Basij
22-07-2012, 10:16 PM
http://upload.qawem.org//uploads/images/qawem.org-d60ed3ca75.jpg
" آن لجسدِ أبي حسنٍ أن يرتاح ، وآن لروحه الوثّابة الثائرة أن تهدأ ، وآن للعاشق أن يصل(...) ليس مفاجئًا أن يُستَشهد أبو حسن ،وإنما المفاجئ أن يبقى حيًا إلى مثل هذا اليوم ، فأبو حسن حمل دمه على كفه ، واتخذ قرار الشهادة منذ زمنٍ طويل ، وشاء الله تعالى أن يمدَّ في عمره ليملأ الساحة جهادًا وتضحيًة وعطاءً ونبلاً وشرفًا ورجوليةً وشهامةً (...) وهو الأب الحنون العطوف ، والأخ الودود الرؤوم..."
سماحة السيد حسن نصر الله
أيُّ قلمٍ هذا الذي يذرف كلماته ليدّون على خلّو الصفحات ، مقتطفات من سيرة رجلٍ عاش في قلب التاريخ ، وضخَّ في سطوره أسمى معاني الإيثار والتضحية .. " أبو حسن سلامة " اسم يختصر مراحل الكفاح. ففي كل حرفٍ من حروف اسمه نلمحُ أبطالاً ؛ مقاومين عبروا الليل على أوتار الموت.. وشهداء نبتوا شقائق نعمان في حقول الأفئدة الحزينة..
ومن الصعب جدًا الاقتراب من شخص الشهيد " علي ديب" للتحدث عنه كإنسانٍ له في الحياة بعض الزوايا الخاصة والشخصية ، لأنه تمازج ومسيرة المقاومة منذ انطلاقتها ، وذوّب روحه في خطّ الإمام الخميني (قده) حتى صار رجلاً يتنفس ، ويتكلم ، ويسمع ويرى الجهاد والمقاومة..
فمن كونين التي مزّق الاحتلال الصهيوني نقاب عزّها ، جاء " علي ديب " ، وقد أنهكت كاهله الجراح ، وهو لا يزال فتىً صغيرًا ، فشرّع نوافذ أيامه الآتية لرياح الغضب ليمحو سياط الذّل التي حفرت أخاديد القهر على ظهور الفقراء والمستضعفين ..
ولأنه عاش في زمن الحرب ، لم يعرف أبو حسن في حياته غير البندقية والرصاص ، ومن شوارع الضاحية الجنوبية ، عرين الأسود ، كانت الانطلاقة : ففي العام 1970 ، حمل السلاح وهو لا يتجاوز الرابعة عشرة من العمر، فكان يبحث في زواريب بيروت عن معنى الحياة ويتطلّع إلى القدس المسبية بعين القلب ، يجذّ خطاه في دروب الموت ، يحمل قنديل الدّم لينير أرصفة الثورة والكفاح . فوقف جنبًا إلى جنب مع الفلسطينيين المقاتلين في سبيل الرجوع إلى أرضهم التي أبعدوا عنها ، وتماسكت يده مع أيديهم ليمزقوا السياج الصهيوني الذي نبت على المفاصل الواهنة في جسم لبنان الملتهب بالحروب ..فخاض العديد من المعارك مسجلاً العديد من المواقف البطولية على صفحات المواجهات الدامية مع العدو الصهيوني ، وقد عُرفَ آنذاك باسم " خضر سلامة " .. وكان من أوائل المشاركين في التصدي للاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978 ..
وفي عام 1979 ، كان انتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية العظيم ، إشراقة أمل على جبين المجاهدين الشرفاء ، الذين يتطلّعون نحو شمس الحرية بين غيوم الظلم والقتل والدمار.. ولم يكن اسم الإمام الخميني(قده) بالنسبة لـ " خضر سلامة " ورفاقه ، حدثًا أثّر على العالم اجمع فحسب ، بل بوابة عبور إلى الميناء الذي تهفو إليه قلوبهم العابقة بالثورة الحسينية ، ومبادئها التائقة إلى مرشدٍ بحجم المرحلة والصراع..
ولم تكن الحياة تعني لأبي حسن ، سوى صارية سفرٍ فَرَدَ عليها شراع عشقه لله ليبحر إليه ، ولم تكن أيامها بالنسبة إليه سوى حفنة بارود ملأت يده ، ولوّن بها وجدانه وقلبه .. حتى عندما أراد أن يتزوج ، طلبت إليه زوجته أن يترك السلاح، أو أن يفرّغ القليل من وقته لنفسه ، فرفض ، وأخبرها أنه لن يترك طريق الجهاد حتى يلاقي ربه شهيدًا ، فازدادت إعجابًا به وبشخصيته الفذة ، وقراراته الحاسمة، فحولها طوال سني حياتهما إلى امرأة مجاهدة آزرته في كل محن الحياة ..
وبين لهيب النار ، ودخان الحرب الحارقة ، في العام 1982 ؛ تخاذل الكثيرون أمام دبابات الجيش الاسرائيلي القادمة على جماجم الأبرياء والمظلومين ، قاد "أبو حسن" التصدي البطولية على محور خلدة ، وساققاس الملالة التي غنهما المجاهدون ، وقد جاء بخوذة إسرائيلي مليئة بالدّم ، ووضعها أمام ولديه الصغيرين " حسن " و " حسين " ، قائلاً لهما : هذه خوذة يهودي مليئة بالدّماء .. إنه عدّو لنا .. " ، وقد أراد الشهيد أبو حسين ، أن يعلّم أبنيه ، منذ نعومة أظفافرهما ، الهدف الذي كرّس لأجله حياته ، وحياتهما ، ليكونا مثله ؛ هو الذي لم يعش الحياة إلا وقد حمل جعبة الموت.. و " شارك بفعالية في معارك معمل الزجاج ومفرق بشامون ، وعلى محور كنيسة مارمخايل حيث بذل مجهودًا مكثفًا لصدّ المحاولات الإسرائيلية للدخول إلى العاصمة بيروت ... " (*) ، وعلى الرغم من تخلّي الكثيرين عن أولئك المجاهدين، معتبرين أن مقارعة جيشًٍا كجيش اسرائيل ، ضربًا من الجنون ، فقد استطاعت هذه القلّة من المخلصين ، الذين شكلّوا النواة الأولى لجسم حزب الله ، أن تشق دروب النصر في مساحاتٍ من الصراع غير المتوازن . وبين عملية نوعية ، وعملية استشهادية ، واقتحام وهجومٍ ، لمع نجم المقاومة الإسلامية في سماء الجهاد الذي رصعوه بأرقى التضحيات ، وكان أبو حسن سلامة من أبرز الأشخاص ، الذين ساهموا في تطور أداء المقاومة في تعاطيها مع المتغيرات الميدانية والسياسية والعسكرية على أرض لبنان..
