المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ق5: : بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ:


مرتضى علي الحلي
14-07-2012, 12:05 AM
ق5: : بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ:
=========================
: بحوثٌ قرآنيَّة مَعرِفيَّة :
==============================

: القسمُ الخامس :
==========

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد وآله المعصومين


: العَقلُ الإنساني في ميزان القرآن :
================ ===

لاشك أنَّ العقل الإنساني هو أداة المعرفة البشرية في هذه الحياة المَلئية بالمجهولات التصورية والتصديقية.


وهو بذاته يُشكَّل مفهوماً ذهنياً يشتمل في ماهيته على القوة النطقيَّة الحاصلة لجميع أشخاص النوع الإنساني فطريا.

بمعنى أنَّ الله تعالى ما خلق إنساناً إلاّ وأودع فيه العقل فطريا.

وهذا العقل الفطري المُودع في طبيعة الإنسان له وظيفة أساسيّة تتمثل في النظر والتفكر المُفضي إلى العلم.


ويتجلى فعل العقل معرفيا في القيام بالعمليات الذهنية الإجرائية في إكتساب المجهول من المعلوم


كأن يُرتِّب الإنسان في ذهنه المعلومات الأولية والضرورية وفق نمط منطقي يسمح للذهن البشري بتحصيل المجهول المطلوب.

ومثال على ذلك هو الإستدلال بالأثر على المؤثِّر


فعندما يواجه العقل أثراً وجوديا ما وهو حاضرٌ في ذهنه بصورة أوليَّة ذهنياً أو حسيّا

فإنه تلقائيا ومنطقيا سيبحث عن المؤثِّر المجهول بالنسبة له

طبقا لقانون الأثر يدلُ على المؤثِّر.
وحينما يدرك المؤثِّر ذهنا أو حساً فإنَّه سيذعن به قطعا.


وهذا النمط من الفعل العقلي قد حثّ عليه القرآن الكريم نصّا.


فقال الله تعالى:

(( قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ )) يونس101

والمعنى:هو


قل - : تفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من آيات الله البينات الدالة :الأثر:

على وجوده سبحانه ووحدانيته :المؤثِّر :

ولكن الآيات والعبر والرسل المنذرة عباد الله عقابه
لا تنفع قومًا لا يؤمنون بشيء من ذلك؛ لإعراضهم وعنادهم .




إنَّ الله تعالى قد جهزَّ العقل البشري بأدواته المعرفيّة الحسيّة والذهنية حتى يُمكنه من إدراك الواقع الآفاقي والنفسي.



وتتمثل أدوات العقل المعرفية حسّاً بالحواس الخمسة
وتتمثّل ذهناً بالحواس الباطنة وهي الحس المشترك والخيال والمفكرة والمتوهمة والحافظة أو الذاكرة
وفي ذلك تفصيل مُعقّد نتركه للإختصار.




وهذا التجهيز المعرفي للعقل الإنساني قد بيّنه اللهُ تعالى في كتابه الحكيم

قال تعالى:


(( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ )) الملك23


(( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ )) السجدة9


(( وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) النحل 78


لاحظوا ثلاثيّة التعقل :السمع :الأبصار: الأفئدة : جاءت بترتب منطقي وعقلاني مُمَيَّز في نسق ألآيات الشريفة



قال تعالى:

(( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ )) المؤمنون78

فالسمعُ لإدراك المسموعات
والأبصار لإدراك المرئيات
والأفئدة لتتفقهوا بها



ومعنى الأفئدة في الآيات الشريفة هو تعبير كنائي عن الحواس الباطنة والقدرات المُودعة في النفس الإنسانية
وأبرزها العقل




ذلك لنسبة التعقل قرآنياً إلى القلوب والتي هي الأفئدة
:لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا:
والتفقه هنا هو التعقل والعلم وطلب المعرفة.


قال تعالى:


(( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )) الأعراف179



إذاً إذا تيقنّا وأذعنا عقلاً أنَّ اللهُ تعالى قد جهزَّ الإنسان بمنظومة عقلانيَّة ذاتيّة متكاملة معرفياً


فحينها سندرك معنى حجيّة العقل عقلا وشرعا.



وهذا المعنى قد بينته الروايات الصحيحة في جعلها العقل الإنساني حجة باطنة على صاحبها.
:إنظر: الكافي :الكليني: باب العقل والجهل.


وحجيّة العقل قد إكتسبت قيمتها معرفياً وشرعيا من القرآن الكريم نفسه
إذ أنه دعا إلى التعقل والتفكر والنظر وامتدح المتفكرين



قال تعالى:

(( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) الحشر 21



(( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) النحل44



(( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) آل عمران191



(( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ )) الزمر18




وذمَّ التاركين للتعقل والتدبر والتفكر ذما عجيباً بحيث جعلهم شرَّ الدواب .

قال تعالى:

((إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ )) الأنفال22


بمعنى:

إنَّ شر ما دبَّ على الأرض عند الله
الصمُّ الذين انسدَّت آذانهم عن سماع الحق فلا يسمعون
البكم الذين خرستْ ألسنتهم عن النطق به فلا ينطقون
هؤلاء هم الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه



وفي آية أخرى يقول اللهُ تعالى:


(( وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ )) يونس100




ولأهميَّة العقل وقيمته نجدُ أنَّ الله تعالى قد تعبدنا به في العقيدة الإسلامية أصولاً وفكرا ومنهجا


بحيث طالبنا بالإيمان عقلاً بوجود الله تعالى ووحدانيته


والتصديق ببعثة الأنبياء وإرسال الرسل وتنصيب الأوصياء


والأئمة المعصومين والإيمان بعدل الله تعالى والمعاد الأخروي.



وكشاهد على ذلك قوله تعالى.

(( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) محمد19


((وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )) البقرة203



والعلم هنا اليقين القاطع .




ويتبعُ القسم السادس إن شاء الله تعالى



والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته



مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :