مشاهدة النسخة كاملة : دروس مختصرة في شرح كتاب الصوم
مولى أبي تراب
20-07-2012, 08:45 AM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ... وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
---------------
دروس مختصرة في شرح كتاب الصوم
بقرب حلول الشهر الفضيل شهر الله المبارك رمضان أحببت أن تكون فعاليّتي فيه هي :
شرح كتاب الصوم من الرسالة العملية لفقهائنا الكرام زاد الله في شأنهم
وتسليط الضوء على ما يشتمل عليه من مسائل وأحكام لهذه الفريضة السنوية العظيمة
خدمةً مني لإخواني وأخواتي الأفاضل وقضاءً لحق الأخوة الذي يربطني بهم
وبعد موافقة الاستخارة وقع اختياري على كتاب الصوم من منهاج الصالحين للسيد السيستاني
وذلك لبعض النكات التي استوجبت مني هذا الاختيار مما لا داعي الى ذكره
الا أني سأحاول جاهداً بتوفيق الله تعالى لي أن أسلط الضوء على آراء غيره من الفقهاء المعروفين بالتقليد
كيما يستفيد من يرجع اليهم من هذه الدروس ولا تنحصر الفائدة بتقليد معين مضافاً الى ما يستوجبه ذلك من ثقافة فقهية عامة
وسأحاول إن شاء الله تعالى الاختصار ما أمكن بالتركيز على شرح الفتوى وبيان النتيجة في كل مسألة
الا حيث يستدعي البيان شيئاً من التفصيل وزيادة الإيضاح فسوف لن أبخل بذلك إن شاء الله
فالمقصود من كون هذه الدروس مختصرة أنها ليست دروساً استدلالية بل توضيحية لتفكيك العبائر وبيان معانيها والأحكام المشتملة عليها
ولا نتعرض الى أدلة تلك الأحكام الا نادراً لمزيد البيان أو حيث ما يستدعي الشرح ذلك
أسأله تعالى أن يبلغني وسائر إخواني المؤمنين والمؤمنات شهر رمضان ويعيننا فيه على الصيام والقيام
وأن يجعلنا فيه من أهل ليلة القدر ومن المشمولين فيه بالمُعتَقة رقابُهم من النار
آمين ... ربّ العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
مولى أبي تراب
20-07-2012, 08:47 AM
أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ
بِسْـمِ اللهِ الـرَّحـمنِ الرَّحِـيْمِ
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ ... وصلَّى اللهُ على مُحمَّدٍ وآلهِ الطَّاهِريْن
-------------------
بدايةً نتعرض لبعض الآيات والروايات الواردة في الصوم وفضله اتعاظاً وتبركاً فمن ذلك :
1. قال اللَّه عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » البقرة / 183 - 185 .
2. عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم « الصائم في عبادة وإن كان على فراشه ما لم يغتب مسلماً » الكافي ج4 ص64
3. عن أبي عبد الله عليه السلام : « من صام لله عز وجل يوماً في شدة الحر فأصابه ظمأ وكّل الله به ألفَ ملك يمسحون وجهه ويبشّرونه حتى إذا أفطر قال الله عز وجل له : ما أطيب ريحك وروحك ، ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له » من لا يحضره الفقيه ج2 ص76
4. عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال لأصحابه : « ألا أخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعَدَ الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ قالوا : بلى قال : الصوم يُسّودُ وجهَه ، والصدقة تكسر ظهرَه ، والحبُّ في الله والمؤازرةُ على العمل الصالح يقطعُ دابرَه ، والاستغفارُ يقطع وتينَه ، ولكل شئ زكاة وزكاة الأبدان الصيام » الكافي ج4 ص62
والوتين عرق في القلب متّصل بالعنق إذا انقطع مات صاحبه قال تعالى : ( ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) كناية عن الهلاك والإهلاك
5. عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : « استعينوا بالصبر والصلاة يعني الصيام والصلاة . وقال عليه السلام إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة فليصم فان الله عز وجل يقول : واستعينوا بالصبر يعني الصيام » فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ص 122
6. عن الحسن ابن صدقة قال : قال أبو الحسن عليه السلام : « قِيلوا فان الله يُطعم الصائمَ في منامه ويسقيه » بحار الأنوار ج93 ص290
وقيلوا : أي ناموا القيلولة وهي النوم قبل الظهر المستحب ، وأبو الحسن هنا هو الإمام الكاظم عليه السلام
7. عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « من لم يُغفرْ له في شهر رمضان لم يغفرْ له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة » المصدر ، والى قابل أي الى رمضان القادم .
8. سُمِعَ أبو عبد الله عليه السلام يوصي وِلْدَه فيقول : « إذا دخل شهر رمضان فأجهدوا أنفسكم فيه فإن فيه تقسيمَ الأرزاق وتُكْتبُ الآجالُ وفيه يُكتَبُ وفدُ الله الذين يَفِدون إليه وفيه ليلةٌ العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر » الكافي ج4 ص66
فيه إشارة الى ما ورد من أن الله تعالى في شهر رمضان وفي ليلة القدر تحديداً يقضي ويقدر الأمور على العباد منها أرزاقهم وأجل كل إنسان وغير ذلك وأنه تعالى يكتب بعد ذلك ولله البداء ، ووفد الله هم الحجاج أي يكتب فيه من يحج ويفد الى بيت الله تعالى .
***
والحمدُ لله ربّ العالمين
وصلّى الله على محمّدٍ وآلهِ الطّاهرين
مولى أبي تراب
20-07-2012, 08:47 AM
تنويه /
عقد الفقهاء في رسائلهم العملية - منهاج الصالحين - الكلام في أحكام الصوم ضمن فصول سبعة :
الفصل الأول / في النية .
الفصل الثاني / في المفطرات .
الفصل الثالث / كفارة الصوم .
الفصل الرابع / شرائط صحة الصوم .
الفصل الخامس / ترخيص الإفطار .
الفصل السادس / ثبوت الهلال .
الفصل السابع / أحكام قضاء شهر رمضان .
وكان المفروض على ما هو المتعارف أن أراعي في الشرح الترتيب المذكور فأبدأ بشرح الفصل الأول ثم الثاني وهكذا الى السابع
ولكن لنكتة فنية ارتأيتُ البدأ بالفصلين الخامس والسادس أولاً لشدة الحاجة إليهما قبل حلول شهر رمضان المبارك
إذ نحتاج أن نعرف من هو المرخص في الإفطار في هذا الشهر ومعفو عن صومه
كما نحتاج أن نتعرف على أحكام هلال هذا الشهر وكيفية ثبوته قبل دخول الشهر
أما إذا أرجأنا الكلام فيهما الى ما بعد شرح الفصول السابقة عليهما فسيأتي متأخراً وتكون الحاجة اليه منتفية
فنبدأ أولاً بشرح الفصل الخامس في الترخيص في الإفطار ، ثم الفصل السادس في ثبوت الهلال ثم الكلام في الفصل والأول في النية وبعده باقي الفصول مرتبة .
إذن نبدأ الكلام أولاً في الفصل الخامس وهو : ترخيص الإفطار
ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى
مولى أبي تراب
20-07-2012, 08:50 AM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ ... وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
---------------
شرح كتاب الصوم
*****
الفصل الخامس / ترخيص الإفطار
وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص : منهم الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا تعذر عليهم الصوم ، وكذلك إذا كان حرجاً ومشقة ولكن يجب عليهم حينئذ الفدية عن كل يوم بمد من الطعام ، والأفضل كونها من الحنطة ، بل كونها مدين ، بل هو أحوط استحبابا ، والظاهر عدم وجوب القضاء على الشيخ والشيخة إذا تمكنا من القضاء ، والأحوط الأولى لذي العطاش القضاء مع التمكن ومنهم الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضر حملها ، والمرضعة القليلة اللبن إذا أضر بها الصوم أو أضر بالولد ، وعليهما القضاء بعد ذلك ، كما أن عليهما الفدية أيضا . (1)
----------------
يجب الصوم على كل مكلف اجتمعت فيه شرائط وجوب الصوم كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفصل الرابع في المسألة ( 1036 ) حيث جاء فيها :
( يشترط في وجوب الصوم البلوغ والعقل والحضر وعدم الإغماء وعدم المرض والخلو من الحيض والنفاس )
إلا أن الفقهاء استثنوا بعض المكلفين من وجوب الصوم مع اجتماع شرائط وجوب الصوم فيهم ، وهذا الاستثناء شمل أربعة عناوين وهم :
1. الشيخ والشيخة . 2. ذو العطاش . 3. الحامل المقرب . 4. المرضعة القليلة اللبن .
فهؤلاء لا يجب عليهم الصوم وهم مرخصون في الإفطار ، والكلام عن كل صنف :
الشيخ والشيخة
أما الشيخ والشيخة فالمراد منهما الكبيران في السن اللذان لا قابلية لهما على الصوم إما بأن لا يتمكنا من الصيام أصلاً بحيث يتعذر عليهما الصوم
أو يتمكنا لكن بصعوبة بالغة بحيث يجهدهما الصوم ولا يطيقانه ، فالترخيص ليس لنفس عنوان الشيخ والشيخة بحيث كل شيخ وشيخة مرخصان في الإفطار بل بشرط وهو أن لا يتمكنا من الصوم او لا يطيقانه ، فالشيخ والشيخة كغيرهما من المكلفين يجب عليهما الصوم لكن إن كان الصوم متعذراً او كان شاقاً عليهما جاز لهما الإفطار لذا قال في المتن ( إذا تعذر عليهم الصوم ، وكذلك إذا كان حرجاً ومشقة ) أي إنما يجوز لهما الإفطار بأحد شرطين : الأول أن يكون الصوم متعذراً عليهما ، الثاني أن لا يكون متعذراً بل مقدوراً لكن يسبب لهما المشقة والحرج إنْ هما صاما ، والحرج هو المشقة والكلفة والصعوبة البالغة بحيث يصعب تحملها
إذن المدار في جواز الإفطار ليس على كون المكلف شيخاً او شيخة بل على وجود أحد المسوّغَيْن للإفطار أعني تعذر الصوم أو كونه ذا مشقة وحرج
وعليه فقد يكون المكلف شيخاً او شيخة ومع ذلك يجب عليه الصوم وذلك حيث لا يوجد أحد المسوّغَيْن للإفطار بحيث لا يتعذر عليه الصوم بل هو ممكن بلا حرج ومشقة
وقد لا يكون شيخاً او شيخة ومع ذلك يجوز له الإفطار ويأخذ حكم الشيخ والشيخة كالشاب والشابة إذا وجد فيهما أحد المسوّغَين ، فإذا تعذر على الشاب والشابة الصوم أو كان فيه مشقة وحرج عليهما جاز لهما الإفطار كالشيخ والشيخة
إذن الضابطة في الترخيص في الإفطار هي وجود أحد المسوغَيْن للإفطار وهما : تعذر الصوم ، أو كونه ذا مشقة وحرج ، بلا فرق في ذلك بين الشيخ والشيخة أو غيرهما
وإنما خص الفقهاء الشيخ والشيخة بالذكر دون غيرهما - تبعاً للأخبار - لأن الشيخ والشيخة أوضح تطبيقات المسألة ، أي أكثر من يمكن أن يتحقق فيه أحد المسوّغَيْن للإفطار فيتعذر عليه الصوم أو يكون فيه مشقة عليه هما الشيخ والشيخة أما الشاب والشابة فعادة الصوم ممكن لهما غير متعذر وليس فيه مشقة عليهما ولا حرج فلم يُذكرا لكن هذا لا يمنع من شمول الحكم لهما مع وجود أحد المسوّغَيْن والشرطين
وعلى أي حال فسقوط وجوب الصوم على الشيخ والشيخة أو قل على كل من تعذر عليه الصوم أو كان فيه مشقة عليه ، حكم إجماعي لا خلاف فيه بين الفقهاء
لدلالة الأخبار عليه كما يدل عليه العقل فالعقل يأبي أن يكلّف المولى شخصاً بالصوم مع كون الصوم متعذراً عليه او يسبب له المشقة والحرج ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ، مضافاً الى قاعدة لا حرج الفقهية الدالة على أن كل تكليف يسبب امتثالُه الحرجَ على المكلف يسقط ويعتبر لاغياً كما قال تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) أي ما شرع لكم تشريعاً يوجب الحرج فإن أوجب تكليفٌ الحرجَ سقط عن الاعتبار فلا يجب امتثاله
ويدل على هذا الحكم أيضاً قوله تعالى ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) أي الذين يجدون في صوم رمضان إطاقة أي صعوبة وجهد بحيث يستنفذ منهم كل طاقتهم لا يجب عليهم الصوم بل الفدية
ثم إن من أفطر لتعذر الصوم عليه او كونه ذا مشقة وحرج يجب عليه أمران :
الأمر الأول / دفع الفدية بدلاً عن الإفطار فكل من لا يطيق الصوم فأفطر عليه دفع الفدية ويدل على ذلك الآية الكريمة ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )
ولكن ما هو مقدار الفدية ؟ فالآية لم تشر الى ذلك ، وجوابه أن الفقهاء ذكروا أنها مدّ من الطعام تدفع للفقير ، والمد يساوي ثلاثة أرباع الكيلو وعليه فيجب دفع 22 كيلو نصف من الطعام عوض الشهر الكامل وإذا كان الشهر ناقصاً 29 يوماً فيجب دفع 21 كيلو وثلاثة أرباع الكيلو من الطعام ، ولا تحديد لنوع الطعام فكل ما يُتعارف كونه طعاماً يصح أن يدفع فدية لكن الأفضل أن يكون الحنطة أي الطحين لذكره في بعض الأخبار
وذكروا كما في المتن أن الأفضل بل الأحوط استحباباً أن يدفع عن كل يوم مُدّين وليس مداً واحداً أي كيلو ونصف ، وسبب ذلك أن بعض الأخبار حددت الفدية بمد وبعضها حددتها بمُدّين
وفي مثل ذلك الفقهاء عندهم قاعدة تقول متى ما اختلفت الروايات في التقدير وجب العمل بالتقدير الأقل ويحمل الزائد على الاستحباب فهنا نحمل الروايات على وجوب المد واستحباب المُدّين لذا قالوا الأفضل كون الفدية مُدّين بل هو الأحوط استحباباً ولا خلاف في كل ذلك
ولا فرق في وجوب الفدية على الشيخ والشيخة ونحوهما بين أن يكون الإفطار للمسوّغ الأول وهو التعذر أو المسوّغ الثاني وهو المشقة والحرج ، وخالف في ذلك الشيخ الفياض فخص وجوب الفدية بما إذا كان الإفطار لأجل المشقة والحرج أما إذا كان لأجل التعذر فلا تجب الفدية أيضاً مضافاً الى سقوط الصوم وقد وافق في ذلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر .
والخلاصة / يجب على الشيخ والشيخة بل كل من أفطر لتعذر الصوم او لمشقته - خلافاً للشيخ الفياض - أن يدفع الفدية وهي مد أي ثلاثة أرباع الكيلو عن كل يوم والأفضل والأحوط استحباباً كونها مدّين كيلو ونصف ، من أي نوع من الطعام والأفضل كونه من الطحين .
الأمر الثاني / الذي يجب على من أفطر لتعذر الصوم او لمشقته مضافاً الى الفدية هو القضاء فيجب عليه القضاء بعد ذلك متى ما زال التعذر او المشقة وتمكن من الصوم
وهل هذا الحكم عام يشمل كل من أفطر للتعذر او المشقة حتى الشيخ والشيخة ؟
قولان : الأول / نعم فكل من أفطر بأحد المسوغين أعني التعذر أو المشقة يجب عليه القضاء مضافاً الى الفدية حتى الشيخ والشيخة ذهب الى ذلك بعض الفقهاء كالسيد اليزدي في العروة الوثقى .
الثاني / كلا لا يجب على الشيخ والشيخة القضاء حتى وإن تمكنا منه بعد ذلك وإنما تجب عليهما الفدية فقط ، نعم غيرهما كالشاب والشابة إذا أفطرا للتعذر أو المشقة يجب عليهما القضاء أيضاً مضافاً الى الفدية ، وهذا الرأي هو المعروف بين فقهائنا اليوم ومنهم السيد الماتن ، فينحصر وجوب القضاء بمن عدا الشيخ والشيخة أما هما فلا يجب عليهما غير الفدية .
-----------------------
(1) تنبيه / الكلام الذي يحمل اللون الأزرق يمثل المتن أعني كلام السيد السيستاني في منهاج الصالحين ، وشرحه سيكون أسفل منه باللون الأسود .
وإذا قلت ( المتن ) أعني به كلام السيد السيستاني في منهاج الصالحين الذي نحن بصدد شرحه ، وإذا قلت ( الماتن ) فالمقصود هو السيد السيستاني .
مولى أبي تراب
20-07-2012, 08:51 AM
ذو العطاش
ويقصد منه من كان مصاباً بداء العطش وهو حالةٌ مرضيَّةٌ تجعله يشعر بعطش شديد بحيث يحتاج الى شرب الماء مراراً في فترات متقاربة ، فهذا أيضاً من جملة من رُخّص له بالإفطار
والكلام فيه كالكلام في الشيخ والشيخة وهو :
1. أن الترخيص ليس لعنوان ذي العطاش بحيث كل من كان مبتلى بهذا المرض يجوز له الإفطار بل بأحد الشرطين والمسوّغين وهما تعذر الصوم عليه أو كون الصوم يسبب المشقة والحرج له ، فإذا تمكن ذو العطاش من الصوم ولو بصعوبة نسبية بحيث لم يصل الى المشقة والحرج كما في فصل الشتاء وجب عليه الصوم ولا يشمله الترخيص في الإفطار ، ولا خلاف في ذلك .
2. يجب عليه الفدية أيضاً عوض الصوم إذا أفطر وهي كما تقدم مد أي ثلاثة أرباع الكيلو عن كل يوم والأفضل والأحوط استحباباً كونها مدّين كيلو ونصف ، من أي نوع من الطعام والأفضل كونه من الطحين .
3. لا فرق في وجوب الفدية على ذي العطاش بين أن يكون إفطاره لأجل التعذر أو لأجل المشقة والحرج ، وخالف الشيخ الفياض هنا أيضاً وخص الفدية عليه بما إذا أفطر لأجل المشقة دونما إذا أفطر لأجل التعذر كالشيخ والشيخة .
4. وهل يجب عليه القضاء إذا تمكن منه بعد ذلك ؟ كما إذا لم يستطع الصوم في الصيف لكونه ذا عطاش ولكن استطاع القضاء بعد ذلك في الشتاء
خلاف ، قال السيد الماتن الأحوط الأولى القضاء ، وهو احتياط استحبابي فلا يجب القضاء كالشيخ والشيخة ، وهو رأي السيد الصدر في منهج الصالحين والشيخ الفياض والشيخ وحيد الخراساني ، فيجب على ذي العطاش الفدية فقط دون القضاء وإن تمكن منه لكن القضاء أحوط استحباباً
وذهب بعض الفقهاء الى وجوبهما معاً فإذا تمكن من القضاء بعد ذلك وجب عليه القضاء مضافاً الى الفدية وهو رأي السيد الخوئي احتياطاً وجوبياً وأفتى به بعض الفقهاء كالسيد الروحاني
فائدة / ذكروا بأن ذا العطاش مرخوص في الإفطار وشرب الماء بقدر ما يضطر إليه ولا يجوز له الإكثار من الشرب أزيد من مقدار الضرورة ورفع العطش فضلاً عن ممارسة باقي المفطرات بل يجب الامساك في النهار عما زاد عن مقدار الضرورة ورفع العطش ، هذا في صوم شهر رمضان دون غيره من الصوم الواجب المعين فلا يجب الإمساك .
الحامل المُقْرِب
الصنف الثالث المرخّص في الإفطار الحامل المقرب أي التي قاربت الولادة ووضع جنينها فيجوز لها الإفطار ولكن بشرط أن يكون في صومها ضرر عليها أو على جنينها كما إذا كان صومها سبباً لوفاة الجنين أو إجهاضه فهي مرخصة في الإفطار
إذن الترخيص أيضاً ليس لعنوان الحامل المقرب بحيث كلُ حاملٍ مقرب يجوز لها الإفطار بل بهذا الشرط وهو أن يلزم من صومها تضرّرُها او تضررُ جنينها ، فإذا لم يكن في الصوم ضرر لا عليها ولا على الجنين وجب الصوم ولا يرخص لها بالإفطار ، وحكم هذه :
1. إذا علمت بلزوم الضرر جاز لها الإفطار أياً كان منشأ علمها سواء الطبيب الثقة الحاذق او اطمئنانها أو غير ذلك ، بل يكفي أن تحتمل الضرر فيجوز لها الإفطار وإن لم تعلم بحصوله جزماً بشرط أن يكون احتمالاً عقلائياً أي له أسبابه المقنعة وليس مجرد وسواس ، والماتن وغيره لم يتعرضوا لهذا الحكم هنا ولكن يمكن استفادة ذلك من كلامهم في شرائط صحة الصوم في الفصل الرابع كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
2. يجب عليها الفدية وهي كما تقدم مد أي ثلاثة أرباع الكيلو عن كل يوم والأفضل والأحوط استحباباً كونها مدّين كيلو ونصف ، من أي نوع من الطعام والأفضل كونه من الطحين .
3. لا فرق في وجوب الفدية على الحامل المقرب بين أن يكون إفطارها لأجل تضررها أو لأجل تضرر جنينها فتجب عليها الفدية على كلا التقديرين وهو رأي السيد الماتن - السيستاني - والسيد محمد سعيد الحكيم
وخالفا في ذلك الرأي المعروف القائل بأن الفدية إنما تجب عليها إذا كان إفطارها لأجل تضرر جنينها أما إذا أفطرت لأجل تضررها هي فلا تجب الفدية كما هو رأي السيدين الخوئي والصدر رحمهما الله والشيخين الفياض والخراساني حفظهما الله بل هو الرأي المعروف كما قلنا
4. إنما تجب عليها الفدية في مالها فلا يجب على الزوج أن يدفعها فإن لم تكن تملك مالاً بقيت في ذمتها حتى تتمكن .
5. إذا أفطرت الحامل المقرب فلا خلاف في وجوب القضاء عليها بعد أن تضع حملها سواء أفطرت خوفاً من الضرر على نفسها أو على جنينها .
المرضعة القليلة اللبن
فهي أيضاً ممن رُخّصوا في الإفطار ، والكلام فيها كالكلام في الحامل المقرب حذو القذة بالقذة فكل ما ذكر هناك يأتي هنا وهو :
أن جواز الإفطار مشروط بكون الصوم مضراً بها أو برضيعها لا مطلقاً فالترخيص ليس لعنوان المرضعة القليلة اللبن بل بالشرط المذكور ، كما أنه تجب عليها الفدية على الخلاف السابق فالسيد الماتن أوجب الفدية عليها مطلقاً بينما الرأي المعروف وجوب الفدية إذا أفطرت لتضرر رضيعها دونما إذا أفطرت لتضررها هي ، والفدية هي ما تقدم مد من الطعام وتجب في مالها ، ولا خلاف في وجوب القضاء عليها بعد ذلك سواء أفطرت خوفاً من الضرر على نفسها أو على رضيعها .
نعم تمتاز المرضعة عن الحامل بحكم يأتي التعرض له إن شاء الله في المسألة القادمة ( 1042 )
مولى أبي تراب
20-07-2012, 08:52 AM
ولا يجزئ الاشباع عن المد في الفدية من غير فرق بين مواردها
-------------------
أي في كل مورد من الموارد الأربعة السابقة المشمولة بالترخيص في الإفطار إذا وجبت الفدية فهي مد من الطعام ولا بد من التقيّد بذلك فلا يكفي أن يقدم الى الفقير ما دون المد وإن كان مشبعاً له فلو استدعى فقيراً فأطعمه ما دون المد لم يكفِ ذلك في تحقق الفدية عن اليوم الواحد وإن كان مشبعاً ، لأنه أقل من المقرر والواجب شرعاً ، فقوله لا يجزي الإشباع عن المد أي فيما إذا تحقق الإشباع بأقل من مد أما إذا تحقق الإشباع بأكثر من مد فلا إشكال في أنه يكفي فقد تقدم استحباب دفع مدين في الفدية ، وقوله بلا فرق بين مواردها أي سواء في المورد الأول وهو الشيخ والشيخة أو الثاني وهو ذو العطاش أو الثالث وهي الحامل المقرب او الرابع وهي المرضع القليلة اللبن ففي جميع ذلك لا يجزي دفع الأقل من المد وإن كان مشبعاً .
******
مسألة 1042 : لا فرق في المرضعة بين أن يكون الولد لها ، وأن يكون لغيرها ، والأحوط لزوماً الاقتصار على صورة انحصار الإرضاع بها
بأن لم يكن هناك طريق آخر لإرضاع الطفل ولو بالتبعيض من دون مانع وإلا لم يجز لها الافطار
------------------
قلنا بأن المرضعة القليلة اللبن إذا خافت على نفسها أو على رضيعها من الصوم جاز لها الإفطار ، ولكن هل يشترط أن يكون الرضيع - الذي يجوز لها الإفطار إن خافت عليه من الصوم - ولدها ؟ بحيث لو لم يكن ولدها - كما إذا استُأجِرت لرضاع مولود او تبرعت هي بذلك - لم يجز لها الإفطار وإن تضرر من صومها . أم يجوز لها الإفطار مطلقاً إن خافت على الرضيع سواء كان ولدها او لا ؟
الجواب / يجوز لها الإفطار مطلقاً إن خافت الضرر على الرضيع سواء كان ولدها أو ولد غيرها أي سواء كانت أماً له أو لا ، وذلك لإطلاق الروايات إذ أنها أطلقت الحكم بجواز الإفطار للمرضعة القليلة اللبن ولم تشترط أن يكون المولود لها فقد روى محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السّلام : « الحامل المقرب والمرضع القليلة اللَّبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان لأنّهما لا يطيقان الصوم وعليهما أن يتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم يفطر فيه بمدّ من طعام ، وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعدُ » وسائل الشيعة ج7 ص153 ، فنلاحظ أنه عليه السلام قال والمرضع القليلة اللبن ولم يقل بشرط أن يكون الرضيع ولدها .
إذن جواز الإفطار للمرضعة القليلة اللبن إن خافت على الرضيع شامل لما إذا كان ولدها وهي أمٌ له أم لا
لكن في الصورة الثانية وهي ما إذا لم يكن ولدها ولم تكن أمه يشترط في جواز الإفطار عدم انحصار الرضاع بها فلو أمكن أن ترضعه أخرى غيرها سواء بتبرع أو بأجرة لم يجز لها أن تفطر وكذا لو أمكن التبعيض بأن تتناوب هي وغيرها على رضاعه بحيث يرتفع الضرر بمعنى أن قليلة اللبن إنما تخاف أن يتضرر الولد بصومها فيما إذا انفردت هي برضاعه أما إذا أمكن أن تعاونها مرضعة أخرى على رضاعه بحيث لا تخشى عليه الضرر إن هي صامت ففي مثل هذه الحالة لا يجوز لها الإفطار
إذن قول الماتن ( والأحوط لزوماً الاقتصار على صورة انحصار الإرضاع بها ) ناظر الى الصورة الثانية وهي ما إذا لم يكن ولدها والتي عبر عنها بقوله ( وأن يكون لغيرها ) أما الصورة الأولى وهي ما إذا كان الرضيع ولدها وهي أمه فلا يشترط هذا الشرط بل يجوز لها الإفطار بمجرد الخوف عليه وإن أمكن أن ترضعه أخرى
وعلى هذا فالمرضعة القليلة اللبن يجوز لها الإفطار من أجل ولدها بشرط واحد وهو أن تخاف عليه من الصوم ، أما غير ولدها فيجوز لها الإفطار بشرطين : الخوف عليه من الصوم وانحصار الرضاع بها فلو لم ينحصر الرضاع بها وأمكن أن ترضعه أخرى لم يجز لها الإفطار كما لا يجوز لها الإفطار إن لم تخف عليه ولم يكن في صومها ضرر عليه .
مولى أبي تراب
20-07-2012, 08:52 AM
خاتمة
نختم شرح هذا الفصل بسؤال وفائدة
أما السؤال / هل الإفطار لهذه الأصناف الأربعة - الشيخ والشيخة وذو العطاش والحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن - رخصة او عزيمة ؟
أي قلنا هؤلاء مستثنون من وجوب الصوم فهل معنى استثنائهم جواز الإفطار لهم بحيث لو صاموا صح صومهم ، أم وجوب الإفطار عليهم بحيث لو صاموا لم يصح منهم الصوم الذي هو معنى العزيمة ؟
الجواب / إن عنوان هذا الفصل الخامس هو ( ترخيص الإفطار ) وهو يشير الى أن الإفطار رخصة وجائز وليس واجباً كما أن قول الماتن ( وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص ) يدل على ذلك فالشيخ والشيخة وذو العطاش يجوز لهما الإفطار إن كان في الصوم مشقة وحرج ولكن لو تحملا المشقة وصاما صح صومهما ، وكذا الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إن خافتا الضرر جاز لهما الإفطار لكن إن تحملتا الضرر وصامتا صح صومهما لأن الإفطار جائز ومعنى جوازه جواز الصوم أيضاً
مع ذلك ذكر الفقهاء أن الإفطار لهؤلاء قد يكون عزيمة وواجباً بحيث يحرم الصوم ولو صاموا بطل الصوم وذلك إذا لزم منه أمر محرم ، فالحامل المقرب مثلاً إذا علمت أن جنينها يتضرر بالصوم ضرراً بالغاً كالإجهاض حرم عليها الصوم ولو صامت كان باطلاً لحرمة الإجهاض وهكذا إذا كان في صومها ضرر بالغ عليها كما إذا أدى الى مرض يشق تحمله ونحو ذلك ونفس الكلام في المرضع القليلة اللبن
وهكذا الشيخ والشيخة وذو العطاش إذا كان في صومهما حرج بالغ ومشقة شديدة يحرم تحملها حرم الصوم وكان باطلاً على تقدير وقوعه .
وأما الفائدة / فإذا وجب القضاء على صنف من هذه الأصناف كالحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن وكذا الشيخ والشيخة وذو العطاش على القول بوجوب القضاء عليهما ، فيجب أن يكون القضاء قبل حلول رمضان القادم مع التمكن والا وجبت فدية أخرى غير فدية ترخيص الإفطار وهي فدية التأخير أي تأخير القضاء عن رمضان التالي ، فالحامل المقرب إذا لم تقضِ الصوم حتى جاء رمضان التالي وجبت عليها فديتان فدية جواز الإفطار لأنها حامل مقرب وفدية تأخير القضاء حيث أن من أخر القضاء حتى جاء رمضان من قابل وجبت عليه فدية التأخير كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفصل السابع / أحكام قضاء شهر رمضان مسألة ( 1051 ) ، وفدية التأخير هي نفس فدية ترخيص الإفطار مد من الطعام .
*******
الى هنا نكون قد انتهينا من شرح الفصل الخامس / ترخيص الإفطار
ثم الكلام في الفصل السادس / ثبوت الهلال
يأتي إن شاء الله تعالى
مولى أبي تراب
20-07-2012, 06:09 PM
الفصل السادس / ثبوت الهلال
-----------------
تمهيد
يقسم الصوم من حيث الزمان الى قسمين : صوم معيّن وصوم غير معيّن
أي هناك قسم من الصوم عيّنَ له الشارع زماناً مخصوصة ويوماً او أياماً معينة لا بد من وقوعه فيها ، وهناك قسم من الصوم لم يعيّن الشارع له زماناً ويوماً محدداً بل ترك الأمر للمكلف وجعله في مندوحة وسعة من أمره يختار أي يوم يريد لإيقاع الصوم فيه
بلا فرق في ذلك بين الصوم الواجب والصوم المستحب فكل منهما يقسم الى معيّن وغير معيّن
وعليه فالأقسام أربعة :
القسم الأول / الواجب المعيّن ، وهو بدوره على قسمين : واجب معيّن بالأصل كصيام شهر رمضان فهو واجب معيّن فقد عيّن الشارع لامتثاله زماناً معيناً وهو شهر رمضان ووجوبه بالأصل ، وواجب معيّن بالعارض كما إذا نذر المكلف صوم يومٍ معين كيوم الجمعة القادم فهو صوم واجب في يوم معين وهو الجمعة القادم الا أن الوجوب بالعارض وهو النذر وليس بأصل التشريع فلولا النذر لما وجب . (1)
القسم الثاني / الواجب غير المعيّن ، وهو أيضاً على قسمين : واجب غير معيّن بالأصل كصوم قضاء شهر رمضان فهو واجب ووجوبه أصلي أي الشارع هو الذي أوجبه الا أنه غير معيّن حيث لم يشترط الشارع أن يكون القضاء في أيامٍ معينة بل للمكلف أن يوقع القضاء في أي يوم يشاء من أيام السنة قبل رمضان القادم ، وواجب غير معيّن بالعارض كما إذا نذر المكلف صوم يوم من دون تعيين في زمان خاص فهو واجب وغير معيّن ووجوبه بالعارض أي بسبب النذر وليس بسبب التشريع الإلهي مباشرة .
القسم الثالث / المستحب المعيّن كاستحباب صيام يوم المولد النبوي الشريف ويوم المبعث ويوم النصف من شعبان ويوم عرفة ويوم المباهلة ويوم الغدير ، فالصيام في هذه الأيام ونحوها مستحب واستحبابه معيّن .
القسم الرابع / المستحب غير المعيّن كاستحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، حيث لم يعيّن الشارع هذه الأيام وترك اختيارها للمكلف فإن شاء جعلها في أول الشهر او وسطه او آخره او فرّقها على الشهر ، وإن كان الأفضل اختيار أول خميس من الشهر وآخر خميس وأول أربعاء من العشرة الثانية من الشهر لكن هذا ليس على نحو التعيين بل هو أفضل كيفية للامتثال ليس الا .
من ذلك يتضح أن ثبوت الهلال وحساب الأشهر والأيام له مدخلية في امتثال كثير من أنواع الصوم خصوصاً الواجب المعيّن كشهر رمضان فالشريعة المقدسة أوجبت علينا صيام شهر رمضان وحتى نمتثل هذا الواجب ونخرج من عهدة التكليف لا بد أن نحرز وقوع صومنا في شهر رمضان ،وهذا يتوقف على ثبوت هلال شهر رمضان ، ومن هنا عقد الفقهاء في رسائلهم فصلاً خاصاً تحدثوا فيه عن طرق ثبوت الهلال وأحكامه
وأيضاً الكلام في ثبوت الهلال ليس ضرورياً من حيث وجوب الصوم فقط بل من حيث حرمة الصوم أيضاً حيث يحرم صوم يومين معيّنين من السنة وهما العيدان : الأول من شوال والعاشر من ذي الحجة وحتى يتمكن المكلف من اجتناب صوم هذين اليومين فلثبوت الهلال مدخلية في ذلك .
بل ثبوت الهلال وحساب الأشهر لا تقتصر أهميته على شعيرة الصوم وإنما تتجاوزه الى تكاليف أخرى كفريضة الحج لأن بعض مناسكه كالوقوفين مشروط بأن يكون في زمان معين من ذي الحجة وهذا ما يتوقف على ثبوت هلال ذي الحجة
وهكذا حرمة القتال في أشهر معينة وهي التي تسمى الأشهر الحرم فامتثال هذه الحرمة متوقف على ثبوت هلال هذه الأشهر
من كل ذلك كان من الضروري أن يبحث الفقهاء مسألة ثبوت الهلال ، وننوه الى أنهم وإن بحثوا هذه المسألة ضمن كتاب الصوم الا أنها لا تختص به ، أو قل أن كلامهم لا يختص بهلال شهر رمضان بل الكلام عن ثبوت الهلال بشكل عام سواء في شهر رمضان او غيره ، وإنما أدرجوا هذه المسألة ضمن كتاب الصوم باعتبار شدة الابتلاء بها - ثبوت الهلال - فيما يتعلق بالصوم ، فأكثر ما يحتاج المكلفون الى معرفة دخول الشهر في شهر رمضان .
--------------------
(1) يقسم الواجب الى واجب بالأصل وواجب بالعرض أو قل واجب أصلي وواجب عرضي ، والواجب بالأصل وهو ما وجب بأصل الشرع أو قل ما أوجبه الشارع ابتداءً على كل المكلفين - عيناً أو كفاية - كالصلاة اليومية وصوم شهر رمضان ، والواجب بالعرض هو ما لم يكن واجباً بأصل الشرع وإنما وجب بسبب خارجي عارض كالنذر او الإجارة او قل هو ما أوجبه المكلف على نفسه ولم يوجبه الشارع عليه كنذر صيام يوم الجمعة والنيابة عن الغير في الحج او الصوم .
مولى أبي تراب
20-07-2012, 06:11 PM
يثبت الهلال بالعلم الحاصل من الرؤية أو التواتر أو غيرهما ، وبالاطمئنان الحاصل من الشياع أو غيره ، وبمضي ثلاثين يوما من هلال شعبان فيثبت هلال شهر رمضان ، أو ثلاثين يوما من شهر رمضان فيثبت هلال شوال ، وبشهادة عدلين ، ولا يثبت بشهادة النساء ، ولا بشهادة العدل الواحد ولو مع اليمين ، ولا بقول المنجمين ، ولا بغيبوبته بعد الشفق ليدل على أنه لليلة السابقة ولا بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية ، ولا برؤيته قبل الزوال ، ليكون يوم الرؤية من الشهر اللاحق ، ولا بتطوق الهلال ، ليدل على أنه لليلة السابقة ، وفي ثبوته بحكم الذي لا يعلم خطأه ولا خطأ مستنده اشكال بل منع ، نعم إذا أفاد حكمه أو الثبوت عنده الاطمئنان بالرؤية في البلد أو فيما بحكمه اعتمد عليه .
--------------------
ذكر الفقهاء لثبوت الهلال وبالتالي دخول الشهر طرقاً متى ما حصل أحدها ثبت الهلال وتحقق دخول الشهر ، وهذه الطرق بعضها محل اتفاق ولا خلاف في حُجّيتها وثبوت الهلال بها ، وبعضها لا خلاف في عدم حجيتها وعدم ثبوت الهلال بها ، وبعضها اختلف الفقهاء في اعتبارها وجواز التعويل عليها وهي طرق عديدة وكثيرة ذكر السيد الماتن اثني عشر طريقاً منها الا أنه خصّ الحُجّية والثبوت لأربعة طرق فقط دون الثمانية الأخرى ، وإليك تفصيل الكلام في كل علامة وطريق ورأي الفقهاء فيها :
الطريق الأول / العلم ، فإذا حصل العلم بثبوت الهلال فلا إشكال في الثبوت ودخول الشهر به ووجوب ترتيب الحكم عليه ، بمعنى إذا حصل العلم بثبوت هلال شهر رمضان وجب ترتيب الحكم على ذلك أي وجوب الصوم ، وإذا حصل العلم بثبوت هلال شهر شوال وجب ترتيب الحكم بحرمة الصوم ووجوب الإفطار حينئذٍ
والمراد من العلم القطع واليقين والجزم بأن نعلم بثبوت الهلال 100 % ولا يوجد احتمال للخطأ عندنا ، ولا خلاف في طريقيّة العلم لثبوت الهلال وصحة التعويل عليه بل وجوبه لأن العلم حُجة ولا يمكن أن نقول لشخص علم بثبوت الهلال 100 % لا ترتب الأثر على علمك فهذا مستحيل ، لذا يعتبر العلم من أوضح طرق ثبوت الهلال لذا ذكره الفقهاء أولاً
وليس مهماً ما هو منشأ العلم وكيف يحصل عندنا العلم بل المهم حصول العلم ، وقد ذكر الماتن طريقين لحصول العلم وهما الرؤية والتواتر ولكن ليس ذلك على نحو الحصر بل تنبيهاً على بعض أسباب حصول العلم ولا خصوصية فيهما ، فلو حصل العلم من غير هذين السببين كفى وثبت به الهلال لذا قال بعد ذلك ( أو غيرهما ) كالشياع المفيد للعلم مثلاً
والمقصود من الرؤية أن يرى المكلف الهلال بنفسه وحينئذٍ يثبت عنده الهلال ويجب عليه أن يرتب الأثر عليه وإن لم يره غيره ولم يحكم أحد بثبوت الهلال فهو ملزم بثبوت الهلال لأنه رآه ، قال السيد الخوئي قده : ( فإن رآه المكلَّف بنفسه فلا إشكال في ترتّب الحكم أعني : وجوب الصيام في رمضان ، والإفطار في شوّال بمقتضى النصوص الكثيرة المتواترة ، سواء رآه غيره أيضاً أم لا ) شرح العروة الوثقى / كتاب الصوم ج2 ص63
والمقصود من التواتر إخبار جماعة بثبوت الهلال يمتنع تواطؤهم على الكذب ، بحيث يحصل من إخبارهم سكون النفس سكوناً يزول معه الشك ويحصل من أجل إخبارهم الجزم القاطع بالثبوت . (1)
الطريق الثاني / الاطمئنان ، فإذا حصل الاطمئنان بثبوت الهلال جاز بل وجب التعويل عليه ولا خلاف في ذلك ، فحكمه حكم العلم .
والمقصود من الاطمئنان : ( درجة عالية من الظن يقارب العلم واليقين على نحو يبدو احتمال العكس ضئيلا جدا إلى درجة يلغى عمليا عند العقلاء ، كما إذا كان احتمال العكس واحدا في المائة مثلا ) الفتاوى الواضحة - للسيد محمد باقر الصدر - ص 45
مثلاً إذا أخبرك شخص بحادثة وأنت احتملت بنسبة 99 % صحة إخباره واحتملت كذبه أو خطأه واشتباهه بنسبة 1 % فحينئذٍ أنت عندك اطمئنان بصحة إخباره ، وليس هذا علماً فالعلم ما بلغت نسبته 100 % ولا يوجد احتمال فيه للخلاف والعكس .
والاطمئنان كالعلم لا يحصل جزافاً بل لا بد له من أسباب يحصل من حصولها الاطمئنان أي الظن العالي ، وقد ذكر الماتن من أسباب حصول الاطمئنان الشياع بأن يشيع بين الناس ثبوت الهلال ورؤيته الى درجة يحصل عند المكلف ظن عالي واحتمال كبير بثبوته بحيث يكون احتمال خطأ الناس وعدم ثبوت الهلال ضئيل جداً لا يعتنى به ، ولكن ذكر الشياع لحصول الاطمئنان ليس من باب الحصر بل من باب أحد الأسباب والموجبات للاطمئنان ولذا قال بعد ذلك ( أو غيره ) فإذا حصل الاطمئنان بغير الشياع كفى كإخبار الثقة او حكم الحاكم كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
الطريق الثالث / الثبوت بمضي ثلاثين يوماً ، فإذا مضت ثلاثون يوماً من شهرٍ ثبت هلال الشهر اللاحق له وكان ذلك علامة على دخول الشهر التالي له ، ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء بل جميع المسلمين ، قال السيد العاملي في مدارك الأحكام : ( أما وجوب الصوم مع مضي ثلاثين يوما من شعبان فمجمع عليه بين المسلمين ، بل الظاهر أنه من ضروريات الدين ) 6 / 165 ، لأن الشهر العربي لا يزيد على الثلاثين يوماً ، والأخبار دالة على ذلك .
الطريق الرابع / شهادة عدلين وهي ما يسمى البينة الشرعية ، فإذا شهد شخصان عادلان بأنهما رأيا الهلال ثبت الهلال بشهداتهما ، ولا خلاف في صحة هذا الطريق وحجيته وثبوت الهلال به لأن البينة حجة ومن وسائل الإثبات وإن نسب الى بعض المتقدمين عدم الثبوت بها هنا ولكنه خلاف المشهور ، والأخبار دالة على حجية البينة هنا ، منها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله ( ع ) قال : ( قال علي ( ع ) : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال ، إلا شهادة رجلين عدلين ) وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله ( ع ) : ( إن عليا ( ع ) كان يقول : لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين )
والمقصود من كونهما عدلين أي متصفان بالعدالة والعدالة على ما عرفها الفقهاء بأنها : ( عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة وعدم الانحراف عنها يمينا وشمالا بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي ) لاحظ المسألة 29 من منهاج الصالحين ج1
لكن اشترط الفقهاء في جواز التعويل على البينة وإخبار العدلين الا يختلفا في وصف الهلال وثبوته والا لم يثبت بشهادتهما
وهذه الأربعة هي الطرق المعتبرة لثبوت الهلال ، ثم الكلام في الطرق الثمانية غير المعتبرة وهي :
--------------------------
(1) التواتر دليل استقرائي يقوم على أساس تجميع القرائن ، قال السيد الشهيد الصدر قده : ( وهو أن يخبرك عدد كبير جدا من الناس بحادثة رأوها بأعينهم ، فأنت حين تسمع الخبر من أحدهم تحتمل صدقه ولكنك لا تجزم بذلك فتعتبر خبره قرينة ناقصة على وقوع الحادثة ، فإذا سمعت الخبر نفسه من شخص آخر تقوى في نفسك احتمال وقوع الحادثة نتيجة لاجتماع قرينتين ، وهكذا يظل احتمال وقوع الحادثة ينمو ويكبر كلما جاء مخبر جديد عنها حتى يصل إلى درجة العلم ) المعالم الجديدة للأصول / 162 .
مولى أبي تراب
20-07-2012, 06:12 PM
الطريق الأول / شهادة النساء ، فلا يثبت الهلال بشهادة النساء لأن هذا ليس من موارد الثبوت بشهادة النساء فما يثبت بشهادة النساء موارد خاصة هذا ليس منها ، أو قل إن قيام شهادة النساء مقام شهادة الرجال إنما ورد في موارد خاصة هذا ليس منها ، بل دل الدليل على عدم ثبوت الهلال بشهادة النساء وهو صحيح الحلبي الآنف عن أبي عبد الله ( ع ) قال : ( قال علي ( ع ) : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال ، إلا شهادة رجلين عدلين ) ولا خلاف في ذلك .
الطريق الثاني / شهادة العدل الواحد ، فلا يثبت الهلال بشهادة رجل عادل واحد بل لا بد من رجلين حتى تتحقق البينة وقوله ( إلا شهادة رجلين عدلين ) في صحيح الحلبي يدل على ذلك
ولا يكفي ضم اليمين أي الحلف والقسم الى شهادته بأن يشهد على رؤية الهلال ويقسم على ما شهد عليه فإن الشهادة مع اليمين وإن كانت من وسائل الإثبات في بعض موارد الا أن ثبوت الهلال ليس منها ، وخالف في ذلك السيد الروحاني فحكم بثبوت الهلال بشهادة العدل الواحد ولو من دون يمين .
الطريق الثالث / إخبار المنجمين ، ولا خلاف في ذلك بين فقهائنا الا من ندر من المتقدمين ، وذلك لعدم الدليل على ثبوت الهلال بإخبار المنجمين بل الدليل على خلافه حيث حصرت الأخبار ثبوت الشهر بالرؤية – الأعم من رؤية المكلف نفسه أو رؤية غيره فيشمل الشياع والبينة - ومضي ثلاثين يوماً ، فما عدا ذلك ليس بحجة ، مضافاً الى أن قول المنجمين لا يفيد العلم ولا الاطمئنان بل غاية ما يفيد الظن بثبوت الهلال والظن لا يصح التعويل عليه لأنه لا يغني من الحق شيئاً .
الطريق الرابع / غيبوبة الهلال بعد الشفق ليدل على أنه لليلة سابقة ، والشفق هي الحمرة المغربية التي في السماء التي تبقى فترة بعد الغروب ثم تذهب باسوداد الأفق ، والمراد أن يكون الهلال عالياً عن الأُفق بحيث يغيب الشفق عن الأُفق أي تذهب الحمرة قبل غياب الهلال عنه ، فإنّه قد ذكر بعض الفقهاء أننا إذا رأينا الهلال وتأخر بقاؤه في الأفق واستمرت رؤيته الى ما بعد زوال الحمرة بحيث اسودّ الأفق وما زال الهلال موجوداً فهذا دليل على أنه هلال الليلة الثانية وأن الشهر دخل من ليلة أمس فاليوم الذي انقضى كان أول الشهر ويوم غد هو اليوم الثاني
ولكن المشهور أنكروا ذلك ، وذكروا أن المدار هو الرؤية ولا اعتبار بالغيبوبة ، بمعنى أننا ما دام لم نرَ الهلال ليلة أمس ورأيناه هذه الليلة فهذه الليلة هي ليلة أول الشهر وأن يوم غد هو أول أيام الشهر وإن تأخر بقاء الهلال في الأفق فلا عبرة بذهاب الهلال سريعاً ليدل على أنه لليلة ولا لتأخره ليدل على أنه لليلتين بل المدار على الرؤية الفعلية .
الطريق الخامس / شهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية ، فلا اعتبار بشهادتهما كما إذا شهدا برؤية ثالث فلا تقبل شهدتهما لأن الدليل دل على قبول شهادتهما فيما لو شهدا بالرؤية أي برؤيتهما لا برؤية ثالث ، ولا خلاف في ذلك .
الطريق السادس / الرؤية قبل الزوال ، بمعنى أن الهلال إذا رؤي في النهار قبل الزوال فهذا يعني أننا في أول أيام الشهر وأن الهلال كان موجوداً منذ الليلة السابقة ، بخلاف ما إذا شوهد بعد الزوال وممن قال بذلك بعض الفقهاء المتقدمين ووافقهم من المعاصرين السيد الخوئي الشيخ الفياض والسيد الروحاني والشيخ وحيد الخراساني
فيما ذهب السيد الماتن – السيستاني – والسيد محمد الصدر قده الى عدم ثبوت الهلال بهذا الطريق وأن المدار على الرؤية فما دمنا لم نره في الليلة الماضية إذن هذا اليوم ليس أول أيام الشهر اللاحق بل هو تمام عدة السابق وإن شوهد الهلال في نهاره
الطريق السابع / تطوّق الهلال ، أي ظهور نور وضوء حول الهلال كطوق مع ظلام دامس في الوسط ، فقد ذهب بعض الفقهاء أن الهلال إذا كان مطوقاً فهو لليلة ثانية وأنه كان موجوداً منذ الليلة السابقة فاليوم المنصرم كان أول الشهر ويوم غد هو اليوم الثاني ، وممن قال بذلك السيد الخوئي والسيد الروحاني
الا أن السيد الماتن والسيد محمد الصدر والشيخ الخراساني خالفوهم في ذلك وذكروا أن المدار هو الرؤية ولا اعتبار بالغيبوبة ، بمعنى أننا ما دام لم نرَ الهلال ليلة أمس ورأيناه هذه الليلة فهذه الليلة هي ليلة أول الشهر وأن يوم غد هو أول أيام الشهر وإن كان الهلال مطوقاً
الطريق الثامن / حكم الحاكم ، فقد ذهب بعضهم أن الحاكم أي الفقيه إذا حكم بثبوت الهلال فقد دخل الشهر ووجب ترتيب الأثر على حكمه ، كما إذا رأى الحاكم الهلال فحكم بدخول الشهر فالمفروض أن تلك الرؤية حجة عليه فقط وليست حجة على غيره ، وحتى لو أخبرهم بالرؤية فإخباره لا يفيد لأنه من شهادة العدل الواحد وهي غير كافية كما تقدم الا أن بعض الفقهاء قالوا إذا حكم الحاكم الشرعي بثبوت الهلال نفذ حكمه وكان حجة بحق غيره ، وكما إذا شهد شاهدان عند الحاكم بالثبوت وكانا عادلين عنده فحكم بالثبوت بناء على شهادتهما فعلى هذا القول حكم الحاكم نافذ بحق غيره حتى من كان الشهود عنده ليسوا من الثقات .
وفي هذا خلاف وممن قال بصحة هذا الطريق السيد اليزدي والسيد محسن الحكيم والسيد الشهيد والسيد الخميني والسيد الروحاني والشيخ الخراساني والشيخ الفياض بل هو المشهور
وبالمقابل منع السيد الخوئي والسيد الماتن – السيستاني – والسيد محمد الصدر اعتبار هذا الطريق وأن حكم الحاكم ليس حجة في ثبوت الهلال
ومنشأ الخلاف أن الدليل الدال على ثبوت الهلال بحكم الحاكم وارد فيه لفظة الإمام فهل تختص بالمعصوم أم تشمل الفقيه العادل في زمن الغيبة ؟
وقوله ( لا يعلم خطأه ولا خطأ مستنده ) أي كان حكمه على وفق الأصول الصحيحة للاستنباط والحكم بحيث نحتمل مطابقته للواقع ، أما إذا جزمنا بخطأ حكمه كما إذا اعتمد في حكمه على ما لا يصح الاعتماد عليه في ثبوت الحكم كقول المنجمين او شهادة النساء فلا إشكال ولا خلاف في عدم حجية حكمه ، وإنما الخلاف في ما إذا لم يعلم خطأه ولا خطأ مستنده ، وأراد السيد الماتن بذلك الرد على بعض العامة الذين عمموا ثبوت الهلال بحكم الحاكم حتى الى صورة العلم بالخطأ .
وقوله ( نعم إذا أفاد حكمه .... ) استدراك فبعد أن نفى حجية حكم الحاكم ونفى ثبوت الهلال به استدرك وقال الا أن يفيد ذلك الاطمئنان فإن أفاد حكمه الاطمئنان بثبوت الهلال فقد تقدم أن الاطمئنان حجة وأنه كالعلم ولا يهم من أين يحصل بل المهم حصوله فهو حجة وطريق معتبر
وقوله ( أو الثبوت عنده الاطمئنان بالرؤية في البلد أو فيما بحكمه اعتمد عليه ) أي أذا قامت البينة عند الحاكم بأن شهد شاهدان عادلان عند الحاكم بالرؤية سواء في البلد أو ما في حكم البلد كالبلدان الواقعة على شرق البلد او المتحدة معه في الأفق كان ذلك كافياً لثبوت الهلال عند سائر المكلفين ووجوب التعويل على تلك البينة ، فكما في المسألة التالية أنه لا يشترط قيام البينة عند كل شخص بل يكفي قيامها عند البعض كالحاكم في جواز تعويل الآخرين عليها .
***
وللكلام تتمة في شرح المسألتين التاليتين يأتي إن شاء الله تعالى
مولى أبي تراب
21-07-2012, 09:54 PM
مسألة 1043 : لا تختص حجية البينة بالقيام عند الحاكم ، بل كل من علم بشهادتها عول عليها ، ولكن يعتبر عدم العلم أو الاطمئنان باشتباهها وعدم وجود معارض لشهادتها ولو حكماً كما إذا استهل جماعة كبيرة من أهل البلد فادعى الرؤية منهم عدلان فقط أو استهل جمع ولم يدع الرؤية إلا عدلان ولم يره الآخرون وفيهم عدلان يماثلانهما في معرفة مكان الهلال وحدة النظر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعا عن رؤيتهما فإن في مثل ذلك لا عبرة بشهادة البينة .
------------------------------
تقدم أن من الطرق المعتبرة لثبوت الهلال البينة أي شهادة رجلين عادلين برؤيتهما للهلال ، وذكر الماتن هنا حكمين من أحكام البينة :
الحكم الأول / لا يشترط في حجية البينة وجواز التعويل عليها في ثبوت الهلال قيامها عند الحاكم الشرعي كما هو متعارف حيث يشهد عند الحاكم شاهدان عادلان وإذا اطمئن الى شهادتهما وثبتت عدالتهما عنده أعلن عن ثبوت الهلال للناس ، الا أن ذلك ليس شرطاً فكل مكلف علم بشهادة رجلين عادلين بثبوت الهلال ولو عند غير الحاكم لزمه التعويل عليها بالشرط الآتي في الحكم الثاني .
وهذا الحكم لا خلاف فيه وذلك لإطلاق حجية البينة فما دل من الأخبار على ثبوت الهلال بشهادة رجلين عادلين مطلق لم يشترط فيه أن تكون شهادتهما عند الحاكم كما في صحيح الحلبي السابق فقال : ( إلا شهادة رجلين عدلين ) ولم يقل عند الحاكم ولو كان ذلك شرطاً لقال مثلاً : إلا شهادة رجلين عدلين عند الحاكم ونحو ذلك مما يدل على الاشتراط ، فلما لم يقل ذلك عُلم أنه ليس شرطاً .
بل كل من قامت عنده البينة الشرعية وعلم بشهادة رجلين عادلين بثبوت الهلال وجب عليه أن يرتب الأثر على شهادتهما حتى لو رفضها الحاكم ولم يحكم بها ، فليس لا يشترط قيام البينة عند الحاكم وحكمه على طبقها فقط بل لا يضرها ولا يبطلها رفض الحاكم لها ما دامت البينة حجة على المكلف ، فيجب عليه العمل بها وإن رفضها الحاكم كما إذا رفض الحاكم البينة لعدم ثبوت عدالة الشهود عنده الا أن عدالتهم كانت ثابتة عند المكلف فحينئذٍ يجب عليه العمل على طبق البينة وإن رفضها الحاكم
نعم أحياناً يكون رفض الحاكم للبينة حجةً على المكلف فلا يجوز التعويل عليها حينئذٍ كما إذا كان رفض الحاكم للبينة لاختلاف الشاهدين في توصيف الهلال او لعدم ثبوت عدالتهما لا عنده ولا عند المكلف فحينئذٍ لا يصح للمكلف العمل بتلك البينة أيضاً ، وكما إذا كان رفض الحاكم لشهادة البينة لعدم توافقها مع مبانيه في ثبوت الهلال كما إذا شهدا بالرؤية نهاراً قبل الزوال وكان الحاكم لا يرى أن ذلك دليلاً على أنه اليوم الأول من الشهر فحينئذٍ لا يجوز لمقلديه العمل بتلك البينة واعتبار ذلك اليوم أول يوم من الشهر ، وهكذا .
الحكم الثاني / يشترط في قبول البينة وثبوت الهلال بشهادة العادلين عدم العلم او عدم الاطمئنان بعدم صحتها ، أي أن لا يحصل عندنا علم او اطمئنان بعدم صحتها ، فإذا صار عندنا علم او اطمئنان بعدم صحتها فحينئذٍ ترفض ولا يعول عليها في ثبوت الهلال وإن كانت لعادلين وتطابقا في وصف الهلال .
إذن قبول البينة بثبوت الهلال لرجلين عادلين ليس على إطلاقه بل بشرط أن لا يحصل عندنا علم او اطمئنان بأن البينة غير صحيحة
ولاحظوا أن الشرط ليس هو أن نعلم بصحة البينة بل أن لا نعلم بعدم صحة البينة وفرق بينهما ، فلا يشترط أن نعلم صحة البينة أي أن نعلم بثبوت الهلال حتى نأخذ بالبينة هذا ليس شرطاً لأن البينة لا تفيد العلم ، بل الشرط أن لا نعلم أنها غير صحيحة ومعنى هذا الشرط كفاية أن نحتمل صحة البينة في جواز التعويل عليها ، بينما معنى اشتراط العلم بصحتها أن نجزم بصحتها ولا يكفي احتمال صحتها في ثبوت الهلال بها
إذن الشرط هو أن لا نعلم او لا نطمئن بعدم صحة البينة بل نحتمل صحتها فحينئذٍ يجوز بل يجب العمل على طبقها ، أما إذا علمنا بعدم صحة البينة بحيث لم نحتمل صحتها وجزمنا بخطأها او ظننا ذلك ظناً راجحاً وهو الاطمئنان لم يجز التعويل عليها
وإن سألت / كيف نعلم او نطمئن بعدم صحة البينة ، فالبينة هي أن يأتي رجلان عادلان ويشهدا برؤية الهلال فكيف لنا أن نعلم او نطمئن الى عدم صحة إخبارهما ؟
الجواب / أحياناً توجد قرائن تفيد اشتباه الرجلين في شهادتهما وادعائهما رؤية الهلال ، كما إذا كانت السماء ملبّدة بالغيوم بحيث لا يمكن رؤية الهلال بحسب العادة ، فهذا يولّد علم او اطمئنان على الأقل بعدم صحة البينة ، وكما إذا استهل جماعة كبيرة من أهل البلد ولم يدع الرؤية الا عادلان دون الآخرين مع أن في الآخرين عادلين آخرين يمتلكان نفس المؤهلات والإمكانيات لرؤية الهلال ، فلو نظرا الى نفس المكان الذي ادعي رؤية الهلال فيه وكانا يملكان نفس قوة النظر التي يملكها الشاهدان فضلاً عما إذا كانا أقوى نظراً ، بحيث نستطيع أن نقول لو كان الهلال حقاً موجوداً لرآه الباقون كما رآه الشاهدان لأنه لا يوجد أي مانع يمنع من رؤية الباقين له ، إذا استطعنا أن نقول ذلك فهذا يشكل قرينة تفيد العلم او الاطمئنان باشتباه دعوى الشاهدين بالرؤية فحينئذٍ لا يصح التعويل على شهادتهما .
مولى أبي تراب
21-07-2012, 09:55 PM
مسألة 1044 : إذا رؤي الهلال في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الأفق بمعنى كون الرؤية الفعلية في البلد الأول ملازما للرؤية في البلد الثاني لولا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك .
------------------------------
إذا لم يُرَ الهلال في بلد ولكنه رُؤي في بلد آخر فهل يمكن لأهل ذلك البلد الذين لم يروا الهلال في بلدهم أن يعتمدوا على رؤيته في البلد الآخر فيرتبون الأثر على ذلك ، فيصومون بصومهم ويفطرون معهم ؟
الجواب / نعم يكفي أن يعتمد أهل بلد على رؤية الهلال في بلد آخر ، ولا خلاف في ذلك بين علمائنا إجمالاً ، لكنهم اختلفوا في سعة ذلك وضيقه ، توضيح ذلك أن يقال :
إن البلدان على قسمين :
القسم الأول / أن تشترك في الأفق ، وتسمى البلدان المتحدة في الأفق ، ومعنى اشتراكها و اتحادها في الأفق أن تتفق مغاربها ومشارقها أو تتقارب ، بأن يكون موعد الغروب والشروق فيها متحداً او متقارباً جداً بأن يكون الفاصل الزمني قليلاً جداً .
القسم الثاني / أن لا تشترك في الأفق ، وتسمى البلدان المختلفة في الأفق ، وهي التي لا تشترك في المغارب والمشارق بحيث يكون الفاصل بين غروب البلدين كثيراً ، وبعبارة أخرى هي البلدان التي تتحد في جزء من الليل فقط كما لو كان آخر الليل في بلد يصادف أول الليل في بلد آخر لا أنهما يشتركان في كل الليل من الغروب الى الفجر .
إذا عرفت ذلك فاعلم ، أنه لا خلاف بين علمائنا في أن رؤية الهلال في بلد كافية لثبوته في غيره في القسم الأول أي في البلدان التي تشترك معه في الأفق ، فمتى ما شوهد الهلال في بلد فلا بد من ثبوته في كل بلد يشترك معه في الأفق ، وأن عدم مشاهدته لا بد أن يكون لمانع من غيم او غيره ، فرؤية الهلال في النجف لا بد معها من ثبوته في بغداد لاشتراكهما في الأفق وذلك أن البلدتين متحدتان في الغروب او متقاربتان جداً .
وأما القسم الثاني وهو البلدان المختلفة في الأفق أي التي يكون الغروب في بعضها سابق زماناً على الغروب في البعض الآخر ، فالكلام فيها يقع في صورتين :
الصورة الأولى / أن نفترض كون البلد الذي شوهد فيه الهلال واقعاً الى الشرق من البلاد الأخرى التي لا تشترك معه في الأفق .
الصورة الثانية / أن نفترض العكس بأن يكون بلد الرؤية واقع غرب البلاد التي يراد إثبات الهلال فيها والتي لا تشترك معه في الأفق
أما الصورة الأولى فظاهرهم عدم الخلاف فيها أيضاً كالقسم الأول وأنه يجوز التعويل على البلاد الشرقية في إثبات الهلال في البلاد الغربية وإن لم تشترك معها في الأفق .
وإنما الخلاف في الصورة الثانية فإذا ثبت الهلال في بلد غربي هل يكفي ذلك لثبوته فيما يكون على شرقه من البلدان التي لا تشترك معه في الأفق ؟ فلو ثبت الهلال في أمريكا مثلاً او جنوب افريقيا هل يكفي للثبوت في العراق مثلاً لمجرد اشتراكهما في ساعة او ساعتين من الليل وإن لم يشتركا في الغروب
خلاف / ذهب السيد الخوئي والسيد الشهيد والسيد الروحاني والشيخ الفياض والشيخ الخراساني ، الى ذلك فقالوا بكفاية ثبوت الهلال في بلد في ثبوته في باقي البلدان سواء اشتركت معه في الأفق او لا وسواء كانت الى الشرق أو الغرب
وخالف في ذلك السيد السيستاني والسيد محمد الصدر فخصّا جواز الاعتماد على الرؤية في بلد مختلف في الأفق بأن يكون بلد الرؤية الى الشرق فيثبت في البلدان الواقعة على غربه وإن اختلفت في الأفق وهو الصورة الأولى دون الثانية .
وببيان أوضح / أن العلاقة بين البلدان من حيث الأفق على ثلاثة أنحاء :
النحو الأول / أن تكون مشتركة في الأفق ، وهنا ثبوت الهلال في بلد كاف لثبوته في الآخر بلا خلاف سواء كان البلد غربياً أم شرقياً .
النحو الثاني / أن تكون مختلفة في الأفق ، وكان بلد الرؤية يقع شرق البلاد الأخرى بحيث شوهد الهلال في بلد ويراد إثبات الهلال فيما يقع على غربه من البلدان التي لا تشترك معه في الأفق كما لو شوهد في الهند وأراد أهل العراق التعويل على تلك الرؤية ، وهنا لا خلاف في جواز التعويل على الرؤية فيه أيضاً ، الا أن السيد السيستاني هنا اشترط تقارب المكانين في خطوط العرض بأن لم يكن الاختلاف بينهما الا بدرجة أو درجتين مثلاً .
النحو الثالث / أن تكون مختلفة في الأفق أيضاً ، لكن بلد الرؤية يقع غرب البلاد الأخرى بحيث شوهد الهلال في بلد ويراد إثبات الهلال فيما يقع على شرقه من البلدان التي لا تشترك معه في الأفق كما لو شوهد في المغرب وأراد أهل العراق التعويل على تلك الرؤية ، وهذا النحو هو الذي وقع فيه الخلاف المتقدم ذكره ، فالمعروف جواز التعويل على تلك الرؤية لإثبات الهلال في البلدان الشرقية ، وخالف السيد الصدر والسيد السيستاني فلم يجوزا التعويل على تلك الرؤية الا بشرط الا أنهما اختلفا في ماهو هذا الشرط فالسيد الصدر قال هو أن يمضي زمان معتد به على الرؤية في البلد الغربي فيثبت الهلال في البلد الشرقي كعدة ساعات ، أما السيد السيستاني فاشترط أن يمكث الهلال في البلد الغربي بعد الغروب بأزيد مما يختلف به المكانان في طلوع الشمس وغروبها ولم يكن الاختلاف بين المكانين في خطوط العرض بمقدار معتد به كأن كان بنحو درجة أو درجتين فيثبت الهلال في الشرق أيضاً .
.
.
****
أكتفي بهذا المقدار من شرح الفصل السادس ثم الكلام في شرح الفصل الأول / في النية
يأتي إن شاء الله تعالى
مولى أبي تراب
22-07-2012, 11:25 PM
الفصل الأول / في النية
مسألة 970 : يعتبر في الصوم الذي هو من العبادات الشرعية العزم عليه على نحو ينطبق عليه عنوان الطاعة والتخضع لله تعالى ، ويكفي كون العزم عن داع إلهي وبقاؤه في النفس ولو ارتكازا ، ولا يعتبر ضم الأخطار إليه بمعنى اعتبار كون الامساك لله تعالى وإن كان ضمه أولى ، كما لا يعتبر استناد ترك المفطرات إلى العزم المذكور ، فلا يضر بوقوع الصوم العجز عن فعلها أو وجود الصارف النفساني عنها ، وكذا لا يعتبر كون الصائم في جميع الوقت بل في شئ منه في حالة يمكن توجه التكليف إليه فلا يضر النوم المستوعب لجميع الوقت ولو لم يكن باختيار منه كلا أو بعضا ، ولكن وفي الحاق الاغماء والسكر به إشكال فلا يترك الاحتياط فيهما مع سبق النية بالجمع بين الاتمام إن أفاق أثناء الوقت والقضاء بعد ذلك .
------------------------
تقسم الواجبات الى قسمين :
القسم الأول / الواجبات التي يشترط في صحة امتثالها قصد القربة ، بأن يكون الداعي للمكلف لفعلها هو امتثال أمر الله وقصد طاعته ، فلو لم يأتِ بها بهذا القصد لم تصح ووقعت باطلة ، كالصلاة والصوم والحج والوضوء والزكاة ، فما لم يأتِ المكلف بها بقصد التقرب الى الله تعالى وامتثال أمره لم تصح ووقعت باطلة ، وتسمى هذه الواجبات ( العبادات ) . (1)
القسم الثاني / الواجبات التي لا يشترط في صحة امتثالها قصد القربة ، وهي كل ما أمر المولى بفعله ولم يشترط أن يأتي به المكلف بقصد القربة مثل تطهير الثياب والبدن من النجاسات لأجل الصلاة فهذا التطهير واجب وتتوقف عليه صحة الصلاة ، ولكن لا يشترط أن يقصد المكلف القربة في تطهير ثيابه لأجل الصلاة ، فلو طهّر ثيابه من دون قصد القربة بل ولو رياءً صح التطهير ، بل لو طهّر الثوب من دون قصد التطهير كما إذا كان قصده تنظيفه من الأوساخ فأجرى الماء عليه بما تتحقق به الطهارة أو جعل الثوب تحت المطر لا بقصد التطهير ، فحينئذٍ يطهر الثوب ولو لم يقصد تطهيره فضلاً عن أنه لم يقصد القربة في تطهيره ، وهذا النوع من الواجبات يسمى ( التوصليات ) .
والحاصل / أن الفرق بين الواجبات العبادية والواجبات التوصلية في أمرين :
الأمر الأول / إن الواجبات العبادية يشترط أن يأتي بها المكلف عن قصد ، أي يكون قاصداً لفعلها فيقصد فعل الصلاة مثلاً فلو صدرت منه من دون قصد ولا عزم عليها لم تصح ، وليس كذلك الواجبات التوصلية .
الأمر الثاني / إن الواجبات العبادية يشترط أن يأتي بها المكلف بقصد القربة الى الله تعالى ، بحيث يكون الدافع له الى الصلاة والصوم هو امتثال أمر الله تعالى والتقرب اليه ونحو ذلك من الدواعي المرتبطة به تعالى كالطمع في جنته ورجاء ثوابه او خوفاً من ناره وحذراً من عقابه ، وليس كذلك التوصليات ، نعم إذا أتى بها بقصد القربة كان ذلك موجباً للثواب الإلهي الا أنه ليس شرطاً في صحة الفعل .
وهاتان الخصيصتان للواجبات العبادية وهما قصد فعلها مع قصد التقرب بها الى الله تعالى هما ما يعبّر عنهما بالنية .
فإذا قيل يشترط في العبادات النية ، أي يشترط في صحة العبادات هذان القصدان : قصد الفعل ، وقصد القربة الى الله تعالى من ذلك الفعل ، فحتى تصح الصلاة لا بد أن يقصد المكلف الصلاة من ركوعه وسجوده ونحوهما كما لا بد أن يقصد بفعلها القربة الى الله تعالى .
ولعلّك تسأل كيف نميّز بين الواجبات فنعرف أن هذا الواجب من العبادات فيشترط فيه النية أي قصد الفعل وقصد القربة ، أو أنه من التوصليات فلا يشترط فيه أحد القصدين ؟ وهو سؤال مهم حتى نعرف أي الواجبات التي لا بد من فعلها مع النية وأيها ليس كذلك
والجواب / أن ذلك يتبع ما يستفاد من الأدلة الشرعية فإن دلّ دليلٌ على أن واجباً يشترط فيه النية وأن يؤتى فيه بالقصدين وأنه من العبادات فهو والا كان الواجب من التوصليات ، وعلى أساس ذلك فتشخيص كون هذا الواجب عبادياً وتشترط فيه النية أو توصلياً فلا تشترط فيه من وظيفة الفقيه لأنه الوحيد القادر على النظر في الأدلة وهو الذي يخبر العوام بما هي الواجبات العبادية وما هي الواجبات التوصلية ، وهذا ما دأب عليه فقهاؤنا في رسائلهم العملية حيث ينبهون الى اشتراط النية عند تعرضهم الى الواجبات العبادية .
إذا عرفت ذلك فاعلم ، أن الصوم من العبادات الشرعية ليس واجبُه فحسب بل مستحبُه أيضاً ولذا لا يصح الصوم ما لم يتحقق فيه القصدان كسائر العبادات الأخرى .
لكن هنا للصوم ميزة عن بقية الواجبات العبادية وهي أن كل الواجبات العبادية عبارة عن أفعال وجودية أي تتحقق بإيجاد بعض الأفعال خارجاً كالصلاة والحج والوضوء فهي عبارة عن أفعال لا يتحقق امتثال تلك العبادات الا بفعل هذه الأفعال لذا يشترط في صحة الصلاة أن المكلف عندما يأتي بالتكبير والقراءة والركوع والسجود وباقي أفعال الصلاة القصدان المتقدمان بأن يقصد فعل تلك الأفعال أولاً بنية الصلاة وأن يكون قصد فعلها قربة الى الله تعالى
أما الصوم فهو واجب عبادي عدمي (2) وليس وجودياً أي لا يتوقف امتثاله على فعل بعض الأفعال في الخارج كالصلاة والحج بل يتحقق بترك بعض الأمور لا بفعلها وهي المفطرات فالصوم يتحقق بترك الأفعال أي المفطرات لا بفعل الأفعال كالصلاة ، وهذه ميزة الصوم عن غيره ، وحينئذٍ لما كان الصوم عبارة عن ترك بعض الأفعال قالوا لا يمكن أن يتحقق فيه القصد الأول وهو قصد الفعل لأنه ليس فعلاً حتى يتحقق بقصد ذلك الفعل بل هو ترك للمفطرات ، وحينئذٍ سنقتصر في الصوم على القصد الثاني وهو قصد القربة الى الله تعالى ، ونكتفي بدل القصد الأول بالعزم على ترك المفطرات فمن عزم على ترك المفطرات قربة الى الله تعالى فقد حقق نية الصوم وصح الصوم منه ، فنقول يشترط في الصوم النية كسائر الواجبات العبادية الا أنه لما كان عبادة عدمية لا وجودية فالنية فيه لا تتحقق بقصد الفعل وقصد القربة بل بالعزم على ترك المفطرات وقصد القربة الى الله تعالى
ولذا قال السيد الماتن : ( يعتبر في الصوم ) أي يشترط في صحة الصوم ( الذي هو من العبادات الشرعية ) أي لأنه من العبادات وليس من التوصليات فيشترط فيه ( العزم عليه ) وهذا إشارة الى الأمر الأول المعتبر في نية الصوم وهو العزم على الصوم ولما كان الصوم هو الإمساك وترك المفطرات فالعزم عليه عزم عن ترك تلك المفطرات ، وهذا العزم هو بدل قصد الفعل في باقي العبادات ( على نحو ينطبق عليه عنوان الطاعة والتخضع لله تعالى ) وهذا إشارة الى القصد الثاني وهو أن يقترن العزم على الصوم مع قصد القربة الى الله تعالى فلا بد في صحة الصوم مضافاً الى العزم أن يكون قربة وطاعة الى الله تعالى وبقصد التخضع له وامتثال أمره ، فلا يكفي العزم عليه من دون أن يكون ذلك بقصد الطاعة لله تعالى .
.
.
.
----------------------------
(1) لمصطلح العبادات معنيان : الأول ما يقابل التوصليات ، وهي الواجبات التي يشترط في فعلها قصد القربة ، الثاني ما يقابل المعاملات ويراد بها الأحكام الشرعية التكليفية سواء كانت عبادات بالمعنى الأول أي يشترط فيها قصد القربة او توصليات فلا يشترط ، وسواء كانت واجبات او محرمات او مستحبات او مكروهات ، فالعبادات بالمعنى الثاني أعم منها بالمعنى الأول من جهتين : الجهة الأولى / أنها تشمل العبادات بالمعنى الأول والتوصليات . الجهة الثانية / أنها تشمل الواجبات وغيرها من الأحكام التكليفية كالحرمة والاستحباب . إذن المعنى الأول للعبادات معنى أخص لأنه يختص بما يشترط فيه قصد القربة من الواجبات ، أما المعنى الثاني فهو أعم لأنه يشمل الواجبات التي يشترط فيها فصد القربة وغيرها ، كما أنه يشمل الواجبات وغيرها كالمحرمات .
(2) ربما يلحق به الاعتكاف والإحرام فهما عبادتان عدميّتان لا وجوديّتان .
مولى أبي تراب
22-07-2012, 11:27 PM
وعلى أساس ذلك - أي كفاية العزم على ترك المفطرات قربة الى الله تعالى في صحة الصوم - فههنا أمور :
1. يكفي في تحقق نية الصوم أن يكون بداعٍ إلهي بمعنى أن يمسك ويعزم على ترك المفطرات والداعي أي الشيء الذي دعاه لأن يمسك ويعزم على تركها هو شيء مرتبط بالله تعالى كقصد التقرب والتذلل والخضوع اليه او رجاء ثوابه او خوفاً من عقابه .
2. لا يعتبر في النية الإخطار بأن يستحضر صورة النية في الذهن والبال ويحدّث بها نفسه ، بأن يُطرق ( يصفن ) ويتصور الإمساك عن المفطرات قربة الله تعالى ، وبعبارة أخرى المقصود من الإخطار أن يقرأ النية في قلبه ، فهذا غير واجب فضلاً عن أن يتلفظ بالنية ويقرأها بشفتيه ولسانه فلا يجب أن يقول أعزم على ترك المفطرات بقصد التقرب والخضوع الى الله تعالى ، أو أصوم يوم غد قربة الى الله تعالى ونحو ذلك فهذا كله غير واجب ، نعم ضم الإخطار أولى وأفضل احتياطاً بمن قال باشتراطها من علمائنا المتقدمين .
3. قوله ( ويكفي كون العزم عن داع إلهي وبقاؤه في النفس ولو ارتكازا ) أي يكفي في النيةِ النيةُ الارتكازية في أثناء النهار ، فبعد أن يعزم على ترك المفطرات بداعٍ إلهي في أول النهار لا يجب أن يستمر هذا العزم في كل لحظة من النهار ، والا لو كان يجب العازم على ترك المفطرات طيلة النهار لبطل الصوم بالنوم في أثناء النهار لانتفاء العزم معه حينئذٍ ، بل يكفي بقاء ذلك العزم مرتكزاً وراسخاً في النفس وإن غفل عنه المكلف ، فقد يمر المكلف بلحظات في أثناء النهار تراه غافلاً عن المفطرات وغير عازم على تركها لكن هذا لا يضر بصومه لأن عزمه على تركها مركوز في نفس منذ الليل ومتى ما التفت اليه كان حاضراً وموجوداً ، وبعبارة أخرى يكفي العزم قوةً في أثناء النهار وإن لم يكن هناك عزم فعلي .
4. تتوقف صحة الصوم على النية وهي العزم على ترك المفطرات قربة الى الله تعالى ، لكن لا يشترط أن يكون ترك الصائم للمفطرات مستنداً الى عزمه على تركها فقط حتى يصح صومه ، بحيث لولا عزمه لفعل المفطرات ، بل يكفي أن يترك المفطرات لسبب آخر غير أنه عازم على تركها فيصح صومه أيضاً ، لذا قال الماتن : ( كما لا يعتبر استناد ترك المفطرات إلى العزم المذكور ، فلا يضر بوقوع الصوم العجز عن فعلها أو وجود الصارف النفساني عنها )
بيان ذلك / أن الصائم عندما يترك المفطرات كالأكل والشرب ، فلا يخلو تركه لها أما أن يكون سببه أنه عازم على تركها فقط أو يكون هناك سبب آخر حمله على تركها غير عزمه
ومعنى أن سبب الترك هو العزم فقط أن الصائم عنده رغبة بتناول المفطر ولا يمنعه مانع عن تناوله مع ذلك هو لم يتناوله بالرغم من وجود الرغبة وعدم المانع لمجرد أنه نوى وعزم على تركه
أحياناً يكون الترك لأجل سبب آخر غير العزم كعدم الرغبة في تناول المفطر ووجود النفرة منه كما لو كان سبب عدم تناوله للطعام لأنه لا يحبه ولا يشتهيه أو كما لو لم يتناول النجاسات لا لأجل عزمه على تركها بل لأن نفسه تنفر منها
وأحياناً يكون سبب تركه للمفطرات عدم قدرته على فعلها وليس لأنه عازم على تركها كما لو لم يأكل الطعام لعدم توفره أو لم يمارس الجماع لعدم قدرته عليه فسبب الترك هو العجز عن الفعل لا العزم على الترك
مع ذلك نقول ما دام الصائم قد عزم على ترك المفطرات بقصد القربة وتركها فعلاً ولم يأتِ بشيء منها فصومه صحيح سواء كان عدم فعله لها لمجرد أنه عزم على الترك مع رغبته وقدرته على الفعل أو كان سبب الترك عجزه عن الفعل وعدم قدرته عليه ، أو كان السبب وجود الصارف النفساني أي عدم الرغبة النفسية بتناول المفطر ، فالمهم عدم فعل المفطرات أياً كان السبب في عدم فعلها .
وبعبارة أوضح لا يشترط في صحة الصوم أن يكون ترك المفطرات ناشئاً عن إرادة واختيار بل يصح الصوم حتى لو ترك الصائم المفطرات من دون إرادته واختياره وإنما رغماً عنه
فمن لم يجامع لمرضٍ منعه منه لا يصح أن نقول له صومك غير صحيح لأنك ما تركت الجماع رغبة عنه بل تركته رغماً عنك لأنك غير قادر عليه
وكذا من لم يشرب الدم او البول مثلاً او الخمر لعدم رغبته في هذه الأمور ونفور نفسه منها بل حتى بعض الأكلات التي لا يحبذها ، لا نستطيع أن نقول له صومك غير صحيح لأنك ما تركت هذه الأمور الا لنفور نفسك وليس لأنك عازماً على تركها ولو كنت راغباً فيها ربما لتناولتَها ، بل صومه صحيح ما دام قد عزم على تركها قربة الى الله تعالى ، وإن كان سبب تركها الحقيقي عدم رغبته في تناولها .
5. عرفنا أنه لا يشترط استمرار العزم فعلاً في جميع آنات النهار وأنه يكفي بقائه في النفس ولو ارتكازاً ، وبناء عليه لا يجب على الصائم أن يبقى مستيقظاً طيلة النهار بل يجوز له النوم وإن كان مستوعباً لكل النهار ، لأنه يكفي العزم الارتكازي وهو متحقق مع النوم ، بخلاف ما إذا قلنا يجب العزم الفعلي فحينئذٍ يضر به النوم لأن الصائم حال النوم لا يحصل منه عزم فعلي ، لذا قال المصنف : ( لا يعتبر كون الصائم في جميع الوقت بل في شئ منه في حالة يمكن توجه التكليف ) ومعنى ذلك أن التكليف وهو هنا أمر الله تعالى بالصوم حتى يتوجه الى المكلف لا بد أن يكون المكلف بحالة يصح توجيه التكليف اليه وهي أن يكون واعياً ملتفتاً فالنائم لا يتوجه اليه التكليف لأنه غير واعٍ ، لكن في الصوم وفي أثناء النهار لا يشترط في صحة الصوم أن يبقى المكلف طيلة النهار بحالة يصح توجيه التكليف اليه بأن يبقى واعياً غير نائم ، بل يصح منه الصوم حتى وإن نام ولم يصح توجيه التكليف اليه ، سواء نام في بعض النهار أو كله ، وسواء كان النوم باختياره بحيث هو الذي تسبب في عدم توجه التكليف اليه او لا ، فالصوم صحيح وإن نام مطلقاً ما دامت نية الصوم وهي العزم متحققة وسابقة على النوم .
6. وهل يلحق الإغماء والسكر بالنوم فلو أغمي على النائم أو فقد وعيه بالإسكار بأن شرب الخمر ليلاً وصام نهاراً مع فقد وعيه بالإسكار فهل يصح الصوم أيضاً كما لو نام ، لأنه مع الإغماء والسكر أيضاً لا يتوجه اليه التكليف لعدم الوعي والالتفات ، فهل يقال لا يشترط في صحة الصوم كون الصائم بحالة يتوجه اليه التكليف هنا أيضاً كما قيل ذلك في النوم ؟
أجاب المصنف بأن الحكم فيه إشكال ومعنى الإشكال وجود وجهين أحدهما احتمال الحاق الإغماء والسكر بالنوم وثانيهما احتمال عدم الإلحاق ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر بنظره ، وحينئذٍ لا بد من الاحتياط في المسألة بالعمل بكلا الوجهين المحتملين فنحتمل صحة الصوم كما في النوم فيستمر المغمى عليه بالصوم ونحتمل بطلان الصوم وعدم اللحوق بالنوم فيجب القضاء ، والنتيجة لو أغمي على الصائم أثناء النهار ثم أفاق أتم صومه في ذلك اليوم كما يفعل النائم لاحتمال أن حكمه حكم النائم ثم يقضيه بعد ذلك لاحتمال بطلان صومه بالإغماء وأن حكمه ليس كالنائم .
وهذه قاعدة عامة ففي كل مورد يستشكل الفقيه في الحكم يجب على المكلف الاحتياط فيه ما لم يكن الإشكال مسبوقاً او ملحوقاً بالفتوى فحينئذٍ يجب العمل بتلك الفتوى والاستشكال يكون عبارة عن احتياط استحبابي .
ولا خلاف في كل ما تقدم بشكل عام ، نعم قوّى السيد محمد صادق الروحاني حفظه الله لحوق الإغماء والسكر بالنوم في صحة الصوم ، فيما احتاط باقي الفقهاء وجوباً بعدم الإلحاق من غير التصريح بالاستشكال وإن كان الاحتياط الوجوبي هو نتيجة الاستشكال .
.
.
وللكلام تتمة في شرح باقي المسائل تأتي إن شاء الله تعالى
الحوزويه الصغيره
23-07-2012, 07:08 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد
أحسنتم ورحم الله والديكم شيخنا الفاضل
طرح مبارك
جزاكم الله خير الجزاء
مولى أبي تراب
23-07-2012, 06:42 PM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد
أحسن الله إليكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة
لكم ولوالدَيكم الرحمة والرضوان ورضا الرب الجليل إن شاء الله
أسأل الله أن يتقبل صيامكم وقيامكم وأن يبارك لكم شهره العظيم
شاكرٌ لجنابكم التفضل عليّ بالحضور والتعقيب المبارك
رجائي أكون موفقاً فيما أطرح وأن ينتفع به إخواني المؤمنون
وفقكم الله تعالى
مولى أبي تراب
23-07-2012, 06:43 PM
مسألة 971 : لا يجب قصد الوجوب والندب ، ولا الأداء ولا غير ذلك من صفات الأمر والمأمور به ، نعم إذا كان النوع المأمور به قصدياً كالقضاء والكفارة على ما سيأتي لزم قصده ، ولكن يكفي فيه القصد الاجمالي كالقصد إلى المأمور به بالأمر الفعلي مع وحدة ما في الذمة .
---------------------------------
إذا أراد المولى إيجاب شيء على عبده كصوم شهر رمضان أمره به فيقول له مثلاً ( صم شهر رمضان ) وحينئذٍ يكون عندنا أمرٌ وهو إيجاب المولى وأمره بالصوم ، ومأمورٌ به وهو نفس الصوم الذي تعلق به الأمر ، وهكذا في كل واجب عندنا أمرٌ بذلك الواجب ومأمورٌ به وهو نفس الواجب .
ونفس الشيء يقال في المستحبات فإذا أمر المولى بشيء استحباباً تكوّن عندنا أمرٌ ومأمورٌ به لكن على نحو الاستحباب الذي يجوز معه الترك ، كما إذا قال المولى ( صم ثلاثة أيام من كل شهر ) فعندنا أمر بالصوم ومأمورٌ به وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر .
والحاصل أننا في كل واجب وفي كل مستحب عندنا أمرٌ ومأمورٌ به غاية الأمر أنهما تارة يكونا على نحو الوجوب وذلك فيما إذا كان الأمر ملزماً ، وأخرى يكونا على نحو الندب والاستحباب إذا كان الأمر ليس على نحو الإلزام .
إذا عرفت ذلك فاعلم ، أن لكل واحد من الأمر والمأمور به صفات ، تسمى صفات الأمر وصفات المأمور به ، فمن صفات الأمر الوجوب والندب فيقال أمر وجوبي وأمر ندبي أي استحبابي ، وكذلك من صفات الأمر الأداء والقضاء فهناك أمر أدائي وهو الأمر بالإتيان بالمأمور به في وقته المحدد له شرعاً ، وأمر قضائي وهو الأمر بالإتيان بالمأمور به بعد وقته ، وتبعاً لذلك فإن المأمور به أيضاً يتصف بتلك الصفات فيكون واجباً إذا كان الأمر وجوبياً ومندوباً إذا كان الأمر ندبياً ، وأداءً او قضاءً إذا كان الأمر أدائياً او قضائياً ، مضافاً الى بعض الصفات الخاصة من قبيل كون المأمور به من الأيام البيض او منتصف شعبان او يوم عرفة أو كونه نذراً مطلقاً او مقيداً ونحو ذلك .
وهل يجب قصد تلك الصفات وملاحظتها في النية ؟ فهل يجب أن ينوي الوجوب والأداء في صوم شهر رمضان مضافاً الى العزم على ترك المفطرات ؟ وهل يجب أن ينوي القضاء إذا صام ما فاته من شهر رمضان بعد ذلك ؟ وإذا صام الأيام البيض فهل يجب أن ينوي الاستحباب ويقصد أنه يصوم ندباً ؟ وهل يجب أن يقصد أنه يصوم الأيام البيض ؟ الى غير ذلك من الصفات والخصوصيات غير أصل العزم على ترك المفطرات
وبعبارة واضحة : هل يجب أن تكون النية تفصيلية ؟ فينوي صيام يوم غد مثلاً من شهر رمضان أداءً وجوباً ؟ أم تكفي نية إجمالية وهي صيام يوم غد امتثالاً للأمر المتوجه اليه من دون تعرض الى خصوصيات هذا الأمر من وجوب او ندب او قضاء او استحباب وغير ذلك ؟
والجواب / توجد عدة آراء :
الرأي الأول / لا يجب قصد شيء من ذلك ، بل تكفي النية الإجمالية بأن يصوم امتثالاً للأمر المتوجه اليه ، فلا يجب قصد الوجوب ولا الندب ولا الأداء ولا القضاء ولا غير ذلك ، بل يكفي أن يعزم على ترك المفطرات بحيث يكون الباعث له على ذلك أمر الله تعالى أياً كانت خصوصيات هذا الأمر ، وهو رأي السيد الخوئي والروحاني والشيخ الخراساني .
الرأي الثاني / إن الصوم إذا كان متعيّناً شرعاً لم يجب فيه القصد بخلاف ما إذا كان غير متعين وهو رأي السيد الصدر (قده) والشيخ الفياض
توضيحه / أن المكلف إذا أراد أن يصوم يوم غد مثلاً ، فلا يخلو يوم غد إما أن يكون غير قابل الا لنوع واحد من الصوم ولا يقبل أن يقع فيه غير ذلك الصوم كما في شهر رمضان فهو لا يقبل أن يقع فيه الا نوع واحد من الصوم وهو صوم شهر رمضان ولا يصح أن يصوم شخص في شهر رمضان قضاء او ندباً ، ومثل آخر يوم من شهر شعبان لمن عليه قضاء شهر رمضان الفائت فإن ذلك اليوم يتعين فيه القضاء ولا يصح أن يصوم المكلف فيه ندباً مثلاً ويسمى بالقضاء المضيّق أي تضيّق في هذا اليوم ، وكما إذا نذر صيام يوم معين فذلك اليوم لا يقبل الا صيام وفاء النذر دون غيره . وإما أن يكون يوم غد قابلاً لأكثر من نوع من الصيام كيوم عرفة لمن عليه نذر غير معين ، فكما يمكن صيام ذلك اليوم بنية الندب ويوم عرفة يمكن أن يكون صيامه بنية وفاء النذر فذلك اليوم قابل لأن يقع فيه كل واحد من الصومين
إذا عرفت ذلك فحينئذٍ يقال إذا كان يوم غد من النوع الأول أي غير قابل الا لنوع واحد من الصوم لم يجب قصد شيء غير الأمر المتوجه اليه ولا يجب تعيين نوع الصوم لأنه معين بعدم قبول يوم غد لغير ذلك الصوم ، أما إذا كان يوم غد قابلاً لأكثر من نوع من الصوم فحينئذٍ لا بد من التعيين ، فلا بد أن يعيّن أنه يصوم يوم غد بنية يوم عرفة المندوب او بنية وفاء النذر غير المعين ، ولا يكفي قصد امتثال الأمر والا كانت النية مرددة لوجود أمرين في ذلك اليوم أمر ندبي بصيام يوم عرفة وأمر وجوبي بصيام النذر غير المعين .
وبعبارة مختصرة إذا كان في ذمة المكلف نوع واحد من الصوم ولو ندباً لم يجب التعيين وإن كان في ذمته أكثر من صوم وجب تعيين أيها المقصود بصوم يوم غد .
الرأي الثالث / وهو ماذهب اليه السيد الماتن وبعض الفقهاء ، وحاصله / أن خصوصيات الأمر والمأمور به أي صفاتهما كالأداء والقضاء ، بعضها قصدية وبعضها غير قصدية ، فيجب قصد القصدية دون غير القصدية
ومعنى كون الخصوصية قصدية أن تحققها ووقوعها متوقف على القصد والنية فلا يتصور تحققها من المكلف ما لم يكن قاصداً لها ، مثلاً يقال البيع أمر قصدي بمعنى أن معاملة البيع لا تتحقق ما لم يكن الطرفان قاصدين للبيع لذا لا يصح بيع المكره لعدم قصده وعدم نيته البيع ، فهنا كذلك فبعض الخصوصيات قصدية لا تتحقق الا بالقصد كالقضاء ، فهو متوقف على القصد فمن أراد أن يصوم يوم غد من باب القضاء فلا بد أن يقصد القضاء والا لم يقع صيام يوم غد قضاءً لعدم القصد ، وكذا صوم الكفارة فمن أراد أن يصوم صيام الكفارة كالشهرين المتتابعين فلا بد أن يقصد صيام الكفارة لأنه من الأمور القصدية
نعم يكفي أن تكون النية القصدية إجمالية ولا يجب التفصيل فيها مثلاً إذا كانت ذمته مشغولة بالقضاء فقط دون غيره من الصوم الواجب ، فيكفي أن يقصد القضاء بنية إجمالية كما لو قصد من صيام يوم غد امتثال الأمر الإلهي الفعلي المتوجه اليه ، أي يقصد ما هو متوجه اليه من أمر الله تعالى بالصوم الآن فعلاً الذي هو عبارة عن الأمر بالقضاء ، ولا يجب أن يقصد صيام يوم غد من باب القضاء عما فاته من صوم شهر رمضان بحيث يفصّل في النية ، ولذا قال الماتن : ( ولكن يكفي فيه القصد الاجمالي كالقصد إلى المأمور به بالأمر الفعلي مع وحدة ما في الذمة ) أي لا يجب التفصيل في نية القضاء وقصده بل يكفي أن يقصد القضاء إجمالاً كما لو كان القضاء هو الواجب الوحيد المشتغلة ذمته به فحينئذٍ لا يوجد أمر فعلي متوجه اليه الآن الا الأمر بالقضاء لعد اشتغال ذمته بغيره ، فحينئذٍ يكفي في قصد القضاء أن يقصد امتثال الأمر الفعلي المتوجه اليه ، ولا يجب عليه أن يفصّل أكثر من ذلك ، أو يقصد أن يصوم يوم غد بدلاً عما فات كما سيأتي في المسألة التالية فهذا كافً في قصد القضاء .
مولى أبي تراب
23-07-2012, 06:45 PM
مسألة 972 : يعتبر في القضاء قصده ، ويتحقق بقصد كون الصوم بدلا عما فات ، ويعتبر في القضاء عن الغير قصد النيابة عنه في ذلك باتيان العمل مطابقا لما في ذمته بقصد تفريغها ، ويكفي في وقوعه عن نفسه عدم قصد النيابة عن الغير
------------------------------
كان الكلام في صوم المكلف عن نفسه ، فهل يجب أن يقصد الخصوصيات ونوع الصوم ؟
آراء ، ثالثها للمصنف وهو أن يقصد الخصوصيات القصدية فقط كالقضاء ولو إجمالاً كما لو نوى بالقضاء الصوم بدلاً عما فات فهذا كافٍ في تحقق قصد القضاء ، وفي هذه المسألة تعرض الماتن كغيره من الفقهاء الى ما لو صام المكلف نيابة عن غيره فهل يجب قصد الخصوصيات أو لا ؟ فلو صام قضاءً عن غيره كالولد الأكبر يصوم قضاءً عما في ذمة والده فهل يجب قصد القضاء في الصوم نيابة عن الغير ؟
والجواب / نعم يجب قصد القضاء اذا كان عن الغير بلا خلاف بين الفقهاء هنا وإن اختلفوا في قصد القضاء إذا كان عن النفس في المسألة السابقة
لكن كيف يقصد القضاء عن الغير ؟ الرأي المعروف هو أن يقصد الأمر المتوجه اليه بالإتيان بالعمل نيابة عن غيره لا أن يقصد امتثال الأمر الذي كان متوجهاً الى ذلك الغير ، فمثلاً الولد الأكبر بعد موت أبيه الذي في ذمته صوم واجب ، يتوجه اليه - الولد الأكبر - أمر بوجوب القضاء عن أبيه فعند قضاء الولد عن أبيه يكفي أن يصوم بقصد امتثال هذا الأمر المتوجه اليه بالقضاء عن أبيه لا أن يقصد امتثال الأمر الذي كان متوجهاً الى أبيه فذاك الأمر انتهى بالموت والآن أمر جديد متوجه الى الولد الأكبر بالقضاء عن الأب ، هذا هو الرأي المعروف في كيفية قصد القضاء عن الغير .
الا أن السيد الماتن ذكر أن قصد القضاء عن الغير يتحقق بأن يقصد من صومه أنه نيابة عن غيره ، فالولد الأكبر إذا صام وقصد بصومه أنه نيابة عن أبيه بقصد تفريغ ذمته مما اشتغلت به من القضاء كفى في قصد القضاء عن الغير ، قال : ( ... بدلا عما فات ، ويعتبر في القضاء عن الغير قصد النيابة عنه في ذلك ) أي في كونه بدلاً عما فات ، فلو صام قاصداً بصومه أنه بدلاً عما فات أباه او غيره ممن استنيب للقضاء عنه كفى .
وعليه فالمائز بين وقوع صوم المكلف عن نفسه ووقوعه عن غيره هو قصد النيابة فإذا لم يقصد النيابة وقع الصوم عن نفسه وإن قصد النيابة عن الغير وقع قضاء عن ذلك الغير .
********
.
وإذا كان ما في ذمته واحداً مردداً بين كونه القضاء عن نفسه أو عن غيره كفاه القصد الاجمالي .
--------------------------
أي قد يكون المكلف جازماً باشتغال ذمته بالقضاء الا أنه كان شاكاً في أنه قضاءٌ عن نفسه او قضاءٌ عن غيره ؟ كما إذا علم اشتغال ذمته بصوم ثلاثة أيام مثلاً من باب القضاء ، ولكن لم يدرِ أنها قضاءٌ عما فاته فتكون قضاءً عن نفسه ، أو قضاءٌ عما فات غيره فتكون قضاءً عن غيره
فحينئذٍ يجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام من باب القضاء لأنه متأكد من اشتغال ذمته بذلك ، ولكن هل ينويها قضاءً عن نفسه أو نيابةً عن غيره ؟
الجواب / يكفي القصد الإجمالي ، أي يكفي في صيام تلك الأيام أن يقصد بها ما هو الأعم من القضاء عن نفسه و القضاء عن غيره ، أي يكفي أن يقصد شيئاً ينطبق على كل واحد من الاحتمالين ، بأن يقصد مثلاً صيام ثلاثة أيام قضاءً عما في ذمته ، فإن عنوان ( ما في ذمته ) ينطبق على كلا الاحتمالين فإن كان القضاء عن نفسه فهو في ذمته وإن كان عن غيره فهو في ذمته أيضاً ما دام القضاء عن ذلك الغير واجباً عليه . أو يقصد الأمر الفعلي المتوجه اليه بصيام ثلاثة أيام من باب القضاء ، فإن كان الأمر الفعلي عن نفسه وقع القضاء كذلك وإن كان عن غيره وقع القضاء عن غيره ، وهكذا . المهم الا يقصد أحد الاحتمالين لأنه غير جازم به فلا يصح أن يقصد القضاء عن غيره لاحتمال أن القضاء عن نفسه كما لا يجوز العكس .
.
.
وللكلام تتمة في شرح باقي المسائل تأتي إن شاء الله تعالى
مولى أبي تراب
24-07-2012, 10:13 PM
مسألة 973 : يعتبر في الصوم كما مر العزم عليه وهو يتوقف على تصوره ولو بصُوَرٍ إجمالية على نحو تُمَيّزُه عن بقية العبادات كالذي يعتبر فيه ترك الأكل والشرب بماله من الحدود الشرعية ، ولا يجب العلم التفصيلي بجميع ما يفسده والعزم على تركه ، فلو لم يتصور البعض كالجماع أو اعتقد عدم مفطريته لم يضر بنية صومه .
------------------------------
تقدم أنه يعتبر في صحة الصوم النية وهي تتحقق بالعزم عليه بداعٍ إلهي بحيث يكون الداعي للعزم على الصوم هو الله تعالى كقصد التخضع إليه تعالى ، والعزم على الصوم بمعنى قصد الصوم وإرادته .
ولما كان الصوم هو عبارة عن ترك المفطرات ، فنية الصوم تتحقق بالعزم على ترك المفطرات ، وهذا لا يتحقق الا بأن يتصور المفطرات فيعزم على تركها ، لأنه لا يمكن أن يعزم الإنسان على شيء من دون أن يتصور ذلك الشيء وأن ينقدح في ذهنه ، فحتى يصدق أن المكلف عازم على الصوم وترك المفطرات لا بد أن يتصور الصوم ويتصور المفطرات فيعزم على تركها
وهذا التصور للصوم وترك المفطرات يكون على نحوين :
النحو الأول / تصور تفصيلي ، بمعنى أن يتصور كل المفطرات ويعلمها واحدة واحدة فيعزم على تركها .
النحو الثاني / تصور إجمالي ، بمعنى أن يتصورها بشكل مجمل أي تكون عنده فكرة مجملة ومقتضبة عن الصوم والمفطرات فيعزم على ذلك ولو لم يعرف التفاصيل والأحكام وما هي المفطرات تحديداً ، بحيث لو سئل عن معنى الصوم لأجاب جواباً مجملاً مقتضباً كما لو قال ( هو الذي يعتبر فيه ترك الأكل والشرب بماله من الحدود والأحكام الشرعية ) ولم يعرف تلك الأحكام أو لم يتصورها ، فهذا الجواب لا يعطي صورة واضحة وتامة للصوم ، فالصوم ليس هذا فحسب بل هو أوسع من هذا المعنى ، فحينئذٍ يكون الجواب إجمالي لأنه لم يعطِ صورة واضحة وتامة للصوم .
قال السيد الماتن يكفي في تحقق العزم على الصوم وصدق نيته التصور الإجمالي للصوم من قبيل أنه العبادة التي يعتبر فيها عدم الأكل والشرب بما له من الأحكام الشرعية فلو تصور هذا المقدار كفى وصدق العزم على الصوم .
وعليه فلا يجب على الصائم حتى يصح صومه أن يكون عالماً بكل أحكام الصوم وتفاصيلها ولا بشرائطه ، كما لا يجب أن يكون عالماً بتفاصيل المفطرات وتعدادها ، فلو عزم على ترك المفطرات من دون تصور جميع المفطرات ولا العلم بها بأسرها ، بل تصور بعضها كالأكل والشرب ولم يستحضر الباقي كفى ، بل يصح صومه حتى لو كان معتقداً عدم مفطرية بعض المفطرات ، فمن عزم على ترك المفطرات معتقداً أن استنشاق الغبار مثلاً ليس منها ومتصوراً عدم مفطريته لم يضر ذلك بنيته وصحة صومه ما دام لم يرتكبه فعلاً ، ولا خلاف في ذلك لعدم الدليل على لزوم كون النية تفصيلية .
والحاصل / أن الصوم بما أنه من العبادات الشرعية فلا بد فيه من النية ، وبما أنه عبارة عن ترك المفطرات فالنية تتحقق بالعزم على ترك المفطرات ، ولا يجب العلم بكل المفطرات تفصيلاً بل يكفي المعرفة الإجمالية وتصورها بوجه عام والعزم على تركها فلا يضر بصوم المكلف جهله بتفاصيل هذه المفطرات وتعدادها .
مولى أبي تراب
24-07-2012, 10:14 PM
مسألة 974 : لا يقع في شهر رمضان صوم غيره وإن لم يكن الشخص مكلفاً بالصوم كالمسافر فإن نوى غيره متعمدا بطل وإن لم يخل ذلك بقصد القربة على الأحوط ولو كان جاهلا به أو ناسيا له صح ويجزي حينئذ عن رمضان لا عما نواه .
---------------------------
تقدمت الإشارة عند توضيح الرأي الثاني في شرح المسألة ( 971 ) أن الزمان على قسمين :
القسم الأول / ما لا يقبل الا نوعاً واحداً من أنواع الصوم ولا يقبل غيره ، ومثلنا له بشهر رمضان حيث لا يقبل الا صوم رمضان ولا يقبل غيره من أنواع الصوم .
القسم الثاني / ما يقبل أكثر من نوع واحد كيوم عرفة لمن عليه صوم يوم من باب النذر غير المعين ، فذلك اليوم يقبل أن يقع فيه الصوم المندوب بعنوان صوم يوم عرفة ، كما يقبل أن يصومه وفاء للنذر .
وبما أن زمان شهر رمضان من النوع الأول الذي لا يقبل الا نوعاً واحداً من الصيام وهو صيام شهر رمضان ويسمى بالواجب المعيّن لأن الشريعة عيّنته في هذا الزمان وعيّنت هذا الزمان له فقط ، لذا ذكر الفقهاء ومنهم السيد الماتن أنه لا يصح للمكلف أن يصوم في شهر رمضان غيره بأن ينوي في شهر رمضان نوعاً آخر من الصوم غير صوم شهر رمضان فهذا غير صحيح ، فمن كان عليه قضاء أيام من رمضان الفائت لا يصح أن يقضي تلك الأيام في رمضان اللاحق كما لا يصح أن يصوم ندباً أو نذراً في شهر رمضان . وفي المسألة تفصيل وخلاف ، حاصلهما أنه توجد حالتان :
الحالة الأولى / أن يكون المكلف قادراً على صوم شهر رمضان ومكلفاً به ومطالباً بصومه .
وفي هذه الحالة اتفق الفقهاء على أنه لا يصح أن يصوم المكلف في شهر رمضان غيره ، فما دام مكلفاً بصيام شهر رمضان وقادراً على صيامه لم يصح أن ينوي أي نوع من أنواع الصوم الأخرى غير شهر رمضان فيه فلا يصح أن يصوم قضاء ولا نذراً ولا ندباً بل يجب عليه أن يصوم الشهر بنية رمضان فقط ، وهذا لا خلاف فيه
ولو خالف وصام في شهر رمضان صوماً غيرَه فهل يكون صومه باطلاً أم يقع عن رمضان ويحسب له صيام شهر رمضان ؟ فمن صام ما عليه من القضاء في شهر رمضان مع أنه مكلف بصيام شهر رمضان ، فلا خلاف في عدم إجزائه عن القضاء - ولو من باب الاشكال والاحتياط كما عليه بعض الفقهاء كالسيد الخوئي والشيخ الخراساني - لعدم وقوع أي صوم في شهر رمضان غير صوم رمضان ، ولكن هل يبطل صومه هذا الذي نواه قضاءً أم يحسب له صوم رمضان ؟
جوابه / إذا كان ملتفتاً أنه في شهر رمضان وأنه مكلف بصيام هذا الشهر فعلاً ومع ذلك تعمد صيام القضاء فيه بطل صومه ، أما إذا كان جاهلاً أنه في شهر رمضان أو ناسياً له ونوى القضاء فحينئذٍ يصح عن رمضان ويحسب له صيام رمضان ، كما في يوم الشك إذا صامه قضاءً ثم بان أنه من رمضان فحينئذٍ يحسب له من رمضان لأنه عندما صامه قضاءً كان جاهلاً بكونه من رمضان .
الحالة الثانية / أن يكون غيرَ مكلف بصوم شهر رمضان كما لو كان مسافراً ، فهل يصح أن يصوم في رمضان غيرَه ما دام أنه غير مكلف به ، فما دام هو مسافر غير مكلف بصوم رمضان هل يجوز أن يصوم فيه من باب النذر مثلاً ؟ (1)
الجواب / المعروف أنه كالحالة الأولى فلا يصح صيام غير رمضان في شهر رمضان حتى وإن كان غير مكلف بصيامه لذا قال الماتن : ( وإن لم يكن الشخص مكلفاً بالصوم كالمسافر ) بل يقع باطلاً .
وفي مقابل هذا القول هناك قول للشيخ الطوسي أجاز فيه أن يصوم العبد في شهر رمضان صوماً آخر ما دام غير مكلف بصوم رمضان ، وقد تبنى هذا الرأي الشيخ الفياض من الفقهاء المعاصرين .
وقول الماتن : ( وإن لم يُخِل ذلك بقصد القربة على الأحوط ) وجوباً ، أي قد يقال أن من كان مكلفاً بصيام شهر رمضان فعلاً وكان قادراً عليه ولكنه عصى وصارت نيته أن يصوم فيه غيره متعمداً كما لو صام ندباً او قضاءً ، فقد يقال أن عصيانه وعدم صيامه شهر رمضان المكلف به فعلاً مانع له عن التقرب بصوم الندب او القضاء ، أي عصيانه سيُخِل بتحقق القربة منه في المندوب او القضاء لأنه لو كان يريد التقرب الى المولى فعلاً لتقرب اليه بامتثال ما هو مكلف به فعلاً وهو صوم رمضان أما وقد عصاه فهو شخص لا يريد التقرب الى الله والخضوع له حتى وإن صام ندباً أو قضاءً ، وعليه فصوم هذا الشخص المندوب او القضاء في شهر رمضان باطل أصلاً لا لوقوعه في رمضان بل لعدم حصول القربة منه حيث أن مثل هذا الصوم المقترن بعصيان صوم رمضان لا تتصور فيه القربة ، قال الماتن بقطع النظر عن ذلك فهذا الشخص صومه باطل حتى وإن تصورنا إمكانية قصد القربة منه .
.
.
.
---------------------------
(1) إنما مثلنا بصوم النذر دون المندوب او القضاء فقلنا هل يجوز للمسافر أن يصوم في رمضان من باب النذر ولم نقل قضاء او استحباباً ، لأن المسافر لا يشرع له الصوم الا صوم النذر ولا يصح أن يصوم ندباً او قضاءً فإذا صامهما في السفر فحكمهما البطلان أكيداً لا لأنهما وقعا في رمضان بل لعدم صحتهما من المسافر ولو في غير رمضان فلا تظهر الثمرة للسؤال عن صحة صوم المسافر في رمضان الا في النذر لأنه مشروع من المسافر فحينئذٍ يصح أن نسأل إذا أوقع النذر في رمضان هل يصح منه او لا ، وهذا بخلاف المندوب فلا معنى للسؤال عن أن المسافر إذا صام ندباً في رمضان فهل يصح منه ، لأنه لا يصح أن يصوم ندباً أصلاً ، نعم هناك نوعان آخران من الصوم يصحان من المسافر مضافاً الى النذر يأتي التعرض لهما في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى .
مولى أبي تراب
24-07-2012, 10:15 PM
مسألة 975 : يكفي في صحة صوم رمضان وقوعه فيه ولا يعتبر قصد عنوانه على الأظهر ولكن الأحوط قصده ولو اجمالا بأن ينوي الصوم المشروع غدا ، ومثله في ذلك الصوم المندوب فيتحقق إذا نوى صوم غد قربة إلى الله تعالى إذا كان الزمان صالحاً لوقوعه فيه وكان الشخص ممن يجوز له التطوع بأن لم يكن مسافرا ولم يكن عليه قضاء شهر رمضان ، وكذلك الحال في المنذور بجميع أقسامه إلا إذا كان مقيدا بعنوان قصدي كالصوم شكرا أو زجرا ، ومثله القضاء والكفارة ففي مثل ذلك إذا لم يقصد المعين لم يقع ، نعم إذا قصد ما في الذمة وكان واحدا أجزأ عنه .
------------------------
للصوم أنواع عديدة : منها صوم شهر رمضان ، وصوم القضاء ، وصوم الكفارة ، وصوم النذر ، والصوم المندوب العام ، والصوم المندوب الخاص (1) ، وصوم بدل الهدي الى غير ذلك من أنواع الصوم
والسؤال المطروح / أنه عند صيام أي واحد من هذه الأنواع هل يجب التعيين وقصد النوع ، فهل يجب قصد شهر رمضان عند إرادة صيامه وأن يعيّن أنه يصوم غداً عن شهر رمضان ، وهل يجب قصد القضاء عند إرادته وأن يعيّن أنه يصوم غداً قضاءً ، وإذا أراد أن يصوم يوم عرفة فهل يشترط قصد صيام يوم عرفة ؟ بحيث يقيّد النية بأحد أنواع الصوم أم تكفي النية المطلقة من دون تعيين نوع الصوم فيكفي العزم على الصوم وترك المفطرات قربة الى الله تعالى من دون التطرق الى نوع الصوم وتعيينه ؟ فمن صام يوم غد الذي هو من رمضان ولم يقصد أنه يصوم من رمضان بل عزم على ترك المفطرات غداً تقرباً الى الله تعالى فقط هل يصح صومه عن شهر رمضان أم لا يصح لأنه لم يقصد نوعه وأنه يصوم شهر رمضان ؟
الجواب / يوجد رأيان :
الرأي الأول / نعم يجب التعيين وأن يقصد نوع الصوم في جميع أنواع الصوم ، فحتى يقع صوم غد من رمضان لا بد أن يقصد إيقاعه عن رمضان ولا يكفي أن يصوم يوم غد قربة الى الله تعالى من دون تعرض الى أنه من رمضان ، لكن لا يجب التفصيل في هذا التعيين بل تكفي النية الإجمالية ، فلا يجب أن يقول مثلاً أصوم يوم غد من رمضان قربة الى الله تعالى ، بل يكفي أن ينوي صوم غد الواجب عليه او المشروع تقرباً فهذه نية إجمالية كافية ولو لم يصرح بأن هذا الواجب هو رمضان ، وهكذا باقي أنواع الصوم فمن كان في ذمته قضاء لا يكفي أن يصوم يوم غد قربة الى الله بل لا بد أن يعيّن ويقصد القضاء ولو إجمالاً كما لو نوى صيام يوم غد عما في ذمته تقرباً فهذا كافٍ في التعيين ، وهكذا صوم الكفارة والنذر فلا يصح صوم يوم عن شيء من ذلك ما لم يقصد عنوان أحدها ولو إجمالاً ، نعم يستثنى المندوب العام فلا يجب قصده بل يكفي نية الصوم غد في تحققه ، وهذا الرأي للسيد الخوئي وغيره بل هو المعروف .
الرأي الثاني / ما ذهب اليه السيد الماتن - السيستاني - وحاصله أن بعض أنواع الصوم قصدية لا تتحقق الا بالقصد كالقضاء والكفارة وبعضها غير قصدية ، فغير القصدية لا يجب قصدها كصيام شهر رمضان فلا يجب قصده وإن كان أحوط استحباباً فلو نوى صيام يوم غد قربة الى الله تعالى كفى ذلك في وقوعه عن رمضان ولو لم يقصد صيام يوم غد عن رمضان لما تقدم في المسألة السابقة من أنه لا يقع في رمضان صوم غيره ولو أوقع غيره فيه احتسب منه
بخلاف القصدية فهذه يجب قصدها كالقضاء فلا يكفي أن يصوم يوم غد قربة الى الله لأن هذه النية كما تنطبق على القضاء تنطبق على غيره فلا بد أن يقصد نوعاً معيناً حتى يقع الصيام عن ذلك النوع
نعم تكفي النية الإجمالية ولا يجب التفصيل ، ومن جملة العناوين الإجمالية عنوان ما في الذمة فإذا لم يكن في ذمة المكلف صومٌ واجبٌ الا القضاء فحينئذٍ يكفي في قصد القضاء هذا العنوان الإجمالي بأن يقصد صيام يوم غد عما في الذمة فحينئذٍ سيقع عن القضاء لأنه الوحيد الذي في ذمته وهو معنى قوله : ( ومثله القضاء والكفارة ففي مثل ذلك إذا لم يقصد المعين لم يقع ، نعم إذا قصد ما في الذمة وكان واحدا أجزأ عنه )
أما قوله : ( ومثله في ذلك الصوم المندوب فيتحقق إذا نوى صوم غد قربة إلى الله تعالى إذا كان الزمان صالحاً لوقوعه فيه وكان الشخص ممن يجوز له التطوع بأن لم يكن مسافرا ولم يكن عليه قضاء شهر رمضان ) أي ومثل صومِ رمضان في عدم وجوب قصده الصومُ المندوب فلا يجب فيهما القصد لأنهما ليسا من العناوين القصدية فكما يكفي في شهر رمضان نية صوم غد قربة الى الله تعالى فيقع عن رمضان ولو لم يقصده فكذا المندوب فيصح بمجرد نية صوم غد قربة الى الله تعالى ولو لم يعين أنه يصوم غداً ندباً بل هو يقع ندباً من دون حاجة الى التعيين ، نعم كفاية صوم يوم غد في صحة الصوم المندوب ولو لم يقصده مشروطة بشرطين : الأول / أن يكون الزمان صالحاً لإيقاع المندوب فيه فلو كان يوم غد من شهر رمضان فلا يصح ندباً بمجرد نية الصوم لأن المندوب لا يقع في رمضان ورمضان ليس صالحاً له ، أو كان عيداً الذي يحرم صومه فلا يصح الصوم ندباً لأن يوم العيد لا يصلح زماناً للمندوب . الثاني / أن يكون الشخص ممن يجوز له التطوع والصوم المستحب أما إذا كان المندوب لا يصح منه كالمسافر فإنه سيأتي إن شاء الله عدم صحة المندوب في السفر ، أو مَن عليه قضاء واجب فسيأتي أيضاً إن شاء الله أنه لا يجوز له التطوع بالصوم فهذان لا يصح منهما الصوم المندوب ولا يكفي حينئذٍ أن ينويا صوم غد قربة الى الله في وقوعه مندوباً
وأما قوله : ( وكذلك الحال في المنذور بجميع أقسامه إلا إذا كان مقيدا بعنوان قصدي كالصوم شكرا أو زجرا ) أي وكذلك الصوم المنذور فهو كصوم رمضان والصوم المندوب ليس من العناوين القصدية فلا يجب أن ينوي صوم غد نذراً أي لا يجب أن يعيّن صيام غد من باب النذر بل يكفي أن يصوم يوم غد متقرباً فيجزي ذلك عن النذر سواء كان نذراً معيناً او لا ، نعم إذا صار صوم النذر قصدياً وجب القصد حينئذٍ وذلك فيما لو قيّد نذره بعنوان قصدي يتوقف على القصد كما لو نذر الصوم إذا حصلت له نعمة شكراً عليها فالصوم الشكري قصدي يتوقف على أن يقصد أنه يصوم غداً شكراً ، وكذا إذا نذر الصوم إن ترك حراماً المسمى بصوم النذر الزجري فلو تمكن من ترك الحرام وجب عليه الصوم ولا يكفي العزم على صوم غد في صحة هذا الصوم بل هو عنوان قصدي متوقف على قصده فلا بد أن ينوي صوم يوم غد وفاء للنذر الزجري ولو بعنوان إجمالي .
.
.
.
----------------------------
(1) وهو استحباب صيام يوم بمسمى خاص كيوم عرفة او الأيام البيض ، في مقابل العام الذي لا يدخل استحباب صيامه تحت مسمى خاص كاستحباب صيام أغلب أيام السنة .
مولى أبي تراب
25-07-2012, 10:06 PM
مسألة 976 : وقت النية في الواجب المعين ولو بالعارض عند طلوع الفجر الصادق على الأحوط لزوما بمعنى أنه لا بد فيه من تحقق الامساك مقرونا بالعزم ولو ارتكازا لا بمعنى أن لها وقتا محددا شرعا ، وأما في الواجب غير المعين فيمتد وقتها إلى ما قبل الزوال وإن تضيق وقته فله تأخيرها إليه ولو اختيارا ، فإذا أصبح ناويا للافطار وبدا له قبل الزوال أن يصوم واجبا فنوى الصوم أجزأه ، وإن كان ذلك بعد الزوال لم يجز على الأحوط ، وأما في المندوب فيمتد وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يقترن فيه الصوم بالنية .
----------------------------
تقدم منا في تمهيد شرح الفصل السادس تقسيم الصوم واجباً كان او مندوباً الى معيّن وغير معين وقلنا الأقسام أربعة :
الواجب المعيّن ، والواجب غير المعينّ ، والمستحب المعيّن ، والمستحب غير المعيّن
ومثّلنا للأول بصوم شهر رمضان ، وللثاني بالقضاء ، وللثالث بصيام يوم عرفة ويوم الغدير ونحوهما ، وللرابع باستحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر
وقلنا المقصود بالمعيّن هو ما حددت له الشريعة زماناً مخصوصاً واشترطت وقوع الصوم فيه ، بخلاف غير المعيّن الذي لا يشترط فيه زمان مخصوص بل يصح إيقاعه في أي يوم شاء المكلف مما يصح إيقاع الصوم فيه من الأيام
ونبّهنا الى أن الواجب المعيّن قد يكون كذلك بالأصل كصوم شهر رمضان او بالعارض كصوم النذر المعيّن ، وكذا الواجب غير المعيّن فهو إما أصلي كصوم القضاء وإما عرَضي كصوم النذر غير المعيّن
كما تقدم أن الصوم من العبادات الشرعية فلا بد فيه من النية وهي العزم على الصوم المقرون بداعٍ إلهي والباقي في النفس كذلك ولو ارتكازاً
والآن نقول أن نية الصوم لها وقت محدد تختلف فيه باختلاف أقسام الصوم الأربعة المتقدمة وأنه واجب أو مندوب ، معيّن او غير معيّن ، ولأجل ذلك شرع الفقهاء في هذه المسألة ومنهم السيد الماتن ببيان وقت النية في كل قسم ، بعد الالتفات الى أمرين :
الأول / أن الكلام في القسمين الثالث والرابع وهما المستحب المعيّن والمستحب غير المعيّن من حيث تحديد وقت النية واحد ، وعليه فسيكون الحديث في تحديد وقت نية الصوم يقع في ثلاثة مباحث : نية الواجب المعيّن ، ونية الواجب غير المعيّن ، ونية المستحب ، أعم من كونه معيناً او غير معيّن لأن الكلام فيهما متحد وحكم النية من حيث الوقت واحد فيهما .
الثاني / عندما نقول نية الصوم لها وقت نتعرض له في هذه المسألة لا نعني أن للنية وقتاً محدداً شرعاً لا بد أن تقع فيه بحيث يكون له مبدأ ومنتهى فلا يجوز تقدم النية على مبدأ الوقت ولا تأخرها عن منتهاه كما هو الحال في الصلوات اليومية مثلاً حيث وقت كل صلاة له مبدأ ومنتهى ويجب إيقاع الصلاة بينهما لا قبلهما ولا بعدهما ، بل لا وقت للنية بهذا المعنى وإنما المقصود أن النية تتضيّق في وقت محدد ولا يجوز تأخيرها عليه وإن كان يجوز أن تتقدم على ذلك الوقت ، والكلام هنا في ما هو هذا الوقت الذي تتضيق عنده نية الصوم ، فعندما نقول أن نية صوم القضاء تكون عند الزوال لا نعني أن الزوال وقتها المحدد شرعاً فيجب أن يؤتى بها فيه بل نعني أنها تتضيق عند الزوال ولا يصح صوم القضاء مع تأخيرها عن الزوال مع جواز تقديمها على الزوال ولو من الليل إذ الزوال ليس وقتاً محدداً شرعاً لها حتى لا يصح تقدم النية عليه ، شأنها - نية الصوم - في ذلك شأن نيات سائر العبادات الأخرى فنية الصلاة ونية الوضوء ونية الحج لا تحديد وقتي شرعاً لها فيجوز إيقاعها في أي زمان ما دام قبل مباشرة العمل وإن تضيقت عند مباشرة العمل بأول جزء منه
إذن المقصود من كون النية لها وقت أن هناك وقتاً لا يجوز تأخير النية عنه وإن كان يجوز تقديمها على ذلك الوقت ، وهذا المعنى لوقت النية يظهر واضحاً في صياغة السيد اليزدي رحمه الله في كتابه العروة الوثقى لهذه المسألة فقال : ( آخر وقت النية في الواجب المعين - رمضاناً كان أو غيره - عند طلوع الفجر الصادق ويجوز التقديم في أي جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه ) فأضاف لفظة آخر الى وقت النية فقال ( آخر وقت النية ) ولم يقل ( وقت النية ) في إشارة الى التضيّق ، ثم نبّه على جواز تقديم النية على ذلك الوقت في جزء من أجزاء الليل لأن الفجر ليس وقتاً محدداً للنية شرعاً حتى لا يجوز التقديم عليه ، ولذا لا إشكال في صحة الصوم لمن نواه ليلاً ثم نام حتى الصباح بحيث طلع الفجر وهو نائم لأن طلوع الفجر ليس وقتاً محدداً للنية حتى يقال أنه كان نائماً ولم ينوِ ، فصومه صحيح ما دام قد نوى قبل ذلك من الليل .
والحاصل / المقصود هنا من وقت النية هو أن صحة الصوم تتوقف على عدم تأخير النية عن زمان معين وليس وجوب إيقاعها في ذلك الزمان ، وعليه فلا مانع من تقديمها على ذلك الزمان وإنما المهم أن لا تتأخر عنه . (1)
إذا عرفت ذلك فاعلم ، أن هذا الزمان الذي تتضيق عنده النية ولا يصح الصوم بتأخيرها عليه يختلف باختلاف نوع الصوم ، فإن كان واجباً معيناً فالزمان هو الفجر ، وإن كان واجباً غير معيّن فالزمان هو الزوال ، وإن كان الصوم مندوباً فالزمان هو الغروب
بيان ذلك /
أما الواجب المعيّن سواء كان كذلك بالأصل كصوم شهر رمضان او بالعارض كصوم النذر المعيّن فالمعروف أن وقت النية فيه عند طلوع الفجر بمعنى تتضيّق نيته عند طلوع الفجر بحيث لا يجوز تأخيرها عنه وإن كان يجوز أن تتقدم على هذا الوقت فينوي الصيام من الليل بل ولو قبل أيام كما سيأتي إن شاء الله في المسألة التالية أنه تكفي لشهر رمضان نية واحدة في أوله وهذا يعني أن اليوم الأخير نيته مبيّتة وسابقة عليه منذ شهر وهذا غير ضائر فالمهم أن لا تتأخر عن طلوع فجره
إذن كل يوم من رمضان لا بد في صحة صومه من النية ويجب أن تكون هذه النية موجودة ومتقدمة على طلوع فجره أو على الأقل مقارنة للطلوع بحيث يطلع فجر ذلك اليوم والعزم على الصوم فيه موجود ، ويستمر على هذا العزم محافظاً عليه الى الغروب ولو ارتكازاً فلا يضره النوم او الغفلة عنه كما تقدم
وأما إذا طلع الفجر ولم يكن قد عزم بعد على الصيام عمداً فقد فاته صيام ذلك اليوم ولا ينفع العزم المتأخر حينئذٍ بخلاف ما إذا لم يكن عامداً كالجاهل والناسي والقادم من السفر قبل الزوال فسيأتي إن شاء الله كما في المسألة بعد التالية وكذلك المسألة (1038) أن وقت تضيّق النية عند هؤلاء يستمر الى الزوال وأن كان الصوم واجباً معيّناً .
والوجه في كون نية الواجب المعيّن تتضيق عند الفجر ثم لا بد من الحفاظ عليها الى الغروب أن الصوم كما قلنا عبادة وكل عبادة تحتاج الى نية وفي الواجب المعيّن عباديّة الصوم تكون من الفجر الى الغروب فوجب أن تكون النية موجودة في كل هذا الوقت لأن كل لحظة منه صومها عبادة فلا بد من النية في كل لحظة ولو ارتكازا ، نظير الصلاة مثلاً فكما يجب وجود النية من تكبيرة الإحرام الى التسليم حتى تقع كل العبادة وهي الصلاة عن نية فكذا هنا لا بد أن تقع كل العبادة وهي الصوم الواجب المعين عن نية وبما أن الواجب هو الصوم من الفجر الى الغروب وجب كون النية موجودة من الفجر الى الغروب ، ولذا سيأتي إن شاء الله في المسألة (980) أنه إذا فقد العزم وتردد في النية أو نوى الإفطار في لحظة من النهار بطل صومه وإن لم يتناول المفطر فعلاً لأن ذلك يعني وقوع بعض العبادة وهي تلك اللحظة التي تردد فيها من دون نية فيكون كما لو فقد النية في فعل من أفعال الصلاة فالصلاة تبطل وإن كانت باقي الأفعال مقرونة بالنية فهذا لا يكفي (2)
وقول الماتن : ( على الأحوط لزوماً ) بمعنى أن هذا الحكم وهو تضيّق نية الواجب المعيّن عند طلوع الفجر الصادق بحيث لا يجوز تأخيرها عليه مبني على الاحتياط اللزومي ، فالأحوط لزوماً أن لا يؤخر الصائم نية يوم من شهر رمضان عن فجر ذلك اليوم والا لم يصح ، وقد خالف السيد الماتن في ذلك باقي الفقهاء فكلهم ذكروا المسألة على نحو الفتوى وليس احتياطاً فقالوا : ( وقت النية في الواجب المعين ولو بالعارض عند طلوع الفجر الصادق بحيث يحدث الصوم حينئذ مقارنا للنية ) (3) من دون تعرض الى الاحتياط
وهو وإن كان لا فرق بين الرأيين بلحاظ العمل وبالنسبة الى المكلف والمقلِّد فهو كما يجب عليه العمل والالتزام بالفتوى فكذلك الاحتياط اللزومي يجب عليه الالتزام به (4) ، الا أن بينهما فرقاً بالنسبة للفقيه ، فإن معنى الفتوى بالحكم أن الفقيه جازمٌ به بينما معنى الاحتياط اللزومي أنه غير جازم بل هو شاكٌ ومستشكل به فاحتاط في المسألة ، فباقي الفقهاء جازمون بأن نية الواجب المعيّن تتضيق عند الفجر ولا يصح أن تتأخر عليه بخلاف السيد الماتن فهو شاك في هذا التضيق أي غير جازم بعدم صحة الصوم مع تأخر النية على الفجر بل يحتمل صحة الصوم حينئذٍ مع احتمال البطلان وعدم الصحة أيضاً والاحتياط حينئذٍ بعدم تأخير النية طريق النجاة .
وربما منشأ احتياط المصنف في الحكم وعدم جزمه به عدم وجود دليل صريح عليه ، لذا ذهب بعض فقهائنا المتقدمين الى استمرار نية صوم رمضان الى الزوال وهو السيد المرتضى رحمه الله ، وبعضهم قال بل الى الغروب وهو ابن الجنيد لكن المعروف والمشهور هو تضيّق النية عند طلوع الفجر .
.
.
.
------------------------
(1) بعد أن قلنا في المسائل السابقة أن النية في الصوم ليست لفظية فلا يجب التلفظ بها بل ولا إخطارية فلا يجب استحضارها وتصورها في الذهن ، وإنما هي مجرد عزم وإرادة على الصوم قربة الى الله تعالى ومعنى ذلك أن نية الصوم تتحقق بمجرد عدم التردد في الصوم ولا نية الإفطار فكل من لم ينوِ الإفطار ولا كان متردداً فهو عازم على الصوم وحينئذٍ قد يقول قائل أن الأمر في النية سهلٌ ولا يحتاج الى كل هذا التشعب في الكلام ، فكل واحد منّا يجد نفسه عازماً على الصوم ناوياً له بلا تردد ليس من الليل فقط بل قبل أن يدخل شهر رمضان فما الداعي الى كل ذلك ، وبعبارة أخرى إن كل واحد منّا يجد من نفسه أنه ناوٍ للصوم قهراً منذ دخول الليل فما جدوى الكلام في توقيت النية ومتى تتضيّق ؟ وجوابه / قد يكون أغلب المؤمنين كذلك لكن ليس بالضرورة جميعهم كذلك بحيث لا يفارقهم العزم والنية فهناك المتردد وهناك من لا نية له للصوم ثم يبدو له أن يصوم فمن الضروري لهؤلاء أن يعرفوا متى تتضيّق النية ، هذا مضافاً الى أن الفقهاء لا يأخذون هذه الأمور بنظر الاعتبار فهم وظيفتهم بيان الأحكام الشرعية بقطع النظر عن مدى الحاجة اليها وشدة الابتلاء بها حتى قيل إن الفقيه ما ترك باباً الا سلكه .
(2) ومن خلال ذلك يمكن أن نفهم المغزى من الاحتياط بالإمساك قبل الفجر وهو أن النية يجب أن تكون موجودة في جميع آنات النهار من أول آن من الفجر الى آخر آن من النهار ، ولمّا كان العلم بأول زمان طلوع الفجر متعسراً أو متعذراً عادة كان لا بد من الاحتياط بتقديم الإمساك والنية قبل ذلك حتى يتيقن المكلف من صحة صومه ووقوع جميع النهار عن نية .
(3) لاحظ مثلاً منهاج الصالحين للسيد الخوئي ج1 مسألة 976 .
(4) يمكن أن يكون هناك فرق بينهما بلحاظ المكلف أيضاً وهو أن المكلف ملزم بالفتوى بينما يتخير في الاحتياط اللزومي بين العمل به وبين الرجوع فيه الى مجتهد آخر يفتي بما يخالف الاحتياط فهو غير ملزم بالاحتياط اللزومي ولكنه ملزم بالفتوى ، ولكن هنا هذا الفرق منعدم لأن كل الفقهاء الآخرين يفتون بما يوافق الاحتياط اللزومي كما قلنا ولا يوجد فقيه يفتي بما يخالف الاحتياط حتى يمكن الرجوع اليه وترك الاحتياط اللزومي .
مولى أبي تراب
25-07-2012, 10:07 PM
وقت نية الواجب غير المعيّن
هذا كله في نية الواجب المعيّن ، أما نيّة الواجب غير المعيّن كالقضاء والكفارة والنذر غير المعيّن كما إذا نذر أن يصوم يوماً من دون تعيين ، فلا خلاف في أنها تتضيّق عند الزوال بمعنى عدم صحة الصوم بتأخيرها على الزوال وإن كان يصح تقديمها على ذلك ، فكما يجوز أن ينوي القضاء من الليل يجوز أن ينويه فجراً او صباحاً وهكذا الى قبيل الزوال ، فمن أصبح غير ناوٍ للصوم ثم بدا له قبل أذان الظهر أن يصوم قضاءً او كفارة او وفاءً للنذر غير المعيّن جاز له ذلك فينوي ويعزم ويستمر على إمساكه بقية النهار شريطة أنه لم يمارس شيئاً من المفطرات فعلاً ، أما إذا أصبح وقد مارس المفطرات كالأكل والشرب فلا معنى لأن ينوي القضاء قبل الزوال ، إذن شرط استمرار نية الواجب غير المعيّن الى الزوال عدم ممارسة المفطرات قبل ذلك لذا قال السيد الماتن : ( فإذا أصبح ناويا للافطار وبدا له قبل الزوال أن يصوم واجبا فنوى الصوم أجزأه ) في إشارة الى هذا الشرط فقوله أصبح ناوياً للإفطار أي لم تكن نيته الصوم في الصباح بل كانت نيته تناول الفطور والأكل والشرب ثم وقبل تناول ذلك فعلاً بدا له أن ينوي أن يصوم ما في ذمته من الصوم الواجب غير المعيّن كالقضاء قبل الزوال فهذا جائز وصحيح وله فعله ، ولا فرق في هذا الحكم وهو جواز تأخير نية الواجب غير المعين الى الزوال بين أن يتعمد تأخير النية او يكون ناسياً فيتذكر قبل الزوال لذا قال الماتن : ( فله تأخيرها إليه ولو اختيارا ) أي يجوز تأخير النية الى الزوال ولو عمداً .
يتبقى شيئان :
الأول / أن هذا الحكم وهو استمرار نية الواجب غير المعيّن الى الزوال يشمل ما إذا تضيّق الواجب غير المعيّن او لم يتضيّق ، وذلك أن الواجب غير المعيّن وإن كان معنى عدم تعيّنه أن وقته متسع فيجوز الإتيان به اليوم أو غد او بعد غد وهكذا ، ألا أنه قد يتضيّق بحيث ينحصر امتثاله في يوم معيّن ، كقضاء شهر رمضان فمن فاته يومٌ من شهر رمضان ولم يقضِه حتى آخر يوم من شعبان فحينئذٍ يتعيّن قضاؤه في ذلك اليوم ويسمى قضاءٌ مضيّق أي تضيّق في آخر يوم من شعبان ولا يجوز تأخيره أكثر لوجوب امتثال قضاء رمضان قبل رمضان التالي ، ولكن صيرورة الواجب غير المعيّن مضيقاً لا يلغي حكم الواجب غير المعيّن عنه وهو كون نيته تستمر الى الزوال أو قل تضيّق الواجب غير المعيّن وإن كان يصيّره واجباً معيّناً لكن هذا لا يعني انطباق حكم الواجب المعيّن عليه فتتضيق نيته مع طلوع الفجر بل يبقى حكمه حكم الواجب غير المعيّن فتستمر نيته الى الزوال ، فمن كان عليه صيامُ يومٍ قضاءً ولم يقضِه حتى آخر شعبان فإذا أصبح في ذلك اليوم ناوٍ للإفطار ثم بدا له وقبل أن يفطر فعلاً أن يقضي ذلك اليوم جاز له ذلك فينوي قبل الزوال صيام ذلك اليوم قضاءً ، لذا قال الماتن : ( وإن تضيق وقته ) أي حتى لو كان الواجب غير المعيّن مضيقاً كالقضاء المضيّق فإن النية تستمر الى الزوال ، ولا خلاف في ذلك .
الثاني / قلنا تستمر نية الواجب غير المعيّن كالقضاء الى الزوال ، وهل يمكن أن تستمر الى ما بعد الزوال ؟
الجواب / كان هذا قولاً لبعض فقهائنا المتقدمين وهو ابن الجنيد حيث ذهب الى استمرار نية الواجب المعيّن كالقضاء الى آخر النهار فمن قضى يومه ممسكاً جاز له في آخر النهار أن ينويه قضاء أو كفارة او وفاء للنذر ، الا أن الرأي المعروف والمشهور عدم جواز تأخير نية الواجب غير المعين عن الزوال فلا يصح للممسك أن ينوي القضاء بعد الزوال لذا قال السيد الماتن : ( وإن كان ذلك بعد الزوال لم يجز على الأحوط ) ولا خلاف في هذا أيضاً بين فقهائنا المعاصرين ، نعم بعضهم بنى الحكم على الاحتياط الوجوبي كالمصنف والسيد الشهيد والشيخ الوحيد الخراساني ، فالأحوط وجوباً عدم تأخير نية الواجب غير المعيّن عن الزوال ، فيما أفتى باقي الفقهاء بالحكم .
*****
وقت نية الصوم المندوب
وأما الصوم المندوب فنيته تتضيّق بآخر النهار وقبيل الغروب بحيث لو بقي مقدار من النهار ولو لحظات يمكن فيها تجديد النية والعزم على ترك المفطرات استحباباً صح وكفى ، فكما يجوز أن ينوي صيام يوم ندباً من الليل يجوز ذلك في أي وقت من النهار الى قبيل الغروب ما دام ممسكاً لم يمارس المفطرات ، فمن أصبح غير ناوٍ للصوم بل كانت نيته الإفطار ولكنه لم يمارس شيئاً من المفطرات جاز له أن ينوي صيام ذلك اليوم استحباباً ولو كان ذلك قبل الغروب بقليل ، كمن قضى معظم النهار نائماً ولم يستيقظ الا بعد الظهر او عصراً فيمكن له أن ينوي ذلك اليوم صياماً مندوباً وإن لم يكن ناوياً للصوم قبل النوم ، وفي الرواية عن أبي عبد الله ( ع ) : " كان أمير المؤمنين ( ع ) يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شئ وإلا صمت ، فإن كان عندهم شئ أتوا به وإلا صام " فهو عليه السلام لم يكن ناوياً للصوم بل كان ناوياً للإفطار وطلب من أهله الطعام ولكن مع عدم وجوده ينوي ذلك اليوم صياماً مندوباً .
لذا قال الماتن : ( وأما في المندوب فيمتد وقتها إلى أن يبقى من النهار ما يقترن فيه الصوم بالنية ) ولا خلاف في هذا الحكم بين فقهائنا المتأخرين والمعاصرين وإن كان بعض فقهائنا المتقدمين قد ذهبوا الى تضيّق نية المندوب بالزوال كالواجب غير المعيّن ، الا أنه صار قولاً متروكاً .
الحوزويه الصغيره
26-07-2012, 05:29 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
بارك الله فيكمـ شيخنا الفاضل على طرحك القيم
شكرا" لك .....
جعله الله في ميزان حسناتك
دمتمـ في رعاية الرحمن وحفظه
مولى أبي تراب
26-07-2012, 09:26 PM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد
وبارك الله بكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة
أسأل الله أن يتقبل صيامكم وطاعاتكم ويوفقكم الى ما يحب ويرضى
وفقكم الله تعالى
مولى أبي تراب
26-07-2012, 09:29 PM
مسألة 977 : يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر فلا يعتبر حدوث العزم على الصوم في كل ليلة أو عند طلوع الفجر من كل يوم وإن كان يعتبر وجوده عنده ولو ارتكازا على ما سبق ، والظاهر كفاية ذلك في غير شهر رمضان أيضا كصوم الكفارة ونحوها .
-------------------------
قلنا أن صيام شهر رمضان من العبادات الشرعية وحينئذٍ لا بد فيه من النية كما تقدم في المسألة (970) ، ولما كان شهر رمضان عبارة عن عدة أيام وقع الكلام بين الفقهاء في ما هي الكيفية الصحيحة لأداء نية شهر رمضان ، وقد ذكروا طريقتين :
الطريقة الأولى / أن ينوي لكل يوم نية خاصة به في ليلة ذلك اليوم ، فمن الليل ينوي أن يصوم يوم غد ، وفي الليلة التالية ينوي صيام اليوم التالي وهكذا ، فلكل يوم نية خاصة به في ليلته .
الطريقة الثانية / أن ينوي صيام الشهر كله بنية واحدة ، فينوي قبل الشهر كالليلة الأولى أن يصوم هذا الشهر ويعزم على ترك المفطرات في كل يوم منه قربة الى الله تعالى ، بلا حاجة الى إحداث نية مستقلة لكل يوم في ليلته .
ولا إشكال في إجزاء الطريقة الأولى وصحة الصيام معها في كل يوم بل هي الأصل والقدر المتيقن من الكيفية الصحيحة لأداء النية ، وإنما الكلام في الطريقة الثانية وهل هي صحيحة ويمكن الاكتفاء بها ، أم لا بد من اعتماد الطريقة الأولى ؟
ذهب بعض الفقهاء الى عدم الاكتفاء بها ولزوم اعتماد الطريقة الأولى ، لكن الرأي المعروف هو جوازها وصحتها أيضاً فلا يضر بأي من الطريقتين ينوي المكلف صيام شهر رمضان سواء بالطريقة الأولى أو بالطريقة الثانية ، لأن المكلف منذ الليلة الأولى قد توجهت له أوامر بالصوم بعدد أيام الشهر لكل يوم أمر خاص به ، فله أن ينوي امتثال هذه الأوامر دفعة بأن ينوي صيام الشهر كله بنية واحدة فيعتمد الطريقة الثانية ، كما له أن ينوي لكل أمر امتثاله الخاص به فيجدد النية في كل ليلة ليومها فيعتمد الطريقة الثانية .
فقول الماتن : ( فلا يعتبر حدوث العزم على الصوم في كل ليلة أو عند طلوع الفجر من كل يوم ) أي لا يشترط اعتماد الطريقة الأولى وإن كانت هي الأصل بل يمكن اعتماد الطريقة الثانية أيضاً وهي أن ( يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر ) لكن ذكروا بأن المراد من قبل الشهر ليس قبل الشهر ولو بمدة طويلة بل بعد أن يصير وجوب شهر رمضان فعلياً لا قبل ذلك ، وهذا يعني أنه إنما يصح نية الشهر بأكمله بعد ثبوت هلال الشهر ودخول الشهر ، فإذا دخل الشهر بثبوت الهلال يصير وجوب صوم الشهر فعلياً فحينئذٍ يجتزئ المكلف بعد ثبوت الهلال بنية واحدة للشهر كله قال السيد الصدر رحمه الله في منهج الصالحين : ( يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة إذا حصلت بعد الهلال ) ولا خلاف في ذلك .
ثم إنهم ذكروا أن الثمرة بين القولين والطريقتين تظهر في بعض الموارد منها من نام في أحد أيام شهر رمضان قبل الغروب ولم يستيقظ الا بعد الفجر من اليوم الثاني كمن نام عصر اليوم الثاني ولم يستيقظ الا صباح اليوم الثالث فإن كان ممن يعتمد الطريقة الأولى وهي أن ينوي لكل يوم نية خاصة في ليلة ذلك اليوم فاليوم الثالث الذي استيقظ في صباحه سيكون بلا نية لأن النوم استوعب ليلته كلها فلم ينوِ صيام اليوم الثالث فلا بد من قضائه ، بخلاف ما إذا نوى الشهر كله بنية واحدة في أوله فسيكون اليوم الثالث منوياً من أول الشهر فلا يضره استيعاب النوم لليلته .
وأيضاً ذكروا أن الأحوط استحباباً والأفضل الجمع بين الطريقتين بأن ينوي صيام الشهر كله في أول ليلة ويجدد النية لكل يوم في كل ليلة .
أما قول الماتن : ( وإن كان يعتبر وجوده عنده ولو ارتكازا على ما سبق ) أي إذا اختار الطريقة الثانية فنوى من الليلة الأولى صيام الشهر كله ، فحينئذٍ لا يجب عليه تجديد النية لكل يوم في كل ليلة وإن كان أفضل ، لكن يشترط بقاء تلك النية وذلك العزم الذي أتى به في أول ليلة لكل الشهر مرتكزاً وكامناً في نفسه بحيث لا يتراجع عنه ولا يتردد فيه ، كما سبق في المسألة (970) حيث قال الماتن : ( ويكفي كون العزم عن داع إلهي وبقاؤه في النفس ولو ارتكازا ) فكذا هنا فعندما يعزم قبل الشهر على صيام كل الشهر فصحيح لا يجب عليه تجديد هذا العزم في كل ليلة لكن يجب أن يبقى هذا العزم مركوزاً في النفس ومحافظاً عليه بأن لا ينقضه ولا يتردد فيه بعد ذلك والا وجب تجديده .
« حكم غير شهر رمضان »
هذا كله في شهر رمضان فقلنا هناك قول بوجوب تجديد النية لكل يوم لكن الرأي المعروف جواز الاكتفاء للشهر كله بعزم ونية واحدة ولا يجب التجديد لكل يوم في كل ليلة
وهل غير شهر رمضان كذلك ؟ فإذا وجبت عدة أيام من الصوم بعنوان واحد كما في صيام الكفارة فهل تكفي نية واحدة لكل تلك الأيام أيضاً كشهر رمضان أم الحكم مختص بشهر رمضان وفي غيره لا بد لكل يوم من نية خاصة ؟
الجواب / فيه خلاف ، والآراء ثلاثة :
الرأي الأول / اختصاص الحكم بشهر رمضان ذهب الى ذلك بعض الفقهاء كالسيد اليزدي والسيد محسن الحكيم والسيد الشهيد رحمهم الله تعالى ، قال السيد محسن الحكيم قدس في منهاجه : ( يجتزئ في شهر رمضان كله بنية واحدة قبل الشهر ، وفي غيره لا بد في كل يوم من نية في ليلته الى طلوع الفجر أو الى الزوال )
الرأي الثاني / ما ذهب اليه السيد الصدر رحمه الله من أن غير رمضان إذا كان مشروطاً فيه التتابع فحكمه حكم شهر رمضان والا لم يشمله الحكم ، قال : ( والظاهر كفاية ذلك في غيره أيضا مما يشترط فيه التتابع في الأصل كصوم الكفارة أو بالعارض وأما في غيرها فالأحوط تجديد النية في كل ليلة يراد الصيام في غدها أو عند الفجر أو قبل الزوال ) فصوم الكفارة بما أنه يشترط فيه التتابع فحكمه حكم شهر رمضان يجوز الاكتفاء فيه بنية واحدة في أوله ، وكذا إذا كان اشتراط التتابع بالعارض وليس بالأصل كمن نذر أن يصوم ثلاثة أيام متواليات فيجوز الاكتفاء بنية واحدة لها ، أما إذا كان عليه أيامٌ من الصيام بعنوان واحد والتتابع ليس شرطاً فيها لا بالأصل ولا بالعارض فلا بد لكل يوم نية خاصة به كما إذا كان عليه صوم عدة أيام من باب القضاء فلكل يوم نيته الخاصة .
الرأي الثالث / عدم الفرق بين شهر رمضان وغيره في جواز الاكتفاء بنية واحدة فيجوز أن ينوي صيام الشهرين المتتابعين في الكفارة بنية واحدة في أولهما ، ومن عليه عشرة أيام مثلاً من باب القضاء يجوز أن يكتفي بنية واحدة لكل العشرة في أولها ولا يجب أن يخصص لكل يوم نية ويجددها في كل ليلة وهكذا ، وعلى هذا الرأي أكثر الفقهاء كالسيد الخوئي وغيره ومنهم السيد الماتن لذا قال : ( والظاهر كفاية ذلك في غير شهر رمضان أيضا كصوم الكفارة ونحوها ) .
مولى أبي تراب
26-07-2012, 09:31 PM
مسألة 978 : إذا لم ينو الصوم في شهر رمضان لنسيان الحكم أو الموضوع ، أو للجهل بهما ولم يستعمل مفطرا ثم تذكر أو علم أثناء النهار فالظاهر الاجتزاء بتجديد نيته قبل الزوال ، ويشكل الاجتزاء به بعده فلا يترك الاحتياط بالامساك بقية النهار بقصد القربة المطلقة والقضاء بعد ذلك .
--------------------------
تقدم في المسألة (976) أن نية شهر رمضان وقتها عند طلوع الفجر الصادق ، وقلنا ليس معنى ذلك أن طلوع الفجر هو الوقت الشرعي لها بحيث يلزم إتيانها فيه فقط ، بل بمعنى أنها تتضيّق عند طلوع الفجر بحيث لا يجوز تأخيرها عليه وإن كان يجوز تقديمها عليه وتبييتها من الليل ، وعليه فمن أخّر نية يوم من رمضان عن فجر ذلك اليوم لم يصح منه ذلك اليوم ولم يجزئه
الا أنا نوهنا هناك أن هذا حكم العالم العامد فمن تعمد تأخير نية يوم من رمضان عن فجر ذلك اليوم بحيث طلع الفجر وهو غير عازم بعدُ على صيام ذلك اليوم مع علمه بأنه يوم من رمضان لم تجزئه النية المتأخرة بعد ذلك ولم يصح منه صيام ذلك اليوم لفوات محل النية ، أما إذا لم يكن عالماً عامداً بل كان معذوراً في تأخير النية عن طلوع الفجر فيمكنه الاجتزاء بالنية المتأخرة عن الفجر ويصح صومه حينئذٍ
فالحكم الأولي هو تضيّق نية شهر رمضان عند طلوع الفجر ، الا أنه مع العذر يتمدد وقت النية في رمضان الى الزوال وهو حكم ثانوي خاص بالمعذور عن النية قبل طلوع الفجر فيصير حكم شهر رمضان حكم الواجب غير المعيّن من امتداد نيته وتضيّقها عند الزوال
مثال ذلك / من كان ناسياً للحكم او الموضوع او جاهلاً بهما ، فههنا أربعة أشخاص :
ناسي الحكم ، ناسي الموضوع ، الجاهل بالحكم ، الجاهل بالموضوع
والمقصود بالموضوع هو شهر رمضان فقد يكون الشخص جاهلاً بدخول شهر رمضان أو ناسياً له بأن علم بثبوت الهلال ودخول الشهر لكن نسيه
والمقصود بالحكم أي وجوب صوم شهر رمضان ، فقد يكون الشخص جاهلاً بوجوب صيام شهر رمضان أو عالماً به ناسياً له
فمن نسي دخول شهر رمضان فلم ينو الصيام حتى طلع الفجر إذا تذكر بعد ذلك أنه في شهر رمضان جاز له بل وجب عليه أن ينوي ويصوم وإن كانت النية متأخرة عن الفجر
وكذا من نسي الحكم وهو وجوب صوم شهر رمضان ولم يتذكر الا بعد طلوع الفجر فيجب عليه أن ينوي ويصوم ذلك اليوم
ومثلهما من كان جاهلاً بالموضوع ولم يعلم بدخول الشهر حتى أصبح وعند الصباح علم بثبوت الهلال في الليلة السابقة وأن الشهر قد دخل فيجب عليه النية والصيام وإن طلع الفجر ، كما في يوم الشك من شعبان وستأتي الإشارة اليه في المسألة التالية إن شاء الله
وكذا من كان جاهلاً بوجوب صوم رمضان ولم يعلم بالحكم الا بعد طلوع الفجر فإنه يجدد النية ويصوم ذلك اليوم
ومثل هؤلاء الأربعة المسافر المرخص له في الإفطار إذا عاد الى وطنه أو وصل محل إقامته قبل الزوال فسيأتي إن شاء الله تعالى في المسألة (1038) أنه يجدد النية ويصوم ذلك اليوم ونيته صحيحة لأنه لم يأخرها عن الفجر الا لكونه معذوراً فيجوز له أن يكتفي بالنية المتأخرة
فهؤلاء بما أنهم لم يأخروا النية عن الفجر عن علم وعمد ساغ لهم بل وجب عليهم نية الصيام ولو بعد الفجر ويصح منهم الصوم بهذه النية المتأخرة عن طلوع الفجر
الا أن هذا الحكم وهو امتداد وقت نية شهر رمضان للمعذور الى الزوال ليس اتفاقياً - في غير المسافر الذي عاد الى وطنه قبل الزوال فسيأتي إن شاء الله أن الحكم فيه اتفاقي - بل ههنا اتجاهان للفقهاء :
الاتجاه الأول / هناك فريق من الفقهاء استشكل في هذا الحكم كالسيد الخوئي والشيخ الفياض والشيخ الخراساني وغيرهم ، ومعنى الإشكال أنه يحتمل أن حكم الناسي و الجاهل هو تجديد النية والصوم في ذلك اليوم كما يحتمل أن حكمهما هو القضاء وعدم تجديد النية في ذلك اليوم ، وعليه فالأحوط وجوباً أن يجددوا النية في ذلك اليوم ويصوموا رجاء ثم يقضون بعد ذلك
الاتجاه الثاني / تبني الحكم وعدم الاستشكال فيه واستظهار الصحة وأن حكم المعذور هو استمرار وقت النية الى الزوال وهذا الرأي للسيد الماتن والسيد الصدر والسيد محمد صادق الروحاني ، نعم استشكل فيه السيد الصدر الا أنه استظهر الصحة واحتاط استحباباً بالقضاء ، فعملياً هو من أصحاب هذا الاتجاه
وبناء على هذا الاتجاه وهذا الرأي يصح لناسي الحكم او الموضوع او الجاهل بهما صوم رمضان ولو بنية متأخرة عن الفجر ، لكن بشرطين :
الشرط الأول / أن لا يكونوا قد تناولوا المفطر والا فلا معنى لصومهم حينئذٍ فمن استيقظ جاهلاً بكونه في شهر رمضان ولم يعلم بثبوت الهلال فشرب الماء لا معنى لأن يقال له أنت جاهل بالموضوع فجدد النية وصم ، لأنه مفطر .
الشرط الثاني / أن يكون تجديد النية قبل الزوال ، فنية شهر رمضان للمعذور تستمر الى الزوال ، وهل تستمر الى ما بعد الزوال ؟ فالجاهل بدخول الشهر إذا لم يعلم به الا بعد الزوال هل يمكن أن ينوي الصوم حينئذٍ ويصح عن رمضان ؟
وهذا التساؤل إنما يصح طرحه على أصحاب الاتجاه الثاني دون الأول ، فإن أصحاب الاتجاه الأول استشكلوا في صحة الصوم مع النية قبل الزوال فمن باب أولى أن لا يوافقوا على تجديد النية بعد الزوال ولا أقل من الاستشكال فيه أيضاً
نعم أصحاب الاتجاه الثاني القائلون باستمرار نية رمضان للمعذور الى الزوال يصح أن نسألهم هذا السؤال وأنه هل تستمر الى ما بعد الزوال ؟
لم يتعرضوا له في رسائلهم الا السيد الماتن وجوابه أن الحكم مشكل ، وهو نفس إشكال أصحاب الاتجاه الأول الذي أعطوه لما قبل الزوال نقله السيد الماتن الى ما بعد الزوال ، وحينئذٍ معنى هذا الإشكال أن من لم يجدد النية الى ما بعد الزوال ففي تجديدها بعده إشكال فالأحوط وجوباً تجديدها وإكمال ذلك اليوم بالصيام رجاءً ثم القضاء بعد ذلك ، فمن كان جاهلاً بدخول شهر رمضان ولم يعلم بذلك الا بعد الزوال الأحوط وجوباً أن يجدد النية ويصوم ذلك اليوم ما دام لم يتناول المفطر ثم يقضي بعد ذلك .
خلاصة شرح المسألة / من كان ناسياً للحكم او الموضوع أوجاهلاً بهما فلم ينوِ صوم رمضان قبل الفجر هل يمكن أن ينويه بعد الفجر ؟
الجواب / فيه رأيان :
الرأي الأول / فيه إشكال فالأحوط وجوباً تجديد النية بعد الفجر والصوم ثم القضاء وهو رأي السيد الخوئي والشيخ الفياض والشيخ الخراساني .
الرأي الثاني / نعم يمكن أن ينوي صوم رمضان بعد الفجر ويصح صومه بشرط أن يكون ذلك قبل الزوال وقبل تناول المفطر ، وهل الحكم كذلك بعد الزوال ؟ فيه إشكال فالأحوط وجوباً تجديد النية والصوم ثم القضاء بعد ذلك وهذا الرأي للسيد الصدر والسيد السيستاني والسيد الروحاني .
مولى أبي تراب
28-07-2012, 10:11 PM
مسألة 979 : إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان ، وإذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية ، وإن صامه بنية رمضان بطل ، وأما إن صامه بنية الأمر الواقعي المتوجه إليه إما الوجوبي أو الندبي فالظاهر الصحة ، وإن صامه على أنه إن كان من شعبان كان ندبا ، وإن كان من رمضان كان وجوبا فلا يبعد الصحة أيضا ، وإذا أصبح فيه ناويا للافطار فتبين أنه من رمضان جرى عليه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة .
---------------------------
يسمى اليوم الثلاثون من شهر شعبان أو بعبارة أدق ما بعد التاسع والعشرين من شعبان (1) يوم الشك لاحتمال أنه اليوم الثلاثون من شعبان أو الأول من شهر رمضان فنحن شاكّون في هذا اليوم هل هو آخر شعبان أو أول رمضان ، وحينئذٍ الحكم الفقهي لهذا اليوم المشكوك أنه يعامل على أنه اليوم الثلاثون من شعبان ولا يصح أن يعطى حكم شهر رمضان لأن ذلك متوقف على رؤية هلال شهر رمضان في ليلته ولمّا لم يثبت الهلال فحكم هذا اليوم أنه متممٌ لشهر شعبان مضافاً الى استصحاب بقاء شهر شعبان ، ولذا :
1. يجوز للمكلف أن لا يصوم هذا اليوم لأنه من شعبان فلا يجب صومه .
2. يجوز أن يصومه بنية شعبان ندباً لأنه من شعبان ويستحب الصوم في شهر شعبان وهذا اليوم منه ، بشرط أن لا تكون ذمته مشغولة بالقضاء والا وجب أن يصومه قضاءً .
3. يجوز أن يصومه قضاءً إذا كانت ذمته مشغولة بالقضاء بل يجب لأنه قضاء مضيّق .
4. يجوز أن يصومه كفارةً أو وفاءً للنذر إذا كان عليه صيام أحدهما .
5. لا يجوز أن يصومه بنية رمضان لأنه من شعبان وليس من رمضان ، وإذا صامه من رمضان بطل لعدم وقوع صوم رمضان في غير رمضان كما لا يقع صوم غير رمضان في رمضان .
إذن يوم الشك حكمه أنه من شعبان وليس من رمضان لأن كونه من رمضان متوقف على رؤية الهلال في ليلته ، مع ذلك يبقى احتمال كونه من رمضان قائماً وإن أعطيناه حكم شعبان فإنه حكم ظاهري ، واحتمال ثبوت الهلال واقعاً في ليلته وأننا لم نره وبالتالي يكون من شهر رمضان احتمال قائم
وإذا كان احتمالاً قائماً جاز أخذ هذا الاحتمال بنظر الاعتبار في نية صيام ذلك اليوم ، من هنا تعرض الفقهاء في هذه المسألة الى وجوه نيات الصوم في هذا اليوم وأيها صحيحة وأيها غير صحيحة وقد اتفقوا على صحة بعض النيات كما اتفقوا على بطلان بعضاً آخر ووقع الخلاف في بعضٍ ثالث ، وحاصل الكلام أن يقال : إن نية صوم يوم الشك تتصور على أنحاء :
النحو الأول / أن يصومه بأي نية غير نية شهر رمضان كنية القضاء او الكفارة او النذر او الندب إن لم يكن عليه قضاء وهكذا أي نية غير نية صيام شهر رمضان ، ولا خلاف في صحة هذا النحو من النية في يوم الشك ، كما لا خلاف في أنه إذا انقضى ذلك اليوم ولم يتبين أنه من رمضان وقع الصوم عما نواه ، وإن تبين بعد انقضائه أنه اليوم الأول من رمضان (2) احتسب له صيام رمضان وإن لم تكن نيته كذلك لما تقدم في المسألتين 974 و 975 أنه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره وأنه يكفي في احتساب الصوم من شهر رمضان وقوعه فيه وإن لم ينوه رمضان ، مضافاً الى الروايات الدالة على ذلك ولا خلاف في ذلك لذا قال الماتن : ( إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان ) أي إن كان من شهر رمضان بأن تبين بعد انقضاء ذلك اليوم أنه كان من رمضان
أما إذا بان أنه من رمضان قبل انقضاء اليوم سواء قبل الزوال أو بعده فحينئذٍ يجب عليه أن يعدل بنية الصوم الى نية رمضان بلا خلاف (3) .
النحو الثاني / أن يصوم يوم الشك بنية رمضان ، ولا خلاف في عدم صحة هذه النية وبطلان الصوم بها حتى لو صادف شهر رمضان فعلاً ، بل لا خلاف في عدم جواز هذه النية وأنها تشريع محرم وقد وردت روايات عن المعصومين عليهم السلام تنهى عن هذه النية وتمنع صيام يوم الشك على أنه من رمضان لعدم ثبوت رمضان ومجرد الشك واحتمال كون ذلك اليوم من رمضان لا يسوّغ صومه بنية رمضان .
النحو الثالث / أن يصوم ذلك اليوم بنية الأمر الواقعي وما في الذمة ، ومعنى ذلك أننا نعلم وجود أمر من الله تعالى ثابت في الواقع بصيام يوم الشك ولكن لا ندري هل هذا الأمر على نحو الوجوب أو على نحو الندب ، فإن كان يوم الشك من شعبان فالأمر الإلهي بصومه يكون على نحو الندب وإن كان يوم الشك من رمضان واقعاً فالأمر الإلهي بصيام ذلك اليوم سيكون هو الوجوب ، وقد تقدم في النحو الثاني أنه لا يصح أن ينوي الأمر الوجوبي بأن ينوي صيام رمضان لعدم علمه بدخول الشهر ، كما تقدم في النحو الأول جواز أن ينوي الأمر الندبي وأن هذا اليوم من شعبان لأن يوم الشك حكمه أنه من شعبان ، أما في هذا النحو فالمقصود أنه لا ينوي أحد الأمرين بعينه كما في النحوين السابقين بل ينوي الأمر الثابت في الواقع وفي علم الله منهما وإن كان يجهله ، فيصح أن يصوم يوم الشك بنية الأمر الواقعي الثابت في علم الله تعالى فإن كان هو الوجوب فالصوم عن رمضان وإن كان هو الندب فالصوم عن شعبان ، ولا يضر جهله بهذا الأمر فالمهم أنه نوى شيئاً محدداً لا ترديد فيه وهو الإمر الواقعي غاية الأمر أنه يجهل سنخه أي شيء هو ، ولا خلاف في صحة هذا النحو من النية أيضاً .
النحو الرابع / أن تكون نيته معلقة بأن ينوي صيام يوم الشك على أنه إن كان من شعبان فندب وإن كان من رمضان فوجوب ، وكأنما قال أصوم يوم الشك ندباً إن كان من شعبان ووجوباً إن كان من رمضان ، فلا يجزم بالندب ولا بالوجوب بل ينوي أحدهما غير المعيّن معلقاً . وهل هذا النحو من النية في يوم الشك صحيح ؟ قال الماتن : ( فلا يبعد الصحة ) وهو رأي السيد محمد صادق الروحاني والشيخ الفياض ، بينما قال السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ وحيد الخراساني : ( الظاهر البطلان ) وذلك لأن هذا ترديد في النية والترديد في النية يبطلها مضافاً الى الأخبار الناهية عن صوم يوم الشك بنية رمضان ونية الوجوب ، بينما ارتأى أصحاب القول الأول أن هذا ليس ترديداً في النية بل في التطبيق قال الشيخ الفياض في منهاجه : ( فالترديد إنَّما هو في تطبيق المنويِّ على ما في الخارج لا في النيَّة ) .
أما قول الماتن : ( وإذا أصبح فيه ناويا للافطار فتبين أنه من رمضان جرى عليه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة ) أي بما أن يوم الشك حكمه أنه من شعبان قلنا يجوز أن لا يصومه لعدم وجوب صومه فإن أصبح غير ناوٍ للصوم بل كانت نيته تناول المفطر وقبل تناول المفطر علم أنه من رمضان فينطبق عليه حكم المسألة السابقة لأنه جاهل بالموضوع فحينئذٍ يجب عليه تجديد النية فينوي صوم ذلك اليوم من رمضان هذا إذا علم بأنه رمضان قبل الزوال وإن علم أنه رمضان بعد الزوال ففي وجوب تجديد النية إشكال والأحوط وجوباً تجديد النية وصيام ذلك اليوم رجاء ثم القضاء وهذا هو التفصيل المتقدم في المسألة السابقة الذي عناه المصنف بقوله : ( جرى عليه التفصيل المتقدم في المسألة السابقة ) .
.
.
---------------------------
(1) إنما كان هذا التعبير ونحوه أدق لأن المفروض أن هذا اليوم مشكوك فلا يُعلم أنه من شهر شعبان أو من شهر رمضان فتسميته باليوم الثلاثين من شهر شعبان مصادرة وخلف كونه مشكوكاً وإنما تصح هذه التسمية مع العلم بكونه اليوم الثلاثين من شعبان لا مع الشك ، مع ذلك تسمية يوم الشك بالثلاثين من شهر شعبان أيضاً صحيحة لأن هذا اليوم بعد الشك يعطى حكم اليوم الثلاثين من شعبان لا الأول من رمضان فإنه ما دام لم يُرَ الهلال في ليلته فهو متمم لشهر شعبان ولا يصح أن يعطى حكم رمضان لذا قال : ( إن صامه بنية رمضان بطل ) ما لم يثبت ذلك فعلاً .
(2) كما إذا رأينا الهلال في الليلة التالية مطوقاً وكنا نقول بأن التطوق دلالة على الليلة الثانية فهذا يعني أن اليوم المنقضي وهو يوم الشك كان من رمضان فحينئذٍ يقع الصوم عن رمضان وإن كانت النية غير ذلك .
(3) قد تسأل كيف لا خلاف هنا وقد تقدم في المسألة السابقة وجود الخلاف في تجديد الجاهل بالموضوع النية قبل الزوال وأن أصحاب الاتجاه الأول استشكلوا في الحكم ؟ وجوابه / أن الكلام هنا في شخص أصبح يوم الشك ناوياً للصوم ولكن نيته لم تكن صوم رمضان بل شعبان ندباً او قضاء ثم انكشف أنه من رمضان فلا خلاف في العدول بالنية الى رمضان أما في المسألة السابقة فالكلام كان في شخص أصبح غير ناوٍ للصوم أصلاً لا رمضان ولا شعبان بل أصبح ناوياً للإفطار فوقع الخلاف في الاجتزاء بإحداث نية رمضان بعد الفجر ، وبعبارة أخرى كلامنا هنا في العدول بالنية من شعبان الى رمضان وذلك جائز بلا خلاف أما في المسألة السابقة فالكلام في العدول من عدم النية أصلاً الى نية رمضان وهو مورد الخلاف ، ولذا ابتدأ المسألة السابقة بقوله ( إذا لم ينو الصوم ) فلم يك من نيته الصوم أصلاً أما في هذه المسألة فابتدأها بقوله ( إذا صام ) ، ونفس الشيء يقال جواباً عمن سأل واستشكل على الماتن أنه هنا قال ( وإذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية ) فحكم بوجوب تجديد النية ولو بعد الزوال ، بينما في المسألة السابقة قال ( ويشكل الاجتزاء به بعده ) فاستشكل من الاجتزاء بالنية بعد الزوال والجواب أن الكلام هنا عن شخص أصبح ناوياً لصوم غير رمضان فإذا انكشف أنه من رمضان عدل بالنية الى رمضان ولو بعد الزوال ، أما في المسألة السابقة فالكلام عن شخص أصبح ناوياً للإفطار فاستشكل المصنف في نية رمضان بعد الزوال .
مولى أبي تراب
28-07-2012, 10:14 PM
مسألة 980 : تجب استدامة النية إلى آخر النهار ، فإذا نوى القطع فعلا أو تردد بطل وإن رجع إلى نية الصوم على الأحوط ، وكذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردد فيه أو نوى المفطر مع العلم بمفطريته ، وإذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر الصحة ، هذا في الواجب المعين ، أما الواجب غير المعين فلا يقدح شئ من ذلك فيه إذا رجع إلى نيته قبل الزوال .
-------------------------
تقدم في المسألة (970) أنه يكفي في النية العزم على الصوم بداعٍ إلهي ثم بقاء هذا العزم مركوزاً وكامناً في النفس طيلة النهار وقد عبّر عن ذلك المصنف هناك بقوله ( وبقاؤه في النفس ولو ارتكازا ) وقلنا معنى هذه العبارة أنه يكفي بقاء هذا العزم مرتكزاً وراسخاً في النفس وإن نام المكلف أو غفل عنه .
كما تقدم في المسألة (976) عند الحديث عن تضيّق نية الواجب المعيّن عند طلوع الفجر أن الصوم عبادة وكل عبادة تحتاج الى نية وفي الواجب المعيّن عباديّة الصوم تكون من الفجر الى الغروب وأن الواجب في الصوم هو الإمساك عن المفطرات من الفجر الى الغروب فوجب أن تكون النية موجودة في كل هذا الوقت لأن كل لحظة منه صومها عبادة فلا بد من النية في كل لحظة ولو ارتكازا ، ومثلنا له بالصلاة فكما يجب وجود النية في جميع أجزائها من تكبيرة الإحرام الى التسليم حتى تقع كل العبادة وهي الصلاة عن نية فكذا هنا لا بد أن تقع كل العبادة وهي الصوم الواجب المعين عن نية وبما أن الواجب هو الصوم من الفجر الى الغروب وجب كون النية موجودة من الفجر الى الغروب ، فلو أخل بالنية في بعض الوقت ولو للحظات كما إذا نوى تناول المفطر ولم يتناوله فعلاً أو تردد في إكمال الصوم بطل صوم ذلك اليوم حتى لو رجع الى نية الصوم ، نعم في الواجب غير المعيّن لما كان وقت النية يمتد الى الزوال فيعتبر استمرار النية فيه من قبيل الزوال الى الغروب فلا يضره عدم النية قبل ذلك ، وهكذا في المندوب لما كان وقت النية يمتد الى قبيل الغروب فيكفي المحافظة على النية من حين وقوعها الى الغروب
لذا قال الماتن : ( تجب استدامة النية إلى آخر النهار ) سواء كان ابتداءها من الفجر كما في الواجب المعيّن أو من الزوال كما في غير المعيّن او بعد الزوال كما في المندوب ( فإذا نوى القطع ) في النية ( فعلا ) أي الآن بأن قطع نية الصوم فعلاً وأعرض عن الصوم فنوى الإفطار من دون تناول المفطر ( أو تردد ) في النية بأن بقى متردداً ومتحيراً هل يستمر في نية الصوم أو يقطعها فعلاً ويعرض عن الصوم ( بطل ) الصوم ، لأن صحته متوقفة على النية والنية هي العزم عليه ومع نية القطع فعلاً او التردد لا عزم على الصوم كما هو واضح فيبطل الصوم ( وإن رجع ) بعد القطع او التردد ( إلى نية الصوم ) فهذا لا يكفي لتصحيح الصوم لأن الرجوع غاية ما يفيد إيقاع باقي النهار مع النية الا أن الزمان الذي نوى القطع فيه او تردد فيه انقضى من دون عزم ونية ويكفي لبطلان الصوم أن يكون بعض زمانه غير مقرون بالعزم والنية فلا ينفع الرجوع ، وذلك نظير من بدأ الصلاة وتكبيرة الإحرام بنية ثم أثناء الصلاة نوى القطع او تردد في إتمام الصلاة بحيث وقع الركوع في أثناء نية القطع او التردد فحينئذٍ تبطل الصلاة حتى لو عاد الى نية الصلاة بعد الركوع لأن هذا الرجوع إنما يفيد في إيقاع باقي الأفعال بنية الصلاة الا أن الركوع بقي بلا نية وقد وقع من دون نية الصلاة فتبطل الصلاة لأن صحتها متوقفة على إيقاع جميع أجزائها مع النية فلو وقع جزء واحد منها بلا نية بطلت وكذا الصوم فلو وقعت لحظات من نهاره بلا عزم بطل وإن كان سائر النهار منوياً ، نعم عدم صحة الصوم بالرجوع في النية بعد القطع أو التردد في أي لحظة من النهار إنما هو إذا كان الرجوع بعد زمان التضيّق دون ما قبله فإذا أصبح ناوياً القضاء ثم تردد أو قطع النية ثم عاد الى نية القضاء قبل الزوال صح صوم ذلك اليوم لأن القطع او التردد حصل قبل تضيّق وقت نية القضاء وهو الزوال فيمكن الرجوع للنية حينئذٍ بخلاف ما إذا كان القطع او التردد بعد الزوال فحينئذٍ لا ينفع الرجوع لفوات محل نية القضاء بمضي الزوال ، وهكذا لو قطع نية الصوم المندوب او تردد فيه فإنه لو عاد الى العزم على الصوم المندوب مرة أخرى صح صومه ما دام قد بقي من النهار ما يمكن فيه تجديد النية لما تقدم من أن نية المندوب تستمر الى قبيل الغروب نعم لو تردد أو قطع قبل المغرب مباشرة بحيث لم يمكنه تجديد النية بعد ذلك لدخول الغروب بطل صومه المندوب ، إذن كلام المصنف ببطلان الصوم بالتردد او القطع في النهار حتى مع الرجوع ناظر الى الواجب المعيّن كصوم رمضان فإن التردد او القطع مبطل له في أي لحظة من النهار ولا ينفع العود لفوات محل النية وهو الفجر وغير ناظر الى الواجب غير المعيّن فإن بطلانه حتى مع الرجوع إنما يكون بعد التضيّق ولذا قال في آخر المسألة ( هذا في الواجب المعين ، أما الواجب غير المعين فلا يقدح شئ من ذلك فيه إذا رجع إلى نيته قبل الزوال ) بلا خلاف الا من الشيخ الفياض حيث قال ( أمَّا الواجب غير المعيَّن فهل يكفي الرجوع إلى نيَّته قبل الزوال ؟ والجواب : الأظهر عدم الكفاية ) .
وعلى أي حال فقد ذكر الماتن أن بطلان الصوم في الواجب المعيّن بالتردد في النية او قطعها وعدم صحته بالعود الى النية مرة أخرى أنه ( على الأحوط ) وجوباً ، فيما أفتى به سائر الفقهاء ، ولعل هذا الاحتياط هو نفس الاحتياط السابق في المسألة (976) حيث قال ( وقت النية في الواجب المعين ولو بالعارض عند طلوع الفجر الصاد على الأحوط لزوما ) وقلنا هناك أن المصنف هو الوحيد من الفقهاء الذي بنى الحكم على الاحتياط فيما أفتى به الباقون وهنا كذلك فالمصنف هو الوحيد الذي بنى البطلان حتى مع العود على الاحتياط فيما أفتى به الآخرون ، وقلنا هناك أن منشأ احتياط المصنف بتضيق نية الواجب المعين بالفجر عدم الدليل الصريح عليه ، ولعله نفس المنشأ هنا أيضاً ، وعليه فمعنى احتياط المصنف هنا أن من نوى القطع او تردد في نية الواجب المعيّن كصوم رمضان في النهار بطل صومه وإن عاد لفوات محل النية وهو الفجر ولكن لما كان الحكم بتضيق نية الواجب المعين بالفجر مبنياً على الاحتياط في تلك المسألة فالحكم بالبطلان وعدم الفائدة من نية الرجوع بعد الفجر هنا أيضاً مبني على الاحتياط ، بينما باقي الفقهاء لما أفتوا بالحكم في تلك المسألة أفتوا بالبطلان هنا أيضاً . ويحتمل أن منشأ الاحتياط أن هناك من فرّق بين نية القطع بأن ينوي رفع اليد عن الصوم فقط من دون أن ينوي تناول المفطر ، ونية القاطع وهي أن ينوي تناول المفطر وليس فقط الأعراض عن الصوم وحاصل التفريق أنه مع نية القطع يمكن الرجوع للصوم ومع نية القاطع لا يمكن الرجوع للصوم فقال المصنف لا فرق بينهما في عدم إمكان الرجوع على الأحوط .
قوله : ( وكذا إذا نوى القطع فيما يأتي أو تردد فيه أو نوى المفطر مع العلم بمفطريته ) إذا نوى الصائم القطع فتارة ينوي القطع فعلاً أي الآن وفي الحال وهو ما تقدم ، وتارة ينوي القطع في زمان لاحق من النهار وهو ما قصده الماتن هنا بقوله القطع فيما يأتي ، كما لو كانت الساعة العاشرة صباحاً فنوى القطع في تلك اللحظة فهذا قطع فعلي وأخرى يقول إذا صارت الواحدة ظهراً أقطع نية الصوم فهذا قطع فيما يأتي وكلاهما مبطل للنية لأنه يكفي في البطلان تخلف العزم على الصوم في بعض النهار سواء الآن او فيما يأتي ، ونفس الشيء يقال في التردد فقد يكون فعلياً وقد يكون فيما يأتي وكلاهما مضر بالنية والعزم على الصوم .
ومن جملة صور الإخلال بالنية وقطعها أن ينوي ممارسة أحد المفطرات وهو عالم بأنه مفطر فبمجرد أن ينوي شرب الماء ولو لم يشربه فعلاً يعتبر هذا منه قطعاً للعزم ونية الصوم فإنه من الواضح عدم اجتماع العزم على الصوم مع العزم على شرب الماء لأن معنى العزم على الصوم العزم على ترك المفطرات ومنها شرب الماء فإذا عزم على شرب الماء هذا يعني عدم وجود العزم منه على ترك المفطرات فصومه بلا نية ، نعم إذا كان جاهلاً بكونه من المفطرات لم تضر نيته بصومه لإمكان اجتماع النيتين والعزمين حينئذٍ كما إذا جهل أن استعمال البّخاخ مفطر فخرج نهاراً ناوياً شرائه واستعماله وفي الطريق علم بمفطريته فحينئذٍ نيته باستعمال البخاخ لا تضر بصومه لأن العزم على الصوم كان موجوداً عنده ولم ينتقض بالعزم على استعمال البخاخ للجهل بمفطريته .
قوله : ( وإذا تردد للشك في صحة صومه فالظاهر الصحة ) تقدم أن التردد في النية أثناء النهار مبطل للصوم ولكن أحياناً يتردد الصائم في صومه لأجل شكه في صحة صومه كما إذا فعل فعلاً لا يدري أنه من المفطرات أو لا فصار عنده شك في صحة صومه ولأجل شكه في صحة صومه تردد في النية ، وكأنما صار في حالة يتحدث فيها مع نفسه فيقول هل صومي صحيح فاستمر فيه او بطل بهذا الفعل فلا داعي للاستمرار على الصوم وترك المفطرات ، فحينئذٍ إذا استمر في هذه الحيرة والتردد حتى سأل فقيل له صومك صحيح جاز له الرجوع الى نيته الجزمية ويصح بذلك صومه ، وذلك لأنه لم يكن متردداً لأجل الرغبة في الإفطار بل تردد بسبب الجهل بحكم صومه واحتمال بطلانه شرعاً والتردد المبطل للصوم هو الأول لا الثاني ، وبعبارة أخرى معنى هذا التردد هو نيته الإفطار إن تبين بطلان الصوم والا استمر عليه فهو عازم على الصوم الا أنه ناوٍ للإفطار على تقدير البطلان فنية الإفطار معلقة على البطلان فلا تنافي وجود العزم على الصوم .
مولى أبي تراب
28-07-2012, 10:19 PM
مسألة 981 : لا يصح العدول من صوم إلى صوم وإن بقي وقت المعدول إليه على الأصح ، نعم إذا كان أحدهما غير متقوم بقصد عنوانه ولا مقيدا بعدم قصد غيره وإن كان مقيدا بعدم وقوعه صح وبطل الآخر ، مثلا لو نوى صوم الكفارة ثم عدل إلى المندوب المطلق صح الثاني وبطل الأول ، ولو نوى المندوب المطلق ثم عدل إلى الكفارة وقع الأول دون الثاني .
-------------------------
تقدم أن للصوم أنواعاً فهناك صوم رمضان وصوم القضاء وصوم النذر وصوم الكفارة وصوم الإجارة والصوم المندوب العام والصوم المندوب الخاص وصوم بدل الهدي الى غير ذلك
والسؤال المطروح في هذه المسألة أنه إذا أصبح ناوياً لأحد أنواع الصوم فهل يجوز أن يعدل الى نوع آخر فينوي صوماً آخر غير الذي كان عليه ؟
ومحل الكلام إنما هو مع احتمال وإمكانية القول بالصحة ، أما مع الجزم بعد الصحة فالحكم واضح وليس هو المقصود من المسألة كما إذا أصبح ناوياً لصوم رمضان وأراد العدول الى غيره واجباً كان او مندوباً فلا إشكال في عدم صحة هذا العدول لعدم وقوع أي صوم في رمضان غير صوم رمضان ، وكذا إذا كان ناوياً الصوم المندوب فبدا له بعد الزوال أن يعدل الى القضاء او الكفارة او النذر غير المعيّن فأيضاً لا معنى لهذا العدول لفوات محل النية لهذه الأنواع لأنها من الواجب غير المعيّن الذي يتضيق بالزوال فعدوله من المندوب الى القضاء بعد الزوال غير صحيح جزماً .
وإنما الكلام حيث يمكن القول بالصحة كما إذا أصبح ناوياً للمندوب وقبل الزوال بدا له العدول الى القضاء فيصح أن نسأل هل يصح العدول ؟ وذلك لاستمرار نية القضاء الى الزوال
والجواب / فيه خلاف (1) حاصله آراء ثلاثة :
الرأي الأول / الصحة والجواز على إشكال ، ومعنى الإشكال حينئذٍ الاحتياط الاستحبابي بعدم الصحة وعدم ترتيب آثار العدول الصحيح ، وهذا الرأي هو المعروف بين الفقهاء كالسيد الخوئي والسيد الصدر والسيد الروحاني والشيخ الخراساني .
الرأي الثاني / عدم الصحة مطلقاً ، وهو فتوى الشيخ الفياض ، وبناه السيد محمد سعيد الحكيم على الاحتياط الوجوبي .
الرأي الثالث / عدم صحة العدول ولكن ليس مطلقاً كالرأي الثاني بل يستثنى من ذلك بعض الموارد يصح فيها العدول ، وهذا الرأي للسيد الماتن وقد عبر عن المستثنى الذي يصح فيه العدول بقوله : ( نعم إذا كان أحدهما غير متقوم بقصد عنوانه ولا مقيدا بعدم قصد غيره وإن كان مقيدا بعدم وقوعه صح وبطل الآخر ) وتوضيح هذه العبارة يرجعنا الى المسألة (975) حيث تعرض المصنف فيها الى ما يجب قصد عنوانه في النية من أنواع الصوم وما لا يجب فذكر أن صوم رمضان والصوم المندوب وصوم النذر لا يجب قصد عناوينها في صحتها بل يكفي في صحتها أن ينوي صيام يوم غد وإن لم يقصد عنوان صوم رمضان او عنوان المندوب او النذر في مقابل القضاء والكفارة والنذر شكراً او زجراً فيعتبر في صحتها قصد عناوينها ولا يكفي نية الصوم ما لم يقصد القضاء مثلاً ، فقوله هنا ( غير متقوم بقصد عنوانه ) يعني كون الصوم صحته غير متقومة أي غير مشروطة بأن يقصد عنوان ذلك الصوم بل يكفي أن يقصد الصوم فيصح ذلك النوع ولو لم يقصد نوعه كصوم شهر رمضان على رأي المصنف فقد ذكر في المسألة (975) عدم وجوب قصد عنوانه خلافاً لباقي الفقهاء ، وكصوم المندوب المطلق (2) فقد تقدم في تلك المسألة اتفاق الفقهاء على أنه غير متقوم بقصد عنوانه فيكفي أن أنوي صيام يوم غد فيقع مندوباً مطلقاً ويحسب لي كذلك وإن لم أنوِ أن صومي ليوم غد هو بعنوان المندوب المطلق ، وأما قوله ( ولا مقيدا بعدم قصد غيره ) أي صحته غير مشروطة بأن لا يقصد نوعاً آخر من الصوم كالمندوب المطلق أيضاً فهو غير مقيد أي لا يشترط في صحته الا يقصد صوماً آخر ( وإن كان مقيدا بعدم وقوعه ) أي وإن كانت صحته مقيدة ومشروطة بأن لا يقع في يومه صيام يوم آخر وقصد نوع آخر ، فقوله ( وإن ) وصلية أي هو وإن كان غير مقيد بأن لا يقصد غيره الا أنه مقيد بأن لا يقع في غيره
والمعنى أن الصوم إذا كانت صحته غير متقومة ولا مشروطة بقصد عنوانه وغير متقومة أيضاً بأن لا يقصد غيره بل متقومة بعدم وقوع غيره فقط كالمندوب المطلق فصحته في يوم يكفي فيها عدم وقوع غيره في ذلك اليوم كالقضاء ولا يعتبر قصد عنوانه ولا عدم قصد غيره ، فمثل هذا الصوم يجوز العدول اليه لذا قال : ( مثلا لو نوى صوم الكفارة ثم عدل إلى المندوب المطلق صح الثاني وبطل الأول ) ، بخلاف ما إذا كان الصوم صحته متقومة بقصد عنوانه فلا يصح العدول اليه كصوم الكفارة حيث تقدم في المسألة (975) أنه كالقضاء يشترط قصد عنوانيهما إذن لا يصح العدول اليهما لذا قال : ( ولو نوى المندوب المطلق ثم عدل إلى الكفارة وقع الأول دون الثاني ) وهو الكفارة لأنه متقوم بقصد عنوانه فلا يصح العدول اليه .
.
الى هنا ننهي الكلام في شرح مسائل الفصل الأول / في النية
ثم الكلام في في الفصل الثاني / في المفطرات
يأتي إن شاء الله تعالى
.
.
-------------------------
(1) ولعلك تسأل إذا كان لا يصح العدول من صوم الى صوم أو على الأقل فيه خلاف كيف نفسر الاتفاق على جواز بل وجوب العدول الى صوم رمضان لمن نوى يوم الشك ندباً أو قضاء أو نذراً ثم تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده ، كما تقدم في المسألة (979) حيث جاء فيها : ( إذا صام يوم الشك بنية شعبان ندبا أو قضاء أو نذرا أجزأ عن شهر رمضان إن كان ، وإذا تبين أنه من رمضان قبل الزوال أو بعده جدد النية ) أليس تجديد النية هذا عدول من أحد تلك الأنواع الى صوم رمضان ؟
جوابه / لا يعتبر هذا عدولاً لأن المقصود في تلك المسألة أن يوم الشك ينقلب عما نواه من القضاء او الندب او غيرهما الى صيام رمضان بحكم الشرعي بحيث أن الشارع هو الذي حكم بوقوع هذا اليوم عن رمضان لا عما نواه المكلف فتجديد النية حينئذ لا لإرادة العدول بل لأجل امتثال حكم الشارع باحتساب هذا اليوم من رمضان ، بخلافه هنا فالكلام أنه هل يجوز له اختياراً أن يغيّر الصوم ويعدل بالنية من دون أن يحكم الشارع بالتغيير ، وبعبارة أخرى المقصود في تلك المسألة أن الشارع بعد اتضاح أن يوم الشك من رمضان اعتبر صيامه من رمضان من بداية اليوم بحيث وقع كل النهار عن رمضان فالتجديد في أثناء النهار لا يعتبر عدولاً ، أما هنا فالمقصود أن الصوم بعد أن وقع لبعض النهار عن نوع من الصوم هل يجوز إيقاع باقي النهار عن نوع آخر بحيث يقع نوعان من الصوم في نهار واحد وبذلك يتضح الفرق بين المسألتين وإن شئت فقل أن الحكم في المسألة السابقة مستثنى من الكلام في هذه المسألة للنص وهي الروايات الواردة عن المعصومين باحتساب يوم الشك من رمضان إذا تبين كذلك ولذا لم يقع فيها الخلاف تعبداً بالنص ، أما هنا فحيث لا نص وقع الخلاف .
(2) وهو الذي أسميناه سابقاً المندوب العام وهو الذي لا يقع استحباب صومه تحت مسمى وعنوان خاص كأغلب أيام السنة في مقابل المندوب الخاص وهو الذي يقع استحباب صومه تحت مسمى خاص كيوم عرفة والأيام البيض .
الحوزويه الصغيره
29-07-2012, 08:40 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
انار الله طريقكـ بحبه وحب محمد وآلـ بيته
كما انرت بصيرتنا بهذه الدروس القيمة ..
شيخنا الفاضل .. تابع فنحن من المتابعين لكـ ان شاء الله
جهد موفق بإذن الله
احترامي وتقديري
مولى أبي تراب
30-07-2012, 07:59 PM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد
وبارك الله بكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة
يزيدني شرفاً متابعتكم ودوام حصوركم
أسأل الله أن يتقبل صيامكم وطاعاتكم ويوفقكم الى ما يحب ويرضى
وفقكم الله تعالى
مولى أبي تراب
30-07-2012, 08:00 PM
الفصل الثاني / المفطرات
وهي أمور :
الأول ، والثاني : الأكل والشرب مطلقا ، ولو كانا قليلين ، أو غير معتادين ، وسيأتي بعض ما يتعلق بهما في المفطر التاسع .
----------------------------
من أوضح وأهم المفطرات الأكل والشرب بإجماع المسلمين كما هو مفاد القرآن الكريم والسنة المطهرة
وإطلاق دليل المفطرية يقتضي أن الأكل والشرب مفطران مطلقاً سواء كان المأكول والمشروب كثيراً أم قليلاً جداً كالاجزاء الصغيرة من الطعام التي تتخلف بين الأسنان
وسواء كانا معتادين قد تعارف تناولهما كالخبز والماء أم غير معتادين كابتلاع الحصى والتراب أو شرب النفط
وسواء كان التناول من المحل المعتاد وهو الفم او غير المعتاد كما لو شرب الماء من أنفه ، أو عن طريق إنبوب الى المعدة ما دام يصدق الأكل والشرب دونما إذا لم يصدقا كما في تقطير الدواء في العين والإذن والأنف كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المفطر التاسع
وفي الجملة المقصود من الأكل والشرب المفطرين للصوم كل ما يدخل الى الجوف مع صدق الأكل والشرب عرفاً سواء كان الداخل متعارفاً أكله وشربه أو لا ، وسواء دخل الى الجوف من الطريق المتعارف أو لا .
ولا بد من التنبيه على أن مفطرية الأكل والشرب بل مطلق المفطرات تختص بالعامد في التناول ، فإن أكل او شرب سهواً أو نسياناً فلا شيء عليه وصومه صحيح ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذا الفصل تحت عنوان ( تتميم ) .
مولى أبي تراب
30-07-2012, 08:01 PM
الثالث : الجماع قبلا ودبرا ، فاعلا ومفعولا به ، حيا وميتا ، حتى البهيمة على الأحوط وجوبا فيها وفي وطئ دبر الذكر للواطئ والموطوء ، ولو قصد الجماع وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة كان من قصد المفطر وقد تقدم حكمه ولكن لم تجب الكفارة عليه . ولا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين من غير قصد .
--------------------
لا خلاف بين المسلمين في مفطريّة الجماع وقد دلّ عليه القرآن الكريم والسنة المطهرة
والكلام هنا عن مفطرية نفس الجماع من دون أن يقترن بإنزال المني فإنزال المني مفطر مستقل كما سيأتي في المفطر الثامن إن شاء الله ، فحصول أحدهما - الجماع او إنزال المني - كافٍ للإفطار فضلاً عما إذا اجتمعا .
وعلى أي حال فلا خلاف في مفطرية الجماع في الجملة ، ولكن وقع الكلام بين الفقهاء في أن الجماع مفطر مطلقاً بجميع أنواعه أم يختص ببعض الأنواع ؟ وجوابه أنه لا إشكال في أن القدر المتيقن والمؤكد من مفطرية الجماع هو الجماع في قبل المرأة وقد استشكل بعضهم في مفطرية ما عداه وهو الجماع - من دون إنزال - في دبر المرأة ودبر الذكر أعني اللواط والعياذ بالله والجماع بوطء البهيمة لذا بناه بعض الفقهاء على الاحتياط الوجوبي ، وأفتى الماتن بمفطرية الجماع في قبل المرأة ودبرها فقال : ( الجماع قبلا ودبرا ) واحتاط وجوباً في مفطرية وطء البهيمة والذكر فقال : ( حتى البهيمة على الأحوط وجوبا فيها وفي وطئ دبر الذكر للواطئ والموطوء ) أي الأحوط وجوباً أن الصائم إذا وطء بهيمة او وطأته هي فقد أفطر ، وإذا وطء الذكر ذكراً فالأحوط وجوباً أن ذلك مبطل لصيام كل منهما ، وذلك لوجود من استشكل من الفقهاء في شمل الحكم لكل جماع فقد خص بعض الفقهاء المفطرية بالجماع الموجب للجنابة فقط لا مطلقاً فلا يشمل وطء البهيمة مع عدم الإنزال لعدم إيجابه الجنابة ، ولأجل احتمال شمول الحكم لكل جماع من هنا احتاط الماتن وجوباً في المفطرية ، نعم اذا اوجب الجماعُ الإنزالَ فلا إشكال في المفطرية في جميع الأنواع .
ثم لا فرق في مفطرية الجماع بين الواطئ او الموطوء فكلا طرفي الجماع يبطل صومهما لصدق تحقق الجماع والمفطر من كل منهما ، كما أن مفطرية الجماع تشمل ما إذا كان المفعول به حياً او ميتاً فإذا جامع امرأة ميتة فقد أفطر لصدق فعله المفطر وهو الجماع .
كما لا فرق في مفطرية الجماع بين أن يكون حلالاً او حراماً كالزنا ، كما لا فرق بين كون طرفيه صغيرين او كبيرين او مختلفين .
نعم ذكروا أن مفطرية الجماع لا تتحقق بمطلق الإدخال بل تتوقف على دخول مقدار الحشفة أو أكثر دون الأقل ، والحشفة هي رأس الذكر ، فلو أدخل بعض الحشفة لم يبطل الصوم لا للفاعل ولا للمفعول كما لا تتحقق الجنابة بذلك .
قوله : ( ولو قصد الجماع وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة كان من قصد المفطر وقد تقدم حكمه ولكن لم تجب الكفارة عليه ) ولتوضيح ذلك فهنا صور :
الصورة الأولى / أن يقصد الجماع ويجامع فعلاً بأن يتحقق الدخول ولو مقدار الحشفة فضلاً عن الأكثر ، وهنا لا إشكال في بطلان صومه وعليه القضاء والكفارة .
الصورة الثانية / أن يقصد الجماع ولكن يشك هل تحقق الجماع فعلاً ؟ أي يشك هل تحقق الدخول أو لا ؟ فهنا يبني على عدم تحقق الدخول فحينئذٍ عليه القضاء فقط دون الكفارة ، أما وجوب القضاء فلأجل قصد الجماع فهذا يعني أنه قصد المفطر وقد تقدم في المسألة (980) أن قصد المفطر يبطل الصوم ولو لم يفطر فعلاً وذلك لبطلان العزم على الصوم مع قصد المفطر فيبطل الصوم ببطلان نيته ، أما عدم وجوب الكفارة فلأن وجوبها متوقف على فعل المفطر فعلاً ولا يكفي مجرد القصد وما دام شاكاً في الجماع وقلنا يبني على عدم تحققه فلا كفارة ، كما أنه لو قصد شرب الماء ولم يشرب فعليه القضاء دون الكفارة .
الصورة الثالثة / أن يقصد الجماع ويعلم بتحقق الدخول ولكن يشك أنه هل تحقق دخول كامل الحشفة او أن الداخل بعضها بخلاف الصورة الثانية حيث الشك في أصل الدخول ، وحكم هذه الصورة كالثانية فعليه القضاء بمجرد قصد الجماع لأنه من قصد المفطر ، لكن ليس عليه الكفارة لأن وجوب الكفارة متوقف على تحقق الجماع المفطر والجماع المفطر يتحقق بدخول الحشفة على الأقل كما تقدم ومع الشك في ذلك يبني على عدم دخول كامل الحشفة .
قوله : ( ولا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين من غير قصد ) إذا قصد التفخيذ أي وضع الذكر بين الفخذين فدخل في أحد الفرجين أي القبل والدبر خطأً من دون قصد الدخول والجماع فصومه صحيح ولا قضاء عليه ولا كفارة ، لأنه لم يقصد الجماع حتى يكون من قصد المفطر فيبطل صومه ، كما أنه وإن جامع فعلاً الا أن ذلك وقع منه من دون قصدٍ وعمد وسيأتي إن شاء الله تعالى في آخر الفصل تحت عنوان ( تتميم ) أن مفطرية الجماع تختص بتعمد الجماع دون ما إذا حصل سهواً او نسياناً او خطأ او في حال النوم مثلاً .
مولى أبي تراب
30-07-2012, 08:03 PM
الرابع : الكذب على الله تعالى ، أو على رسول الله صلى الله عليه وآله أو على الأئمة عليهم السلام على الأحوط وجوبا ، بل الأحوط الأولى الحاق سائر الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بهم ، من غير فرق بين أن يكون في أمر ديني أو دنيوي ، وإذا قصد الصدق فكان كذبا فلا بأس ، وإن قصد الكذب فكان صدقا كان من قصد المفطر ، وقد تقدم حكمه .
------------------------
الرابع من المفطرات : الكذب على الله تعالى او المعصومين عليهم السلام ، وحاصل الكلام في نقاط :
1. المقصود من الكذب على الله تعالى والمعصومين الإخبار عنهم بنسبة شيء اليهم كذباً ، كما لو أخبر عن الله تعالى أنه قال في القرآن كذا مع علمه أن ما أخبر به ليس من القرآن ، ومن قبيل وضع الإحاديث واختلاقها ثم نسبتها الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم او أحد المعصومين عليهم السلام .
2. مفطرية الكذب على الله والمعصومين ليست محل اتفاق وإجماع كالمفطرات الثلاثة المتقدمة ، حيث ذهب بعض الفقهاء الى عدم المفطرية هنا كالمحقق الحلي والعلامة الحلي وغيرهما ووافقهم من المعاصرين السيد محمد صادق الروحاني ، فلو نسب الصائم حديثاً الى النبي كذباً لم يبطل صومه ، الا أن القول بالمفطرية هو والمعروف بين الفقهاء المعاصرين كما عليه السيد الماتن وغيره . نعم لا خلاف ولا إشكال في حرمة الكذب على الله تعالى والمعصومين سواء قلنا بمفطريته أو لا ، لحرمة الكذب مطلقاً ولو على أبسط المؤمنين بل ولو على كافر فضلاً عن أن يكون على الله والمعصومين فهو أشد حرمة لما فيه من انتهاك حرمتهم .
3. على القول بالمفطرية فالقدر المتيقن منه هو مفطرية الكذب على الله تعالى ، وهل يلحق به الكذب على النبي والأئمة صلوات الله عليهم ؟
فيه خلاف والمعروف هو القول بالإلحاق فتوى او احتياطاً وجوبياً كما فعل السيد الماتن
وهل الكذب على سائر الأنبياء والأوصيام مفطر أيضاً كما لو نسب الى النبي عيسى أو موسى ما لم يصدر عنهما كذباً ؟
فيه خلاف احتاط بالإلحاق وجوباً السيد الخوئي والشيخ الفياض والشيخ الخراساني وغيرهم واحتاط استحباباً السيد الماتن فقال : ( بل الأحوط الأولى الحاق سائر الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بهم ) والأحوط الأولى احتياط استحبابي ، فيما فصل السيد الصدر بين الأنبياء فاحتاط وجوباً بالإلحاق والأوصياء فاحتاط استحباباً فيهم بالإلحاق .
4. إنما يكون الكذب على الله والمعصومين مفطراً مع العلم والعمد بأن ينسب اليهم الشيء مع علمه بعدم صحة النسبة عامداً ، فلو أخبر قاصداً الصدق وكان في الواقع كذباً لم يبطل بذلك صومه لعدم تعمده .
5. إذا كان قاصداً الكذب وكان في الواقع صدقاً بطل صومه من جهة أنَّه قصد المفطر فبمجرد أنه أخبر قاصداً الكذب ومعتقداً له بطل صومه ولو لم يكن كذباً فعلاً لكن عليه القضاء فقط ، أما إذا أخبر قاصداً الكذب وكان واقعاً كذباً فعلاً فعليه القضاء والكفارة .
6. لا فرق في مفطرية الكذب بين أن يكون في أمر ديني كما لو نسب الى النبي حكماً شرعياً كذباً أو دنيوي كما لونسب الى أحد المعصومين بعض التصرفات الدنيوية كذباً ككيفية الأكل او النوم ، كما لا فرق في مفطرية الكذب بين أن يكون بالعربية أو بغيرها من اللغات ، وسواء كان بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو غير ذلك .
7. طريق التخلص من الوقوع في الكذب أن يقول روي كذا أو نسب الى رسول الله كذا وهكذا ولا يجزم بصحة النسبة .
************
مسألة 982 : إذا تكلم بالكذب غير موجه خطابه إلى أحد ، أو موجها له إلى من لا يفهم معناه وكان يسمعه من يفهم أو كان في معرض سماعه كما إذا سجل بآلة جرى فيه الاحتياط المتقدم .
-------------------------
قلنا المقصود من الكذب هو الإخبار عن الله تعالى او المعصومين بنسبة شيء اليهم كذباً ، وحتى يصدق الإخبار وبالتالي الكذب لا بد أن يكون الكلام موجهاً الى شخص عاقل يفهم الكلام فحينئذٍ يصدق على الشخص أنه أخبر كاذباً على الله او المعصومين ، أما اذا كان يخبر عن الله والمعصومين كذباً لكن من دون أن يوجه كلامه الى أحد أو كان يتكلم مع من لا يفهم كالطفل او البهيمة فهل يبطل صومه أيضاً ؟
فيه خلاف / ذهب بعض الفقهاء الى عدم البطلان مطلقاً كالسيد اليزدي والسيد محسن الحكيم ، وفصل السيد الصدر في منهجه بين صورتين وحاصل التفصيل : أنه إذا أحرز عدم سماع من يفهم فالأظهر الصحة أما إذا أحرز وجوده أو شك فيه فالاحوط وجوباً أنه مبطل ، والرأي المعروف هو الاحتياط الوجوبي بالبطلان مطلقاً في كلا الصورتين وهو رأي السيد الماتن والسيد الخوئي وغيرهما .
الحوزويه الصغيره
31-07-2012, 04:46 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
شيخنا الفاضل
لقد استفدنا كثيرا من هذه الدروس , أثابك الله على التوضيح الرائع
و بوركت يمناك وجزاك الله عنا كل خير لماقدمته وتقدمه ..
لدي استفسار صغير بخصوص ثبوت الهلال ,
ذكر السيد إن من طرق ثبوت الهلال شهادة العدلين وحكم الحاكم الشرعي بناءاً على القول به ونحوهما من الطرق الشرعية , إلا أن السؤال هو ..
بأي وجه يعتمد الناس في ثبوت الهلال على شخص واحد ثبت عنده الهلال بشهادة عدلين كالسيد السيستاني مثلاً أو غيره , لأنه خبر واحد وليس طريق شرعي ؟
دمت ودام عطائك
مولى أبي تراب
31-07-2012, 10:59 AM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد
وبارك الله بكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة
أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صيامنا وقيامنا ويغفر لنا
شكراً لتثبيت الموضوع إن شاء الله يكون مستحقاً لذلك
أما ما سألتم عنه فجوابه أن خبر الواحد وشهادته ليست حجة فيما إذا شهد بالرؤية لا ما إذا شهد على البينة
فإذا شهد العدل الواحد على الرؤية لم تكن شهادته حجة ، أما إذا شهد على قيام البينة فشهادته حجة ويجوز بل يجب التعويل عليها
وإطلاق دليل حجية البينة وثبوت الهلال بها يقتضي حجيتها على المكلف مطلقاً سواء قامت عنده او عند غيره
فمتى ما حصل العلم او الاطمئنان بقيام البينة على الرؤية وجب العمل على طبقها ولو كان هذا العلم والاطمئنان بقيامها مستنداً الى شهادة العدل الواحد
لذا تقدم في المسألة (1043) عدم اختصاص حجية البينة بالقيام عند الحاكم وأن كل من علم بشهادتها وجب عليه التعويل عليها
فيجب أن نفرق بين أن يشهد العدل الواحد برؤية الهلال بنفسه وبين أن يخبر بقيام البينة ورؤية عدلين للهلال
فيجب التعويل على الثاني دون الأول
أسأل الله تعالى أن يوفقكم ويحرسكم بحراسته
موسوي البحراني
31-07-2012, 06:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد
بارك الله فيكم اخي الفاضل على هذه الدروس النافعه والرافعة للحيرة عند الإبتلاء بها في هذا الشهر الفضيل ولاسيما جاءت مختصرة في معناها وجلية في فهمها حسنة في تبويبها .
وقد افدتم وأجاد قلمكم في الجواب على سؤال اختنا الفاضلة الحوزوية في الاعتماد على الخبر العدل الواحد في إثبات الهلال وهذا الذي جاء في جوابكم وهو يجوز بل يجب التعويل على خبر العدل اذا قامت عنده البينه ليس محل اتفاق بين أصحابنا الإمامية بل يوجد فيه خلاف لانه يرجع الى الخلاف في ان الاصل في الموضوعات هل هو خبر الواحد العدل الا ما خرج بالدليل كالبينة او ان الاصل فيها هي البينة الا ما خرج بالدليل كأذآن المؤذن فإن كان الاصل فيها هو النحو الاول كما يذهب اليه المشهور من أصحابنا فيكون لكلامكم في مقام الجواب على السؤال المذكور وجه وجيه وإن كان الاصل فيها هو النحو الثاني فيكون جوابكم مختلفا وذلك لان الاخبار عن قيام البينة على ثبوت الهلال يكون من قبيل الاخبار عن الموضوعات لا الأحكام فلو افترضنا ان الاصل فيها اي في الموضوعات كما نحن فيه وهو قيام البينة على ذلك هو من قبيل النحو الثاني وهو قيام البينة الا ما خرج بالدليل فلا يكفي فيه اخبار العدل الواحد كا السيد السيستاني مثلا في قيام البينة على ثبوت الهلال حجة بل يكون من قبيل قيام شهادة على شهادة وعليه فانه يحتاج اليه ضم شهادات اخرى حتى تصدق عليه بينتة .*
وهذا ما حضرني من بيانه في هذا المقام فارجو الاعتذار عن هذا التطفل الذي لعله في غير محله .
أخوكم موسوي البحراني*
مولى أبي تراب
01-08-2012, 04:11 PM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد
********
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أحسنتم وأجدتم مولانا البحراني لقد أفدتم فيما عقبّتم والأمر كما ذكرتم من أن حجية خبر العدل الواحد في الموضوعات محل خلاف ، الا أن المشهور على ما يظهر من كلمات غير واحد من الفقهاء هو القول بعدم الحجية لا العكس ، قال السيد السبزواري رحمه الله في مهذبه ( نسب إلى المشهور عدم اعتباره في الموضوعات إلا ما خرج بالدليل ، لأصالة عدم الحجية والاعتبار . وعن بعض اعتباره فيها كاعتباره في الأحكام إلا ما خرج بالدليل ، لأنّه من موجبات حصول العلم العادي والاطمئنان لدى الأنام ، ولأنّه إذا اعتبر في الأحكام يعتبر في الموضوعات بلا كلام ، ولورود النص على اعتباره في موارد متفرقة يبعد الاختصاص بها ويقرب كونها من باب المثال ، كالاعتماد على أذان الثقة ، وعزل الوكيل بوصول خبر العزل به ، وثبوت الوصية به وغير ذلك من الموارد الكثيرة ) مهذب الأحكام 1 / 237 ، وفي معرض تعداده ما تثبت به النجاسة قال السيد الروحاني : ( الثالث : خبر العدل الواحد بل الثقة كما نسب إلى جملة من المحققين وعن المشهور : عدم ثبوت النجاسة به ) فقه الصادق 1 / 93
نعم ربما القول بالحجية صار هو المتعارف بين الفقهاء المعاصرين قال السيد الخوئي رحمه الله : ( الأقوى حجية خبر العدل الواحد في الموضوعات كالأحكام فإن عمدة المستند في الحجية هي السيرة العملية المؤكدة بالآيات والروايات ، وهي كما قامت على العمل بخبر العادل في الأحكام قامت على العمل به في الموضوعات بلا فرق بينهما ، وهي ممضاة لدى الشرع بعدم الردع إلا في موارد خاصة اعتبر فيها العدد كما في الترافع بل ربما اعتبر الأربع كما في الشهادة على الزنا ) شرح العروة الوثقى / كتاب الصلاة ج 5ق2 ص 439
بل تعدّى بعض الفقهاء الى خبر الثقة أيضاً ، قال الشيخ الفياض تعقيباً على استشكال صاحب العروة في حجية خبر العدل وإيجابه الاحتياط في الصوم لو أخبر بالطلوع او الغروب ( بل لا إشكال في حجيته بل حجية قول الثقة الواحد كما مر وعليه فإذا أخبر ثقة بطلوع الفجر أو الغروب ثبت ، ولا مجال حينئذ للاستصحاب ، نعم لو لم يكن أخبار الثقة بالطلوع أو الغروب حجة لكان مقتضى الاستصحاب في الأول جواز الأكل والشرب وفي الثاني عدم جوازهما ) تعاليق مبسوطة 5 / 149
وعلى أي حال فلما كان سؤال المصونة الحوزوية الصغيرة عن وجه اعتماد خبر العدل الواحد في قيام البينة على ثبوت الهلال وليس عن أصل حجية خبر العدل الواحد لم أشر الى هذا الخلاف
بارك الله بكم أستاذنا الفاضل وشَكَرَ لكم هذه الإضافة المباركة والتنويه الموفق
هذا تفضل لا تطفل فلا تحرمونا فيض عطائكم وعلمكم
كما أشكر جنابكم على الإشادة بهذه الدروس فهي شهادة توجب لي الفخر كيف لا وأنتم منشؤها
وفقكم الله تعالى
مولى أبي تراب
01-08-2012, 04:17 PM
الخامس : رمس تمام الرأس في الماء على المشهور ، ولكن الأظهر أنه لا يضر بصحة الصوم بل هو مكروه كراهة شديدة ، ولا فرق في ذلك بين الدفعة والتدريج ، ولا بأس برمس أجزاء الرأس على التعاقب وإن استغرقه ، وكذا إذا ارتمس وقد أدخل رأسه في زجاجة ونحوها كما يصنعه الغواصون .
-----------------------------
الخامس من المفطرات الارتماس وهو جعل تمام الرأس تحت الماء
فالارتماس لغةً هو الانغماس ، من الرمس الذي هو بمعنى الستر والتغطية والكتمان ، وتفصيل الكلام في نقاط :
1. اختلف الفقهاء في مفطرية الارتماس والأقوال فيه ثلاثة :
القول الأول / حرمة الارتماس تكليفاً ووضعاً ، والحرمة التكليفية هي الإثم والحرمة الوضعية هي بطلان الصوم ، فمن ارتمس بغمس تمام رأسه في الماء أثم وبطل صومه فعليه القضاء والكفارة والإثم ، وهذا الرأي هو المشهور بين الفقهاء .
القول الثاني / حرمة الارتماس تكليفاً لا وضعاً ، فالصائم إذا ارتمس بغمس تمام رأسه في الماء أثم لكن لا يبطل صومه بل هو صحيح فعليه الإثم دون القضاء والكفارة ، وهذا الرأي للشيخ الطوسي والمحقق الحلي والعلامة الحلي والشهيد الثاني زين الدين العاملي وغيرهم
القول الثالث / عدم الحرمة لا تكليفاً ولا وضعاً ، فالصائم إذا ارتمس بغمس تمام رأسه في الماء فصومه صحيح ولا إثم عليه ولا قضاء ولا كفارة ، نعم يكره له ذلك .
والذي يهمنا من هذه الآراء الثلاثة هما الأول والثالث ، فإنهما مذهب علمائنا ومراجعنا المعاصرين
فقد أفتى السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ الخراساني بمفطرية الارتماس واحتاط بها وجوباً الشيخ الفياض وغيره ، فمن ارتمس بغمس رأسه في الماء بطل صومه وعليه القضاء والكفارة وعلى هذا الرأي أغلب الفقهاء
بالمقابل ذهب الى عدم المفطرية السيد الماتن - السيستاني - والسيد محمد صادق الروحاني والسيد محمد سعيد الحكيم ، فمن ارتمس بغمس رأسه في الماء لم بطل صومه وليس عليه قضاء ولا كفارة لعدم مفطرية الارتماس
ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات وما أدّى اليه نظر كل واحد من الفقهاء فيها ، نعم أفتى الماتن بالكراهة الشديدة .
تنبيه / القول بالمفطرية ليس ناشئاً من كون الارتماس يؤدي الى دخول الماء الى الجوف فإنه في هذه الحالة لا خلاف في المفطرية ليس للارتماس بل لدخول الماء الى الجوف ، بل محل الخلاف في مفطرية نفس الارتماس من دون أن يؤدي الى دخول الماء من منافذ الرأس ، فمن غمس تمام رأسه من دون أن يدخل الماء الى جوفه فهل يبطل صومه ؟ فيه الخلاف المتقدم ، أما مع دخول الماء فلا خلاف في المفطرية .
2. قلنا المقصود من الارتماس غمس تمام الرأس في الماء ولا فرق حينئذٍ بين أن يكون الغمس دفعةً بأن يدخل رأسه تحت الماء دفعة واحدة ومباشرة ، وبين أن يكون تدريجياً بأن يدخل رأسه شيئاً فشيئاً وليس دفعة واحدة ، فعلى كلا التقديرين يتحقق الارتماس لأنه بالنتيجة غمس تمام رأسه بالماء ، فعلى القول بالمفطرية فلا فرق فيها بين الارتماس الدفعي او التدريجي فكل منهما مبطل للصوم ، وإن قلنا بالكراهة فهي ثابتة في كلا النحوين أيضاً ، فعلى رأي السيد الماتن الارتماس غير مفطر بل مكروه سواء كان دفعياً او تدريجياً .
3. قلنا المقصود من الارتماس غمس تمام الرأس في الماء فلو غمس بعض رأسه في الماء كالشعر فقط فلا خلاف في عدم المفطرية ، وعليه لو غمس رأسه على التعاقب بأن أدخل نصفه مثلاً ثم أخرجه ثم أدخل النصف الآخر ليس عليه شيء بالاتفاق لعد صدق غمس تمام الرأس الذي هو محل الخلاف في المفطرية على إدخال كل واحد من النصفين ، وفرق هذا عن الغمس التدريجي أنه في الغمس التدريجي يدخل نصف رأسه مثلاً ثم وقبل أن يخرجه يدخل النصف الآخر معه فيستوي تمام الرأس تحت الماء ، لا أن يخرج النصف الأول قبل إدخال الثاني ، وقوله : ( وإن استغرقه ) أي وإن استغرق الرمس والغمس تمام الرأس ، فما دام على التعاقب بأن يخرج جزءاً ثم يدخل الآخر فلا خلاف في عدم المفطرية .
4. محل الخلاف في مفطرية الارتماس ما لو أدخل تمام الرأس من دون حاجب ومانع بين الرأس والماء أما مع وجود الحاجب الذي يحجب وصول الماء الى الرأس كالذي يلبسه الغواصون او وضع رأسه في إناء ثم غمسه فلا خلاف في عدم المفطرية ، نعم إذا صدق الارتماس حتى مع وجود الحاجب كما لو وضع رأسه في كيس نايلون شمله الخلاف ، والاعتبار ليس بوصول الماء الى البشرة او عدم وصوله بل بصدق الارتماس عرفاً او عدم صدقه ، فمتى ما صدق الارتماس ولو مع الحاجب عن وصول الماء الى البشرة بطل الصوم على القول بالمفطرية .
5. محل الخلاف في مفطرية الارتماس ما لو تعمد الارتماس وإدخال تمام الرأس تحت الماء ، أما لو تحقق الارتماس لا عن عمد فلا خلاف في عدم المفطرية كما إذا سقط الصائم في الماء بغير اختياره بأن دفعه شخص آخر ووصل الماء إلى تمام رأسه أو رمس رأسه في الماء ناسياً انه صائم لم يبطل صومه لكن عليه أن يخرج رأسه من الماء فوراً ، فلو تأخر بطل صومه إذا كان مقلداً لمن يقول بمفطرية الارتماس ، ويأتي التنبيه الى ذلك في مبحث ( تتميم ) .
6. محل الخلاف في مفطرية الارتماس ما لو أدخل تمام الرأس سواء أدخل معه الجسد أو لا ، أما لو أدخل كامل جسده الا رأسه بل ولو الا بعض رأسه فلا خلاف في عدم المفطرية .
مولى أبي تراب
01-08-2012, 04:18 PM
مسألة 983 : في إلحاق المضاف بالماء إشكال ، والأظهر عدم الالحاق .
-----------------------
قلنا الارتماس هو غمس تمام الرأس بالماء ، لكن ما المقصود من الماء ؟ هل مطلق الماء سواء كان مطلقاً أو مضافاً أو خصوص الماء المطلق ؟
توضيح ذلك أن الماء على قسمين :
1. الماء المطلق / وهو الماء الاعتيادي المتعارف من دون إضافة شيء اليه .
2. الماء المضاف / وهو كل سائل لم يكن من الماء العادي كالعصائر مثلاً فتسمى في الفقه ماء مضافاً ، لأنها عبارة عن ماء اعتيادي مع إضافة شيء آخر .
فالسؤال / هل المقصود بالماء هنا مطلق السوائل أم خصوص الماء الاعتيادي المتعارف ؟
الجواب / القدر المتيقن من الارتماس هنا ما لو غمس رأسه بالماء الاعتيادي فقيل بالمفطرية وقيل بالكراهة ، أما لو شمول الحكم – سواء المفطرية او الكراهة – لمطلق السوائل ففيه إشكال وخلاف ، والحاصل يوجد رأيان :
الرأي الأول / الأحوط وجوباً إلحاق بقية المائعات بالماء في حكم الارتماس ذهب الى ذلك جملة من الفقهاء كالشيخ الفياض ، وعليه فلا فرق في المفطرية بين أن يغمس رأسه بالماء او بغيره من المائعات .
الرأي الثاني / عدم الإلحاق واختصاص الحكم بالماء المطلق وهو رأي السيد الخوئي والسيد الصدر والسيد الماتن والسيد الروحاني ، وكذلك الشيخ الخراساني لكن استثنى الجلاب وهو ماء الورد فاحتاط وجوباً فيه بالإلحاق
وعلى هذا الرأي فالمفطرية او الكراهة لا تشمل ما إذا غمس رأسه بغير الماء فلا يبطل صومه وليس فيه كراهة .
مسألة 984 : الأحوط للصائم في شهر رمضان وفي غيره عدم الاغتسال برمس الرأس في الماء وإن كان الأظهر جواز ذلك .
-----------------------------
نعلم أن الاغتسال من الجنابة وغيرها له طريقتان : الغسل الترتيبي والغسل الارتماسي ، ولا إشكال في مشروعية الغسل الترتيبي في نهار الصوم وعدم بطلان الصوم به ، وإنما الكلام في الغسل الارتماسي فإذا استيقظ الصائم في نهار الصوم مجنباً هل يسوغ له الاغتسال بالارتماس ؟ وإذا فعل ما حكم صومه وما حكم اغتساله هل يصحان او يبطلان ؟
فالأسئلة ثلاثة : 1. هل يجوز الاغتسال بالارتماس في نهار الصوم ؟ 2. وإذا ارتمس فما حكم صومه ؟ 3. وما حكم اغتساله ؟
الجواب / بناء على عدم مفطرية الارتماس وأنه مكروه فقط كما هو رأي السيد الماتن فيجوز له الاغتسال بالارتماس وصومه وغسله صحيحان والأحوط استحباباً عدم الاغتسال بالارتماس .
أما بناء على مفطرية الارتماس فلا يسوغ له الاغتسال ارتماساً لأنه من الارتماس المفطر ، وإذا فعل واغتسل بالارتماس ففي المسألة صور في بعضها خلاف قال السيد الخوئي ( إذا ارتمس الصائم عمدا ناويا للاغتسال ، فإن كان ناسيا لصومه صح صومه ، وغسله ، وأما إذا كان ذاكرا فإن كان في شهر رمضان بطل غسله وصومه وكذلك الحكم في قضاء شهر رمضان بعد الزوال على الأحوط ، وأما في الواجب المعين غير شهر رمضان فيبطل صومه بنية الارتماس والظاهر صحة غسله إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، وأما في غير ذلك من الصوم الواجب أو المستحب فلا ينبغي الاشكال في صحة غسله وإن بطل صومه ) منهاج الصالحين ج1 مسألة 984 ، وقريب منه رأي باقي الفقهاء القائلين بمفطرية الارتماس مع اختلافات بسيطة في حكم غير صوم رمضان .
مولى أبي تراب
02-08-2012, 10:50 PM
السادس : تعمد ادخال الغبار أو الدخان الغليظين في الحلق على الأحوط وجوبا ، ولا بأس بغير الغليظ منهما ، وكذا بما يتعسر التحرز عنه عادة كالغبار المتصاعد بإثارة الهواء .
-------------------------
المفطر السادس إدخال الغبار والدخان في الحلق ، وتوضيح الكلام في أمور ثلاثة :
الأمر الأول / في مفطرية الغبار الغليظ
والقول بمفطريته هو المعروف فتوى او احتياطاً وجوبياً ، ويقصد من الغبار الغليظ ما له أجزاء صلبة ظاهرة للعيان على شكل حبيبات ونحوها وان صغرت كغبار التراب والطحين ونشارة الخشب ، فمن تعمد ابتلاعها فسد صومه ، ومحل الكلام ما إذا لم يبلغ الغبار من الغلظة حداً يصدق عليه أكل التراب أو الطحين وإلا فهو مفطر بلا إشكال لصدق الأكل عليه .
الأمر الثاني / في مفطرية الغبار غير الغليظ
ألحق السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ وحيد الخراساني الغبار غير الغليظ بالغليظ على الأحوط وجوباً ، خلافاً لغيرهم من الفقهاء كالسيد الماتن وغيره فذهبوا الى عدم مفطرية غير الغليظ ، وهو ما لا يشتمل على أجزاء ظاهرة للعيان .
الأمر الثالث / في لحوق الدخان بالغبار في المفطرية
والقول بإلحاقه بالغبار في المفطرية على الأحوط وجوباً هو المعروف خلافاً للسيد الصدر فجعل الإلحاق أحوط استحباباً .
إذا عرفت ذلك فههنا أمور :
1. تختص المفطرية بتعمد الابتلاع دون النسيان أو الغفلة أو القهر أو تعسر التحرز أو تخيل عدم الوصول ، الا اذا أصبح في فمه طيناً مثلاً فابتلعه متعمداً .
2. لا فرق بين ما إذا كان إيصاله إلى الحلق عن طريق الفم أم عن طريق الأنف ، أما إذا دخل الغبار إلى الأنف أو الفم ولم يبتلعه فصومه صحيح .
3. لا فرق بين كونه غباراً يحل ابتلاعه كدقيق الحنطة ونحوه ، أو كان يحرم ابتلاعه كالتراب ونحوه .
4. لا فرق في المفطرية سواء أثاره هو بنفسه بكنس ونحوه أو أثاره غيره ، بل كذا الغبار الذي تثيره الريح ويقدر على التحفظ ولا يتحفظ منه فيصل إلى الحلق .
مولى أبي تراب
02-08-2012, 10:52 PM
السابع : تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر ، والأظهر اختصاص ذلك بشهر رمضان وقضائه ، أما غيرهما من الصوم الواجب أو المندوب فلا يقدح فيه ذلك .
-------------------------
من المفطرات تعمد البقاء على الجنابة الحاصلة بالجماع أو إنزال المني أو الاحتلام وعدم الاغتسال حتى يطلع الفجر الصادق ، ولا خلاف في أصل المفطرية وفساد صوم من بقي على الجنابة متعمداً إجمالاً ، ولكن الخلاف وقع في شمول هذه المفطرية لكل أنواع الصوم او اختصاصها ببعض الأنواع ، والمتفق عليه بطلان صوم شهر رمضان بتعمد البقاء على الجنابة ، ووقع الخلاف فيما عداه من الصوم الواجب والصوم المندوب ، والمعروف بين أغلب فقهائنا اليوم هو بطلان صوم رمضان وقضائه بتعمد البقاء على الجنابة وعدم بطلان المندوب بذلك ، أما الصوم الواجب غير رمضان وقضائه كصوم الكفارة والنذر فالمعروف عدم البطلان فيه خلافاً للسيد محمد سعيد الحكيم الذي حكم بالبطلان فيه أيضاً ، واستشكل فيه السيد الصدر .
**********
مسألة 985 : الأقوى عدم البطلان بالاصباح جنبا لا عن عمد في صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب حتى قضاء رمضان وإن تضيق وقته على الأظهر ، وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط فيه .
-----------------------
كان الكلام في من أجنب قبل الفجر والتفت الى ذلك ولم يغتسل حتى طلع الفجر فمع التعمد يبطل صومه في خصوص صوم رمضان وقضائه ، والكلام في هذه المسألة في حكم من طلع عليه الفجر مجنباً من غير تعمد كالجاهل بالجنابة وكمن نام ليلاً بعد الجنابة ناوياً للغسل واثقاً من الاستيقاظ قبل الفجر وكمن نام طاهراً فاستيقظ صباحاً مجنباً بالاحتلام فهل يضر هذا بصومه ؟
لا خلاف في عدم بطلان الصوم بذلك بجميع أنواعه سواء صوم رمضان او غيره من الصوم الواجب والمندوب الا قضاء شهر رمضان فقد اختلف فيه الفقهاء والمعروف بطلانه بذلك فمن طلع عليه الفجر في صوم القضاء وهو مجنب بطل صوم ذلك اليوم وإن لم يكن عامداً حتى القضاء المضيق وعلى هذا أغلب الفقهاء كالسيد الخوئي والسيد الروحاني والشيخ الفياض والشيخ وحيد الخراساني ، وخالف في ذلك السيد الماتن والسيد الصدر فحكما بصحة القضاء أيضاً كباقي الأنواع الا على نحو الاحتياط الاستحبابي لذا قال الماتن : ( وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط فيه ) وهو احتياط استحبابي .
والمقصود من تضيّق وقت القضاء أنه لو أفطر لما بقيت عنده فرصة أخرى للقضاء كمن عليه قضاء يوم من رمضان السابق ولم يقضه حتى آخر يوم من شعبان قبل رمضان التالي .
ثم إن إطلاق المسألة يشمل ناسي الجنابة حتى طلع عليه الفجر فإنه غير عامد ، لكن سيأتي في المسألة (988) أن حكم الناسي حكم العامد فالناسي غير مشمول بحكم هذه المسألة وإن لم يكن عامداً .
خلاصة المسألة وما قبلها /
إذا أجنب ليلاً ولم يغتسل حتى طلع الفجر فإن كان متعمداً بطل صوم رمضان وقضائه بلا خلاف ولم يبطل الصوم المندوب بلا خلاف ولم تبطل باقي أنواع الصوم الواجب غير رمضان وقضائه عند أكثر الفقهاء .
وإن لم يكن متعمداً - في غير الناسي - لم يبطل الصوم بجميع أنواعه بلا خلاف الا قضاء صوم رمضان فالأكثر على بطلانه خلافاً للسيد السيستاني والسيد الصدر فحكما بالبطلان أيضاً .
بناء على ما تقدم من أصبح مجنباً بالاحتلام في شهر رمضان فصومه صحيح ، أما في قضاء شهر رمضان فالمعروف البطلان خلافاً للسيد السيستاني والسيد الصدر .
مولى أبي تراب
02-08-2012, 10:54 PM
مسألة 986 : لا يبطل الصوم واجبا أو مندوبا ، معينا أو غيره بالاحتلام في أثناء النهار ، كما لا يبطل بالبقاء على حدث مس الميت عمدا حتى يطلع الفجر .
-------------------------
ذكر الماتن في هذه المسألة حكمين ، وكلاهما محل اتفاق ولا خلاف فيهما :
الحكم الأول / من احتلم أثناء نهار الصوم بأن أجنب أثناء نومه في نهار الصوم فصومه صحيح أياً كان نوع الصوم سواء كان صوم رمضان او قضائه او غيرهما من الصوم الواجب او الصوم المندوب لأن المبطل للصوم هو تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر والمحتلم أثناء النهار أولاً ليس متعمداً وثانياً جنابته حدثت بعد الفجر وقد طلع عليه الفجر طاهراً غير مجنب
وإذا احتلم في نهار الصوم فلا تجب عليه المبادرة الى الاغتسال فصومه صحيح وإن بقي من دون اغتسال الى آخر النهار وإن كان يحتاج الى الاغتسال من أجل الصلاة ولكن صحة الصوم لا تتوقف على ذلك ولا يضرها البقاء مجنباً وسيأتي في المسألة (995) إن شاء الله .
الحكم الثاني / لا يضر في صحة الصوم تعمد البقاء على حدث مس الميت حتى يطلع الفجر وإن كان يحتاج الى الاغتسال كالجنابة لكن لا يعني ذلك اتحادهما حكماً بعد اختصاص دليل البطلان وهي الروايات بتعمد البقاء على الجنابة ، فمن مس ميتاً ليلاً بعد بُرده ولم يغتسل حتى طلع الفجر فصومه صحيح ، وكذا من مس ميتاً في نهار الصوم فصومه صحيح ولا يضر ذلك به وإن كان متعمداً أياً كان نوع الصوم ، ولا خلاف في ذلك .
*******
مسألة 987 : إذا أجنب عمدا ليلا في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم ملتفتا إلى ذلك فهو من تعمد البقاء على الجنابة ، نعم إذا تمكن من التيمم وجب عليه التيمم والصوم ، والأحوط استحبابا قضاؤه ، وإن ترك التيمم وجب عليه القضاء والكفارة .
---------------------
قلنا من المفطرات لصوم رمضان وقضائه تعمد البقاء على الجنابة فمن كان مجنباً وأراد صوم يوم غد بنية رمضان أو قضائه فعليه الاغتسال من جنابته حتى يصح صومه ، فإن كان الوقت لا يسع الغسل والفجر قد تضيّق وجب عليه التيمم ويصح صومه ، لأنه بالتييم قد تطهّر ورفع الجنابة فلا يصدق عليه أنه مجنب عند طلوع الفجر حتى يبطل صومه ، لكن هذا التيمم فقط لتصحيح الصوم وعليه الاغتسال لأجل الصلاة ويأتي إن شاء الله تعالى تفصيل أكثر في المسألة (989)
وإذا علم أن الوقت لا يسع الغسل ولا التيمم ومع ذلك أجنب نفسه بالجماع او غيره فهو ممن تعمد البقاء على الجنابة ، أما إذا كان يتصور سعة الوقت فأجنب ثم بان ضيقه فلم يدرك الاغتسال ولا التيمم فطلع عليه الفجر مجنباً فليس عليه شيء وصومه صحيح كما سيأتي في المسألة (990) إن شاء الله تعالى
ثم إنه إذا لم يسع الوقت للاغتسال لكنه كان يسع التيمم فلم يتيمم فهو ممن تعمد البقاء على الجنابة أيضاً ، وفي كلا الصورتين أي ما إذا أجنب عالماً بأن الوقت لا يسع للغسل ولا التيمم وما إذا كان يسع التيمم ولم يتييم عمداً يجب عليه القضاء والكفارة في صوم رمضان ، وإن كان الصوم قضاءً بطل وعوّضه بيوم آخر
قوله : ( والأحوط استحبابا قضاؤه ) إشارة الى رأي بعض الفقهاء كالعلامة وصاحب المدارك حيث ذهبا الى عدم بدلية التيمم عن الغسل هنا في الصوم فمن لم يسع وقته للغسل بطل صومه ولا يكفي في صحته التيمم ، ولكن هذا الرأي خلاف المعروف من إطلاق بدلية التيمم للغسل حتى في الصوم ، مع ذلك احتاط الماتن استحباباً لأجل هذا الرأي تفصياً من الخلاف في المسألة .
الحوزويه الصغيره
03-08-2012, 06:32 AM
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
استاذي / مولى أبي تراب و موسوي البحراني ..
أحسنتما جزاكما الله خيرا على التعليق و الإفادة بما لديكما .
وإن لم يكن متعمداً - في غير الناسي - لم يبطل الصوم بجميع أنواعه بلا خلاف الا قضاء صوم رمضان فالأكثر على بطلانه خلافاً للسيد السيستاني والسيد الصدر فحكما بالبطلان أيضاً .
معذرة شيخنا , قصدك السيد السيستاني والسيد الصدر حكما بعدم البطلان أي بصحة القضاء كما ذكرت في بداية المشاركة ..
مولى أبي تراب
03-08-2012, 11:39 AM
معذرة شيخنا , قصدك السيد السيستاني والسيد الصدر حكما بعدم البطلان أي بصحة القضاء كما ذكرت في بداية المشاركة ..
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
---------------
أحسنتم جزاكم الله خيراً للتنبيه ، نعم الأمر كما ذكرتم والعبارة المقصودة
فحكما بعدم البطلان أيضاً
أشكر الله أن منّ عليّ بقارئة ذي فطنة تتصيّد عثراتي وتكون سبباً لتصحيحها
جزيتم الخير كله أيتها الفاضلة وعذراً لهذا السهو
وفقكم الله تعالى وزاد في نباهتكم
مولى أبي تراب
04-08-2012, 12:42 PM
مسألة 988 : إذا نسي غسل الجنابة ليلا حتى مضى يوم أو أيام من شهر رمضان وجب عليه القضاء ، دون غيره من الواجب المعين وغيره ، وإن كان أحوط استحبابا ، والأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس إذا نسيته المرأة بالجنابة ، وإن كان الالحاق أحوط استحبابا .
--------------------------
تقدم حكم العامد في البقاء على الجنابة وأنه يبطل صومه في رمضان وقضائه دون غيرهما على القول المعروف ، كما تقدم حكم غير العامد وأنه يصح صومه ما عدا القضاء على القول المعروف وعلى رأي الماتن والسيد الصدر فصومه صحيح حتى القضاء ، وقلنا غير العامد وإن كان يشمل الناسي لكن ما تقدم من حكم غير العامد في المسألة (985) لا يشمل الناسي وأن حكمه حكم العامد على خلاف ، وتوضيح الكلام في أمرين :
الأمر الأول / في حكم الناسي ، وأنه ملحق بالعامد أو بغير العامد ؟ فمن نسي غسل الجنابة حتى طلع عليه الفجر فهل حكمه حكم من تعمد البقاء على الجنابة فيبطل صومه ؟ أم أن حكمه حكم غير العامد فيصح صومه ؟
الجواب / المعروف بين فقهائنا أن حكمه حكم العامد فيبطل صومه بنسيان غسل الجنابة حتى أنه لو نسي الجنابة أياماً بل الشهر كله وجب قضاء الجميع وهو رأي السيد الماتن والسيد الخوئي وغيرهما ، وخالف في ذلك السيد محمد الصدر فذهب الى أن حكم الناسي حكم غير العامد فمن نسي غسل الجنابة صح صومه وقد وافق في ذلك بعض الفقهاء المتقدمين كالمحقق في الشرائع .
الأمر الثاني / بناء على القول المعروف بمفطرية البقاء على الجنابة نسياناً فهل يختص ذلك بصوم شهر رمضان أم يشمل القضاء أيضاً ؟
الجواب / خلاف ، ذهب السيد الماتن والسيد الخوئي والشيخ الفياض وغيرهم الى اختصاص مفطرية نسيان الجنابة بشهر رمضان دون غيره ، واحتاط الشيخ وحيد الخراساني وغيره وجوباً بشمول المفطرية للقضاء أيضاً .
ولأجل الخلاف في المسألة ذكر السيد الماتن أن الأحوط استحباباً إلحاق غير شهر رمضان به في مفطرية نسيان الجنابة ، وإن كان الصحيح اختصاص الحكم بصوم شهر رمضان وعدم بطلان ما عداه بنسيان الجنابة .
قوله : ( والأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس إذا نسيته المرأة بالجنابة ، وإن كان الالحاق أحوط استحبابا )
سيأتي إن شاء الله في المسألة (991) أن تعمّد البقاء على الحيض والنفاس مبطل للصوم كتعمد البقاء على الجنابة فإذا طهرت المرأة ليلاً من الحيض او النفاس وجب عليها الاغتسال قبل الفجر والا بطل صومها هذا في حال العمد ، وتعرض هنا الى حكم ما لو نسيت الغسل حتى طلع عليها الفجر فهل حكمها حكم من نسي الجنابة فيبطل به صوم شهر رمضان ؟
قال الأقوى عدم الإلحاق فنسيان غسل الحيض والنفاس لا يبطل معه الصوم كما هو الحال في نسيان غسل الجنابة ، وقوله الأقوى فيه إشارة الى وجود المخالف في المسألة لذا احتاط استحباباً بالإلحاق تخلصاً من المخالفة ، والمخالف هو صاحب الجواهر حيث ألحق الحيض والنفاس بالجنابة في مفطّرية نسيان غسلهما لصوم شهر رمضان ، غير أن الحكم بعدم الإلحاق هو المشهور وعليه اتفاق الفقهاء المعاصرين .
خلاصة هذه المسألة /
أن من نسي غسل الجنابة فصومه في رمضان باطل كمن تعمد البقاء عليها دون غيره من أنواع الصوم الأخرى واحتاط بعض الفقهاء في بطلان القضاء أيضاً ، وليس هكذا نسيان غسل الحيض او النفاس فصومها صحيح ولو كان صوم رمضان .
مولى أبي تراب
04-08-2012, 12:45 PM
مسألة 989 : إذا كان المجنب لا يتمكن من الغسل لمرض ونحوه وجب عليه التيمم قبل الفجر ، فإن تركه بطل صومه ، وإن تيمم لم يجب عليه أن يبقى مستيقظا إلى أن يطلع الفجر ، وإن كان ذلك أحوط .
-----------------------------
لمّا كان البقاء على الجنابة عمداً مضراً بصوم رمضان وقضائه ، فلا بد من رفع حدث الجنابة والكون على الطهارة قبل طلوع الفجر مقدمة لصحة صومهما ، ولمّا كانت الجنابة من الحدث الأكبر فلا بد في رفعها من الغسل ترتيبياً أو ارتماسياً ، ولكن ماذا لو لم يتمكن من الغسل ، سواء لمرض أو لعدم وجدان الماء ونحو ذلك ؟
والمقصود في هذه المسألة أنه إذا عجز عن الغسل لعذر كالمرض فهل ينتقل الى التييم ؟ وهذه حالة أخرى غير ما تقدم في المسألة (987) من وجوب التيمم إذا أجنب في وقت لا يسع الغسل فهناك كان الحديث عن بدلية التيمم عن الغسل إذا عجز عنه اختياراً بإجناب نفسه في ضيق الوقت ، أما هنا فالحديث عن البدلية إن كان العجز عن الغسل ليس اختيارياً فقول الماتن ( لمرض ونحوه ) أي لم يتمكن من الغسل لعارض خارجي من مرض أو فقد الماء وليس بتعجيز نفسه بالإجناب في ضيق الوقت كما في تلك المسألة
والجواب / ذهب بعض الفقهاء الى أنه معذور حينئذٍ ويصح صومه وإن لم يغتسل ولا يجب عليه التيمم للشك في بدلية التيمم للغسل هنا في الصوم وإنما البدلية ثابتة في الصلاة وهو رأي بعض المتقدمين وقال به السيد محمد سعيد الحكيم حيث حكم بصحة الصوم بدون التيمم وإن كان أحوط استحباباً ، بالمقابل فالرأي المشهور والمعروف هو شمول بدلية التيمم للغسل مطلقاً حتى في الصوم ولا اختصاص لها بالصلاة ونحوها وعليه فيجب على المجنب الذي لم يتمكن من الغسل أن يتيمم حتى يصح صومه فإن ترَك التيمم بطل صومه في رمضان وعليه القضاء والكفارة لأنه من تعمد البقاء على الجنابة كما تقدم في المسألة (987) ، وقد تقدم أن هذا التيمم لتصحيح الصوم فقط فإن تمكن بعد ذلك من الغسل لأجل الصلاة وجب الغسل ، لأن هذا التيمم إما مجرد مبيح للصوم فالمكلف معه مجنب يجوز له الصوم ولكن لا تجوز له الصلاة وإما أن يكون رافعاً للجنابة فهو رفع مؤقت الى حين طلوع الفجر ثم ترجع الجنابة بعد طلوع الفجر فيجب الاغتسال لأجل الصلاة أيضاً ، فعلى كلا القولين في التيمم من كونه رافعاً أو مبيحاً لا بد من الغسل للصلاة مع التمكن منه .
ثم إنه بناء على هذا القول المعروف من وجوب التيمم إذا تيمم فهل يجب عليه أن يبقى مستيقظاً الى حين طلوع الفجر أم يجوز له النوم بعد التيمم وقبل الفجر كما في الغسل ؟
المعروف عدم وجوب ذلك وإن كان أحوط استحباباً لذا قال الماتن ( وإن كان ذلك أحوط ) فهو احتياط استحبابي لأنه مسبوق بفتوى وهي قوله ( لم يجب عليه أن يبقى مستيقظا ) ، خلافاً للسيد الخوئي والشيخ وحيد الخراساني حيث احتاطا وجوباً في البقاء مستيقظاً الى أن يطلع الفجر
ومنشأ الخلاف الاختلاف في أن النوم هل ينقض التيمم بدل الغسل ويبطله أو لا فإن قلنا أنه ينقضه فهذا يعني طلوع الفجر والمكلف مجنب وإن قلنا أنه لا ينقضه فهو متطهر من حدث الجنابة بالتيمم وإن نام ، وكون النوم ناقضاً للتيمم او لا يبنى على كونه رافعاً للجنابة أو مجرد مبيح ومسوغ للصوم مع بقاء أصل الجنابة ، وعلى أساس الاختلاف في هذه المباني أختلف مختار الفقهاء هنا ، وبعبارة واضحة منشأ الخلاف أن التيمم بدل الوضوء ينتقض بكل ما ينتقض به الوضوء كالنوم والبول وهل كذلك التيمم بدل الغسل ؟ أم أنه لا ينتقض بنواقض الوضوء كالغسل نفسه ؟ من اختار جواز النوم وعدم وجوب البقاء مستيقظاً كالماتن يرى أن التيمم بدل الغسل كالغسل نفسه لا ينتقض بما ينتقض به الوضوء كالبول أو النوم أو الريح أو نحو ذلك ، فإذا تيمم الجنب بدلاً عن الغسل ثم بال أو نام ظل تيممه عن الجنابة نافذ المفعول .
مولى أبي تراب
04-08-2012, 12:49 PM
مسألة 990 : إذا ظن سعة الوقت فأجنب ، فبان ضيقه حتى عن التيمم فلا شئ عليه وإن كان الأحوط الأولى القضاء مع عدم المراعاة .
-------------------------
تقدمت الإشارة الى هذه المسألة عند شرح المسألة (987) وكان الحديث هناك عمن أجنب نفسه في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم فهو ممن تعمد البقاء على الجنابة فعليه القضاء والكفارة
وفي هذه المسألة الكلام عما إذا كان يظن سعة الوقت فأجنب ثم بان ضيقه فلم يدرك الاغتسال ولا التيمم فطلع عليه الفجر مجنباً
ولا خلاف في صحة صومه وليس عليه شيء إذا كان ذلك بعد الفحص ومراعاة الفجر بأن نظر وتفحص وسأل فظن سعة الوقت فأجنب ثم بان خطؤه فلا إشكال في صحة صومه وإن طلع عليه الفجر مجنباً لعدم تعمده ، والمفطرية مختصة بمن تعمد البقاء على الجنابة حتى طلع عليه الفجر لا كل من طلع عليه الفجر مجنباً
أما إذا كان ذلك قبل الفحص ومن دون مراعاة بل بمجرد ظنه سعة الوقت فأجنب من دون أن يتفحص عن الفجر ففي صحة صومه خلاف والمعروف بطلان صومه وعليه القضاء ، وخالف السيد الماتن والسيد محمد صادق الروحاني وظاهر السيد محمد سعيد الحكيم فحكموا بصحة الصوم مطلقاً
ومنشأ الخلاف احتمال صدق العامد على غير المتفحص بتركه الفحص ولذا احتاط وجوباً بالقضاء كثيرٌ من الفقهاء كالسيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ الخراساني وغيرهم
هذا كله إذا تبيّن أن الجنابة قبل الفجر ولكن ضاق وقته عن الغسل و التيمم ، أما إذا ظن ضيق الوقت فأجنب ثم بان أن الجنابة وقعت بعد الفجر لا قبله فحينئذٍ يجرى عليه حكم من استعمل المفطر بعد الفجر للظن بعدم طلوعه الذي يأتي التعرض له في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى في مسألة (1023) .
والحاصل /
إذا علم ضيق الوقت عن الغسل والتيمم مع ذلك أجنب نفسه فعليه القضاء والكفارة وإن علم أنه يسع للتيمم فقط لم يجز له إجناب نفسه ولو فعل أثم ولكن يجب عليه التيمم ويصح صومه وهذا كله تقدم في المسألة (987)
وإذا ظن سعة الوقت فأجنب فبان الخلاف فلم يتمكن من الغسل ولا التيمم فلا خلاف في صحة صومه مع الفحص ، أما بدونه فالمعروف عدم صحة صومه ووجوب القضاء على الأحوط وجوباً وخالف الماتن فجعل القضاء أحوط استحباباً وهذا حكم هذه المسألة
هذا إذا كان حصول الجنابة قبل الفجر ، أما إذا ظن السعة فأجنب من دون فحص ثم بان أن الجنابة قد حصلت بعد الفجر فعليه القضاء ولو كان مع الفحص صح صومه بلا خلاف وهذا الحكم سيأتي إن شاء الله في المسألة (1023) .
مولى أبي تراب
04-08-2012, 01:00 PM
مسألة 991 : حدث الحيض والنفاس كالجنابة في أن تعمد البقاء عليهما مبطل للصوم في رمضان بل ولقضائه على الأحوط دون غيرهما ، وإذا حصل النقاء في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم أو لم تعلم بنقائها حتى طلع الفجر صح صومها .
---------------------------
لا إشكال في أن تعمّد البقاء على الجنابة مبطل للصوم ، وهل كذلك تعمّد البقاء على حدث الحيض والنفاس ؟ فإذا حصل النقاء من الحيض والنفاس قبل الفجر في وقت يسع الغسل فهل يجب عليها الاغتسال قبل الفجر ؟ أم أن الصوم صحيح حتى مع تعمد البقاء على حدث الحيض والنفاس وتأخير الغسل عن طلوع الفجر ؟
وعلى تقدير اشتراط صحة الصوم بالغسل من الحيض والنفاس قبل الفجر فهل هذا شرط لصحة كل أنواع الصوم أم يختص بصوم رمضان وقضائه كما هو الحال في تعمد البقاء على الجنابة ، أم بصوم رمضان فقط ؟
فهنا سؤالان :
السؤال الأول / هل أن تعمّد البقاء على حدث الحيض والنفاس مبطل للصوم كتعمّد البقاء على الجنابة ؟
الجواب / المعروف والمشهور بين الفقهاء إلحاق الحائض والنفساء بالجنب في أن تعمّد البقاء على الحدث من دون غسل حتى طلوع الفجر مبطل للصوم كما هو رأي السيد الخوئي والماتن وغيرهما ، وخالف في ذلك السيد الشهيد والسيد محمد الصدر فجعلا الإلحاق أحوط استحباباً ، وفصّل الشيخ الفيّاض فألحق الحائض دون النفساء .
السؤال الثاني / على القول المعروف ببطلان الصوم بتعمد البقاء على حدث الحيض والجنابة هل يختص البطلان بصوم رمضان أم يشمل غيره .
الجواب / المعروف اختصاص البطلان بصوم رمضان دون غيره فيجوز لمن تريد الصوم قضاءً البقاء على حدث الحيض او النفاس حتى يطلع الفجر كما هو رأي السيد الخوئي والشيخ الفياض والشيخ الخراساني ، وعمّم السيد الماتن الحكم بالبطلان الى القضاء أيضاً احتياطاً .
ومنشأ الخلاف في جواب السؤالين وجود رواية تدل على إلحاق الحيض والنفاس بالجنب لكن في سند هذه الرواية كلام بين الفقهاء وعلى أساس ذلك اختلف جوابهم في السؤال الأول فمنهم من وثقها فقال بالإلحاق ومنهم من ضعفها فحكم بالافتراق ، ثم إن الرواية بناء على توثيقها وعند من ارتأى العمل واردة في صوم رمضان فهل يختص الحكم به كما هو موردها أم نتعدى منه الى القضاء أيضاً من هنا اختلف العاملون بها في جواب السؤال الثاني ، فهناك من ادّعى أن كل ما ثبت لصوم رمضان يثبت لقضائه ولأجل هذه الدعوى احتاط الماتن وجوباً بالإلحاق فقال ( بل ولقضائه على الأحوط ) وجوباً .
هذا كله إن حصل النقاء من الحيض او النفاس في وقت يسع الغسل فانعقد الكلام في السؤالين الآنفين ، أما إذا حصل النقاء في وقت لا يسع الغسل لكن يسع التيمم فهل يجب التيمم ؟
الجواب / لم يشِر الماتن ولا غيره الى هذا الفرض لكن على ضوء ما تقدم نستطيع أن نجيب فنقول : يبنى ذلك على القول بوجوب الغسل عليها مع سعة الوقت فمن ألحق الحيض والنفاس بالجنابة فاشترط الغسل منهما في صحة الصوم فإنه يوجب التيمم منهما مع ضيق الوقت بناء على القول المعروف من بدلية التيمم للغسل حتى في الصوم ، ومن لم يوجب الغسل وحكم بصحة صوم الحائض والنفساء مع تعمّد البقاء على الحدث من دون غسل فمن باب أولى ألا يوجب التيمم مع ضيق الوقت عن الغسل .
أما إذا حصل النقاء في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم أو حصل في سعة الوقت ولكن لم تعلم به الا في وقت لا يسع للغسل ولا التيمم فلا خلاف في صحة صومها ولا شيء عليها لعدم التعمد .
خلاصة الكلام /
إذا نقت المرأة من الحيض او النفاس قبل الفجر فههنا ثلاث صور :
الصورة الأولى / أن يكون ذلك في وقت يسع الغسل فالأكثر على اشتراط صحة صومها بالغسل فلو تعمدت ترك الغسل بطل صومها وخالف بعضهم كالسيد الصدر ، والمعروف أن اشتراط الصحة بالغسل خاص بصوم رمضان واحتاط الماتن بالقضاء أيضاً .
الصورة الثانية / أن يكون النقاء في وقت لا يسع الغسل لكن يسع التيمم فيجب التيمم عند من ألحق الحيض والنفاس بالجنابة وقال باشتراط صحة الصوم بالغسل ، ولا يجب على الرأي الآخر .
الصورة الثالثة / أن يحصل النقاء او العلم به في وقت لا يسع الغسل ولا التيمم فلا خلاف في أنها تصوم ولا شيء عليها .
هذا كله في حكم تعمد البقاء على حدث الحيض والنفاس ، وقد تقدم حكم نسيانهما وأنه لا يلحق بنسيان الجنابة وأن الصوم معه صحيح بلا خلاف فمن نست الاغتسال من الحيض او النفاس حتى طلع الفجر صح صومها بالاتفاق ، لاحظ مسألة (988) .
مولى أبي تراب
05-08-2012, 06:48 AM
مسألة 992 : حكم المرأة في الاستحاضة القليلة حكم الطاهرة وكذا في الاستحاضة المتوسطة على الأظهر ، وأما في الاستحاضة الكثيرة فالمشهور أنه يعتبر في صحة صومها الغسل لصلاة الصبح وكذا للظهرين ولليلة الماضية ، ولكن لا يبعد عدم اعتباره وإن كان أحوط ، بل الأحوط أن تغتسل لصلاة الصبح قبل الفجر ثم تعيده بعده .
-----------------------
تقدم حكم الجنب في العمد والنسيان في بداية التعرض لهذا المفطر السابع وفي المسألة 988 ، كما تقدم حكم الحائض والنفساء في المسألتين 988 و 991
وفي هذه المسألة تعرض الماتن الى حكم صوم المستحاضة ، ونعلم أن الاستحاضة ثلاثة أقسام : قليلة ومتوسطة وكثيرة
والسؤال المطروح أن صوم المستحاضة هل يشترط في صحته أن تؤدي المستحاضة أعمالها التي تتوقف عليها صحة صلاتها ؟ أم أن صومها صحيح ولو من دون تلك الأعمال ؟ فلو أخلت بتلك الأعمال هل يبطل صومها ؟
والمقصود بأعمال المستحاضة : الوضوء لكل صلاة في الاستحاضة القليلة ، والوضوء لكل صلاة مع غسل واحد في اليوم في الاستحاضة المتوسطة ، والغسل لصلاة الصبح والغسل للظهرين والغسل للعشائين في الاستحاضة الكثيرة
فحتى يصح صوم المستحاضة الكثيرة هل يشترط أن تلتزم بالأغسال الثلاثة بحيث لو أخلت بها بطل صومها ؟ أم أن صومها صحيح وإن أخلت بتلك الأغسال ؟
الكلام في الأغسال التي تكون للصلاة دون ما لا يكون لها ، فلو نزل دم الاستحاضة الكثيرة قبل الصلاة فعليها الاغتسال للصلاة والكلام في هذا الغسل فلو لم تأت به وتركته هل يبطل صومها ؟ أما إذا نزل الدم بعد الصلاة فليس عليها أن تغتسل ولا خلاف في أنه ليس شرطاً لصحة صومها كما لو نزل دم الاستحاضة بعد صلاة الفجر فلم تغتسل الى حين أداء الظهرين أو نزل بعد أداء الظهرين فلم تغتسل الا حين إرادة أداء العشائين فلا شيء عليها . كما لاخلاف في عدم اشتراط صحة الصوم بباقي الأعمال غير الغسل كالتبديل والتطهير فصومها صحيح ولو لم تقم بذلك .
وقد تسأل فتقول / لا ثمرة ولا وجه لطرح هذا التساؤل وهذا البحث في هذه المسألة ، لأن المستحاضة لا شك ستلتزم بهذه الأعمال وتأتي بها من أجل تصحيح صلاتها ومعه سيصح صومها جزماً ، لأنه إن كان مشروطاً بها فقد أتت بها وإن لم يكن مشروطاً بها فواضح !
وجوابه / ليس بالضرورة أن تلتزم المستحاضة بهذه الأعمال ، فيمكن أن نفترض تقصيرها في هذا الجانب فينفتح السؤال عن صحة صومها ، كما أن الكلام في صحة الصوم يشتمل على بعض التفاصيل فقد لا يصح الصوم حتى مع التزامها لهذه الأعمال كما لو اغتسلت ذات الاستحاضة المتوسطة قبل الفجر فمن الفقهاء من لم يكتفِ بذلك في صحة صومها واشترط أن يكون الغسل بعد الفجر أو على الأقل أن تصِل الصلاة بالغسل ، فليس كلما التزمت المستحاضة بالأعمال وصحت صلاتها لزم صحة صومها أيضاً ، هذا مضافاً الى أن ظاهر كلامهم على القول بالاشتراط بطلان الصوم مع الإخلال بالأعمال ولو نسياناً أو جهلاً فيمكن تصور الجهل والنسيان في عدم إتيان المستحاضة بالأعمال فيبطل صومها فيكون هناك وجه لهذا البحث وهذه المسألة .
وعلى أي حال فتفصيل الكلام أن يقال :
أما المستحاضة القليلة فلا خلاف في عدم توقف صحة صومها على شيء من جهة الاستحاضة فهي كالطاهرة صومها صحيح ولو لم تتوضأ لكل صلاة كما هو الواجب عليها ، فكما أن الطاهرة لو صامت من دون صلاة فصومها صحيح فكذا المستحاضة القليلة لو صامت من دون أن تتوضأ لكل صلاة فصومها صحيح .
أما المستحاضة المتوسطة فكذلك على المشهور والمعروف فلو لم تغتسل في اليوم مرة كما هو الواجب عليها فصومها صحيح لعدم ما يدل على بطلان صومها واشتراطه بالغسل الواجب عليها .
وإنما الكلام في الاستحاضة الكثيرة والمعروف والمشهور اشتراط صحة صومها بفعلها الأغسال ، فلو لم تغتسل الأغسال الواجبة عليها للصلوات لم يصح صومها وخالف في ذلك السيد الماتن فجعل الاشتراط مبنياً على الاحتياط الاستحبابي ، فلو صامت من دون أن تأتي بالأغسال الواجبة عليها لأجل الصلوات فصومها صحيح ، ومنشأ الخلاف التشكيك بصحة الرواية الدالة على اشتراط صحة الصوم بالأغسال في الاستحاضة الكثيرة .
ثم إنه على القول المعروف من اشتراط صحة الصوم بفعل الأغسال وقع الخلاف في أمور :
الأمر الأول / هل الصحة متوقفة على الأغسال الثلاثة أم يكفي بعضها ؟
الجواب / القدر المتيقن اشتراط صحة الصوم بغسلي النهار أي غسل الفجر وغسل الظهرين ، أما غسل العشائين ففيه خلاف فالمعروف هو الاشتراط أيضاً ولو على نحو الاحتياط الوجوبي ، وذهب بعض العلماء كالسيد اليزدي والسيد محمد الصدر والسيد محمد صادق الروحاني موافقة لبعض السابقين كصاحب الجواهر الى عدم الاشتراط الا على نحو الاحتياط الاستحبابي ، فلو اغتسلت لصلاة الفجر وللظهرين ولم تغتسل للعشائين صح صومها ، والمعروف البطلان .
الأمر الثاني / بناء على القول المعروف من اشتراط الصحة بغسل العشائين أيضاً فهل الشرط هو غسل العشائين في الليلة السابقة أو في الليلة اللاحقة ، فحتى يصح صوم يوم الخميس هل الشرط أن تغتسل للعشائين في الليلة الماضية أي ليلة الخميس أو أن تغتسل للعشائين في الليلة اللاحقة أي ليلة الجمعة ؟
خلاف والمعروف بين الفقهاء المعاصرين أن الشرط هو الاغتسال في الليلة الماضية فصوم يوم الخميس لا يصح إن لم تكن قد اغتسلت للعشائين في الليلة السابقة ، وقيل يكفي أن تغتسل للعشائين في الليلة اللاحقة بعد انقضاء يوم الخميس ، واحتاط البعض بالاغتسال في كلا الليلتين حتى يصح صوم اليوم الواقع بينهما ، وقيل غير ذلك .
الأمر الثالث / بالنسبة الى اغتسال الفجر هل يجب تقديمه على الطلوع أم يصح الصوم ولو مع تأخيره الى ما بعد طلوع الفجر ؟
المعروف عدم وجوب تقديمه على الفجر فلو اغتسلت بعد الفجر كفى في صحة صومها ، خلافاً لبعضهم كالعلامة ولأجل ذلك احتاط الماتن فقال ( بل الأحوط أن تغتسل لصلاة الصبح قبل الفجر ) وهو احتياط استحبابي مراعاة لرأي العلامة ، وأما قوله ( ثم تعيده بعده ) أي وتحتاط أيضاً بإعادة الغسل بعد الفجر لذهاب كثير من الفقهاء الى أنها لو قدمته على الفجر وجب إعادته بعده لأجل الصلاة مع نزول الدم أو فوات الموالاة بوجود فاصل معتدٍ به بين زمان الغسل وزمان الصلاة ، نعم لو لم ينزل الدم ووصلت الصلاة بالغسل لم تجب إعادته بعد الغسل .
خلاصة الكلام /
المستحاضة بالاستحاضة الصغرى والوسطى يصحّ صومها سواء قامت بعملية الوضوء أو الغسل أم لا ، فلا تكون صحّة صومها مشروطة بما تكون صلاتها مشروطة به بلا خلاف . وأما المستحاضة بالكبرى فصحّة صومها مشروطة بأن تغتسل بالأغسال النهارية والليلية معاً على القول المعروف ، وخالف السيد الماتن فجعل حكمها كالصغرى والوسطى وهو عدم اشتراط صحة صومها بالأغسال الا على نحو الاحتياط الاستحبابي .
الحوزويه الصغيره
06-08-2012, 05:55 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم ياكريم
شكرا لك شيخنا الفاضل , مولى أبي تراب
على هذه التوضيحات المهمة في باب الصوم
حماكم الله من كل سوء .
من المتابعين إن شاء الله
تحيتي لك
مولى أبي تراب
06-08-2012, 09:05 AM
وشكراً لكم لدوام المتابعة
أسأل الله أن يحفظكم
مولى أبي تراب
06-08-2012, 09:07 AM
مسألة 993 : إذا أجنب في شهر رمضان ليلا ونام حتى أصبح فإن نام ناويا لترك الغسل ، لحقه حكم تعمد البقاء على الجنابة ، وكذا إذا نام مترددا فيه على الأحوط ، وإن نام ناويا للغسل ، فإن كان في النومة الأولى صح صومه إذا كان واثقا بالانتباه لاعتياد أو غيره وإلا فالأحوط وجوب القضاء عليه وإن كان في النومة الثانية بأن نام بعد العلم بالجنابة ثم أفاق ونام ثانيا حتى أصبح وجب عليه القضاء عقوبة ، دون الكفارة على الأقوى ، وإذا كان بعد النومة الثالثة ، فالأحوط استحبابا الكفارة أيضا وكذلك في النومين الأولين إذا لم يكن واثقا بالانتباه . وإذا نام عن ذهول وغفلة عن الغسل فالأظهر وجوب القضاء مطلقا والأحوط الأولى الكفارة أيضا في الثالث .
-------------------------------
إذا أجنب المكلف ليلاً فلم يغتسل ونام قبل الفجر فلا يخلو من إحدى حالاتٍ أربع :
الحالة الأولى / أن ينام ناوياً ترك الاغتسال قبل الفجر غير مكترثٍ بالصوم ، ولا إشكال في أن هذه الحالة من تعمّد البقاء على الجنابة لأنه لا فرق في العازم على ترك الغسل في كونه متعمد البقاء على الجنابة بين أن يبقى مستيقظاً أو ينام ، فعليه القضاء والكفارة وإن كان واثقاً من الانتباه قبل الفجر ومعتاداً عليه ، والمقصود أن يستمر في نومه فعلاً حتى يطلع الفجر وهو تاركٌ للغسل ، لا أنه بمجرد أن ينوي ترك الغسل يبطل صومه ، فلو نام ناوياً ترك الغسل ثم استيقظ فاغتسل قبل الفجر فلا إشكال في صحة صومه .
الحالة الثانية / أن يكون متردداً بمعنى أنه لديه الرغبة في الغسل ولكنه غير عازمٍ عليه كالمتثاقل من الغسل بسبب برودة الجو مثلاً ، فلا هو عازم على الغسل ولا على عدم الغسل ، فنام كذلك الى أن طلع الفجر ، وقد ألحق الفقهاء هذه الحالة بالسابقة فيبطل صومه ويجب عليه القضاء والكفارة ، الا أن السيد الماتن جعل الحكم مبنياً على الاحتياط الوجوبي فقال : ( وكذا إذا نام مترددا فيه على الأحوط ) والظاهر أن هذا الاحتياط لأجل وجوب الكفارة ، أما القضاء فقد ذكروا عدم الخلاف والشك في وجوبه على المتردد وعدم صحة صومه إذ مع تردده لا يتصور العزم منه على الصوم فنام مع عدم تبييت النية للصوم ، وإنما الشك في وجوب الكفارة عليه لاحتمال عدم صدق كونه عامداً لأنه لم يجزم بعدم الغسل ، والمعروف كفاية عدم عزمه على الغسل في صدق كونه عامداً وإن لم يعزم على عدم الغسل ، ولأجل وجود هذين الاحتمالين احتاط الماتن وجوباً بالكفارة .
الحالة الثالثة / أن ينام ناوياً للغسل عازماً عليه لكن اتفق أن استمر به النوم الى أن طلع الفجر ، وفي هذه الحالة أكثر من صورة :
الصورة الأولى / أن يصبح مجنباً من النومة الأولى وهي أول نوم له بعد العلم بالجنابة وإن كانت قبلها نومة أخرى كما إذا كان نائماً فاستيقظ فرأى نفسه مجنباً فرجع للنوم ناوياً الغسل قبل الفجر فلم يستيقظ الا بعد الفجر ، وفي هذه الصورة إن كان واثقاً من الانتباه قبل الفجر كما إذا كان معتاداً على ذلك ، لكن صادف أن لم يستيقظ الا بعد الفجر فلا خلاف في صحة صومه ، لأنه نام ناوياً للغسل وعازماً على الصوم غير متعمدٍ البقاء على الجنابة .
الصورة الثانية / نفس السابقة بأن ينام ناوياً الغسل ولا يستيقظ الا بعد الفجر من النومة الأولى لكن كان غير واثقٍ من الاستيقاظ قبل الفجر ، والمعروف أن حكم هذه الصورة كالصورة السابقة حيث أطلق الفقهاء صحة الصوم في النومة الأولى من دون تفريق بين الواثق وغيره ، خلافاً للسيد الماتن والشيخ الفياض حيث فرقا بين الواثق وغيره فحكما بعدم صحة صوم غير الواثق من الاستيقاظ قبل الفجر وأن عليه القضاء بل أوجب الشيخ الفياض الكفارة أيضاً .
الصورة الثالثة / أن يصبح مجنباً من النومة الثانية بأن نام بعد العلم بالجنابة ثم أفاق ونام ثانياً ناوياً للغسل قبل الفجر لكن استمر في نومه الى ما بعد الفجر ، فلا خلاف في وجوب القضاء عليه ، وهل تجب عليه الكفارة ؟ المعروف عدم وجوب الكفارة لذا قال الماتن ( دون الكفارة على الأقوى ) خلافاً لبعض الفقهاء من وجوب الكفارة أيضاً منهم الشيخ الفياض حيث أوجب الكفارة مع عدم الوثوق بالاستيقاظ .
الصورة الرابعة / أن يصبح مجنباً من النومة الثالثة بأن يعلم بالجنابة فينام ثم يستيقظ ثم ينام ثم يستيقظ ثم ينام ناوياً للغسل قبل الفجر لكن يستمر به النوم فلا يستيقظ الا بعد الفجر ، فالمعروف أن حكمه حكم الصورة السابقة فعليه القضاء دون الكفارة وإن كان الأحوط استحباباً أن يكفّر أيضاً ، وذهب البعض الى وجوب الكفارة أيضاً في هذه الصورة ومنهم السيد محمد صادق الروحاني والشيخ الفياض لكن الأخير خصها بما إذا لم يكن واثقاً من الاستيقاظ .
الحالة الرابعة / أن ينام غافلاً وذاهلاً عن الغسل غير ملتفتٍ إليه كما في أول ليلة من رمضان ولا يعلم بدخول الشهر وكان من عادته الا يغتسل الا بعد الفجر ، فليس في حسبانه الغسل أصلاً حتى يكون عازماً عليه او عازماً على تركه او متردداً فيه ، فيعلم بالجنابة وينام غافلاً عن الغسل وهذا يمكن أن يكون في النومة الأولى ويمكن أن يكون في النومة الثانية ويمكن أن يكون في النومة الثالثة ، فما حكم صومه في كل نومة ؟
أجاب المصنف بأن حكم النومات كلها واحد وهو وجوب القضاء دون الكفارة الا على نحو الاحتياط الاستحبابي في النوم الثالث ، فسواء طلع عليه الفجر غافلاً وذاهلاً عن الغسل وهو في النومة الأولى أو الثانية أو الثالثة فيجب عليه القضاء والأحوط الأولى الكفارة في النوم الثالث لذا قال : ( فالأظهر وجوب القضاء مطلقا ) أي سواء في النوم الأول او الثاني او الثالث ( والأحوط الأولى الكفارة أيضا في الثالث) أي النوم الثالث ، وهذا القول هو رأي السيد الخوئي ، وخالف بعضهم فجعل حكم هذه الحالة حكم السابقة من وجوب القضاء في النومين الثاني والثالث فقط وصحة الصوم في النوم الأول وهو رأي السيد محمد الصدر والسيد الروحاني وغيرهما .
خلاصة الكلام /
إذا علم بالجنابة قبل الفجر فنام واستمر نومه الى ما بعد الفجر :
فإن كان عازماً على ترك الغسل أو متردداً في الغسل فعليه القضاء والكفارة
وإن كان عازماً على الاستيقاظ والاغتسال قبل الفجر فاتفق استمرار نومه الى ما بعد الفجر فإن كان في النومة الأولى فالمعروف صحة صومه واشترط الماتن أن يكون واثقاً من الانتباه والا فعليه القضاء ، وإن كان في النومة الثانية او الثالثة فالمعروف أن عليه القضاء دون الكفارة
وإن كان غافلاً وذاهلاً عن الاغتسال فرأي السيد الماتن والسيد الخوئي أن عليه القضاء مطلقاً سواء في النوم الأول او الثاني او الثالث والأحوط استحباباً الكفارة في النوم الثالث ، واستثنى بعضهم النوم الأول فحكم فيه بصحة الصوم .
مولى أبي تراب
06-08-2012, 09:10 AM
مسألة 994 : يجوز النوم الأول والثاني مع كونه واثقا بالانتباه ، والأحوط لزوما تركه إذا لم يكن واثقا به ، فإن نام ولم يستيقظ فالأحوط القضاء حتى في النومة الأولى ، بل الأحوط الأولى الكفارة أيضا ولا سيما في النومة الثالثة .
---------------------
كان الكلام في المسألة السابقة في الحكم الوضعي لنوم الجنب أي ما يترتب على النوم من صحة الصوم أو بطلانه ووجوب القضاء والكفارة ، وفي هذه المسألة يتعرض الماتن للحكم التكليفي لنوم الجنب أي هل يجوز له النوم او لا ؟
وهنا رأيان :
الرأي الأول / يجوز النوم الأول والثاني مع احتمال الاستيقاظ وكونه معتاد الانتباه ، والا أي لم يحتمل الاستيقاظ كما لو كان غير معتاد على الانتباه قبل الفجر فالأحوط استحبابا تركه ، وأما النوم الثالث فالأولى تركه مطلقا ، وهو رأي السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ الخراساني .
الرأي الثاني / جواز النوم مع الوثوق بالانتباه ، ومع عدم الوثوق بالانتباه فلا يجوز النوم وهو رأي الشيخ الفياض والسيد الروحاني ، واحتاط فيه السيد الماتن لزوماً .
ويتفق الرأيان في جواز النوم مع الوثوق بالاستيقاظ ، ويختلفان مع عدم الوثوق بالاستيقاظ فالاحوط استحباباً عدم الجواز على الأول ولزوماً على الثاني ، ومنشأ الخلاف أن النوم غير جائز للجنب إذا صدق عنوان تعمد البقاء على الجنابة ، ومع الوثوق بالانتباه لا يصدق تعمد البقاء على الجنابة لذا لا خلاف بين الرأيين في الجواز ، وإنما الخلاف مع عدم الوثوق بالاستيقاظ فهل هو من تعمد البقاء على الجنابة أو لا ؟ ولأجل احتمال كونه من تعمد البقاء على الجنابة احتاط السيد الماتن لزوماً بالترك .
هذا كله – الكلام في هذه المسألة والمسألة السابقة – إنما هو في الحكم الوضعي والتكليفي للنوم مع الشكّ واحتمال الاستيقاظ أ ينام وهو يحتمل الاستيقاظ قبل الفجر ، أما مع العلم والاطمئنان بعدم الاستيقاظ قبل الفجر كما لو تناول دواء يعلم معه بعدم الاستيقاظ فلا إشكال في حرمة النوم حينئذٍ ولزوم القضاء والكفّارة لو استمرّ إلى الفجر .
قوله : ( فإن نام ولم يستيقظ فالأحوط القضاء حتى في النومة الأولى ) الكلام في غير الواثق فإن نام ناوياً للغسل مع عدم وثوقه من الاستيقاظ قبل الفجر فلم يستيقظ حتى طلع الفجر فالأحوط وجوباً أن عليه القضاء حتى في النومة الأولى ، وهذا الحكم تقدم في المسألة السابقة في الصورة الثانية من الحالة الثالثة حيث قلنا أن السيد الماتن فصّل في النومة الأولى بين الواثق من الانتباه فليس عليه شيء وبين غير الواثق فعليه القضاء احتياطاً قال في تلك المسألة : ( فإن كان في النومة الأولى صح صومه إذا كان واثقا بالانتباه لاعتياد أو غيره وإلا فالأحوط وجوب القضاء عليه ) خلافاً للرأي المعروف من صحة الصوم في النومة الأولى مطلقاً بلا تفصيل بين الواثق من الانتباه وعدمه .
قوله : ( بل الأحوط الأولى الكفارة أيضا ولا سيما في النومة الثالثة ) أي غير الواثق من الانتباه عليه القضاء في النومات الثلاثة دون الكفارة وإن كانت أحوط استحباباً وهذا الحكم أيضاً تقدمت الإشارة اليه في المسألة السابقة قال : ( وإذا كان بعد النومة الثالثة ، فالأحوط استحبابا الكفارة أيضا وكذلك في النومين الأولين إذا لم يكن واثقا بالانتباه ) .
مولى أبي تراب
06-08-2012, 09:11 AM
مسألة 995 : إذا احتلم في نهار شهر رمضان لا تجب المبادرة إلى الغسل منه ، ويجوز له الاستبراء بالبول وإن علم ببقاء شئ من المني في المجرى ، ولكن لو اغتسل قبل الاستبراء بالبول فالأحوط الأولى تأخيره إلى ما بعد المغرب .
-------------------------------
تقدم في المسألة (986) أن الاحتلام في نهار الصوم لا يضر بالصوم لأن المفطر تعمد البقاء على الجنابة لا حصول الجنابة عن غير عمد بعد الفجر ، وفي هذه المسألة ذكر السيد الماتن أنه بعد الاحتلام والجنابة لا تجب المبادرة الى الغسل فالبقاء على الجنابة بعد الفجر غير مضر بالصوم فلو استيقظ صباحاً مجنباً بالاحتلام فبقي بلا غسل الى الغروب فصومه صحيح وإن كان يجب عليه الاغتسال لأجل الصلاة .
كما لا يضر الاستبراء من المني بالبول ، فإذا استيقظ مجنباً جاز له التبول وإن علم أن ذلك يستلزم خروج بقايا المني في المجرى الذي هو معنى الاستبراء من المني بالبول ، فلا يعد هذا من تعمد الجنابة او الاستمناء
نعم لو اغتسل بعد الجنابة وقبل التبول في أثناء النهار فقد احتاط بعض الفقهاء وجوباً بلزوم تأخير التبول الى ما بعد الغروب لأن البول سيخرج بقايا المني بعد الغسل فتكون جنابة جديدة يحتمل صدق التعمد عليها فيبطل الصوم فيحسن الاحتياط بترك التبول وإن كان الاحتياط ضعيفاً وهذا الرأي للسيد الخوئي وغيره ، الا أن السيد الماتن قال : ( فالأحوط الأولى تأخيره إلى ما بعد المغرب ) أي الاحوط استحباباً إن اغتسل من الجنابة قبل التبول أن لا يتبول بعد الغسل الى ما بعد الغروب وليس ذلك بلازم وهو رأي السيد الصدر والشيخ الفياض لعد صدق تعمد الجنابة وإن حدثت جنابة جديدة بخروج المتبقي في المجرى بواسطة البول ووجب لها غسل جديد .
.
مسألة 996 : لا يعد النوم الذي احتلم فيه ليلا من النوم الأول بل إذا أفاق ثم نام كان نومه بعد الإفاقة هو النوم الأول .
-----------------------
تقدمت الإشارة الى ذلك في المسألة (993) في الصورة الأولى من الحالة الثالثة ، وقلنا المقصود من النوم الأول هو أول نوم بعد العلم بالجنابة لا النومة التي حصلت فيها الجنابة والاحتلام ، فإذا استيقظ ووجد نفسه مجنباً ثم رجع ونام فرجوعه الى النوم هو النومة الأولى ، ولا خلاف في ذلك .
.
مسألة 997 : الظاهر إلحاق النوم الرابع والخامس بالثالث .
-------------------------
تقدم أن حكم النوم الثالث وجوب القضاء والاحتياط الاستحبابي بالكفارة وهنا ذكر أن النوم الرابع والخامس كذلك وأن حكم النوم الرابع فما زاد حكم النوم الثالث ، ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء وإن لم يرد فيه نص لقضاء الفهم العرفي بعدم الفرق بين النوم الثالث وغيره هنا .
مولى أبي تراب
06-08-2012, 09:12 AM
مسألة 998 : الأقوى عدم إلحاق الحائض والنفساء بالجنب ، فيصح الصوم مع عدم التواني في الغسل وإن كان البقاء على الحدث في النوم الثاني أو الثالث ، وأما معه فيحكم بالبطلان وإن كان في النوم الأول .
----------------------
تقدم في المسألة (991) لحوق الحيض والنفاس بالجنابة في بطلان الصوم بتعمد البقاء عليهما
وهل يلحقان بالجنابة في ما تقدم من حكم تعدد النوم ؟ فلو نامت الحائض او النفساء بعد العلم بالنقاء نومة أولى وثانية وثالثة فهل ينطبق عليها ما ينطبق على الجنب في نوماته الثلاثة من أحكام ؟
المعروف عدم اللحوق فلا عبرة بتعدد النوم و عدم تعدده من الحائض والنفساء بل المدار فيهما على صدق تعمد البقاء على الحدث من دون غسل أو عدم صدق التعمد ، فلو نامت الحائض مرة أو مرتين أوثلاث مرات بعد العلم بالنقاء ولم يصدق عليها التواني وتعمد البقاء على الحدث فليس عليها شيء وصومها صحيح ، وإن صدق عليها التواني في الغسل والتساهل فيه بطل صومها ولو من النومة الأولى .
هذا بناء على لحوق حدث الحيض والنفاس بالجنابة في بطلان الصوم بتعمد البقاء عليهما أما بناء على عدم بطلان الصوم بتعمد البقاء على حدث الحيض والنفاس وعدم اشتراط صحته بالغسل منهما كما هو رأي السيد الصدر فيهما ورأي الشيخ الفياض في النفاس فعدم اللحوق هنا أوضح وأن هذا البحث لاغي بالنسبة الى هذا الرأي ، لذا لم يذكر السيد الصدر هذه المسألة أصلاً إذ لا يشترط على رأيه أن تغتسل الحائض والنفساء قبل الفجر حتى نتحدث عن حكم تعدد نومها ، فصومها صحيح وإن تعمدت عدم الاغتسال فلا تصل النوبة الى الحديث في هذه المسألة على هذا الرأي .
.
.
الى هنا ينتهي الكلام في المفطر السابع / تعمد البقاء على الجنابة
ثم الكلام في الثامن من المفطرات
يأتي إن شاء الله تعالى
مولى أبي تراب
10-08-2012, 10:18 AM
الثامن : إنزال المني بفعل ما يؤدي إلى نزوله مع احتمال ذلك وعدم الوثوق بعدم نزوله ، وأما إذا كان واثقا بالعدم فنزل اتفاقا ، أو سبقه المني بلا فعل شئ لم يبطل صومه .
-----------------------
الثامن من المفطرات إنزال المني أي الاستمناء متعمداً في نهار الصوم بأي فعلٍ وطريقة تؤدي الى نزوله كالمداعبة او بواسطة اليد او غير ذلك من الأسباب عدا الجماع فإنه موضوع مستقل للإفطار سواء صاحبه الإنزال أو لا كما تقدم التنبيه على ذلك في المفطر الثالث
ولا خلاف في مفطرية الاستمناء وإنزال المني لكن بشرط لا مطلقاً وهو أن يكون المكلف حال فعله ما يؤدي الى نزول المني غير واثق من عدم نزوله بل كان محتملاً لنزوله ، فيكفي أن يحتمل نزول المني ولا يثق بعدم نزوله عند إقدامه الى فعلِ ما يؤدي اليه وليس الشرط أن يكون واثقاً من نزول المني بل غير واثق من عدم نزوله ، وتوضيح ذلك أن المكلف حال فعله ما يؤدي الى الإنزال كالمداعبة لا يخلو :
1. أن يكون واثقاً من حصول الإنزال كما لو كان ذلك معتاداً له بحيث كلما داعب مثلاً أنزل فحينئذٍ لا إشكال في عدم جواز ذلك الفعل وإن فعل وأنزل بطل الصوم وعليه القضاء والكفارة ، وإذا فعل ما أعتاد معه الإنزال ولم ينزل فعليه القضاء لأنه قاصد للإفطار بإقدامه على ما من عادته الإنزال معه وقد تقدم أن قصد المفطر مبطل للصوم ولو لم يفعله ، ولا كفارة عليه لعدم الإنزال فعلاً .
2. أن يكون واثقاً من عدم حصول الإنزال كما لو لم يكن من عادته الإنزال بالمداعبة مثلاً فيجوز له الإتيان بهذا الفعل فإن صادف أن أنزل بالإتيان به فحينئذٍ صومه صحيح ولا شيء عليها ، مالم يقصد الإنزال بفعله والا فعليه القضاء لأنه من قصد المفطر وإذا أنزل فعلاً فعليه الكفارة أيضاً .
3. أن يكون محتملاً للإنزال شاكاً في حصوله لا واثقاً بحصوله ولا واثقاً بعدم حصوله ، كما إذا احتمل أنه إن داعب سيحصل الإنزال ، وحكمه عدم جواز هذا الفعل الذي يحتمل حصول الإنزال بسببه وإن فعل وحصل الإنزال فعلاً فعليه القضاء لأن احتمال الإنزال كافٍ في بطلان الصوم بفعل موجبه ولا يشترط أن يكون واثقاً من حصول الإنزال بل يكفي احتماله لذا قال الماتن ( مع احتمال ذلك وعدم الوثوق بعدم نزوله ) فيكفي عدم الوثوق بعدم النزول في المفطرية فضلاً عن الوثوق بالنزول .
هذا كله إن فعل ما يكون سبباً للإنزال ، أما إذا حصل الإنزال من دون فعل شيء فلا إشكال في صحة صومه ولا شيء عليه .
خلاصة الكلام /
إذا أنزل الصائم المني في نهار الصوم فلا يخلو إما أن يكون ذلك بلا اختيار ومن دون أن يفعل ما يؤدي اليه ولا إشكال في صحة صومه ، وإما أن يكون الإنزال بفعلِ ما يكون سبباً له وهنا حالتان :
الأولى / أن يكون قاصداً الإنزال بفعل السبب وحينئذٍ يبطل صومه بمجرد القصد ولو لم ينزل وإذا أنزل فعلاً فعليه الكفارة أيضاً في صوم رمضان وكذا في صوم القضاء بعد الزوال .
الثانية / أن لا يكون قاصداً للإنزال بفعل السبب وهنا لا يخلو :
1. إما أن يكون واثقاً من أنه إن فعل السبب سيحصل الإنزال ولا إشكال في عدم جواز فعله وإن فعل فعليه القضاء وإن أنزل فعليه الكفارة أيضاً .
2. أن يكون واثقاً بعد الإنزال فلا شيء عليه إن فعل وإن حصل الإنزال .
3. أن يكون محتملاً لحصول الإنزال إن فعل وحكم هذه حكم النقطة الأولى .
مولى أبي تراب
10-08-2012, 10:19 AM
التاسع : الاحتقان بالمائع ، ولا بأس بالجامد ، كما لا بأس بما يصل إلى الجوف من غير طريق الحلق مما لا يسمى أكلا أو شربا ، كما إذا صب دواء في جرحه أو إذنه أو في إحليله أو عينه فوصل إلى جوفه وكذا إذا طعن برمح أو سكين فوصل إلى جوفه وغير ذلك ، نعم إذا فرض إحداث منفذ لوصول الغذاء إلى الجوف من غير طريق الحلق ، كما يحكى عن بعض أهل زماننا فلا يبعد صدق الأكل والشرب حينئذ فيفطر به ، كما هو كذلك إذا كان بنحو الاستنشاق من طريق الأنف ، وأما إدخال الدواء ونحوه كالمغذي بالإبرة في العضلة أو الوريد فلا بأس به ، وكذا تقطير الدواء في العين أو الإذن ولو ظهر أثره من اللون أو الطعم في الحلق .
----------------------------
التاسع من المفطرات الاحتقان بالمائع ، أي إدخال المائعات كالدواء السائل الى الجسم عن طريق الشرج ، فمع تعمد الاحتقان بالمائع يبطل الصوم ويجب القضاء على القول المعروف .
والمقصود هو دخول المائع ووصوله الى الجوف فحينئذٍ تتحقق المفطريّة ، فلا يكفي وصول المائع الى حواشي الدبر وأوائل المدخل من غير صعود إلى الجوف لعدم صدق الاحتقان حينئذٍ .
ولا فرق في مفطرية الاحتقان بالمائع بين الضرورة وغيرها فالحقنة السائلة مفطرة ولو مع الاضطرار إليها لرفع المرض مثلاً .
وفي مقابل الاحتقان بالمائعات والسوائل الاحتقان بالجوامد والأجسام الصلبة والمعروف عدم البأس بها وأنها غير مفطرة ولا مضرة بالصوم فيجوز استعمال التحاميل مثلاً التي توضع في المخرج في نهار الصوم .
إذن لو جمعنا هذا المفطر مع المفطرين الأولين الأكل والشرب يتبين أن وصول شيء الى جوف الإنسان يعتبر من المفطرات سواء كان الوصول عن طريق الحلق مما يصدق عليه الأكل والشرب أو عن طريق الدبر مما يصدق عليه الاحتقان بالمائع
فهذه المفطرات الثلاثة : الأكل والشرب والاحتقان بالمائع يجمعها عنوان واحد وهو دخول شيء الى الجوف والفرق في الداخل ومحل الدخول .
ثم إن الماتن وعد هناك في مفطرية الأكل والشرب بأنه سيذكر بعضاً مما يتعلق بهما هنا فقال ( وسيأتي بعض ما يتعلق بهما في المفطر التاسع ) ، وقد أوفى بوعده فذكر ذلك هنا ، وحاصل الكلام في نقاط :
1. إنما يتحقق الإفطار بصدق الأكل والشرب وكذا الاحتقان بالمائع فليس كلما وصل الى الجوف كان مفطراً ، وعليه فلو وصل شيء الى جوفه من غير طريق الحلق ولم يصدق عليه أنه أكل أو شرب فلا بأس به كالتقطير في العين والأذن إذا وصل الى الجوف لذا قال الماتن ( كما إذا صب دواء في جرحه أو إذنه أو في إحليله أو عينه فوصل إلى جوفه وكذا إذا طعن برمح أو سكين فوصل إلى جوفه وغير ذلك ) فلا يصدق الأكل والشرب على شيء من ذلك وإن وصل الجوف .
2. المفطر في الأكل والشرب أمران : الأول / كل ما دخل عن طريق الحلق سواء كان معتاداً أكله و شربه أو لا كما تقدم في المفطرين الأولين . الثاني / ما دخل الى الجوف عن طريق غير الحلق بشرط أن يصدق عليه الأكل والشرب .
3. نتيجة للأمر الثاني إذا أحدث الصائم في جسمه منفذاً يصل عن طريقه الطعام والشراب الى الجوف والمعدة بحيث يصدق الأكل والشرب كان ذلك مفطراً لصدق الأكل والشرب ووصول الطعام والشراب الى الجوف ولو من غير الحلق .
4. وبناء على الأمر الثاني أيضاً فلا يضر في الصوم إيصال الدواء الى الجوف من غير طريق الحلق كالتقطير في العين والإذن وهكذا استعمال المغذي وزرق الإبر لعدم صدق الأكل والشرب واشترطنا في مفطرية ما يصل الى الجوف من غير طريق الحلق صدق الأكل والشرب ، لكن احتاط بعض الفقهاء كالسيد الصدر وغيره في المغذي من حيث أنه كالأكل لتحقق التغذي به .
وقوله ( ولو ظهر أثره من اللون أو الطعم في الحلق ) أي مجرد وجود الطعم في الحلق لا يعد من المفطرات لأنه عبارة عن تذوق باللسان ولذا سيأتي إن شاء الله جواز تذوق الطعام وجواز مضغه للصبي فإن المفطر هو الأكل والشرب وهو لا يصدق على التذوق وظهور الطعم او اللون في اللسان فمن تذوق المرق لم يبطل صومه وإن وجد له طعماً في حلقه وتلوّن به لسانه .
ومن تعمد الاحتقان بالمائع فعليه القضاء بلا إشكال ولكن هل عليه الكفارة أيضاً ؟
خلاف يأتي إن شاء الله في الفصل الثالث
مولى أبي تراب
10-08-2012, 10:21 AM
مسألة 999 : الأحوط عدم ابتلاع ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس من الخلط إذا وصل إلى فضاء الفم وإن كان لا يبعد جوازه ، أما إذا لم يصل إلى فضاء الفم فلا بأس بهما .
------------------------------
لا خلاف في أن أخلاط الرأس والصدر إذا وصلت الى الجوف والمعدة من دون أن تخرج الى فضاء الفم فهي غير مفطرة ، وإنما الخلاف في ما يصل فضاء الفم كما إذا نزلت أخلاط الرأس أو صعدت أخلاط الصدر فوصلت فضاء الفم فهل ابتلاعه مفطر فيجب إلقاؤه من الفم ولا يجوز ابتلاعه ام هو غير مفطر فيجوز ابتلاعه ؟
خلاف وفيه رأيان :
الرأي الأول / عدم جواز الابتلاع ولزوم الإلقاء من الفم ولو على نحو الاحتياط الوجوبي وهو رأي السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ الخراساني وغيرهم .
الرأي الثاني / جواز الابتلاع وعدم البأس به الا على نحو الاحتياط الاستحبابي وهو رأي السيد الماتن والسيد الروحاني والشيخ الفياض .
**********
مسألة 1000 : لا بأس بابتلاع البصاق المجتمع في الفم وإن كان كثيرا وكان اجتماعه باختياره كتذكر الحامض مثلا .
-----------------------
لا خلاف ولا إشكال في جواز ابتلاع البصاق بعد اجتماعه في الفم وعدم لزوم إلقائه وإن كان كثيراً فإنّ ما لا يفطر قليله لا يفطر كثيره ، كما لا فرق بين ما إذا كان إجتماعه من دون اختياره أو كان باختياره كما لو تذكر الحوامض فأدى الى إفراز واجتماع البصاق في فمه ، فما دام البصاق ليس مفطراً فلا فرق فيه بين كل هذه الحالات ، بل يجوز ابتلاعه حتى لو كان ملامساً لما علق بالاسنان من الاطعمة اذا لم تنزل معه ، ومن ذلك ما سيأتي إن شاء الله من جواز مضغ العلك وإن وجد له طعماً في فمه وابتلع ريقه ما لم يكن مصاحباً لبعض أجزاء العلك وفتاته ، لكن ذكروا أن الأفضل والأحوط ترك ابتلاع البصاق خصوصاً إذا كان كثيراً وباختياره .
مولى أبي تراب
10-08-2012, 10:22 AM
العاشر : تعمد القئ وإن كان لضرورة من علاج مرض ونحوه ولا بأس بما كان سهوا أو بلا اختيار .
---------------------
العاشر من المفطرات تعمد القيء على المشهور والمعروف ، فمن تعمد التقيؤ في نهار الصوم بطل صومه سواء كان ذلك لضرورة أو لا
والمبطل هو صدوره عن علم وعمد كما لو وضع إصبعه في فيه فتقيأ ملتفتاً الى أنه في نهار الصوم وملتفتاً الى مفطريته ، دونما إذا كان عن غير عمد ومن دون اختيار ، أو عن عمد لكن مع السهو كما لو غفل عن كونه صائماً .
ومَن تعمّد القيء فعليه القضاء بلا إشكال ولكن هل عليه الكفارة أيضاً ؟
خلاف يأتي إن شاء الله في الفصل الثالث
.
مسألة 1001 : إذا خرج بالتجشؤ شئ ثم نزل من غير اختيار لم يكن مبطلا ، وإذا وصل إلى فضاء الفم فابتلعه اختيارا بطل صومه وعليه الكفارة ، على الأحوط لزوما فيهما .
-----------------------
عُرّف التجشؤ بأنه صوت مع ريح يخرج من الفم عند شدة الامتلاء ، وسمي في بعض الروايات بالقلس .
والكلام أنه إذا خرج مع التجشؤ شيء من الطعام من المعدة فوصل الى فضاء الفم ، لم يجز ابتلاعه ووجب إلقاؤه فإن ابتلعه متعمداً مختاراً مع قدرته على إلقائه بطل صومه وعليه الكفارة ، لأنه من تعمد الأكل ، لكن المعروف ابتناء الحكم بالقضاء والكفارة على الاحتياط الوجوبي لوجود رواية تدل على صحة الصوم في هذه الحالة الا أن مشهور الفقهاء أفتوا ببطلان الصوم ووجوب الكفارة ، ومراعاة للشهرة وللرواية معاً بنى الفقهاء المعاصرين الحكم بالبطلان والكفارة على الاحتياط الوجوبي .
هذا وإن رجع ونزل الى الجوف مرة أخرى من دون اختيار بحيث لم يسيطر عليه حتى ابتلعه فلا إشكال ولا خلاف في عدم كونه مبطلاً للصوم ولا شيء عليه لاختصاص المفطرية بالعمد والاختيار .
مولى أبي تراب
10-08-2012, 10:23 AM
مسألة 1002 : إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار بطل صومه إذا تقيأ ، أو لم يكن عازما على ترك التقيؤ مع الالتفات إلى كونه مانعا عن صحة الصوم في الوقت الذي لا يجوز تأخير النية إليه اختيارا المختلف باختلاف أنحاء الصوم كما تقدم في المسألة 976 ولا فرق في ذلك كله بين ما إذا انحصر اخراج ما ابتلعه بالقئ وعدم الانحصار به .
--------------------
هناك مسألتان : الأولى / أن المكلف إذا ابتلع شيئاً في الليل يعلم أنه يكون سبباً لتقيئه في النهار كالدواء فما حكم صومه ؟
الثانية / أن المكلف إذا ابتلع شيئاً في الليل يجب عليه شرعاً أن يتقيأه في النهار فما حكم صومه ؟
وكلام الماتن في المسألة الثانية فما حكم صوم من ابتلع شيئاً في الليل يجب أن يتقيأه في النهار عمداً ؟
وقد تسأل كيف يجب التقيأ شرعاً ومتى ؟ والجواب / ذكروا مثلاً لذلك ما لو ابتلع في الليل مالاً للغير ولم يتلف بابتلاعه كذهب أو جوهر وأمكن اخراجه ، فيجب إخراجه ولو بالتقيؤ لوجوب رد مال الغير الى صاحبه . ففي مثل هذه الحالة يدور أمر المكلف بين أن يمتثل وجوب الصوم فلا يتقيأ لأن التقيؤ مبطل للصوم ، وبين أن يمتثل وجوب رد المال الى صاحبه بالتقيؤ ، فماذا يفعل وأي الوجوبين يمتثل لوضوح عدم إمكان امتثال الوجوبين معاً ، والمهم هو السؤال عن صحة الصوم .
أجاب الماتن / بأنه في مثل هذه الحالة يبطل الصوم في حالتين :
الأولى / أن يحصل التقيؤ في النهار فعلاً ، بأن يمتثل الصائم الأمر بإرجاع المال لأصحابه فيتقيأ عمداً لإخراجه ، فلا إشكال حينئذٍ في بطلان الصوم لتعمد القيء الذي هو من المفطرات .
الثانية / أن لا يتقيأ فعلاً لكن لم يكن عازماً على ترك التقيؤ بل كان عنده استعداد وإرادة للتقيؤ أو على الأقل هو متردد بين أن يتقيأ أو لا ، وحينئذٍ يبطل صومه أيضاً ولا يصح وإن لم يتقيأ فعلاً ، لأنه حينئذٍ يعتبر غير ناوٍ للصوم ومع عدم النية يبطل الصوم ، وذلك لأنه كما تقدم أن نية الصوم هي العزم على ترك المفطرات فمن لم يعزم على ترك المفطر فهو غير ناوٍ للصوم ومن لم ينوِ الصوم فلا صوم له ، وهذا الشخص بعدم عزمه على ترك التقيؤ في النهار الذي هو أحد المفطرات فلا تتصور منه نية الصوم فيبطل صومه .
فقوله : ( إذا ابتلع في الليل ما يجب قيؤه في النهار بطل صومه إذا تقيأ ) فعلاً ، إشارة الى الحالة الأولى فإذا تقيأ فعلاً بطل صومه ( أو لم يكن عازما على ترك التقيؤ ) وهو إشارة الى الحالة الثانية أي وإن لم يحصل التقيؤ فعلاً فكذلك يبطل صومه إذا لم يكن عازماً على ترك التقيؤ .
لكن في هذه الحالة الثانية وهي ما إذا لم يكن عازماً على ترك التقيؤ وإن لم يتقيأ فعلاً إنما يبطل الصوم بشرط ، وهو أن يكون ملتفتاً الى أن تعمد التقيؤ من المفطرات ، أما إذا لم يكن ملتفتاً الى ذلك فصومه صحيح وإن لم يكن عازماً على تركه ، وذلك لما تقدم في المسألة (973) من أنه لو لم يتصور بعض المفطرات في عزمه على الصوم او اعتقد عدم مفطريتها لم يضر ذلك بصومه وأنه يكفي العزم الإجمالي على ترك المفطرات وإن لم يعلم بكل المفطرات بالتفصيل ، لذا قال الماتن ( مع الالتفات إلى كونه مانعا عن صحة الصوم ) إشارة الى هذا الشرط .
وقوله ( في الوقت الذي لا يجوز تأخير النية إليه اختيارا ) متعلق بقوله لم يكن عازماً على ترك التقيؤ ، أي الحالة الثانية التي يبطل فيها الصوم أن يكون غير عازم على ترك التقيؤ في الوقت الذي يجب فيه أن يكون عازماً على تركه وهو وقت تضيق النية ، فلو لم يعزم على ترك التقيؤ حتى تجاوز آخر وقت النية بطل الصوم ، كما إذا طلع الفجر في صوم رمضان وهو غير عازم على ترك التقيؤ فحينئذٍ يبطل صومه لعدم جواز تأخير النية وهي العزم على ترك المفطرات عن الفجر في صوم رمضان فإذا طلع الفجر وهو غير عازم على ترك المفطر وهو التقيؤ بطل صومه لعدم النية ، وهكذا كل نوع من أنواع الصوم حسب وقت تضيق النية فيه على ما تقدم في فصل النية لذا قال ( المختلف باختلاف أنحاء الصوم كما تقدم في المسألة 976 ) أي هذا الوقت الذي يختلف باختلاف أنحاء الصوم وأنواعه ففي رمضان بطلوع الفجر وفي الواجب المعين بالزوال وفي المستحب قبيل الغروب .
قوله : ( ولا فرق في ذلك كله بين ما إذا انحصر اخراج ما ابتلعه بالقئ وعدم الانحصار به ) هذا إشارة الى رأي بعض الفقهاء كالسيد اليزدي حيث ذهب الى التفصيل في المسألة بين ما إذا انحصر إخراج ما ابتلعه في الليل بالتقيؤ في النهار فيفسد صومه بمجرد ابتلاعه ولو لم يتقيأ ، وبين ما إذا كان ما ابتلعه يمكن إخراجه بغير التقيؤ فحينئذٍ لا يبطل الصوم بمجرد ابتلاعه الا إذا اختار إخراجه بالتقيؤ ، فذكر الماتن أنه لا فرق بين الصورتين في البطلان أو عدمه فيبطل الصوم إذا تقيأ أو لم يكن عازماً على ترك التقيؤ سواء مع الانحصار او عدمه .
والمسألة مبتنية على مبحث أصولي معمّق يسمى بمبحث الترتب ولأجل اختلاف الأنظار فيه اختلف الحكم هنا في هذه المسألة .
خلاصة الكلام /
إذا تناول في الليل ما يجب عليه أن يتقيأه في النهار ، فحكم صومه :
1. أن يتقيأه في النهار فعلاً وحينئذٍ يبطل صومه سواء كان عازماً على ترك التقيؤ أو لا فمع التقيؤ فعلاً يبطل الصوم .
2. أن لا يتقيأه في النهار فعلاً ولكن لم يكن عازماً على ترك التقيؤ بل كان مستعداً ومريداً للتقيؤ أو متردداً فيه الى وقت تضيّق النية مع علمه بمفطرية تعمد التقيء فهنا يبطل صومه أيضاً .
3. أن لا يتقيأه في النهار فعلاً ولكن لم يكن عازماً على ترك التقيؤ بل كان مستعداً ومريداً للتقيؤ أو متردداً فيه الى وقت تضيّق النية مع عدم علمه بمفطرية تعمد التقيء فهنا صومه صحيح .
4. أن لا يتقيأه في النهار فعلاً ولم يكن عازماً على ترك التقيؤ بل كان مستعداً ومريداً للتقيؤ أو متردداً فيه ، لكن قبل وقت تضيّق النية يرجع ويعزم على ترك التقيؤ فهنا لا يبطل صومه أيضاً .
مولى أبي تراب
10-08-2012, 10:24 AM
مسألة 1003 : ليس من المفطرات مص الخاتم ، ومضغ الطعام للصبي ، وذوق المرق ونحوها مما لا يتعدى إلى الحلق ، أو تعدى من غير قصد ، أو نسيانا للصوم ، أما ما يتعدى عمدا فمبطل وإن قل ، ومنه ما يستعمل في بعض البلاد المسمى عندهم بالنسوار على ما قيل وكذا لا بأس بمضغ العلك وإن وجد له طعما في ريقه ، ما لم يكن لتفتت أجزائه ، ولا بمص لسان الزوج والزوجة ، والأحوط الأولى الاقتصار على صورة ما إذا لم تكن عليه رطوبة ، ولكن لا يترك الاحتياط بعدم بلع الريق مع عدم استهلاكها فيه .
-----------------------
( ليس من المفطرات مص الخاتم ) ونحوه من الجمادات ولو عمداً لعدم انطباق شيء من المفطرات عليه في مقابل مص مثل نواة التمر فإنه مكروه لاحتمال بقاء شيء عليه
( ومضغ الطعام للصبي وذوق المرق ونحوها مما لا يتعدى إلى الحلق ) من دون تناول شيء منه لعدم صدق الأكل ما لم يتجاوز الطعام الحلق
( أو تعدى من غير قصد ، أو نسيانا للصوم ) فلا يضر بالصوم لأن المبطل هو تعمد تناول المفطر اختياراً دونما إذا كان من غير قصد أو بقصد لكن مع السهو والنسيان بكونه صائماً كما سيأتي في التتميم إن شاء الله
( أما ما يتعدى عمدا فمبطل وإن قل ) فيبطل الصوم بتناول الطعام وإن كان قليلاً فإن ما يفطر كثيره فكذا قليله كما تقدم عند الحديث عن مفطرية الأكل والشرب حيث قال الماتن ( الأكل والشرب مطلقا ، ولو كانا قليلين )
( ومنه ما يستعمل في بعض البلاد المسمى عندهم بالنسوار على ما قيل ) هذا مثال لقليل الطعام المبطل إذا تعدى الحلق عمداً ، والنسوار قيل هو ( متعارف عند الأفغانيين والخليجيّين وهو مادة معمولة من التتن يجعل منها مقدار بجانب الأضراس فيسري محلولها عبر الريق إلى الجوف )
( وكذا لا بأس بمضغ العلك وإن وجد له طعما في ريقه ، ما لم يكن لتفتت أجزائه ) فهو من قبيل مضغ الطعام فمجرد وجود الطعام في فضاء الفم غير مبطل ما لم يتجاوز الحلق عمداً ولا يضر بالصوم أن يجد له طعماً فإنه مجرد تذوق باللسان ، نعم إن كان الطعم لتفتت أجزائه فعبور تلك الأجزاء يضر وإن كانت صغيرة جداً بل وإن استهلكت بالريق
( ولا بمص لسان الزوج والزوجة ) لورود الإذن به في الروايات ولعدم صدق الأكل والشرب عليه ، قال بعض الفقهاء والظاهر أنّ ذكر لسان الزوجين من باب المثال فيشمل مصّ لسان الصبيّ مثلاً ( والأحوط الأولى الاقتصار على صورة ما إذا لم تكن عليه رطوبة ) لا خلاف بين الفقهاء في جواز مص لسان الزوج والزوجة لورود النص به ولكن اختلفوا هل أن الجواز يشمل ما إذا كان اللسان جافاً او رطباً أو خصوص ما إذا كان جافاً ؟ اشترط بعضهم أن لا يكون رطباً لذا احتاط به المصنف لكنه احتياط استحبابي لأن النص مطلق فالجواز شامل لما إذا كان لسان الآخر جافاً او رطباً ( ولكن لا يترك الاحتياط بعدم بلع الريق مع عدم استهلاكها فيه ) بعد أن احتاط استحباباً بعدم مص اللسان الرطب ، أحتاط هنا وجوباً بعدم بلع الريق عند مص اللسان الرطب ما لم تستهلك الرطوبة في الريق ، فإذا مص الزوج لسان زوجته وكان عليه رطوبة بحيث انتقلت الرطوبة الى لسانه فالاحتياط لا يترك أي الأحوط وجوباً أن لا يبلع الزوج ريقه حتى لا يبلع تلك الرطوبة الا إذا استهلكت تلك الرطوبة التي كانت على لسان الزوجة في ريقه فيجوز بلع ريقه حينئذٍ ، ووجه هذا الاحتياط أن النص وإن كان مطلقاً وشاملاً لجفاف اللسان ورطوبته فيدل على جواز مص اللسان الرطب لكن يحتمل أنه وارد في أصل جواز مص اللسان الرطب ولا يدل على جواز بلع تلك الرطوبة .
مولى أبي تراب
10-08-2012, 10:25 AM
مسألة 1004 : يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلها وملاعبتها إذا كان واثقا من نفسه بعدم الانزال ، وإن قصد الانزال كان من قصد المفطر ، ويكره له الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق كالصبر والمسك ، وكذا دخول الحمام إذا خشي الضعف ، وإخراج الدم المضعف ، والسعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق ، وشم كل نبت طيب الريح ، وبل الثوب على الجسد ، وجلوس المرأة في الماء ، والحقنة بالجامد ، وقلع الضرس بل مطلق إدماء الفم ، والسواك بالعود الرطب ، والمضمضة عبثا ، وإنشاد الشعر إلا في مراثي الأئمة ( عليهم السلام ) ومدائحهم .
---------------------
( يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلها وملاعبتها ) لئلا تتحرك الشهوة ( إذا كان واثقا من نفسه بعدم الانزال ) أما إذا كان واثقاً من الإنزال أو محتملاً له لم تجز هذه الأمور كما تقدم في المفطر الثامن .
( وإن قصد الانزال كان من قصد المفطر ) فيجب القضاء لما تقدم أنه يكفي في بطلان الصوم أن يقصد المفطر فيبطل الصوم وعليه القضاء ولو لم يفعل وإذا فعل وجبت الكفارة أيضاً .
( ويكره له الاكتحال بما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق كالصبر والمسك ) للنهي عنه في الأخبار وقد حمله الفقهاء على الكراهة لعدم كونه مفطراً لعدم صدق الأكل والشرب عليه .
( وكذا دخول الحمام إذا خشي الضعف ) للنهي عنه في الأخبار وقد حمله الفقهاء على الكراهة لعدم كونه من المفطرات .
( وإخراج الدم المضعف ) بالحجامة أو عن طريق الوريد كما في التبرع بالدم او بغير ذلك لدلالة الأخبار على الكراهة إذا استلزم الإخراج ضعفاً وغشياناً أو هيجان المرة ونحو ذلك ، وذكروا بأنه يحرم إخراج الدم إذا استلزم الإغماء المبطل للصوم لأدائه إلى تعمد الافطار فإن الصوم لا يصح مع الإغماء على تفصيل يأتي في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى .
( والسعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق ) لدلالة الروايات على الكراهة والسعوط هو الدواء المائع الذي يصب في الأنف ، ونقل عن ابن حجر قوله ( السعوط هو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهناً فيه دواء مفرد أو مركب ، ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس ) ، والمكروه منه ما لا يعلم بوصوله إلى الحلق والا حرم .
( وشم كل نبت طيب الريح ) عن الحسن بن راشد قال : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام ...... الصائم يشم الريحان قال « لا لأنه لذة ويكره له أن يتلذذ » ، والمراد بالريحان كل نبات طيب الرائحة سواء كان من النبات نفسه أم من الأزهار .
( وبلّ الثوب على الجسد ) عن عبد اللَّه بن سنان قال سمعت أبا عبد اللَّه عليه السّلام يقول « لا تلزق ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره » .
( وجلوس المرأة في الماء ) فهو مكروه على المشهور لما رواه حنان بن سدير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : " سألته عن الصائم يستنقع في الماء فقال لا بأس ولكن لا ينغمس فيه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بفرجها " ، وذهب بعض الفقهاء المتقدمين الى المفطرية والقضاء وزاد بعضهم وجوب الكفارة واختار بعض الحرمة فقط دون القضاء والكفارة ، ولأجل النهي في الرواية ووقوع هذا الخلاف احتاط بعض الفقهاء بالترك وجوباً كالسيد الكلبايكاني او استحباباً كالسيد اليزدي وغيره .
( والحقنة بالجامد ) لذهاب بعض الفقهاء الى مفطريتها كالحقنة بالمائع فاحتياطاً بقولهم يقال بالكراهة وإن كان المشهور عدم البأس بها واختصاص المفطرية بالمائع كما تقدم في المفطر التاسع .
( وقلع الضرس بل مطلق إدماء الفم ) لما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام " في الصائم ينزع ضرسه ؟ قال : لا ، ولا يدمي فمه " ، والكراهة هنا في إدماء الفم مطلقة وإن لم يستلزم الضعف ، فما تقدم من كراهة إخراج الدم المضعف يكون في غير إدماء الفم .
( والسواك بالعود الرطب ) للنهي عنه في جملة من النصوص ، المحمول على الكراهة .
( والمضمضة عبثا ) لمجرد العبث والتلذذ والتبرد من العطش وليس لأجل غرض صحيح كالوضوء مثلاً ولو دخل الماء الجوف من دون قصد فعليه القضاء بخلاف ما إذا كانت المضمضة لوضوء الفريضة فلا يبطل الصوم كما سيأتي إن شاء الله في آخر الفصل الثالث ، والكراهة إنما تكون مع عدم العلم بالدخول الى الحلق وأما مع العلم بالدخول فتحرم ، بل يجب القضاء والكفارة لو دخل لكونه من الإفطار العمدي .
( وإنشاد الشعر ) للنهي عنه في الأخبار ( إلا في مراثي الأئمة عليهم السلام ومدائحهم ) لما عن خلف بن حماد : " قلت للرضا ( ع ) : إن أصحابنا يروون عن آبائك : أن الشعر ليلة الجمعة ، ويوم الجمعة ، وفي شهر رمضان ، وفي الليل مكروه . وقد هممت أن أرثي أبا الحسن ( ع ) ، وهذا شهر رمضان . فقال ( ع ) : إرث أبا الحسن ( ع ) في ليلة الجمعة ، وفي شهر رمضان وفي الليل وفي سائر الأيام ، فإن الله عز وجل يكافؤك على ذلك بالثواب الجزيل " .
مولى أبي تراب
10-08-2012, 10:26 AM
وفي الخبر : ( إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب ، وغضوا أبصاركم ، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ، ولا تماروا ، ولا تكذبوا ، ولا تباشروا ، ولا تخالفوا ، ولا تغضبوا ، ولا تسابوا ، ولا تشاتموا ، ولا تنابزوا ، ولا تجادلوا ، ولا تباذوا ، ولا تظلموا ، ولا تسافهوا ، ولا تزاجروا ، ولا تغفلوا عن ذكر الله تعالى ) الحديث طويل .
-------------------------
قال السيد الصدر في منهج الصالحين ( ان هذه الصفات مطلوبة في كل الاحوال, سواء في الصوم أم غيره، كما لا يختلف الصوم بين كونه واجباً أو مستحباً, وسواء كان اداء ام قضاء ام كفارة ام غير ذلك ) .
ولكن لا إشكال في أنها تتأكد في أثناء الصوم وخاصة صوم رمضان كيما يحقق الصوم الغرض من تشريعه وهو التقوى كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة / 183 ، وما لم يصل الصوم بصاحبه الى هذه الحالات والصفات فهو صوم لم يحقق الغرض والهدف منه إذ لا يمكن تصور التقوى من دون الاتصاف بهذه الصفات ، بل هو تعب وجوع وعطش ليس الا كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : ( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ والجوع ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء ، حبذا صوم ( نوم ) الأكياس وإفطارهم ) .
والماتن ذكر بعض الحديث الذي وصفه بالطويل وتمامه ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
( إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده إنما للصوم شرط يحتاج أن يحفظ حتى يتم الصوم ، وهو الصمت الداخل ، أما تسمع قول مريم بنت عمران ، اني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا ، يعنى صمتا ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب ، وغضوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا ولا تكذبوا ولا تباشروا ولا تخالفوا ولا تغاضبوا ولا تسابوا ولا تشاتموا ولا تنابزوا ولا تجادلوا ولا تبادوا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تزاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة وألزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق ومجانبة أهل الشر واجتنبوا قول الزور والكذب والفراء والخصومة وظن السوء والغيبة والنميمة ، وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم ، منتظرين لما وعدكم الله متزودين للقاء الله ، وعليكم السكينة والوقار والخشوع والخضوع وذل العبد الخائف من مولاه راجين خائفين راغبين راهبين قد طهرتم القلوب من العيوب وتقدست سرائركم من الخب ونظفت الجسم من القاذورات تبرأ إلى الله من عداه وواليت الله في صومك بالصمت من جميع الجهات مما قد نهاك الله عنه في السر والعلانية وخشيت الله حق خشيته في السر والعلانية ووهبت نفسك لله في أيام صومك ، وفرغت قلبك له ونصبت قلبك له فيما أمرك ودعاك إليه فإذا فعلت ذلك كله فأنت صائم لله بحقيقة صومه صانع لما أمرك ، وكلما نقصت منها شيئا مما بينت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك " إلى أن قال : " إن الصوم ليس من الطعام والشراب إنما جعل الله ذلك حجابا مما سواها من الفواحش من الفعل والقول يفطر الصوم ما أقل الصوّام وأكثر الجوّاع ) وسائل الشيعة ج7 ص119
مولى أبي تراب
12-08-2012, 05:44 PM
تتميم
المفطرات المذكورة إنما تفسد الصوم إذا وقعت على وجه العمد والاختيار ، وأما مع السهو وعدم القصد فلا تفسده ، من غير فرق في ذلك بين أقسام الصوم من الواجب المعين والموسع والمندوب . فلو أخبر عن الله ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه أو كان ناسيا لصومه فاستعمل المفطر أو دخل في جوفه شئ قهرا بدون اختياره لم يبطل صومه ، ولا فرق في البطلان مع العمد بين العالم والجاهل ، نعم لا يبعد عدم البطلان في الجاهل القاصر غير المتردد بالإضافة إلى ما عدا الأكل والشرب والجماع من المفطرات ، وفي حكمه المعتمد في عدم مفطريتها على حجة شرعية .
------------------------------
بعد أن فرغ من تعداد المفطرات وذِكر ما يتعلق بكل واحد منها ، ذكراً تتميماً تعرض فيه الى حكم عام لكل المفطرات ، وهو أن ما تقدم من المفطرات إنما تبطل الصوم بشرط أن تصدر عن عمد واختيار بحيث يتعمد الصائم فعل المفطر باختياره قاصداً للإفطار ، بخلاف ما إذا كان غير قاصد للإفطار كالساهي و الناسي كما لو نسي أنه صائم فشرب الماء فإنه وإن تعمد الشرب ولكن لم يقصد الإفطار لنسيان الصوم ، وكمن اعتقد أن المائع الخارجي مضاف فارتمس فيه فتبين أنه ماء - بناء على مفطرية الارتماس وعدم لحوق المضاف بالماء فيه - فهو غير قاصد للإفطار وإن تعمد الارتماس ، وكما لو أخبر عن الله تعالى او المعصومين عليهم السلام ما يعتقد أنه صدق فتبين كذبه فهو وإن كان عامداً في إخباره الا أنه غير قاصد للإفطار لاعتقاده صدق الخبر ، ففي جميع ذلك ونحوه هو وإن كان قاصداً للفعل الا أنه غير قاصد للإفطار
وبخلاف ما إذا كان فعل المفطر ليس باختياره بل قهراً كما لو زلت قدمه فارتمس في الماء بغير اختياره وكسبق المني بفعل موجبه مع الوثوق بعدم الخروج ، وكما إذا وُجر الماء في حلقه بغير اختياره ونحو ذلك فلا يبطل الصوم لعد صدور المفطر عن اختيار وإرادة
نعم لا بد من استثناء البقاء على الجنابة فإن مفطريته لا تختص بالعمد بل تشمل النسيان أيضاً كما تقدم في المسألة (988) وكذا يبطل الصوم في النومة الثانية والثالثة مع وجود النية للغسل وعدم العمد بالبقاء على الجنابة كما تقدم في المسألة (993) ، كما لا بد من استثناء بعض موراد وجوب القضاء دون الكفارة كالمضمضة و من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر جاهلاً بطلوعه و سبق المني بفعل موجبه إذا لم يكن قاصداً و لا من عادته كما سيأتي إن شاء الله في آخر الفصل الثالث فيجب في هذه الموارد القضاء رغم عدم العمد في الإفطار ، لكن هذه استثناءات من القاعدة دل الدليل عليها .
وعموماً القاعدة وهي عدم بطلان الصوم بفعل المفطرات الا مع العمد والاختيار محل اتفاق ولا خلاف فيها بلا فرق بين أقسام الصوم سواء الواجب المعين كصوم رمضان أو الموسع أي غير المعين كالقضاء او الصوم المندوب فلا يبطل شيء من الصوم بفعل المفطرات الا مع العمد والاختيار .
ثم إنه لا فرق في بطلان الصوم بفعل المفطر عن عمد واختيار بين العالم بالحكم والمفطرية والجاهل به فمن احتقن بالمائع عن عمد واختيار بطل صومه وإن كان جاهلاً بمفطريته للصوم ، فالعلم بالمفطرية ليس شرطاً في بطلان الصوم ووجوب القضاء ، نعم هو شرط في وجوب الكفارة فلا تجب الكفارة على من ارتكب المفطر الا مع العلم بمفطريته كما سيأتي أول الفصل الثالث إن شاء الله تعالى ، أما البطلان ووجوب القضاء فإنه يشمل كل من ارتكب المفطر عن عمد واختيار سواء كان عالماً بأنه من المفطرات أو لا ، فالجاهل بالمفطرية كالعالم بها في بطلان صومه ووجوب القضاء عليه بفعل المفطر وإن اختلف عنه في عدم وجوب الكفارة عليه والإثم .
ثم إن شمول الحكم للجاهل هل يعمّ كلا قسميه القاصر والمقصر أم يختص بالمقصر ؟
الجواب / المعروف هو الشمول فسواء كان الجاهل قاصراً او مقصراً فحكمه حكم العالم في بطلان الصوم بفعل المفطر عن عمد واختيار فمن احتقن بالمائع عامداً مختاراً جاهلاً بمفطريته بطل صومه سواء كان قاصراً في جهله بمفطرية الاحتقان بالمائع او مقصراً .
الا أن السيد الماتن فصّل في المسألة ، وحاصل التفصيل : أن المفطر إن كان هو الأكل او الشرب او الجماع فلا فرق حينئذٍ بين القاصر والمقصر فكلاهما كالعالم في بطلان الصوم بفعل أحد هذه المفطرات الثلاثة ، أما في باقي المفطرات فالحكم بالبطلان مختص بالجاهل المقصر دون القاصر فمن احتقن بالمائع جاهلاً بمفطريته إنما يبطل صومه إن كان مقصراً في جهله وأما إذا كان قاصراً ومعذوراً في جهله بمفطرية الاحتقان بالمائع فصومه حينئذٍ صحيح الا إذا كان متردداً أي شاكاً في المفطرية قبل فعله فإن فعله حينئذٍ بطل صومه .
قوله ( وفي حكمه المعتمد في عدم مفطريتها على حجة شرعية ) أي وفي حكم الجاهل القاصر في عدم بطلان صومه بفعل المفطرات في غير الأكل والشرب والجماع من اعتمد على حجة شرعية في عدم مفطريتها ، فمن قامت عنده حجة شرعية على عدم مفطرية الحقنة بالمائع او تعمد القيء ففعل فصومه صحيح كالجاهل القاصر .
خلاصة الكلام /
إنما يبطل الصوم - بجميع أقسامه - بفعل المفطرات بشرطين :
الأول / العمد بأن يقصد الإفطار مع عدم قصد الإفطار كما في السهو و النسيان
الثاني / الاختيار بأن يصدر الفعل عن إرادة ورغبة فلا يبطل الصوم بفعل المفطر قهراً .
ولا فرق في بطلان الصوم بفعل المفطر مع العمد والاختيار بين العالم بكونه مفطراً والجاهل به
كما لا فرق في الجاهل بين كونه قاصراً أو مقصراً في جميع المفطرات على الرأي المعروف ، وفي خصوص الأكل والشرب والجماع على رأي الماتن ، أما باقي المفطرات فيختص البطلان بالمقصر دون القاصر الا إذا كان متردداً شاكاً في كون ما يفعله من المفطرات ، وفي حكمه من اعتمد على حجة شرعية في عدم مفطرية غير الثلاثة .
مولى أبي تراب
12-08-2012, 05:45 PM
مسألة 1005 : إذا أكره الصائم على الأكل أو الشرب أو الجماع فأفطر به بطل صومه وكذا إذا كان لتقية سواء كانت التقية في ترك الصوم كما إذا أفطر في عيدهم تقية أم كانت في أداء الصوم كالافطار قبل الغروب ، فإنه يجب الافطار حينئذ ولكن يجب القضاء ، وأما لو أكره على الافطار بغير الثلاثة المتقدمة أو أتى به تقية ففي بطلان صومه اشكال ، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط بالاتمام والقضاء .
--------------------------------
إذا أُكره الصائم وأُجبر على فعل المفطر ، فهذا الإكراه يتصور على نحوين :
النحو الأول / أن يكون وقوع المفطر بلا عمد منه ولا اختيار ، بحيث لا يصدر المفطر عن حركة إرادية منه ولا يفعله بنفسه بل يكون مقهوراً عليه ، كالموجر في حلقه أي الذي يصب الماء في حلقه رغماً عنه ، ولا خلاف في أن هذا معذور وصومه صحيح لأنا اشترطنا في بطلان الصوم وقوع المفطر عن عمد واختيار وهذا غير عامد ولا مختار إذ لم يصدر المفطر منه أصلاً حتى يكون كذلك .
النحو الثاني / أن يكون وقع المفطر بفعله مباشرة وباختياره ، غاية الأمر أنه مكره على ذلك وأن فعله المفطر ليس عن طيب نفسه ، كمن هدّده غيرُه وتوعّده بالمكروه والضرر إن لم يفطر ، فأفطر دفعاً للضرر وتخلصاً من المكروه ، وكلام الماتن في هذا النحو الثاني من الإكراه
والمعروف في هذا النحو من الإكراه بطلان الصوم في جميع المفطرات لأن فعل المفطر صدر عن عمد واختيار وقلنا في المسألة السابقة أن فعل المفطر مع العمد والاختيار يبطل الصوم ، وهنا نقول بلا فرق بين أن يكون ذلك عن طيب نفس ورغبة في فعل المفطر أو عن إكراه ودفعاً للضرر المتوعد به ، فالمهم أنه فعل المفطر عن اختيار أياً كان الدافع لارتكابه ، نعم هو معذور فعليه القضاء فقط دون الكفارة .
وفي مقابل هذا القول المعروف ببطلان الصوم بفعل المفطر عن إكراه أياً كان المفطر ، فصل الماتن والسيد الصدر بين الأكل والشرب والجماع فمن أكره على واحد منها ففعل فلا شك في بطلان صومه وعليه القضاء وبين باقي المفطرات فجزم السيد الصدر بعدم البطلان وأما الماتن فاستشكل وتردد في بطلان الصوم بفعلها عن إكراه ، فمن أكره على الكذب على الله او المعصومين ففعل فهل يبطل صومه أو لا ؟ على رأي السيد الصدر لا يبطل ، وعلى رأي الماتن فيه إشكال ، فيحتمل البطلان لأجل صدوره عن اختيار ، ويحتمل عدم البطلان لمكان الإكراه فحينئذٍ الاحتياط الوجوبي يقتضي إتمام الصوم لاحتمال الصحة وبعد ذلك القضاء لاحتمال البطلان .
« حكم الإفطار لتقية »
إذا أفطر لتقية كما إذا أفطر في آخر يوم من شهر رمضان مجاراةً لحكم غيرنا بأنه يوم العيد وأول شوال ، أو أفطر في أحد أيام رمضان تقية بمجرد سقوط قرص الشمس الذي هو الغروب برأي غيرنا ولم ينتظر حتى زوال الحمرة المشرقية الذي هو وقت الغروب عندنا (1) ، فهل يبطل صومه كالمكره أم صومه صحيح لأجل التقية ؟
المعروف بطلان الصوم لأنه من فِعل المفطر عن عمد واختيار ، وكل من فعل المفطر عن عمد واختيار بطل صومه وإن كان لتقية ، فالإفطار لتقية حكمه حكم الإفطار عن إكراه ، وعليه فيأتي الخلاف المتقدم في الإكراه بين الماتن والسيد الصدر وبين غيرهما هنا أيضاً ، فالمعروف بطلان الصوم بالإفطار لتقية أياً كان المفطر الذي فعله ، بينما خص الماتن والسيد الصدر بطلان الصوم إن أفطر بالأكل او الشرب او الجماع لتقية أما إذا أفطر بغير ذلك كما إذا تعمد القيء لتقية ففي بطلان صومه على رأي الماتن إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط بالاتمام والقضاء ، وعلى رأي السيد الصدر لا يبطل الصوم حينئذٍ .
.
.
___________________________________
(1) لا خلاف بين المسلمين في أن الصوم ينتهي بالغروب الذي هو موعد صلاة المغرب ، ولكن متى يتحقق الغروب ؟ رأي غير الإمامية أنه يتحقق باستتار قرص الشمس ووافقهم قليل من علمائنا ، والمعروف والمشهور عند الإمامية - ولو من باب الاحتياط الوجوبي - أنه يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية وهي ضوء الشمس الذي يبقى في المشرق بعد استتار القرص ، والحمرة المشرقية تكون متأخرة عن استتار القرص باثنتي عشرة دقيقة تقريباً ، ويسمون ذهاب الحمرة المشرقية بالغروب الشرعي واستتار القرص بالغروب العرفي . وهناك حمرة أخرى تسمى بالحمرة المغربية وهي ضوء الشمس بعد استتار قرصه في جهة المغرب وتسمى بالشفق وتكون متأخرة عن استتار قرص الشمس بساعة تقريباً ، فأولاً يستتر قرص الشمس ثم بعد اثنتي عشرة دقيقة تقريباً يغيب ضوؤها من جهة المشرق المسمى بالحمرة المشرقية ثم بعد ساعة تقريباً من استتار قرص الشمس يغيب ضوؤها من جهة المغرب المسمى بالحمرة المغربية أو الشفق . هذا كله في غروب الشمس وهناك حمرة مشرقية أخرى تكون عند شروق الشمس وتكون سابقة على ظهور القرص لا متأخرة عنه كما في الغروب ، فهي عبارة عن ضوء الشمس الذي يظهر من جهة المشرق قبل ظهور القرص .
مولى أبي تراب
12-08-2012, 05:47 PM
مسألة 1006 : إذا غلب على الصائم العطش وخاف الضرر من الصبر عليه ، أو كان حرجا جاز أن يشرب بمقدار الضرورة ولا يزيد عليه على الأحوط ، ويفسد بذلك صومه ، ويجب عليه الامساك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان على الأحوط ، وأما في غيره من الواجب الموسع أو المعين فلا يجب .
------------------------------
الكلام هنا ليس عن ذي العطاش المرخّص في الإفطار والمذكور في الفصل الخامس فذاك مرخص في الإفطار ابتداءً ومن أول الأمر ، والمعروف وجوب الفدية عليه ، وفي وجوب القضاء خلاف تقدم الكلام فيه هناك
بل الكلام هنا عن شخص سليم ليس مصاباً بداء العطاش لكن صادف أن أصابه العطش في نهار الصوم فغلبه بحيث خاف إن لم يشرب يقع في الضرر او الحرج البالغين فهل يجوز له شرب الماء ورفع العطش ؟ وعلى تقدير الجواز ما حكم صومه ؟
فههنا سؤالان ، أما الأول فلا إشكال في جواز شرب الماء للصائم الذي غلبه العطش لأجل دفع الضرر والحرج البالغين اللذَين لا طاقة له بتحملهما بحيث يستوجب عدم الشرب الهلاك مثلاً ، دونما إذا كان عطشاً يمكن تحمله ولو بصعوبة نسبية لا تؤدي الى الضرر والحرج ، بل قد يجب شرب الماء كما إذا خاف الهلاك او الضرر البالغ الذي يحرم تحمله .
وأما السؤال الثاني فالمعروف بطلان صومه بذلك لأنه شرِب الماء عن عمد واختيار وكل من شرب الماء كذلك بطل صومه وإن كان مضطراً لرفع العطش الضرري فوجود العذر في تعمد تناول المفطر لا يعني صحة الصوم كما هو الحال في الإكراه والتقية فكذا هنا ، نعم ليس عليه الكفارة لأنه معذور ومأذون شرعاً بالإفطار وشرب الماء . وبطلان الصوم لا يعني الاسترسال في المفطرات بل يجب الاقتصار في شرب الماء على المقدار الذي يرتفع به العطش ويندفع به الضرر والحرج ولا تجوز الزيادة على ذلك فيمسك بقية النهار ، هذا إذا كان في شهر رمضان دون غيره من أنواع الصوم كالقضاء فلا يجب الإمساك وتجوز الزيادة على مقدار الضرورة .
وفي مقابل هذا القول اختار بعض الفقهاء صحة صوم رمضان دون غيره فمن كان صائماً في رمضان فغلبه العطش جاز له أن يشرب الماء بمقدار الضرورة ورفع العطش ولا يزيد ويصح صومه لأنه مضطر فيشمله حديث رفع الاضطرار ، بخلاف باقي أنواع الصوم فإنها تبطل بشرب الماء ، وممن ذهب الى ذلك السيد محمد سعيد الحكيم حيث اختار صحة الصوم إن كان شرب الماء لدفع الضرر أما إذا كان لأجل الحرج الذي يصعب تحمله ففي البطلان إشكال فيصوم احتياطاً ثم يقضي ، وممن استشكل في بطلان الصوم السيد الصدر سواء كان الشرب لأجل الضرر او الحرج فأوجب الاستمرار في الصوم بعد الشرب رجاء المطلوبية ثم القضاء احتياطاً برجاء المطلوبية ايضاً .
.
الى هنا ينتهي الكلام في الفصل الثاني / المفطرات
ثم الكلام في الفصل الثالث / كفارة الصوم
يأتي إن شاء الله تعالى
الحوزويه الصغيره
13-08-2012, 05:21 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
آحسنتم شيخنا الفاضل على هذه المعلومات وهذا التوضيح
في موازين حسناتكم ان شاء الله تعالى ..
موفق بحق الآل
مولى أبي تراب
13-08-2012, 11:29 PM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد
أحسن الله إليكم وجزاكم خيراً فاضلتنا / الحوزوية الصغيرة
أسأل الله أن يحفظكم ويتقبل أعمالكم
مولى أبي تراب
13-08-2012, 11:30 PM
الفصل الثالث / كفارة الصوم
تجب الكفارة بتعمد الافطار بالأكل أو الشرب أو الجماع أو الاستمناء أو البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان ، أو بأحد الأربعة الأول في قضائه بعد الزوال ، أو بخصوص الجماع في صوم الاعتكاف ، أو بشئ من المفطرات المتقدمة في الصوم المنذور المعين ، والظاهر اختصاص وجوب الكفارة بمن كان عالما بكون ما يرتكبه مفطرا ، وأما الجاهل القاصر أو المقصر غير المتردد فلا كفارة عليه على الأظهر ، فلو استعمل مفطرا باعتقاد أنه لا يبطل الصوم لم تجب عليه الكفارة سواء اعتقد حرمته في نفسه أم لا على الأقوى ، فلو استمنى متعمدا عالما بحرمته معتقدا ولو لتقصير عدم بطلان الصوم به فلا كفارة عليه ، نعم لا يعتبر في وجوب الكفارة العلم بوجوبها .
------------------------
بعد أن فرغ الماتن من الحديث عن المفطرات في الفصل السابق ، عقد الكلام في هذا الفصل في كفارة الصوم بفعل المفطرات ، ومن خلاله ستتم الإجابة على عدة تساؤلات وهي :
1. ما هي المفطرات الموجبة للكفارة ؟
2. ما هي أنواع الصوم التي تجب فيها الكفارة ؟
3. ما هي الشروط التي تجب معها الكفارة ؟
4. ما هي الكفارة ؟
5. ما هي أحكام الكفارة ؟
6. ما هو مصرف الكفارة ؟
وفي الكلام المذكور أعلاه للماتن أجاب عن الأسئلة الثلاثة الأولى
أما السؤال الأول / ما هي المفطرات الموجبة للكفارة ؟
فالمعروف بين الفقهاء أن جميع المفطرات فعلها مع العمد والاختيار يوجب الكفارة فمن احتقن بالمائع مع العمد والاختيار وجبت عليه الكفارة كمن أكل أو شرب ، لا يفرق في ذلك بين صوم رمضان أو غيره مما يجب فيه الكفارة من أنواع الصوم فكل المفطرات توجب الكفارة ولو على نحو الاحتياط الوجوبي في بعضها وعلى هذا الرأي أغلب الفقهاء ، نعم يستثنى صوم الاعتكاف فالمعروف اختصاص الكفارة فيه بالجماع دون غيره ، وفي مقابل هذا القول ذهب بعض الفقهاء الى التفصيل فأوجبوا الكفارة في بعض المفطرات دون بعض وإن فعلها مع العمد والاختيار ومنهم السيد الماتن حيث ذهب الى التفصيل وحاصله :
1. في صوم رمضان لا تجب الكفارة بشيء من المفطرات الا في خمسة فقط : الأكل والشرب والجماع والاستمناء والبقاء على الجنابة ، فمن أفطر في صوم رمضان بواحد من هذه المفطرات الخمسة عامداً وجبت عليه الكفارة دون ما سواها فلا يجب الا القضاء .
2. وفي صوم القضاء فلا تجب الكفارة الا بأربعة من المفطرات : الأكل والشرب والجماع والاستمناء ، هذا إذا كان فعل المفطر بعد الزوال أما قبله فلا تجب الكفارة أصلاً في صوم القضاء كما سيأتي في المسألة التالية إن شاء الله .
3. وفي صوم الاعتكاف فلا تجب الكفارة الا بالجماع دونما سواه ، وهذا هو المعروف ولم يختص به الماتن .
4. نعم في الصوم المنذور المعين تجب الكفارة بفعل كل واحد من المفطرات .
فتحصل أن الخلاف بين الماتن والقول المعروف هو في صوم رمضان وقضائه فقط فالمعروف وجوب الكفارة فيهما بكل واحد من المفطرات بينما خص الماتن الوجوب ببعض المفطرات ، ومنشأ الخلاف اختلاف الأنظار فيما يمكن أن يستفاد من الأخبار ، أما في صوم الاعتكاف فالماتن وافق غيره في اختصاص الكفارة بالجماع فقط ، كما وافقهم في صوم النذر المعين بتعميم وجوب الكفارة الى جميع المفطرات .
*******
وأما السؤال الثاني / ما هي أنواع الصوم التي تجب فيها الكفارة ؟
فمن خلال تفصيل الماتن في جواب السؤال الأول اتضحت الإجابة عن هذا السؤال وهو أن الصوم الذي تجب فيه الكفارة أربعة أنواع : صوم شهر رمضان ، صوم قضاء شهر رمضان إذا وقع المفطر بعد الزوال دونما قبله ، صوم الاعتكاف ، الصوم المنذور المعين .
ففي هذه الأنواع الأربعة من الصوم تجب الكفارة دون ما سواها كالمندوب فلا إشكال في عدم وجوب الكفارة فيه لعدم المنع من الإفطار فيه أصلاً ، وكالنذر غير المعين فلا كفارة في إفطار صيام يوم وفاء للنذر غير المعين بل يصوم في يوم آخر ما لم يتضيق ، وهكذا باقي أنواع الصوم
نعم هذه الأصناف الأربعة التي تجب فيها الكفارة وإن اشتركت في أصل وجوب الكفارة فيها ، الا أن نوع الكفارة يختلف بينها فكفارة الإفطار في رمضان غير كفارة الإفطار في قضائه كما سيتضح في المسألة التالية إن شاء الله .
مولى أبي تراب
13-08-2012, 11:32 PM
وأما السؤال الثالث / ما هي الشروط التي تجب معها الكفارة ؟
جوابه / تجب الكفارة بشرطين :
1. أن يكون عامداً في فعل المفطر مختاراً قاصداً للإفطار وهذا ما أشار اليه الماتن بقوله ( تجب الكفارة بتعمد الافطار ) فلا تجب الكفارة مع السهو والنسيان والإكراه والتقية وبشكل عام تجب الكفارة حيث يكون عاصياً في إفطاره قاصداً التمرد على امتثال الصوم الواجب ، دونما إذا كان معذوراً في إفطاره .
2. أن يكون عالماً بأن ما يفعله من المفطرات ، أما إذا كان جاهلاً بمفطرية ما يفعل لم تجب عليه الكفارة وإن كان عامداً ، كمن تعمّد البقاء على الجنابة جاهلاً بمفطريته فهو وإن بطل صومه لما تقدم في مبحث ( تتميم ) أن بطلان الصوم لا يشترط فيه العلم وأن كل من تعمد فعل المفطر بطل صومه وإن كان جاهلاً بالمفطرية ، لكن لا تجب عليه الكفارة لأن وجوب الكفارة مشروط بالعلم بكون ما يرتكبه مفطراً ، لذا قال الماتن ( والظاهر اختصاص وجوب الكفارة بمن كان عالما بكون ما يرتكبه مفطرا ) فالعلم بالمفطرية شرط في وجوب الكفارة وإن لم يكن شرطاً في وجوب القضاء ، فالجاهل بكون ما يرتكبه من المفطرات يبطل صومه مع التعمد لكن لا تجب عليه الكفارة سواء كان جاهلاً قاصراً أي معذوراً في جهله بالمفطرية أو مقصراً بأن لم يكن معذوراً في جهله بالمفطرية ، فمن شرب الدواء متعمداً جاهلاً بالمفطرية بطل صومه لكن لا تجب الكفارة سواء كان جهله بمفطرية الدواء عن قصور أو عن تقصير ، خلافاً لبعض الفقهاء حيث أوجب الكفارة على المقصر ، نعم استثنى الماتن والسيد الصدر المقصر المتردد فمن كان جاهلاً مقصراً بمفطرية ما يفعله إذا تردد وشك في مفطريته ومع ذلك فعله وجبت الكفارة عليه .
ثم إن بعض الفقهاء استثنى المفطرات المحرمة كالكذب على الله والمعصومين والاستمناء فمن ارتكبها عالماً بحرمتها وجبت عليه الكفارة وإن كان جاهلاً بمفطريتها كما هو رأي السيد الخوئي وغيره بل هو القول المعروف ، الا أن الماتن والسيد الصدر اختارا عدم الاستثناء وعدم وجوب الكفارة على الجاهل بمفطرية ما يرتكبه حتى لو كان عالماً بحرمته .
والحاصل / أن مرتكب المفطر - الذي تجب فيه الكفارة على رأي الماتن - لا يخلو : أن يكون عالماً بكونه مفطراً ولا إشكال في وجوب الكفارة عليه ، أو يكون جاهلاً قاصراً بمفطريته ولا إشكال على الرأي المعروف بعدم وجوب الكفارة عليه ، أو يكون جاهلاً مقصراً فالمعروف عدم وجوب الكفارة عليه لكن استثنى الماتن والسيد الصدر المتردد فأوجبا عليه الكفارة ، أو يكون عالماً بحرمته وإن جهل مفطريته فالمعروف وجوب الكفارة عليه الا أن السيد الماتن والسيد الصدر اختارا عدم وجوب الكفارة عليه .
قوله ( نعم لا يعتبر في وجوب الكفارة العلم بوجوبها ) أي يشترط العلم بالمفطرية في وجوب الكفارة فلا تجب الكفارة على من كان جاهلاً بمفطرية ما يرتكبه ، لكن لا يشترط العلم بوجوب الكفارة في وجوبها فمن كان يجهل وجوب الكفارة في فعل المفطرات تجب عليه الكفارة بفعل المفطرات ما دام عالماً بمفطريتها ، فمن شرب الماء عامداً في نهار رمضان وكان عالماً بكونه من المفطرات وجبت عليه الكفارة وإن كان جاهلاً بوجوب الكفارة على من أفطر عامداً ، فليس شرط اشتغال الذمة بالكفارة أن يعلم بتشريعها بل يكفي أن يعلم بأن ما يفعله من المفطرات مع التعمد في فعله .
خلاصة المسألة /
1. المعروف أن جميع المفطرات توجب الكفارة وخالف السيد الماتن فخصص وجوب الكفارة في رمضان بالأكل والشرب والجماع والاستمناء والبقاء على الجنابة دون غيرها ، وبالأكل والشرب والجماع والاستمناء في صوم القضاء ، نعم في صوم النذر المعين تجب الكفارة بفعل أي واحد من المفطرات .
2. يختص وجوب الكفارة بأربعة أصناف من الصوم : صوم شهر رمضان ، صوم قضاء شهر رمضان إذا وقع المفطر بعد الزوال دونما قبله ، صوم الاعتكاف ، الصوم المنذور المعين .
3. لا تجب الكفارة الا على العامد في فعل المفطر العالم بكونه مفطراً دون الجاهل سواء كان قاصراً أو مقصراً على الرأي المعروف واستثنى الماتن والسيد الصدر المقصر المتردد فتجب عليه الكفارة ، والمعروف استثناء العالم بحرمة فعل المفطر كالاستمناء فتجب عليه الكفارة وإن جهل مفطريته وخالف السيد الماتن والسيد الصدر فحكما بعدم وجوب الكفارة عليه أيضاً ما دام جاهلاً بمفطريته حال ارتكابه .
مولى أبي تراب
13-08-2012, 11:39 PM
مسألة 1007 : كفارة إفطار يوم من شهر رمضان مخيرة بين عتق رقبة ، وصوم شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكينا ، لكل مسكين مد . وكفارة إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين مد ، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، وكفارة إفطار الصوم المنذور المعين كفارة يمين ، وهي عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، لكل واحد مد ، أو كسوة عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات .
-----------------------------
في هذه المسألة يجيب الماتن عن السؤال الرابع من الأسئلة الستة المتقدمة وهو :
ما هي الكفارة ؟
وقد تقدمت الإشارة الى اختلاف نوعية الكفارة بين أنواع الصوم الأربعة التي تجب فيها الكفارة وهي : صوم شهر رمضان ، صوم قضاء شهر رمضان إذا وقع المفطر بعد الزوال دونما قبله ، صوم الاعتكاف ، الصوم المنذور المعين .
أما كفارة الإفطار في صوم رمضان عن كل يوم منه فهي التخيير بين عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد من الطعام أي ثلاثة أرباع الكيلو ، فيتخير في التكفير بين واحد من هذه الخصال الثلاث فأيها اختار يتحقق التكفير ، والقول بالتخيير هو المعروف والمشهور .
وكفارة صوم الاعتكاف هي نفسها كفارة صوم رمضان على القول المعروف واختار بعضهم كالسيد الصدر والشيخ الفياض أنها مرتبة لا مخيرة فتكون ككفارة الظهار فيجب عتق رقبة أولاً فإن عجز فالصيام وإلا فالاطعام .
وأما كفارة الإفطار في صوم القضاء بعد الزوال فهي على المشهور إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، فيجب الترتيب بأن يكفّر بالإطعام أولاً فإن عجز انتقل الى التكفير بالصوم .
أما قبل الزوال فالمشهور جواز الافطار لما تقدم من استمرار نية الواجب غير المعين الى الزوال وحينئذٍ لا خلاف في عدم وجوب الكفارة قبل الزوال في صوم القضاء لعدم حرمة الإفطار أًصلاً .
وأما كفارة إفطار الصوم المنذور المعين فهي كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد مد أو كسوة عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات ، وهذا هو المعروف وذهب بعض الفقهاء الى أنها ككفارة شهر رمضان .
ونلاحظ أنها مخيرة مرتبة فيتخير أولاً بين ثلاث خصال العتق والإطعام والكسوة فأيها اختار صح فإن عجز عن الثلاثة انتقل الى الصوم ثلاثة أيام ولا يصح الانتقال الى الصوم مع القدرة على واحد من الثلاثة العتق والإطعام والكسوة .
ويلحق بالنذر المعين النذر غير المعين إذا صار معيناً بالعرض لأجل الضيق ، كما لو نذر صوم يوم من رجب فلم يصم إلى أن بقي منه يوم واحد فلا فرق بين المعين بالذات أو بالعرض في وجوب الكفارة .
مولى أبي تراب
13-08-2012, 11:40 PM
مسألة 1008 : تتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين ، لا في يوم واحد حتى في الجماع والاستمناء ، فإنها لا تتكرر بتكررهما على الأظهر ، ومن عجز عن الخصال الثلاث تصدق بما يطيق ، ومع التعذر يتعين عليه الاستغفار ولكن يلزم التكفير عند التمكن ، على الأحوط وجوبا .
---------------------------
في هذه المسألة وما بعدها يشرع الماتن في الإجابة عن السؤال الخامس فيتعرض الى أحكام الكفارة .
وقد ذكر في هذه المسألة حكمين :
الحكم الأول / لا خلاف في أن تكرر موجب الكفارة في يومين يوجب تتكرر الكفارة ، ونعني بموجب الكفارة فعل المفطر ، سواء كل واحد من المفطرات في صوم رمضان وقضائه على القول المعروف او خصوص الأكل والشرب والجماع والاستمناء والبقاء على الجنابة في صوم رمضان وخصوص الأربعة الأُوَل في قضائه على رأي الماتن ، والجماع في صوم الاعتكاف وكل واحد من المفطرات في صوم النذر المعين على رأي الجميع ، وإجمالاً موجب الكفارة هو المفطر الذي تجب الكفارة بفعله ، فلا خلاف في أنّ تكرّرَه بمعنى فعل الصائم له أكثر من مرة يوجب تكرار الكفارة وتعدد وجوبها إذا كان التكرار وتعدد فعل المفطر قد حصل في أكثر من يوم واحد ، كمن شرب الماء في يومين من شهر رمضان فلا إشكال في وجوب كفارتين عليه عن كل يوم واحدة .
وإنما الكلام في تكرر فعل المفطر في يوم واحد كمن شرب الماء في يوم واحد مرتين فهل تتعدد الكفارة فتجب عليه كفارتان ؟
الجواب / في المسألة قولان : القول الأول / لا تتكرر الكفارة بتكرر فعل المفطر في يوم واحد الا في الجماع والاستمناء فمن جامع في نهار واحد مرتين وجبت عليه كفارتان وهكذا لكل مرة كفارة ولو في يوم واحد وإن كان الإفطار وفساد الصوم قد تحقق في المرة الأولى ، ذهب الى ذلك السيد الخوئي والسيد الصدر وغيرهما بل هو القول المعروف ولو احتياطاً ، وبعضهم خص الحكم بالتكرار بالجماع فقط دون الاستمناء .
القول الثاني / عدم تكرر الكفارة بتكرر المفطرات مطلقاً حتى في الجماع والاستمناء فلا تجب الكفارة الا للمرة الأولى دون ما بعدها ، ذهب الى ذلك بعض الفقهاء منهم السيد الماتن .
وذهب بعض الفقهاء الى بعض التفصيلات مما لا داعي الى ذكرها بعد أن استقر الرأي على أحد القولين المذكورين ، كما أنه على القول الأول تتفرع عدة أحكام وتفصيلات تعرض لها السيد اليزدي رحمه الله في العروة الوثقى .
الحكم الثاني / من عجز عن التكفير بأن لم يتمكن من شيء من خصال الكفارة الثلاث في صوم رمضان ، لا العتق لانعدامه اليوم ولا صيام شهرين متتابعين كما لو عرض عليه المرض المانع من الصوم ولا الإطعام كما لو كان فقيراً ، فما حكمه ؟
الذي عليه الفقهاء المعاصرون الاحتياط الوجوبي بأن يتصدق بما يطيق ويضم إليه الاستغفار وهو الرأي المعروف كما عليه السيد الخوئي وغيره ، واختار الماتن الترتيب بينهما بأن يتصدق أولاً فإن لم يتمكن استغفر الله لا أن يضمه الى التصدق ، فيما ذهب السيد الصدر الى الاحتياط الوجوبي بالاستغفار فقط أما التصدق فهو أحوط استحباباً .
ثم أنه لو ارتفع العجز وتجددت القدرة على التكفير بعد فعل البدل كما لو تمكن من إطعام ستين مسكيناً بعد أن تصدق واستغفر فهل يجب عليه التكفير أم يكتفي بالبدل وتسقط الكفارة بفعله ؟
المعروف هو وجوب التكفير وعدم الاكتفاء بالبدل ولو على نحو الاحتياط الوجوبي .
مولى أبي تراب
13-08-2012, 11:42 PM
مسألة 1009 : الأحوط الأولى في الافطار على الحرام الجمع في التكفير بين الخصال الثلاث المتقدمة .
------------------------------
تقدم أن كفارة الإفطار في شهر رمضان مخيرة بين عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او إطعام ستين مسكيناً فبفعل واحدة من هذه الخصال الثلاث يتحقق التكفير عن إفطار شهر رمضان ، هذا إذا كان المفطر الذي ارتكبه في نهار صوم رمضان مباحاً وحلالاً في حد نفسه كشرب الماء وإن حرم من جهة لزومه الإفطار ، فمن شرب الماء في نهار رمضان عامداً عالماً بمفطريته وجبت عليه الكفارة باختيار العتق او الصيام او الإطعام ولا خلاف في ذلك
وإنما الخلاف في ما لو أفطر في نهار رمضان على شيء محرم في نفسه أي محرم ولو في غير نهار رمضان ، سواء كانت حرمته ذاتية أصلية كالاستمناء وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير والزنا والكذب على الله او المعصومين - بناء على إيجابه الكفارة كما هو المعروف خلافاً للماتن - أو كانت حرمة عارضة كالجماع أثناء الحيض ، فما حكمه ؟
الجواب / المعروف أن من أفطر على الحرام في نهار شهر رمضان يجب عليه الجمع بين الخصال الثلاث للكفارة فيعتق ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكيناً لا أن يكتفي بخصلة واحدة كما هو الحال فيمن أفطر على الحلال ، وهذا الرأي هو المعروف ولو على نحو الاحتياط الوجوبي كما هو رأي السيد الخوئي والسيد الصدر وغيرهما ، وإذا تعذر بعض الخصال كما هو الحال في العتق وجب عليه الباقي .
وفي مقابل هذا القول اختار السيد الماتن والشيخ الفياض عدم وجوب كفارة الجمع وأنّ حكم من أفطر على محرم حكم من أفطر على محلل فيكتفي بخصلة واحدة وإن كان الجمع أولى وأحوط استحباباً .
مولى أبي تراب
15-08-2012, 04:37 PM
مسألة 1010 : إذا أكره زوجته على الجماع في صوم شهر رمضان فالأحوط وجوبا أن عليه كفارتين ، ويعزر بما يراه الحاكم الشرعي ، ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة ، ولا تلحق الزوجة بالزوج إذا أكرهت زوجها على ذلك .
---------------------
تقدم في بحث المفطرات أن الجماع يوجب فساد الصوم للفاعل والمفعول ، وتقدم في أوائل هذا الفصل أن الجماع من موجبات الكفارة سواء على الرأي المعروف الذي أوجب الكفارة بفعل كل واحد من المفطرات أو على رأي الماتن الذي جعل موجبات الكفارة في صوم رمضان خمسة من المفطرات فقط أحدها الجماع ، وعليه إذا جامع الرجل زوجته فسد صومهما وعلى كل واحد منهما الكفارة والتعزير ، غير أنه إن كان مكرهاً لها على الجماع تحمّل عنها كفارتها مضافاً الى كفارته فتجب عليه كفارتان ، كما أن عليه التعزير وهو الجلد بالسوط لفعله المفطر ويتحمل عنها التعزير أيضاً وقد حدّده الفقهاء بخمسين سوطاً خمسة وعشرين عنه وخمسة وعشرين عن زوجته غير أن الماتن أوكل التحديد الى الحاكم الشرعي
وقد دلت على هذا الحكم وهو تحمل الزوج الكفارة والتعزير عن الزوجة إذا أكرهها على الجماع رواية وهي ما رواه المفضل بن عمرو عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة ؟ فقال : ان كان استكرهها فعليه كفارتان ، وإن كان طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحد ، وإن كان طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطاً وضربت خمسة وعشرين سوطاً "
ولما كانت الرواية ضعيفة سنداً والحكم على خلاف القاعدة (1) بنى أغلب الفقهاء ومنهم الماتن الحكم على الاحتياط الوجوبي لأن العمل بالرواية مشهور وأفتى به بعضهم ، وخالف الشيخ الفياض فقال هو الأحوط الأولى .
ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة وذلك لإطلاق النص ، فالرواية ذكرت الزوجة ولم تفرق بين الدائمة والمنقطعة ، وسيأتي في المسألة (1013) ما يتعلق بهذه المسألة إن شاء الله تعالى .
وهل كذلك الحكم لو أكرهت الزوجةُ الصائمة زوجَها الصائم على الجماع ؟ فتتحمل عنه الكفارة والتعزير ؟
المعروف عدم ذلك اقتصاراً على مورد النص خصوصاً أن الحكم على خلاف القاعدة كما قلنا ، واحتاط السيد الصدر وجوباً بشمول الحكم للزوجة إذا أكرهت زوجها .
وقد تسأل / عرفنا أن الزوج إذا أكره زوجته على الجماع تحمل عنها الكفارة والتعزير ولكن ما حكم صومها ؟
الجواب / لمّا كانت مكرهة فيظهر الجواب مما تقدم في المسألة (1005) وذكرنا هناك نحوين للإكراه أحدهما الإكراه الذي يسلب الإرادة كالموجر في حلقه وقلنا هذا صومه صحيح ، والإكراه الذي لا يسلب الإرادة بل يصدر الفعل عن قصد لكن لا يكون الباعث له الرغبة به بل الإكراه عليه ودفعاً للضرر والتهديد فحينئذٍ يبطل الصوم ولا تجب الكفارة ، فهنا نقول إن بلغ الإكراه حد الغصب وسلب الإرادة فصومها صحيح ، وإن صدر الفعل منها عن قصد دفعاً لوعيده وتهديده بطل صومها .
.
_________________________________
(1) الأصل والقاعدة أن كل مكلف مسؤول عن تكليفه فقط ، ولا يجب عليه امتثال تكليف غيره ، أمّا أن يُطالب بامتثال التكليف المتوجه الى غيره فهذا على خلاف القاعدة والأصل فيحتاج الى دليل ، وأولى من ذلك أن يُطالب بامتثال التكليف عن الغير مع عدم توجهه الى الغير أصلاً كما في المقام فإن الزوجة غير مكلفة بالكفارة لأنها مكرهة ومع ذلك يتحمل الزوج عنها الكفارة فهذا على خلاف القاعدة والأصل من باب أولى .
مولى أبي تراب
15-08-2012, 04:38 PM
مسألة 1011 : إذا علم أنه أتى بما يوجب فساد الصوم ، وتردد بين ما يوجب القضاء فقط ، أو يوجب الكفارة معه لم تجب عليه ، وإذا علم أنه أفطر أياما ولم يدر عددها اقتصر في الكفارة على القدر المعلوم ، وإذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة ، وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا .
------------------------
عندنا قاعدة تقول : إذا شككنا في أصل التكليف فالأصل عدم التكليف وبراءة ذمتنا منه
وعندنا قاعدة أخرى تقول : إذا علمنا بالتكليف واشتغال ذمتنا به ولكن شككنا في مقداره بحيث دار بين الأقل والأكثر اقتصرنا على الأقل ولم يجب فعل الأكثر
ولهاتين القاعدتين تطبيقات كثيرة في الفقه كما إذا شككتُ أنّ عليّ صلاة فائتة أو لا ؟ فالحكم عدم وجوب القضاء تطبيقاً للقاعدة الأولى ، وكذا إذا شككت أني مَدين لزيدٍ ببعض المال فيجب عليّ الوفاء أو لا ؟ لم يجب الوفاء
وتارة أعلم أن عليّ بعض الصلوات الفائتة لكن أشك في عددها هل هي صلوات يومين أو ثلاثة أيام ؟ وأعلم أني مَدين لزيدٍ بمال لكن هل هو دينار أو ديناران ؟ فحينئذٍ أقتصر على الأقل ولا يجب علي الأكثر تطبيقاً للقاعدة الثانية الى ما شاء الله من التطبيقات
وعندنا قاعدة ثالثة تقول : إذا علِم الفرد بالتكليف واشتغال ذمته بأحد شيئين بحيث تردد بينهما وجب عليه عند الامتثال إحراز فراغ الذمة من كلا التكليفين ، سواء بامتثالين كما إذا علم أن عليه قضاء ولكن لم يدرِ هل هو قضاء صوم او صلاة وجب عليه قضائهما معاً أو بامتثال واحد كما إذا علم أن عليه صلاة فائتة لكن لم يدرِ هل هي صلاة الظهر او العصر ؟ كفاه صلاة واحدة بقصد الأعم منهما .
وفرق هذه القاعدة عن السابقة أنه في السابقة التكليف واحد ولكن يشك في مقداره فالدوران بين الأقل والأكثر ، أما هنا فالدوران بين تكليفين لا يدري أيهما هو المكلف به ، فهناك أعلم أن عليّ صلاة ولكن هل صلاة يوم أو يومين أما هنا فلا أعلم أعليّ صلاة أم صوم
والماتن وغيره من الفقهاء ذكروا في هذه المسألة بعض الأحكام هي تطبيقات لهذه القواعد الثلاث ، وهي :
1. ( إذا علم أنه أتى بما يوجب فساد الصوم ، وتردد بين ما يوجب القضاء فقط ، أو يوجب الكفارة معه لم تجب عليه ) كما إذا كان يتذكر أنه تناول الدواء عامداً في نهار صوم رمضان فلا إشكال في وجوب القضاء عليه ولكن لا يدري هل كان حينها عالماً بكونه مفطراً فتجب عليه الكفارة أيضاً أو لا ؟ لما تقدم أن وجوب الكفارة مشروط بالعلم بالمفطرية ، فحينئذٍ لا تجب عليه الكفارة لأنه شاك في وجوبها وهذا من تطبيقات القاعدة الأولى ، وكمثال آخر على - رأي الماتن - ما لو علم أنه فعل أحد المفطرات عمداً ولكن لا يدري هل هو أحد الخمسة الموجبة للكفارة وهي الأكل والشرب والجماع والاستمناء والبقاء على الجنابة فتجب عليه الكفارة أيضاً أم غيرها كتعمد القيء فلا تجب الكفارة ؟ لم تجب عليه الكفارة حينئذٍ لأنه شك في التكليف وهو وجوب دفع الكفارة
مولى أبي تراب
15-08-2012, 04:38 PM
2. ( وإذا علم أنه أفطر أياما ولم يدر عددها اقتصر في الكفارة على القدر المعلوم ) كما إذا شك أنه أفطر عمداً عشرة أيام فتجب عليه كفارة عشرة أيام فقط أو عشرين يوماً فتجب عليه كفارة عشرين يوم ؟ اقتصر على القدر المعلوم أي الأقل وهو العشرة أيام وهذا من تطبيقات القاعدة الثانية ، ونفس الكلام يقال في القضاء فلا يجب أن يقضي أكثر من عشرة أيام ، وسمّى القدر الأقل بالمعلوم لأنه معلوم على أي حال سواء كان مكلفاً بالزائد أو لا ، فالتكليف بالعشرة معلوم ومتيقن وإنما الشك في العشرة الزائدة ، لذا يسمى الأقل بالقدر المتيقن أيضاً .
3. ( وإذا شك في أن اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه وقد أفطر قبل الزوال لم تجب عليه الكفارة ) أي إذا كان يتذكر أنه أفطر يوماً قبل الزوال عمداً ولكن لا يتذكر هل كان هذا اليوم من رمضان فتجب عليه الكفارة ام كان من قضائه فلا تجب عليه الكفارة لعدم وجوب الكفارة بالإفطار في صوم القضاء قبل الزوال كما تقدم ؟ فحينئذٍ لا تجب عليه الكفارة لأنه شاك في وجوبها عليه لاحتمال أنه أفطر في صوم القضاء قبل الزوال لا في صوم رمضان ، وهذا من تطبيقات القاعدة الأولى لأنه شك في التكليف بدفع الكفارة .
4. ( وإن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستين مسكينا ) أي إذا كان يتذكر أنه أفطر يوماً بعد الزوال عمداً فهو متيقن من وجوب الكفارة عليه ولكن لا يتذكر هل كان هذا اليوم من رمضان فتجب عليه كفارة رمضان وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً ، أم كان من القضاء فتجب عليه كفارة صوم القضاء وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد ، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام ؟ وهذا من تطبيقات القاعدة الثالثة فالشك والدوران بين تكليفين فلا يدري هل هو مكلف بكفارة رمضان ام بكفارة القضاء ، وقلنا لا بد من إحراز فراغ ذمته من كلا التكليفين إما بامتثالين بأن يدفع كلا الكفارتين كفارة رمضان وكفارة القضاء أو بامتثال واحد يضمن معه فراغ الذمة من كلا التكليفين وذلك بأن يطعم ستين مسكيناً فإن كان مطالباً بكفارة رمضان فقد فعل بإطعام ستين مسكيناً ، وإن كان مطالباً بكفارة القضاء وهي إطعام عشرة مساكين فقد فعل وزيادة فقول الماتن ( كفاه إطعام ستين مسكينا ) أي يكفيه امتثال واحد لإحراز فراغ ذمته من كلا التكليفين ، ويمكنه إحراز فراغ الذمة بامتثالين بأن يصوم شهرين متتابعين ويطعم عشرة مساكين مثلاً ، فإن كان مطالباً بكفارة رمضان فقد صام شهرين متتابعين وإن كان مطالباً بكفارة القضاء فقد أطعم عشرة مساكين ، ولكن هذا لا داعي له بعد إمكان التخلص من الشك بامتثال واحد لذا قال كفاه .
مولى أبي تراب
15-08-2012, 04:39 PM
مسألة 1012 : إذا أفطر عمدا ثم سافر قبل الزوال لم تسقط عنه الكفارة .
------------------------
أي عروض ما يسقط معه فرض الصوم كالسفر لا يُسقط الكفارة بالإفطار العمدي قبل ذلك ، فهو عند تناول المفطر كان حاضراً غير مسافر فهو مكلف بالصوم وكل شخص تكليفه الصوم إذا أفطر عمداً وجبت عليه الكفارة مع علمه بمفطرية ما يرتكبه ، وإذا اشتغلت ذمته بالكفارة لم تسقط عنه بالسفر بعد ذلك وإن كان السفر مما يسقط معه التكليف بالصوم .
وهذا من الأخطاء الشائعة فبعض الأشخاص الذين ينوون السفر في أحد أيام رمضان قبل الزوال يتناولون الفطور ثم يسافرون ، والحال أن هذا من الإفطار العمدي فتجب عليهم الكفارة ، والصحيح أن ينووا الصوم قبل الفجر فيصبحوا صائمين وينتظروا الى حين تجاوز حد الترخص ثم يتناولون المفطر .
وإنما قال ( قبل الزوال ) لأن السفر بعد الزوال لا يضر بالصوم وبالتالي من يسافر بعد الزوال لا يتناول المفطر لأن صومه صحيح مع السفر ، مع ذلك إن تناول المفطر بعد الزوال ثم سافر فلا إشكال في وجوب الكفارة عليه أيضاً ، وإنما يقع تناول المفطر عادة لمن يريد السفر إذا كان يريد السفر قبل الزوال الذي هو من مبطلات الصوم باستمراره الى الزوال فيحسب أن بطلان صومه بالسفر قبل الزوال يبيح له تناول المفطر لذا تكلم في هذه الصورة التي يقع فيها الخطأ عادة .
مولى أبي تراب
15-08-2012, 04:39 PM
مسألة 1013 : إذا كان الزوج مفطرا لعذر فأكره زوجته الصائمة على الجماع لم يتحمل عنها الكفارة ، وإن كان آثما بذلك ، ولا تجب الكفارة عليها .
--------------------------
تقدم في المسألة (1010) أن الزوج إذا أكره زوجته على الجماع تحمل عنها الكفارة ، والكلام في تلك المسألة فيما إذا كان الزوج صائماً فيتحمل كفارته وكفارة زوجته ، أما إذا كان مفطراً غير صائم فأكره زوجته الصائمة على الجماع لم يتحمل عنها الكفارة ، لما تقدم في تلك المسألة أن الحكم بتحمل الزوج للكفارة خلاف القاعدة ، والدليل الذي دلّ عليه وهو الرواية وارد في الزوج الصائم فلا يتعدى الى الزوج الفاطر كما لم نتعدَ الى إكراه الزوجة هناك .
الا أنه مأثوم بإكراهها على الجماع وإن لم تجب عليه الكفارة ، والمعروف أن الوجه في كونه مأثوماً أنه أكرهها على ما ليس من حقه شرعاً إذ لا حق له عليها بالجماع في نهار رمضان وهي صائمة ، وقيل إن الوجه كونه صار سبباً لوقوع ما هو مبغوض للمولى وهو الجماع في نهار الصوم ، والفرق بينهما أن الإثم على الوجه الأول لأجل الإكراه على ما ليس بحق ، وعلى الوجه الثاني لأجل التسبيب الى وقوع ما هو مبغوض للمولى .
وعلى أي حال فلا تجب عليها الكفارة لأنها معذورة ومكرهة على الإفطار ولم تكن مطاوعة ، بل ربما يكون صومها صحيحاً إذا بلغ الإكراه حد الغصب وسلب الإرادة كما تقدم .
وإنما قال الماتن ( مفطرا لعذر ) لأن الكلام في شخصٍ الجماع من جهته سائغ فهل يجوز أن يكره زوجته عليه وهو من جهتها غير سائغ ؟ وهل يتحمل عنها الكفارة ؟ فيختص الكلام بالمعذور ، أما إذا كان إفطاره عن غير عذر فالجماع من جهته غير سائغ أصلاً ، مع ذلك فظاهرهم أن حكمه حكم المعذور لاختصاص تحمل الكفارة بمورد النص وهو الصائم .
مولى أبي تراب
15-08-2012, 04:40 PM
مسألة 1014 : يجوز التبرع بالكفارة عن الميت صوما كانت أو غيره ، وفي جوازه عن الحي إشكال .
-------------------------
لا إشكال في جواز التبرع بالكفارة عن الميت كسائر العبادات والأعمال والصدقات الأخرى فكما يجوز التبرع بالواجبات كالصلاة والصيام والحج عنه إذا مات وذمته مشتغلة بذلك فكذا الكفارة سواء بالعتق أو الصيام أو الإطعام فينوي المتبرع النيابة عن الميت في ذلك ، سواء كانت كفارة صوم رمضان أو غيرها .
وإنما الكلام في جواز التبرع بالكفارة عن الحي فهل يجوز أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً نيابة عن الحي ؟
من الفقهاء من أجاز ذلك في العتق والإطعام ومنع في الصوم كالسيد الصدر والسيد محمد سعيد الحكيم الحكيم والسيد الروحاني فيجوز التبرع عن الحي بالإطعام ولكن لا يجوز الصوم من باب الكفارة نيابة عنه
والمعروف الإستشكال في جميع الخصال ، كما هو رأي السيد الماتن فجواز التبرع عن الحي بالعتق أو الصيام شهرين متتابعين او إطعام ستين مسكيناً من باب الكفارة فيه إشكال ، وعليه فالأحوط وجوباً عدم اكتفاء مَن عليه الكفارة بتبرع غيره ما لم يخرجها بنفسها .
ووجه الإشكال في المسألة أنه هل يعتبر المباشرة في دفع الكفارة كسائر التكاليف الأخرى كالوضوء والصلاة أم لا تعتبر المباشرة فيها ؟ فمَن استشكل وهم أصحاب القول الثاني لم يجزم بأحد الاحتمالين فلا بد من الاحتياط ، ومَن فصّل وهم أصحاب القول الأول فلأجل ذهابهم الى عدم اعتبار المباشرة في العتق والإطعام واعتباره في الصوم .
مولى أبي تراب
15-08-2012, 04:41 PM
مسألة 1015 : وجوب الكفارة موسع ، ولكن لا يجوز التأخير إلى حد يعد توانياً وتسامحاً في أداء الواجب .
------------------------
تقسم الواجبات الى قسمين :
1. الواجبات المؤقتة / وهي التي عيّن الشارع وقتاً مخصوصاً لامتثالها كالصلوات اليومية وصوم رمضان والحج وزكاة الفطرة .
2. الواجبات غير المؤقتة / وهي التي لم يعيّن الشارع وقتاً مخصوصاً لامتثالها بل تجب عند حصول موضوعها وشروطها ، وهي على قسمين :
أ . الواجبات الفورية / وهي التي يجب امتثالها بمجرد حصول موضوعها وشروطها فوراً ولا يجوز التأخير وذلك كإنقاذ النفس المحترمة ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسجود التلاوة فهذه الواجبات لم يشترط الشارع وقتاً خاصاً لامتثالها لكن يجب امتثالها فوراً بمجرد التكليف بها ولا يجوز التأخير فيها .
ب . الواجبات غير الفورية / وهي التي لا يجب امتثالها بمجرد حصول موضوعها وشروطها أو قل بمجرد التكليف بها فوراً بل يجوز تأخيرها وعدم المبادرة اليها ، وذلك كقضاء الصلوات وقضاء الصوم ووفاء النذر غير المعيّن ، ومن أمثلتها الكفارات عموماً وكفارة الصوم خصوصاً ، لذا قال الفقهاء ومنهم الماتن ( وجوب الكفارة موسع ) أي هو غير مؤقت وغير فوري ، فلم يشترط الشارع امتثال الكفارة في وقت مخصوص فهي إذن واجب غير مؤقت وإنما تجب عند حصول موضوعها وشروطها أي تجب عند التكليف بها وذلك عند الإفطار عمداً مع العلم بمفطرية ما يرتكبه في صوم رمضان أو قضائه بعد الزوال أو صوم الاعتكاف أو الصوم الواجب المعيّن ، كما لم يشترط الفورية في امتثالها فهي إذن واجب غير مؤقت وغير فوري بل موسع على المكلف امتثالها متى شاء فيجوز التأخير فيها
لكن ذكروا أن التوسعة وجواز التأخير فيها يشترط الا يصل إلى حد التهاون في الامتثال والتسامح به لأنه هتك استخفاف بحرمة المولى وبتكاليفه وللقطع بمبغوضيته لدى الشارع حينئذ .
وهذا حكم عام لجميع الواجبات غير الفورية ولا اختصاص له بالكفارة ، فكل واجب غير مؤقت وإن كان لا تجب المبادرة اليه لكن لا يجوز التسامح والتهاون فيه وتأخيره كثيراً الى حد التهاون كقضاء الصلاة والصوم مثلاً .
مولى أبي تراب
20-08-2012, 07:26 PM
مسألة 1016 : مصرف كفارة الاطعام الفقراء إما بإشباعهم ، وأما بالتسليم إليهم كل واحد مد ، والأحوط استحبابا مدان
ويجزي مطلق الطعام من التمر والحنطة والدقيق والأرز والماش وغيرها مما يسمى طعاما
نعم الأحوط لزوما في كفارة اليمين وما بحكمها الاقتصار على الحنطة ودقيقها .
------------------------
في هذه المسألة يجيب الماتن عن السؤال السادس من الأسئلة الستة المتقدمة وهو :
ما هو مصرف الكفارة ؟
والكلام يختص بالإطعام ولا يشمل العتق والصوم كما هو واضح ، وتقدم في المسألة (1007) ذكر أنواع الصوم التي تجب فيها الكفارة وهي أربعة :
صوم رمضان ، وصوم قضائه ، وصوم الاعتكاف ، والنذر المعين ، وذكرنا ما هي الكفارة في كل واحد منها
والملاحظ اشتراكها جميعاً في الإطعام ، فالإطعام من خصال جميع كفارات الصوم
سواء كان إطعام ستين مسكيناً كما في صومي رمضان والاعتكاف ، أو عشرة مساكين كما في القضاء والنذر المعين
وذكر هنا أن مصرف الإطعام هو الفقراء وله طريقتان :
الأولى / أن يتم استدعائهم وإحضارهم الى الطعام فيأكلوا منه حد الإشباع ولا يجزي الأقل .
الثانية / بالتسليم بأن يتم دفع الطعام اليهم ، وحينئذٍ يجب أن لا تقل حصة كل واحد عن مد أي ثلاثة أرباع الكيلو
والأحوط استحباباً كونها مدين لدلالة بعض الأخبار على ذلك وهو رأي الشيخ الطوسي .
والمكلف مخيّر بين الطريقتين لصدق الإطعام على كل واحدة منهما وتحققه بهما
ولا يتعين الإطعام بنوع مخصوص من الطعام بل يجزي مطلق الطعام من التمر والحنطة والدقيق والأرز والماش وغيرها مما يسمى طعاماً
لإطلاق الدليل فلم يحدد نوعاً مخصوصاً دون غيره ، نعم في كفارة اليمين التي هي كفارة الصوم المنذور المعين دلت الروايات
على التحديد بالحنطة ودقيقها فيلزم الاقتصار على ذلك فيها دون غيرها من الكفارات .
الحوزويه الصغيره
21-08-2012, 05:21 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
بارك الله بكم شيخنا الكريم ..
على طرحك القيم
شكرا" لك , جعله الله في ميزان حسناتك
دمت ودام عطائك
الشيخ فؤاد الخزاعي
22-08-2012, 03:18 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين
موسوي البحراني
24-08-2012, 09:07 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله لكم أخينا الفاضل / مولى ابي تراب على مجهودكم العلمي حيث جاد قلمكم وأفاد في منتهى الغاية اذ بين المسائل الشائكة التي وقع فيها الخلاف ، ورفع غوامض الإبهام عن إجمال جملة منها ، وكان للقارئ اللبيب سهل المنال ، ومشوقا للاطلاع عليه للفهم والأعمال ، وقد انتهى قلمكم الكريم في بيان هذه المسائل حيث إنتهى شهر رمضان ، ولكنه لم ينتهي بعد حيث جاء موسم الحج على ابوابه والأعضاء مشتاقون ان تبين لهم مسائل الحج على ضوء بيانكم المذكور على مسائل الصوم مع مراعاة الأهم من مسائله من حيث العمل .
والسلام عليكم
أخوكم موسوي البحراني
مولى أبي تراب
28-08-2012, 08:41 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
بارك الله بكم شيخنا الكريم ..
على طرحك القيم
شكرا" لك , جعله الله في ميزان حسناتك
دمت ودام عطائك
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
---------------
حياكم الله مشرفاتنا الفاضلة الحوزوية الصغيرة
أسأل الله أن يبارك بكم ويزيد في علو شأنكم
حفظكم الله تعالى
مولى أبي تراب
28-08-2012, 08:43 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن (صلواتك عليه وعلى آبائه)في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً وهب لنا رأفته ورحمته ودعائه وخير برحمتك يا أرحم الراحمين
آمين رب العالمين
حياكم الله شيخنا الفاضل
وفقكم الله
مولى أبي تراب
28-08-2012, 08:47 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله لكم أخينا الفاضل / مولى ابي تراب على مجهودكم العلمي حيث جاد قلمكم وأفاد في منتهى الغاية اذ بين المسائل الشائكة التي وقع فيها الخلاف ، ورفع غوامض الإبهام عن إجمال جملة منها ، وكان للقارئ اللبيب سهل المنال ، ومشوقا للاطلاع عليه للفهم والأعمال ، وقد انتهى قلمكم الكريم في بيان هذه المسائل حيث إنتهى شهر رمضان ، ولكنه لم ينتهي بعد حيث جاء موسم الحج على ابوابه والأعضاء مشتاقون ان تبين لهم مسائل الحج على ضوء بيانكم المذكور على مسائل الصوم مع مراعاة الأهم من مسائله من حيث العمل .
والسلام عليكم
أخوكم موسوي البحراني
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِيْنَ
---------------
الأخ الفاضل موسوي بحراني وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
يزيدني شرفاً واعتزازاً وافتخاراً أن أحظى من جنابكم بكلمة إشادة ، أشكر جنابكم الكريم متابعتكم هذه السطور وحضوركم المبارك هنا
إن شاء الله سأستمر في شرح ما تبقى من كتاب الصوم أولاً لعدم انحصار الفائدة بشهر رمضان المبارك كما لا يخفى على جنابكم
وثانياً لأن ما تبقى لنا وهي أحكام الكفارة والقضاء تشتد الحاجة له الآن بعد انقضاء الشهر الكريم فناسب الاستمرار بالتعرض له
أما فيما يتعلق بمناسك الحج وشرح مسائل هذه الشعيرة المباركة فالنية معقودة على ذلك سلفاً
وزادني عزيمةً بعثكم لي الى ذلك ، أسأل المولى سبحانه أن يوفقني ويعينني على أداءه
سرني أن أكون موضع ثقتكم ومحل طلبكم بشرح مناسك الحج عسى أن أكون أهلاً لذلك
أسأل الله أن يكتبنا وإياكم من حجاج بيته الحرام وزوار قبر نبيه وآله الكرام
إنه سميع مجيب
مولى أبي تراب
29-08-2012, 05:38 PM
مسألة 1017 : لا يجزي في الكفارة اشباع شخص واحد مرتين أو أكثر ، أو اعطاؤه مد أو أكثر
بل لا بد من ستين نفسا ، إلا مع تعذر استيفاء تمام العدد فيكفي حينئذ في وجه لا يخلو عن اشكال
فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط إذا اتفق التمكن منه بعد ذلك .
--------------------
لمّا كان الواجب في كفارة صوم رمضان وكذا الاعتكاف أن يكون الإطعام لستين مسكيناً لم يجزئ الاقتصار على الأقل
فلا يجوز الاقتصار على ثلاثين مسكيناً مثلاً بإشباع كل واحد مرتين أو أن يدفع لكل واحد مدين
وكذا في كفارة القضاء وصوم النذر المعين فلا يجزئ الاقتصار على الأقل من عشرة مساكين
لأنه خلاف المأمور به شرعاً ما دام يمكن تحصيل العدد
نعم مع عدم القدرة على تحصيل العدد ولم يجد الا ما دون الستين جاز حينئذٍ الاقتصار على الأقل بالتكرار عليهم
وحينئذٍ يرد سؤال :
لو اقتصر على الأقل بالتكرار عليهم لتعذر استيفاء العدد فهل تبرئ ذمته بذلك ؟
بحيث لو استطاع تتميم العدد بعد ذلك لم يجب عليه الدفع مجدداً أم لا بد من الاستيفاء ؟
فلو لم يجد الا ثلاثين مسكيناً فأشبعهم مرتين أو دفع لكل واحد مدين ، ثم بعد ذلك عثر على ثلاثين غيرهم
فهل يجب عليه الدفع مجدداً أم يكتفي بتكرار الدفع على الأولِين ؟
الجواب / قال الماتن في الاكتفاء إشكال ، وعليه فالأحوط وجوباً أن يدفع مجدداً
فلو أشبع ثلاثين مسكيناً مرتين لعدم وجود غيرهم ، ثم وجد ثلاثين غيرهم وجب عليه أن يشبعهم أيضاً
وظاهر باقي الفقهاء المعاصرين الجزم بعدم الاكتفاء وأنه لا بد من الدفع واستيفاء العدد
باستثناء السيد الصدر والسيد الحكيم فاختارا الاكتفاء وعدم وجوب الدفع مجدداً كما هو رأي غيرهما ممن تقدم من الفقهاء .
مولى أبي تراب
29-08-2012, 05:42 PM
مسألة 1018 : إذا كان للفقير عيال فقراء جاز اعطاؤه بعددهم إذا كان وليا عليهم أو وكيلا عنهم في القبض
فإذا قبض شيئا من ذلك كان ملكا لهم ، ولا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم إذا كانوا كبارا ، وإن كانوا صغارا صرفه في مصالحهم كسائر أموالهم .
--------------------------
إذا وُجد فقير يعيل فقراء جاز إعطاؤه بعددهم أمداداً لكل واحد مد ، ويعدّ كل واحد منهم من الستين ، كالرجل الفقير الذي يعيل زوجة وأولاداً فقراء فلو كان مجموعهم عشرة جاز دفع عشرة أمداد له بعددهم ، ولا يجب الدفع لكل واحد منهم مباشرة كما لا يضر صِغَر بعضهم ، فلا يشترط في المسكين أن يكون بالغاً ، ويشترط في ذلك أمران :
أولاً / أن يكون العيال فقراء أيضاً كالمعيل فلو كانوا أغنياء أو كان بعضهم كذلك لم يجز إعطاؤه عن الغني .
ثانياً / أن يكون المعيل ولياً على العيال كالأب بالنسبة الى أولاده الصغار والمجانين ، أو وكيلاً عنهم في القبض كما إذا كانوا بالغين راشدين فأوكلوا معيلهم أن يقبض عنهم ، فإن لم يكن المعيل ولياً على العيال ولا وكيلاً عنهم لم يصح الدفع له عنهم كما إذا لم توكّله الزوجة وكذا أولاده الكبار فلا يصح دفع حصصهم إليه وكذا إذا لم يكن ولياً على الصغار كالمعيل الأجنبي ، لعدم وجود المسوّغ حينئذٍ في الدفع إليه ، وبعبارة أخرى إن الواجب هو دفع مد للفقير والدفع الى الفقير لا يخلو إما أن يكون بنحو المباشرة أو عن طريق الولي أو عن طريق الوكيل ، فإذا دفع الى غير الوكيل والولي لم يصدق أنه دفع الى الفقير لعدم المباشرة ولا الدفع الى الوكيل ولا الولي
نعم يمكن للمكلف الذي وجبت عليه الكفارة أن يجعل المعيل الذي ليس بوكيل عن العيال ولا ولياً عنهم وكيلاً عنه هو في إشباع العيال أو في دفع الحصص إليهم .
وعلى أي حال إذا قبض الفقيرُ المعيلُ طعامَ الكفارة عن العيال بحسب وكالته أو ولايته دفع إلى موكّليه الراشدين من عياله حصصهم ، وبقيت حصص المُولّى عليهم كالصغار أمانة بيده يتولى صرفها في مصالحهم وحاجاتهم بحسب ولايته عليهم .
خلاصة المسألة /
إذا وُجد فقير يعيل فقراء كرب العائلة الفقير الذي يعيل زوجة وأولاداً فقراء جاز لمن عليه الكفارة أن يدفع إالى رب العائلة أمداداً بعدد أفراد العائلة ويحتسبهم من جملة الستين سواء كانوا صغاراً أو كباراً ما داموا فقراء ، ولا يجب أن يدفع إليهم مباشرة بل يجزي الدفع الى معيلهم كرب العائلة ، لكن يشترط في المعيل حتى يصح أن يقبض عن العيال أن يكون ولياً على الصغار منهم ووكيلاً عن الكبار البالغين والا لم يصح الدفع اليه عن العيال ، وحينئذٍ يجب على المعيل بعد قبض حصص العيال أن يدفع حصة الكبار إليهم ولا يصح أن يتصرف بها من دون إذنهم فلا يصح للزوج أن يتصرف بحصة زوجته وأولاده البالغين دون إذنهم كما هو الحال في كل وكيل فلا يحق له التصرف في مال موكله دون إذنه ، أما حصص الصغار وغير الراشدين فتبقى بيد المعيل أمانة يصرفها في مصالحهم كما هو الحال والحكم في سائر أموال المولّى عليهم ، ولا يحق له أن يتصرف بها في غير ما فيه مصلحة لهم كالصرف الشخصي .
مولى أبي تراب
29-08-2012, 05:43 PM
مسألة 1019 : زوجة الفقير إذا كان زوجها باذلا لنفقتها على النحو المتعارف لا تكون فقيرة
ولا يجوز إعطاؤها من الكفارة إلا إذا كانت محتاجة إلى نفقة غير لازمة للزوج من وفاء دين ونحوه .
---------------------
إذا كان الزوج باذلاً النفقة الواجبة عليه لزوجته (1) على النحو المتعارف اللائق بها بحيث يصدق عرفاً أن حاجاتها الضرورية متوفرة لها ، لم يصح دفع الكفارة اليها لأنها غنية شرعاً وإن كان زوجها فقيراً ، فإن من كانت زوجها باذلاً لنفقتها فهي مالكة لقوت سنتها وكل من كانت مالكة لقوت سنتها فهي غنية شرعاً والغنية شرعاً لا تستحق الكفارة وليست مصرفاً لها ، وإنما يستحق الكفارة المسكين وهو من لا يتوفر على قوته اللائق به وعلى النحو المتعارف ، أما من كان متوفراً عليه ولو بإعالة معيل ونفقة منفق كالزوجة لم يستحق الكفارة
نعم إذا احتاجت النفقة في ما لا يجب على الزوج توفيره لها كوفاء الدين فإنه لا يجب على الزوج تحمّله جاز أن تدفع لها الكفارة لتصرفها في هذا المورد لصدق كونها فقيرة في هذا المورد ما دام الزوج غير متكفل به .
وقد تسأل / كيف تكون الزوجة غنية بنفقة زوجها الفقير ؟
جواب ذلك أن المقصود الفقر والغنى الشرعيان ويراد بهما على ما تقدم غير مرة امتلاك قوت السنة وعدم امتلاكه ، فمن امتلك قوت سنته فعلاً أو قوة فهو غني ومن لم يمتلك قوت سنته لا فعلاً ولا قوة فهو فقير ، وعليه فيمكن أن يكون الزوج لا يمتلك قوت سنته هو فهو فقير شرعاً الا أنه ليس معدماً تماماً بل قادر على توفير نفقة الزوجة فتكون هي غنية دونه ، مع ملاحظة أن نفقة كل شخص تختلف بحسب حاله وشأنه فقد يمتلك الزوج مالاً يكفي لسد نفقات الزوجة بحسب حالها الا أنه لا يكفيه بحسب حاله وشأنه فيكون فقيراً وهي غنية .
وذكر الزوجة هنا من باب التمثيل للمُنفق عليه فلا ينحصر الأمر بها بل يشمل كل من تكفل بنفقته غيره ، فلا يجوز دفع الكفارة إليه ليصرفها في نفقته ما دامت نفقته متحققة ، نعم يجوز أن تدفع إليه ليصرفها فيما لا يجب على المنفق توفيره من نفقة ضرورية .
وقد تسأل أيضاً / إن كفارة الإطعام لمّا كانت طعاماً إنما تدفع للأكل ولذا تقدم أن دفعها يمكن أن يكون بالإشباع كما يمكن أن يكون بالتسليم مداً من الطعام ، فما معنى أن يقال يجوز أن تدفع للزوجة لتصرفها في الدين ؟
الجواب / سيأتي في المسألة التالية إن شاء الله أن ذمة المكفّر تبرئ بمجرد الدفع وإيصال الطعام الى المستحق وتملّكه إياه ولا تتوقف على أكله لها ، وإذا ملكها المستحق صارت كسائر أملاكه يجوز له أن يتصرف فيها بما شاء فيجوز له بيعها مثلاً كما يجوز له أن يدفعها وفاء للدين وهكذا .
.
.
_______________________________________
(1) نفقة الزوجة الواجبة على زوجها هي الأمور الضرورية للمعاش والحياة كالمأكل والمشرب والمسكن والملبس والفراش والغطاء وأثاث المنزل وآلات التدفئة والتبريد والتنظيف وأجرة الطبيب ومصاريف الدواء والحمل والولادة وهكذا كل ما لا بد منه بحسب العرف وكل ما يكثر الاحتياج إليه عادة فهو من النفقة ، وهو يختلف من زمان الى آخر ومن مكان الى آخر ومن زوجة الى آخر فقد يكون شيء من ضروريات ونفقات بعض الزوجات دون بعض كالخادمة مثلاً فكل واحدة بحسبها وما هو اللائق بشأنها ، فمن كانت زوجها منفق لها ما يليق بشأنها لم تستحق الكفارة ، ومن كانت نفقة زوجها لا تليق بشأنها وإن كانت تليق بشأن غيرها استحقت الكفارة .
مولى أبي تراب
29-08-2012, 05:44 PM
مسألة 1020 : تبرأ ذمة المكفر بمجرد ملك المسكين ، ولا تتوقف البراءة على أكله الطعام ، فيجوز له بيعه عليه وعلى غيره .
------------------------
تقدم أن الإطعام يتحقق إما بإشباع المستحقين أو بالتسليم لكل واحد مد من الطعام ، فإن اختار المكفّر الثاني
فيكفي في براءة ذمته أن يصل المد الى المستحق ويقبضه ولا يتوقف على تحقق الأكل فعلاً
فلو دفع المد الى المستحق برئت ذمته وإن لم يأكل منه المستحق ، كما أن المستحق لا يجب عليه أكل طعام الكفارة
بل بعد قبضه له فهو مالك له ويصير من جملة أمواله وأملاكه فله أن يتصرف فيه بما شاء بهبة أو بيع
ولو بأن يبيعه على المكفّر نفسه أو على غيره ، لعدم الدليل على وجوب الأكل وتوقف براءة ذمة المكفر على تحققه
بل الواجب هو الإطعام وهو يتحقق بالدفع والتمليك وإيصال الطعام الى المستحق فلا يجب الزائد على ذلك
فلفظ الإطعام كما يصدق على الإشباع والإطعام الخارجي يصدق على الإعطاء والتمليك ولو من دون تحقق الأكل
كما يشهد بذلك المعنى اللغوي للفظ الإطعام واستعمال الروايات له في هذا المعنى
نعم لو لم يصل الطعام الى المستحق لم تبرء ذمة المكفّر ووجب عليه الدفع مجدداً
كما إذا وكّل غيره في إيصال الطعام الى المستحق فلم يوصله الوكيل وجب على الموكّل المكفّر الدفع مجدداً .
مولى أبي تراب
29-08-2012, 05:45 PM
مسألة 1021 : تحديد المد بالوزن لا يخلو عن اشكال ، ولكن يكفي في المقام احتساب المد ثلاثة أرباع الكيلو .
--------------------------
لمّا كان المد من المقاييس القديمة التي هُجر استعمالها ولم تعد معمولاً بها كان لا بد من معرفة مقداره في الأوزان المتعارفة والمتداولة في زماننا
كالمثقال والغرام وأوضحها الكيلو غرام ، والمعروف أن المد هو ثلاثة أرباع الكيلو أو يقلّ عن ذلك شيئاً يسيراً لا يعتد به
ولذا يعبر الفقهاء بكلمة تقريباً فيقولون المد ثلاثة أرباع الكيلو تقريباً ، والصاع ثلاثة كيلوات تقريباً
الا أن الماتن استشكل في أصل تحديد المد وكذا الصاع بالوزن بشكل عام سواء هنا في باب الكفارات أو غيرها كما في الزكاة والوضوء والغسل وغير ذلك
فبشكل عام تحديد المد بالوزن فيه إشكال ، مع ذلك حكم بكفاية تحديده بثلاثة أرباع الكيلو في ما نحن فيه أي كفارة الإطعام
فهو كافٍ ومحقّق لبرائة الذمة للاطمئنان بأنه أكثر من المد الواجب دفعه ، فقد ذكروا أن المد ثلاثة أرباع الكيلو الا شيئاً يسيراً جداً .
ولم يذكر الماتن وجه الإشكال في أصل تحديد المد بالوزن ، والمعروف تحديد الفقهاء بذلك بلا استشكال .
مولى أبي تراب
29-08-2012, 05:45 PM
مسألة 1022 : في التكفير بنحو التمليك يعطى الصغير والكبير سواء ، كل واحد مد .
----------------------
تقدم أن التكفير بالإطعام له طريقتان : إما بالإشباع وإما بالتسليم لكل واحد مد وهو الذي عناه الماتن بقوله ( بنحو التمليك )
لأن الفقير بالتسليم يملك المد من الطعام ولذا تقدم في المسألة السابقة أن له التصرف فيه بما شاء ولو ببيعه على المكفّر نفسه
بخلاف الإشباع فهو ليس تمليكاً لذا لا بد فيه من تحقق الأكل والإشباع .
وفي هذه المسألة يتعرض الفقهاء الى سؤال وهو : هل يشترط البلوغ في مستحق الكفارة ؟
الجواب / أما بالتسليم فلا يشترط ذلك فالكبير والصغير على حد سواء في استحقاقهم الكفارة ما داموا مساكين ، فيعطى لكل واحد مد من الطعام
لإطلاق الدليل الدال على أن لكل مسكين مد من الطعام ولفظ المسكين صادق على الصغير كالكبير ، ولذا تقدم في المسألة (1018) جواز إعطاء
المعيل الفقير بعدد العيال الفقراء لكل واحد مد حتى الصغار منهم ، ويقبضها عنهم بولايته عليهم بنحو التمليك لهم فيصرفها بمقتضى ولايته في مصالحهم .
وأما إذا كان الدفع بالإشباع فلم يتعرض له الماتن صراحة لكن من خلال المسائل السابقة يمكن استفادة أن حكمه حكم التمليك فلا يشترط البلوغ أيضاً
وأنه يتحقق التكفير بدعوة الصغير وإشباعه كالكبير ، فلو دعا ستين أو عشرة مساكين وفيهم الصغير والكبير فأشبعهم كفى وصح وإن كان مقدار ما أكله الصغير
أقل مما أكله الكبير إذ لا يشترط التسوية في الإشباع كما هي كذلك في التمليك ففي التمليك لكل واحد مد
أما في الإشباع فتبرئ الذمة بتحقق الإشباع في كل واحد وإن تفاوتوا في المقدار المشبع لهم
على أنه ليس بالضرورة كون المقدار المشبع للصغير أقل من المقدار المشبع الكبير فقد يكون ما يشبع الصغير كابن عشر سنين أكثر مما يشبع الكبير كابن الثمانين
والحاصل أن الواجب هو إشباع ستين مسكيناً ولمّا كان لفظ المسكين صادق على الصغير كالكبير إذن لا فرق في الإشباع بين الصغير والكبير
نعم ذكروا أنه لا بد من استثناء الصغير جداً كابن سنة او سنتين لعدم صدق إطعام وإشباع مسكين فيه
وفي مقابل هذا القول توجد أقوال أخرى فقيل يشترط البلوغ في الإشباع فلا يكتفى بدعوة الصغار
وقيل يصح دعوة الصغار لكن يحتسب كل صغيرين بمسكين واحد إذا كانوا منفردين عن الكبار فلا يكتفى بدعوة ستين صغيراً
نعم إذا انضموا الى الكبار كما لو دعا صغاراً وكباراً كفى واحتسب كل صغير بمسكين واحد .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:04 AM
مسألة 1023 : يجب القضاء دون الكفارة في موارد :
--------------------------
من أفطر في صوم رمضان فقد لا يجب عليه القضاء ولا الكفارة كالشيخ والشيخ وذي العطاش على الخلاف المذكور في الفصل الخامس
وقد يجب عليه القضاء دون الكفارة فقط كناسي الجنابة ، وقد يجب عليه القضاء والكفارة كمن تناول المفطر عالماً عامداً
ولا معنى لوجوب الكفارة فقط دون القضاء
فاتضح أنْ لا ملازمة بين القضاء والكفارة عند تحقق الإفطار فقد يجب القضاء ولا تجب الكفارة
وذلك لاختلاف السبب الموجب لهما ، فالقضاء يجب بالإخلال بالنية أو بفعل المفطر في بعض الموارد
أما الكفارة فقد تقدم في أول هذا الفصل عند الإجابة على السؤال الثالث من الأسئلة الستة أنها تجب بتناول المفطر بشرطين :
1. العلم بكونه من المفطرات . 2. العمد والاختيار وقصد الإفطار
وبالتالي فلو انخرم أحد الشرطين فضلاً عن كليهما لم تجب الكفارة ، وحينئذٍ قد يجب القضاء فقط وقد لا يجبان معاً
وعليه فلمّا لم تكن بين القضاء والكفارة ملازمة وأنه يمكن تخلف الكفارة عن القضاء شرع الماتن في بيان الموارد التي يجب فيها القضاء دون الكفارة
والكلام في الصائم الذي فسد صومه بفعل المفطر أو الإخلال بالنية لا مطلق موارد وجوب القضاء دون الكفارة
والا فهناك موارد أخرى يجب فيها القضاء دون الكفارة كالمسافر والمريض ومَن رُخّص في الإفطار ممن يجب عليه القضاء كالحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن
الا أن هؤلاء لا يجب عليهم الصوم أصلاً ، والكلام فيمن وجب عليه الصوم فصام ثم أفسد صومه
وقد ذكر الفقهاء وجوب القضاء عليه دون الكفارة في سبعة موارد وهي :
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:05 AM
الأول : نوم الجنب حتى يصبح على تفصيل قد مر .
--------------------------
المورد الأول / من أجنب ليلاً ثم نام واستمر به النوم الى أن طلع الفجر على تفصيل تقدمت الإشارة إليه في المسألة (993)
وحاصل التفصيل :
أنه إن كان عازماً على ترك الغسل أو متردداً فيه فعليه القضاء والكفارة
وإن كان عازماً على الاستيقاظ والاغتسال قبل الفجر فاتفق استمرار نومه الى ما بعد الفجر فإن كان في النومة الأولى
فالمعروف صحة صومه واشترط الماتن أن يكون واثقاً من الانتباه والا فعليه القضاء دون الكفارة
وإن كان في النومة الثانية او الثالثة فالمعروف أن عليه القضاء دون الكفارة
وإن كان غافلاً وذاهلاً عن الاغتسال فرأي السيد الماتن والسيد الخوئي أن عليه القضاء مطلقاً
سواء في النوم الأول او الثاني او الثالث والأحوط استحباباً الكفارة في النوم الثالث
واستثنى بعضهم النوم الأول فحكم فيه بصحة الصوم .
فتبين أن نوم الجنب حتى يصبح ليس حكمه القضاء دون الكفارة مطلقاً
بل قد يجب معه القضاء والكفارة كما إذا كان عازماً على ترك الغسل أو متردداً فيه
وقد لا يجب عليه لا القضاء ولا الكفارة كما في النومة الأولى لناوي الغسل إما مطلقاً على القول المعروف
أو بشرط الوثوق من الانتباه كما هو رأي الماتن ، وفيما عدا ذلك يجب القضاء دون الكفارة وذلك في موردين :
1. ناوي الغسل في النومة الثانية والثالثة وما بعدهما .
2. الغافل عن الغسل مطلقاً ولو في النومة الأولى .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:06 AM
الثاني : إذا أبطل صومه بالاخلال بالنية من دون استعمال المفطر .
----------------------
المورد الثاني / كل من أخلّ بالنية من دون أن يتناول المفطر ، فلا تجب عليه الكفارة لأن وجوبها متوقف على فعل المفطر عمداً مع العلم بمفطريته
فلو لم يكن عامداً أو كان غير عالم بالمفطرية لم تجب عليه الكفارة وإن فعل المفطر فضلاً عما إذا لم يفعل المفطر أصلاً
وتقدمت الإشارة الى هذا المورد في المسألة (980) فقال المصنف :
( استدامة النية إلى آخر النهار ، فإذا نوى القطع فعلا أو تردد بطل وإن رجع إلى نية الصوم على الأحوط )
وقلنا أن نية الصوم هي العزم على ترك المفطرات ولا بد من استمرار العزم مركوزاً في النفس طيلة النهار
فلو تركه أو تردد فيه بطل الصوم ولكن لا تجب الكفارة ما لم يمارس المفطر فعلاً .
والحاصل / كل من أخل بالنية من دون أن يتناول المفطر بطل صومه وعليه القضاء دون الكفارة وذلك يتصور على أنحاء ثلاثة :
1. أن ينوي أثناء النهار وبعد عزمه على الصوم يقطع نية الصوم ويرفع يده عنه فينوي أن لا يكمل صوم ذلك اليوم من دون أن يستعمل المفطر .
2. أن يتردد في النية بأن يبقى متحيراً هل يكمل صوم ذلك اليوم أو يفطر فلا هو عازم على الصوم ولا عازم على الإفطار
بل متردد متحير يخيّر نفسه بينهما فيحدّث نفسه بالإفطار من دون أن يعزم عليه .
3. أن ينوي فعل المفطر لكن لا يفعله كما إذا قصد شرب الماء ولكن لم يشربه فهذا من الإخلال بالنية فيجب عليه القضاء دون الكفارة
فإن شرب فعلاً وجبت الكفارة ، وقد تقدمت الإشارة الى ذلك في عدة موارد منها قول الماتن في المفطر الثالث
( ولو قصد الجماع وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة كان من قصد المفطر وقد تقدم حكمه ولكن لم تجب الكفارة عليه )
وقوله في المفطر الخامس ( وإن قصد الكذب فكان صدقا كان من قصد المفطر ) وقوله في المسألة (1004)
( يكره للصائم ملامسة النساء وتقبيلها وملاعبتها إذا كان واثقا من نفسه بعدم الانزال ، وإن قصد الانزال كان من قصد المفطر ) وغيرها من الموارد .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:06 AM
الثالث : إذا نسي غسل الجنابة يوما أو أكثر .
----------------------------
المورد الثالث / من أجنب ليلاً في شهر رمضان ونسي غسل الجنابة يوماً أو أكثر ولو الشهر كله
فقد تقدم في المسألة (988) أن عليه القضاء دون الكفارة لأن الكفارة حكم من تعمد البقاء على الجنابة لا ناسيها
وأشرنا هناك الى الخلاف في المسألة وأن من الفقهاء من اختار صحة الصوم الا أن المعروف هو ما ذكره الماتن
كما أشرنا الى أن المعروف اختصاص الحكم بالبطلان بصوم رمضان ومن الفقهاء من احتاط بشموله للقضاء أيضاً .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:07 AM
الرابع : من استعمل المفطر بعد طلوع الفجر بدون مراعاته بنفسه ولا حجة على طلوعه ، أما إذا قامت حجة على طلوعه وجب القضاء والكفارة ، وإذا كان مع المراعاة بنفسه فلا قضاء ، ولو مع الشك في بقاء الليل على الأظهر ، بلا فرق في ذلك بين جميع أقسام الصوم .
------------------------
المورد الرابع / تقدم أن صحة الصوم متوقفة على ترك المفطرات من طلوع الفجر حتى وإن تأخرت النية كما في القضاء حيث تمتد النية الى الزوال ، فحتى يصح الصوم لا بد من من عدم فعل المفطرات بعد طلوع الفجر عمداً ، لكن سيأتي إن شاء الله في المسألة (1024) جواز الاستمرار بفعل المفطرات في الليل الى حين حصول العلم بطلوع الفجر ولا يكفي الشك بطلوع الفجر ، فمن شك في طلوع الفجر جاز له فعل المفطر استصحاباً لبقاء الليل ، ولكن إن تبيّن له بعد ذلك خطؤه وإن تناول المفطر قد وقع بعد الطلوع فما حكمه ؟ كما إذا استمر بالأكل والشرب مع الشك في طلوع الفجر ثم تبين بعد ذلك أن الفجر كان طالعاً حين أكل أو شرب ، وقد ذكر الماتن ثلاث حالات :
الحالة الأولى / أن يحصل ذلك لأنه لم يتفحص طلوع الفجر ولم يتأكد من عدم طلوعه ولا قامت عنده حجة على طلوعه كخبر الثقة مثلاً ، بل اعتمد على مجرد استصحاب بقاء الليل والترخيص للصائم بفعل المفطر مع الشك في طلوع الفجر ، ففي هذه الحالة هو ليس بآثم لكن عليه القضاء فقط دون الكفارة ، أما عدم الإثم فلجواز تناول المفطر مع الشك في طلوع الفجر فهو مأذون شرعاً في تناول المفطر مع الشك في طلوع الفجر فلا يأثم عليه ، وأما القضاء فلفعل المفطر بعد طلوع الفجر عمداً ، وأما عدم وجوب الكفارة فلعدم قصده الإفطار بل كان عازماً على الصوم .
وبذلك تعرف أن الإمساك قبل الفجر ليس بلازم لجواز فعل المفطرات مع الشك في طلوع الفجر ولا يجب الامتناع عنها حتى يحصل العلم بطلوع الفجر ، الا أنه راجح حتى لا يتبن الخطأ بعد ذلك فيجب القضاء أو قل حتى يحصل اليقين بصحة الصوم .
الحالة الثانية / أن يحصل ذلك - وهو تبيّن وقوع الأكل والشرب مثلاً بعد الفجر - مع قيام الحجة على طلوع الفجر ومخالفته لها ، كما إذا قامت عنده البينة على طلوع الفجر أو أخبره الثقة بذلك الا أنه لم يراعِ فأكل وشرب ثم تبين له صواب الحجة ووقوع فعل المفطر بعد الفجر ، فحينئذٍ هو آثم ويجب عليه القضاء والكفارة ، أما الإثم فلمخالفته الحجة المعتبرة ، وأما القضاء فلفعل المفطر بعد الفجر عمداً ، وأما الكفارة فلأن فعلها مع قيام الحجة على الطلوع يكون من قصد المفطر وعدم العزم على الصوم .
أما إذا تبين له خطأ الحجة وأن فعل المفطر كان قبل الفجر كما إذا قامت الحجة عنده على أن الفجر عند الساعة الخامسة فخالفها وأكل عند الخامسة ثم بان خطأ الحجة وأن الفجر عند الخامسة وعشر دقائق فالأكل كان قبل الفجر فحينئذٍ صومه صحيح ، اللهم الا أن ترجع مخالفته للحجة الى قصده المفطر أو عدم عزمه على الصوم .
الحالة الثالثة / أن يحصل ذلك مع فحصه ومراعاته للفجر ، كما لو نظر الى السماء فاعتقد بقاء الليل فأكل وشرب ثم تبين له طلوع الفجر وخطأ فحصه ، فحينئذٍ صومه صحيح ولا إثم ولا قضاء ولا كفارة عليه ، أما عدم الإثم والكفارة فلعدم قصده الإفطار بل هو عازم على الصوم ، وأما عدم القضاء فهو وإن تبين وقوع المفطر بعد الفجر الا أن الروايات دلت على صحة صوم من نظر وفحص قبل الأكل والشرب ثم تبين له خطؤه ، وعلى هذا الحكم إجماع الفقهاء ، نعم اختلفوا في أمرين :
الأمر الأول / أن الحكم هل يشمل من بقي شاكاً في طلوع الفجر بعد الفحص أم يختص بمن حصل له الوثوق من فحصه بعدم الطلوع ؟ فمن فحص عن الفجر ووثق بعدم طلوعه فأكل وشرب ثم تبين له خطؤه فلا إشكال في انطباق الحكم عليه وهو صحة صومه وعدم القضاء عليه ، وهل كذلك من فحص وبقي شاكاً بطلوع الفجر فأكل وشرب ثم تبين له الطلوع ؟
قال الماتن ( وإذا كان مع المراعاة بنفسه فلا قضاء ولو مع الشك في بقاء الليل على الأظهر ) فعمّم الحكم للشاك أيضاً فكل من فحص قبل تناول المفطر ثم تبين له خطأ فحصه ووقوع المفطر بعد طلوع الفجر فلا قضاء عليه سواء حصل له الوثوق بعدم الطلوع من فحصه أو بقي شاكاً
وفي هذا خلاف فمن الفقهاء من خصّ الحكم بمن وثق بعد الفحص بعدم الطلوع أما من فحص وبقي شاكاً فلا يشمله الحكم وأن عليه القضاء كما صرح بذلك السيد اليزدي ، وهو ظاهر جلّ الرسائل العملية وإن لم يصرحوا بذلك ، فإنهم علّقوا صحة الصوم على ما إذا اعتقد عدم الطلوع فقالوا ( وإذا كان مع المراعاة واعتقاد بقاء الليل فلا قضاء ) فرتبوا الحكم بعدم القضاء على المراعاة مع اعتقاد بقاء الليل لا مطلقاً ولازم ذلك عدم شمول الحكم وهو عدم القضاء للشاك لأنه غير معتقد ببقاء الليل بل شاك إذن الحكم لا يشمله فيرجع الى الحالة الأولى فيكون حكمه حكم من لم يفحص فعليه القضاء . ومنشأ الخلاف الاختلاف في فهم الرواية وأنها هل تختص بالمعتقد أم تشمل الشاك أيضاً ، فقول الماتن ( على الأظهر ) أي على ما هو الأظهر عنده في فهم الرواية ودلالتها في مقابل ما استظهره غيره منها وهو الاختصاص بالمعتقد .
الأمر الثاني / هل يختص هذا الحكم - وهو صحة صوم من فحص وتناول المفطر ثم بان له وقوع المفطر بعد الفجر - بصوم رمضان ، أم يشمل غيره ؟ ففي صوم القضاء أو النذر او المندوب من فحص فاعتقد بقاء الليل وعدم طلوع الفجر فأكل ثم بان له طلوع الفجر فهل يحكم بصحة صومه أيضاً كما في صوم رمضان ؟ أم يحكم بالبطلان ويختص الحكم بصوم رمضان ؟
فيه ثلاثة آراء /
الرأي الأول / اختصاص الحكم بشهر رمضان ، أما غيره من الواجب المعيّن أو غير المعيّن أو المندوب فالأقوى فيه البطلان مطلقاً وهو رأي السيد الخوئي وغيره .
الرأي الثاني / الجزم بعد شمول الحكم للواجب غير المعيّن كالقضاء وكذا الصوم المندوب فحكمهما البطلان كما في القول الأول ، لكن في شمول الحكم للواجب المعيّن كالنذر المعيّن أو اختصاصه بصوم رمضان إشكال ، فالاحوط وجوباً في الواجب المعيّن لو فحص واعتقد بقاء الليل فأكل ثم بان طلوع الفجر الإتمام والقضاء ، فيتم صيام ذلك اليوم احتياطاً لاحتمال شمول الحكم له ويقضيه احتياطاً لاحتمال عدم شمول الحكم له وأنه مختص برمضان ، وهذا الرأي للسيد الصدر وغيره .
الرأي الثالث / شمول الحكم لجميع أنواع الصوم بما فيها المندوب وعدم اختصاصه بصوم رمضان فما دام قد فحص قبل فعل المفطر فصومه صحيح سواء حصل له الاعتقاد أو بقي شاكاً ، وسواء كان صوم رمضان أو غيره ، وهو رأي السيد الماتن .
ومنشأ الخلاف أن الرواية الدالة على صحة صوم من تفحص قبل تناول المفطر واردة في صوم رمضان ، فهل يختص الحكم به كما هو موردها ؟ أم أن ذكره من باب المثال فنتعدى بالحكم الى غيره من أنواع الصوم ؟ فمنشأ القول الأول استظهار أن الحكم مختص بمورد الرواية وهو صوم رمضان وأن ذكره ليس من باب المثال بل من باب الاختصاص ، وعكس ذلك القول الثالث ، بينما استظهر أصحاب القول الثاني عدم شمول الحكم للواجب غير المعين والمندوب واستشكلوا في الشمول للواجب المعيّن لاحتمال أن حكمه حكم صوم رمضان .
والحاصل /
المورد الرابع من موارد وجوب القضاء دون الكفارة من تناول المفطر باعتقاد عدم طلوع الفجر ثم بان له الطلوع ووقوع فعل المفطر بعد الفجر
فعليه القضاء فقط بشرط أن يكون ذلك مع عدم المراعاة والفحص ، أما مع الفحص فصومه صحيح
وأما مع قيام الحجة على الطلوع ومخالفته لها فعليه القضاء والكفارة .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:08 AM
الخامس : الافطار قبل دخول الليل باعتقاد دخوله ، حتى فيما إذا كان ذلك من جهة الغيم في السماء على الأحوط
بل الأحوط إن لم يكن أقوى وجوب الكفارة فيه أيضا إذا لم يكن قاطعا بدخوله .
----------------------
المورد الخامس / كان الكلام في المورد الرابع فيمن تناول المفطر بعد طلوع الفجر معتقداً عدم طلوعه وأن ذلك يوجب القضاء دون الكفارة مع عدم المراعاة والفحص ، وفي المورد الخامس الكلام فيمن اعتقد دخول الليل وتحقق الغروب فأفطر ثم بان له خطؤه وأن تناوله المفطر قد وقع في النهار قبل دخول الليل فعليه القضاء دون الكفارة ، هذا مع اعتقاده وقطعه بدخول الليل ، أما إذا أفطر لمجرد احتمال دخول الليل من دون أن يقطع بدخوله فعليه الكفارة أيضاً فيكون حكمه حكم من تناول المفطر مع قطعه بعدم دخوله ، فغير القاطع بالدخول حكه حكم القاطع بعدم الدخول فعلى كل منهما القضاء والكفارة ، والفرق بينهما أن القاطع بعدم دخول الليل هو المتيقن أنه في النهار وأن الليل لم يدخل بعد ، أما غير القاطع بالدخول فهو الشاك أنه في النهار أو أن الليل قد دخل ، قال الماتن وحكمهما واحد فعلى كل منهما القضاء والكفارة ، فيختص الحكم بالقضاء دون الكفارة وهو المورد الخامس بمن اعتقد وقطع بدخول الليل فتناول المفطر ثم بان له خطأ اعتقاده وأن الليل لم يدخل بعد فعليه القضاء دون الكفارة ، ولا يشمل الحكم من أفطر لمجرد احتمال دخول الليل وهو غير القاطع بالدخول فهذا حكمه حكم القاطع بعدم الدخول فعليه الكفارة أيضاً ، فالصور ثلاث :
الصورة الأولى / أن يتناول المفطر مع قطعه وجزمه بعدم دخول الليل ثم يتبين له صحة قطعه وأنه تناول المفطر في النهار ، ولا إشكال أنه متعمّد الإفطار فعليه القضاء والكفارة .
الصورة الثانية / أن يتناول المفطر مع عدم قطعه بدخول الليل بل هو شاك بالدخول وعدمه فيحتمل أنه قد دخل الليل ويحتمل بقاء النهار ، ثم يتبين له أن تناول المفطر قد وقع في النهار ، وهذا عليه القضاء والكفارة أيضاً كالأول لعدم جواز تناول المفطر بمجرد احتمال دخول الليل بل لا بد من القطع او الاطمئنان بدخوله .
الصورة الثالثة / أن يتناول المفطر مع قطعه بدخول الليل ثم يتبين له خطأ قطعه واعتقاده وأن تناول المفطر وقع نهاراً فهذا عليه القضاء دون الكفارة لعدم تعمّده الإفطار ، وهو المورد الخامس .
هذا ما ذكره الماتن ووافقه الشيخ الفياض ، وظاهر الفقهاء اتفاقهم في الصورتين الأولى والثانية بل الصورة الأولى مسلمة ولا إشكال فيها ، وإنما الخلاف في الصورة الثالثة فمن الفقهاء من فرّق بين أن يكون إفطاره واعتقاده بدخول الليل بسبب وجود الغيم أو عدم وجوده فإن كان منشأ اعتقاده دخول الليل من جهة وجود الغيم فلا قضاء عليه ولا كفارة أما إذا كان بسبب غير الغيم فعليه القضاء بل الكفارة أيضاً كما هو رأي السيد الخوئي وغيره ، وقول الماتن ( حتى فيما إذا كان ذلك من جهة الغيم في السماء على الأحوط ) ناظر الى هذا القول ، فلا فرق في الحكم بين وجود الغيم وعدم وجوده ، وتوجد أقوال أخرى ، منها رأي السيد الصدر الذي هو خليط من رأي السيد الخوئي ورأي السيد السيستاني فذهب الى تفصيل السيد الخوئي بين الغيم وغيره الا أنه جعل وجوب الكفارة في حالة عدم وجود الغيم مشروطاً بعدم القطع أو الوثوق بدخول الليل والا فعليه القضاء فقط دون الكفارة كما هو رأي السيد الماتن .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:09 AM
مسألة 1024 : إذا شك في دخول الليل لم يجز له الافطار ، وإذا أفطر أثم وكان عليه القضاء والكفارة ، إلا أن يتبين أنه كان بعد دخول الليل ، وكذا الحكم إذا قامت حجة على عدم دخوله فأفطر ، أما إذا قامت حجة على دخوله أو قطع بدخوله فأفطر فلا إثم ولا كفارة ، نعم يجب عليه القضاء إذا تبين عدم دخوله ، وإذا شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر ، وإذا تبين الخطأ بعد استعمال المفطر فقد تقدم حكمه .
-------------------------
هذه المسألة إعادة وتلخيص لما تقدم في الموردين الرابع والخامس ، وقد ذكر فيها أموراً :
الأمر الأول / لا يجوز الإفطار لمجرد احتمال انقضاء النهار ودخول الليل ، بل لا بد من القطع او الاطمئنان بدخول الليل وذلك لاستصحاب بقاء النهار ، فكما يجوز الاستمرار بفعل المفطرات مع الشك في طلوع الفجر وذلك استصحاباً لبقاء الليل ، لا يجوز فعل المفطرات مع الشك في دخول الليل وذلك استصحاباً لبقاء النهار ، وقد تقدمت الإشارة الى ذلك في المورد السابق وأسمينا من يفطر لمجرد احتمال دخول الليل بغير القاطع بدخول الليل وكان هو المعنيّ بالصورة الثانية وقلنا حكمه حكم القاطع بعدم دخول الليل فهو آثم ويجب عليه القضاء والكفارة فيما إذا تبيّن أن تناول المفطر قبل دخول الليل بأن شك بدخول فتناول المفطر ثم بان له أن الإفطار وقع قبل الغروب فعليه القضاء والكفارة كالقاطع بعدم تحقق الغروب ، بخلاف ما إذا بان أن تناوله المفطر وقع في الليل بأن شك في دخول الليل فأفطر ثم بان أن تناوله المفطر وقع بعد دخول الليل فصومه صحيح ولا قضاء ولا كفارة .
الأمر الثاني / من قامت عنده الحجة كخبر الثقة على عدم دخول الليل فحكمه حكم الشاك فلا يجوز له الإفطار بل يجب العمل بالحجة وإذا خالف الحجة فأفطر فعليه القضاء والكفارة إن تبين وقوع المفطر قبل دخول الليل بخلاف ما إذا خالف الحجة فأفطر ثم تبين له خطأ الحجة وأن الإفطار وقع بعد دخول الليل فصومه صحيح .
الأمر الثالث / من قطع بدخول الليل او اطمئن بذلك او قامت عنده الحجة على دخول الليل جاز له الإفطار بلا إشكال ، غاية الأمر أنه إن تبين له بعد ذلك خطأ قطعه او اطمئنانه او خطأ الحجة وأن تناول المفطر وقع قبل دخول الليل فعليه القضاء دون الكفارة ولا إثم عليه ، وهو المورد الخامس المتقدم الذي ذكرناه في الصورة الثالثة من الصور الثلاث السابقة .
الأمر الرابع / من شك في طلوع الفجر جاز له استعمال المفطر حتى يحصل له العلم بالطلوع ، وذلك استصحاباً لبقاء الليل غاية الأمر أنه إن تبين بعد ذلك أن استعمال المفطر وقع بعد الفجر فعليه القضاء فقط دون الكفارة كما تقدم في المورد الرابع .
وبذلك تعرف أن الإمساك قبل الفجر بعشر دقائق ونحو ذلك كما جرت به العادة ليس بلازم بل يجوز الاستمرار على المفطرات استصحاباً لبقاء الليل حتى يحصل القطع او الاطمئنان بطلوع الفجر أو تقوم الحجة على ذلك ، نعم هو أفضل وأرجح حتى يقطع المكلف بصحة صومه ولا يتورط بوقوع المفطر بعد الطلوع فيُكلَّف بالقضاء .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:10 AM
السادس : إدخال الماء إلى الفم بمضمضة أو غيرها لغرض التبرد عن عطش ، فيسبق ويدخل الجوف ، فإنه يوجب القضاء دون الكفارة ، وإن نسي فابتلعه فلا قضاء ، وكذا في سائر موارد ادخال المائع في الفم أو الأنف وتعديه إلى الجوف بغير اختيار وإن كان الأحوط الأولى القضاء فيما إذا كان ذلك في الوضوء لصلاة النافلة بل مطلقا إذا لم يكن لوضوء صلاة الفريضة .
-------------------------
المورد السادس / أن يُدخل الماء الى الفم فيسبق الى الجوف ففيه القضاء دون الكفارة في بعض الموارد وقد تجب الكفارة أيضاً وقد يصح الصوم فلا يجب لا القضاء ولا الكفارة ، وتفصيل الكلام :
1. أن يكون إدخال الماء لغرض التبرّد من العطش فيسبق الى الجوف من دون قصد ففيه القضاء دون الكفارة .
2. أن يُدخل الماء في الفم للمضمضمة ونحوها فينسى أنه صائم فيبتلعه ، وحينئذٍ صومه صحيح فلا قضاء عليه لعدم تعمده وشرط الإفطار تعمد تناول المفطر كما تقدم في مبحث تتميم وكذا في سائر موارد عدم الاختيار كعبور الماء قهراً ، سواء كان إدخال الماء الى الفم لأجل التبرد أو لأجل الوضوء لصلاة النافلة ونحوها من المستحبات التي يشترط أو يستحب فيها الوضوء .
3. أن يكون إدخال الماء الى الفم لأجل المضمضة في وضوء الفريضة فيسبق الى الجوف وحينئذٍ صومه صحيح أيضاً .
4. أن يُدخل الماء الى جوفه أثناء المضمضة عامداً وحينئذٍ عليه القضاء والكفارة ، ولم يذكرها الماتن لوضوحها ولأن الكلام في ما يوجب القضاء فقط .
وباختصار إذا دخل الماء الى الجوف أثناء المضمضة من دون تعمّد فالصوم صحيح الا إذا كان إدخال الماء لأجل التبرد من العطش فيسبق الى الجوف فحينئذٍ عليه القضاء دون الكفارة .
هذا رأي الماتن وفي قباله رأيان /
الرأي الأول / بطلان الصوم بسبق الماء الى الجوف في المضمضة مطلقاً الا في حالة بلعه عن نسيان للصوم فالصوم صحيح ، أما ما عدا ذلك فيجب القضاء دون الكفارة مطلقاً سواء كانت المضمضة لأجل التبرد أو لأجل وضوء الفريضة أو النافلة أو غير ذلك ففي كل مورد يتمضمض فيه المكلف فيسبق الماء الى الجوف يجب القضاء دون الكفارة الا إذا نسي فابتلع الماء فصومه صحيح ، وهذا رأي السيد الصدر .
الرأي الثاني / وجوب القضاء دون الكفارة بسبق الماء الى الجوف عند المضمضة مطلقاً الا في موردين : نسيان الصوم ووضوء صلاة الفريضة ، فلا يختص وجوب القضاء دون الكفارة بالمضمضة للتبرد من العطش كما هو رأي الماتن بل مطلق المضمضة توجب القضاء بسبق الماء معها الا في الموردين المذكورين ، واستشكلوا في إلحاق وضوء النافلة بوضوء الفريضة ومعنى الاستشكال الاحتياط بإتمام الصوم ثم القضاء ، وهذا الرأي هو المعروف وهو نفس الرأي السابق لكن بإضافة وضوء الفريضة الى نسيان الصوم فيصح فيهما الصوم ويجب فيما عداهما القضاء فقط .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:10 AM
مسألة 1025 : الظاهر عموم الحكم المذكور لرمضان وغيره .
---------------------
ما تقدم من حكم سبق الماء الى الجوف بالمضمضة ونحوها لا يختص بصوم رمضان بل يشمل جميع أنواع الصوم على جميع الآراء
فعلى رأي الماتن الذي خص وجوب القضاء بما إذا كانت المضمضة للتبرد من العطش لا يختص هذا الحكم بصوم رمضان بل غيره كذلك
وهكذا على الرأي الثاني الذي أوجب القضاء في جميع موارد سبق الماء بالمضمضة الا في حال النسيان فالحكم شامل لجميع أنواع الصوم
وهكذا الرأي الثالث الذي أوجب القضاء في جميع موارد سبق الماء بالمضمضة الا في حال النسيان ووضوء الفريضة
مع الاستشكال في وضوء النافلة فالحكم عام لجميع أنواع الصوم .
مولى أبي تراب
31-08-2012, 09:11 AM
السابع : سبق المني بالملاعبة ونحوها ، إذا لم يكن قاصدا ولا من عادته ، فإنه يجب فيه القضاء دون الكفارة
هذا إذا كان يحتمل ذلك احتمالا معتدا به ، وأما إذا كان واثقا من نفسه بعدم الخروج فسبقه المني اتفاقا ، فالظاهر عدم وجوب القضاء أيضا .
-------------------------
المورد السابع / أن يسبق المني بفعلِ ما يؤدي الى نزوله كالملاعبة مع عدم القصد ولا كونه معتاداً على ذلك
والا وجبت الكفارة أيضاً بتحقق الإنزال ومع عدم كونه واثقاً من عدم الإنزال والا فالصوم صحيح
وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلاً في فصل المفطرات عند الحديث عن الثامن من المفطرات وهو إنزال المني وملخص ما ذكرناه
أن المُلاعب ونحوه إن كان قاصداً للإنزال فهو متعمد للإفطار فحكمه وجوب القضاء بمجرد القصد ومع تحقق الإنزال فعلاً تجب الكفارة أيضاً
ويلحق به من كانت عادته ذلك أي خروج المني عند الملاعبة ، فإنه وإن لم يكن قاصداً للاستمناء والإنزال ولكنه في حكم القاصد بعد فرض جريان العادة بذلك
وأما من لم يكن قاصداً ولا كانت عادته كذلك فإن احتمل عند الملاعبة خروج المني احتمالاً معتداً به فسبقه المني وجب عليه القضاء دون الكفارة
وأما إذا لم يحتمله كذلك بل كان واثقاً من نفسه بعدم الخروج فاتفق سبق المني صح صومه ولا قضاء عليه حينئذ فضلاً عن الكفارة .
فالحالات أربع : القاصد للإنزال ، والمعتاد وإن لم يقصد ، والمحتمل للإنزال عند الملاعبة من غير قصد ولا اعتياد ، والواثق من عدم الإنزال
والكلام في الحالة الثالثة ، أما الأولى والثانية ففيهما القضاء والكفارة مع تحقق الإنزال وأما الرابعة فالصوم صحيح وإن تحقق الإنزال فلا قضاء ولا كفارة
وفي الثالثة يجب القضاء دون الكفارة وهي المقصودة هنا في هذا المورد السابع من موارد وجوب القضاء دون الكفارة
ويجمع الحالات الأربع حصولها بفعلِ ما يؤدي الى الإنزال بأن يأتي بما يكون سبباً للإنزال كالملاعبة فلا يخلو عند فعل السبب من إحدى هذه الحالات الأربع
وهناك حالة خامسة تقدمت الإشارة اليها هناك أيضاً وهي أن يحصل الإنزال فجأة ومن دون فعل سببه وما يؤدي الى نزوله وقلنا الصوم حينئذٍ صحيح
ويجمع هذه الحالات الخمس حصول الإنزال في حال اليقظة ، وأما حصوله في حال النوم المسمى بالاحتلام فقد تقدم في المسألة (986) صحة الصوم معه مطلقاً .
******
هذا تمام الكلام في ما ذكره الماتن من موارد وجوب القضاء دون الكفارة
وقلنا هناك موارد أخرى غيرها ولا ينحصر وجوب القضاء دون الكفارة بهذه الموارد السبعة بل هناك غيرها
كالمسافر والمريض والمرخَّصين في الإفطار ، ومن أفطر عن إكراه أو تقية كما تقدم في المسألة (1005)
ومن أضعفه الصوم حد الحرج أو العجز عن العمل اللازم للمعاش مع عدم التمكن من غيره كما سيأتي في المسألة (1030) إن شاء الله
وكذا من غلبه العطش وخاف الضرر من الصبر عليه أو كان حرجاً فقد تقدم في المسألة (1006) جواز أن يشرب بمقدار الضرورة
ولا يزيد عليه ويفسد بذلك صومه وعليه القضاء دون الكفارة ، ففي جميع هذه الموارد يجب القضاء فقط دون الكفارة .
..
هذا تمام الكلام في الفصل الثالث / كفارة الصوم
ثم الكلام في الفصل الرابع / شرائط صحة الصوم
يأتي إن شاء الله تعالى
مولى أبي تراب
01-09-2012, 01:02 PM
الفصل الرابع / شرائط صحة الصوم
-------------------------
الكلام هنا في شرائط صحة الصوم ، ويأتي في المسألة (1036) التعرض لشرائط وجوب الصوم إن شاء الله تعالى
والفرق بينهما أن شرائط وجوب الصوم هي الأمور التي يتوقف عليها أصل التكليف بالصوم بحيث لولاها الإنسان غير مطالب بالصوم أصلاً ولا مخاطب به ولا يترتب على عدم صومه قضاء ولا كفارة ولا إثم ، كالبلوغ فغير البالغ غير مكلف بالصوم فهو شرط وجوب متى تحقق مع باقي الشرائط وجب الصوم ومتى ما انتفى انتفى التكليف بالصوم ولم يجب
وأما شرائط الصحة فهي الأمور التي تتوقف عليها صحة الصوم بعد التكليف به ، فبعد أن تجتمع شرائط الوجوب في شخص ويصير مكلفاً بالصوم ليس بالضرورة أن يكون صومه صحيحاً بل الصحة تتوقف على جملة من الأمور لا بد من توفرها كي يصح الصوم بحيث إذا لم تتوفر يكون الصوم باطلاً ويطالب صاحبه بالقضاء وهذه الأمور تسمى بشرائط الصحة ، كعدم السفر فحتى يصح الصوم من المكلف به الذي اجتمعت فيه شرائط وجوب الصوم كالبلوغ والعقل لا بد أن لا يكون مسافراً فإن كان مسافراً لم يصح منه الصوم وكان مطالباً بالقضاء بعد ذلك فيما يجب فيه القضاء
وبعبارة فنية اصطلاحية إن وجوب الصوم يتنجّز باجتماع شرائط الوجوب ولكن لا يكون فعلياً حتى تتوفر شرائط الصحة ، فوجوب الصوم منجّز بحق المسافر المستجمع لشرائط الوجوب بمعنى أنه مكلف به الا أن هذا التكليف غير فعلي في حقه حال السفر
فالتكليف له مرحلتان : مرحلة التنجيز ومرحلة الفعلية (1) ، ولكل منهما شروط خاصة فقد يقف عند درجة التنجيز ولا يصل الى درجة الفعلية لتوفر شروط التنجيز دون شروط الفعلية ، وقد لا تتوفر شروطهما فلا تنجيز ولا فعلية ، وهما مرحلتان مترتبتان فالتنجيز سابق على الفعلية فمع عدم التنجيز لا فعلية ولا عكس فقد لا تتحقق الفعلية ولكن التنجيز حاصل
لذا عندما يقال المسافر أو الحائض أو النفساء غير مكلفين بالصوم بمعنى أن الصوم منهم غير صحيح أي لم يصل درجة الفعلية وإن كان منجزاً عليهم فهم مكلفون بالصوم الا أنه لا يصح منهم امتثاله وهم في هذا الحال ، فقولنا المسافر مكلف بالصوم بمعنى أنه مخاطب بالوجوب ومنجز في حقه واجتمعت فيه شرائط الوجوب ، وقولنا المسافر غير مكلف بالصوم بمعنى أنه ليس فعلياً في حقه ولا يصح منه امتثاله ما دام مسافراً ، فالتكليف وعدم التكليف بالصوم في المسافر بلحاظ المرحلتين ولا تنافي
وهذا بخلاف قولنا غير البالغ غير مكلف بالصوم فهو ليس على حد قولنا المسافر غير مكلف بالصوم بل يراد به أنه غير منجز في حقه ولا مخاطب به ولم تتوفر فيه شرائط الوجوب أصلاً فضلاً عن عدم الفعلية ، وكشاهد على الفرق بين عدم التكليف في غير البالغ مثلاً وعدم التكليف في المسافر مثلاً أن غير البالغ لا يطالب بالقضاء وذلك لأن معنى عدم تكليفه عدم تنجز الوجوب في حقه وعدم شمول الخطاب بالصوم له أصلاً ، بخلاف المسافر فهو مطالب بالقضاء لأن معنى عدم تكليفه بالصوم حال السفر عدم فعلية التكليف في حقه وعدم صحة الامتثال منه حال السفر لا عدم شمول الوجوب له وعدم تكليفه أصلاً كما في غير البالغ
وبعبارة أوضح أن عدم الصوم في المسافر من باب وجود المانع لا عدم المقتضي ، فالمقتضي لتكليف المسافر بالصوم موجود وهو اجتماع شرائط الوجوب فيه ككونه بالغاً عاقلاً الا أن المانع غير مفقود وهو كونه مسافراً فإن السفر مانع عن التكليف بالصوم ، أما في البالغ فعدم تكليفه بالصوم من باب عدم المقتضي لا من باب وجود المانع فلا مقتضي لتكليف الطفل بالصوم لعدم استجماعه شرائط الوجوب
وعليه فشرائط صحة الصوم هي شرائط لوجوب الصوم ولا عكس ، فالبلوغ شرطُ وجوبٍ وليس شرط صحة فصوم غير البالغ صحيح ، أما عدم السفر فهو شرط صحة وشرط وجوب أيضاً لعدم وجوب الصوم على المسافر بالمعنى المتقدم وهو عدم الفعلية ، يستثنى الإسلام بناء على تكليف الكفار بالفروع فهو شرط صحة لا شرط وجوب
.
________________________________
(1) قد يطلق التنجيز ويراد به الفعلية فيقال واجب منجز ويراد به الفعلي ، وقد يفرّق بينهما فيراد بالمنجز ما اجتمعت فيه شرائط التكليف وبالفعلي ما اجتمعت فيه
شرائط الامتثال والصحة وهو المقصود هنا .
مولى أبي تراب
01-09-2012, 01:03 PM
وهي أمور :
1 - الاسلام ، فلا يصح الصوم من الكافر نعم إذا أسلم في نهار شهر رمضان ولم يأت بمفطر قبل اسلامه فالأحوط لزوما أن يمسك بقية يومه بقصد ما في الذمة وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك
----------------------
قلنا الكلام في شرائط صحة الصوم ، وهي عديدة أوصلها الماتن الى خمسة بل ستة بل سبعة ، سابعها مختص ببعض أنواع الصوم كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، أما الأول فهو :
الإسلام / فلا يصح الصوم من الكافر ، فإذا صام فصومه باطل كسائر العبادات الأخرى سواء كان كافراً أصلياً أو إنتحالياً ، مرتداً كان أو غيره ، وسواء كان ارتداده عن فِطرة أو مِلّة (1) فمطلق الكافر لا تصح منه العبادات ومنها الصوم ، ولا خلاف في ذلك سواء على القول بتكليف الكفار بالفروع كالأصول أو على القول باختصاص تكليفهم بالأصول دون الفروع (2)
ويجب عليه قضاؤه بعد الإسلام الا في الكفر الأصلي كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفصل السابع
وعدم صحة صوم الكافر تشمل ما إذا استوعب الكفر كل النهار أو وقع في جزء منه ، كما إذا أصبح المسلم صائماً ثم ارتد أثناء النهار ولو لحظة ثم تاب ورجع الى الإسلام فصومه باطل فضلاً عما إذا لم يرجع الى آخر النهار ، إذ لا بد من كون الصائم مسلماً في جميع آنات النهار
واختلف الفقهاء فيما إذا أسلم الكافر أثناء النهار في صوم رمضان بأن أصبح كافراً وقبل تناول المفطر أسلم فهل يجب عليه تجديد النية ويصح منه الصوم كما هو الحال في المسافر إذا رجع الى وطنه قبل الزوال ممسكاً فيجدد النية ويصح صومه ؟ أم لا يجب عليه وصومه غير صحيح وإن فعل ذلك ؟
قولان : الأول / الصحة ، لما دل على تأثير النية في أثناء النهار قبل الزوال لمن كان ممسكاً كالناسي للحكم أو الموضوع أو الجاهل بهما كما تقدم في المسألة (978) من فصل النية ، وكالمسافر كما سيأتي إن شاء الله في المسألة (1038) وكذا المريض إذا برئ قبل الزوال كما سيأتي إن شاء الله في المسألة (1033) ، وعليه فالكافر إذا أسلم في نهار شهر رمضان ولم يأت بمفطر قبل اسلامه يجب عليه تجديد النية ولو لم يفعل وجب عليه القضاء لأنه مسلم حينئذٍ كسائر المسلمين فيجب عليه القضاء بترك الصوم الواجب .
الثاني / البطلان ، لإن اشتراط الإسلام في صحة الصوم يوجب اعتباره في كل جزء من اجزائه من الفجر الى الغروب بحيث لو انتفى في جزء منه لانتفت الصحة ، وعليه فالكافر إذا أسلم في نهار شهر رمضان ولم يأت بمفطر قبل اسلامه لا يجب عليه تجديد النية ولو لم يفعل لم يجب عليه القضاء لأنه وإن أسلم الا أنه كافر في بعض النهار والكفر لا يصح معه الصوم ولو في بعض النهار ، وهذا القول هو المعروف وعليه أكثر الفقهاء .
ولأجل هذا الاختلاف احتاط الماتن لزوماً بالقول الأول لأنه أحوط بلا إشكال ، فأنْ ينوي الكافر الصوم إذا أسلم أثناء النهار أحوط من عدم نية الصوم لاحتمال أنه مطالب بالصوم فعلاً حينئذٍ .
.
______________________________________
(1) الكافر أنواع : 1. الكافر الأصلي : وهو المنتمي الى غير دين الإسلام كاليهودي والنصراني وكذا من لا دين له كالمشرك . 2. الكافر الانتحالي أو المنتحل : وهو المنتسب الى الإسلام المدعي له الا أنه محكوم بكفره كمنكر ضروريات الإسلام وكالخوارج والغلاة . 3. الكافر المرتد : وهو المسلم الذي يرجع عن الإسلام ويدخل في دين غيره كالمسلم يصير يهودياً أو نصرانياً ، وهو على قسمين : أ. المرتد الفطري أو عن فطرة : وهو من وُلد على الإسلام أي لأبوين أحدهما أو كلاهما مسلمٌ وأظهر الإسلام بعد بلوغه ثم ارتد عنه بعد ذلك ، وسمي بذلك لارتداده عن الفطرة التي وُلد عليها . ب. المرتد الملّي أو عن ملّة : وهو من وُلد على الكفر أي حين الولادة كان أبواه كافرين ثم أسلم بعد بلوغه ثم رجع الى كفره الذي وُلد عليه كمن وُلد نصرانياً ثم أسلم بعد بلوغه ثم رجع الى نصرانيته ، وسمي ملّياً لارتداده عن ملة الإسلام أو الى الملّة التي وُلد عليها .
(2) لا شك أن الكفار مكلفون بأصول الدين فيجب عليهم الاعتقاد بنبوة النبي محمد صلّى الله عليه وآله وسلم ، أي يجب عليهم اعتناق الإسلام لأنه آخر الأديان ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران / 85 ، وهل هم مكلفون بفروع الدين كالصلاة والصوم والحج ؟ قولان : الأول / نعم فهم مخاطبون ومكلفون بفروع الدين كأصول الدين ولكن لا تصح الا بعد اعتناق الإسلام وهذا القول هو المشهور ومنهم الماتن . الثاني / عدم شمول التكليف بالفروع لهم واختصاصه بالمسلمين وهو رأي بعض الفقهاء منهم السيد الخوئي . وتترتب على هذا الخلاف عدة ثمرات منها / أن الكفار يعاقبون على ترك الالتزام بفروع الدين من واجبات ومحرمات كما يعاقبون على ترك أصول الدين بناء على القول الأول لتركهم ما هم مكلفون به فيستحقّ الكافر بترك الواجبات كالصلاة وبارتكاب المحرّمات كقتل النفس وإيذاء المؤمن وشرب الخمر وغيرها عقاباً زائداً على ما يستحقّه بأصل الكفر ، أما على القول الثاني فيعاقبون على ترك أصول الدين فقط دون تركهم الالتزام بفروع الدين لعدم تكليفهم بها . ومنها / يجب عليهم قضاء العبادات بعد إسلامهم على القول بتكليفهم بالفروع الا ما دلّ الدليل على عدم وجوب قضائه كالصلاة ، أما على القول بعدم تكليفهم بالفروع فلا يجب عليهم قضاء شيء من العبادات التي لم يؤدوها حال كفرهم لعدم تكليفهم بها وإنما يجب القضاء على من كان مكلفاً ولم يمتثل ، نعم إذا قلنا بصحة قاعدة الإسلام يجُبّ ماقبله لم تظهر هذه الثمرة فعلى كلا القولين لا يجب القضاء لأجل هذه القاعدة . ومنها / أنه بناء على القول الأول أي تكليف الكفار بالفروع يكون الإسلام شرط صحة أما بناء على القول الثاني وهو عدم تكليف الكفار بالفروع فالإسلام شرط وجوب بمعنى لا تجب التكاليف على غير المسلمين ، الى غير ذلك من الثمرات الكثيرة .
مولى أبي تراب
02-09-2012, 02:21 PM
وأما الايمان فالأظهر عدم اعتباره في الصحة بمعنى سقوط التكليف وإن كان معتبرا في استحقاق المثوبة .
------------------------
هل يشترط في صحة الصوم الإيمان مضافاً الى الإسلام ؟ أي هل يشترط كون الصائم مؤمناً ؟
والمقصود الإيمان بالمعنى الأخص (1) أي الاعتقاد بولاية الأئمة الإثني عشر عليهم السلام ، فحتى يصح الصوم هل يكفي كون الصائم مسلماً وإن لم يكن على مذهب أهل البيت عليهم السلام أم لا بد من كونه كذلك أيضاً ولا يكفي إسلامه ؟
المشهور والمعروف اشتراط الإيمان مضافاً الى الإسلام في صحة الصيام ، فكما لا يصح الصوم من الكافر حتى يسلم لا يصح من المخالف حتى يستبصر ويتبع الهدى ، كما هو الحال في سائر العبادات ولا يختص الأمر بالصوم فالاعتقاد بإمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام شرط في صحة الأعمال عموماً
وفي مقابل هذا القول ذهب بعض الفقهاء ومنهم الماتن الى أن صحة العبادات لا يشترط فيها الإيمان نعم هو شرط في القبول واستحقاق الثواب يوم القيامة دون الإجزاء والصحة
لكن يتفق القولان على أن المخالف إذا اهتدى واستبصر لا يجب عليه إعادة صومه الذي أتى به حال خلافه ما دام قد أتى به صحيحاً على طبق مذهبه أو مذهبنا حتى على القول الأول القائل بعدم صحة صوم المخالف للأخبار الدالة على عدم وجوب قضاء وإعادة العبادات الصادرة زمن الخلاف الا إذا أتى بها فاسدة حتى على مذهبه كما لو صلى بلا وضوء أو صام بلا غسل من الجنابة فحينئذٍ يجب عليه القضاء .
كما يتفق القولان على أنه إن استمر على خلافه ولم يستبصر حتى مات لم تقبل أعماله يوم القيامة ولا يستحق عليها الثواب حتى على القول الثاني القائل بصحة صوم المخالف وإجزائه
إذن ما هو الفرق بين القولين ؟ وأين تظهر ثمرة هذا الخلاف ؟
الجواب / تظهر الثمرة إذا استبصر المخالف واهتدى إلى الإيمان بعد أن طلع الفجر ودخل النهار ، وكان الصوم واجباً معيناً عليه كشهر رمضان فعلى القول الثاني يستمر على صومه ولا شيء عليه وصومه صحيح لأن صومه صحيح بإسلامه فانتقاله من الخلاف الى الإيمان لا مدخلية له في صحة صومه
أما على القول الأول الذي اشترط الإيمان مضافاً الى الإسلام فالمسألة ستكون من قبيل ما إذا أسلم الكافر أثناء النهار قبل تناول المفطر وقد تقدم أن فيها قولين : الأول / ينوي الصوم بعد إسلامه ويصح صومه كالمسافر العائد قبل الزوال ينوي الصوم ويصح صومه . الثاني / لا يصح منه الصوم ولا يجب عليه تجديد النية لوقوع بعض النهار حال الكفر ولا يصح الصوم الا بإسلامه في جميع النهار
نفس الكلام يقال في المخالف على القول الأول ، فإذا أصبح ناوياً للصوم في شهر رمضان ثم استبصر أثناء النهار فقيل يجدد النية بعد استبصاره ويصح منه صيام ذلك اليوم وهو الرأي المعروف ، وقيل لا يصح صومه حتى مع تجديد النية لوقوع بعض الصوم حال الخلاف ولا يصح الصوم الا مع الإيمان في جميع النهار بل يجب عليه قضاء ذلك اليوم لأنه لم يتمه مخالفاً حتى يقال أن المخالف لا يجب عليه القضاء بعد الاستبصار بل استبصر أثناء النهار وقد وقع الصوم منه في بعض النهار فاسداً لمكان خلافه بناء على القول الأول فيصدق عليه أنه مؤمن صومه فاسد فيجب عليه القضاء .
.
_______________________________
(1) يطلق مصطلح الإيمان ويراد به أحد معنيين : الأول / الإسلام وعدم الكفر ، وهو مصطلح قرآني فحيث ما أطلق الإيمان في القرآن فالمراد به الإسلام وعدم الكفر ما لم تكن قرينة صارفة ، ويسمى الإيمان بالمعنى الأعم لأنه أعم وأوسع من المعنى الثاني فيشمل جميع المسلمين ولا يختص بطائفة منهم . الثاني / التشيّع والاعتقاد بإمامة الأئمة الإثني عشر والإقرار لهم بالولاية ، وهذا مصطلح فقهي فحيث ما أطلق لفظ الإيمان في الفقه وكلمات الفقهاء فالمراد به هذا المعنى وهو كون المكلف موالياً اثني عشرياً ، وهو مصطلح روائي أيضاً فلفظ الإيمان في كلام المعصومين عليهم السلام ورواياتهم خصوصاً في زمان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام يراد منه هذا المعنى غالباً ، ويسمى الإيمان بالمعنى الأخص لأنه أضيق من المعنى الأول وأن المراد به بعض المسلمين . وعليه فعلى المعنى الأول كل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم ، أما على المعنى الثاني فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن .
الحوزويه الصغيره
03-09-2012, 12:25 PM
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
بوركتم شيخنا على هذا الشرح السلس الواضح ، وجزاكم الله عنا ألف خير لما تبذلوه من جهد في تفقيهنا بأحكام ديننا
احترامي لك
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:01 AM
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
اللهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد
حياكم الله أختنا الفاضلة
وشكراً لمروركم الكريم
وفقكم الله
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:08 AM
2 - العقل وعدم الاغماء ، فلو جن أو أغمي عليه بحيث فاتت منه النية المعتبرة في الصوم وأفاق أثناء النهار لم يصح منه صوم ذلك اليوم ، نعم إذا كان مسبوقا بالنية في الفرض المذكور فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه .
----------------------
الشرط الثاني / من شرائط صحة الصوم الوعي والانتباه وتعقل الصوم فلا يصح الصوم من المجنون سواء ٌالأطباقي أي المجنون دائماً أو الأدواري وهو الذي يعرض عليه الجنون في بعض حالاته وأطواره فيأتيه الجنون في بعض الوقت لا دائماً ، فلو عرض عليه الجنون أثناء الصوم ولو للحظة ثم رجع عاقلاً لم يصح منه الصوم ، وليس كذلك النوم وإن فقد فيه الصائم الانتباه والوعي فالنوم لا يضر بالصوم كما تقدم في المسألة (970) في أول فصل النية بل كما ورد نوم الصائم عبادة
وألحق بعض الفقهاء ومنهم الماتن الإغماء بالجنون فلا يصح الصوم مع الإغماء كما لا يصح مع الجنون وفيه خلاف حيث ألحقه بعض الفقهاء بالنوم وأنه لا يضر بصحة الصوم كما هو رأي السيد الخوئي وغيره ، وقد تقدم من المصنف في المسألة (970) الإشارة الى ذلك وأن الإغماء هل يلحق بالنوم أو لا ؟ فقال ( ولكن وفي الحاق الاغماء والسكر به إشكال فلا يترك الاحتياط فيهما مع سبق النية بالجمع بين الاتمام إن أفاق أثناء الوقت والقضاء بعد ذلك ) فاستشكل في إلحاق الإغماء بالنوم أو أن حكمه حكم حكم الجنون ، وفي هذه المسألة فصّل في الإغماء بين صورتين فألحق إحداهما بالجنون واستشكل في الأخرى فيظهر أن استشكاله هناك في تلك المسألة ناظر الى الصورة الثانية هنا ، وحاصل هاتين الصورتين :
الصورة الأولى / أن يكون عروض الجنون او الإغماء قبل نية الصوم ويستمر الى ما بعد آخر وقت النية ، كما لو عرض الجنون أو الإغماء ليلاً في شهر رمضان وقبل نية الصوم ولم يرتفع الا بعد الفجر فتكون قد فاتت النية المعتبرة لأنها تتضيق بطلوع الفجر ، وفي هذه الصورة لا إشكال في عدم صحة الصوم لفوات النية المعتبرة في الصوم سواء كان العارض هو الجنون أو الإغماء .
الصورة الثانية / أن يكون العروض أثناء النهار وبعد النية ، فهل يبطل صومه حينئذٍ ؟
فيه قولان : الأول / بطلان الصوم ، وعليه فلا فرق بين الصورتين فمتى عرض الجنون أو الإغماء بطل الصوم سواء لم تسبقه النية أو كان مسبوقاً بها ، ولو كان عروضه للحظات في أثناء النهار فإن ذلك مبطل للصوم ، لا لفوات النية المعتبرة كما في الصورة الأولى ، بل لأن المعتبر في صحة الصوم أن لا يصاحبه الجنون أو الإغماء في جميع آناته من الفجر الى الغروب .
الثاني / صحة الصوم ما دام عروض الجنون أو الإغماء مسبوقاً بالنية فيكونا كالنائم لا يضره حصول النوم أثناء الصوم ما دامت النية سابقة .
والماتن أجاب عن هذه الصورة بقوله ( نعم إذا كان مسبوقا بالنية في الفرض المذكور فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه ) ومعنى هذه العبارة أنه يستشكل في صحة الصوم في هذه الصورة التي تسبق فيها النية على العروض فلا يترك الاحتياط بإتمام الصوم ثم القضاء ، لكن الظاهر أن استشكاله في خصوص ما إذا كان العارض بعد النية هو الإغماء أما لو كان العارض هو الجنون فالحكم كالصورة الأولى فيبطل الصوم ، وذلك بقرينة قوله ( في الفرض المذكور ) أي في فرض الإغماء مضافاً الى أن المعروف بطلان الصوم بالجنون مطلقاً وإن سبقته النية مما يؤيد أن احتياط الماتن في الإغماء فقط ، وعليه فما تقدم من المصنف في المسألة (970) من الاستشكال في صحة الصوم مع الإغماء ناظر الى هذه الصورة وهي ما لو سبقت النية الإغماء فهل يلحق الإغماء بالنوم ويصح الصوم ؟ فيه إشكال ، أما في الصورة الأولى وهي ما لو فاتت النية فالصوم باطل بلا إشكال .
والحاصل /
أن العارض إن كان هو الجنون فالصوم غير صحيح مطلقاً سواء فاتت النية بعروضه أو كان عروضه أثناء النهار مع سبق النية ، وأما إن كان العارض هو الإغماء فحينئذٍ يبطل الصوم في الصورة الأولى وهي ما لو فاتت النية بعروضه ، وفي بطلانه في الصورة الثانية وهي ما لو عرض الإغماء في النهار بعد سبق النية إشكال فيحتمل البطلان ويحتمل الصحة فلا يترك مقتضى الاحتياط بإتمام الصوم ثم القضاء .
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:10 AM
3 - الطهارة من الحيض والنفاس ، فلا يصح من الحائض والنفساء ولو كان الحيض أو النفاس في جزء من النهار .
----------------------
الشرط الثالث / طهارة المرأة وخلوها من الحيض والنفاس ، فلا يصح الصوم من الحائض والنفساء سواء استوعب الحيض والنفاس كل النهار أو حصلا في بعضه كما إذا فاجأ المرأة دم الحيض قبل الغروب ولو بلحظة أو انقطع بعد الفجر بلحظة فلا يصح الصوم بلا خلاف في ذلك وعلى المرأة القضاء بعد ذلك ، والأخبار ناطقة بهذا الحكم كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشي حاضت أتفطر ؟ قال : نعم وإن كان وقت المغرب فلتفطر ، قال وسألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار من شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم فما تصنع في ذلك اليوم ؟ قال : تفطر ذلك اليوم فإنما فطرها من الدم ) الكافي ج4 ص135 ، والمراد بالعشي ما بعد الزوال ونسميه اليوم بالمساء فيشمل النصف الثاني من النهار
وعن عيص ابن القاسم قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس ، قال : تفطر حين تطمث ) المصدر
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر ؟ قال : تفطر وتقضي ذلك اليوم ) المصدر
أما المستحاضة فصومها صحيح كما تقدم الكلام فيها في فصل المفطرات في المسألة (992) ، سواء قلنا بتوقفه على الأغسال في الاستحاضة الكبرى أو لا فمن حيث الاستحاضة الصوم صحيح ، فليس من شروط صحة صوم المرأة عدم الاستحاضة بل عدم الحيض والنفاس .
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:12 AM
4 - عدم الاصباح جنبا ، أو على حدث الحيض أو النفاس كما تقدم .
--------------------
الشرط الرابع / الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس كما تقدم الكلام في ذلك في فصل المفطرات
حيث ذكر الماتن أن السابع من المفطرات تعمد البقاء على الجنابة وأنه مبطل للصوم وموجب للقضاء بل والكفارة
فلا يصح الصوم الا بالاغتسال من الجنابة قبل الفجر ، وذكر في المسألة (991) لحوق تعمد البقاء على الحيض والنفاس
بالبقاء على الجنابة فلو طهرت المرأة من الحيض والنفاس قبل الفجر وجب عليها الاغتسال ليصح صومها فلو تعمدت البقاء
على حدث الحيض والنفاس حتى طلع الفجر ولم تغتسل بطل الصوم
والكلام يختص بحال العمد فمن شرائط صحة الصوم عدم تعمد البقاء على الجنابة والحيض والنفاس
أما مع عدم العمد بالبقاء فالصوم صحيح كما تقدم في المسألة (985) حيث قال الماتن ( الأقوى عدم البطلان بالاصباح جنبا لا عن عمد )
والفرق بين هذا الشرط وسابقه بالنسبة الى الحيض والنفاس أن الكلام في الشرط السابق في نفس الحيض والنفاس ونزول الدم فيهما
أو قل في نفس الحدث فيشترط في صحة الصوم عدم الحدث من الحيض والنفاس
أما هنا فالكلام في البقاء على الحدث بعد انقطاع الدم فيشترط في صحة الصوم أن تغتسل المرأة قبل الفجر من حدث الحيض والنفاس بعد انقطاعهما .
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:18 AM
5 - أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة ، مع العلم بالحكم في الصوم الواجب ، إلا في ثلاثة مواضع :
أحدها : الثلاثة أيام وهي التي بعض العشرة التي تكون بدل هدي التمتع لمن عجز عنه .
ثانيها : صوم الثمانية عشر يوما ، التي هي بدل البدنة كفارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب .
ثالثها : صوم النافلة في وقت معين ، المنذور إيقاعه في السفر أو الأعم منه ومن الحضر .
--------------------------
الشرط الخامس / في صحة الصوم أن لا يكون المكلف مسافراً ، فلا يصح الصوم مع السفر كما دل على ذلك قوله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة / 184 ، فالآية أوجبت القضاء على المسافر ولازم ذلك عدم صحة الصوم منه والا لما وجب القضاء ، لكن عدم صحة الصوم مع السفر ليست مطلقاً بل بشرطين :
1. أن يكون السفر يوجب قصر الصلاة أما إذا كان حكمه إتمام الصلاة في سفره فحينئذٍ يجب عليه الصوم وصومه صحيح كناوي الإقامة عشرة أيام أو من كان عمله السفر أو في السفر وكذا من كان سفره سفر معصية كما سيأتي في المسألة (1028) إن شاء الله ، وعلى أساس ذلك يذكر الفقهاء قاعدة مفادها الملازمة بين القصر والإفطار والتمام والصيام بالنسبة الى الصوم الواجب فيقولون ( من قصّر أفطر ومن أتمّ صام ) وقد ورد مثل هذا التعبير في الروايات ، وهي قاعدة مطردة لا تتخلف الا في موارد قليلة كالمسافر بعد الزوال كما سيأتي في المسألة (1038) إن شاء ، وكمن حكمه القصر في أماكن التخيير الأربعة فإنه وإن جاز له الإتمام في تلك الأماكن لكن لا يجوز له الصيام ، وكما في المواضع الثلاثة التي أشار اليها الماتن في هذه النقطة .
2. أن يكون عالماً بالحكم وهو عدم صحة الصوم في السفر بل عدم جوازه ، فلو كان جاهلاً بذلك فصام فصومه صحيح كما سيأتي إن شاء الله في المسألة (1027) مع تفصيل زائد
والكلام بالنسبة الى الصوم الواجب أما المندوب فيتعرض له الماتن في المسألة التالية إن شاء الله
إذن لا يصح الصوم الواجب - سواء المعيّن كصوم رمضان أو غير المعيّن كالقضاء - في السفر ما دام يوجب قصر الصلاة والمكلف عالماً بالحكم ، يستثنى من ذلك ثلاثة موارد يصح فيها الصوم الواجب في السفر بل يجب وإن كانت الصلاة قصراً :
المورد الأول / ( الثلاثة أيام وهي التي بعض العشرة التي تكون بدل هدي التمتع لمن عجز عنه ) فإنه في حج التمتع يجب على الحاج الذبح أو النحر ويسمى هذا العمل بالهَدْي فإن لم يتمكن من ذلك كما لو يجد ثمن الهدي أو لم يجد هدياً فحينئذٍ يجب عليه أن يصوم بدل ذلك عشرة أيام ثلاثة منها في الحج وسبعة بعد الرجوع الى بلده على تفصيل مذكور في كتاب الحج ، وهذا يعني وقوع الثلاثة في السفر وأشار القرآن الكريم الى هذا الحكم في قوله تعالى ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) البقرة / 196 .
المورد الثاني / ( صوم الثمانية عشر يوما ، التي هي بدل البدنة كفارة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب ) فمن مناسك الحج الوقوف في عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة من الزوال أو بعده بمقدار الغسل وأداء الظهرين جمعاً - على الخلاف في مبدء الوقوف - الى الغروب ، وبعد الغروب يفيض الحاج الى المشعر الحرام أي المزدلفة ، ولا تجوز الإفاضة من عرفات قبل الغروب فمن أفاض وجب عليه الرجوع فإن لم يرجع وجبت عليه كفارة وهي أن ينحر بدنة فإن لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوماً بمكة أو في الطريق أو عند أهله ، وفرق هذا المورد عن سابقه أن الثلاثة أيام في المورد السابق يجب إيقاعها في السفر ، أما هنا فإيقاع الثمانية عشر في السفر هو على نحو الجواز لا الوجوب فيجوز له تأخيرها الى حين الرجوع الى أهله وبلده ، وخالف في هذا المورد السيد محمد سعيد الحكيم فاحتاط وجوباً بعدم الصوم في السفر وأن يؤجل صوم الثمانية عشر يوماً الى حين الرجوع الى أهله .
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:27 AM
المورد الثالث / ( صوم النافلة في وقت معين ، المنذور إيقاعه في السفر أو الأعم منه ومن الحضر ) أي أن ينذر الصوم في السفر بحيث كان السفر ملحوظاً حال النذر إما بخصوصه ومتقيداً به أو الأعم منه ومن الحضر دون ما إذا كان النذر مطلقاً لم يلحظ فيه السفر ، توضيح ذلك أن المكلف إذا نذر الصوم فلا يخلو نذره من إحدى صور ثلاث :
الصورة الأولى / أن ينذر إيقاع الصوم في السفر خاصة ، كما لو نذر أن يصوم يوم عرفة إن وفقه الله لزيارة الحسين عليه السلام في ذلك اليوم وكانت بينه وبين كربلاء مسافة شرعية ، فهو ناذر أن يصوم يوم عرفة وهو في السفر عند الحسين عليه السلام ، فالسفر ملحوظ حال النذر بخصوصه .
الصورة الثانية / أن ينذر الصوم على أي حال سواء كان في سفر أو حضر كما لو نذر أن يصوم كل خميس سواء كان حاضراً أو مسافراً بحيث كان ذلك ملحوظاً له فهو قاصد أن يصوم كل خميس أينما كان حاضراً أو مسافراً ، وفرق هذه الصورة عن سابقتها أن السفر ملحوظ حجال النذر ولكن ليس بخصوصه كما في الصورة السابقة بل الأعم منه ومن الحضر .
الصورة الثالثة / أن يُطلق الناذر نذره فلا يكون السفر ملحوظاً عنده لا بخصوصه ولا بالأعم منه ومن الحضر ، كما لو نذر أن يصوم كل خميس فلحاظه منصب على صوم يوم الخميس ولم يلحظ أن يكون ذلك في السفر أو في الحضر أو في الأعم منهما ، وبعبارة واضحة أن الناذر لم ينوِ صوم كل خميس ولو في السفر بل كانت نيته أن يصوم كل خميس ولم يتعرض الى أن ذلك في خصوص الحضر أو حتى في السفر .
فالصورتان الأولى والثانية تشتركان في أن السفر ملحوظ ومقصود أثناء النذر وتختلفان بينهما أنه ملحوظ بخصوصه أو ليس بخصوصه ، كما تختلفان عن الثالثة في أن السفر غير ملحوظ فيها أصلاً لا بخصوصه ولا الأعم منه ومن الحضر ، بحيث لو سألناه هل قصدت الصوم في السفر أو الحضر لأجاب لم ألحظ ذلك ولم ألتفت اليه وإنما لحاظي على نفس النذر والصوم كل خميس ، بخلاف الصورة الأولى فيجيب أن لحاظي الصوم في السفر خاصة ، وفي الصورة الثاني يجيب أن لحاظي الصوم في السفر والحضر
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا إشكال في صحة النذر في الصورة الأولى التي يلحظ فيها الصوم في السفر خاصة فيصح بل يجب الوفاء بالنذر والصوم في السفر ، فمن نذر أن يصوم في السفر فصومه صحيح ويجب عليه الوفاء بالنذر
ونفس الحكم ينطبق على الصورة الثانية فمن نذر أن يصوم كل خميس سواء كان حاضراً أو مسافراً فنذره صحيح ويجب عليه الوفاء به فيصوم كل خميس وإن كان في السفر
وأما في الصورة الثالثة فيختص وجوب الوفاء بالنذر في خصوص ما إذا كان حاضراً ولا يجب عليه الصوم حال السفر ، فمن نذر أن يصوم كل خميس ولم يلحظ أن ذلك في خصوص الحضر أو حتى في السفر بحيث كان غافلاً عن ذلك حال النذر فحينئذٍ ينصرف قصده الى الحضر دون السفر فيصوم كل خميس ما دام حاضراً فإذا صادف أن يكون في خميس مسافراً لم يجب عليه الصوم بل لا يصح ، والفرق أن السفر في الصورتين الأوليين السفر ملحوظ حال الصوم إما بخصوصه أو بالأعم منه ومن الحضر فصح الصوم في السفر لمكان القصد ، أما في الثالثة فالسفر غير ملحوظ ولا مقصود فينصرف النذر الى الحضر .
وقول الماتن ( صوم النافلة في وقت معين ) يقصد أن الكلام في هذا المورد الثالث في صوم مستحب غير واجب في نفسه لكنه وجب بسبب النذر ، كما لو نذر صوم يوم عرفة أو كل خميس فالصوم في هذين اليومين نافلة ليس بواجب لكنه يجب بسبب النذر ، والماتن يريد أن يشير بذلك الى أن جواز الصوم المنذور في السفر يختص بما إذا كان متعلق النذر صوماً نافلة في نفسه ، دون ما إذا كان واجباً في نفسه كما لو نذر أن يصوم ما في ذمته من القضاء في السفر فهنا النذر غير صحيح لأن صوم القضاء في السفر منهي عنه فلا يصح أن يكون متعلقاً للنذر وهكذا لو نذر أن يصوم شهر رمضان في السفر فهذا النذر باطل لا يصح .
وقوله في وقت معين إشارة الى أن النذر قد يكون معيناً كما إذا نذر أن يصوم كل خميس أو صوم يوم عرفة وقد لا يكون معيناً كما إذا نذر أن يصوم يوماً ولم يعينه ، والكلام في جواز إيقاع الصوم المنذور في السفر مختص بالمعين لا مطلقاً .
خلاصة الكلام /
أن الصوم الواجب في السفر غير صحيح ما دام السفر يوجب قصر الصلاة والمكلف يعلم بالحكم فإن كان حكمه التمام أو كان جاهلاً بعدم جواز الصوم الواجب في السفر فصومه صحيح ، نعم يستثنى من عدم صحة الصوم الواجب في السفر مع القصر والعلم بالحكم ثلاثة مواضع :
1. صوم الثلاثة أيام في حج التمتع بدل الهدي لمن لم يجده .
2. صوم الثمانية عشر يوم بدل كفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب مع عدم الرجوع .
3. الصوم المنذور المعين بشرط أن يكون متعلقه ليس واجباً بل نافلة وأن يكون الإيقاع في السفر ملحوظاً حال النذر إما بخصوصه أو مع الحضر .
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:34 AM
مسألة 1026 : الأقوى عدم جواز الصوم المندوب في السفر ، إلا ثلاثة أيام للحاجة في المدينة ، والأحوط لزوما أن يكون ذلك في الأربعاء والخميس والجمعة .
-----------------------
كان الكلام في مشروعية الصوم الواجب في السفر وعرفنا عدم مشروعيته وأنه لا يصح الا في ثلاثة مواضع ، والكلام الآن في مشروعية الصوم المندوب في السفر ، فهل يجوز ويصح الصوم المندوب في السفر ، سواء المندوب الخاص كصوم يوم عرفة والغدير ونحو ذلك أو المندوب العام وهو الصوم في أغلب أيام السنة ؟
فيه خلاف فقيل بالجواز مع الكراهة والمعروف عدم جوازه فلا يشرع الصوم المندوب في السفر ، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات فمنها ما يدل على الجواز ومنها ما يدل على المنع بل الحرمة وأن الصوم في السفر معصية ، ولأجل اختلاف الفقهاء في كيفية علاج هذا التنافي بين الروايات نشأ هذان القولان الا أن الرأي الذي استقر عليه الفقهاء هو عدم الجواز كما ذكر الماتن
والكلام إنما هو في المندوب غير المنذور فإن تعلق به النذر صار واجباً وجاز بل وجب إيقاعه في السفر وهو الموضع الثالث المتقدم
نعم استثنى الفقهاء مورداً واحداً يصح فيه الصيام المندوب في السفر وهو صيام ثلاثة أيام في المدينة المنورة لمن كانت له الى الله حاجة يريد قضائها ، وقد دلت على ذلك عدة روايات منها ما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء ، وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها ما يلي مقام النبي صلى الله عليه وآله ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلم بشئ في هذه الأيام إلا ما لا بُدّ لك منه ، ولا تخرج من المسجد ، إلا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل ، فان ذلك مما يعد فيه الفضل )
ولا خلاف في استحباب هذا الفعل وصحة الصوم في هذا المورد الا أنهم اختلفوا أن الثلاثة أيام هل يجب أن تكون هي الأربعاء والخميس والجمعة حصراً أم يجوز غيرها كالسبت والأحد والإثنين مثلاً ؟
قولان : الأول / يجب أن تكون الثلاثة هي الأربعاء والخميس والجمعة ولا يصح غيرها وذلك اقتصاراً على مورد النص فالروايات ذكرت هذه الأيام دون غيرها فيجب الاقتصار عليها ولا يصح إيقاع الصوم في غيرها ، خصوصاً أن الحكم خلاف الأصل من عدم جواز الصوم المندوب في السفر فيقتصر فيه على القدر المتيقن الذي هو مورد الروايات .
الثاني / الجواز ، فذكر الأربعاء والخميس والجمعة في الروايات يحمل على الأفضلية لا الاشتراط والحصر فيجوز إيقاع الصوم في غيرها .
ولأجل هذا الاختلاف احتاط الماتن لزوماً بالاقتصار على الأربعاء والخميس والجمعة لأن إيقاع الصوم فيها معلوم الصحة والجواز ، والخلاف في غيرها فيُقتصر على القدر المتيقن ، وهو الرأي المعروف حيث احتاط أغلب الفقهاء بذلك وجوباً كالسيد الخوئي وغيره بل قوّاه وأفتى به الشيخ الفياض وخالف في ذلك السيد الصدر فجعل الصوم في الأربعاء والخميس والجمعة أحوط استحباباً فوافق في ذلك بعض من تقدم من الفقهاء كالسيد اليزدي رحمه الله .
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:37 AM
مسألة 1027 : يصح الصوم من المسافر الجاهل بالحكم ، وإن علم في الأثناء بطل ، ولا يصح من الناسي .
----------------------
تقدم في الشرط الخامس من شروط صحة الصوم أن لا يكون الصائم مسافراً وقلنا هذا بشرطين ثانيهما أن يكون عالماً بالحكم أما إذا صام في السفر جاهلاً بعدم الجواز صح صومه وأشار الى ذلك الماتن بقوله ( مع العلم بالحكم في الصوم الواجب ) وأعاد ذكر المسألة هنا مرة أخرى مع تفصيل زائد ، وهذا الحكم وهو صحة صوم المسافر الجاهل بالحكم محل اتفاق لدلالة الروايات عليه كصحيح ليث عن أبي عبد الله عليه السلام : ( إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر وإن صامه بجهالة لم يقضه ) ، ولازم عدم القضاء صحة الصوم ، ونظير هذا الحكم حكم من صلّى تماماً في السفر جاهلاً بأصل الحكم بوجوب القصر فصلاته صحيحة .
والتفصيل الزائد الذي ذكره الماتن هنا عبارة عن أمرين :
الأمر الأول / يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار ، وأما لو علم بالحكم في الأثناء فلا يصح صومه لأنه لو صام فصومه سيكون بعلم لا بجهالة ، أو قل إن الأصل عدم صحة الصوم الواجب في السفر خرج من ذلك الجاهل بالحكم فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما لو أكمل النهار جاهلاً ولا يشمل ما إذا علم بالحكم في أثناء النهار .
الأمر الثاني / إن الحكم بالصحة مختص بالجاهل بعدم صحة الصوم في السفر ، أما الناسي فصومه باطل ولا يشمله الحكم ، فمن نسي الحكم بعدم صحة الصوم الواجب في السفر فصام فصومه باطل وليس هو كالجاهل بعدم الصحة ، لأن الدليل الدال على الصحة كصحيح ليث السابق مختص بالجاهل ولم يذكر الناسي فلا يشمله الحكم بالصحة .
مولى أبي تراب
04-09-2012, 07:40 AM
مسألة 1028 : يصح الصوم من المسافر الذي حكمه التمام ، كناوي الإقامة والمسافر سفر معصية ونحوهما .
-------------------------
تقدم في الشرط الخامس من شروط صحة الصوم أن لا يكون الصائم مسافراً وقلنا هذا بشرطين أولّهما أن يكون سفراً يوجب قصر الصلاة ، أما إذا كان الحكم إتمام الصلاة كناوي الإقامة عشرة أيام أو من كان سفره سفر معصية فحينئذٍ يصح منه الصوم الواجب بل يجب عليه ذلك فمن نوى الإقامة في مكان في شهر رمضان وجب عليه الصوم كما يجوز له القضاء أو غيره من الصوم الواجب في غير شهر رمضان وتقدم من الماتن الإشارة الى ذلك في الشرط الخامس فقال ( أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة ) وقلنا عند الفقهاء قاعدة تقول ( من قصّر أفطر ومن أتم صام ) ، قال السيد اليزدي رحمه الله ( فكل سفر يوجب قصر الصلاة يوجب قصر الصوم وبالعكس ) ، وهذه القاعدة مستوحاة من النصوص الشرعية وروايات المعصومين عليهم السلام كموثقة سماعة عن الصادق عليه السلام قال : ( وليس يفترق التقصير والإفطار فمن قصّر فليفطر ) ، بل مستوحاة من القرآن الكريم في قوله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة / 184 .
مولى أبي تراب
06-09-2012, 10:17 AM
مسألة 1029 : لا يصح الصوم من المريض ، ومنه الأرمد ، إذا كان يتضرر به لايجابه شدته ، أو طول برئه ، أو شدة ألمه ، كل ذلك بالمقدار المعتد به الذي لم تجر العادة بتحمل مثله ، ولا فرق بين حصول اليقين بذلك والظن والاحتمال الموجب لصدق الخوف المستند إلى المناشئ العقلائية ، وكذا لا يصح من الصحيح إذا خاف حدوث المرض ، فضلا عما إذا علم ذلك ، أما المريض الذي لا يتضرر من الصوم فيجب عليه ويصح منه .
---------------------
تقدم أن الماتن أوصل شرائط صحة الصوم الى خمسة بل ستة ، وهنا في هذه المسألة ذكر الشرط السادس وهو عدم المرض وذلك لقوله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة / 184 ، فأوجب على المريض أن يصوم عدة من أيام أُخر وهو كناية عن القضاء ولازم وجوب القضاء على المريض عدم صحة الصوم منه وأن من شرائط صحة الصوم عدم المرض والا لما وجب القضاء عليه ، فلا يصح الصوم من المريض لكن ليس مطلقاً بل في خصوص ما إذا كان الصوم يوجب له الضرر لدلالة الروايات على ذلك ، كما لو أوجب الصوم شدة المرض أو تأخر حصول البرء أو أوجب اشتداد الألم ، وههنا أمور :
1. يلحق بالمرض الرمد فمع خوف حصول الرمد من الصوم لا يجب الصوم للأخبار كصحيحة حريز عن أبي عبد الله ( ع ) قال : ( الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر ) .
2. تشخيص كون المرض يوجب الضرر فلا يصح الصوم أو لا يوجب فيجب الصوم موكول إلى المكلف نفسه فإذا علم أنه يقوى على الصوم وأنْ لا ضرر فيه وجب عليه الصوم والا فلا ، فالمكلف على نفسه بصيرة كما في بعض الروايات ، وفي بعضها أنه مؤتمن على الصوم وأن أمر الصوم مفوّض إليه فإن وجد ضعفاً فليفطر وإن وجد قوة فليصم .
وبذلك يُجاب من يسأل أنه مريض أو أجرى عملية ونحو ذلك هل يجب عليّ الصوم أو لا ؟
فجوابه أنت أعلم بنفسك وبمدى قدرتك وقابليتك على الصوم ولا تنتظر من الفقيه أن يقول لك صم أو افطر لأنه لا يعلم إن كنت قادراً على الصوم أو لا وأنه يوجب لك الضرر أو لا لأن ذلك من الموضوعات التي لا دخل للفقيه في تشخيصها ، وإنما الفقيه يبيّن الحكم الشرعي وهو أن الصوم إن أوجب ضرراً لم يجب ولم يصح والا وجب ، وتطبيق ذلك موكول الى المكلف نفسه .
3. لا يشترط لجواز الإفطار اليقين بحصول الضرر مع الصيام بل يكفي الظن والاحتمال ، فلو احتمل أنه إن صام سيتضرر ويشتد عليه الألم أو يتأخر البرء كفى هذا الاحتمال في جواز الإفطار ، والعبرة بحصول الخوف فمن خاف أنه إن صام سيتضرر جاز له الإفطار شريطة أن يكون هذا الخوف ناشئاً من سبب وجيه وعقلائي بحيث لو سألناه ما الذي يخيفك إن صمت لكان جوابه مقبولاً عرفاً وجيهاً عند العقلاء ، أما إذا كان منشأ الخوف مجرد الوسوسة والخوف الزائد اللاعقلائي لم يكن ذلك عذراً له ولا مسوغاً لعدم الصوم .
والحاصل / أن المريض إن خاف الضرر بالصوم لم يجب عليه الصوم سواء كان متيقناً من حصول الضرر أو ظاناً بحصوله أو محتملاً له ، بل كذا غير المريض ، فلو خاف الصحيح من حدوث المرض إن هو صام لم يصح منه الصوم ما دام هذا الخوف مستنداً الى منشأ عقلائي .
4. لا فرق في الضرر بين أن يكون في نفسه أو غيره أو عرضه أو عرض غيره أو في مال يجب حفظه وكان وجوبه أهم في نظر الشارع من وجوب الصوم ، فمتى ما كان صومه يوجب أحد هذه الإنواع من الضرر ولو احتمالاً لم يصح الصوم .
مولى أبي تراب
06-09-2012, 10:23 AM
مسألة 1030 : لا يكفي الضعف في جواز الافطار ولو كان مفرطا إلا أن يكون حرجا فيجوز الافطار ، ويجب القضاء بعد ذلك ، وكذا إذا أدى الضعف إلى العجز عن العمل اللازم للمعاش ، مع عدم التمكن من غيره ، أو كان العامل بحيث لا يتمكن من الاستمرار على الصوم لغلبة العطش والأحوط لزوما فيهم الاقتصار في الأكل والشرب على مقدار الضرورة والامساك عن الزائد .
----------------------
لا يلحق بالمرض في عدم صحة الصوم الضعف وإن كان مفرطاً ما دام يتحمل عادة ، فمن أوجب له الصوم ضعفاً وإجهاداً لم يكن ذلك مسوغاً لجواز الإفطار ، نعم لو كان الضعف مما لا يتحمل عادة بحيث أوجب الحرج والمشقة الشديدة جاز الافطار ، ومن تطبيقات ذلك صورتان :
الصورة الأولى / أن يكون الصوم سبباً للضعف الموجب للعجز عن العمل اللازم للمعاش بحيث إذا صام لم يستطع العمل وتحصيل نفقة نفسه وعياله لأن الصوم يوجب له الضعف المانع عن العمل فحينئذٍ إن صام أوقعه الصوم في الحاجة والعوز وهذا حرج عليه فيجوز له الإفطار ، ولكن بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون العمل لا بد منه ولازماً للمعاش بحيث لو لم يعمل لم يحصل على قوته ولم يستطع تحصيل نفقة نفسه وعياله ووقع في الحرج ، أما إذا لم يكن العمل كذلك لم يجز له الإفطار لعدم الحرج حينئذٍ ، كما لو كان له مال مدخر يمكنه العيش منه فحينئذٍ عمله ليس لازماً للمعاش فتركه لا يوقعه في الحرج فلا يسوغ له الإفطار .
الشرط الثاني : أن يكون عمله الذي لا يقوى عليه مع الصوم هو العمل الوحيد والمصدر الفريد لمعاشه ، أما إذا كان له عمل آخر لا يضعفه الصوم عنه أو كان بإمكانه تغيير عمله الذي يضعفه الصوم عنه الى عمل آخر لا يضعفه الصوم عنه فحينئذٍ لا يسوغ له الإفطار بل يغير عمله ويصوم ، وذلك لأن الإفطار لمن يضعفه الصوم عن العمل إنما هو للحرج وإنما يتحقق الحرج إذا كان لا يمكنه تغيير العمل أما إذا أمكنه تغيير العمل الى عمل آخر لا يضعفه الصوم عنه فحينئذٍ لا حرج فيجب الصوم
وبذلك يجاب من يتذرع بالعمل عن عدم الصوم كعمال البناء مثلاً ، فيقال له هل العمل ضروري للمعاش بحيث أنه المصدر الوحيد لمعاشك ؟ فإن قال لا بل عندي عمل آخر أو عندي نقد مدخر يمكنني الصرف منه قلنا له يجب عليك الصوم ولا يسوغ الإفطار ، وإن قال نعم هو ضروري والمصدر الوحيد للمعاش ، قلنا له : هل يمكنك تغيير العمل الى عمل آخر يناسبك ويكفل لك المعيشة ولا يضعفك عنه الصوم ؟ فإن قال نعم يمكنني ذلك قلنا له غيّر عملك ويجب عليك الصوم ، وإن قال لا يمكنني ذلك فهذا العمل الذي يضعفني الصوم عنه هو العمل الوحيد الممكن لي قلنا له يجوز لك الإفطار ، والإنسان على نفسه بصيرة وينبغي أن يكون صادقاً مع ربه العالم به فهل الصوم يضعفه عن العمل فعلاً حد الحرج ؟ وإذا كان كذلك فهل العمل لازماً للمعاش بحيث لولاه يقع في الحرج من جهة المعيشة ؟ وإذا كان كذلك فهل فعلاً لا يمكنه تغيير العمل ؟
الصورة الثانية / الصائم إذا أصابه الضعف وغلبه العطش أثناء العمل بحيث لم يمكنه الاستمرار بالصوم والا أوجب له الاستمرار الحرج والمشقة الشديدة فحينئذٍ يجوز له الإفطار ، وقد تقدمت الإشارة الى هذه الصورة في فصل المفطرات في المسألة (1006) ، وقلنا أن الكلام ليس عن ذي العطاش المرخّص في الإفطار بل عن شخص سليم صادف أن أصابه العطش في نهار الصوم فغلبه بحيث خاف إن لم يشرب يقع في الضرر او الحرج البالغين ، فلا إشكال في جواز شربه الماء حينئذٍ دفعاً للحرج والمعروف بطلان صومه بذلك لأنه شرِب الماء عن عمد واختيار وكل من شرب الماء كذلك بطل صومه وإن كان مضطراً لرفع العطش الحرجي ، واختار بعض الفقهاء صحة الصوم وبعضهم استشكل في البطلان كما تقدم ذكر ذلك هناك مفصلاً ، وكان رأي الماتن هو فساد الصوم كما هو الرأي المعروف ، لكن بطلان الصوم بشرب ما يرفع مقدار العطش لا يعني الاسترسال في المفطرات بل لا تجوز الزيادة على شرب ما يرفع العطش فيمسك بقية النهار لكن في خصوص صوم رمضان كما تقدم في تلك المسألة حيث قال الماتن ( ويجب عليه الامساك في بقية النهار إذا كان في شهر رمضان على الأحوط ، وأما في غيره من الواجب الموسع أو المعين فلا يجب ) .
مولى أبي تراب
06-09-2012, 10:31 AM
مسألة 1031 : إذا صام لاعتقاد عدم الضرر فبان الخلاف ففي صحة صومه اشكال وإن كان الضرر بحد لا يحرم ارتكابه مع العلم به ، وإذا صام باعتقاد الضرر أو خوفه بطل ، إلا إذا كان قد تمشى منه قصد القربة ؟ فإنه لا يبعد الحكم بالصحة إذا بان عدم الضرر بعد ذلك .
-----------------------
تقدم أن المدار في وجوب الصوم أو عدم وجوبه على الخوف من حصول الضرر فمن تيقن أو ظن أو احتمل حصول الضرر إن هو صام أفطر والا بأن لم يحتمل الضرر وجب عليه الصوم
هذا وقد يكون مصيباً في اعتقاده عدم الضرر وقد يكون مخطئاً ، فإن أصاب بأن صام لاعتقاد عدم الضرر فبان أنه مصيب وأن الصوم ليس مضراً فلا إشكال في صحة صومه كما هو الغالب
وإن بان أنه مخطئ بأن صام لاعتقاد عدم الضرر ثم بعد الفراغ من الصوم بان الخلاف وأن الصوم قد أضر به ، فما حكم صومه ؟
خلاف وأقوال :
القول الأول / يصح الصوم ما لم يكن ضرراً بالغاً يحرم تحمله على تقدير العلم به قبل الصوم ففي الصحة إشكال فالأحوط وجوباً القضاء وهو رأي السيد الخوئي وغيره .
القول الثاني / يبطل الصوم وهو رأي الشيخ الفياض .
القول الثالث / في الصحة إشكال فالأحوط وجوباً القضاء لاحتمال عدم الصحة وهو رأي السيد الصدر والماتن
وقوله ( وإن كان الضرر بحد لا يحرم ارتكابه مع العلم به ) أي في الصحة إشكال مطلقاً سواء كان الضرر الناتج عن الصوم بالغاً يحرم تحمّله على تقدير العلم به قبل الصوم أو لم يكن كذلك ، في مقابل التفصيل في القول الأول الذي خص الإشكال بالضرر الذي يحرم تحمله وحكم بصحة الصوم فيما لم يكن كذلك .
هذا فيما إذا اعتقد عدم الضرر فصام ثم بان الخلاف ، وهناك مسألة أخرى وهي ما لو صام مع اعتقاده الضرر فما حكم صومه ؟
الجواب / تارة نفترض أنه بان مصيباً في اعتقاده بأن صام باعتقاد الضرر ثم بان أن الصوم مضراً فعلاً ، وفي هذه الصورة لا إشكال في بطلان صومه
وتارة نفترض أنه بان مخطئاً في اعتقاده بأن صام باعتقاد الضرر ثم بعد الفراغ من الصوم انكشف أنْ لا ضرر ، والمعروف في هذه الصورة صحة الصوم بشرط أن يكون قد تمشى منه قصد القربة ، أي صام بقصد التقرب الى الله وامتثال أمره بالصوم وكان جاداً في ذلك
ولعلّك تسأل / ما وجه هذا الاشتراط ؟ فالمفروض والكلام في صحة الصيام أن قصد القربة مسلّم ومفروغ منه والا فلا معنى للحديث عن صحة الصوم ، وبعبارة أخرى المفروض عند الحديث عن صحة الصوم من جهة أن سائر الجهات الأخرى الدخيلة في الصحة تؤخذ على أنها ثابتة ومفروغ منها ، فعند الكلام عن صحة صوم معتقد الضرر لا بد من افتراض أنه قاصدٌ للقربة والا فلا إشكال في بطلان صومه سواء قلنا بصحة صوم معتقد الضرر أو قلنا ببطلانه .
والجواب / وجه هذا الاشتراط التنبيه الى أمرٍ ، وهو أن معتقد الضرر لمّا كان عالماً بأنه غير مكلف بالصوم بل لا يصح منه لأن عدم المرض والضرر شرط في صحة الصوم كما تقدم ، وأن المطلوب منه القضاء ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر ) فحينئذٍ قد لا يتصور أنه جاد في صومه وأنه قاصد للقربة إذ كيف يتقرب الى المولى سبحانه بما هو غير مكلف به وما لا يصح منه ، وعليه فصومه وإن كان صحيحاً من جهة انكشاف عدم الضرر فيه ولكن سيكون باطلاً من جهة عدم تعقل حصول القربة منه ، نعم إذا أمكن أن نتعقل قصد القربة منه كما إذا كان جاهلاً بأن المريض غير مكلف بالصوم بل كان يعتقد وجوب الصوم عليه فإنَّه حينئذ يحكم بصحَّة صومه إذا بان عدم الضرر بعد ذلك لعدم المانع من الحكم بالصحة لأنه صوم ليس بضرري واقعاً وقد وقع قربياً ، بخلاف العالم بالحكم مثلاً فإن صومه وإن لم يكن ضررياً واقعاً الا أنه لم يقع عن قربة لعدم تأتّي القربة وتصور حصولها من شخص يعلم بعدم عبادية فعله وعدم صحته .
مولى أبي تراب
06-09-2012, 10:36 AM
مسألة 1032 : قول الطبيب إذا كان يوجب الظن بالضرر أو احتماله الموجب لصدق الخوف جاز لأجله الافطار ، ولا يجوز الافطار بقوله في غير هذه الصورة ، وإذا قال الطبيب : لا ضرر في الصوم ، وكان المكلف خائفا جاز له الافطار ، بل يجب إذا كان الضرر المتوهم بحد محرم ، وإلا فيجوز له الصوم رجاء ويجتزئ به لو بان عدم الضرر بعد ذلك .
-------------------------
تقدم أن المدار في سقوط الصوم عن المريض وعدم صحته على خوف الضرر ، فمن خاف الضرر سقط عنه الصوم والا وجب عليه الصوم ، أياً كان منشأ الخوف سواء إخبار الطبيب أو غيره ، فإذا نشأ خوف حصول الضرر من إخبار الطبيب جاز الإفطار ، وكذا إذا حصل الخوف من شيء آخر غير إخبار الطبيب كجريان العادة بذلك كما إذا اعتاد أنه إن صام في مرضه هذا حصل له الضرر ، أو أن نوعية المرض مما تعارف وجرت العادة بتسببيه الضرر
وعليه فلا خصوصية لإخبار الطبيب فوجوب الصوم أو عدم وجوبه لا يدور مدار إخبار الطبيب أو عدم إخباره ، بحيث إذا أخبر بالضرر جاز الإفطار وإذا لم يخبر بالضرر لم يجز ، بل المدار على حصول الخوف
وعليه فقد يخبر الطبيب بإيجاب الصوم للضرر الا أن إخباره لا يوجب خوفاً عند المكلف بل يبقى مطمئناً بعدم الضرر إن هو صام فحينئذٍ لا عبرة بقول الطبيب ويجب على المكلف الصوم
وقد نفترض العكس بأن يخبر الطبيب بأن الصوم مع هذا المرض غير مضر الا أن المكلف يحتمل الضرر فحينئذٍ لا يجب عليه الصوم وإن أخبره الطبيب بعدم الضرر لأن الاعتبار بخوفه لا بإخبار الطبيب ، بل لو كان يحتمل حصول ضرر بالغ بحيث يحرم تحمله حرم عليه الصوم حينئذٍ وإن أخبره الطبيب بعدم الضرر
والحاصل /
العبرة ليس بنفس إخبار الطبيب بل بحصول الخوف من قوله أو عدم حصوله ، نعم الغالب بما أن الطبيب صاحب خبرة أن يحصل الاطمئنان بالخوف من قوله خصوصاً إذا كان حاذقاً وثقة ، لذا أضاف باقي الفقهاء صورة أخرى يجب التعويل فيها على قول الطبيب غير الصورة التي ذكرها الماتن ، فالماتن حصر جواز الإفطار تعويلاً على قول الطبيب بالضرر في صورة واحدة وهي ما لو حصل الخوف بقوله ، الا أن باقي الفقهاء أضافوا صورة أخرى وهي ما لو أخبر بالضرر وكان حاذقاً وثقة فهنا يجب الأخذ بقوله والإفطار وإن لم يحصل الخوف عند المكلف من قوله وحينئذٍ تكون العبرة بنفس قول الطبيب إن كان ثقة وحاذقاً وإن لم يكن كذلك فالعبرة بحصول الخوف من قوله لا بنفس قوله ، بينما جعل الماتن المدار على الخوف ولا عبرة بنفس قول الطبيب مطلقاً ما لم يوجب الخوف وإن كان حاذقاً وثقة .
مولى أبي تراب
06-09-2012, 10:42 AM
مسألة 1033 : إذا برئ المريض قبل الزوال ولم يتناول المفطر فالأحوط لزوما أن ينوي ويصوم ويقضي بعد ذلك .
-----------------------
إذا خاف المريض الضرر إن صام فلم يصم ولكن قبل الزوال برء من مرضه بحيث أمكنه الصوم بلا ضرر ، فهل يجب عليه تجديد النية وصيام ذلك اليوم كما هو الحال في المسافر الممسك إذا رجع الى أهله قبل الزوال ؟
والكلام في أمرين : الأول / هل يجب عليه تجديد النية أو لا ؟ الثاني / على تقدير عدم وجوبه عليه هل يجوز له ذلك بحيث لو فعله وجدد النية صح صومه ؟
والكلام فيما إذا حصل البرء قبل الزوال أما بعده فلا إشكال في عدم وجوب تجديد النية وعدم صحة الصوم إن هو فعل ، كما أن الكلام فيما إذا حصل البرء قبل الزوال ولم يتناول المفطر وأما إذا كان قد تناول المفطر فلا إشكال في حكمه ولا يشمله الكلام .
والجواب عن الأمرين محل البحث /
أما الأمر الأول / فالمعروف عدم وجب تجديد النية على المريض إن برء قبل الزوال ولم يتناول المفطر كما هو رأي السيد الخوئي والسيد الصدر وغيرهما من الفقهاء المعاصرين بل هو الرأي المعروف كما قلنا ، وفي مقابل هذا القول ذهب بعض الفقهاء الى وجوب تجديد النية عليه كما هو رأي السيد محسن الحكيم قدس سره وهو رأي بعض فقهائنا المتقدمين
ولأجل هذا الاختلاف احتاط الماتن لزوماً بتجديد نية الصوم لاحتمال أن يكون القول الثاني هو الصحيح
وأما الأمر الثاني / فلا إشكال في صحة الصوم بناء على القول الثاني القائل بوجوب نية الصوم إذ لا معنى لأن نقول يجب على المريض إذا برء قبل الزوال ولم يتناول المفطر أن ينوي الصوم ونقول بعد ذلك صومه غير صحيح فلا يجتمع وجوب نية الصوم مع عدم صحة الصوم في هذا الفرض
وأما على القول الأول المعروف القائل بعدم وجوب تجديد نية الصوم فالمعروف أنه لو نوى وصام فصومه غير صحيح ، فليس فقط لا يجب عليه تجديد النية بل لو نوى لم يصح منه الصوم ويجب عليه القضاء ، الا أن السيد الصدر مع أنه قائل بعدم وجوب تجديد النية قال لكنه إذا نوى ففي صحة صومه إشكال فالأحوط وجوباً القضاء فلم يجزم بعدم الصحة .
أما الماتن فهو لم يفتِ بأحد القولين لا عدم وجوب تجديد النية حتى يكون الصوم عنده غير صحيح فيجب القضاء كما هو رأي السيد الخوئي وغيره ، ولا وجوب النية حتى يكون الصوم عنده صحيحاً كما هو رأي السيد محسن الحكيم ، بل احتاط لزوماً بالرأي الثاني القائل بوجوب تجديد النية لاحتمال صحة هذا القول ولكن حيث يحتمل صحة القول الأول أيضاً القائل بعدم صحة الصوم ووجوب القضاء إذن الأحوط لزوماً أيضاً القضاء بعد ذلك .
خلاصة المسألة /
( إذا برئ المريض قبل الزوال ولم يتناول المفطر ) فالمعروف أنه لا يجب عليه أن ينوي صوم ذلك اليوم ولو نوى لم يصح منه بل يجب قضاء ذلك اليوم ، ولكن حيث قال بعض الفقهاء بوجوب تجديد النية وصحة الصوم ( فالأحوط لزوما أن ينوي ويصوم ) لاحتمال صحة هذا القول ( و ) لكن حيث يحتمل صحة القول الأول أيضاً القائل بعدم وجوب تجديد النية بل لو نوى لم يصح منه الصوم ويجب قضاء ذلك اليوم فالأحوط لزوماً أيضاً أن ( يقضي بعد ذلك ) .
مولى أبي تراب
06-09-2012, 10:48 AM
مسألة 1034 : يصح الصوم من الصبي المميز كغيره من العبادات .
-------------------------
قلنا سابقاً أن كل شرائط الصحة هي شرائط وجوب باستثناء شرط الإسلام بناء على تكليف الكفار بالفروع فهو شرط صحة لا شرط وجوب لأن الصوم على هذا القول واجب عليهم وإن لم يصح منهم أما بناء على القول بعدم تكليفهم بالفروع فهو كسائر شرائط الصحة شرط صحة وشرط وجوب أيضاً لأن الكافر كما لا يصح الصوم منه لا يجب الصوم عليه على هذا القول وإن كان يجب عليه أن يسلم فيصوم ، وباستثناء عدم الإصباح جنباً عمداً فهو شرط صحة لا شرط وجوب لوجوب الصوم عليه وأن عليه أن يتطهر قبل الفجر .
أما شرائط الوجوب فليس بالضرورة أن تكون شرائط صحة أيضاً كالبلوغ فهو شرط وجوب فمع عدم البلوغ لا يجب الصوم الا أنه ليس شرط صحة فإذا صام غير البالغ فصومه صحيح
وبقطع النظر عن ذلك فهناك خلاف بين الفقهاء في أن العبادات عموماً ومنها الصوم إذا صدرت من الصبي فهل تعتبر صحيحة ومعتبرة شرعاً أم هي صورية لمجرد التمرين فقط ؟
خلاف والمعروف والمشهور أن عبادات الصبي صحيحة وشرعية وليس لمجرد التمرين .
ويترتب على القولين من أن عبادات الصبي صحيحة أو لمجرد التمرين ثمرات فقهية عديدة مضافاً الى ترتب الثواب الأخروي بناء على القول بالصحة وعدم ترتبه بناء على القول بأنها للتمرين ، منها جواز نيابته عن البالغ في العبادات كالحج على القول بصحتها وشرعيتها منه - ما لم يدل الدليل على خلاف ذلك - وعدم جواز نيابته على القول بأن عباداته تمرينية
ومنها مثلاً أنه في مسألة عدم جواز المحاذاة بين الرجل والمرأة فعلى القول بشرعية عبادات الصبي فالحكم يشمل الصبي أيضاً لأن صلاته صحيحة - ما لم يدل الدليل على خلاف ذلك - أما على القول بأنها لمجرد التمرين فالحكم لا يشملها بل يختص بصلاة البالغ لأن صلاة الصبي غير صحيحة بل لمجرد التمرين فهي ليست صلاة حقيقة
ومن الثمرات أيضاً أن الصبي إذا تصدى لفعل بعض الواجبات الكفائية كالصلاة على الميت فعلى القول بصحة عبادات الصبي يسقط التكليف عن الآخرين لصحة ما أتى به شرعاً - ما لم يدل الدليل على خلاف ذلك - ، وعلى القول بأنها لمجرد التمرين لم يسقط التكليف عن الآخرين لأن ما أتى به ليس شرعياً وغير صحيح ، وهكذا .
مولى أبي تراب
06-09-2012, 11:38 AM
مسألة 1035 : لا يجوز التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان ، وإذا نسي أن عليه قضاءه فصام تطوعا فذكر بعد الفراغ ففي صحة صومه اشكال ، والظاهر جواز التطوع لمن عليه صوم واجب لكفارة أو قضاء أو إجارة أو نحوها ، كما أنه يجوز إيجار نفسه للصوم الواجب على غيره وإن كان عليه قضاء رمضان .
-----------------------
قلنا في أول الفصل أن شرائط صحة الصوم عديدة أوصلها الماتن الى خمسة بل ستة بل سبعة ، سابعها مختص ببعض أنواع الصوم ، وفي هذه المسألة يذكر الشرط السابع
وفرقه عن باقي الشروط أن الستة المتقدمة وهي : الإسلام ، والعقل وعدم الإغماء ، والطهارة من الحيض والنفاس ، و عدم الإصباح جنباً ، وأن لا يكون مسافراً سفراً يوجب قصر الصلاة مع العلم بالحكم ، وأن لا يكون مريضاً مرضاً يضر معه الصوم ، فهذه الستة تشمل جميع أنواع الصوم فلا يصح شيء من أنواع الصوم سواء صوم رمضان أو قضائه أو الصوم المندوب من دون توفر هذه الشروط
أما الشرط السابع وهو أن لا يكون مشغول الذمة بقضاء صوم شهر رمضان فهو شرط في صحة الصوم الا أنه مختص بالصوم المندوب ، فمن كان مشغول الذمة بقضاء صوم رمضان لم يصح منه الصوم المندوب ، دون الأنواع الأخرى كصوم الكفارة فهو صحيح وإن كان المكلف مشغول الذمة بالقضاء
وكما يختص المشروط بالصوم المندوب فلا يصح المندوب فقط لمن عليه قضاء صوم رمضان ، يختص الشرط بقضاء صوم رمضان فيصح المندوب لمن عليه غير قضاء صوم رمضان من أنواع الصوم الأخرى كصوم الكفارة
بعبارة أوضح / أن الشرط السابع من شرائط صحة الصوم أن لا يكون عليه قضاء شهر رمضان إذا أراد أن يصوم ندباً ، فعندنا شرط ومشروط : أما الشرط فهو عدم اشتغال الذمة بصوم القضاء ، وأما المشروط فهو خصوص الصوم المندوب
وعليه فإذا انتفى الشرط بأن كانت الذمة غير مشتغلة بقضاء شهر رمضان صح الصوم المندوب سواء كانت الذمة غير مشتغلة بأي صوم أصلاً أو كانت مشتغلة بغير قضاء شهر رمضان كصوم الكفارة أو الإجارة فيما لو آجر نفسه ليصوم نيابة عن غيره وقوله ( والظاهر جواز التطوع لمن عليه صوم واجب لكفارة أو قضاء ) يقصد قضاء غير شهر رمضان كقضاء النذر المعين مثلاً لمن فاته في وقته
كما أنه إذا انتفى المشروط بأن كان صومه ليس ندباً بل غيره كصوم الكفارة أو الإجارة جاز وإن كانت ذمته مشتغلة بقضاء صوم رمضان لذا قال الماتن ( كما أنه يجوز إيجار نفسه للصوم الواجب على غيره وإن كان عليه قضاء رمضان ) لأن عدم جواز الصوم لمن عليه قضاء صوم رمضان مختص بالمندوب ولا يشمل غيره كصوم الإجارة .
هذا رأي الماتن وألحق بعض الفقهاء كالسيد الخوئي والشيخ الفياض وغيرهما بقضاء صوم رمضان باقي أنواع الصوم الواجب فكما لا يجوز الصوم المندوب لمن عليه قضاء صوم رمضان فكذا لمن عليه صوم النذر أو الكفارة أو بدل الهدي أو بدل كفارة الإفاضة من عرفات نعم صوم الإجارة غير ملحق بالقضاء فيصح الصوم المندوب معه
وألحق السيد الصدر بالقضاء خصوص الصوم الواجب المضيق كالنذر المعين فلا يجوز الصوم المندوب معه دون الصوم الواجب الموسع كصوم الكفارة فيصح معه الصوم المندوب .
وعلى أي حال فالقدر المتيقن من عدم صحة الصوم المندوب لمن عليه قضاء شهر رمضان ما إذا كان ملتفتاً الى اشتغال ذمته بالقضاء ، أما إذا نسي ولم يتذكر الا بعد الفراغ من الصوم المندوب ، فهل يقع صحيحاً لنسيانه اشتغال ذمته بقضاء شهر رمضان أم أن الحكم بعدم الصحة يشمل النسيان أيضاً ؟
قال الماتن في صحة صومه إشكال ووجه الإشكال أن هناك مسألة أخرى تقول أن عدم صحة الصوم المندوب لمن عليه قضاء هل تختص بالقادر على القضاء كالحاضر أم تشمل العاجز عنه كالمسافر ؟
خلاف خص بعض الفقهاء عدم جواز المندوب بالقادر على القضاء دون العاجز فيجوز للمسافر الذي عليه القضاء أن يصوم ندباً إن قلنا بجوازه أو يصوم ثلاثة أيام للحاجة في المدينة فيما عمم البعض الآخر عدم الجواز الى العاجز عن القضاء أيضاً
ومسألتنا هنا تبنى على أحد هذين القولين فإن قلنا عدم صحة المندوب تختص بالقادر على القضاء فلا بد أن نقول بصحة المندوب لمن نسي القضاء لأن الناسي غير قادر ، وإن قلنا أن عدم الجواز يشمل العاجز أيضاً فالمندوب لا يصح من الناسي للقضاء لأنه عاجز فيشمله الحكم ، ولعل استشكال الماتن في هذه المسألة لاستشكاله في تلك المسألة كما تدل على ذلك تعليقته على العروة الوثقى ، ووافق الماتنَ في الاستشكال الشيخُ الفياض ، والمعروف هو الصحة فمن نسي القضاء وصام ندباً صح صومه لأن عدم الجواز مختص بالقادر على القضاء والناسي غير قادر
مولى أبي تراب
06-09-2012, 11:43 AM
مسألة 1036 : يشترط في وجوب الصوم البلوغ والعقل والحضر وعدم الاغماء وعدم المرض والخلو من الحيض والنفاس .
----------------------
قلنا في أول الفصل أن الكلام يقع في شرائط الصحة وشرائط الوجوب ، وبعد أن فرغ من ذكر شرائط الصحة شرع في ذكر شرائط الوجوب
ولمّا قلنا أن كل شرط صحة هو شرط وجوب أيضاً عدا شرطَي الإسلام وعدم الإصباح جنباً نلاحظ ذكر بعض شرائط الصحة هنا في شرائط الوجوب فذكر العقل وعدم الإغماء والحَضَر وعدم المرض والخلو من الحيض والنفاس
إذ مع هذه الشروط ليس فقط الصوم ليس صحيحاً بل لا يجب أصلاً ، لذا قال السيد الصدر في هذه المسألة ( يشترط في وجوب الصوم البلوغ والعقل والحضر وعدم الاغماء وعدم المرض المنافي للصوم والخلو من الحيض والنفاس , وكلها أيضاً شرائط للصحة عدا البلوغ والحضر في مستثنيات الصوم في السفر مما سبق ) فنبّه على أنها ليست شرائط وجوب فحسب بل شرائط صحة باستثناء البلوغ فإنه شرط وجوب فقط لا شرط صحة لذا تقدم صحة صوم الصبي في المسألة (1034) ، وكذا الحضر وعدم السفر في مستثنيات الصوم في السفر وهي المواضع الثلاثة المتقدمة التي يشرع الصوم فيها للمسافر ، فشرط الحضر وعدم السفر في هذه المواضع ليس شرط صحة لصحة صوم المسافر فيها .
وقد تسأل لماذا شرائط الصحة هي شرائط وجوب أيضاً عدا عدم الإصباح جنباً وعدم الكفر ، فهما شرطا صحة فقط لذا لم يذكرا ضمن شرائط الوجوب ؟
وجوابه / إن الصوم واجب على الجنب وكذا الكافر - بناء على تكليفه بالفروع كما هو رأي الماتن- لكن لو لم يتطهر الجنب قبل الفجر ولم يسلم الكافر لم يصح الصوم منهما ، وهذا لا يعني عدم وجوب الصوم عليهما بل هما مكلفان به وملزمان برفع ما يمنع من الصحة أي الجنابة والكفر مقدمة للصوم ، فيجب على المكلف أن يغتسل من الجنابة قبل الفجر ويجب على الكافر أن يُسلِم حتى يصوما ، وهذا بخلاف باقي شرائط الصحة فلا يجب على المكلف أن يكون حاضراً ولا يسافر حتى يصوم كما لا يجب عليه دفع المرض حتى يصوم كما لا يجب على المرأة دفع الحيض عن طريق تناول ما يمنع منه مثلاً حتى تصوم ، لذا نستطيع القول أن عدم الإصباح جنباً عمداً وعدم الكفر هما شرطا صحة فقط لا شرطا وجوب لأن الوجوب متوجه إليهما وإنما يجب عليهما رفع المانع
وعليه فكل شرائط الوجوب هي شرائط صحة عدا البلوغ ، وعدم السفر في مستثنيات الصوم في السفر ، كما أن كل شرائط الصحة هي شرائط وجوب أيضاً عدا الإسلام وعدم الإصباح جنباً وبعبارة أخرى عندنا شرائط وجوب فقط وهو شرط واحد وهو البلوغ ، فهو ليس شرط صحة لصحة الصوم من غير البالغ لكنه شرط وجوب لعدم الوجوب على غير البالغ .
وعندنا شرائط صحة فقط وهما شرطان : عدم الإصباح جنباً عمداً وعدم الكفر ، فهما شرطا صحة بدونهما لا يصح الصوم ، وليسا شرطَي وجوب لأن الصوم واجب على المجنب ويجب عليه أن يغتسل ، كما يجب على الكافر أن يسلم ويصوم .
وعندنا شرائط صحة وشرائط وجوب معاً وهي باقي الشرائط : أي العقل والحضر وعدم الاغماء وعدم المرض المنافي للصوم والخلو من الحيض والنفاس ، فهي شروط صحة لا يصح الصوم بدونها وشروط وجوب أيضاً فلا يجب الصوم بدونها .
أما الشرط السابع من شرائط الصحة وهو أن لا يكون عليه قضاء رمضان في صوم المندوب فهو شرط صحة للصوم المندوب ولكن لا يشمله الكلام في أنه شرط وجوب أو ليس شرط وجوب لأن المشروط وهو الصوم المندوب ليس بواجب .
مولى أبي تراب
06-09-2012, 11:47 AM
مسألة 1037 : لو صام الصبي تطوعا وبلغ في الأثناء ولو بعد الزوال لم يجب عليه الاتمام ، وإن كان هو الأحوط استحبابا ، ولو أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار وكان مسبوقا بالنية فالأحوط لزوما أن يتم صومه وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك .
---------------------------
لمّا كان البلوغ ليس شرط صحة وأن عبادات غير البالغ شرعية وصحيحة لذا لو صام فصومه صحيح كما تقدم في المسألة (1034) ، لكن لا يجب عليه إتمام صومه ويجوز له الإفطار أثناء النهار لعدم وجوب الصوم عليه لأن البلوغ شرط وجوب وهو غير بالغ
لكن ماذا لو صام وبلغ أثناء النهار بالاحتلام مثلاً وقد تقدم أنه لا يضر بالصوم ، فهل نقول يجب عليه إتمام صيام ذلك اليوم لأنه اتصف بشرط الوجوب وهو البلوغ فصار الصوم عليه واجباً ، أو قل لأنه صار بالغاً والبالغ لا يجوز له الإفطار في النهار ؟
الجواب / فيه خلاف ، فقيل يجب عليه الإتمام وإن كان البلوغ بعد الزوال كما هو رأي السيد محسن الحكيم قدس سره ، وقيل فيه إشكال فالأحوط وجوباً الإتمام وإن لم يتم فالأحوط القضاء ، والمعروف عدم وجوب الإتمام عليه سواء بلغ قبل الزوال أو بعده وهو رأي السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ الفياض والماتن وغيرهم ، وذلك لأن الصوم إنما يجب بتحقق شرائط الوجوب في جميع آنات النهار ولا يكفي تحققها في بعضه فكما لا تكفي الطهارة من الحيض في بعض النهار في وجوب الصوم بل لا بد من الطهارة في جميع النهار فكذا لا يكفي البلوغ في بعض النهار في وجوب الصوم بل لا بد من استيعاب البلوغ لكل النهار ، وما كان حكمه خلاف ذلك كالسفر في بعض النهار فهو للدليل الخاص .
وأما قوله ( ولو أفاق المجنون أو المغمى عليه أثناء النهار وكان مسبوقا بالنية فالأحوط لزوما أن يتم صومه وأن يقضيه إن لم يفعل ذلك ) فقد تقدم الكلام فيه والتعرض له في الشرط الثاني من شرائط الصحة حيث قال هناك ( العقل وعدم الاغماء ، فلو جن أو أغمي عليه بحيث فاتت منه النية المعتبرة في الصوم وأفاق أثناء النهار لم يصح منه صوم ذلك اليوم ، نعم إذا كان مسبوقا بالنية في الفرض المذكور فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه ) .
مولى أبي تراب
07-09-2012, 03:57 PM
مسألة 1038 : إذا سافر قبل الزوال وجب عليه الافطار على الأحوط لزوما خصوصا إذ كان ناويا للسفر من الليل ، وإن كان السفر بعده وجب إتمام الصيام على الأحوط لزوما سيما إذا لم يكن ناويا للسفر من الليل ، وإذا كان مسافرا فدخل بلده أو بلدا نوى فيه الإقامة ، فإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر وجب عليه الصيام ، وإن كان بعد الزوال ، أو تناول المفطر في السفر بقي على الافطار ، نعم يستحب له الامساك إلى الغروب .
-----------------------
تقدم أن من شرائط صحة الصوم بل وجوبه الحضَر وعدم السفر ، وعليه فإن كان المكلف حاضراً وجب عليه الصوم وصح منه ، وإن كان مسافراً لم يجب عليه الصوم ولم يصح منه ، هذا إذا كان الحضَر أو السفر قد استوعب تمام النهار ، فالحاضر في كل النهار يجب عليه الصوم ، والمسافر في كل النهار لا يصح منه الصوم ، ولا إشكال في ذلك
والكلام في هذه المسألة عن حكم من كان حاضراً في بعض النهار ومسافراً في بعضه الآخر ، فما حكمه ؟
ههنا صورتان :
الصورة الأولى / أن يكون حاضراً أول النهار ثم يعرضه السفر .
الصورة الثانية / أن ينعكس الأمر بأن يكون مسافراً ثم يدخل البلد وما في حكمه كمحل الإقامة .
وفي كل صورة حالتان حالة ما قبل الزوال وما بعد الزوال ، فالحالات أربع :
الحالة الأولى / أن يكون حاضراً ثم يسافر قبل الزوال .
الحالة الثانية / أن يكون حاضراً ثم يسافر بعد الزوال .
الحالة الثالثة / أن يكون مسافراً ثم يدخل البلد قبل الزوال .
الحالة الرابعة / أن يكون مسافراً ثم يدخل البلد بعد الزوال .
أما الحالة الأولى / وهي ما إذا كان حاضراً صائماً ثم سافر قبل الزوال فالمعروف أنه يجب عليه الإفطار والقضاء سواء كان ناوياً للسفر من الليل أو لم يكن واحتاط الماتن بهذا القول لزوماً ، وخالف السيد الخوئي فخص وجوب الإفطار بما إذا كان ناوياً للسفر من الليل أما إذا أصبح ناوياً الصوم ثم عرض له السفر قبل الزوال فلم يكن ناوياً للسفر من الليل فالأحوط وجوباً إتمام الصوم ثم القضاء .
ومعنى وجوب الإفطار حرمة الصوم فيكفي أن لا ينوي الصوم سواء أتى بالمفطر أم لا .
الحالة الثانية / وهي ما إذا كان حاضراً صائماً ثم سافر بعد الزوال ، فالمعروف أنه يتم صومه ويصح منه ولا شيء عليه سواء كان ناوياً للسفر من الليل أو لم يكن واحتاط الماتن بهذا القول لزوماً ، وخالف الشيخ الفياض فحكم بوجوب الإتمام مع القضاء بعد ذلك .
الحالة الثالثة / أن يكون مسافراً ثم قبل الزوال يدخل بلده أو بلداً يتم فيه الصلاة لنية الاقامة أو غيرها فإن كان قد تناول المفطر قبل الدخول في النهار فلا إشكال في أنه لا صوم له وعليه القضاء ، وإن لم يكن قد تناول المفطر بل بقي ممسكاً من طلوع الفجر الى أن دخل البلد قبل الزوال فلا خلاف في أنه يجب عليه تجديد النية وصوم ذلك اليوم ويصح منه ولا شيء عليه .
الحالة الرابعة / أن يكون مسافراً ثم بعد الزوال يدخل بلده أو ما بحكمه ولا خلاف في هذه الحالة في أنه لا صوم له وعليه القضاء وإن لم يتناول المفطر في سفره فضلاً عما إذا تناوله ، نعم يستحب له الإمساك الى الغروب .
خلاصة المسألة /
الحاضر في كل النهار يجب عليه الصوم والمسافر في كل النهار يجب عليه الإفطار
ومن كان حاضراً ثم سافر قبل الزوال فالمعروف يجب عليه الإفطار مطلقاً واستثنى السيد الخوئي ما إذا لم يكن ناوياً للسفر من الليل فيتم الصوم ثم يقضيه ، وإن كان سفره بعد الزوال فالمعروف أنه يتم صومه ويصح منه خلافاً للشيخ الفياض فأوجب عليه القضاء أيضاً
ومن كان مسافراً ثم دخل البلد وما بحكمه فإن كان قد تناول المفطر فعليه القضاء سواء دخل قبل الزوال أو بعده ، وإن لم يكن قد تناول المفطر فإن كان دخوله قبل الزوال فلا خلاف في أنه يجب عليه تجديد النية والصوم ويصح منه وإن كان بعد الزوال فلا خلاف في عدم صحة الصوم منه وأن عليه القضاء ويستحب له الإمساك الى الغروب .
مولى أبي تراب
07-09-2012, 03:59 PM
مسألة 1039 : الظاهر أن المناط في الشروع في السفر قبل الزوال وبعده ، وكذا في الرجوع منه هو البلد لا حد الترخص ، نعم لا يجوز الافطار للمسافر إلا بعد الوصول إلى حد الترخص فلو أفطر قبله عالما بالحكم وجبت الكفارة .
---------------------
ذكر الماتن في هذه المسألة أمرين يتعلقان بالمسألة السابقة وهما :
الأمر الأول / كان الكلام في المسألة السابقة عن حكم الحاضر إذا سافر أو العكس وعرفنا أن الحكم يختلف بين ما إذا كان السفر أو الحضَر قبل الزوال أو بعده ، وذكر هنا أن المناط والاعتبار في كون السفر من البلد أو الرجوع اليه قبل الزوال أو بعده هو البلد لا حد الترخص ، فمن خرج من البلد قبل الزوال صدق عليه أنه مسافر قبل الزوال وإن لم يتجاوز حد الترخص الا بعد الزوال ، وكذا من عاد من السفر فإنما يصدق عليه أنه رجع قبل الزوال فيما إذا دخل الى البلد قبل الزوال ولا يكفي أن يتجاوز حد الترخص قبل الزوال
وعليه فمن خرج من البلد قبل الزوال ولم يتجاوز حد الترخص الا بعد الزوال فتنطبق عليه الحالة الأولى وهي المسافر قبل الزوال فيجب عليه الإفطار لا الثانية وهي المسافر بعد الزوال حتى يجب عليه إتمام الصوم لأن الاعتبار بالبلد لا بحد الترخص ، ولو كان الاعتبار بحد الترخص لكان من الحالة الثانية لا الأولى
كما أن من رجع الى بلده فوصل حد الترخص قبل الزوال ولكن لم يدخل البلد الا بعد الزوال فتنطبق عليه الحالة الرابعة وهي الداخل بعد الزوال فلا يجب عليه الصوم لا الثالثة وهي الداخل قبل الزوال حتى يجب عليه تجديد النية والصوم لأن الاعتبار بالبلد لا بحد الترخص ، ولو كان الاعتبار بحد الترخص لكان من الحالة الثالثة لا الرابعة
الأمر الثاني / قلنا في الحالة الأولى وهي ما إذا كان حاضراً ثم سافر قبل الزوال أنه يجب عليه الإفطار وعرفنا أن الاعتبار بالبلد ، فالنتيجة أن من كان حاضراً ثم سافر وخرج من البلد قبل الزوال وجب عليه الإفطار وعدم صيام ذلك اليوم ، لكن يجب أن يكون الإفطار بعد أن يصل الى حد الترخص ولا يجوز له الإفطار قبل ذلك والا كان من الإفطار العمدي فعليه القضاء والكفارة ، وذلك لأن أحكام المسافر لا تترتب على المكلف الا بعد مجاوزة حد الترخص أما قبله فهو حاضر لا مسافر والحاضر إذا أفطر عمداً فعليه القضاء والكفارة وإن كان ناوياً للسفر بعد ذلك .
وعليه فمن أراد السفر قبل الزوال وإن قلنا يجب عليه الإفطار لكن يجب أن يكون الإفطار بعد تجاوز حد الترخص ، فما تعارف عليه بعض العوام من تناول المفطر في بيوتهم قبل السفر غير صحيح وفيه الكفارة لأنه إفطار عمدي من مكلف حاضر غير مسافر ولا يكفي أن سيسافر .
وقد تقدم هذا الحكم في المسألة (1012) من فصل كفارة الصوم .
الا أن الماتن وغيره من الفقهاء خصوا وجوب الكفارة بالعالم بالحكم وخالف السيد الصدر فعممها للجاهل أيضاً وربما وجه هذا التعميم ما تقدم من أن وجوب الكفارة لا يشترط فيه العلم بل تجب حتى على الجاهل بوجوبها .
مولى أبي تراب
07-09-2012, 04:01 PM
مسألة 1040 : يجوز السفر في شهر رمضان اختيارا ولو للفرار من الصوم ولكنه مكروه إلا في حج أو عمرة ، أو غزو في سبيل الله ، أو مال يخاف تلفه ، أو انسان يخاف هلاكه ، وإذا كان على المكلف صوم واجب معين فالأقوى عدم جواز السفر له إذا كان واجبا بايجار ونحوه وكذا الثالث من أيام الاعتكاف ، والأظهر جوازه فيما إذا كان واجبا بالنذر ، وفي الحاق اليمين والعهد به اشكال .
----------------------
لا إشكال أن المكلف إذا اضطر الى السفر جاز له السفر ويسقط عنه الصوم فيما إذا لم يكن بعد الزوال ، وهل يجوز له السفر اختياراً ؟ أي من دون عذر ولا حاجة ولا ضرورة
الجواب / المعروف نعم يجوز السفر ولو من دون حاجة أو ضرورة وإن استوجب ذلك الإفطار وترك الصوم ، بل يجوز حتى لو كان القصد منه الفرار من الصوم كما يفعل البعض في أيام الصيف والحر فيسافرون حتى لا يجب عليهم الصوم
نعم هو مكروه ، فيكره السفر في شهر رمضان اختياراً ومن دون ضرورة يستثنى من ذلك موراد لا يكون السفر فيها في شهر رمضان مكروهاً وهي :
1. ما إذا أراد الخروج الى مكة لأجل الحج أو العمرة ، كما إذا كان الوصول الى مكة يستغرق زماناً كما عليه الناس سابقاً فيحتاج أن يخرج في شهر رمضان ليدرك موسم الحج .
2. ما إذا كان سفره للغزو في سبيل الله .
3. ما إذا كان خروجه من أجل مال يحفظه من التلف ، كتعقب معاملة مثلاً حتى لا يفوت ملكه ويأخذه غيره .
4. أن يكون سفره لحفظ حياة إنسان كما إذا سافر بمريض للعلاج أو الطبيب يسافر لعلاج شخص ، أو يسافر ليشهد لسجين مثلاً لإنقاذه ونحو ذلك .
وذكر بعض الفقهاء مورداً خامساً وهو كون السفر بعد مضيِّ ثلاث وعشرين ليلةً فترتفع الكراهة حينئذٍ ، وقال بعضهم بل كل حاجة لا بد منها فإن الكراهة ترتفع في السفر لأجلها .
هذا في حكم السفر في شهر رمضان ، أما السفر في الصوم الواجب المعيّن فالمعروف الجواز أيضاً فلو نذر صوم يوم الجمعة جاز له السفر فيه وإن فاته الصوم الواجب ولكن يجب عليه قضاؤه بعد ذلك وهو رأي السيد الخوئي والسيد الصدر والشيخ الفياض وغيرهم وقال بعض الفقهاء لا يجوز ، وفصّل بعضهم فأجازوا السفر في بعض أفراد الواجب المعيّن دون بعض ، ومنهم الماتن ، وحاصل رأيه /
إن كان الصوم الواجب المعيّن قد وجب بإجارة كما لو استأجر نفسه أن يصوم عن غيره في زمان معين لم يجز السفر في ذلك الزمان ووجب عليه الصوم ، وكذا صوم الاعتكاف حيث يجب على المعتكف أن يصوم ثالث أيام اعتكافه فلا يجوز له السفر فيه ، وإن كان الصوم الواجب المعين قد وجب بالنذر المعيّن جاز السفر مع وجوب القضاء بعد ذلك ، وهل كذلك إذا كان الوجوب بالعهد أو اليمين بأن عاهد الله أن يصوم في يوم معين أو حلف يميناً أن يصوم في يوم معين فيجوز السفر كما هو الحال في النذر ؟ قال فيه إشكال ، وعليه فالأحوط وجوباً ترك السفر .
أما الصوم الواجب غير المعيّن كالقضاء والنذر المطلق فلا إشكال في جواز السفر معه فمن كان عليه قضاء يجوز له السفر والقضاء بعد ذلك ، لأنه غير معين أي موسع يجوز تأخيره .
مولى أبي تراب
07-09-2012, 04:03 PM
مسألة 1041 : يجوز للمسافر التملي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع في النهار على كراهة في الجميع
والأحوط استحبابا الترك ولا سيما في الجماع .
---------------------------
في هذه المسألة ثلاثة آراء : تحريم الجماع والتملي معاً ، وكراهتهما معاً ، وتحريم الجماع وكراهة التملي
والرأي الثاني هو المعروف بين الفقهاء ومنهم الماتن فلا يجب على المسافر الإمساك في النهار
بل يجوز له ممارسة المفطرات عموماً على كراهة
والتملي الأكل والشرب كثيراً حتى يمتلئ ، فليس مطلق الأكل والشرب مكروهاً بل خصوص الكثير منهما
فلو اقتصر على مقدار الضرورة فلا كراهة ، ففي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
( ... وإِنِّي إِذَا سَافَرْتُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا آكُلُ إِلَّا الْقوتَ ومَا أَشْرَبُ كُلَّ الرِّيِّ ) .
.
هذا تمام الكلام في الفصل الرابع / شرائط صحة الصوم
ثم الكلام في الفصل السابع والأخير / أحكام قضاء شهر رمضان
يأتي إن شاء الله تعالى
الحوزويه الصغيره
09-09-2012, 09:41 PM
اللهم صل على محمد و آل محمد وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
توضيح قيم
احسنتم اخي .. مولى أبي تراب
موفق بحق الآل
تحيتي لك
مولى أبي تراب
12-09-2012, 02:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
بارك الله بكم وأحسن إليكم وأثابكم خيراً
مولى أبي تراب
12-09-2012, 03:00 PM
الفصل السابع / أحكام قضاء شهر رمضان
مسألة 1045 : لا يجب قضاء ما فات زمان الصبا ، أو الجنون أو الاغماء أو الكفر الأصلي ، ويجب قضاء ما فات في غير ذلك من ارتداد ، أو حيض ، أو نفاس ، أو نوم ، أو سكر ، أو مرض ، وإذا رجع المخالف إلى مذهبنا يجب عليه قضاء ما فاته وأما ما أتى به على وفق مذهبه ، أو على وفق مذهبنا مع تمشي قصد القربة منه فلا يجب قضاؤه عليه
-------------------------
الكلام في أمرين :
الأمر الأول / ما هي أنواع الصوم الواجب قضاؤها ؟
الأمر الثاني / ما هي الحالات التي يجب فيها القضاء ؟
أما الأمر الأول فلا إشكال في عدم شمول القضاء للصوم الموسع كالنذر غير المعين إذ القضاء إنما يتصور في ما فات في وقته أي في الصوم المؤقت المعيّن وأما الموسع الذي لا وقت له فزمان امتثاله مفتوح فلا يتصور فيه القضاء لعد تحقق الفوت فيه كقضاء شهر رمضان فهو موسع فإن لم يصم اليوم يصوم في يوم آخر ، وكذا النذر غير المعين فلو نذر أن يصوم يوماً من دون تعيين وجب عليه الوفاء بالنذر في أي يوم وعدم الصوم في يوم ليس فوتاً حتى يجب القضاء وهكذا صوم الكفارة وصوم بدل كفارة الإفاضة من عرفات فكلها واجبات موسعة غير مؤقتة فلا يتصور فيها القضاء
وكذا في الواجب المضيق غير المؤقت فلو وجب عليه أن يصوم يوماً صياماً غير مؤقت لكنه مضيق فلم يصم وجب عليه الصوم في يوم آخر وليس ذلك من باب القضاء كما إذا تضيق صوم قضاء شهر رمضان فإذا لم يصم وجب عليه الصوم بعد ذلك وليس ذلك قضاءً .
وإنما يتصور القضاء في الصوم المؤقت المعيّن وهو نوعان صوم شهر رمضان وصوم النذر المعين فإذا لم يصم في شهر رمضان وجب عليه القضاء بعد ذلك ، وكذا إذا نذر صوم يوم معيّن كيوم الجمعة ولم يصم وجب عليه القضاء بعد ذلك ، والكلام الآن في قضاء صوم شهر رمضان وتأتي الإشارة الى قضاء صوم النذر المعين في المسألة (1064) إن شاء الله تعالى .
الأمر الثاني / قلنا الكلام هنا في قضاء شهر رمضان ، والسؤال المطروح ما هي الحالات التي يجب فيها قضاء صوم رمضان لمن لم يصمه ومتى لا يجب القضاء ؟
ذكر الماتن في هذه المسألة عدم وجوب القضاء في أربع حالات ، وهي :
1. ما فات قبل البلوغ ، فلا يجب على المكلف قضاء ما لم يصمه من رمضان قبل تكليفه وبلوغه .
2. ما فات زمن الجنون ، فلا يجب على المكلف قضاء ما لم يصمه من رمضان في زمان جنونه ، سواء كان الجنون أطباقياً ثم عقل أم كان أدوارياً وصادف دور جنونه في شهر رمضان .
3. ما فات في حال الإغماء ، فقد تقدم إلحاق الإغماء بالجنون في الفصل الرابع وأن من أغمي عليه ففاتت منه النية ثم أفاق في النهار وجب عليه القضاء ومع سبق النية فالأحوط وجوباً القضاء .
4. ما فات زمن الكفر الأصلي ، فالكافر الأصلي إذا أسلم لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصوم حال كفره الأصلي ، والمقصود من الكفر الأصلي أن يولد الإنسان لأبوين كافرين ، في مقابل غير الأصلي وهو المرتد الذي يولد لأبوين مسلمين أو يكون أحدهما كذلك ثم يصير كافراً بعد البلوغ فهذا يجب عليه قضاء ما لم يصمه زمن الارتداد .
وإنما لا يجب القضاء في هذه الحالات الأربع لعدم التكليف بالصوم حال فواته في الأولين فغير البالغ والمجنون حال عدم صومهما لم يكونا مكلفين بالصوم حتى يجب القضاء ، وأما المغمى عليه فهو ملحق بالمجنون ، وأما الكافر الأصلي فإن قلنا أن الكفار غير مكلفين بالفروع فكذلك لا يجب عليه القضاء لأنه لم يكن مكلفاً بالصوم حال كفره ، وإن قلنا أنهم مكلفون بالصوم فلا يجب عليهم القضاء لما دل على أن الكفار لا يجب عليهم قضاء شيء مما فاتهم من الصوم والصلاة حال الكفر بعد إسلامهم .
إذن مما تقدم نستطيع القول : إنه إنما يجب قضاء شهر رمضان على من فاته بأربعة شروط : وهي : البلوغ ، والعقل ، وعدم الإغماء ، والإسلام .
لكن سيأتي إن شاء الله في المسألة (1050) حالة خامسة وهي من أفطر لمرض ثم استمر به مرضه طيلة السنة الى رمضان التالي فلا يجب عليه القضاء
كما تقدم في الفصل الخامس عدم وجوب القضاء على الشيخ والشيخة وذي العطاش
وما عدا ذلك يجب القضاء وذلك في مثل :
1. ما فات زمن الارتداد سواء كان عن فطرة أو ملة ، لوجوب الصوم عليه حال الارتداد فهو مكلف به حال ارتداده بلا خلاف ، ولا يشمله الكلام في أن الكفار مكلفون بالفروع أو لا فذاك مختص بالكافر الأصلي .
2. ما فات زمن الحيض والنفاس وإن لم يجب عليهما الصوم ولا يصح منهما ، لكن يجب عليهما القضاء بعد الطهر لدلالة الأخبار على ذلك .
3. ما فات حال النوم ، ويختص ذلك بما إذا فاتت النية لا مطلقاً والا فالنوم لا يمنع من صحة الصوم فإذا نوى ونام صح صومه ولا قضاء عليه وإن استوعب نومه النهار كله كما تقدم في المسألة (970) في الفصل الأول قال الماتن ( وكذا لا يعتبر كون الصائم في جميع الوقت بل في شئ منه في حالة يمكن توجه التكليف إليه فلا يضر النوم المستوعب لجميع الوقت ولو لم يكن باختيار منه كلا أو بعضا ) .
4. ما فات حال السكر ، بحيث فاتت النية فمن تناول المسكر ولو للعلاج في الليل وفاتت النية فلا إشكال في وجوب القضاء عليه ، أما إذا نوى ثم تناول المسكر ليلاً فهل يصح صومه نهاراً وهو تحت تأثير المسكر وإن كان ممسكاً ؟ تقدم أن في صحة الصوم إشكالاً فالأحوط وجوباً القضاء قال في المسألة (970) في الفصل الأول بعد الكلام السابق في النوم ( ولكن وفي الحاق الاغماء والسكر به - أي النوم في أنه لا يضر بالصوم - إشكال فلا يترك الاحتياط فيهما مع سبق النية بالجمع بين الاتمام إن أفاق أثناء الوقت والقضاء بعد ذلك )
5. ما فات حال المرض ، ولا إشكال في ذلك لقوله تعالى ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة / 184 ، وذلك لعدم صحة الصوم منه كما تقدم في المسألة (1029) في الفصل الرابع ويلحق به الأرمد .
6. المخالف إذا لم يصم زمن الخلاف ، فيجب عليه القضاء بعد استبصاره ولا يسقط القضاء بالاستبصار كما يسقط عن الكفار بالإسلام لأنه مسلم مكلف بالصوم فيجب عليه قضاؤه مع عدم الامتثال .
وهناك حالات أخرى يجب فيها القضاء كالمسافر وكل من أفطر لعذر كالضرر كما في الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن أو الحرج كمن أجهده الصوم أو غلبه العطش ، وكذا من أفطر لغير عذر فيجب عليه القضاء .
والحاصل /
أن كل من فاته صوم شهر رمضان وجب عليه قضاؤه يستثنى من ذلك غير البالغ والمجنون والمغمى عليه والكافر الأصلي ، ويضاف اليهم المريض الذي استمر به مرضه الى رمضان التالي والشيخ والشيخة وذو العطاش ، ومن عدا هؤلاء يجب عليه القضاء ، وفي المسائل القادمة شيء من التفصيل الزائد .
قوله ( وأما ما أتى به على وفق مذهبه ، أو على وفق مذهبنا مع تمشي قصد القربة منه فلا يجب قضاؤه عليه ) تقدم في شرائط صحة الصوم عدم اشتراط الصحة بالإيمان فصوم المخالف صحيح في حد نفسه أي من حيث هو مخالف لا يلزم بطلان صومه ما لم يكن باطلاً من جهة أخرى كفقدانه ما يعتبر في صحته ، فإذا كان صومه صحيحاً وفق مذهبه كفى ذلك في صحته وعدم وجوب قضائه بعد الاستبصار ، وكذا إذا كان صومه ليس صحيحاً على وفق مذهبه ولكنه صحيح على وفق مذهبنا ، فلو صام حال خلافه بما يوافق صحة الصوم في مذهبنا كفى ولم يجب القضاء بعد الاستبصار بشرط أن يكون قصد القربة حينئذٍ موجود ، فإنه قد لا يكون قاصداً للقربة بأن يصوم وهو يعلم بطلان الصوم على مذهبه فقد لا يكون جاداً في صومه فحينئذٍ يجب القضاء بعد الاستبصار .
مولى أبي تراب
15-09-2012, 01:59 PM
إستدراك
_________
3. ما فات في حال الإغماء ، فقد تقدم إلحاق الإغماء بالجنون في الفصل الرابع وأن من أغمي عليه ففاتت منه النية
ثم أفاق في النهار وجب عليه القضاء ومع سبق النية فالأحوط وجوباً القضاء .
حصل هنا اشتباه والصحيح /
لم يجب عليه القضاء
مولى أبي تراب
20-09-2012, 08:38 PM
مسألة 1046 : إذا شك في أداء الصوم في اليوم الماضي بنى على الأداء ، وإذا شك في عدد الفائت بنى على الأقل .
------------------------
ذكر هنا أمرين :
الأمر الأول / من شك في يوم من شهر رمضان أنه صام في اليوم الماضي أم لم يصم بنى على أنه قد صام وأدّى صيام اليوم الماضي .
لا يقال أليس الأصل عدم الأداء فلِمَ يبني على الأداء ؟
فإنه يقال إن الشك في الأداء أو عدم الأداء يؤول الى الشك في أنه هل يجب عليه قضاء اليوم الماضي أو لا يجب ؟
فإن كان قد أدّاه لم يجب عليه قضاؤه وإن لم يكن قد أدّاه وجب عليه القضاء ، لكن الأصل عدم وجوب القضاء عند الشك فيه
لذا يبني على الأداء أي عدم وجوب القضاء ، فإذا شك أنه أدّى الصوم أو لا
فهو بمعنى آخر شاك في أنه يجب عليه قضاء اليوم الماضي أو لا والأصل عدم وجوب القضاء
الأمر الثاني / إذا علم أن عليه قضاء عدة أيام ولكن شك في عددها فلم يدرِ عدد هذه الإيام وكم يوماً يجب عليه أن يقضي جاز له الاقتصار على الأقل
فإذا شك أنه أفطر ستة أيام أو سبعة جاز الاقتصار على قضاء ستة أيام فقط ، وكما إذا شك في عدد الشهور التي فاتته في شبابه وأول سنيّ بلوغه مثلاً
فهل فاتته خمس رمضانات مثلاً أو ستة اقتصر في القضاء على الأقل
وإذا لم يعلم أصلاً كم الفائت فحينئذٍ يجب عليه أن يقضي بمقدار ما يطمئن براءة ذمته وأنه غير مطالب بالأكثر فيستمر في القضاء الى أن يعلم أو يطمئن بفراغ ذمته .
مولى أبي تراب
26-09-2012, 08:46 PM
مسألة 1047 : لا يجب الفور في القضاء ، وإن كان الأحوط استحبابا عدم تأخير قضاء شهر رمضان عن رمضان الثاني ، وإن فاتته أيام من شهر واحد لا يجب عليه التعيين ، ولا الترتيب ، وإن عين لم يتعين إلا إذا كان له أثر ، وإذا كان عليه قضاء من رمضان سابق ومن لاحق لم يجب التعيين ولا يجب الترتيب ، فيجوز قضاء اللاحق قبل السابق ، ويجوز العكس إلا أنه إذا تضيق وقت اللاحق بمجئ رمضان الثالث فالأحوط قضاء اللاحق ، وإن نوى السابق حينئذ صح صومه ، ووجبت عليه الفدية .
---------------------------
ذكر في هذه المسألة أربعة أحكام لصوم القضاء :
1. لا يجب الفور في قضاء الصوم كما هو الحال في قضاء الصلاة ، فالقضاء من الواجبات غير المؤقتة وغير الفورية بل وجوبها مبني على التراخي بمعنى جواز أن يتراخى المكلف في فعله ويؤخره ولو من دون عذر ما لم يكن تأخيراً فاحشاً بحيث يعد معه متهاوناً في القضاء .
2. من فاته الصوم في شهر رمضان وجب عليه قضاؤه . وهل يجب أن يكون القضاء قبل رمضان التالي بحيث لا يجوز له التأخير الى رمضان التالي ولو أخر كان آثماً ؟
قيل بذلك لكن المعروف عدم الوجوب وجواز تأخير القضاء ولو الى ما بعد رمضان التالي غاية الأمر أنه إن أخر القضاء حتى رمضان القادم وجبت عليه فدية التأخير كما سيأتي إن شاء الله في المسألة (1051) لكن هذا لا يعني وجوب كون القضاء قبل رمضان التالي ، نعم الأحوط استحباباً ذلك .
3. من كان عليه عدة أيام من رمضان واحد أكتفى بالصوم أياماً بعددها بنية القضاء ولا يجب عليه التعيين بأن يعيّن اليوم الأول لقضاء اليوم الأول من الفوائت والثاني عن الثاني وهكذا فهذا غير لازم ، مثلاً لو فاته صوم اليوم الأول واليوم الثاني من رمضان كفاه صوم يومين بنية القضاء ولا يجب أن ينوي بأحدهما أنه قضاء لليوم الأول والأخر أنه قضاء لليوم الثاني ، فهو من قبيل ما إذا استدان شخص من شخص آخر ديناراً ثم استدان منه ديناراً آخر فعند وفائه بأحد الدينارين لا يجب أن يقصد أنه وفاء للدينار الأول أو الثاني ولا تترتب على ذلك ثمرة بالنسبة الى الدائن .
قوله ( وإن عين لم يتعين إلا إذا كان له أثر ) أي لو عيّن فنوى قضاء اليوم الأول عن الأول والثاني عن الثاني لم يتعين أي لم يترتب على تعيينه ثمرة بل يقع التعيين لغواً ، وعليه فإن فاته صيام اليوم الأول والثاني من رمضان ، وعند القضاء عيّن صيام اليوم الأول عن اليوم الأول من رمضان ثم ظهر صحة صوم اليوم الأول من رمضان وعدم وجوب قضائه وأنه غير مطالب الا بقضاء اليوم الثاني من رمضان فقط كفاه ما أتى به عن اليوم الثاني من رمضان ولا أثر لتعيينه عن اليوم الأول .
4. التعيين وإن لم يجب لكنه لو عيّن لم يلزمه مراعاة الترتيب فيجوز أن يقضي اليوم الثاني قبل الأول وإن كان لا يترتب على ذلك أثر .
5. من كان عليه عدة أيام من رمضانين فالحكم كما لو كان عليه عدة أيام من رمضان واحد فلا يجب التعيين ولا الترتيب فلو فاته يوم من رمضان الأخير وكان عليه يوم من رمضان السابق عليه كفاه صوم يومين بنية القضاء ولا يجب عليه أن يعين أن هذا عما فاته في رمضان الأول وهذا عما فاته في رمضان الأخير ولو عين لم يجب عليه الترتيب فيمكن أن ينوي قضاء ما فاته في رمضان الأخير قبل ما فاته في رمضان السابق عليه الا مع التضيق بمجيء رمضان الثالث فيقدم قضاء رمضان الأخير على قضاء رمضان سابقه فلو لم يبق لرمضان القادم الا يوم واحد فإما أن يصوم فيه اليوم الذي فاته من رمضان الأخير أو يصوم فيه اليوم الذي فاته من رمضان السابق فالأحوط وجوباً أن يصوم فيه عن رمضان الأخير لتضيق وقته ويؤجل قضاء ما فاته في رمضان السابق الى ما بعد رمضان الثالث القادم ، والمعروف أن هذا الاحتياط وجوبي وخالف السيد الصدر والشيخ الفياض فجعلاه استحبابياً لأن عدم تأخير قضاء رمضان عن رمضان الثاني أحوط استحباباً كما تقدم ، أما الاحتياط الوجوبي فقد ذكروا أنه من باب مراعاة القول بالتضييق ووجوب البدار إلى القضاء قبل مجئ الرمضان الثاني .
وعلى أي حال لو خالف وقدم رمضان السابق على اللاحق فلا خلاف أنه يصح القضاء ولكن عليه فدية تأخير قضاء صوم رمضان الأخير .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:03 AM
مسألة 1048 : لا ترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب كالكفارة والايجار فله تقديم أيهما شاء ، نعم لا يصح صوم نذر التطوع لمن عليه قضاء شهر رمضان على الأظهر .
--------------------------
تقدم في المسألة (1035) أنه لا يصح الصوم المندوب لمن عليه قضاء شهر رمضان ، وقلنا هذا يختص بالصوم المندوب وما عداه لا يشمله الحكم ، وعليه فمن كانت ذمته مشتغلة بصوم واجب كصوم الكفارة أو النذر أو صوم الإجارة نيابة عن غيره يجوز له أداءه ولو كان في ذمته صوم القضاء ، وهو معنى عدم وجوب الترتيب بين صوم القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب ، فمن أفطر في شهر رمضان عمداً وجبت عليه الكفارة والقضاء ، فلو اختار التكفير بالصوم شهرين متتابعين جاز له صيامها قبل القضاء كما يجوز العكس بأن يقضي أولاً ثم يصوم للكفارة ، ولا خلاف في ذلك - الا من واحد من الفقهاء المتقدمين - لعدم الدليل على الترتيب ، غير أن الماتن استثنى صوم نذر التطوع فألحقه بالصوم المندوب في عدم جوازه مع اشتغال الذمة بالقضاء ، والمقصود من نذر التطوع أن ينذر صيام يوم مستحب لا يجب صيامه كما إذا نذر صيام يوم غد وفي ذمته قضاء شهر رمضان
والمعروف هو الجواز أيضاً لأنه صوم واجب بالنذر فحكمه حكم سائر أنواع الصوم الواجب الأخرى في جواز فعله ولو مع اشتغال الذمة بالقضاء لأن متعلقه مقدور عقلاً وراجح شرعاً ، ومن الواضح أن اشتغال الذمة بالواجب إن كان مانعاً فإنما يمنع عن جواز التطوع قبل تفريغ الذمة عن القضاء لا عن صحة النذر من أصله ، الا أن الماتن استظهر استثناء هذا النوع وعدم صحة النذر لأنه تطوع فيشمله الحكم بعدم جواز التطوع لمن عليه القضاء غاية الأمر أن تطوع بالنذر ، فالنهي عن التطوع لمن عليه القضاء يشمل نذر التطوع لأنه حقيقة تطوع ووجوبه عرضي .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:04 AM
مسألة 1049 : إذا فاتته أيام من شهر رمضان بمرض ، ومات قبل أن يبرأ لم تقض عنه ، وكذا إذا فات بحيض أو نفاس ماتت فيه أو بعد ما طهرت قبل مضي زمان يمكن القضاء فيه .
---------------------
سيأتي إن شاء الله تعالى في المسألة ( 1085) أن الولد الذكر الأكبر يقضي عن أبيه ما فاته من الصوم ، كما يجوز أن يتطوع أي شخص ويقضي عن الميت ما في ذمته من الصوم كالقضاء عما في ذمة الأم مثلاً ، وبشكل عام من مات وذمته مشتغلة بقضاء شهر رمضان جاز لغيره تفريغ ذمته والقضاء عنه بل يجب بالنسبة الى الذكر الأكبر تجاه والده ، وذكر هنا أنه في موردين لا يجب القضاء :
الأول / أن يفطر في شهر رمضان بسبب المرض بحيث يجب عليه القضاء بعدما يبرء ، لكنه لا يبرء ويموت في ذلك المرض ، فلا يجب على الولد الأكبر أن يقضي عنه ما أفطره في رمضان بسبب هذا المرض الذي مات فيه ، كما لا يقضي عنه غير الولد الأكبر تلك الأيام لأنها ليست مما يقضى .
الثاني / أن تفطر المرأة بعض الأيام في شهر رمضان بسبب الحيض أو النفاس ثم تموت قبل طهرها أو قبل تمكنها من القضاء كما لو ماتت قبل انقضاء شهر رمضان ، فلا تقضى عنها تلك الأيام .
وقد دلت الأخبار على عدم القضاء في هذين الموردين ، وقيل السبب في عدم القضاء في هذين الموردين هو عدم اشتغال ذمة الميت بالقضاء قبل موته ، فمن مات في مرضه الذي أفطر فيه لم تشتغل ذمته بالقضاء حتى يُقضى عنه وتُفرّغ ذمته لأنه لا يجب عليه قضاء تلك الأيام الا بعد برئه فلما مات قبل البرء لم تشتغل ذمته بالقضاء أصلاً ، وكذا المرأة فإنما يجب عليها قضاء ما أفطرته بسبب عدم الطهر إذا انقضى شهر رمضان وكانت متمكنة من القضاء ، أما إذا ماتت في شهر رمضان أو بعده ولم تكن متمكنة من القضاء كما إذا مرضت بعد رمضان وماتت فلم تشتغل ذمتها بالقضاء حتى يُقضى عنها لأنها لم تتمكن من القضاء أصلاً .
وبناء على هذا التوجيه فالحكم لا يختص بهذين الموردين بل يشمل غيرهما كمن أفطر لأجل السفر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء الا أن في إلحاق المسافر بالمريض والحائض كلام .
ثم ما المقصود من عدم القضاء في هذين الموردين ؟
ظاهر الماتن أن المقصود من عدم القضاء عنه ليس عدم الوجوب بحيث يجوز القضاء بل عدم مشروعية القضاء وعدم الجواز لأنه لم يجب القضاء أصلاً . وقال بعض الفقهاء المقصود عدم الوجوب فلا يجب القضاء في هذين الموردين لكنه جائز بل مستحب كما ذكر السيد اليزدي ، وربما يدعم مختار الماتن وأن المقصود عدم مشروعية القضاء لا عدم الوجوب ، أن القضاء عن المرأة غير واجب أصلاً حتى يقال لا يجب القضاء عن الحائض إن لم تتمكن من القضاء ، اللهم الا على القول بوجوب القضاء عن الأم كما هو رأي السيد اليزدي .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:05 AM
مسألة 1050 : إذا فاته شهر رمضان ، أو بعضه بمرض ، واستمر به المرض إلى رمضان الثاني سقط قضاؤه ، وتصدق عن كل يوم بمد ولا يجزئ القضاء عن التصدق ، أما إذا فاته بعذر غير المرض وجب القضاء وتجب الفدية أيضا على الأحوط لزوما ، وكذا إذا كان سبب الفوت المرض وكان العذر في التأخير السفر ، وكذا العكس .
--------------------------
إذا فات المكلفَ صيامُ شهر رمضان أو بعضه لعذر وجب عليه القضاء بعد شهر رمضان وبعد ارتفاع العذر ، لكن إذا استمر العذر الذي أفطر بسببه إلى رمضان التالي فما حكمه ؟
الجواب / لا يخلو إما أن يكون هذا العذر هو المرض أو غيره ، فتارة يفطر لأنه مرض مرضاً مانعاً من الصوم ويستمر على مرضه حتى مجيء رمضان التالي فلم يتمكن من القضاء طيلة السنة ، وتارة يفطر لسبب آخر غير المرض كالسفر ثم لا يستطيع القضاء الى رمضان التالي لاستمرار السفر طيلة السنة .
فإن كان العذر هو المرض لم يجب قضاء الفائت ويكفيه دفع الفدية عن كل يوم لم يصمه وهي مد من الطعام أي ثلاثة أرباع الكيلو يتصدق به على الفقير ، وهو الرأي المعروف والمشهور لدلالة الأخبار عليه وخالف بعض الفقهاء المتقدمين فأوجبوا القضاء بعد رمضان الثاني .
وهل سقوط القضاء ووجوب الفدية مع استمرار المرض عزيمة أم على نحو الرخصة فيجوز أن يقضي بعد رمضان التالي بدلاً من دفع الفدية ؟
بل هو عزيمة فلا يصح القضاء لسقوطه باستمرار المرض ويتعين دفع الفدية ولا تسقط عنه بالقضاء ولا يجزئ عنها لأن ظاهر الروايات أن من استمر به المرض فهذه وظيفته وهي أنه غير مطالب بالقضاء ويجب عليه دفع الفدية ، فلا بد من دفعها خلافاً للعلامة حيث اختار أن دفع الفدية بدل القضاء على نحو الرخصة .
وإن كان العذر غير المرض فهنا يجب عليه القضاء بعد رمضان الثاني ولا يسقط عنه القضاء لأن الأصل وجوب قضاء الصوم الفائت خرج بالدليل من أفطر لمرض واستمر به حتى رمضان التالي فيبقى الباقي ومنه ما إذا كان العذر غير المرض كالسفر فلا يسقط القضاء باستمرار العذر الى رمضان التالي ويجب القضاء بعده ، وقيل بل السفر ملحق بالمرض وحكمهما واحد فيسقط القضاء وتجب الفدية ، والمشهور ما ذكره الماتن من عدم سقوط القضاء بغير المرض
وهل تجب الفدية أيضاً مضافاً الى القضاء ؟
احتاط الماتن لزوماً بوجوبها أيضاً وكذا باقي الفقهاء ، ولعل وجهه هو الاحتياط بالقول المخالف الذي ألحق السفر بالمرض فأوجب الفدية دون القضاء .
قوله ( وكذا إذا كان سبب الفوت المرض وكان العذر في التأخير السفر ، وكذا العكس ) كان الكلام فيمن أفطر بعذر واستمر به نفس العذر الذي كان سبب إفطاره فإن كان هو المرض سقط القضاء ووجبت الفدية ، وإن كان غيره لم يسقط القضاء والأحوط لزوماً دفع الفدية أيضاً ، وفي هذه العبارة تطرق الى حكم ما لو أفطر لعذر ثم لم يستطع القضاء طيلة السنة لحدوث عذر آخر حتى رمضان التالي ، كما إذا أفطر بسبب المرض ثم بعد شهر رمضان سافر واستمر به السفر حتى رمضان التالي ، أو بالعكس بأن أفطر بسبب السفر ثم مرض بعد شهر رمضان واستمر به المرض حتى رمضان التالي فلم يستطع القضاء ، فما حكمه ؟
قال ( وكذا ) أي لا يسقط القضاء بل يجب بعد رمضان الثاني عطفاً على ما إذا كان العذر غير المرض فيجب القضاء ولا يسقط ، وذلك لما قلنا من أن الأصل وجوب قضاء الصوم الفائت خرج بالدليل ما إذا أفطر بسبب المرض ثم استمر به نفس المرض حتى رمضان التالي ، وما عدا هذه الصورة فيجب القضاء على الأصل والقاعدة ، فمن ذلك ما إذا أفطر للسفر ثم مرض أو أفطر للمرض ولكن لم يستمر به بل حدث عذر جديد ففي كلتا الصورتين يجب القضاء بعد رمضان التالي ، ومقتضى العطف وجوب الفدية أيضاً .
خلاصة المسألة /
من أفطر في شهر رمضان لعذر ثم منعه العذر عن القضاء طيلة السنة حتى رمضان التالي فهنا ثلاث صور :
الأولى / أن يكون العذر في الإفطار هو المرض ، وهو نفسه العذر في عدم القضاء فهنا يسقط القضاء وتجب الفدية .
الثانية / أن يكون العذر في الإفطار غير المرض كالسفر ، وهو نفسه العذر في عدم القضاء فهنا لا يسقط القضاء بل يجب بعد انقضاء رمضان الثاني وتجب الفدية أيضاً على الأحوط لزوماً .
الثالثة / أن يكون العذر في الإفطار غير العذر في عدم القضاء كما لو أفطر للمرض ولم يقضِ للسفر أو بالعكس وحكم هذه الصورة حكم الثانية .
وبعبارة أخرى / إن كان العذر للإفطار وعدم القضاء هو المرض حدوثاً وبقاءً فيسقط القضاء ويتعين الفداء ، وإن كان هو غير المرض حدوثاً وبقاءً فلا يسقط القضاء والأحوط لزوماً الفداء أيضاً ، وإن كان هو المرض حدوثاً لا بقاءً أو بقاءً لا حدوثاً فكغير المرض فلا يسقط القضاء والأحوط لزوماً الفداء .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:06 AM
مسألة 1051 : إذا فاته شهر رمضان ، أو بعضه لعذر أو عمد وأخر القضاء إلى رمضان الثاني ، مع تمكنه منه ، عازما على التأخير أو متسامحا ومتهاونا وجب القضاء وكذا الفدية على الأحوط ، وهكذا إذا كان عازما على القضاء قبل مجئ رمضان الثاني فاتفق طرو العذر . ولا فرق في ذلك بين المرض وغيره من الأعذار ، وتجب إذا كان الافطار عمدا مضافا إلى الفدية كفارة الافطار .
----------------------------
كان الكلام في المسألة السابقة فيمن لم يتمكن من القضاء قبل رمضان التالي لعذر استوعب ما بين الرمضانين ، كالمريض الذي استمر به المرض من رمضان الى رمضان التالي
والكلام في هذه المسألة في شخصين آخرين :
الأول / من لم يقضِ ما فاته حتى جاء رمضان التالي لا لعذر بل لمجرد التساهل والتهاون في امتثال وجوب القضاء ، وحكم هذا عدم سقوط القضاء بل تبقى ذمته مشغولة به يأتي به بعد رمضان التالي ، مضافاً الى ذلك يجب عليه دفع فدية تأخير القضاء عن كل يوم مد من الطعام ، سواء كان إفطاره في شهر رمضان لعذر أو غير عذر ولو عصياناً ، فكل من تمكن من القضاء بعد شهر رمضان ولم يقضِ حتى جاء رمضان التالي وجب عليه القضاء بعده مضافاً الى فدية التأخير ، كما تجب عليه كفارة الإفطار أيضاً إن كان إفطاره في شهر رمضان من دون عذر .
وإذا لم يقضِ بعد رمضان التالي وأخر القضاء حتى جاء رمضان الثالث فهل تتكرر عليه فدية التأخير ، فكلما أخر القضاء عن رمضانٍ جديد وجبت الفدية من جديد ؟
الجواب / كلا ، فلا تجب الفدية الا للتأخير الأول حتى مجيء رمضان الثاني كما سيأتي في المسألة التالية إن شاء الله تعالى .
الثاني / من لم يقضِ حتى جاء رمضان التالي لعذر ، لكن العذر لم يستوعب ما بين الرمضانين كما هو الحال في المسألة السابقة ، بل مرت عليه فترة بعد الإفطار في شهر رمضان كان متمكناً من القضاء فيها ولكنه لم يقضِ لنيته القضاء بعد ذلك ثم حصل له عذر منعه من القضاء واستمر به حتى رمضان التالي ، كما إذا تمكن من القضاء في شهر شوال ولم يقضِ وكان عازماً على القضاء في رجب ثم مرض واستمر به المرض حتى رمضان التالي وحكم هذا حكم السابق فلا يسقط عنه القضاء بل يجب عليه امتثاله بعد رمضان التالي مضافاً الى فدية التأخير ، فسقوط القضاء وتعين الفدية إنما يكون لمن استمر به عذر الإفطار الى رمضان الجديد فلا يشمل هذا الحكم من لم يقضِ بلا عذر كما لا يشمل من تجدد له العذر بعد تمكنه من القضاء ، ولا خلاف في ذلك .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:07 AM
مسألة 1052 : إذا استمر المرض ثلاثة رمضانات وجبت الفدية مرة للأول ومرة للثاني ، وهكذا إن استمر إلى أربعة رمضانات ، فتجب مرة ثالثة للثالث ، وهكذا ولا تتكرر الكفارة للشهر الواحد .
--------------------------
تقدم في المسألة قبل السابقة أن من أفطر بسبب المرض واستمر به نفس ذلك المرض حتى رمضان التالي سقط القضاء ووجبت الفدية ، فإن استمر المرض فأفطر رمضان التالي ثم استمر حتى رمضان الثالث فحكم رمضان الثاني حكم الأول فيسقط قضاؤه وتجب الفدية ، فإن استمر المرض فأفطر رمضان الثالث ثم استمر به المرض ولم يستطع قضاؤه حتى دخل رمضان الرابع سقط قضاء الثالث ووجبت الفدية ونفس الشي يقال في الرابع إن استمر المرض فيه وفيما بعده الى الخامس وهكذا ، فكل رمضان لا يتمكن من صيامه بسبب المرض ولا من قضائه بسبب نفس المرض يسقط القضاء وتجب الفدية بالغاً ما بلغت الرمضانات ، لذا من كان مريضاً مرضاً مزمناً لا يستطيع معه الصوم والمرض مستمر معه فحكمه عدم الصوم وعدم القضاء ووجوب دفع الفدية في كل عام ولو استمر الحال الى الموت .
ولا تتكرر الفدية لرمضان واحد فمن استمر معه المرض حتى دخل رمضان الثاني ثم استمر معه حتى رمضان الثالث لم تجب فديتان لرمضان الأول باعتبار مرور رمضانين عليه بل فدية واحدة لعدم القدرة على القضاء حتى دخول رمضان الثاني ، نعم تجب الفدية ثانية لرمضان الثاني بدخول الثالث ، وللثالث بدخول الرابع وهكذا ، فلكل شهر لا يستطيع صيامه فدية واحدة وإن استمرت عدم الاستطاعة عدة رمضانات ، وقول الماتن الكفارة يقصد الفدية فإنها تسمى كفارة التأخير .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:08 AM
مسألة 1053 : يجوز إعطاء فدية أيام عديدة من شهر واحد ومن شهور إلى شخص واحد
-------------------
من وجبت عليه فدية التأخير فهي مد عن كل يوم فيعطي الفقير ثلاثة أرباع الكيلو عن كل يوم ، ولا يجوز أن يعطي مداً واحداً عن اليوم الواحد لشخصين ، لكن يجوز أن يعطي فدية يومين أو أكثر لشخص واحد ، فمن لم يصم رمضان كله ثلاثين يوماً واستمر به المرض حتى رمضان التالي قلنا يسقط عنه القضاء وتجب الفدية وهي اثنان وعشرون كيلو ونصف ، ويجوز أن يدفعها كلها لفقير واحد ولا يجب أن يعطيها لثلاثين فقيراً كل واحد ثلاثة أرباع الكيلو ، لعدم تحديد الفقراء بعدد معين في الفدية خلافاً لكفارة الإفطار حيث يجب إطعام ستين مسكيناً فلا يجزئ أن يدفعها كلها لواحد ، ولا خلاف في ذلك لإطلاق الأدلة .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:08 AM
مسألة 1054 : لا تجب فدية الزوجة على زوجها ، ولا فدية العيال على المعيل ، ولا فدية واجب النفقة على المنفق .
----------------------
لا تجب فدية شخص على شخص آخر , وإن كان من واجبي النفقة كالزوجة والابن والعبد
لأن الفدية ليست من النفقة الواجبة حتى يجب بذلها ، ففدية الزوجة من مالها لا على زوجها
فلا يتحمل فديتها حتى مع فقرها وغناه ، ولكن يجوز دفعها عنها وإبراء ذمتها منها .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:09 AM
مسألة 1055 : لا تجزئ القيمة في الفدية ، بل لا بد من دفع العين وهو الطعام ، وكذا الحكم في الكفارات .
---------------------
لمّا كان الواجب في الفدية هو الإطعام فلا يتحقق الامتثال الا به ، فلا بد من دفع عين الطعام ولا يجزئ دفع قيمة الطعام ، ونفس الكلام يقال في الكفارت إذا اختار الإطعام فالواجب في كفارة شهر رمضان إطعام ستين مسكيناً وفي كفارة قضاء شهر رمضان إطعام عشرة مساكين فلا يصح الا دفع عين الطعام إما بالتسليم اليهم لكل واحد مد أو بإشباعهم كما تقدم ولا يجزئ دفع قيمة الطعام لأن الواجب هو الإطعام وهو لا يتحقق الا بدفع الطعام ولا يصدق على دفع قيمة الطعام .
نعم ذكر بعض الفقهاء كالسيد الصدر جواز أن يعطي الفقير القيمة ليشتري بها الطعام بشرط أن يكون ثقة بحيث يطمئن الدافع أن الفقير سيصرف القيمة في شراء الطعام ولا يصرفها في حوائجه الأخرى فحينئذٍ يصدق الإطعام وإن كان المدفوع هو القيمة
وإذا لم يتمكن من دفع الطعام لأي سبب فهل ينتقل الى القيمة ؟
لم يتعرض الماتن وغيره لذلك الا السيد الصدر فقال ( ومع عدم الامكان فالاحوط دفع القيمة وان كان الوجه عندئذ هو السقوط ) أي إذا لم يتمكن من دفع الطعام سقط وجوب الفدية لأن الواجب الإطعام ودفع الطعام وهو غير مقدور فيسقط التكليف لكن الأحوط استحباباً الانتقال الى دفع القيمة .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:10 AM
مسألة 1056 : يجوز الافطار في الصوم المندوب إلى الغروب ، ولا يجوز في قضاء صوم شهر رمضان بعد الزوال إذا كان القضاء لنفسه ، بل تقدم أن عليه الكفارة ، أما قبل الزوال فيجوز إذا كان موسعا ، وأما الواجب الموسع غير قضاء شهر رمضان فالظاهر جواز الافطار فيه مطلقا ، وإن كان الأحوط استحبابا ترك الافطار بعد الزوال .
----------------------
الكلام في حكم رفع اليد عن الصوم والإفطار في النهار في غير صوم رمضان
أما المندوب فلا خلاف في جواز إبطاله والإفطار ولو قبل الغروب بلحظات ولا يترتب على ذلك إثم ولا كفارة لأنه صوم غير واجب فلا يجب إتمامه والأخبار دالة على ذلك .
وأما قضاء شهر رمضان فلا خلاف في عدم جواز الإفطار بعد الزوال ولو أفطر وجبت الكفارة كما تقدم في أول الفصل الثالث / كفارة الصوم وفي المسألة (1007) منه وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، لكن هذا إذا كان القضاء عن نفسه دونما إذا كان القضاء عن غيره فيجوز الإفطار ولو بعد الزوال ولا كفارة فيه كما سيأتي في المسألة التالية إن شاء الله ، أما قبل الزوال فأطلق بعض الفقهاء جواز الإفطار فيه كالسيد الخوئي والسيد الصدر وخصه بعضهم كالسيد الماتن بما إذا كان القضاء موسعاً فيجوز الإفطار فيه قبل الزوال أما إذا كان مضيقاً بحيث لو أفطر لم يستطع قضائه الا بعد رمضان التالي فلا يجوز
وأما غير القضاء من الصوم الواجب الموسع كصوم الكفارة والنذر غير المعين فحكمه حكم المندوب فيجوز الإفطار فيه ولو بعد الزوال ولا كفارة في ذلك ، ويصومه في يوم آخر ، لكن الأحوط استحباباً ترك الإفطار بعد الزوال
أما المضيق كالنذر المعين فلا يجوز فيه الإفطار لا قبل الزوال ولا بعده وحكمه حكم صوم رمضان بل فيه الكفارة كما تقدم في المسألة (1007) وهي كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد مد أو كسوة عشرة مساكين ، فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:10 AM
مسألة 1057 : لا يلحق القاضي عن غيره بالقاضي عن نفسه في الحرمة والكفارة وإن كان الأحوط استحبابا الالحاق .
--------------------
أي ما تقدم في المسألة السابقة من حرمة الإفطار بعد الزوال في صوم القضاء ووجوب الكفارة يختص بمن كان صومه قضاء عن نفسه أي عما فاته هو دونما إذا كان قضاء عما فات غيره كالأجير والمتبرع والولد الأكبر قضاءً عن أبيه فيجوز حينئذٍ الإفطار ولو بعد الزوال ولا كفارة في ذلك ، لأن ما دل على عدم جواز الإفطار بعد الزوال في صوم القضاء من الأخبار لا يشمل ما إذا كان الصوم قضاءً عن الغير ويختص بمن يقضي عن نفسه .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:11 AM
مسألة 1058 : يجب على الأحوط على ولي الميت وهو الولد الذكر الأكبر حال الموت أن يقضي ما فات أباه من الصوم لعذر إذا وجب عليه قضاؤه ، هذا إذا لم يكن قاصرا حين موته لصغر أو جنون ولم يكن ممنوعا من إرثه لبعض أسبابه كالقتل والكفر وإلا لم يجب عليه ذلك ، وفي كفاية التصدق بدلا عن القضاء بمد من الطعام عن كل يوم ولو من تركة الميت فيما إذا رضيت الورثة بذلك قول لا يخلو عن وجه ، والأحوط استحبابا إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث على الترتيب في الإرث بالابن ، كما أن الأحوط استحبابا إلحاق الأم بالأب ، وأما ما فات الميت عمدا أو أتى به فاسدا ففي الحاق بما فات عن عذر اشكال بل منع ، وإن فاته ما لا يجب عليه قضاؤه كما لو مات في مرضه لم يجب القضاء ، وقد تقدم في كتاب الصلاة بعض المسائل المتعلقة بالمقام ، لأن المقامين من باب واحد .
-----------------------
إذا فات المكلفَ الصومُ ولم يقضِه حتى مات وجب على ولده الأكبر الذكر أن يبرء ذمته ويقضي عنه ما فاته من الصوم كما هو الحال في الصلاة ، ولكن هذا بشروط :
1. أن يكون الميت هو الأب ، فلا يجب القضاء عن غيره ، وألحق بعض الفقهاء الأم بالأب فأوجبوا القضاء عنها أيضاً كما هو رأي الشيخ الفياض ، لكن المعروف اختصاص الحكم بالأب وإلحاق الأم أحوط استحباباً .
2. أن يكون الولد هو الذكر الأكبر حال الموت ، فلا يجب القضاء على غير الولد الأكبر من الذكور ، كما لا يجب القضاء على الإناث ، كما لا يجب القضاء على سائر الأقارب كالأب والأم والأخ والعم والخال وهكذا ، نعم لو تطوعوا بقضاء ما في ذمة الميت من عبادات صح وأجزأ والأحوط استحباباً إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث على الترتيب في الإرث بالولد الأكبر لكن لا يجب عليهم ذلك ، فالوجوب مختص بالولد الذكر الأكبر ، فلو لم يكن للميت من الأولاد الا إناثاً لم يجب عليهنّ القضاء ، ولو كان بِكر الميت وولده الأكبر أنثى والذكر أصغر منها لم يجب على الأنثى ووجب على الذكر ، فالواجب هو القضاء على أكبر الذكور وإن لم يكن هو أكبر الأولاد بأن كانت هناك أنثى أو أكثر أكبر منه ، والمقصود هو الذكر الأكبر حال موت الأب وإن كان هناك من هو أكبر منه قد سبق الأبَ بالموت وتوفي في حياته ، فإذا كان لشخص ثلاثة أولاد ذكور مثلاً ومات أكبرهم في حياته ثم مات هو أي الأب بعده وجب القضاء على أوسط الأولاد الثلاثة لأنه وإن لم يكن أكبر أولاد الميت الا أنه أكبرهم حال موت الأب ، هذا هو المعروف بين الفقهاء وخالف السيد الصدر فأفتى بأن المقصود هو الولد الأكبر في الولادة لا حال الموت وعليه فلو مات الأكبر في الولادة في حياة الأب لم يجب على الأكبر حال وفاة الأب القضاء حينئذٍ لأنه ليس الأكبر في الولادة وإن كان الأكبر حال الوفاة .
3. إنما يجب قضاء ما فات الأب من صوم رمضان دون غيره وبشرط أن يكون قد وجب عليه قضاؤه في حياته ولم يقضِ حتى مات ، فما فات الأب من صيام شهر رمضان ووجب عليه قضاؤه ولم يقضِه فعلى الولد الذكر الأكبر أن يقضيه عنه بعد وفاته ، دون ما لم يجب قضاؤه كما إذا أفطر في شهر رمضان بسبب المرض واستمر به المرض حتى مات فقد تقدم في المسألة (1050) عدم وجوب القضاء عنه حينئذٍ .
4. يشترط أن يكون الولد الذكر الأكبر حال الموت مكلفاً فحينئذٍ يجب عليه القضاء ، أما لو كان حال موت الأب قاصراً أو مجنوناً لم يجب عليه القضاء بعد البلوغ أو العقل ، هذا رأي الماتن وهو خلاف الرأي المعروف من وجوب القضاء عليه بعد البلوغ والعقل .
5. يشترط أن لا يكون ممنوعاً من إرث أبيه ، فإن كان ممنوعاً من إرث أبيه كما لو كان قاتل أبيه بأن كان موت الأب بسبب قتل الولد الأكبر الذكر له فحينئذٍ لا يستحق أن يرث أباه كما هي القاعدة في الميراث أن القاتل لا يرث المقتول ، فإذا لم يستحق الإرث بسبب القتل لم يجب عليه القضاء عن أبيه ، وكذا لو كان حال موت الأب كافراً فإن الكفر مانع عن الإرث ، فإذا لم يستحق الإرث بسبب الكفر حال الموت لم يجب عليه القضاء وإن أسلم بعد ذلك .
6. لا بد من الصوم فلا تبرء ذمة الأب الا به كما لا يسقط التكليف عن الولد الذكر الأكبر الا به ، هذا هو المعروف الا أن الماتن أجاز التصدق عن كل يوم فات الأب بمد من الطعام بدل قضائه على الولد الأكبر سواء من ماله أو من تركة الأب لكن بشرط رضا الورثة لعدم وجوبه عليهم بل هو تكليف أكبر الذكور منهم .
7. يختص وجوب القضاء بما فات الأب عن عذر بأن كان معذوراً في إفطاره في شهر رمضان كما لو كان مسافراً أو مريضاً ، وهل يجب قضاء ما فات من دون عذر كما إذا كان إفطاره في شهر رمضان عن عصيان ؟
استشكل الماتن وغيره في وجوب القضاء الا أنه منع من الوجوب بعد ذلك فلا يجب على الولد الأكبر أن يقضي ذلك ، وكذا ما أتى به فاسداً بأن صام لكن تبين بطلان صومه فلا يجب على الولد الأكبر أن يقضي ذلك ، واحتاط السيد الخوئي وغيره لزوماً بالإلحاق فيجب القضاء أيضاً ، وأفتى به بعض الفقهاء كالشيخ الفياض فأوجب قضاء جميع ما فات الأب بعذر أو بغير عذر وإن كان عن عمد أو أتى به فاسداً .
قوله ( وقد تقدم في كتاب الصلاة بعض المسائل المتعلقة بالمقام ، لأن المقامين من باب واحد ) في المقصد السابع من كتاب الصلاة تحت عنوان صلاة القضاء المسألة (737) وما بعدها ويمكن تلخيص ذلك في نقاط :
1. لا يجب على الولد الأكبر أن يباشر قضاء ما فات أباه بنفسه ، بل يجوز أن يستأجر غيره للقضاء من ماله .
2. لو تبرع أحدٌ فقضى عن الميت سقط الوجوب عن الولد الأكبر ، وكذلك إذا أوصى الميت باستيجار شخص لقضاء فوائته وتم تنفيذ الوصية .
3. إذا شك في فوات شيء عن أبيه وأن ذمته هل مشتغلة بالصلاة أو الصوم لم يجب القضاء .
4. إذا علم بالفوت واشتغال ذمة الأب بالصلاة أو الصوم ولكن شك في مقدار الفائت جاز له الاقتصار على الأقل ولا يجب عليه الأكثر .
5. إذا علم بالفوت وشك أن الأب قضى في حياته أو لا وجب القضاء على الولد الأكبر لأن الأصل عدم القضاء .
6. بناء على اختصاص القضاء بما فات لعذر كما هو رأي الماتن ، إذا علم بالفوت ولكن شك هل فات عن عذر أو لا لم يجب القضاء
أما بناء على عدم اختصاص القضاء بما فات لعذر فيجب القضاء مطلقاً بمجرد العلم بالفوت .
7. لا يجب الفور والاستعجال في القضاء بل يجوز التراخي ما لم يبلغ حد الإهمال والتسامح في القضاء .
8. يراعي الولد الأكبر في قضائه تقليد نفسه لا تقليد أبيه مع اختلافهما في التقليد .
9. لو كان على الولد الأكبر فوائت وقضاء عن نفسه تخيّر في تقديم القضاء عن نفسه أو القضاء عن أبيه .
10. إذا مات الأكبر بعد موت أبيه وقبل القضاء عنه لم يجب القضاء على غيره من إخوته الأكبر فالأكبر القضاء لأنه واجب على الأكبر حال الموت لا على غيره ، كما لا يجب القضاء عن الأب من تركة الولد الأكبر .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:12 AM
مسألة 1059 : يجب التتابع في صوم الشهرين من كفارة الجمع وكفارة التخيير ، ويكفي في حصوله صوم الشهر الأول ، ويوم من الشهر الثاني متتابعا ، ويجوز التفريق بعد ذلك على اشكال فيما إذا لم يكن لعارض يعد عذرا عرفا .
---------------------
يجب في بعض الكفارات صيام شهرين ، ووجوبه في هذه الكفارات على أنحاء ثلاثة :
النحو الأول / على نحو التخيير بينه وبين غيره كما في كفارة الإفطار في شهر رمضان وهي : عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً ، فيتخير المكلف بين هذه الثلاث وتسمى بكفارة التخيير .
النحو الثاني / على نحو الجمع بينه - صيام الشهرين - وبين غيره كما في كفارة القتل العمدي وهي : عتق رقبة وصيام شهرين وإطعام ستين مسكيناً ، فيجب الجمع بين هذه الخصال وتسمى بكفارة الجمع ، وكذا كفارة الإفطار في شهر رمضان على محرم كالاستمناء فقد أوجب بعض الفقهاء الجمع بين العتق والإطعام والصيام فتكون كفارة جمع حينئذٍ وإن لم يوجب الماتن ذلك كما تقدم في المسألة (1009) في الفصل الثاني .
النحو الثالث / على نحو الترتيب بينه وبين غيره كما في كفارة الظهار وهي : عتق رقبة فإن لم يتيسر له ذلك صام شهرين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً ، وتسمى الكفارة المرتبة ، لأن الاختيار لم يترك للمكلف بل تجب عليه الخصال على سبيل الترتيب ، وكذا كفارة القتل الخطأ فهي كفارة ترتيب
وفي كل هذه الحالات يجب أن يكون الصيام شهرين هلاليين ، ولا إشكال في وجوب أن يكونا متتابعين ، ولكن ما المقصود من التتابع ، أو قل بأي شيء يتحقق التتابع في الشهرين ؟
فهل يجب التوالي في جميع أيام الشهرين من قبيل أن يصوم من أول شهر محرم إلى آخر صفر ، أو يمكن أن يتحقق بغير ذلك ؟
ذكروا بأنه يكفي في تحقق التتابع أن يصوم الشهر الأول ويوماً من الشهر الثاني على نحو التتابع ، ولا يضره بعد ذلك أن يأتي بباقي أيام الشهر الثاني متفرقات ، كما لو صام من أول محرم الى الأول من صفر فهذا كافٍ في تحقق التتابع ، ولا يجزئ غير ذلك ، فإذا أفطر قبل أن يمضي شهر ويوم من الشهر الثاني لم يجزئه ووجب أن يبدأ بالصيام من جديد ولا يحتسب ما سبق ويستثنى من ذلك ما إذا كان إفطاره لعذر كما إذا مرض أو اضطر إلى سفر مفاجئ كما في المسألة التالية أو نسي ان ينوي الصيام في بعض الأيام حتى فات الوقت ، وكذا إذا انتبه فجأة إلى أن العيد الذي يحرم صيامه يقع في خلال تلك المدة كما سيأتي في المسألة (1062) إن شاء الله ، ففي كل هذه الحالات يعود إلى الصيام بعد انتهاء العذر مكملاً ما مضى من صيامه ولا يستأنف ، أما إذا أفطر قبل تمام الشهر ويوم من دون عذر لم يجتزئ بما سبق واستأنف من جديد .
قوله ( ويجوز التفريق بعد ذلك على اشكال فيما إذا لم يكن لعارض يعد عذرا عرفا ) أي هذا الحكم وهو كفاية صيام الشهر الأول ويوم من الشهر الثاني في تحقق التتابع وإن كان المعروف بين الفقهاء أنه على إطلاقه فيشمل من كان قادراً على التتابع في كل الشهرين وغير القادر ، فحتى القادر على التتابع في كل الشهرين لا يجب عليه أن يأتي بهما متتابعين بل يجوز له التفريق في غير الأول من الشهر الثاني ، الا أن الماتن استشكل في هذا الإطلاق وشمول الحكم حتى للقادر ، فلا بد من اختصاص جواز تفريق باقي أيام الشهر الثاني بالمعذور غير القادر على التتابع فيها ، أما القادر على التتابع في كل الشهرين لا يمنعه من ذلك أي عذر فعليه التتابع في جميع أيام الشهرين ولا يجتزئ بالشهر الأول واليوم الأول من الشهر الثاني ، لكن هذا الكلام من الماتن يحمل على الاحتياط الاستحبابي ، لأن الإشكال مسبوق بالجواز وإذا قال الفقيه يجوز على إشكال ونحوه فهذا يعني أن الأشكال عبارة عن احتياط استحبابي ، وعليه فحاصل معنى هذه العبارة : أن الأحوط استحباباً في صيام الشهرين التتابع في جميع أيامهما الا مع حصول عارض يعد عرفاً عذراً مانعاً للمكلف عن التتابع في جميع الشهرين فيكفي أن يصوم الشهر الأول ويوماً من الشهر الثاني ويفرق باقي الأيام .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:13 AM
مسألة 1060 : كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر لعذر اضطر إليه بنى على ما مضى عند ارتفاعه ، وإن كان العذر بفعل المكلف إذا كان مضطرا إليه ، أما إذا لم يكن عن اضطرار وجب الاستئناف ، ومن العذر ما إذا نسي النية ، أو نسي فنوى صوما آخر إلى أن فات وقتها ، ومنه إذا نذر قبل تعلق الكفارة صوم كل خميس ، فإن تخلله في الأثناء لا يضر في التتابع بل يحسب من الكفارة أيضا إذا تعلق النذر بصوم يوم الخميس على الاطلاق ، ولا يجب عليه الانتقال إلى غير الصوم من الخصال .
------------------------
تقدمت الإشارة الى مضمون هذه المسألة في شرح المسألة السابقة ، وحاصل الكلام أنه يكفي في حصول التتابع في صيام الشهرين أن يصوم الشهر الأول ويوماً من الثاني ، ولا يجب أن يصوم كل أيام الشهرين متتابعات كما تقدم في المسألة السابقة ، ونبهنا على أن التتابع لا يتحقق بأقل من ذلك فلو صام شهراً كاملاً وأفطر في أول الشهر الثاني لم يتحقق التتابع فيجب عليه أن يصوم من جديد ويعتبر هذا الشهر الذي صامه لاغياً لا يحتسبه فضلاً عما إذا صام أقل من ذلك كعشرة أيام مثلاً ، لكن استثنينا ما إذا كان إخلاله بالتتابع وإفطاره قبل الشهر ويوم لعذر اضطر معه الى الإفطار كالمرض فحينئذٍ يصح منه ما صامه ويكمله متى ارتفع العذر فلو صام عشرين يوماً ومرِض فاضطر الى الإفطار لم يبطل صيام العشرين يوماً بل يحتسبه ويكمله بعد ارتفاع المرض ، وهو مقصود الماتن في هذه المسألة فقال ( كل ما يشترط فيه التتابع ) من الصوم كالشهرين في الكفارة أو في النذر كما في المسألة التالية ( إذا أفطر ) بعد أن صام أقل من شهر ويوم ، وكان إفطاره ( لعذر اضطر إليه ) كالمرض أو السفر أو نسيان النية ( بنى على ما مضى عند ارتفاعه ) أي عند ارتفاع العذر يبني ويكمل ما مضى من الصوم ولا يعتبر باطلاً لأنه معذور في عدم إتمام الشهر ويوم ( وإن كان العذر بفعل المكلف إذا كان مضطرا إليه ) أي حتى لو كان هذا العذر قد حصل باختيار المكلف كما إذا سافر فهو عذر لعدم صحة الصوم في السفر ، وهو عذر اختياري قد أحدثه المكلف باختياره وليس كالمرض الذي يصيبه من دون اختيار ، مع ذلك لا يخل هذا العذر بالتتابع فيبني على ما مضى بعد الرجوع من السفر شريطة أن يكون مضطراً اليه لا لمجرد الهروب من الصوم ، فلو صام عشرة أيام ثم سافر هروباً من إكمال الشهر ويوم لم يكن ذلك عذراً وبطل ما سبق فلا يبني عليه لعدم اضطراره الى السفر لذا قال ( أما إذا لم يكن عن اضطرار وجب الاستئناف ) وبعبارة أخرى العذر هو السفر الاضطراري دون الاختياري .
ومن جملة الأعذار مضافاً الى المرض والسفر : الحيض والنفاس فطروهما أثناء الشهر الأول لا يخل بالتتابع بل تبني على ماسبقهما وتكمله بعد ارتفاعهما ، ومن الأعذار أيضاً ما إذا نسي النية في أحد الأيام حتى فات وقتها وهو الزوال - لأن صوم الكفارة واجب غير معين وقد تقدم في فصل النية في المسألة (976) أن الواجب غير المعين يمتد وقت النية فيه الى الزوال - ، فعدم صيام ذلك اليوم لنسيان النية لا يُبطل ما سبقه بل يتم في اليوم التالي لأن نسيان النية عذر ، كما إذا صام عشرة أيام وفي اليوم الحادي عشر نسي أن ينويه حتى فات الزوال الذي هو وقت تضيق نية الكفارة فهذا لا يعني بطلان ما سبق .
ومن الأعذار أيضاً ما إذا نسي في أحد الأيام كاليوم الحادي عشر فنوى صوماً آخر غير الكفارة كالندب أو القضاء ولم يتذكر إلا بعد الزوال ، فتخلل هذا اليوم لا يضر بالتتابع لأن النسيان عذر .
ومن الأعذار ما إذا كان قد نذر قبل وجوب الكفارة وصيام الشهرين عليه أن يصوم كل خميس مثلاً ، كما إذا نذر في شعبان أن يصوم كل خميس ثم في رمضان أفطر عمداً فوجبت عليه الكفارة فاختار صيام الشهرين في امتثالها ، ففي الشهر الأول وفي كل خميس منه هل يصوم بنية النذر أم يصوم بنية الكفارة ؟
الجواب / له أن يصوم بنية النذر فيحسب له صيام ذلك اليوم من النذر لا من الكفارة ، ولا يضر بالتتابع لأنه معذور باعتبار وجوب الوفاء بالنذر عليه ، كما له أن يصوم الخميس بنية الكفارة ويعتبر ذلك امتثالاً للنذر لأنه نذر أن يصوم كل خميس وهو بصومه الخميس بنية الكفارة قد صام كل خميس فتحقق الوفاء بالنذر وإن كان بنية الكفارة ، لكن يختص ذلك بما إذا كان النذر مطلقاً أي عندما نذر أن يصوم كل خميس لم يَشترط أن يكون صوم الخميس بنية النذر بل أطلق وكان قصده أن يصوم كل خميس بأي نية وبأي نوع من أنواع الصوم فحينئذٍ يجوز أن يصومه بنية الكفارة فيقع امتثالاً لكل من النذر والكفارة ، وهو معنى قوله ( إذا تعلق النذر بصوم يوم الخميس على الاطلاق ) أي من دون تخصيصه بكون الصوم بنية النذر بل كان يقصد مطلق الصوم بأي نوع منه وأن المهم عنده أن لا يكون مفطراً في يوم الخميس ، أما إذا لم يكن النذر مطلقاً وكان عندما نذر يقصد الصوم بنية النذر خاصة دون غيره لم يصح أن يصوم الخميس بنية الكفارة بل يصومه بنية النذر فحينئذٍ يحسب له من النذر لا من الكفارة لكن لا يخل بالتتابع .
وقد تسأل / أنه في مثل هذه الحالة وهي ما لو كان قد نذر قبل وجوب الكفارة لماذا يختار التكفير بالصوم وهو يعلم أنه مطالب بالنذر في كل خميس ، أليس عليه أن يختار العتق أو إطعام ستين مسكيناً فلا يقع في هذه المشكلة وهي تعارض صوم النذر والكفارة ؟
الجواب / لا يجب عليه اختيار غير الصوم ويجوز له اختيار التكفير بصوم الشهرين حتى مع علمه بحصول التعارض مع النذر ، لما تقدم من أن العذر لا يضر بالتتابع وإن أحدثه المكلف باختياره .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:14 AM
مسألة 1061 : إذا نذر صوم شهرين متتابعين جرى عليه الحكم المذكور ، إلا أن يقصد تتابع جميع أيامها .
---------------------
إذا نذر أن يصوم شهرين متتابعين ، فما المقصود من التتابع هنا وبأي وجه يتحقق الوفاء بالنذر ؟
الجواب / ذلك يتبع مقصوده حال النذر فما كان يقصده من التتابع حال النذر يجب عليه مراعاته حال الصوم فلو كان مقصوده التتابع في جميع أيام الشهرين وجب عليه ذلك بمقتضى النذر ، وكذا إذا قصد شيئاً آخر كالتتابع في شهر واحد أو شهر ونصف وهكذا ، فإن لم يقصد شيئاً معيناً بل أطلق لفظة التتابع حال النذر من دون أن يستحضر معنى معيناً حال النذر فحينئذٍ انصرف معناها الى المعنى الشرعي المتقدم وهو أن يصوم شهراً ويوماً بالتتابع وله تفريق الباقي .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:14 AM
مسألة 1062 : إذا وجب عليه صوم متتابع لا يجوز له أن يشرع فيه في زمان يعلم انه لا يسلم بتخلل عيد أو نحوه ، نعم إذا كان غافلا أو جاهلا مركبا قاصرا فلا بأس به ، أما إذا كان مقصرا أو شاكا فالظاهر البطلان وقد يستثنى من ذلك مورد واحد وهو صوم الثلاثة بدل الهدي فيقال أن له أن يشرع فيه يوم التروية ويأتي بالثاني يوم عرفة وبالثالث بعد العيد بلا فصل ، أو بعد أيام التشريق لمن كان بمنى ، ولكن هذا الاستثناء محل اشكال ، والأحوط لزوما لمن فاته صوم جميعها قبل يوم العيد أن يأتي بها متتابعا بعد ذلك .
---------------------
إذا وجب عليه صوم مشروط بالتتابع كصوم الشهرين في الكفارة ، أو الثلاثة أيام في كفارة اليمين والصوم المنذور المعيّن ، أو الصوم المنذور فيه التتابع ، وكصيام الثلاثة أيام بدل الهدي في الحج لمن لم يقدر عليه ، وهكذا كل صوم مشروط بالتتابع ، وجب على المكلف عند الشروع في الصوم أن يتحرّى زماناً يسلم فيه الصوم من الانقطاع ويستطيع فيه من تحقيق التتابع فلا يجوز أن يبدأ صيام شهري الكفارة في الأول من ذي الحجة مثلاً لأنه يعلم حرمة صيام يوم العيد وهو العاشر من ذي الحجة فلا بد من الإفطار فيه فإذا أفطره انقطع التتابع فبطل ما سبق عليه ووجب عليه استئناف الصوم من جديد وليس ذلك عذراً كالمرض والسفر لأنه هو الذي تسبب بانقطاع التتابع بسوء اختياره لزمان الصوم ، فيجب أن يشرع فيه في زمان يحرز حصول التتابع المطلوب شرعاً .
هذا لو كان يعلم بانقطاع التتابع أما إذا كان غافلاً عن ذلك بأن شرع في الصوم وهو غير ملتفت الى أن التتابع سينقطع وتفاجئ به بعد ذلك صح صومه ، فالغفلة عذر ومع العذر لا ينقطع التتابع .
وكذا الجاهل بانقطاع التتابع بأن كان يجهل تخلل يوم العيد مثلاً لأيام الصوم فالجهل عذر كالغفلة ، شريطة أن يكون قاصراً في جهله غير مقصر والا لم يكن معذوراً ، وقوله مركباً أي يعتقد خلاف الواقع ويحسب نفسه عالماً وهو جاهل واقعاً ، والمقصود أنه كان يعتقد عدم انقطاع التتابع وعندما شرع في الصوم شرع فيه على أساس عدم الانقطاع الا أن الواقع خلاف ذلك ، فإذا ابتدأ بصوم الشهرين المتتابعين وهو يعتقد سلامة الأيام من الموانع ، واستمر به الاعتقاد إلى أن وصل وقت المانع ، فيصح صومه الماضي ويبني عليه صيام الباقي بعد انتهاء المانع .
وفي حكم المقصرِ الشاكُ وهو الذي شرع في الصوم وهو يحتمل أن التتابع سينقطع فاستمر في صومه حتى انقطع التتابع فعلاً فلا يكون معذوراً لعدم إحرازه استمرار التتابع عند شروعه في الصوم .
ثم إن الفقهاء استثنوا من بطلان الصوم لمن شرع فيه وهو يعلم بعدم حصول التتابع موردين حكموا فيهما بصحة الصوم وإن كان المكلف يعلم حال الشروع به أن التتابع لا يسلم من الانقطاع ، وهذا الموردان هما :
1. في كفارة القتل في الأشهر الحرم فإنه يجب على القاتل صوم شهرين من الأشهر الحرم كذي الحجة ومحرم ولا يضره تخلل العيد بل يجب عليه صوم يوم العيد أيضاً فحرمة العيد ترتفع بالنسبة اليه ، وهناك من ذهب الى عدم جواز صوم يوم العيد بل يفطر فيه لكن ذلك لا يخل بالتتابع فيصوم بعد ذلك .
2. الثلاثة أيام بدل الهدي في الحج ، فإن الحاج غير المتمكن من الهدي يجب عليه صيام عشرة أيام ، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع الى أهله ، ويشترط في الثلاثة التتابع ، لكنهم ذكروا جواز أن يشرع فيها يوم التروية وعرفة أي الثامن والتاسع من ذي الحجة ويفطر في اليوم العاشر لأنه يوم عيد ثم يأتي باليوم الثالث بعد العيد بلا فصل لعدم جواز صوم يوم العيد ، أو بعد أيام التشريق وهي ( 11 ، 12 ، 13 ) من ذي الحجة لمن كان بمنى لعدم جواز صوم أيام التشريق لمن كان بمنى ، فشروعه في الصوم في اليوم الثامن مع علمه بأن التتابع لا يسلم له غير مضر ، وذكروا أن الجواز مختص بما إذا شرع في الصوم يوم التروية أي في اليوم الثامن من ذي الحجة ثم يصوم يوم عرفة أي التاسع ويؤجل صوم اليوم الثالث بعد العيد أو بعد أيام التشريق لمن كان بمنى ، فلا يجوز أن يشرع يوم عرفة ويؤجل يومين بعد العيد بل إما أن يصوم الثلاثة كلها قبل العيد أو كلها بعد العيد أو يصوم يومي التروية وعرفة ويؤجل الثالث الى ما بعد العيد .
هذا ما ذكره الفقهاء من استثناء هذين الموردين من عدم جواز الشروع في الصوم المشروط فيه التتابع لمن يعلم أن التتابع سينقطع
الا أن الماتن لم يتعرض الى الأول ، واستشكل في الثاني ، وربما عدم تعرضه للأول لأنه ليس فيه انقطاع حتى يكون مستثنى بل يجب في ذلك المورد صيام يوم العيد أيضاً فلا انقطاع ولذا وصف الماتن المورد الثاني بأنه المورد الوحيد المستثنى فقال ( وقد يستثنى من ذلك مورد واحد وهو صوم الثلاثة بدل الهدي ) لوجوب إفطار يوم العيد فينقطع التتابع فيصدق الاستثناء بخلاف المورد الأول فيجب صيام يوم العيد أيضاً فلا ينقطع التتابع حتى يعد استثناءً ، نعم على القول بحرمة صوم يوم العيد حتى لمن يصوم كفارة عن القتل يعد المورد الأول استثناء أيضاً
ومعنى استشكال الماتن في المورد الثاني أن ما ذكروه من جواز صوم يومي التروية وعرفة وتأجيل اليوم الثالث الى ما بعد العيد أو أيام التشريق فيه إشكال لأنه يعلم أن التتابع سينقطع بحلول يوم العيد ووجوب إفطاره ، وعليه فإما يصوم الأيام الثلاثة جميعها قبل العيد أو يصومها جميعها بعد العيد بل ذكر أن الأحوط لمن لم يتمكن من الهدي أن يصوم في اليوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة فلا يقدم الصوم عليها ولا يؤخره على يوم العيد فإن لم يفعل وجب عليه صيامها جميعاً بالتتابع بعد العيد أو أيام التشريق وهذا ما ذكره صريحاً في كتابه مناسك الحج في المسألة (393) قال : ( إذا لم يتمكن من الهدي ولا من ثمنه صام بدلا عنه عشرة أيام ، يأتي بثلاثة منها في شهر ذي الحجة والأحوط أن يكون ذلك في اليوم السابع والثامن والتاسع ولا يقدمه عليها ويأتي بالسبعة المتبقية إذا رجع إلى بلده ) ثم ذكر في المسألة (394) : ( المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج ، إذا فاته صوم جميعها قبل يوم العيد لم يجزئه على الأحوط أن يصومها في اليوم الثامن والتاسع ويوما آخر بعد رجوعه إلى منى ) في إشارة الى استشكاله في الحكم بالاستثناء هنا ، بينما باقي الفقهاء ذكروا في نفس تلك المسألة ما يتوافق مع استثنائهم هنا فقالوا ( المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج ولم يتمكن من الصوم في اليوم السابع صام الثامن والتاسع ويوما آخر بعد رجوعه من منى ولو لم يتمكن في اليوم الثامن أخر جميعها إلى ما بعد رجوعه من منى ) في إشارة الى ما ذهبوا اليه من استثناء المورد الثاني هنا ، نعم وافق بعض الفقهاء السيد الماتن في استشكاله في استثناء المورد الثاني كالشيخ الفياض فأفتى بعد جواز صيام يومي التروية وعرفة وتأجيل الثالث الى ما بعد العيد ، وكذا الشيخ الخراساني فاحتاط وجوباً بالإتيان بصوم الثلاثة بعد العيد إن لم يتمكن من صيام جميعها قبل العيد .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:15 AM
مسألة 1063 : إذا نذر أن يصوم شهرا أو أياما معدودة لم يجب التتابع ، إلا مع اشتراط التتابع ، أو الانصراف إليه على وجه يرجع إلى التقييد .
--------------------------
إذا نذر أن يصوم أياماً كثلاثة أيام أو شهراً أو شهرين فإما أن ينذر التتابع فيها أو ينذر عدم التتابع أو يطلق النذر ، فهذه ثلاث صور :
الصورة الأولى / أن ينذر التتابع في صيام تلك الأيام فحينئذٍ يجب عليه صيامها متتابعات ولا يجزئ تفريقها والا لم يتحقق الوفاء بالنذر ، وقد تقدم في المسألة (1061) أن التتابع يكون بحسب قصده ، وإذا نذر صوم شهرين ولم يقصد تتابع جميع أيامها انصرف التتابع الى المعنى الشرعي وهو صيام الشهر الأول ويوم من الشهر الثاني .
الصورة الثانية / أن ينذر عدم التتابع فيتعلق النذر بصيام أيام متفرقات كما لو نذر أن يصوم ثلاثة أيام في أول الشهر ووسطه وآخره ، فحينئذٍ يجب صيامها متفرقات ولا يتحقق الوفاء بالنذر بصومها متتالية ، عكس الصورة السابقة .
الصورة الثالثة / أن يطلق النذر أي ينذر صوم ثلاثة أيام مثلاً ولا يتعرض لكونها متتالية أو لا فلا يشترط كونها متتابعة ولا يشترط كونها متفرقة ، فحينئذٍ لا يتعين عليه التتابع ولا التفريق فيجوز أن يصومها متتابعة ومتفرقة لأنه لم يشترط كيفية خاصة حال النذر ، فحكم إطلاق النذر وعدم قصد كيفية خاصة لا التتابع والتفريق هو جواز كل منهما ما لم يكن هناك انصراف الى التتابع مثلاً فحينئذٍ يجب وإن أطلق ، والمقصود من الانصراف التعارف مثلاً ونحو ذلك بأن يكون من المتعارف أن من يطلق نذر صوم أيام فإن إطلاقه يفسر بالتتابع ونحو ذلك فحينئذٍ يجب التتابع وإن لم يشترطه صريحاً كما إذا نذر أن يصوم أسبوعاً فالعرف يفهم وجوب صوم سبعة أيام متتالية فهذا معنى الأسبوع ولا يفهم العرف أن المقصود من الأسبوع سبعة أيام ولو متفرقة .
مولى أبي تراب
02-10-2012, 11:16 AM
مسألة 1064 : إذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع فالأحوط الأولى التتابع في قضائه .
-----------------------
إذا نذر أن يصوم أياماً فلا يخلو إما أن يكون النذر غير معين كما إذا نذر أن يصوم ثلاثة أيام فحينئذٍ يصومها متى شاء ولا وقت خاص للوفاء بالنذر حتى إذا فات وجب القضاء بعده فلا يتصور القضاء في النذر غير المعين
وإما أن يكون النذر معيناً ، وحينئذٍ لا يخلو إما أن ينذرها غير متتابعات كما إذا نذر أن يصوم ثلاثة أيام من شهر رجب أوله ووسطه وآخره ، أو ينذرها متتابعات كما إذا نذر أن يصوم اليوم الأول والثاني والثالث من شهر رجب أو صوم الأيام البيض
وعلى كلا التقديرين إذا لم يصم في الوقت المعين وجب عليه القضاء بعد ذلك ، ولا خلاف في عدم وجوب التتابع في الصورة الأولى وهي ما لو نذرها غير متتابعات فلم يكن التتابع مشترطاً في الأداء حتى يجب في القضاء ، وأما في الصورة الثانية وهي ما لو نذر صيام أول ثلاثة أيام من رجب تتابعاً فإذا لم يصم فهل يجب عليه أن يقضيها بالتتابع أيضاً ؟
الجواب / اشترط بعض الفقهاء أن يكون القضاء بالتتابع لأنه نذرها متتابعات فكان يشترط التتابع في الأداء وحيث أن القضاء يجب أن يكون كالأداء وجب التتابع في القضاء أيضاً ، واحتاط بهذا القول وجوباً بعض الفقهاء كالسيد اليزدي والسيد محسن الحكيم والسيد الصدر ، نعم ذهب السيد الصدر الى أن قضاء النذر المعين إذا فات غير واجب أصلاً بل هو مستحب لكن إذا أراد تطبيق هذا الاستحباب فالأحوط وجوباً أن يقضي بالتتابع والمعروف وجوب القضاء وإنما الخلاف في أنه هل يشترط فيه التتابع فيما لو كان شرطاً في الأداء أو لا ؟
وفي مقابل هذا القول الذي يرى وجوب التتابع في القضاء إذا كان التتابع شرطاً في الأداء ذهب جملة من الفقهاء كالسيد الخوئي والماتن وغيرهما الى عدم الوجوب وإن كان أحوط استحباباً ، لأن التتابع وجب في الأداء بسبب النذر كذلك أما القضاء فهو أمر جديد وليس بالضرورة أن تجري فيه جميع خصائص الأداء .
مولى أبي تراب
03-10-2012, 04:18 PM
مسألة 1065 : الصوم من المستحبات المؤكدة ، وقد ورد أنه جنة من النار ، وزكاة الأبدان ، وبه يدخل العبد الجنة ، وإن نوم الصائم عبادة ونفسه وصمته تسبيح ، وعمله متقبل ، ودعاءه مستجاب ، وخلوق فمه عند الله تعالى أطيب من رائحة المسلك ، وتدعو له الملائكة حتى يفطر ، وله فرحتان فرحة عند الافطار ، وفرحة حين يلقى الله تعالى . وأفراده كثيرة وعد من المؤكد منه صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، والأفضل في كيفيتها أول خميس من الشهر ، وآخر خميس منه ، وأول أربعاء من العشر الأواسط ، ويوم الغدير ، فإنه يعدل كما في بعض الروايات مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات ، ويوم مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويوم بعثه ، ويوم دحو الأرض ، وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة ، ويوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال ، ويوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة وتمام رجب ، وتمام شعبان وبعض كل منهما على اختلاف الأبعاض في مراتب الفضل ، ويوم النوروز ، وأول يوم محرم وثالثه وسابعه ، وكل خميس وكل جمعة إذا لم يصادفا عيدا .
-------------------------
يقسم الصوم الى أربعة أقسام : الواجب ، والمستحب ، والمكروه ، والحرام
أما الواجب فأنواع تقدم التعرض لها في مطاوي الفصول السابقة كصوم شهر رمضان ، وصوم الكفارة ، وصوم القضاء ، وصوم بدل الهدي في حج التمتع ، وصوم النذر والعهد واليمين ، والملتزم بشرط أو إجارة ، وصوم اليوم الثالث من أيام الاعتكاف
وسيأتي التعرض الى بعض أنواع المكروه في المسألة التالية ، والحرام في المسألة التي بعدها إن شاء الله تعالى
وفي هذه المسألة تعرض الى بعض أنواع الصوم المندوب
قوله ( ويوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء مع عدم الشك في الهلال ) أي إنما يستحب صيام يوم عرفة بشرطين : الأول / أن لا يتسبب الصوم في ضعف المكلف عن الدعاء بحيث إذا صام لم تكن له قابلية على الدعاء فإن يوم عرفة يوم الدعاء والتضرع الى الله فإذا كان الصوم يحول دون ذلك لم يستحب بل هو مكروه حينئذٍ . الثاني / أن يحصل الاطمئنان بأنه يوم عرفة وذلك بحصول العلم أو الاطمئنان بأول دخول الشهر وثبوت الهلال أما مع الشك في دخول الشهر والشك في ثبوت الهلال في أوله بحيث يحتمل المكلف أن يوم عرفة هو يوم العيد الذي يحرم صومه فلا يستحب صوم يوم عرفة حينئذٍ لاحتمال أن يقع الصوم في يوم العيد فيكره حينئذٍ صيام يوم عرفة ، كما إذا احتملنا أن أول ذي الحجة يصادف الثلاثاء مثلاً لكن لم نستطع رؤية الهلال لغيم ونحوه فأتممنا عدة الشهر وحكمنا بأن أول ذي الحجة هو الأربعاء فعلى ذلك سيصادف عرفة يوم الخميس ، لكن يحتمل أن يوم الخميس هو يوم العيد أيضاً وليس يوم عرفة لاحتمال أن الثلاثاء هو أول ذي الحجة ومنعنا الغيم عن رؤية الهلال في ليلته ، فحينئذٍ يكره صوم يوم الخميس الذي بحسب الظاهر هو يوم عرفة لاحتمال أنه يوم العيد .
قوله ( وتمام رجب ، وتمام شعبان وبعض كل منهما على اختلاف الأبعاض في مراتب الفضل ) أي يستحب صيام تمام شهر رجب وتمام شهر شعبان ، كما يستحب صيام بعضهما أي بعض الأيام من رجب وبعض الأيام من شعبان ، وصيام بعض أيامهما أفضل من صيام البعض الآخر كأفضلية صيام الأيام البيض على غيرها من أيام رجب وشعبان وهو معنى الاختلاف في مراتب الفضل .
قوله ( وكل خميس وكل جمعة إذا لم يصادفا عيدا ) أي يستحب صيام كل خميس وكل جمعة من كل أسبوع بشرط أن لا يمنع مانع من صيامهما كما إذا صادف أحدهما يوم العيد فإنه يحرم صيام يوم العيد كما سيأتي في المسألة (1067) ، وكذا إذا صادفا أيام التشريق وهي ( 11 ، 12 ، 13 ) من ذي الحجة فإنه يحرم صيام هذه الأيام لمن كان بمنى .
مولى أبي تراب
03-10-2012, 04:21 PM
مسألة 1066 : يكره الصوم في موارد : منها الصوم يوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء ، والصوم فيه مع الشك في الهلال ، بحيث يحتمل كونه عيدا أضحى ، وصوم الضيف تطوعا أو لواجب غير معين بدون إذن مضيفه ، وصوم الولد نافلة من غير إذن والده .
---------------------
في هذه المسألة ذكر الماتن بعض أفراد الصوم المكروه ، والمقصود بالكراهة ليس كراهة نفس الفعل أي الصوم فإن الصوم راجح ومحبوب في نفسه بل لا بد من تفسير الكراهة إما بحملها على أقلية الثواب أو بالنظر الى العوارض الخارجية ونحو ذلك .
قوله ( وصوم الضيف تطوعا أو لواجب غير معين بدون إذن مضيفه ) رعاية لجانب المضيّف لئلا يتأذى بصيام ضيفه ونحو ذلك ، ولو أذن له ارتفعت الكراهة .
قوله ( وصوم الولد نافلة من غير إذن والده ) أي يكره أن يصوم الولد صوماً مستحباً من دون استئذان والده ، وقال بعض الفقهاء إذا أوجب ذلك أذية أحد الوالدين من باب الشفقة على الولد من الصوم حرم على الولد التطوع بالصوم حينئذٍ .
مولى أبي تراب
03-10-2012, 04:28 PM
مسألة 1067 : يحرم صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا كان أم لا ، ويوم الشك على أنه من شهر رمضان ، ونذر المعصية بأن ينذر الصوم على تقدير فعل الحرام شكرا ، أما زجرا فلا بأس به ، وصوم الوصال . ولا بأس بتأخير الافطار ولو إلى الليلة الثانية إذا لم يكن عن نية الصوم ، والأحوط استحبابا اجتنابه ، والأحوط أن لا تصوم الزوجة تطوعا أو لواجب غير معين بدون إذن الزوج وإن كان الأقوى جوازه إذا لم يمنع عن حقه ولا يترك الاحتياط بتركها الصوم إذا نهاها زوجها عنه وإن لم يكن مزاحما لحقه
---------------------
في هذه المسألة ذكر أنواع الصوم المحرّم وهي :
1. صوم العيدين : وهما الأول من شوال والعاشر من ذي الحجة فيحرم صوم هذين اليومين ، ولا خلاف في حرمة صومهما بين المسلمين ، واستثنى بعض الفقهاء القاتل في الأشهر الحرم فإنه يصوم شهرين متتابعين في الأشهر الحرم ولو استلزم ذلك صوم العيد وقيل بل يفطر العيد ولا يخل ذلك بالتتابع كما تقدم الكلام في ذلك في المسألة (1062) .
2. صوم أيام التشريق لمن كان بمنى وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة فتسمى بأيام التشريق ، وقيل سميت بأيام التشريق لأن الشمس فيها تشرق على دماء الأضاحي فيكون لها لمعان وإشراق ، وعلى أي حال لا تختص الحرمة بالناسك أي المتلبس بالإحرام للحج أو العمرة بل كل من كان بمنى يحرم عليه صيام أيام التشريق ، ولا حرمة على من لم يكن بمنى .
3. صوم يوم الشك وهو آخر شعبان بنية رمضان فهذه النية محرمة لعدم ثبوت رمضان بل إما يصومه بقصد الواقع أو بقصد شعبان فإذا صادف رمضاناً احتسب منه كما تقدم الكلام في ذلك في فصل النية .
4. صوم نذر المعصية شكراً أي ينذر إن مكّنه الله من فعل الحرام كقتل مؤمن مثلاً يصوم الى الله من باب الشكر ، وهذا النذر والصوم حرام ، نعم نذر المعصية زجراً جائز بأن ينذر إن فعل معصية يصوم الى الله تعالى زجراً لنفسه وتأديباً وعقوبة لها .
5. صوم الوصال بأن يبقى مستمراً على نية صوم النهار الى ما بعد دخول الليل فيصِل الليل بالنهار في نية الصوم ، سواء استمر عليها طيلة الليل أو بعضه ، ويكفي لعدم تحقق صوم الوصال أن ينوي الإفطار عن تحقق الغروب ولو لم يفطر فعلاً فليس من الوصال من نوى الإفطار عند الغروب ولم يأكل ولم يشرب ، فالوصال يتحقق بنية الصوم لا بعدم الأكل والشرب حتى الليل ، فيجوز أن لا يأكل شيئاً ولا يشرب ولا يفعل المفطرات عند دخول الليل ما دام نوى الإفطار وترك العزم على الصوم ، نعم الأحوط استحباباً أن لا يفعل ذلك أي تأخير تناول المفطر .
ثم ليس من الوصال الاحتياط بعدم الإفطار بضعة دقائق بعد الغروب حتى يحصل اليقين بدخول الليل .
6. صوم الزوجة تطوعاً من دون إذن الزوج لما فيه من منافاة حقه فمع الإذن ترتفع الحرمة هكذا ذكر بعض الفقهاء ، الا أن الماتن وغيره أفتى بعدم الحرمة ما دام الصوم غير مناف لحقه كما إذا كان هو أيضاً صائماً أو كان مريضاً ونحو ذلك .
.
الى هنا نكون قد فرغنا من شرح كتاب الصوم
أسأل الله أن ينفع به كما نفع بأصله
وأن يغفر لي ما فيه من سهو وزلل وخطأ
فإنه لا عاصم الا من عصم
مولى أبي تراب
03-10-2012, 04:29 PM
والحمد لله رب العالمين
-----------------------
وصلى الله على خير خلقه وسيد رسله : ( مُحَمّدٍ )
وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين المنتجبين
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2025
Jannat Alhusain Network © 2025