بدأت مسيرة حزب الله ، ولم يكن الالتحاق بها ، لأيٍّ من أفرادها ، فورةً فرضتها الوقائع الميدانية فاستجابت لها النفس بالموقف ، وباليسير من التضحيات ، بل عقيدةً ومبادئ تعبّد الطريق امام المرء ليكون الإنسان المتحمّل لإنسانيته ، المضحي بكل شيء حتى نفسه وولده في سبيل القضية التي آمن بها.. لقد عرف أبو حسن سلامة أن هذا الخيار هو خيار الجوع والابعاد والقهر والموت ، لكنه أيضًا خيار الله، فابتعد عن كل ما يمكن أن يلهيه ، ولو للحظةٍ ، عن هذه المسيرة ، ووضع مصلحة المقاومة الإسلامية في رأس أولوياته ، بل كانت قاعدة حياته ، حتى في منزله ، بين عائلته وأهله ، الهمّ الأكبر هو المقاومة ، فعُرف باخلاصه وتفانيه والتزامه الشديد بخط ولاية الفقيه ، وقد قٌلِّد وسامًا من الإمام الراحل الخميني (قده) على عطاءاته المميزة.. وكانت المسؤوليات الجسام التي أوكلت إليه مقرونة بتحركاتٍ أمنية عالية الدقّة ، فتعاطها معها بحسٍّ أمني حيّر جهاز الاستخبارات الصهيوني ، وبالتالي ، فإن حياة أي فردٍ ، تدور في هالة أمنية ، تُفقده ، وأسرته بعضًا ، أو كثيرًا ، من الاستقرار .. وهذا ما ي
".. وقد خضع لدورات عسكرية وأمنية عدة ، ومن مختلف المستويات ، وتولى في صفوف المقاومة مواقع عديدة ، وكان يمتلك شبكة علاقات واسعة مع الأوساط الإسلامية اللبنانية والفلسطينية " (2) ، وقد حفلت حياته بفصولٍ من الكفاح المستمر والمضني ، وبكن شيئًا لم يثنه أي شيء عن متابعة الطريق ، بالرغم من تعرضه للاعتقال ثلاث مرات ، وأصيب أربعة مراتوأصيب أربع إصابات، إحداها كانت خطيرة ، ، إلا أن الجرح الوحيد الذي لازمه طوال سني حياته ، والذي أضرم النار ففي فؤاده، أنه كان والأيام يتسابقان ، حمل الموت بين جنباته وبقي الموت بعيدًا عنه ، وكم عزّ عليه البقاء حيًا .. .. وكانت المسؤوليات الجسام التي أوكلت إليه مقرونة بتحركاتٍ أمنية عالية الدقّة ، فتعاطى معها بحسٍّ أمني حيّر جهاز الاستخبارات الصهيوني ، وبالتالي ، فإن حياة أي فردٍ ، تدور في دائرة أمنية ، تُفقده وأسرته بعضًا ، أو كثيرًا ، من الاستقرار ، ولكنّ مصلحة المقاومة بالنسبة لأبي حسن وعائلته ، هي الأهم.
وبين عمله وأهله ، كان أبو حسن سلامة ؛ القائد ، والمربي ، والمرشد، والسند والملجأ ، والأب والأخ .. وكما كان بين عائلته الرابط لهم بالحبّ والخير ، ويسعى دائمًا إلى جمعهم ، ؛ كان المجاهدون هم العائلة الثانية التي لا يوفر لخدمتهم أي فرصة( يتشرف بخدمتهم) ، بل حتى كانإن اهتمامه بهم في بعض الأحيان أكثر من اهتفاق اهتممامه بعائلته ، فتَذكر، زوجته ، أنه عندما عاد من سفر عمل ، لم يحمل معه هدايا لأحد من أولاده أو أقاربه ، إلاولكنه حمل أغراضًا للمقاومين المرابطين على الثغور .. ، أولئك الأخوة ، الذين كان يعتبرهم أبو حسن أولاده ، ويؤازرهم في كل محن الحياة ؛ كان معهم عند انطلاقتهم كمجموعاتٍ لتنفيذ العمليات العسكرية ؛، وبينهم ، وهم يجلسون في قلب المغاور الباردة يقرأون الأدعية ، ويشقون بدموعهم دروب الغائب(عج) .. ولطالما رفع بين كفيّه شبابًا تربوا امام عينيه ، وكان أول من حمّلّهم السلاح ، فسبقوه إلى حيث تعبت قدماه من السير ، وارتاحت نفوسهم ، فيما بقي يغالب أدمعه الحمراء وحرقة قلبه من بقائه حيًا ، وصاحب الكلمة الفصل في حل مشاكلهم الحياتيه ، حيث أن الأخوة كان يشكون له مشاكلهم الخاصة جدًا ..، وهذا دليل على أن الشهيد أبا حسن ، تميّز فعلاً بفرادة شخصه المختزِلَة لعدة مواقع في الحياة ..
بعد عمرٍ مديد من الجهاد المستمر ، أُعتبر " أبو حسن سلامة " على رأس قائمة المطلوبين لإسرائيل في جنوب لبنان ، ورجلاً مسؤولاً عن اهراق الكثير من دماء الاسرائيلين في جنوب لبنان "(3) ، وقد تعرّض للعديد من محاولات الاغتيال ، أبرزها كان خلال حرب " عناقيد الغضب " ، عندما قصفت الطائرات الاسرائيلية سيارته، ما ادى إلى استشهاد قريبته (...)، أضف إلى أن جهاز المقاومة الإسلامية فكك العديد من العبوات التي زُرعت على طرقاتٍ يسلكها في الجنوب..
لقد حيّرت تحركاته الأمنية استخبارات العدو ، وإصراره على التنقل وحيدًا دون مرافقة ، يقلق الأخوة في المقاومة ، أما هو، فقد كان المودع دائمًا ، المستشهد قبل أعوامٍ طويلة من إنفجار العبوة الأخيرة التي زرعت له على طريق عبرا - صيدا من قبل اليهود.. فكيفما تحرّك يسأل أهله وعائلته ورفاقه ، أن يدعوا له " بالشهادة التي تأخرت [ عمليًا ] عنه "..
عندما استشهد ابنه حسين أثناء تأدية واجبه في منطقة الغازية في بداية العام 1999 ، شعر انه فقد جزءًا من نفسه ، خصوصًا وانه في الفترة الأخيرة ، كانت صداقته مع ولديه " حسن " و " حسين " اللذين أصبحا شابين توطدت وتميزت ، وتحولت أيضًا إلى علاقة قائد مع مجاهديَن من مجاهدي المقاومة الإسلامية .. وكان قبل أن يخرج من منزله متوجهًا إلى العمل ينظر إلى صورة ولده حسين ، ويقبل يده ، ويسأله أن يرسل بطلبه ، وانامله، التي ما تعودت إلاّ على تذخير السلاح بالرصاص، تسبّح بهمس على سبحة ولده التي أعتبرها إرثًا له.
وكان ذاك النهار من آب ، هيأ أبو حسن سلامة نفسه للذهاب إلى الجنوب كعادته ، وطلب إلى زوجته مرافقته ، ولكنها اعتذرت إليه لأنها كانت مريضة جدًا ، انجز بعض الأعمال في بيروت ، وعاد وسألها مرافقته ، فكررت اعتذارها .. عصر ذاك اليوم ، طلبت زوجة الشهيد أبي حسن سلامة رقم زوجها أكثر من مرة .. لكنّ المجيب الصوتي في كل مرة كان يرد عليها، فأبو حسن سلامة ، وضع أخيرًا ، وبعد طول انتظار ، نقطة الختام الجميلة لحياته المليئة بالتضحية والجهاد والايثار والعطاء ، وانفجر جسده إثر عبوة ناسفه بعد أن أنهك الصهاينة باستنزافهم الدائم .. وما تبقّى من رفاته يدٌ حضنت برفق سبحة "حسين" بين أصابعها ..
http://upload.qawem.org//uploads/images/qawem.org-0d2a015476.jpg
بعد أقل من عام على رحيل أبي حسن سلامة ، دخل المجاهدون حاملين رايات حزب الله المنتصرة ، إلى كونين .. كونين التي غاب عنها علي ديب فتىً صغيرًا ، ولم يعد إلها إلا ذكرى مجيدة واغنية نصرٍ على شفاه المقاومين .. آهٍ ،
قم يا أبا حسن ،
هذه كونين قد خلعت نقاب الاحتلال ،
ومدّت اشتياقها معابر للعائدين ..
اأنظر إليها ؛
عروسًا فكّت جدائلها
سنابل خير لغدٍ ٍّ حرّ..
ارمقها ؛ امًا تزغرد في عرس الشهادة..
تعال إليها يا أبا حسن
فانها تبحث عن وجهك بين الوافدين
تناديك.. تغنيك..
