مرتضى علي الحلي
14-07-2012, 11:46 PM
ق6: : بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ:
=========================
: بحوثٌ قرآنيَّة مَعرِفيَّة :
==============================
: القسمُ السادس:
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد وآله المعصومين
: النصُ القرآني مَعينٌ لا يَنضَب :
===================
تقدّمَ في القسم الخامس البحث عن مفهوم العقل ووظيفته المعرفية وقيمته وحجيته عقلا وشرعا .
وفي هذا القسم سنبحث في مفهوم النص القرآني
وخصائصه المعرفيّة والتي إذا عرفها العقل فسيتفاعل معها ذهنيا بصورة ترسم له ما يطلبه منه النص شرعا وعقلا.
كونها تُكوِّن المنطق الداخلي للنص القرآني ذاته
والمدخل المعرفي لقراءة النص قراءة صحيحة وهادفة.
ونعني بالنص القرآني هو الخطاب اللغوي المُتمثِّل بالآيات القرآنية المُكونّه للسوَر والصادر عن الله تعالى بواسطة الوحي.
وبما أنَّ النص القرآني هو قطعيُّ الصدور عن الله تعالى فيقيناً أنَّ المعاني والدلالات الكامنة في مادته اللغوية لا يمكن بحالٍ أن تنفد.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة المعرفيّة
في قوله تعالى:
{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} الكهف : 109
ومن جملة كلمات الله تعالى هو القرآن الكريم قطعا.
ويترتب على هذا الفهم أنَّ النص القرآني لم يكن مقصورا على الكم اللغوي المحض فقط
بل أضحى مَعيناً لمعان غير متناهية لا تنضب أبدا.
وهذا ما يجعله يرتفع عن مُحدد الزمان والمكان.
وإلى هذا المعنى قد أشارت الروايات الصحيحة
عن الإمام علي :عليه السلام: عن رسول الله محمد:صلى الله عليه وآله وسلّم :
قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يقول :
إنَّها ستكون فتن
قلتُ فما المَخرجُ منها يا رسول الله
قال:ص:
كتاب الله ، فيه خبر ما قبلكم
ونبأ ما بعدكم
وحكم ما بينكم .
هو الفصل ليس بالهزل
هو الذي لا تزيغ به الأهواء .
ولا تشبع منه العلماء . ولا يَخلق عن كثرة رد .
أي لا يبلى:
ولا تنقضي عجائبه .
وهو الذي من تركه من جبار قصمه الله
ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله
هو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم
وهو الذي من عمل به أُجِرَ .
ومن حكم به عدل
ومن دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم
:المُختصر النافع : المُحقق الحلي :ص1.
إنَّ الذي جعل النص القرآني مَعيناً لا ينضب هو ما توفر عليه من خصائص وميزات ذاتية
صيَّرتْ منه مصدرا للتشريع والتفريع والتنظير في كل منحى منحى من مناحي الحياة.
وأهم تلك الميزات الذاتية
هي:
:1:
ميزة العموم والإطلاق والإستيعاب
فالقرآن الكريم اعتمد في أغلب نصوصه الشريفة
على سياقيّة العموم والإطلاق والإستيعاب
وتجاوز محور الخاص في المورد بنكاته العامة والمطلقة
والتي بها اكتسح حد القضية الشخصية والزمان والمكان.
والذي يُعزز هذه الحقيقة الذاتية في النص القرآني
هو براعة البنيّة المعرفية والمنطقيّة في كينونة النص القرآني ذاتيا.
فمثلاً نلحظ دائما شدة الربط القرآني في العرض والغرض والحكمة في صياغة الآيات الشريفة
بين السابقين واللاحقين من الأمم وحتى الأفراد.
وهذا بحد ذاته يعني أنَّ النص القرآني قادرٌ على تخطي حدود الزمان والمكان وتلبيّة حاجة الإنسان أيّاً كان
وكشاهد على ذلك
ما ختم به القرآن الكريم آياته الشريفة في سورة يوسف
والتي عرضها في صورة القصة الحكيمة والهادفة والمُؤسِّسة في موضوعاتها وغاياتها حياتيا .
قال تعالى:
(( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) يوسف : 111
والمعنى هو:
لقد كان في نبأ المُرسلين الذي قصصناه عليك
يا رسول الله محمد:ص:
وما حلَّ بالمُكذِّبين عظة لأهل العقول السليمة.
ما كان هذا القرآن حديثًا مكذوبًا مختلَقًا
ولكن أنزلناه مُصدِّقًا لما سبقه من الكتب السماوية
وبيانًا لكل ما يحتاج إليه العباد من تحليل وتحريم
ومحبوب ومكروه وغير ذلك وإرشادًا من الضلال
ورحمة لأهل الإيمان تهتدي به قلوبهم
فيعملون بما فيه من الأوامر والنواهي .
