيرك لضربت به وجهك ، فابتدروه ليقتلوه ، فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : " لا تفعلوا فهذا الأعمى ، أعمى البصر وأعمى القلب " ، فضربه سعد بن زيد بقوسٍ فشجّه ، وذبّ فرس بذنبه فأصاب كلّاب (1) سيف صاحبه فاستله ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ارجعوا سيوفكم فإني أرى السيوف سَتُسَلُّ اليوم .

وسار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، حتى نزل بعدوة الوادي ، وجعل ظهره وعسكره إلى أحُد ،وكان المشركون ثلاثة آلاف . منهم سبعمائة دارع ، والخيل مائتي فرس ، والظعن خمس عشرة امرأة، وكان المسلمون مائة دارع ، ولم يكن من الخيل غير فرسين فرس لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، وفرس لأبي بردة بن نيار (2)، وعرض رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) المقاتلة، فردّ زيد بن ثابت ، وابن عمر، وأسيد بن ظهير (3) والبراء بن عازب ، وعرابة بن أوس ، وأبا سعيد ا لخدري ، وغيرهم ، وأجاز جابر بن سَمرَة ، ورافع بن خَديج.

وأرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول : خلوا بيننا وبين ابن عمنا فننصرف عنكم فلا حاجة لنا إلى قتالكم . فردوا عليه بما يكره ، وتعبى (4) المشركون ، فجعلوا على ميمنتهم خالد بن الوليد، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ، وكان لواؤهم مع بني عبد الدار، فقال لهم أبو سفيان : إنما يؤتى الناسُ من قِبَل راياتهم فإما أن تَكْفُونا وإما أن تُخَلُّوا بيننا وبين اللواء، يحرضهم بذلك . فقالوا : ستعلم إذا التقينا كيف نصنع ، وذلك أراد .

واستقبل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) المدينة وترك أحُداً خلف ظهره ، وجعل وراءه الرماة، وهم خمسون رجلاً وافر عليهم عبد الله بن جبير (1) أخا خَوّات بن جبير وقال له : انضحْ عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من خَلْفنَا إنْ كانت لنا أو علينا، واثبت مكانك لا نؤتين من قبلك .

وظاهر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بين دِرْعَيْن وأعطى اللواء مُصْعَب بن عُمَيْر وأمّر الزبير على الخيل ومعه المقداد، وخرج حمزة بالجيش بين يديه ، وأقبل خالد و عكإمة، فلقيهما الزبير والمقداد فهزما المشركين ، وحمل النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه فهزموا أبا سفيان ، وخرج طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين ،.وقال : يا معشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أنّ الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل أحدٌ منكم يعجّله سيفي إلى الجنة أو يعجلني سيفه إلى النار؟ .

فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه علي فقطعَ رجله فسقط وانكشفت عورته ، فناشده الله والرحم فتركه فكبّر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقال لعلي : ما مَنَعَكَ أنْ تُجْهِزَ عليه قال : إنّه ناشدني الله والرحم فاستحييت منه . وكان بيد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) سيف فقال : مَنْ يأخذه بحقه ؟ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم ، حتى قام أبو دُجَانة (2) فقال : وما حقُّهُ يا رسول الله ؟ قال : تضرب به العَدُوَّ حتى ينحني . قال : أنا آخُذُه . فأعطاه إياه . وكان شجاعاً، وكان إذا أعلم بعصابةٍ له حمراء علم الناسُ أنه يقاتل - فعصب رأسه بها وأخذ السيف ؟ وجعل يتبختر بين الصفين فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : " إنها مِشْيَة يبغضها الله إلا في هذا الموطن (3) ". فجعل لا يرتفع له شيءٌ إلا حَطمه حتى انتهى إلى نسوة في سفح الجبل معهن دفوف لهن فيهن امرأة تقول :

نحن بنات طارق نمشي علن النمارق (1) مشي القطا البوارق والمسك في المفارق والدرُّ في المخانق (2) إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِق ونفرشُ النمارق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق (3)

وتقول أيضاً :

ويها بني عبد الدار ويها حماة الأدبار (4) ضرباً بكل بتار

فرفع السيف ليضربها ثم أكرم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يضرب به امرأة، وكانت المرأة هند والنساء معها يضربن بالدفوف خلف الرجال يحرضْنَ .

واقتتل الناس قتالًا شديداً وأمعن (5) في الناس حمزة وعلي وأبو دجانة في رجالٍ من المسلمين ، وأنزل الله نصره على المسلمين وكانت الهزيمة على المشركين ، وهرب النساءُ مُصَعِّدات في الجبل ، ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون . فلما نظر بعض الرماة إلى العسكر حين انكشف الكفار عنه أقبلوا يريدون النًهْبَ ، وثبتت طائفة وقالوا : نطيع رسول الله ونثبت مكاننا فأنزل الله تعالى : ( مِنْكم مَنْ يُرِيْدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُّرِيْدُ الآخِرَةَ) (6) يعني اتّباع أمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) .

قال ابن مسعود : وما علمت أنّ أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يريد الدنيا حتى نزلت الآية . فلما فارق بعض الرماة مكانهم رأى خالد بن الوليد قِلَّةَ مَنْ بقيَ من الرماة، فحملَ عليهم فقتلهم وحملَ على أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مِنْ خلفهم فلما رأى المشركون خيلهم تقاتل تبادروا فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم ، وقد كان المسلمون قَتَلُوا أصحاب اللواء فبقي مطروحاً لا يدنو منه أحد، فأخذته عَمْرة بنت علقمة الحارثية فرفعته فاجتمعت قريش حوله وأخذه صواب (7) فقتل عليه ، وكان الذي قتل أصحاب اللواء عليّ - قاله أبو رافع ، قال : فلما قتلهم أبصر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) جماعةً من المشركين فقال لعلي : احمل عليهم ، ففرّقهم وقتل فيهم ، ثم أبصر جماعة أخرى فقال له : احمل عليهم ، فحمل عليهم وفرقهم وقتل فيهم ، فقال جبريل : يا رسول الله هذه المواساة. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : (إنّه مِنّي وأنا منه " . فقال جبريل : " وأنا منكما "، قال : فسمعوا صوتاً : " لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتىً إلا عَلِيّ " (1).

وكسرتْ رباعية (2) رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) السُفْلَى وشقَّت شفته وكَلِمَ (3) في وجنته وجبهته في أصول شعره ، وعلاه ابن قمئة بالسيف وكان هو الذي أصابه -وقيل أصابه عتبة بن أبي وقاص ، وقيل : عبد الله بن شهاب الزهري جد محمد بن مسلم ، وقيل : إن عتبة بن أبي وقاص وابن قمئة الليثي الأدرمي من بني تيم بن غالب (4) وكان أدرم ناقص الذقن وأبى بن خلف الجمحي ، وعبد الله بن حميد الأسدي أسد قريش تعاقدوا على قتل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، فأما ابن شهاب فأصاب جبهته وأما عتبة فرماه بأربعة أحجار فكسر رباعيته. اليمنى وشق شفته .

ولما جرح رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) جعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول : "كيف يفلحُ قومٌ خضبوا وَجْهَ نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله "؟ (6).

وقاتل دونه نفر خمسة من الأنصار فقُتِلُوا ، وترّس (7) أبو دجانة (8) رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بنفسه فكان يقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه .
وقاتل مصعب بن عمير ومعه لواء المسلمين فقُتِلَ قَتَله ابن قمئة الليثي وهو يظن أنه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فرجع إلى قريش ، وقال : قتلتُ محمداً فجعل الناس يقولون : قُتل محمد، قُتل محمد، ولما قُتِل مصعب أعطى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) اللواء عليّ بن أبي طالب . وقاتلَ حمزة حتى مرَّ به سباع بن عبد العزى الغبشاني ، فقال له حمزة : هَلم إليّ يا بن مُقَطِّعَة البظور وكانت أمه أم أنمار خَتّانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله . قال وحشي : إني والله لأنظر إلى حمزة وهو يهذ الناس بسيفه هَذّاً ما يلقى شيئاً يمر به إلا قَتَلَه ، وقتل سِباع بن عبد العزى قال : فهززتُ حربتي ودفعتُها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجتْ من بين رجليه ، وأقبل نحوي فقُلِب فوقَعَ فأمهلته حتى مات ، جئت فأخذت حربتي ثم تنحيتُ إلى العسكر، فرضيَ اللهّ عن حمزة وأرضاه .

وبرز عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مع المشركين وطلب المبارزة فأراد أبو بكر أن يبرز إليه فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : شم سيفك وأمتعنا بك ، وانتهى أنس بن النضر (3) عم أنس بن مالك إلى عمر وطلحة في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم فقال : " ما يحبسكم "؟ قالوا: قد قُتِل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ! قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ موتوا على ما مات عليه .

ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل فوُجد به سبعون ضربة وطعنة، وما عرفه إلا اخته عرفته بحسن بنانه .

وكان أول من عرف رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كعب بن مالك قال : فناديتُ بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله حيّ لم يُقْتَل فأشار إليه " أنصت " (1) فلما عَرِفه المسلمون نهضوا نحو العب ومعه علي ، وألو لكر، وعمر، وطلحة، والزبير، والحارث بن الصمة وغيرهم ، فلما أسند إلى الشِّعب أدركه أبي بن خلف ، وهو يقول : يا محمد لا نجوتُ إنْ نجوتَ . فعطف عليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فطعنه بالحربة في عنقه ، وكان أبَيّ يقول بمكة لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إنّ عندي العود فرساً أعلفه كل يوم فرَقاً من ذرة أقتلك عليه ، فيقول له النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : " بل أنا أقتلك إنْ شاء الله تعالى "، فلما رجع إلى قريش وقد خَدَشَه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) خدشاً غير كبير قال : قتلني محمد. قالوا : والله ما بك بأس . قال بل إنه قد كان قال لي " أنا أقتلك " فو الله لو بصق علىّ لقتلني فمات عدوّ الله بسَرَف (2).

وقاتل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يوم أحد قتالاً شديداً، فرمى بالنبل حتى فني نبله ، وانكسرتْ سية (3) قوسه ، وانقطع وتره .
ولما جرح رسول اللهّ (صلى الله عليه وسلم) جعل عليّ ينقل له الماء في درقته من المِهْراس (4) ويغسله فلم ينقطع الدم فأتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقتْ حصيراً وجعلت على الجرح مِنْ رماده فانقطع الدم .
(4)هو ما عطف من طرفي القوس .

وصد أبو سفيان ومعه جماعة من المشركين في الجبل ، فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : " ليس لهم ان يعْلُونَا " ، فقاتلهم عمر وجماعة من المهاجرين حتى أهبطوهم ونهض رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى الصخرة ليعلوها وكان عليه درعان فلم يستطع فجلس تحته طلحة حتى صعد فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( أوجبَ طلحة ،وانتهت الهزيمة بجماعة المسلمين . فيهم عثمان بن عفان وغيره إلى الأعوص ، فأقاموا به ثلاثاً ثم أتوا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فقال لهم حين رآهم ، لقد ذهبتُم فيها عريضة .

لذا فقد خسر السلمون هذه المعركة نتيجة عدم تنفيذ اوامر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من قبل طلاب الدنيا الذي تركوا مواقعهم على الجبل فدفع المسلمون ضريبة لفعلة هؤلاء .








{الباب التاسع : غزوة خيبر}

في كتاب الكامل في التأريخ :

لما عاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الحديبية أقام بالمدينة ذا الحجة وبعض المحرم وسار إلى خَيْبر في ألف وأربعمائة رجل معهم مائتا فارس ، وكان مسيره إلى خيبر في المحرم سنة سبع واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فمضى حتى نزل بجيشه بالرجيع (1) ليحول بين أهل خيبر وغطفان لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، وقصدت غطفان خيبر ليظاهروا يهود عليه ثم خافوا المسلمين أنْ يخلفوهم في أهليهم وأموالهم فرجعوا ودخلوا بين رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وتهود، فسار رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) وقال في مسيره لعامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع : حدُ لنا فنزل وحداهم تقول :

والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فانزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا

فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : رحمك الله . فقال له عمر : هَلَّا أمتعتنا به يا رسول اللّه - وكان إذا قالها لرجل قُتل - فلما نازلوا خيبر بارز عامر فعاد عليه سيفه فجرحه جرحاً شديداً فمات منه فقال الناس : إنه قتل نفسه فقال سلمة ابن أخيه للنبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا فقال : كذبوا بل له أجره مرتين ، فلما التعرف عليها قال لأصحابه : قفوا. ثم قال : " اللهم رب السموات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما أذرين ، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشرما فيها اقدموا بسم الله لا ، وكان يقول ذلك لكل قرية يقدمها، ونزل على خيبر ليلاً ولم يعلم أهلها فخرجوا عند الصباح إلى عملهم بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه عادوا وقالوا : محمد والله محمد والخميس معه يعنون الجيش . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " الله أكبر خَرِبَتْ خيبر. إنّا إذا نزلنا بساحة قوم ( فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذِرِيْن ) ثلاثاً .

ثم حصرهم وضيّق عليهم وبدأ بالأموال يأخذها مالاً مالاً وتفتحها حصناً حصناً، فكان أول حصن افتتحه حصن ناعم وعنده قتل محمود بن سلمة ألقيت عليه منه رحى فقتلته ، ثم القموص حصن بني أبي الحُقَيْق ، وأصاب منهم رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) سبايا، منهم صفية بنت حُيَّ بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبنتي عم لها فاصطفاها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لنفسه ، وفشت السبايا في المسلمين ، وأكلوا لحوم الحمُر الأنسية، فنهاهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عنها ، وكان الزبير بن باطا القرظيّ قد مَنَ على تابت بن قيس بن شماس في الجاهلية، يوم بُعَاث فأطلقه ، فلما كان الآن أتاه تابت فقال له : أتعرفني ؟ قال : وهل يجهل مثلي مثلك ؟ قال : أريد أنْ أجزيك بيدك عندي ، قال : إنّ الكريم تجزي الكريم ، فأتى تابت رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، فقال : كان للزبير عندي يد أريد أنْ أجزيه بها فهَبْه لي فوهبه له ، فأتاه فقال له : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهو لك ، قال : شيخٌ كبير لا أهلَ له ولا ولد.

فاستوهب تابت أهله وولده ، من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فوهبهم له ، فقال : الزبير أهل بيت بالحجاز لا مال لهم ، فاستوهب ثابت ماله من رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) فوهبه له فمنّ عليه بالجميع . فقال الزبير: أي تابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صقيلة يتراءى فيها عذارى الحيّ كعب بن أسد؟ قال : قتل ، قال : فما فعل سيداً لحاضر والبادي ، حي بن أخطب ؟ قال : قُتل : قال : فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن سموال ؟ قال : قُتل . قال : فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة ، وبني عمرو بن قريظة؟ قال : ذهبوا .

قال : فإني اسألك يا تابت بيدي عندك إلا ما ألحقتني بهم ، فو اللّه ما في العيش بعدهم خير فقتله ، ثم افتتح رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) حصن الصعب - وهو أكثرها طعاماً وودكا -(1) تم قصد حصنهم الوطيح والسلالم وكانا اخر ما افتتح حاصرهم رسول اللّه بضع عشرة ليلة، فخرج منه مرحب اليهودي وقد جمع سلاحه ، وهو يقول :

قد علمتْ خيبر أني مَرحب شاكي السلاح بطل مجرّب
طعن أحياناً وحيناً أضرب إذا الليوث أقبلت تلتهب
كان حِماي كالحمى لا يقرب

وسأل المبارزة فخرج إليه محمد بن مسلمة وقال : أنا والله الموتور الثائر. قتلوا أخي بالأمس ، فأقره رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) بمبارزته وقال : اللهم أعِنهُ عليه ، فخرج إليه فتقاتلا طويلاً، تم حمل مرحب على محمد بن مسلمة، فضربه فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه ، فيها فعضَت عليه وأمسكت ، فضربه محمد بن مسلمة حتى قتله ، تم خرج بعده أخوه ياسر وهو يقول :

قد علمت خيبر أنّي ياسر شاكي السلاح بطل مغاور

وطلب المبارزة ، فخرج إليه الزبير بن العوام ، فقتله الزبير، وقيل : إن الذي قتل مرحباً وأخذ الحصن علي بن أبي طالب ، وهو الأشهر والأصح . قال بريدة الأسلمي : كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ربما أخذته الشقيقة(1) فيلبث اليوم ، واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر أخذته ، فلم يخرج إلى الناس فأخذ أبو بكر الراية من رسول اللهّ (صلى الله عليه وسلم) ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً ، ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : أما والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة - وليس ثَم علي كان قد تخلف بالمدينة لرمدٍ لحقه - فلما قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : مقالته هذه تطاولت لها قريش ورَجَا كل واحد منهم أنْ يكون صاحبَ ذلك فأصبح فجاء عَليّ على بعير له حتى أناخ قريباً من خباء رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهي أرمد قد عَصَبَ عينيه بشقة برد قطري فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ما لك ؟ قال : رمدتْ بعدك . فقال له : ادنْ مني . فدنا منه فتفل في عينيه فما شكا وجعاً حتى مضى لسبيله ، ثم أعطاه الراية فنهض بها معه وعليه حلة حمراء فأتى خيبر فأشرف عليه رجل من يهود فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . فقال اليهودي : غُلبتم يا معشر يهود، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مِغْفَر(2) يماني قد نقبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول :

قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب

فقال علي :

أنا الذي سمتني أمي حيدره كليثِ غاباتٍ كريه المنظرهْ
أكيلهم بالسيف كيل السندره (1)

فاختلفا ضربتين فبدره عليّ فضربه فقدَ الحجفة والمغفر ورأسه حتى وقع في الأرض وأخذ المدينة، قال أبو رافع مولى رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) برايته إلى خيبر، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه يهودي فطرح ترسه من يديه فتناول علي باباً كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتحها الله على يديه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتنيِ في نفر سبعة أناثاً منهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه ، وكان فتحها في صَفر .

وحاصر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حصني أهل خيبر الوطيح ، والسلالم ، فلما أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيّرهم وتحقن دماءهم فأجابهم إلى ذلك ، وكان قد حاز الأموال كلها الشق ونطاة . والكتيبة، وجميع حصونهم فلما سمع بذلك أهل فَدْك بعثوا إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) يسألونه أنْ يُسَيِّرهم وتخلون له الأموال ففعل ذلك . ولما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وأن يخرجهم إذا شاء فساقاهم على الأموال على الشرط الذي طلبوا وفعل مثل ذلك أهل فدك ، وكانت خيبر فَيْئاً للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب .

ولما استقر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أهدتْ له زينب بنت الحارث امرأة سلاّم بن مشكم شاة مصلية(1) مسمومة فوضعتها بين يديه فأخذ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور، فأكل بشر منها، وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : " إنّ هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة " . ثم دعا المرأة فاعترفت فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : بلغتَ من قومي ما لم يَخْفَ عليك فقلت : إنْ كان نبياً فسيخبرَ، وإنْ كان ملكاً استرحنا منه. فتجاوز عنها، ومات بشر بن البراء من تلك الأكلة، وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في مرضه الذي مات فيه : هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من أكلة خيبر، فكان المسلمون يرون أنه مات شهيداً مع كرامة النبوة.

ولما فرغ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من خيبر انصرف إلى وادي القرى فحاصر أهله ليالي فافتتحه عنوة وفي حصاره قتل مدعم مولى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الذي أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي فقال المسلمون : هنيئاً له الجنة . فقال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) : كلا والذي نفس محمد بيده إنّ شملته الآن لتشتعل عليه ناراً وكان غلها من في المسلمين يوم خيبر. فسمعه رجل فأتاه فقال : يا رسول اللّه أصبت شراكين لنعلين لي كنت أخذتهما . فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقدّ لك مثلهما من النار ، وترك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) النخل والأرض في أيدي أهل الوادي وعاملهم نحو ما عامل أهل خيبر فبقوا كذلك إلى أن وَبيَ عمر الخلافة، فأجلاهم ، وقيل : إنه لم يجلهم لأنها خارجة عن الحجاز.

وقسم من أموال خيبر الشق ونطاة بين المسلمين وكانت الكتيبة خُمس الله والرسول وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فطعم أزواج النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وطعم رجال مشوا بين رسول اللّه وبين أهل فدك بالصلح وقسمت خيبر على أهل الحديبية فأعطى الفرس سهمين والرجل سهماً وأقر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أهل خيبر بخيبر.


{الباب العاشر : غزوة الاحزاب (الخندق)}

بطبيعة الحال فان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد وضع الاسس التي يجب ان نسير على وفقها لنكون مسلمين و مؤمنين بالله تعالى و بأنبيائه ورسله ، وقد حث رسول الله على مبدأ التآخي والتصالح والعيش بسلام من دون حروب او مشاكل ولكن اعداء الاسلام كثر .

فقد كان اليهود يسكنون المدينة مع المسلمين وقد كانوا ثلاث قبائل هم بنو قينقاع وبنو قريظة وبنو النضير ، وكانوا يضمرون الحقد والعداوة والبغضاء لرسول الله وللمسلمين وكانوا يتحينون الفرص للانقضاض على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومن يتبعه من المسلمين ونتيجة لهذا البغض العملي قام رسول الله بطرد بني النضير من المدينة ، فاغتاظوا حينها غيظاً شديداً وبدأوا بتأليب المشركين على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وعلى المسلمين ، لذا فقد تجلى هذا الحقد في اعلى درجاته حين جاءت الفرصة التي تمثلت بتحالف المشركين على المسلمين ، فبلغ عدد المشركين حوالي العشرة الاف مقاتل تحت امرة ابي سفيان ، فزحفوا نحو المدينة وهم مستعدون لقتال المسلمين .

وحين علم المسلمون مبلغ الخطر منهم سارع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الى عقد اجتماع يتشاور فيه مع اصحابه عن كيفية الدفاع عن انفسهم وعن عيالهم واموالهم ومدينتهم ، فأشار البعض الى القتال دخا المدينة فأشكل عليهم البعض حينها بأنه لا يجب القتال داخل المدينة حيث بيوتنا وعيالنا ، ثم اشار البعض الى الخروج عن المدينة والقتال في ميادين الحرب والقتال ، ولكن عدد المشركين الكبير ادى الى صعوبة تنفيذ هذا المقترح لان فيه انتحاراً ، حينها اشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):(سلمان منا اهل البيت) الى حفر خندق حول الطرف الشمالي للمدينة ليكتمل الحصن المتمثل بالمدينة وكان هذا الرأي والمقترح غير معروف لدى العرب ، فأمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بحفر الخندق ، ثم قام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) اصحابه في العمل ، فقد كان يحفر معهم ويحمل التراب معه الامر الذي ساهم في تشجيعهم على العمل الحثيث فهم يرون رسولهم يشاركهم في عناء العمل والحفر معهم ولم يكتف بإصدار الاوامر فحسب بل شارك مشاركة فعلية ن وفي ظل هذا الجو الذي يسوده التعاون والمحبة قام المسلمون بحفر الخندق في مدة يسيرة ، ومن ثم قام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بتكوين جيش من ثلاثة آلاف رجل تجمعهم المحبة والالفة والتعاون وهم تحت راية الجهاد في سبيل اعلاء كلمة الله (عز وجل) .



حصار المدينة :

ومن ثم وصل المشركون بجموعهم الغفيرة وقد جعلوا الحرب نصب اعينهم وكانوا يسعون للقضاء على الاسلام والمسلمين ن ولكنهم تفاجأوا بالخندق فلم يخطر ببال احد ان يحفر خندق يحول بينهم وبين المسلمين ن وقد حاول المشركون العبور من خلال الخندق ولكنهم اخفقوا في تحقيق ذلك ، فكلما استطاعت جماعة من المشركين اجتياز الخندق قام رسول الله بالقضاء عليهم مع مجموعة من الرجال ، حيث ينهالون عليهم بالنبال والسهام وعندها يستطيعون ردعهم عن الدخول الى المدينة ن ولكن المشركين عسكروا في ذلك المكان فنصبوا خيامهم و ابوا التحرك من مكانهم .

محاولة اقتحام الخندق :

ولما طال الحصار رفض فوارس قريش ان يبقوا واقفين حول المدينة على هذا النحو ، فخرج منهم عمرو بن عبد ود العامري ، وعكرمة ابن ابي جهل ، وهبيرة بن ابي وهب ، وضرار بن الخطاب الفهري ، وكانوا اشجع فرسان المشركين فاقتربوا من الخندق وضربوا خيولهم فحملتهم واقتحمت بهم الخندق ، حينها نادى عمرو المسلمين متحدياً من يبارز ، وعندما سئل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من يخرج للمبارزة لم يقبل احد غير الامام علي () لكن النبي يجلسه قائلاً : (هذا عمرو يا علي ) وتكرر الامر ثلاث مرات فحين كرر رسول الله قوله ، قال الامام علي () وانا علي ابن ابي طالب .. فبرز الامام علي لعمرو وقال رسول الله آنذاك :( الان برز الايمان كله للشر كله ) ، وعندما بدآ المبارزة اشتد الصراع بينهما فثار النقع بينهما حتى منع الرؤية وعندما انجلى كان الامام علي () واقفاً على صدر عمرو فقام الامام علي وتمشى قليلاً ثم عاد الى عمرو وقتله .

وعندما وصل الامام علي () الى المسلمين سئل عن سبب قيامه من على صدر عمرو ومن ثم رجوعه اليه والقيام بقتله ، فأجاب الامام علي () :( عندما جلست على صدره لأقتله ، سب امي وبصق في وجهي فغضبت غضباً شديداً ، ولو قتلته مباشرة لم يكن عملي خالصاً لله تعالى ، فقمت ومشيت وهدأت نفسي واخلصت نيتي لله تعالى فرجعت اليه فقتلته لله تعالى .

وان هذا الموقف يبين لنا ايمان الامام علي () بربه واخلاصه له ، وانه انما يقاتل فانه يفعل ذلك في سبيل الله تعالى .


انسحاب المنافقين من المعركة :
لقد زاد الامر سوءاً فوق سوءته حين قام المنافقون الموجودون في المدينة بتحريض الناس على الاستسلام ، لان الحال ظلت على ما هي عليه لمدة شهر تقريباً ، وقد شعر الناس بتعب وارهاق شديدين في ظل نقص الطعام اللازم لعيشهم ، وقد مل الناس من امر محاصرتهم في المدينة وبدأت الاحوال النفسية لهم تزداد سوءاً ، وقد كان على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ان يرفع من معنوياتهم وان يعدهم بنصر من عند الله تعالى فهو لا يرتك عباده ابداً ، وقد كان اصحاب النفوس القوية والايمان الراسخ بالله تعالى وبقدرته التي غلبت على كل قادر يحاولون تشجيع المقاتلين على الصبر ، فقد تحولت الحرب من القتال في الميادين الى حرب الصبر والثبات على المبادئ والقيم ، ولكن المسلمين استطاعوا اجتياز هذه المحنة بصبرهم ومثابرتهم وثباتهم على موقفهم الرصين .

نقض اليهود للعهود التي عاهدوها مع المسلمين :

وفي ظل هذه الظروف الصعبة من حصار المدينة وانسحاب المنافقين من القتال ظهر اليهود على حقيقتهم التي يعرفون بها الا وهي الغدر والخيانة ونقض العهود والمواثيق فقد كانوا يتحينون الفرص للتمرد على المسلمين حيث قام بنو قريظة وبنو قينقاع بالتمرد على المسلمين وجهروا بنفاقهم وكفرهم وبغضهم للمسلمين حين بدأوا ببث الدعايات الكاذبة التي تتحدث عن ان المسلمين سيخسرون المعركة ، وان هذا الحصار سيستمر الى ان يموتوا جوعاً ، عندها بدأ موقف المسلمين الضعف واصيبوا بالوهن والخوف وشيء من تضعضع الموقف .

ان فعلة اليهود هذه تبين لنا مدى بغضهم للإسلام والمسلمين وتذكرنا بمواقفهم السابقة مع المسلمين والتي اعلنوا فيها حقدهم وعداءهم للإسلام كما فعلوا في معركة الخندق التي برهنت احداثها على حق اليهود للإسلام والمسلمين .

انسحاب المشركين :

فطلت الحال على ما هي عليه الى ان وصلت العناية الالهية التي تمثلت بموجة من الغبار والاعاصير التي قلعت خيام المشركين وقلبت قدورهم وطفأت نيرانهم ، فقال ابو سفيان انه لن يبقى يوماً اخر في مكانه ، فانسحب حلف النفاق بالعناية الربانية التي طالت المسلمين والتي انقذتهم من موت شبه محقق ، ولكن الله ابى الا ان يظهر الحق ويُزهِق الباطل ، فهو (عز اسمه) لا يضيع جهد المسلمين الذي لم يتوانوا في بذله في سبيل اعلاء كلمة الله وجعلها العليا ، ودحض كلمة الباطل وجعلها السفلى في كل وقت وحين .

وقد اخلف بنو قريظة المشركين من قريش فلم يتحمل ابو سفيان الامر فهرع من عنده لان موقفه تضعضع ، وبعد هذا النصر الالهي وهذه الالتفاتة الربانية هتف رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( لا الاه الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الاحزاب وحده فلا شيء بعده).

ان مما يجب الالتفات اليه هو قيام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بمشاورة المسلمين في هذا الموقف العصيب الذي كان يهدد قيام دولتهم الاسلامية ، وان مشورته هذه ادت الى انتصارهم في هذه المعركة ، اضافة الى ذلك فان العناية الالهية والقيادة الحكيمة له (صلى الله عليه واله وسلم) ادت الى تحقيق هذا النصر العظيم ، فحين قام رسول الله بمشاركة المسلمين في العمل دل على انه قائد عظيم غير متكبر يحسن ادارة الامور وتدبيرها .








{الباب الحادي عشر : غزوة تبوك}

قيل في كتاب الكامل في التأريخ :

لما عاد رسول (الله صلى الله عليه واله وسلم) أقام بالمدينة بعد عوده من الطائف ما بين ذي الحجة إلى رجب ، أم أمَرَ الناس بالتجهز لغزو الروم وأعلم الناس مقصدهم لبُعْد الطريق وشدة الحر وقوة العدو، وكان قبل ذلك إذا أراد غزوة وَرَّي بغيرها ، وكان سببها أنّ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بلغه أنّ هِرَقْل ملك الروم ومن عنده مِنْ متنصرة العرب قد عزموا على قصده فتجهز هو والمسلمون وساروا إلى الروم ، وكان الحرّ شديداً والبلاد مجدبة والناس في عسرة، وكانت الثمار قد طابت فأحب الناس المقام في ثمارهم فتجهزوا على كُرْهٍ ،فكان ذلك الجيش يسمى جيش العُسْرَة فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) للجد بن قيس - وكان من رؤساء المنافقين - هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال : والله لقد عرف قومي حُبَي للنساء وأخشى أنْ لا أصبر على نساء بني الأصفر، فإنْ رأيتَ أنْ تأذن لي ولا تفتنىِ. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد أذنتُ لك . فأنزل الله تعالى : ( وَمِنْهُمَ مَنْ يَقُولُ ائذَنْ لِي وَلَا تفْتِنٌي )(1) الآية . وقال قائل من المنافقين : لا تنفروا في الحر- زهادة في الجهاد وَشَكًّا في الحق وإرجافاً بالرسول صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى : ( وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الحَرً قُلْ نَارُ جَهَنَمَ أشَذُ حَراً )(2) الآية .

فلما سار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) تخلف عنه عبد الله بن أبيّ المنافق فيمن تبعه من أهل النفاق ، واستخلف رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على المدينة سِباع بن عُرفطة، وعلى أهله عليّ بن ابي طالب فأرجف به المنافقون وقالوا : ما خَلّفه إلا استثقالاً له ، فلما سمع على ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فأخبره ما قال المنافقون ، فقال : كذبوا وإنما خلّفتُك لما ورائي فارجع فاخلُفني في أهلي وأهلك ، أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي . فرجع علي إلى المدينة .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر وهو بطريقه وهو منزل ثمود قال لأصحابه :

" لا تشربوا من هذا الماء شيئاً ولا تتوضؤوا منه ، وما كان من عجين فألقوه واعلفوه الِإبل ولا تأكلوا منه شيئاً؛ ولا يخرج الليلة أحدٌ إلّا مع صاحب له "، ففعل ذلك الناس ولم يخرج أحدٌ إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته فأصابه جنون ، وأما الذي طلب بعيره فاحتمله الريح إلى جبلي طيىء فأخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال : ألم أنهكم أن لا يخرج أحد إلا مع صاحب له ؟ فأما الذي خنق فدعا له فشفي ، وأما الذي حملته الريح فأهدته طيئ إلى رسول الله بعد عوده إلى المدينة . وأصبح الناس بالحجر ولا ماء معهم فشكوا ذلك إِلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فدعا الله فأرسل سحابة فأمطرت حتى روىِ الناس واحتملوا حاجتهم من الماء . وكان بعض المنافقين يسير مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، فلما جاء المطر قال له بعض المسلمين : هل بعد هذا شيء ؟ قال : سحابة مارّة .

وضلت ناقة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في الطريق فقال لأصحابه وفيهم عمارة بن حزم وهو عَقَبِيّ (1) بدري : إنّ رجلًا قال : إنّ محمداً يخبركم الخبر من السماء وهو لا يدري أين ناقته ؟ وإني والله لا أعلم إلا ما علّمني الله عزّ وجلّ وقد دلني الله عليها، وهي في الوادي في شِعْب كذا قد حبستها شجرة بزمامها فانطَلقوا فأتَوه بها، فرجع عمارة إلى أصحابه فخبرهم بما قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن الناقة تَعَجُّباً مما رأي . وكان زيد بن لصيب (2) القينقاعي منافقاً وهو في رحل عمارة قد قال : هذه المقالة، فأخبر عمارة بأن زيداً قد قالها فقام عمارة يطأ عنقه و يقول : في رحلي داهية ولا أدري اخرج عني يا عدو الله مِنْ رحلي ولا تصحبني . فزعم بعض الناس أنّ زيداً تاب بعد ذلك وحسن إسلامه ، وقيل : لم يزل متهماً حتى هلك.

ووقف بأبي ذر جملُه فتخلّف عليه فقيل : يا رسول الله تخلّف أبو ذر فقال : " ذروه فإن يك فيه خير فَسَيُلحقه الله بكم فكان يقولها لكل مَنْ تخلف عنه ، فوقف أبو ذر على جمله ، فلما أبطأ عليه أخذ رَحْلَهُ عنه وحمله على ظَهْرِهِ وتَبعَ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ماشياً، فنظر الناسُ فقالوا : يا رسول الله هذا رجل على الطريق وحده . فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : كن أبا ذر. فلما تأمله الناس قالوا : هو أبو ذر. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويُبْعَثُ وحده ، ويشهده عصابة من المؤمنين . فلما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة فأصابه بها أجَلُه ولم يكن معه إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أنْ يغسلاه ويكفناه ثم يضاه على الطريق فأولى ركب يمر بهما يستعينان بهم على دفنه ففعلا ذلك ، فاجتاز بهما عبدالله بن مسعود في رهط من أهل العراق فأعلمته امرأة أبي ذر بموته فبكى ابن مسعود وقال : صدق . رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) "تمشي وحدك . وتموت وحدك . وتبعث وحدك " ، ثم واروه.

وانتهى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى تبوك فأتى يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة فصالحه على الجزية وكتب له كتاباً فبلغتْ جزيتهم ثلاثمائة دينار.

وأرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل وكان نصرانياً من كندة فقال لخالد : إنك تجده يصيد البقر. فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه على منظر العين وأكيدر على سطح داره فباتت البقرة تحك بقورنها باب الحصن فقالت امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا والله . قالت فمن يترك هذا؟ قال : لا أحد، ثم نزل وركب فرسه ومعه نفر من أهل بيته ، ثم خرج يطلب البقر فتلقتهم خيل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأخذته وقتلوا أخاه حساناً ، وأخذ خالد من أكيدر قباء ديباج مخوص بالذهب فأرسله إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قبل قدومه فجعل المسلمون يلمسونه ويتعجبون منه!.

وقدم خالد بأكيدر على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فحقن دمه وصالحه على الجزية وخَلَّى سبيله فرجع إلى قريته .

وأقام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها ولم يقدم عليه الروم والعرب المنتصرة فعاد إلى المدينة، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل لا يروي إلا الراكب والراكبين بواد يقال له : وادي المشقق فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : " من سبقنا فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه " فسبقه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه ، فلما جاء رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أخبروه بفعلهم فلعنهم ودعا عليهم ، ثم نزل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إليه فوضع يده تحته وجعل يصب إليها يسيراً من الماء فدعا فيه ونضحه في الوشل فانخرق الماء جرياً شديداً فشرب الناس واستقوا . وسار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حتى قارب المدينة فأتاه خبر مسجد الضرار فأرسل مالك بن الدخشم فحرقه وهدمه ، وأنزل الله فيه (وَالَذِيْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وتَفْرِيقاً بَيْن المُؤمِنِين )(1) الآيات ، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلًا وكان قد أخرج من دار خذام بن خالد من بني عمرو بن عوف .

وقدم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكان قد تخلّف عنه رهط من المنافقين فأتوه يحلفون له ويعتذرون فصفح عنهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ولم يعذرهم الله ورسوله ، وتخلّف أولئك النفر الثلاثة وهم كعب بن مالك ، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع تخلفوا من غير شك ولا نفاق فنهن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن كلامهم فاعتزلهم الناس فبقوا كذلك خمسين ليلة؛ ثم أنزل الله توبتهم ( وَعَلَى الثَلاَثَةِ الَّذِيْن خُنَفُوا حَتَّى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحَبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أنْفُسُهُم ) (2)الآيات إلى قوله ( صَادِقِيْن ) وكان قدوم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) المدينة من تبوك في رمضان .











{الباب الثاني عشر : غزوة مؤتة}

وكانت في جمادى الأولى من سنة ثمان ، واستعمل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عليهم زيد بن حارثة وقال : إنْ أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب ، فإنْ أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة .

فقال جعفر: ما كنت أرهب ان تستعمل عليّ زيداً . فقال : امض فإنك لا تدري أيّ ذلك خير. فبكى الناس وقالوا : هلا متعتنا بهم يا رسول الله فأمسك - وكان إذا قال : فإن أصيب فلان فالأمير فلان أصيب كل من ذكره - فتجهز الناس وهم ثلاثة آلاف وودعهم رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) والناس ، فلما ودع عبد الله بن رواحة بكى عبد اللّه فقال له الناس : ما يبكيك ؟

فقال : ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقرأ آية وهي ( وَإِنْ مِنْكُم إلّا وَارِدَهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيا ) (1)فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون : صحبكم الله وردكم إلينا سالمين . فقال عبد اللّه بن رواحة :

لكنني أسال الرحمن مغفرة وضربة ذات فرع (2) تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي (3) يا أرشد الله من غاز وقد رشدا

فلما ودعهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وعاد قال عبد اللهّ :
خلف السلام على امرىء ودعته في النخل خير مشيع وخليل.

ثم ساروا حتى نزلوا معان من أرض الشام ، فبلغهم أن هِرقل سار إليهم في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة، من لخم وجذام وبلقين ، وبلى عليهم رجل من بلى ، يقال له : مالك بن رافلة ، ونزلوا مآب من أرض البلقاء، فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)؛ نخبره الخبر، وننتظر أمره ، فشجعهم عبد الله بن رواحة على المضيّ . وقال : يا قوم والله إنّ التي تكرهون للتي خرجتم إياها تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلِقوا فما هي إلا إحدى الحسنيين ، إما ظهور وإما شهادة .

فقال الناس : صدق والله : وساروا وسمعه زيد بن أرقم . وكان يتيماً في حجره وقد أردفه في مسيره ذلك على حقيبته – وهو يقول :

إذا أديتني وحملت رحلي مسيرة أربع بعد الحساء(1)
فشأنك فانعمي وخلاك ذم (2) ولا أرجع إلى أهلي وراء
وجاء المسلمون وغادروني بارض الشام مشهور الثواء(3) وردك كل ذي نسب قريب من الرحمن منقطع الأخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل ولا نخل أسافلها رواء

فلما سمعها زيد بكى، فخفقه بالدرة وقال : ما عليك يا لكع (4)؟ يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل .

تم ساروا فالتقتهم جموع الروم والعرب بقرية من البلقاء، يقال لها : مشارف ثم دنى العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤته ، فالتقى الناس عندها وتعبؤوا ، وكان على ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذري ، وعلى ميسرتهم عَباية بن مالك الأنصاري . فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حتى شاط (5) في رماح القوم ، ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها وهو يقول :

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارداً شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إذ لاقيتها ضرابها

فلما اشتد القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، تم قاتل القوم حتى قتل ،وكان جعفر أول من عقر فرسه في الِإسلام ، فوجدوا به بضعاً وثمانين بين رمية وضربة وطعنة .

فلما قتل أخذ الراية عبد اللّه بن رواحة، تم تقدم فتردد بعض التردد، تم قال يخاطب نفسه :

أقسمتُ يا نفسُ لتنزلنه طائعة أولا لتكرهنه
إن أجلب الناسُ وشدوا الرنه (1) مالي أراك تكرهين الجنة
قد طالما قد كنت مطمئنه هل أنت الانطفة في شنه (2)

وقال أيضاً :

يا نفس إن لم تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليتي
وما تمنيت فقد أعطيتي إنْ تفعلي فعلهما هديتي

ثم نزل عن فرسه وأتاه ابن عم له بعرق (3) من لحم فقال له : شد بهذا صلبك فقد لقيت أيامك هذه ما لقيت .

فأخذه فانتهس (4) منه نهسة، ثم سمع الحطمة (5) في . ناحية العسكر فقال لنفسه : وأنت في الدنيا.

ثم ألقاه وأخذ سيفه وتقدم فقاتل حتى قتل ، واشتد الأمر على المسلمين ، وكلب عليهم العدو وقد كان قطبة بن قتادة قتل قبل ذلك مالك بن رافلة قائد المستعربة ثم إن الخبر جاء من السماء في ساعته إِلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ،فصعد المنبر وأمر فنوديَ الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، فقال : ثار خبر ثلاثاً عن جيشكم هذا الغازي إنهم لقوا العدو فقُتل زيد شهيداً. فاستنفر له ، ثم أخذ اللواء جعفر فشدّ على القوم حتى قُتِل شهيداً فاستغفر له ،ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وصمت حتى تغيرتْ وجوُه الأنصار، وظنوا انه قد كان من عبد الله ما يكرهون ، ثم قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : فقاتل القوم حتى قتل شهيداً ، تم قال : لقد رُفِعُوا إلى الجنة على سُرُرٍ من ذهب فرأيتُ في سرير ابن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبيه فقلت : عم هذا؟

فقيل : مضى وتردد بعض التردد، ثم مضى ، ولما قتل ابن رواحة أخذ الراية ثابت بن أرقم الأنصاري ، وقال : يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجلٍ منكم .

فقالوا : رضينا بك ، فقال : ما أنا بفاعل. فاصطلحوا على خالد بن الوليد فأخذ الراية ودافع القوم وانحازوا عنه .

وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) مَرّ بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة له جناحان مخضب القوادم بالدم. قالت أسماء: أتاني النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وقد فرغت من اشتغالي وغسلت أولاد جعفر ودهنتهم فأخذهم وشمهم ودمعت عيناه فقلت : يا رسول الله أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال : نعم أصيب هذا اليوم . ثم عاد إلى أهله فأمرهم أن يصنعوا لآل جعفر طعاماً، فهو أول ما عمل في دين الاسلام ، قالت أسماء بنت عميس : فقمت أصنع واجتمع إليّ النساء ، فلما رجع الجيش ودنا من المدينة لقيهم رسول اللهّ (صلى الله عليه واله وسلم) والمسلمون فأخذ عبد الله بن جعفر فحمله بين يديه فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ويقولون : يا فُرّار في سبيل الله ويقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ليسوا بالفرار ولكنهم الكرَّار إن شاء الله تعالى .

{الباب الثالث عشر : الهجرة الى يثرب}

قال الطبري في كتابه الكامل في التأريخ :

لما تتابع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالهجرة أقام هو بمكة ينتظر ما يؤمر به من ذلك وتخلف معه علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق ، فلما رأت قريش ذلك حذروا خروج رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصيّ بن كلاب وتشاوروا فيها فدخل معهم إبليس في صورة شيخ وقال : أنا من أهل نجد سمعتُ بخبركم فحضرتُ وعسى أن لا تعدموا مني رأياً.

وكانوا عتبة، وشيبة . وأبا سفيان ، وطعيمة بن عدي وحبيب بن مطعم والحارث بن عامر، والنضر بن الحارث ، وأبا البختري بن هشام وربيعة بن الأسود، وحَكيم بن حزام ، وأبا جهل ونُبَيْهاً، ومنبهاً ابني الحجاج ، وأمية بن خلف وغيرهم فقال بعضهم لبعض : إنّ هذا الرجل قد كان من أمره ما كان وما نأمنه على الوثوب علينا بمن اتبعه فأجمعوا فيه رأياً .

فقال بعضهم : احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه باباً ثم تربصوا به ما أصاب الشعراء قبله ، فقال النجدي : ما هذا لكم برأي لو حبستموه يخرج أمره من وراء الباب إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينزعوه من أيديكم ، فقال آخر : نخرجه وننفيه من بلدنا ولا نبالي أين وقع إذا غاب عنا، فقال النجدي : ألم تروا حُسْنَ حديثه وحلاوة منطقه ؟ لو فعلتم ذلك لحلَّ على حي من أحياء العرب فيغلب عليهم بحلاوة منطقه ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم ويأخذ أمركم من أيديكم ، فقال أبو جهل : أرى أنْ نأخذ من كل قبيلة فتى نسيباً ونعطي كل فتى منهم سيفاً، ثم يضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ، فإذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل كلها فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعاً ورضوا منا بالعَقْل(1)، فقال النجدي : القول ما قال الرجل هذا الرأي . فتفرقوا على ذلك .

فأتى جبريل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، فقال : لا تَبِتْ الليلة على فراشك ، فلما كان العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه ، فلما رآهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال : لعلي بن أبي طالب نَمْ على فراشي واتشح ببردي الأخضر فنم فيه فإنه لا يخلص إليك شيء تكرهه وأمره أن يؤدي ما عنده من وديعة وأمانة وغير ذلك وخرج رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فأخذ حفنة من تراب فجعله على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من ( يس وَالقُران الحكيم ) إلى قوله ( فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ )(2) ثم انصرف فلم يروه فأتاهم آت ، فقال في ما تنتظرون ؟

قالوا : محمداً . قال : خيبكم الله خرج عليكم ولم يترك أحداً منك إلا جعلَ على رأسه التراب وانطلق لحاجته .

فوضعوا أيديهم على رؤوسهم فرأوا التراب وجعلوا ينظرون فيرون علياً نائماً وعليه بُرْد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فيقولون : إنّ محمداً لنائم فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا(3)، فقام عليّ عن الفراش فعرفوه وأنزل الله في ذلك ( وَإذْ يمكرُ بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك )(4) الآية ، وسأل أولئك الرهط علياً عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، فقال : لا أدري أمرتموه بالخروج فخرج .

فضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم تركوه ونجى الله رسوله من مكرهم وأمره بالهجرة .

وقام عليّ يؤدي أمانة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ويفعل ما أمره .

فاستأجرا عبد الله بن أريقط من بني الديل بن بكر وكان مشركاً يدلهما على الطريق ، ولم يعلم بخروج رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) غير أبي بكر وعليّ وآل أبي بكر فأما علي فأمره رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن يتخلف عنه حتى يؤدي عن رسول اللهّ (صلى الله عليه واله وسلم) الودائع التي كانت عنده ثم يلحقه .

وخرجا من خَوْخَة(1) في بيت أبي بكر في ظهر بيته ثم عمدا إلى غار بثور(2) فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أنْ يتسمع لهما بمكة نهاره ثم يأتيهما ليلاً وأمر عامر بن فهيرة مولاه أنْ يرعى غنمه نهاره ثم يأتيهما بها ليلاً، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بطعامهما مساء فأقاما في الغار ثلاثاً وجعلت قريش مائة ناقة لمن رده عليهم ، وكان عبد الله بن أبي بكر إذا غدا من عندهما أتبع أثره بالغنم حتى يعفي أثره ، فلما مضت الثلاث وسكن الناس أتاهما دليلهما ببعيريهما فأخذ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أحدهما بالثمن فركبه وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما(3) ونسيت أنْ تجعل لهما عِصَاماً فحلت نطاقها(4) فجعلته عصاماً وعلقت السفرة به وكان يقال لأسماء " ذات النطاقين " لذلك.

ثم ركبا وسارا وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة يخدمهما في الطريق فساروا ليلتهم ومن الغد إلى الظهر ورأوا صخرة طويلة فسوَّي أبو بكر عندها مكاناً ليقيل فيه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وليستظل بظلها فنام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وحرسه أبو بكر حتى رحلوا بعد ما زالت الشمس وكانت قريش قد جعلت لمن يأتي بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم) دِيَة فتبعهم سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجي(1) فلحقهم وهم في أرضٍ صلبة فقال أبو بكر: يا رسول الله أدركنا الطلب .

فقال : ( لَا تَحْزَنْ إنَ اللَّهَ مَعَنَا)(2) ودعا عليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فارتطمت(3) فرسه إلى بطنها وثار مِنْ تحتها مثل الدخان فقال : ادع لي يا محمد ليخلصني الله ولك عليّ أن أرد عنك الطلب .

فدعا له فتخلص فعاد يتبعهم ، فدعا عليه الثانية فساخت قوائم فرسه في الأرض أشد من الأولى فقال : يا محمد قد علمت أنّ هذا من دعائك عليّ فادع لي ولك عهد الله أنْ أرد عنك الطلب .

فدعا له فخلص وقرب من النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وقال له : يا رسول الله خذ سهماً من كنانتي وإنّ إبلي بمكان كذا فخُذْ منها ما أحببت . فقال : لا حاجة لي في إبلك .

فلما أراد أن يعود عنه قال له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كيف بك يا سراقة إذا سُوَرْتَ بسوارَيْ كِسْرَى قال : كسرى بن هرمز؟، قال : نعم . فعاد سراقة فكان لا يلقاه أحد يريد الطلب إلا قال : كفيتم ما هاهنا ولا يلقى أحداً إلا رَدّه . قالت : أسماء بنت أبي بكر: لما هاجر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبي بكر فقالوا : أين أبوك ؟ قلت : لا أدري .

فرفع أبو جهل يده فلطم خدي لطمة طرح قُرْطِي(4) وكان فاحشاً خبيثاً ، ومكثنا ملياً لا ندري أين توجه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)؟ حتى أتى رجل من الجن من أسفل مكة والناس يتبعونه يسمعون صوته ولا يرون شخصه وهو يقول :
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالهدى واغتديا به فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيالقصي ما زوى الله عنكم به من فعال لا تجاري وسُودد
ليهن بني كعب مكانُ فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد(1)

قالت : فلما سمعنا قوله عرفنا أنّ وجهه كان إلى المدينة وقدم بهما ليلهما(2) قباء فنزل على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين حين كادت الشمس تعتدل فنزل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف ، وقيل نزل على سعد بن خيثمة وكان عزباً وكان ينزل عنده العزاب من أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : وكان يقال لبيته : بيت العزاب والله أعلم .

ونزل أبو بكر على خبيب بن أساف بالسُّنح(3) وقيل : نزل على خارجة بن زيد أخي بني الحارث بن الخزرج . وأما علي فإنه لما فرغ من الذي أمره به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هاجر إلى المدينة . فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة، وقد تفطرت قدماه ، فقال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ادعوا لي علياً قيل : لا يقدر أن يمشي فأتاه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) واعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وتفل في يديه وأمَّرها على قدميه فلم يشتكهما بعدُ حتى قُتِل ، ونزل بالمدينة على امرأة لا زوج لها(4). فرأى إنساناً يأتيها كل ليلة ويعطيها شيئاً فاستراب بها فسألها عنه فقالَ : هو سهل بن حُنَيْف(1) قد علم أني امرأة لا زوج لي فهو يكسر أصنام قومه ويحملها إليّ ويقول احتطبي بهذه ، فكان عليّ يذكر ذلك عن سهل بن حنيف بعد موته .

وأقام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بقُبَاء(2) يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، وأسس مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة، وقيل : أقام عندهم أكثر من ذلك والله أعلم .

وأدركت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي ، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.











{الباب الرابع عشر : أعمال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) في المدينة}

لقد قام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالعديد من الاعمال في المدينة المنورة بعد ان قام بالهجرة اليها مع اصحابه (صلى الله عليه واله وسلم) ، فنتيجة للأحداث التي اعقبت بيعة العقبة الثانية من اضطهاد وعداء نصبه المشركون لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) واصحابه امر الله تعالى رسول الكريم بالهجرة الى المدينة المنورة ، فأمر رسو الله (صلى الله عليه واله وسلم) اصحابه بالهجرة على شكل جماعات لكي لا يحس عليهم احد ، ولكن عندما علم المشركون ان رسول الله قد عزم على الهجرة الى المدينة المنورة ارادوا ان يدبروا له مكيدة يستطيعون فيها التخلص منه (صلى الله عليه واله وسلم) فقاموا بالاتفاق على ان يذهب من كل قبيلة رجل الى بيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وعزموا على قتله ولكن مشيئة الله تعالى قد شاءت أن يذهب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فترك ابن عمه الامام علي بن ابي طالب () نائماً في فراشه ليؤدي عنه بعض الامانات التي كانت في عاتقه ، وعندما وصل المشركون الى بيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وجدوا انه قد رحل وترك ابن عمه علياً () فأعماهم الله تعالى عن الامام علي فتركوه وكأنهم لا يرونه ومن ثم اتجهوا للبحث عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فشاء الله تعالى ان لا يعثر المشركون على رسول الله فاتجه رسول الله الى قباء التي تمثل احدى ضواحي يثرب ، فخرج اهل هذه المدينة لاستقبال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبعد عدة ايام وصل الامام علي () فأسس رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيها مسجداً وصفه الله تعالى بانه مسجد بني على التقوى ، وان اهمية هذه الهجرة تعد اهمية كبيرة على نفوس المسلمين ، حيث انها تعد اول انتصار على الكفر والكافرين ، وعُدت بداية للانتصارات على المشركين ومثلت حدثاً مهماً في التأريخ الاسلامي ، وقد سميت مدينة يثرب بالمدينة المنورة يعد ان وصل اليها رسول الله والمسلمين .
وقد قام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بجملة من الاعمال يمكن تلخيصها بما يلي :

1. بنا المسجد : لقد قام رسول الله بمعونة المسلمين والاصحاب ببناء مسجد اصبح ماكناً للعبادة والصلاة وذكر الله ، وقد اتخذه المسلمون مقراً ومركزاً للتخطيط والتفكير في حل الامور التي تعترضهم ، فقد بدأوا بالتداول في شؤونهم في المسجد ، كما تم فيه تعليم الكتابة والقراءة .

وقد تم بناء الجدران وتشييدها من اللبن وكانت عمد المسجد من جذوع النخيل وكذلك السقف فقد شيد من جريد النخل وقد كانت مساحته مائة ذراع مربعة وكانت القبلة تتمثل ببيت المقدس ، وقد امر الله تعالى باتخاذ بيت الله الحرام قبلة للمسلمين .

2. المؤاخاة : من المعروف ان المدينة كانت خليطاً من الناس ، فمنهم الانصار ومنهم المهاجرون ، لذا ارتأى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ان يقوم بمؤاخاة الناس ، فقام بمؤاخاة النصارى مع المهاجرين ، ليكون كل منهم عوناً للآخر ، مع العلم ان المهاجرين لم يكونوا يملكوا شيئاً لانهم تركوا اموالهم وكل ما يملكون في سبيل الاسلام ورفعته والتخلص من اذى المشركين .. لذا فقد كان علهم التعاون فيما بينهم ليتجاوزوا كل ما يعترضهم من مشاكل ومحن ، وقد آخى رسول الله كل انصاري بمهاجر وطلب منه ان يسكنه في منزله ، وقد آخى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بينه وبين الامام علي بن ابي طالب () .

3. وحدة الامة : وهي من المبادئ الاساسية التي حث عليها رسول الله وسعى الى تعميقها غفي نفوس المسلمين من المهاجرين والانصار ، وذلك ليستطيعوا مواجهة المشركين وليتعاونوا مع بعضهم البعض ويرفعوا شيئاً من الظلم الذي تعرضوا له .

4. وثيقة المدينة المنورة : وي الوثيقة التي اصدرها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بعد وصوله الى المدينة المنورة والتي اوجدها لتنظيم امور السكان من المسلمين وغير المسلمين وليجعلهم امة واحدة وعرفت هذه الوثيقة بالصحيفة او دستور المدينة المنورة ، حيث انها نصت على ان يشارك كل اهل المدينة في الدفاع عن مدينتهم في حال تعرضوا للعدوان الخارجي والمحتمل من الاطراف المعادية لرسول الله ولرسالته الشريفة ، وان لا يقوم احد من سكان المدينة بمساعدة المشركين من قريش او معاونتهم ، اضافة الى عدم جواز مساعدة من يعبث بالأمن في المنطقة ، وان من التزم بهذه الوثيقة من اليهود فله الحقوق التي يتمتع بها المسلمون وله نفس الواجبات التي فرضا على المسلمين .

ان هذه الاعمال هي مجموعة من ما قام به الرسول الكريم في المدينة المنورة او بعد وصوله اليها لتنظيم امورها بالشكل الذي يتناسب مع الوضع الذي كانوا عيه آنذاك .

المصطفى ( صلى الله عليه واله وسلم )
{ الباب الخامس عشر : ظلم المشركين له(صلى الله عليه واله وسلم)وللمسلمين}

إن رسالة الإسلام التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) واجهت كما هو معتاد كل أنواع التصدي من قبل المشركين ، فلقد كانت مسيرة الأنبياء والرسل الذين سبقوه مكللة بالمخاطر والصعاب ، فلاقى من سبقه من الأنبياء ظلما شديداً من أقوامهم ، فضربوهم وشتموهم وتجاهلوهم ، واتهموهم بما لا يليق بالأنبياء ، و قد دعا بعض الانبياء اقوامهم لاعتناق الدين الاسلامي قروناً عديدة مثل النبي نوح (عليه وعلى نبينا واله السلام) وقد خرج بعض الانبياء من مدنهم بعد ان عتت اقوامهم ، وقد لاقى النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) الكثير من العذاب والتصدي من قبل الاقوام التي كان يدعوها الى الاسلام ، فقد اتهم النبي محمد بالكثير من التهم ، منها السحر والشعوذة وما إلى ذلك ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) انه ما اوذي نبي بقدر ما اوذي النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم)، فقد كُذّب وضرب وسُبّ (صلى الله عليه واله وسلم) ولكنه كما باقي الانبياء تحمل كل ما جرى عليه في سبيل اعلاء كلمة الحق ، ودعوة الناس الى اعتناق الدين الاسلامي ، وقد كانت ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي التي ترعاه آنذاك حيث لقبت بأم ابيها ، ان ما تعرض له النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) يفوق حد الوصف ، فقد رمي بالحجارة و تعرض للكثير من محاولات القتل من قبل المشركين الذين لم يؤمنوا بالدين الذي جاء به النبي محمد من قبل رب العالمين ، ان مصلحة قريش كانت ضد الدين الاسلامي ... بل ان الدين الاسلامي هو الذي قلب مصالح قريش رأساً على عقب ، لما كانوا يقومون به من اعمال قد حرمها الله تعالى ، لذا فلم يجدوا سبيلاً آخر غير محاولة القضاء على الدين الاسلامي ، بعد ان عرضوا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الكثير من العروض في سبيل ثني عزيمة رسول الله وحثه على ترك الدعوة الى الاسلام ، الا انهم وبكل تأكيد اخفقوا في مساعيهم ، لذا فقد التجأوا الى العنف في افعالهم بعد ان وجدوا ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لا يتجاوب مع مطالبهم التي تغضب الله تعالى ، فان مصالحهم ومكانتهم بين القبائل العربية دعتهم الى التصدي للإسلام بشكل عام ورسول الله والمسلمين بشكل خاص .

ان اذى المشركين قد بدأ حين اعلن الرسول الكريم الدعوة الى الاسلام بعد ان كانت الدعة سرية ، وقد استمر هذا الاذى والعداء وازداد مع مرور الوقت ، وحينها امر الله تعالى رسوله الكريم بالدعوة الى الجهاد ، وقد نزلت العديد من الآيات الكريمة التي تدعو المسلمين للجهاد وتبين لهم فضائل الجهاد في سبيل الله تعالى ، وان ما فعلته قبيلة قريش في سبيل القضاء على الدين الاسلامي متنوع ومتعدد الاشكال والاساليب ، فقد كانوا يعذبون المسلمين اشد انواع العذاب ، وقد كان رسول الله يتألم لما يصيب اصحابه ويدعوهم الى الصبر ويوعدهم بالنصر القريب ، فقد كان المشركون يؤذون المسلمين كثيراً وقد كانوا يضعونهم تحت اشعة الشمس الحارقة ويضعون فوقهم الاحجار الثقيلة ، الا ان المسلمين قد ابوا التفريط بدينهم ودنياهم معاً وقد استبسلوا في الثابت على عقيدتهم وايمانهم برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) و بالدين الاسلامي الحنيف ، ومن ثم قام المشركون باستخدام وسائل مختلفة ليقضوا على الدين الاسلامي قبل ان يكون له انصار كثر فيشكلوا خطراً على قريش ومصالحها ومكانتها وجاهها بين القبائل العربية والتي كانوا يتفاخرون بها ، ومن ثم بدأ رؤساء قريش بتحريض القبائل العربية للتصدي لرسول الله وللدين الذي جاء به وحرضوهم على نصب العداء له ولأصحابه .

ان كل محاولات قريش التي حاولوها في سبيل ثني رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن الاستمرار في الدعوة الى اعتناق الدين الاسلامي لم يكتب لها النجاح لعزيمة رسول الله تعالى القوية وايمانه بالله تعالى ، فقد حاولوا اغراء رسول الله تعالى بالأموال والجاه ومن ثم اتجهوا الى عمه ابي طالب وطلبوا منه ان يتحدث مع رسول الله للتخلي عن نشر الدين الاسلامي ولكنه رفض رفضاً قاطعاً ، فقلب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) امور قريش رأساً على عقب لانهم لم يؤمنوا بدعوة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ودعوته الى اعتناق الدين الاسلامي.











المختار ( صلى الله عليه واله وسلم )



{الباب السادس عشر : بعض كلامه}

إن لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الكثير من الأحاديث والأقوال ، فهو خاتم الأنبياء والمرسلين ، والرحمة المهداة من رب العالمين لعباده في الأرض ، ومنها :

1- في كتاب مروج الذهب للمسعودي ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :(العائد في هبته كالعائد في قيئه).
2- وفي كتاب مروج الذهب أيضاً ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):(الأرواح جنود مجندة).
3- وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):( لا يجني على المرء إلا يده ).
4- وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( لو بغى جبل على جبل ، لدٌك الباغي منهما ).
5- قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) :( لا تزال أمتي بخير ، ما لم تر الأمانة مغنماً ، والزكاة مغرماً).
6- قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) : (رحم الله من قال خيرا فغنم ، أو سكت عن شر فسلم).
7- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( فضل العلم خير من فضل العبادة ).
8- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( المكر والخديعة في النار ) .
9- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( من قُتل دون ماله فهو شهيد ).
10- قال رسول الله () :( حبك الشيء ، يعمي ويصم ).
11- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( تمام التحية المصافحة ).
12- قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) :( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ).
13- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( أعطوا الأجير أجرته ، قبل أن يجف عرقه ).
14- قال النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) :( لا خير لك في صحبة من لا يرى لك ، مثل ما يرى لنفسه ).
15- قال النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) :( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ).
16- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( قلة الحياء كفر ).
17- قال النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) :( ما أملق تاجر صدق ).
18- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه ).
19- قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : (( لا يلقى الله أحداً إلا نادما : من عمل خيراً قال : يا ليتني ازددت ، ومن عمل غير ذلك قال: يا ليتني قصرت )).
20 – قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) :( إياكم والتسويف وطول الأمل ، فانه كان سبباً لهلاك الأمم )).

هذا هو كل ما تيسر لنا لذكره من كلام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والله ولي التوفيق .


نبي الرحمة ( صلى الله عليه واله وسلم )

















{الباب السابع عشر : مخالفة رسول الله من قِِِِِبل اصحابه}

عندما توفي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قام اصحاب رسول الله بأمور وافعال مخالفة لما قاله رسول الله ، فعندما جاء رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالدعوة الاسلامية امر المسلمين بأمور شرعية عديدة ، اضافة الى انه هيأ الامور اللازمة لقيام دولة الاسلام على اسا العدل والحق وان يكون الخلفاء من بعده هم من قريش ، كما في الحديث الشريف :( لا يزال هذا الامر عزيزاً ينصرون على من ناوأهم عليه اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ).
اضافة الى ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد بين منزلة الامام علي (عليه السلام) ومنزلة كل من فاطمة الزهراء وسبطاه الحسين والحسين منه ومن رب العالمين ، فقد وردت الكثير من الاحاديث النبوية الشريفة التي بينت مدى حب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لهم .. وبالتالي حب الله (عز وجل) لهم ، فقد قال للإمام علي (عليه السلام) :(انت اخي) ، وقال في فاطمة الزهراء (عليها السلام) :( فاطمة بضعة مني) ، وقال في الامامين الكريمين :(الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة) ، بالإضافة الى العديد من الاحاديث النبوية الشريفة التي بينت منزلة هؤلاء الاشخاص العظيمة ومنها حديث الكساء حين جمع رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) كلا من الامام علي () وفاطمة الزهراء والامام الحسن واخيه الحسين (عليهم السلام) تحت الكساء وقال بأن هؤلاء هم اهل بيته ، اضافة الى آية المباهلة التي بينت ان الامام علي () هو نفس رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وان فاطمة الزهراء تمثل نساء النبي والامام الحسن والحسين هما الابناء ، ولكن رغم كل هذا وذاك نجد ان هؤلاء الاشخاص قد عانوا كثيراً بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، اضافة الى ما حدث في يوم الرزية بحق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حين قيل انه يهجر وقد غلبه الوجع ... .
لذا فان التعدي على رسول الله وعصيان اوامره لم يبدأ بعد وفاة رسول الله بل بدأ قبل ذلك الوقت ، ومن ثم قام جماعة من الصحابة بالاجتماع في سقيفة بني ساعدة ، فسلبوا حق الخلافة من بعد رسول الله من الامام علي () ... ومن ثم استمرت سلسلة الاحداث التي طالت اهل بيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقاموا باغتصاب ارض فدك من فاطمة الزهراء (عليها السلام) قبل ان يقوموا بكسر ضلع الزهراء (عليها السلام) واسقاط جنينها ، لقد استمرت هذه الاحداث واستمر هذا العداء لأهل البيت (عليهم السلام) واستمر عصيان اوامر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقد ثبت هذا العصيان وهذه المخالفة لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حين قال الخليفة الاول وهو يحتضر بأن هناك ثلاثة امور ود لو انه لم يفعلها وهي الهجوم على بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) وحرقه ، و ود لو انه رمى امر الخلافة على عمر او عثمان وكان هو وزيراً لهما بدل ان يكون هو الخليفة..... ، ان هذا دليل على انه خالف رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) حين قام بتلك الامور والا لما ود ان لا يقوم بها .
ومن ثم جاء يوم تقليد امير المؤمنين (عليه السلام) امر الخلافة ، فتوالت في تلك الفترة المشاكل ، وامتاز الوضع بعدم الاستقرار في ذلك الحين ، فحدثت الكثير من الحروب ، منها حرب صفين والجمل بالإضافة الى حادثة التحكيم ، وبعد استشهاده (عليه السلام) استلم الامام الحسن (عليه السلام) الخلافة ، ولكنه (عليه السلام) واجه الكثير من المصاعب .. الامر الذي فرض عليه تسليم الخلافة الى معاوية بن ابي سفيان بعد الاتفاق على مجموعة من الامور التي لم يلتزم بها معاوية حين سلم الخلافة لابنه يزيد ، حينها قام الامام الحسين (عليه السلام) بثورته الخالدة التي دعى فيها الى الاصلاح حين قال (عليه السلام) :( اني لم اخرج اشراً ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسداً ، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله).
فاستشهد (عليه السلام) في تلك الثورة المجيدة .. في كربلاء المقدسة مع مجموعة قليلة من اصحابه المخلصين له ولرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، ومن ثم استمر هذا العداء والعصيان والظلم لأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الى ان استشهد الامام الحسن العسكري (عليه السلام) .
ان هذه الامور كانت مصاحبة بلعن الامام علي (عليه السلام) على المنابر ، وان كل هذه الاحداث تدل على الصراع بين الحق والباطل ، ويدل على ان الحق واصحابه محاربون في وقت و في كل زمن وعصر ، ولكن الله يمهل ولا يهمل ، فان صاحب الثأر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو من سيقيم العدل وسيأخذ الثأر .
















{الباب الثامن عشر : تحديد الخليفة من بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)}

ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد قام بتبليغ رسالته السامية التي بعثه الله تعالى من اجلها وهي الدعوة الى هذا الدين الحنيف ، وكان واجبه يقتضي عليه ان يتحدث عن كل شاردة وواردة ، وهذا بالضبط ما فعله رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقد قال في غدير خم :{ اليوم اكملت لكم دينكم ...} ، وان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لم يكن ليقول هذا الكلام لو لم يكن قد اكمل كل ما يتعلق بحفظ الدين وكماله ورفعته ، ومن الطبيعي ان يكون احد الامور التي يكتمل الدين بها هي التعيين والتخصيص المتعلق بحفظة الدين والمدافعين عنه والسائرين على النهج الصحيح والقويم الذي يعتبر منهاجاً للبشرية جمعاء ، ان كل كلمة قالها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان له فيه هدف وغاية اسمى من هيئة الحديث او القول ، لقد قام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالكثير من الافعال التي تدل على احقية الامام علي (عليه السلام) بالخلافة ، وتدل على مخالفة اصحاب رسول الله له (صلى الله عليه واله وسلم) .
وقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يتكلم عن منزلة الامام علي (عليه السلام) ، وقد قال (صلى الله عليه اله وسلم) للمام علي (عليه السلام) :( يا علي انت خليفتي من بعدي) ، ان قول رسولنا الكريم دليل واضح على انه (صلى الله عليه واله وسلم) قد خصص وعين الخليفة من بعده ، وهو تاماً غير الذي قيل في ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لم يعين خليفة من بعده ، ومخالف لما قيل في ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لم يعين الامام علي (عليه السلام) خليفة من بعده .
ان هذا الحديث هو احد الادلة التي توضح لنا ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد عين الامام علي (عليه السلام) خليفة من بعده لكفاءته للقيام بأمر الخلافة ، فلم يجعل رسول الله المعايير القبلية والمستخدمة في زمن الجاهلية معياراً في امر تشخيصه للخليفة من بعده ، فبالرغم من ان الامام علي (عليه السلام) اصغر عمراً من الخليفة الاول والثاني نجد ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد اوصى بالخلافة له (عليه السلام) ، فلم يجعل رسول الله (صلى الله عليه واله سولم) فارق العمر نصب عينيه ولم يأخذ بنظر الاعتبار مدى خبرة الاشخاص ، لان تنصيب الامام علي (عليه السلام) تنصيب رباني ، وقد فُطر الامام علي (عليه السلام) على القيادة ، فهي ميزة متأصلة في عروقه منحها الله تعالى اياه وجعله مفضلاً على غيره من الصحابة .
وان قيام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في غزوة تبوك بتأمير اسامة على الجيش في معركة تبوك على كبار الصحابة ، منهم ابو بكر وعمر سعد بن ابي وقاص وغيرهم الاخرين من المهاجرين والانصار ، وان فعل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هذا الامر له دلالاته وايحاءاته الخاصة به ، وان قيام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بمثل هذا الامر كان من اجال التأكيد على جملة من الامور و القضايا وهي ان العمر ليس معيارا للتفاضل ، وان الامرة على احد ما لا تعني ان المأمور ادنى منزلة من الآمر او ان الآمر اعلى منزلة من المأمور ، فقام (صلى الله عليه واله وسلم) بجعل اسامة الذي يبلغ من العمر عشرين سنة او اقل من ذلك فقد قال البعض ان عمره كان ثمانية عشر عاما اميراً على كبار الصحابة ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لأسامة بأنه احق شخص بالقيادة ، في الوقت الذي قام فيه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بإبقاء امير المؤمنين (عليه السلام) وقال له بأنه لا يجب عليه (صلى الله عليه واله وسلم) ان يذهب - يقصد ذهابه ورحيله من هذه الدنيا - دون جعله (عليه السلام) خليفة له (صلى الله عليه واله وسلم) ، وان هذا لدليل واضح على تعيين رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) للخليفة من بعده ، وان من الامور التي يجب الالتفات اليها في امر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بأن يكون اسامة اميراً على كبار المهاجرين والانصار وقيامه (صلى الله عليه واله وسلم) بعقد الراية بيديه الشريفتين هي الوقت الذي قام به بذلك ، فنجد انه (صلى الله عليه واله وسلم) قد قام بذلك بعد ان علم انه سيرتحل الى الرفيق الاعلى ، فكان عامل التوقيت عاملاً مهماً يدل على انه لم يتوانى في امر البليغ بأن الامام علي (عليه السلام) هو احق شخص بالخلافة من بعده (صلى الله عليه واله وسلم) ، والعامل الاخر هو عامل القائد .. فنجد ان البعض يقول ان القائد والامير هو اعلى مرتبة ومنزلة من المأمور ، وبالتالي فانهم يقولون ان الخلفاء الذين سبقوا الامام علي (عليه السلام) في كونهم خلفاء هم افضل منزلة من الامام علي (عليه السلام) ولكننا نجد ان النبي محمد قد جعل اسامة اميراً على ابي بكر وعمر ، لذا فقد وقعوا في حرج كبير ، وان هذا المر يفند ما تناقلوه في كون من سبق الامام علي (عليه السلام) في الخلافة هم افضل منه (عليه السلام) ،














{الباب التاسع عشر : يوم الرزية}

لقد ابتلى الله تعالى انبيائه ورسله بالكثير من الابتلاءات التي اوصلتهم الى منزلتهم التي يتمتعون بها ، وبالتالي فقد ابتلى الله رسوله الكريم محمد بابتلاءات عديدة وكثيرة لا بداية لها ولا نهاية ، لان العداء لرسالة الحق عداء ازلي منذ امد بعيد ولم يتولد هذا العداء في العصور الحديثة ، فمن المعروف ان الحق يواجه من حلال الباطل ، وبطبع الباطل لا يعرف نبياً ولا رسولاً ولا وصياً .

لقد نصب اعداء الاسلام والمسلمين خطوطاً عريضة سار عليها من له هوىً كهواهم ومن تسول له نفسه ان يتكلم في مقابل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، وان حادثة يوم الرزية كانت خير دليل على العداء المستمر لرسول الله و لأهل بيته الاطهار ولرسالة الاسلام ، فحين كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقضي اخر ساعات حياته المباركة كانت هناك مجموعة من الصحابة الذين كانوا يجلسون قرب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فأمر النبي الكريم بجلب قلم ودواة له ليكتب للمسلمين كتاباً لن يضلوا بعده ابداً ، ولكن شعر البعض بالخطر حيال ما سيحدث بعد وفاة رسول الله وما سيحدث من تداعيات نتيجة ما ينص عليه هذا الكتاب فعارضت فئة من الجالسين واشكلت على رسول الله ، عندها حدث تنازع بين الجالسين منهم من يأمر بجلب القلم والدواة ومنهم من يأمر بعدم الجلب ... فغضب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وامر الجالسين بالقيام من عنده قائلاً :( لا ينبغي عند نبي تنازع) .

وان ما ينبغي ذكره هو ان الفئة التي عارضت كتابة هذا الكتاب من قبل رسول الله كان الخليفة الثاني متحدثاً عنها ومتزعماً لها ..ز حيث قال عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) انه يهجر وقد غلبه الوجع ، وقال ايضاً : حسبنا كتاب الله .

ان قيام الخليفة الثاني بهذا الفعل دفع بعض علماء السنة او الوهابية الى الطعن في رسول الله او التشكيك في عصمته في سبيل تخليص الخليفة الثاني من الموقف الذي اتخذه في قبال قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، فقد قال القاضي عياض في المجلد الخامس من كتاب (اكمال المعلم بفوائد مسلم) في الصفحة (379) قال : قال الامام الماجري : النبي معصوم من ان يكذب على الله عز وجل او يفسد ما يبلغه عنه وهو مع هذا غير معصوم من الامراض وما يكون من بعض عوارضها .....

ان قول هذا الشخص يقودنا الى القول بان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد يهذي او ينسى او يغفل عن امور قد تعتبر من الامور التي يستند عليها الدين او الواجبات التي اوجبها الله تعالى على عباده ، ان هذا طعن واضح وصريح في رسول الله وبرسالته فكيف لنا ان نؤمن برسول يهذي او ينسى وما الى ذلك .
ان ما قاله الماجري هو تبرير لفعل عمر والجماعة التي كانت معه وان ما نعتقده هو ما قاله الارناؤوط في كتاب البخاري بتحقيقه في المجلد التاسع في الصفحة (621) : اذ لا يليق به الهذيان ولا قول غير مضبوط في حال من احواله  و انما جميع ما يتكلم بع حق وصحيح لا سهو فيه ولا غلب ولا غلط في حال صحته ومرضه ونومه و يقظته ورضاه وغضبه .

وهذا هو ما نقول به نحن وما نعتقد به في الرسول الكريم فكل ما يتكلم به (صلى الله عليه واله وسلم) حق في أي حالة من حالات النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم).

وان فعل الخليفة الثاني جعل بعض العلماء يطعنون في رسول الله في سبيل تبرئة الخليفة الثاني فقد ذكر البخاري حديثاً في باب اسماه (باب هل يعفى عن الذمي السحر) في الجزء الثاني في الصفحة (676) وهذا الحديث منقول عن عائشة حين قالت : ان النبي سحر حتى كان يخيل اليه انه صنع شيئاً ولم يصنعه .

ان هذا طعن مباشر في مقام رسول الله فقد يخيل اليه (صلى الله عليه واله وسلم) انه متوضئ وهو ليس كذلك او العكس تماماً .... ولم يكتف البخاري بذلك فقد نقل في صفحة (715) في باب صفة ابليس وجنوده عن عائشة : سحر النبي ، حتى كان يخيل اليه انه يفعل الشيء وما يفعله حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال : اشعرت ان الله افتاني فيما فيه شفاءي ؟ .. فقد اتاني رجلان فقعد احدهما عند رأسي والاخر عند رجلي فقال احدهما للآخر : ما وجع الرجل ؟. قال : مطبوب . قال : ومن طبه ؟. قال: لبيد ابن الاعصم . قال : في ماذا ؟. قال : في مشط ومشاقة وفي جف طلعة ذكر. قال : فاين هو ؟. قال : في بئر دروان . فخرج اليه النبي ثم رجع فقال لعائشة حين رجع : نخلها كأنها رؤوس الشياطين . فقلت : استخرجته يا رسول الله ؟. فقال : لا اما انا فقد شفاني الله وخشيت ان يثير ذلك على الناس شراً ثم دُفنت البئر .

ان هذا هو دليل اخر على الطعن في رسول الله وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى { وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى } ، لذا فان في ذلك اساءة في حق الله تعالى .

وقد ذكر البخاري باباً في كتابه عنونه بعنوان (هل يستخرج السحر؟)في الجزء الرابع و في الصفحة (294) عن عائشة , قالت : كان رسول الله سحر حتى كان يرى انه يأتي النساء ولا يأتيهن ...

و عن عائشة قالت : سحر النبي فيخيل له انه قد صنع شيئا ولم يصنعه . وذكر في الحاشية ان الحديث اسناده صحيح على شرط الشيخين .


ان كل هذا الكلام هو جزء من الجهود المبذولة في سبيل اثبات ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) معرض للسحر والهذيان وان ليس كل ما يقوله حق وواجب تنفيذه وكل هذا العمل غب سبيل تنزيه الخليفة الثاني و من تبعه ، فما اغرب ما يقومون به ، فواجبهم يقتضي عليهم ان يدافعوا عن رسولهم ولكنهم يلجؤون للطعن في رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في سبيل الدفاع عن من غضب عليه رسول الله والذي تكلم في قبال كلام رسول الله .

ثم مارس الامام النووي نوعاً من اساليب الدفاع عن الخليفة الثاني وجماعته حين قال في كتاب صحيح البخاري : ان عمر فعل ما فعل لأنه ، ثم قال فعلم ان الله تعالى اكمل دينه فامن الضلال على الامة وانما فعل ذلك واراد الترفيه عن رسول الله .

ولكن النووي غفل عن امر مهم وهو ان رسول الله قد اغتم لفعلهم ومن ثم طردهم من عنده ، وان قوله ان عمر خشي ان يكتب امورا ربما عجزوا عنها واستحقوا العقوبة عليها وكأن عمر ارحم بالأمة من رسول الله او كأن رسول الله سيكتب اموراً عرضوا عنها ولم يؤدوا حقها .

ومن ثم قال القرطبي في كتاب (المفهم لما اشكل من تلخيص كتاب مسلم) في الجزء الرابع صفحة (558) : وقوله ائتوني اكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده )... لا شك في ان ائتوني امر وطلب توجه لكل من حضر فكان حق كل من حضر المبادرة للامتثال لا سيما وقد قرنه بقوله لا تضلون بعده لكن ظهر لعمر ولطائفة معه ان هذا الامر ليس على الوجوب وانه من باب الارشاد الى الاصلح (الارشاد الى الاولى ... في طبعة اخرى) .

وقد قال العثيمين (احد علماء الوهابية المعاصرون) : فان من رحمة الله ان الله تعالى قدر ان يعارض عمر حتى يكون انتخاب ابي بكر برضا من الصحابة ... واعلم منه بما يترتب بالمستقبل فلولا كتبها الكتاب لهجر الناس القرآن واتجهوا الى هذا الكتاب وخشي ان يجد المنافقون سبيلا الى الطعن يما يكتبه ....

وكأنه غفل عن ان الخليفة الاول هو اول من طعن في هذا الكتاب لذا فهو اول المنافقين على حسب قوله .

وقد يقول البعض : لماذا لم يلتزم الامام علي () بأمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهل كان اصلاً حاضراً في المجلس ام لا ، والجواب هو ان الامام علي () لم يكن حاضراً في ذلك المجلس والدليل ان الشخص الذي تزعم الفئة التي قالت قربوا له كتابا هو ابن عباس حسب ما ذكرته الروايات ولو كان علي () حاضرا لكان هو الذي يترأس تلك الفئة .

وان مما يجب التعليق عليه في حديث العثيمين هو قوله ان رحمة الله نزلت بتكلم عمر وان الله تعالى القى في روع عمر أن عارض يا عمر لأنني اريد ان يكون ابا بكر هو الخليفة من بعد النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) والذي يريد ان يعين شخصاً اخر قد يؤدي الى هلاك الامة !!! وكأن عمر هو النبي ورسول الله هو التابع والصحابي .

فتوفي بعدها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، فقام الامام علي () بتغسيل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ودفنه في الوقت الذي كان فيه صحابة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يعقدون اجتماعاً تحت سقيفة بني ساعدة ومن خلال هذا الاجتماع الباطل سلبوا حق الامام علي () في ان يكون اول خليفة من بعد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، الا ان مكانته محفوظة في كل وقت وحين .. فانظر الى المجد الذي اصطنعه الامام علي () لنفسه وانظر لخيبة وندم هؤلاء على افعالهم والتي ذكرها التأريخ ولم ينكر منها شيئاً رغم التدليس والتحريف الذي حصل على مر العصور والازمان .






















{الخاتمة}

لقد وفقني الله تعالى وقدر بلطفه وحكمته ان اكمل هذا البحث الصغير والمتواضع الذي تناولنا فيه بعض جوانب حياة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والتي تباركنا بها بذكره (صلى الله عليه واله وسلم) في سعينا الحثيث للتقرب من رسول الله وبالتالي التقرب من الله عز وجل حينها سنكون من الفائزين بذلك القرب والتقرب ، واود ان اعتذر عن كل تقصير او خطأ فهو بالتأكيد ناتج عن سهو وهو امر غير متعمد فنحن بشر معرضون للخطأ في كل وقت وحين ، ومهما كان موضوع حديثنا وفي كل وقت ومكان ، واود ان اشكر كل من ساعدني على اكمل هذا البحث الذي بذلت فيه جهداً الى ان وصلت الى هذه النهاية التي اتمنى ان ترضي رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وان تكون وريقات هذا البحث بمثابة تصريح العبور في ذلك اليوم العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، لذا فنحن نرجو شفاعته (صلى الله عليه واله وسلم) ونتمنى ان نكون ممن يجلسون بقربه يوم القيامة .. والحمد لله رب العالمين وصلِ اللهم على نبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين .






















مصادر البحث

1- كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي .
2- كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي .
3- كتاب اصول الكافي للشيخ الكليني .
4- كتاب الكامل في التأريخ .
بالإضافة الى مجموعة من المصادر الاخرى ...