تركض حافية على طرقات الشوك لملاقاتك
وشمس الحرية تلفح وجهها الجنوبي المقاوم
؛ لطالما انتظرنك كونين يا أبا حسن،
انتظرتك ان تأتي وابنك حسين
ليكون أول من يصعد على العامود
يضع راية حزب الله
لترفرف عاليًا؛
آهٍ يا أبا حسن
لو أن عشقك انتظر قليلاً ..
لو أن موعد سفرك تأخر..
لكنتَ الآن تصلي على التراب
الذي أفنيت عمرك لأجله
وكنا نأتم بك ،
ايها أيها القائد والأب والمربي،
سلام عليك يا أبا حسن .. من كونين
سلام عليك يا أبا حسن
من كلماته :
" عبرتُ ذكريات الماضي الأليم بشوقي إليك سيدي.. ولمستُ دقائق ولحظات اللقاء بنشوة المتألم ، الفرح بك مولاي .. كم تؤلمني وتسعدني الذكريات ، وكم استعيد مواقف عزيزة على قلبي وروحي .. آه يا نور عيني وضياء عمري وبلسم جراحاتي النازفة على مرّ الليالي الطوال.، سيدي: كم يعتريني الشوق إليك ، وكم يعصر فؤادي الحنين لما وعدت من أطاعك وأحبّك وعمل جاهدًا في سبيلك .. لعلني سيدي ضللتُ الطريق، فمشيت ومشيت حتى أصل ، والدرب على العاشقين درب طويل طويل ! يا من أحب وأهوى : أعطني سؤلي وحقق أمنيتي بشهادةٍ مباركة برضاك وحمتك يا سيدي ويا كل أملي الكبير والعظيــم ... "
موقع مؤسسة الشهید
الفاتحة لروحه الطاهرة
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)}
" آن لجسدِ أبي حسنٍ أن يرتاح ، وآن لروحه الوثّابة الثائرة أن تهدأ ، وآن للعاشق أن يصل(...) ليس مفاجئًا أن يُستَشهد أبو حسن ،وإنما المفاجئ أن يبقى حيًا إلى مثل هذا اليوم ، فأبو حسن حمل دمه على كفه ، واتخذ قرار الشهادة منذ زمنٍ طويل ، وشاء الله تعالى أن يمدَّ في عمره ليملأ الساحة جهادًا وتضحيًة وعطاءً ونبلاً وشرفًا ورجوليةً وشهامةً (...) وهو الأب الحنون العطوف ، والأخ الودود الرؤوم..."
سماحة السيد حسن نصر الله
أيُّ قلمٍ هذا الذي يذرف كلماته ليدّون على خلّو الصفحات ، مقتطفات من سيرة رجلٍ عاش في قلب التاريخ ، وضخَّ في سطوره أسمى معاني الإيثار والتضحية .. " أبو حسن سلامة " اسم يختصر مراحل الكفاح. ففي كل حرفٍ من حروف اسمه نلمحُ أبطالاً ؛ مقاومين عبروا الليل على أوتار الموت.. وشهداء نبتوا شقائق نعمان في حقول الأفئدة الحزينة..
ومن الصعب جدًا الاقتراب من شخص الشهيد " علي ديب" للتحدث عنه كإنسانٍ له في الحياة بعض الزوايا الخاصة والشخصية ، لأنه تمازج ومسيرة المقاومة منذ انطلاقتها ، وذوّب روحه في خطّ الإمام الخميني (قده) حتى صار رجلاً يتنفس ، ويتكلم ، ويسمع ويرى الجهاد والمقاومة..
فمن كونين التي مزّق الاحتلال الصهيوني نقاب عزّها ، جاء " علي ديب " ، وقد أنهكت كاهله الجراح ، وهو لا يزال فتىً صغيرًا ، فشرّع نوافذ أيامه الآتية لرياح الغضب ليمحو سياط الذّل التي حفرت أخاديد القهر على ظهور الفقراء والمستضعفين ..