:2:
ميزة إمكان التحمل المعنوي المُتعدد والموائم للواقع .
بمعنى أنَّ ما نزل من القرآن من آية إلاَّ ولها ظهر وبطن
وأنَّ القرآن يتقلب وجوها ، ويَحتملُ من التأويلات ضروبا
كما وصفه أمير المؤمنين علي :عليه السلام :
في كلام له
فقال :
: القرآنُ حَمالٌ ذو وجوه :
أي يحتمل التصريف على التأويلات
والحمل على الوجوه المختلفات .
:المجازات النبوية : السيد الشريف الرضي:ص252.
وهذا التحمل للوجوه المتعددة يجعله في دينامية هائلة كما ونوعا وكيفا.
تعطي إجابة قويمة عن كل سؤال سؤال.
بمعنى أنَّ للنص القرآني روح وحياة دائبة ترفد المتعاطي معها بوعي ومعرفة ونشاط ودلالة وحكمة.
لا تقف عند حد معيّن معنىً و دلالة وقصدا .
وإلى ذلك أشارت الروايات أيضا.
عن عبد الرحيم القصير
قال :
كنتُ يوما من الأيام
عند أبي جعفر الإمام الباقر: :عليه السلام:
فقال:عليه السلام: : يا عبد الرحيم ، قلتُ : لبيك
قال :
قول الله ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد )
إذ قال رسول الله :صلى الله عليه وآله :
: أنا المنذر وعليٌ:عليه السلام: الهادي
مَن الهادي اليوم ؟
قال : فسكت طويلا ثم رفعتُ رأسي
فقلتُ:
: جُعلتُ فداك هي فيكم توارثونها رجل فرجل حتى انتهتْ إليك
فأنتَ - جُعلتُ فداك - الهادي
قال:عليه السلام:
: صدقتَ يا عبد الرحيم
إنَّ القرآن حيٌ لا يموت
و الآية حيةٌ لا تموت
فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا ماتت الآية
لمات القرآن
ولكن هي جارية في الباقين
كما جرت في الماضين .
وقال عبد الرحيم :
قال أبو عبد الله الإمام الصادق
:عليه السلام :
إنَّ القرآن حيُ لم يمت
وإنه يجري كما يجري الليل والنهار
وكما يجري الشمس والقمر
ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا .
:بحار الأنوار : المجلسي :ج35:ص404.
ويتبعُ القسم السابع إن شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
=========================
: بحوثٌ قرآنيَّة مَعرِفيَّة :
==============================
: القسمُ السادس:
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد وآله المعصومين
: النصُ القرآني مَعينٌ لا يَنضَب :
===================
تقدّمَ في القسم الخامس البحث عن مفهوم العقل ووظيفته المعرفية وقيمته وحجيته عقلا وشرعا .
وفي هذا القسم سنبحث في مفهوم النص القرآني
وخصائصه المعرفيّة والتي إذا عرفها العقل فسيتفاعل معها ذهنيا بصورة ترسم له ما يطلبه منه النص شرعا وعقلا.
كونها تُكوِّن المنطق الداخلي للنص القرآني ذاته
والمدخل المعرفي لقراءة النص قراءة صحيحة وهادفة.
ونعني بالنص القرآني هو الخطاب اللغوي المُتمثِّل بالآيات القرآنية المُكونّه للسوَر والصادر عن الله تعالى بواسطة الوحي.
وبما أنَّ النص القرآني هو قطعيُّ الصدور عن الله تعالى فيقيناً أنَّ المعاني والدلالات الكامنة في مادته اللغوية لا يمكن بحالٍ أن تنفد.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة المعرفيّة
في قوله تعالى:
{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} الكهف : 109
ومن جملة كلمات الله تعالى هو القرآن الكريم قطعا.
ويترتب على هذا الفهم أنَّ النص القرآني لم يكن مقصورا على الكم اللغوي المحض فقط
بل أضحى مَعيناً لمعان غير متناهية لا تنضب أبدا.
وهذا ما يجعله يرتفع عن مُحدد الزمان والمكان.
وإلى هذا المعنى قد أشارت الروايات الصحيحة
عن الإمام علي :عليه السلام: عن رسول الله محمد:صلى الله عليه وآله وسلّم :
قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يقول :
إنَّها ستكون فتن
قلتُ فما المَخرجُ منها يا رسول الله
قال:ص:
كتاب الله ، فيه خبر ما قبلكم
ونبأ ما بعدكم
وحكم ما بينكم .
هو الفصل ليس بالهزل
هو الذي لا تزيغ به الأهواء .
ولا تشبع منه العلماء . ولا يَخلق عن كثرة رد .
أي لا يبلى:
ولا تنقضي عجائبه .
وهو الذي من تركه من جبار قصمه الله
ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله
هو حبل الله المتين ، وهو الصراط المستقيم
وهو الذي من عمل به أُجِرَ .
ومن حكم به عدل
ومن دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم
:المُختصر النافع : المُحقق الحلي :ص1.
إنَّ الذي جعل النص القرآني مَعيناً لا ينضب هو ما توفر عليه من خصائص وميزات ذاتية
صيَّرتْ منه مصدرا للتشريع والتفريع والتنظير في كل منحى منحى من مناحي الحياة.
وأهم تلك الميزات الذاتية
هي:
:1:
ميزة العموم والإطلاق والإستيعاب
فالقرآن الكريم اعتمد في أغلب نصوصه الشريفة
على سياقيّة العموم والإطلاق والإستيعاب
وتجاوز محور الخاص في المورد بنكاته العامة والمطلقة
والتي بها اكتسح حد القضية الشخصية والزمان والمكان.
والذي يُعزز هذه الحقيقة الذاتية في النص القرآني
هو براعة البنيّة المعرفية والمنطقيّة في كينونة النص القرآني ذاتيا.
فمثلاً نلحظ دائما شدة الربط القرآني في العرض والغرض والحكمة في صياغة الآيات الشريفة
بين السابقين واللاحقين من الأمم وحتى الأفراد.
وهذا بحد ذاته يعني أنَّ النص القرآني قادرٌ على تخطي حدود الزمان والمكان وتلبيّة حاجة الإنسان أيّاً كان
وكشاهد على ذلك
ما ختم به القرآن الكريم آياته الشريفة في سورة يوسف
والتي عرضها في صورة القصة الحكيمة والهادفة والمُؤسِّسة في موضوعاتها وغاياتها حياتيا .
قال تعالى:
(( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) يوسف : 111
والمعنى هو:
لقد كان في نبأ المُرسلين الذي قصصناه عليك
يا رسول الله محمد:ص:
وما حلَّ بالمُكذِّبين عظة لأهل العقول السليمة.
ما كان هذا القرآن حديثًا مكذوبًا مختلَقًا
ولكن أنزلناه مُصدِّقًا لما سبقه من الكتب السماوية
وبيانًا لكل ما يحتاج إليه العباد من تحليل وتحريم
ومحبوب ومكروه وغير ذلك وإرشادًا من الضلال
ورحمة لأهل الإيمان تهتدي به قلوبهم
فيعملون بما فيه من الأوامر والنواهي .
:2:
ميزة إمكان التحمل المعنوي المُتعدد والموائم للواقع .
بمعنى أنَّ ما نزل من القرآن من آية إلاَّ ولها ظهر وبطن
وأنَّ القرآن يتقلب وجوها ، ويَحتملُ من التأويلات ضروبا
كما وصفه أمير المؤمنين علي :عليه السلام :
في كلام له
فقال :
: القرآنُ حَمالٌ ذو وجوه :
أي يحتمل التصريف على التأويلات
والحمل على الوجوه المختلفات .
:المجازات النبوية : السيد الشريف الرضي:ص252.
وهذا التحمل للوجوه المتعددة يجعله في دينامية هائلة كما ونوعا وكيفا.
تعطي إجابة قويمة عن كل سؤال سؤال.
بمعنى أنَّ للنص القرآني روح وحياة دائبة ترفد المتعاطي معها بوعي ومعرفة ونشاط ودلالة وحكمة.
لا تقف عند حد معيّن معنىً و دلالة وقصدا .
وإلى ذلك أشارت الروايات أيضا.
عن عبد الرحيم القصير
قال :
كنتُ يوما من الأيام
عند أبي جعفر الإمام الباقر: :عليه السلام:
فقال:عليه السلام: : يا عبد الرحيم ، قلتُ : لبيك
قال :
قول الله ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد )
إذ قال رسول الله :صلى الله عليه وآله :
: أنا المنذر وعليٌ:عليه السلام: الهادي
مَن الهادي اليوم ؟
قال : فسكت طويلا ثم رفعتُ رأسي
فقلتُ:
: جُعلتُ فداك هي فيكم توارثونها رجل فرجل حتى انتهتْ إليك
فأنتَ - جُعلتُ فداك - الهادي
قال:عليه السلام:
: صدقتَ يا عبد الرحيم
إنَّ القرآن حيٌ لا يموت
و الآية حيةٌ لا تموت
فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا ماتت الآية
لمات القرآن
ولكن هي جارية في الباقين
كما جرت في الماضين .
وقال عبد الرحيم :
قال أبو عبد الله الإمام الصادق
:عليه السلام :
إنَّ القرآن حيُ لم يمت
وإنه يجري كما يجري الليل والنهار
وكما يجري الشمس والقمر
ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا .
:بحار الأنوار : المجلسي :ج35:ص404.
ويتبعُ القسم السابع إن شاء الله تعالى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :