Basij
14-07-2012, 07:56 PM
http://upload.qawem.org//uploads/images/qawem.org-4281546cab.jpg
نستعيد حضور الإمام الخميني وتراثه الفقهي والفكري في ضوء تجربته الغنية في مقارعة الاستكبار والمستكبرين، لنقرر أن مؤثرات مدرسته السياسية لا تزال مزدهرة في ركائز الانتفاضة في فلسطين، ومقومات المقاومة الاسلامية في لبنان، وبمراجعة نهج الإمام الراحل في بلورة مفهوم المقاومة قرآنياً نجده رضوان الله عليه ينطلق من غرساتها الأولى داخل مقاومة النفس ومغالبتها وتطويعها بالجهاد الأكبر، لتطمئن الى فردوس الطمأنينة وسلام المؤمن مع ذاته.
وتتراءى هذه المعركة الوجودية في أفق محراب المسلم وهو واقف على سجادة صلاته بملاحظة ان هذا المحراب سمي محراباً لأنه محاربة للشيطان، وما يتفرع عنه من عبوديات الهوى، لاستجلاء جوهرة التحرر الحقيقي بالانتصار على نزعة الاستكبار من منطقة ـ النفس ـ وصولاً للانتصار على ذيولها وأذنابها على مسرح التصادم الذي لا مفر منه بين الحق والباطل.
وتظهر المفارقة في طموح هذا الانتصار من داخل النفس الى خارجها باختلاف الوسائل والوسائط، ففي معركة الجهاد الأكبر يستخدم المسلم أسلحته الروحية كوسيلة لحماية نفسه من نفسه، بينما يلجأ في معركة الجهاد الأصغر الى استخدام أسلحة العنف المادي لحماية وجوده من عدوه، والسؤال:
اذا كانت معركتنا مع الاستكبار وفي مشاهد اصطراع قوى الخير والشر امتداداً لاصطراع النفس مع ذاتها، فهل يتيسّر للمقاوم الاكتفاء بالأسلحة الروحية لحسم هذا الصراع؟
قد نجيب بنعم لولا أن ذهنية الاستكبار القديم والحديث مؤسسة على طغيان القوة، بمعنى أن استخدام العنف في منطق الاستكبار هو شهوة دموية تعبّر عن وحشيتها بإجبار قوى الخير برغم أنفها على الخضوع لإرادته، فالإكراه هو سمة الاستكبار وخصيصته، ما يعني ان دفاع الخير عن هويته يتطلب منه توفير كل شروط القوة ليرهب عدو الله وعدوه. فالسلم بحسب شريعة قرآنه لا يسمح له أن يكون فريسة سهلة تغري قوى الشر بافتراسه وابتلاعه، ووسيلته الى تحصين حياته من هذا الخطر أن يعمد الى التسلح بالقوة لفرض هيبة رادعة على عدوه تمنعه حتى من مجرد التفكير بالعدوان عليه.
وضمن هذه الملاحظة التمهيدية لقراءة منهج الإمام الخميني رضوان الله عليه في مقاومة الاستكبار بوسعنا ان نصغي لصوت الإمام من اللحظة التي خرج فيها من ايران غريباً ومنفياً والى اللحظة التي عاد فيها الى وطنه فاتحاً ومنتصراً، لنجد خطاباته كلها تتمحور حول عنوان مركزي ألا وهو: تحقيق الذات الاسلامية على أرض الواقع الحافل بالتحديات والعراقيل التي اعترضته على مستوى الداخل والخارج، فلم يتمكن الاستكبار من الحاق الهزيمة بالأمة الاسلامية لو لم تكن هذه الأمة مصابة في عقلها وفكرها، أي في اساس تكوين قوتها الرادعة.
وبمتابعة منهج الإمام في تأصيل ثقافة المقاومة نراه يثوّر اللغة القرآنية والمصطلحات القرآنية لمحاصرة الهزائم المتتالية التي شهدتها الأمة، فلا تتحول الى هزيمة نفسية، لأن معنى الهزيمة عنده هو انهزام العقل الاسلامي والفكر الاسلامي امام فكر الطاغوت وعقل الاستكبار، وبذلك فإن الإمام الخميني كان يبحث في استنهاض مكوّنات الشخصية الاسلامية وتأهيلها لمنابذة الظلم العالمي والتصدي للأنظمة المعادية لحقوق الأمة في الحرية والعدالة، فلم يغب عن خطاب الإمام دعوة الأمة الاسلامية الى وعي معنى الشهودية على العصر وعلى الناس.
وأقول الأمة الاسلامية لألفت الى أن الإمام الخميني لم يجعل من قضية مقارعة الاستكبار العالمي قضية تخص الشعب الايراني، لأنه أراد من دعوته تلك أن يفتح بوابة النهوض الاسلامي الشامل المستهدف من عدو واحد هو الاستكبار، وها نحن الآن بعد ربع قرن على انتصاره نسجل لتاريخه ولتاريخ ايران الاسلامية من خلاله انه استطاع وبالرغم من قسوة التحديات وأنياب المؤامرات أن يثبت مع أمته على حقيقة هذه الشهودية التي اعتبرها العنصر الأثقل من مهمته الجهادية.
ومهما قيل عن السياسة الايرانية من أنها ابتلعت شعارات الإمام الخميني منذ عاصفة الصحراء الى سقوط بغداد، الا أن قراءة منطق هذه السياسة في ضوء التزام الجمهورية الاسلامية بشهوديتها التي لم تتغير مع المتغيرات الاقليمية والدولية، تؤكد لنا ان ايران الاسلام لم تنسحب من ميدان المواجهة مع الاستكبار العالمي.
ولتوضيح أبعاد هذه القراءة يجب ان نعود الى منهج الإمام الخميني في بنائه لثقافة المقاومة التي لم تكن تعني عنده المواجهة العسكرية بيننا وبين الاستكبار، حتى اذا اختلت موازين القوى العسكرية لمصلحته اتهمت ايران بابتلاع شعارات الإمام الخميني.. كلا لأن المواجهة التي خاضها الإمام ما قبل الثورة وما بعدها هي مواجهة التحدي الحضاري الذي لا يقتصر على جغرافية الحدود الايرانية، وانما يطال الأمة الاسلامية بأسرها، واذا كان ثمة خلل في ميدان المواجهة الحضارية، فإن ايران اليوم وهي تستنفر كامل طاقاتها في معركة التنمية وبناء القوة الرادعة والتغلب على عوامل الجهل والفقر والتخلف، تكون في حقيقة الأمر قد قطعت شوطاً بعيداً على درب هذه المواجهة.
ومن الإجحاف حقاً أن يقال ان الجمهورية الاسلامية قد تخلت عن بندقيتها في مواجهة الاستكبار، لترفع مكانها راية حوار الحضارات لأن نهج الإمام الخميني في خطابه السياسي المقاوم قد اعتمد على جوهرة ـ الشهودية ـ وهي جوهرة قائمة لا تنفصل عن جبين المسلم الرسالي في ميادين الحرب أو في ميادين السلم، والتعارض بين الحرب والسلم لا يشاكل التعارض بين الحق والباطل، أو بين الخير والشر حتى يلتبس الأمر على مجحف هنا وناقد هناك.
ولكن ان تقرأ في أحاديث الإمام الخميني عن الاستكبار العالمي لتقف معه على منهاج القطع مع هذا الاستكبار.. الذي لا صلة له بدين ولا صلة له بحضارة (ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار) ولكن ان ترافق الإمام الخميني في مطالع ثورته النوعية لتقف معه على أسرار الأسلحة الروحية حتى قيل ان تكبيرة الملايين، ملايين "الله اكبر" التي كانت تخترف آذان الشاه من جنوب العاصمة الى شمالها هي التي عجلت بفراره وسقوطه يومها قلت:
لقد صلى الإمام الخميني وصام وحارب وانتصر، ويومها تحدث الاعلام الغربي والشرقي عن مخاطر تصدير الثورة، ولم تكن فكرة تصدير الثورة في خطاب الإمام سوى ايقاظ الأمة الى حس الكرامة والدفاع عن الأرض الاسلامية المحاصرة ببوارج الاستكبار وأساطيله، يومها لم يلتفت العرب الى هذا المغزى العميق، وخيل اليهم ان ايران تريد ان تصدّر خصوصيتها الثورية والدينية الى جيرانها، ما أشعل الجبهة العراقية على ايران بتخطيط من الاستكبار الذي أرعبته هذه الثورة المؤمنة.
ومن المؤسف أن نظرية تصدير الثورة التي هي جزء من نظرية بناء الشخصية الشاهدة المقاومة بنظر الإمام انتهت الى تشويه في الاعلام الغربي والاسلامي، مهّد الى مباركة بعض العرب وبعض المسلمين الحرب المفروضة على ايران، والحصار المفروض على ايران، ما يعني ان طريق ايران لمقاومة الاستكبار العالمي بات مستحيلاً في ظل تراجع العرب والمسلمين عن قضية وحدتهم الكبرى، غير ان ايران الواعية للمخاطر المحدقة بأمتنا من المحيط الى الخليج، ومن طنجة الى جاكرتا، نهضت بخطاب الإمام الخميني الداعي الى تحرير السيادة الاسلامية من كل ما يصادرها أو يلغيها.
ان انتصار الثورة الاسلامية على الأرض الايرانية كان انتصاراً نسبياً على غطرسة الاستكبار ومكائده، وكان بإمكان هذا الانتصار ان يتقدم أكثر نحو مشروع نهضوي اسلامي على مستوى الأمة كلها لولا بعض الأخطاء التي اقترفناها، وفي طليعتها تبادل الاتهامات المجانية والتنابذ بالتخوين والتخوين المضاد، ولا داعي في وصف مشهدنا الاسلامي المتعارض المتناقض المتآكل المتحارب المنتحر، قاتلاً وقتيلاً.
فما يهمني بصدد هذه المقارنة العاجلة عن الإمام الخميني والاستكبار العالمي، تداعيات هذا الانقسام والاحتراب الداخلي الذي انتهى بنا الى سقوط العراق في مدى عربي واسلامي يسيطر عليه الشعور بالعجز والافلاس واليأس والاحباط، والسؤال الآن على مفارق الاستسلام للأمر الواقع.
هل نحن عاجزون عن مقاومة الاستكبار؟ هل نحن عاجزون عن الحد الأدنى من المقاومة السلمية والمقاومة السلبية؟ ومن أين نبدأ لانتزاع حريتنا المستلبة؟ ومن أين نبدأ لاسترداد كرامتنا المسفوحة من الوريد الى الوريد؟
ما أحوجنا اليوم الى أن نقرأ القرآن من جديد، ونرتلته من جديد بصوت الإمام الخميني الذي تفرّد بين الأمة بأنه لم يكن يخشى في الله لومة لائم، فبلّغ رسالة الله ولم يخش الا الله.
یقلم : الشيخ حسين شحادة
نستعيد حضور الإمام الخميني وتراثه الفقهي والفكري في ضوء تجربته الغنية في مقارعة الاستكبار والمستكبرين، لنقرر أن مؤثرات مدرسته السياسية لا تزال مزدهرة في ركائز الانتفاضة في فلسطين، ومقومات المقاومة الاسلامية في لبنان، وبمراجعة نهج الإمام الراحل في بلورة مفهوم المقاومة قرآنياً نجده رضوان الله عليه ينطلق من غرساتها الأولى داخل مقاومة النفس ومغالبتها وتطويعها بالجهاد الأكبر، لتطمئن الى فردوس الطمأنينة وسلام المؤمن مع ذاته.
وتتراءى هذه المعركة الوجودية في أفق محراب المسلم وهو واقف على سجادة صلاته بملاحظة ان هذا المحراب سمي محراباً لأنه محاربة للشيطان، وما يتفرع عنه من عبوديات الهوى، لاستجلاء جوهرة التحرر الحقيقي بالانتصار على نزعة الاستكبار من منطقة ـ النفس ـ وصولاً للانتصار على ذيولها وأذنابها على مسرح التصادم الذي لا مفر منه بين الحق والباطل.
وتظهر المفارقة في طموح هذا الانتصار من داخل النفس الى خارجها باختلاف الوسائل والوسائط، ففي معركة الجهاد الأكبر يستخدم المسلم أسلحته الروحية كوسيلة لحماية نفسه من نفسه، بينما يلجأ في معركة الجهاد الأصغر الى استخدام أسلحة العنف المادي لحماية وجوده من عدوه، والسؤال:
اذا كانت معركتنا مع الاستكبار وفي مشاهد اصطراع قوى الخير والشر امتداداً لاصطراع النفس مع ذاتها، فهل يتيسّر للمقاوم الاكتفاء بالأسلحة الروحية لحسم هذا الصراع؟
قد نجيب بنعم لولا أن ذهنية الاستكبار القديم والحديث مؤسسة على طغيان القوة، بمعنى أن استخدام العنف في منطق الاستكبار هو شهوة دموية تعبّر عن وحشيتها بإجبار قوى الخير برغم أنفها على الخضوع لإرادته، فالإكراه هو سمة الاستكبار وخصيصته، ما يعني ان دفاع الخير عن هويته يتطلب منه توفير كل شروط القوة ليرهب عدو الله وعدوه. فالسلم بحسب شريعة قرآنه لا يسمح له أن يكون فريسة سهلة تغري قوى الشر بافتراسه وابتلاعه، ووسيلته الى تحصين حياته من هذا الخطر أن يعمد الى التسلح بالقوة لفرض هيبة رادعة على عدوه تمنعه حتى من مجرد التفكير بالعدوان عليه.
وضمن هذه الملاحظة التمهيدية لقراءة منهج الإمام الخميني رضوان الله عليه في مقاومة الاستكبار بوسعنا ان نصغي لصوت الإمام من اللحظة التي خرج فيها من ايران غريباً ومنفياً والى اللحظة التي عاد فيها الى وطنه فاتحاً ومنتصراً، لنجد خطاباته كلها تتمحور حول عنوان مركزي ألا وهو: تحقيق الذات الاسلامية على أرض الواقع الحافل بالتحديات والعراقيل التي اعترضته على مستوى الداخل والخارج، فلم يتمكن الاستكبار من الحاق الهزيمة بالأمة الاسلامية لو لم تكن هذه الأمة مصابة في عقلها وفكرها، أي في اساس تكوين قوتها الرادعة.
وبمتابعة منهج الإمام في تأصيل ثقافة المقاومة نراه يثوّر اللغة القرآنية والمصطلحات القرآنية لمحاصرة الهزائم المتتالية التي شهدتها الأمة، فلا تتحول الى هزيمة نفسية، لأن معنى الهزيمة عنده هو انهزام العقل الاسلامي والفكر الاسلامي امام فكر الطاغوت وعقل الاستكبار، وبذلك فإن الإمام الخميني كان يبحث في استنهاض مكوّنات الشخصية الاسلامية وتأهيلها لمنابذة الظلم العالمي والتصدي للأنظمة المعادية لحقوق الأمة في الحرية والعدالة، فلم يغب عن خطاب الإمام دعوة الأمة الاسلامية الى وعي معنى الشهودية على العصر وعلى الناس.
وأقول الأمة الاسلامية لألفت الى أن الإمام الخميني لم يجعل من قضية مقارعة الاستكبار العالمي قضية تخص الشعب الايراني، لأنه أراد من دعوته تلك أن يفتح بوابة النهوض الاسلامي الشامل المستهدف من عدو واحد هو الاستكبار، وها نحن الآن بعد ربع قرن على انتصاره نسجل لتاريخه ولتاريخ ايران الاسلامية من خلاله انه استطاع وبالرغم من قسوة التحديات وأنياب المؤامرات أن يثبت مع أمته على حقيقة هذه الشهودية التي اعتبرها العنصر الأثقل من مهمته الجهادية.
ومهما قيل عن السياسة الايرانية من أنها ابتلعت شعارات الإمام الخميني منذ عاصفة الصحراء الى سقوط بغداد، الا أن قراءة منطق هذه السياسة في ضوء التزام الجمهورية الاسلامية بشهوديتها التي لم تتغير مع المتغيرات الاقليمية والدولية، تؤكد لنا ان ايران الاسلام لم تنسحب من ميدان المواجهة مع الاستكبار العالمي.
ولتوضيح أبعاد هذه القراءة يجب ان نعود الى منهج الإمام الخميني في بنائه لثقافة المقاومة التي لم تكن تعني عنده المواجهة العسكرية بيننا وبين الاستكبار، حتى اذا اختلت موازين القوى العسكرية لمصلحته اتهمت ايران بابتلاع شعارات الإمام الخميني.. كلا لأن المواجهة التي خاضها الإمام ما قبل الثورة وما بعدها هي مواجهة التحدي الحضاري الذي لا يقتصر على جغرافية الحدود الايرانية، وانما يطال الأمة الاسلامية بأسرها، واذا كان ثمة خلل في ميدان المواجهة الحضارية، فإن ايران اليوم وهي تستنفر كامل طاقاتها في معركة التنمية وبناء القوة الرادعة والتغلب على عوامل الجهل والفقر والتخلف، تكون في حقيقة الأمر قد قطعت شوطاً بعيداً على درب هذه المواجهة.
ومن الإجحاف حقاً أن يقال ان الجمهورية الاسلامية قد تخلت عن بندقيتها في مواجهة الاستكبار، لترفع مكانها راية حوار الحضارات لأن نهج الإمام الخميني في خطابه السياسي المقاوم قد اعتمد على جوهرة ـ الشهودية ـ وهي جوهرة قائمة لا تنفصل عن جبين المسلم الرسالي في ميادين الحرب أو في ميادين السلم، والتعارض بين الحرب والسلم لا يشاكل التعارض بين الحق والباطل، أو بين الخير والشر حتى يلتبس الأمر على مجحف هنا وناقد هناك.
ولكن ان تقرأ في أحاديث الإمام الخميني عن الاستكبار العالمي لتقف معه على منهاج القطع مع هذا الاستكبار.. الذي لا صلة له بدين ولا صلة له بحضارة (ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار) ولكن ان ترافق الإمام الخميني في مطالع ثورته النوعية لتقف معه على أسرار الأسلحة الروحية حتى قيل ان تكبيرة الملايين، ملايين "الله اكبر" التي كانت تخترف آذان الشاه من جنوب العاصمة الى شمالها هي التي عجلت بفراره وسقوطه يومها قلت:
لقد صلى الإمام الخميني وصام وحارب وانتصر، ويومها تحدث الاعلام الغربي والشرقي عن مخاطر تصدير الثورة، ولم تكن فكرة تصدير الثورة في خطاب الإمام سوى ايقاظ الأمة الى حس الكرامة والدفاع عن الأرض الاسلامية المحاصرة ببوارج الاستكبار وأساطيله، يومها لم يلتفت العرب الى هذا المغزى العميق، وخيل اليهم ان ايران تريد ان تصدّر خصوصيتها الثورية والدينية الى جيرانها، ما أشعل الجبهة العراقية على ايران بتخطيط من الاستكبار الذي أرعبته هذه الثورة المؤمنة.
ومن المؤسف أن نظرية تصدير الثورة التي هي جزء من نظرية بناء الشخصية الشاهدة المقاومة بنظر الإمام انتهت الى تشويه في الاعلام الغربي والاسلامي، مهّد الى مباركة بعض العرب وبعض المسلمين الحرب المفروضة على ايران، والحصار المفروض على ايران، ما يعني ان طريق ايران لمقاومة الاستكبار العالمي بات مستحيلاً في ظل تراجع العرب والمسلمين عن قضية وحدتهم الكبرى، غير ان ايران الواعية للمخاطر المحدقة بأمتنا من المحيط الى الخليج، ومن طنجة الى جاكرتا، نهضت بخطاب الإمام الخميني الداعي الى تحرير السيادة الاسلامية من كل ما يصادرها أو يلغيها.
ان انتصار الثورة الاسلامية على الأرض الايرانية كان انتصاراً نسبياً على غطرسة الاستكبار ومكائده، وكان بإمكان هذا الانتصار ان يتقدم أكثر نحو مشروع نهضوي اسلامي على مستوى الأمة كلها لولا بعض الأخطاء التي اقترفناها، وفي طليعتها تبادل الاتهامات المجانية والتنابذ بالتخوين والتخوين المضاد، ولا داعي في وصف مشهدنا الاسلامي المتعارض المتناقض المتآكل المتحارب المنتحر، قاتلاً وقتيلاً.
فما يهمني بصدد هذه المقارنة العاجلة عن الإمام الخميني والاستكبار العالمي، تداعيات هذا الانقسام والاحتراب الداخلي الذي انتهى بنا الى سقوط العراق في مدى عربي واسلامي يسيطر عليه الشعور بالعجز والافلاس واليأس والاحباط، والسؤال الآن على مفارق الاستسلام للأمر الواقع.
هل نحن عاجزون عن مقاومة الاستكبار؟ هل نحن عاجزون عن الحد الأدنى من المقاومة السلمية والمقاومة السلبية؟ ومن أين نبدأ لانتزاع حريتنا المستلبة؟ ومن أين نبدأ لاسترداد كرامتنا المسفوحة من الوريد الى الوريد؟
ما أحوجنا اليوم الى أن نقرأ القرآن من جديد، ونرتلته من جديد بصوت الإمام الخميني الذي تفرّد بين الأمة بأنه لم يكن يخشى في الله لومة لائم، فبلّغ رسالة الله ولم يخش الا الله.
یقلم : الشيخ حسين شحادة