المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شكراً للتدخين فأنت في العراق


حيدر عراق
09-07-2012, 07:34 PM
شكراً للتدخين فأنت في العراق

حيدر محمد الوائلي

أقر البرلمان العراقي قانون حظر التدخين في المرفقات العامة ومؤسسات الدولة ويغرم من يخالف هذا القانون مبلغاً لا يقل عن (عشرة ألاف) دينار عراقي أي ما يعادل (ثمانية - تسعة) دولارات...
هذا هو القانون الذي صدر قبل أيام قليلة، ولا تسأل كيف ولماذا صدر من بين مئات القوانين المنتظرة والتي من شأنها أن تنصف الناس وتحييهم حياة طيبة هم بأمس الحاجة إليها أكثر من قانون سيكون أكثر الظن حبراً على ورق ومن الصعب تطبيقه بكل الأحوال خصوصاً لدى قناعة الشارع بصعوبة ملاحقة وتغريم مدخني سجائر...!!

الكثير من الناس لا ينظروا للدولة في العراق (من وجهة نظري لكي لا يتحمل وزرها غيري) بأنها دولة قائمة لخدمته، فلا يوجد ما يشجعه على احترام القانون سوى خشية العقوبة –إن طٌبّقت- وليس إيماناً منه بالقانون، وحتى لو طٌبِقت العقوبة فبتمييز وليس بالتساوي...

لقد ساهمت الحروب السابقة ومن ثم الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب دون السلطة الظالمة وكذلك قسوة الحكم السابق ومن ثم الإرهاب فيما بعد سقوط نظام ظلم صدام وكذلك الصراعات السياسية هي جميعاً وعوامل أخرى ساهمت بذلك...
لا يتصور المواطن العادي أن القوانين تسن لخدمته لأنه غير مؤمن بأن أولئك الذين واجبهم سن القوانين وغيرهم ممن واجبهم تطبيقها والالتزام بها قد جاءوا أصلاً لخدمته بل جاءوا لاستيفاء مصالحهم الشخصية والحزبية ومن ثم كتحصيل حاصل تأتي خدمة الناس...
مَن مِن القراء الكرام لم يسمع من الناس حديثاً بهذا الشأن وبفقدان الثقة بالمسؤولين والسياسيين والأحزاب بل وحتى رجال دين...؟!

لا يؤمن المواطن العادي وهم (أغلبية المواطنين) مثلاً بضرورة المحافظة على النظافة وعدم رمي النفايات في غير محلها، أو بضرورة الالتزام بخط السير، أو طابور الانتظار، ولا طالب المدرسة يحافظ على المدرسة ونظافتها لعدم وجود ما يشجع الطالب بضرورة أن هذه المدرسة بُنِيَت لخدمته فهو يتصورها مكان يدرس فيه ويخربه في نفس الوقت حيث لا يوجد لديه تأنيب ضمير بحيث يصبح فعله جريمة كبيرة بحق مؤسسة خدمية عامة...
المواطنين أنفسهم هم سبب تلك الوساخة وانتشار النفايات في الشوارع والمرفقات العامة فالناس يهتمون بالنظافة داخل بيوتهم ويرمون نفاياتهم في سلة مهملات البيت ولا يبصقون في غرفة المطبخ ولا يرمون علب فارغة في أرضية غرفة النوم ولا يكتبون على جدران غرفة الاستقبال ذكرياتهم ورسوماتهم...!!
كل شيء بمكانه ومنظم داخل البيت –على الأغلب-، ولكن ما إن يخرجوا للشارع حتى تراهم يخالفون ما هم ملتزمين به داخل بيوتهم ويخربون في كل مكان يمشون ويجلسون فيه...!!
ليتغير من نظيف إلى وسخ في غمضة عين...!!
فلا يوجد ما يشجعهم على النظافة فهو داخل بيته سيد نفسه ويحس بأن بيته ملكه وهو له ولكن لا الشارع ولا المدينة تهمه في شيء سوى السكن وتواجد الأصدقاء فيها...!!
مع ضعف دور البلدية في مشاريع النظافة والتنظيف أكيداً...

لقد ضعف الحس الوطني والضمير الغيور الذي ينظر مثلاً لمن يركن سيارته بمكان لا يصح فيه ركن السيارات بأنه عمل شنيع لأنه خالف قانون السير بل هو عند الكثيرين فعل عادي جداً في حياتنا اليومية...!!

ربما أبرز مظاهر الحس الوطني لدينا مباراة كرة قدم لمنتخبنا الوطني –إنشاء الله نتأهل لكأس العالم- أو لمطرب يغني حباً بحضارة وتراث قضى نحبه أو لمغترب يشتاق لأهله...!!
حتى راية العلم عندنا غير محترمة بالشكل الواجب أن تُحترم، فالكثير من مؤسسات الدولة يعلوها علم عراقي متهرئ أو ممزق أو وسخ...!!
ولدى الجاليات في خارج العراق أعلاماً متنوعة، فمنها بنجوم وشعار ومنها بنجوم فقط ومنها بشعار دون نجوم، ولعل نظرة لجمهور مباراة كرة قدم لجالية عراقية في الخليج توضح ذلك...!!
وأما في إقليم كردستان فهنالك علم خاص بهم وكثيراً ما يُرفع لوحده دون علم العراق الرسمي...!!

نفس هؤلاء الناس لو سافروا لبلد أجنبي مثلاً بريطانيا، فرنسا، أو السويد لتراه ملتزماً بالنظافة العامة ولا يرمي النفايات من نافذة سيارته كما يفعل في العراق، ولو كان ماشياً فلا يرميها إلا في محلها، حتى لو لم يكن هنالك رقيب عليه...!!
أتعرفون لماذا يفعل ذلك...؟!
لأنه سيكون شاذاً وغريباً ومنتقداً من قبل الناس هناك لو فعل ذلك، فضلاَ عن تجريم القانون لها ولكنه لا يفعلها لأنه سيكون مهان و(نشاز) بينهم، ولكن عندنا يكون (نشاز) من يتقيد بتلك الأفعال الحسنة...

كيف سيكون التدخين ممنوعاً في وسط شعبي يعتبر التدخين وسيلة للهرب من الواقع المزري من وضع معيشي سيء لوضع خدمي أسوأ فوضع سياسي أسوأ وأسوأ، لتزداد أزمة فقدان الثقة بين السياسيين أنفسهم وهي عامل تفرقة وسوء تصرف في العمل السياسي على الدوام، لينجر فقدان الثقة بين مكونات المجتمع نفسه وحتى فقدان الثقة داخل كل فرد بنفسه...!!
فكيف سيثق المواطن بضرورة تلك القوانين وبمن يشرعها...؟!
كتبت كتاباً قبل فترة عنوانه (فقدان الثقة) يتناول هذا الموضوع الخطير وشواهد وأسباب ونتائج وحلول أزمة فقدان الثقة في المجتمع العراقي.

الناس عموماً تضحك لتشريع هكذا قوانين لأنها تتصور أنه ليس في صالحها في شيء يذكر حيث همهم أن تتوفر لهم خدمات عامة ومرافق خدمية وطاقة كهربائية كافية تدفئهم في الشتاء وتبردهم في الصيف وتنير شوارعهم وبيوتهم وأجهزتهم في الفصلين معاً.

الناس عموماً لا تعر أي اهتمام لعبارة (شكراً لعدم التدخين) لأن بعض موظفي المؤسسة التي تعلق فيها تلك العبارة هم من المدخنين بل منهم من يدخن وخلفه معلقةً تلك اللافتة، وكأنه يقرأها بالمقلوب (شكراً للتدخين) فهي مجرد شكليات بنظرهم، وهي فعلاً كذلك، وشكراً للتدخين فأنت في العراق...!!

أكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الذي صدر عام (2011) ارتفاع عدد المدخنين في العراق إلى نحو (سبعة ملايين وخمسمائة ألف مدخن)، أي حوالي ثلث السكان، مشيرة إلى أن حجم الاستهلاك السنوي وصل إلى ما يقارب (مليار علبة) من السجائر، تبلغ حصة كل فرد منها سنوياً (1200) سيجارة...!!
أي بإسقاط الأطفال من مجموع السكان فيصبح أكثر من نصف من يحق لهم الانتخاب في العراق (18 سنة فأكثر) من المدخنين...!!
أي لو شكلوا تجمعاً انتخابياً أسموه (تجمع المدخنين) لفازوا بأغلبية أصوات الناخبين ولشكلوا حكومة أغلبية نيابية وينهون بذلك أزمة العراق السياسية التي من أسبابها وجود حكومة شراكة وطنية فكل من فاز يشترك بها ولم ينتهي لليوم الصراع السياسي الدائر حولها...!!

تنتظر الناس تفعيل دور الاستثمار أكثر والرقي في مجال الخدمات أكثر وتحسين معيشة ودخل الفرد العراقي أكثر، وإشاعة روح الثقة وحب الوطن واحترام الدولة والقانون وهذا كله دور الناس والسياسيين معاً فهم الداء والدواء، وليتركوا التدخين لمدخنيه ومتى ما جعل السياسيين من أنفسهم قدوة حسنة يُقتفى أثرها فستقلع كثير من الناس عن التدخين من دون الحاجة لقانون يجرّم ذلك.

وأنا عن نفسي أقلعت عن التدخين قبل أشهر كثيرة من إقرار هذا القانون، وأنظر لقانون الحظر أنه قانون جيد ولكن في غير وقته، فالناس بحاجة لقوانين كثيرة جداً أكثر جودة وضرورة، فقانون مثل هذا أشك في تطبيقه حيث صعوبة أن تعمل الناس به، فالناس بحاجة إلى قوانين أهم بكثير جداً من هذا القانون.