ولأنه عاش في زمن الحرب ، لم يعرف أبو حسن في حياته غير البندقية والرصاص ، ومن شوارع الضاحية الجنوبية ، عرين الأسود ، كانت الانطلاقة : ففي العام 1970 ، حمل السلاح وهو لا يتجاوز الرابعة عشرة من العمر، فكان يبحث في زواريب بيروت عن معنى الحياة ويتطلّع إلى القدس المسبية بعين القلب ، يجذّ خطاه في دروب الموت ، يحمل قنديل الدّم لينير أرصفة الثورة والكفاح . فوقف جنبًا إلى جنب مع الفلسطينيين المقاتلين في سبيل الرجوع إلى أرضهم التي أبعدوا عنها ، وتماسكت يده مع أيديهم ليمزقوا السياج الصهيوني الذي نبت على المفاصل الواهنة في جسم لبنان الملتهب بالحروب ..فخاض العديد من المعارك مسجلاً العديد من المواقف البطولية على صفحات المواجهات الدامية مع العدو الصهيوني ، وقد عُرفَ آنذاك باسم " خضر سلامة " .. وكان من أوائل المشاركين في التصدي للاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978 ..
وفي عام 1979 ، كان انتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية العظيم ، إشراقة أمل على جبين المجاهدين الشرفاء ، الذين يتطلّعون نحو شمس الحرية بين غيوم الظلم والقتل والدمار.. ولم يكن اسم الإمام الخميني(قده) بالنسبة لـ " خضر سلامة " ورفاقه ، حدثًا أثّر على العالم اجمع فحسب ، بل بوابة عبور إلى الميناء الذي تهفو إليه قلوبهم العابقة بالثورة الحسينية ، ومبادئها التائقة إلى مرشدٍ بحجم المرحلة والصراع..
ولم تكن الحياة تعني لأبي حسن ، سوى صارية سفرٍ فَرَدَ عليها شراع عشقه لله ليبحر إليه ، ولم تكن أيامها بالنسبة إليه سوى حفنة بارود ملأت يده ، ولوّن بها وجدانه وقلبه .. حتى عندما أراد أن يتزوج ، طلبت إليه زوجته أن يترك السلاح، أو أن يفرّغ القليل من وقته لنفسه ، فرفض ، وأخبرها أنه لن يترك طريق الجهاد حتى يلاقي ربه شهيدًا ، فازدادت إعجابًا به وبشخصيته الفذة ، وقراراته الحاسمة، فحولها طوال سني حياتهما إلى امرأة مجاهدة آزرته في كل محن الحياة ..
وبين لهيب النار ، ودخان الحرب الحارقة ، في العام 1982 ؛ تخاذل الكثيرون أمام دبابات الجيش الاسرائيلي القادمة على جماجم الأبرياء والمظلومين ، قاد "أبو حسن" التصدي البطولية على محور خلدة ، وساققاس الملالة التي غنهما المجاهدون ، وقد جاء بخوذة إسرائيلي مليئة بالدّم ، ووضعها أمام ولديه الصغيرين " حسن " و " حسين " ، قائلاً لهما : هذه خوذة يهودي مليئة بالدّماء .. إنه عدّو لنا .. " ، وقد أراد الشهيد أبو حسين ، أن يعلّم أبنيه ، منذ نعومة أظفافرهما ، الهدف الذي كرّس لأجله حياته ، وحياتهما ، ليكونا مثله ؛ هو الذي لم يعش الحياة إلا وقد حمل جعبة الموت.. و " شارك بفعالية في معارك معمل الزجاج ومفرق بشامون ، وعلى محور كنيسة مارمخايل حيث بذل مجهودًا مكثفًا لصدّ المحاولات الإسرائيلية للدخول إلى العاصمة بيروت ... " (*) ، وعلى الرغم من تخلّي الكثيرين عن أولئك المجاهدين، معتبرين أن مقارعة جيشًٍا كجيش اسرائيل ، ضربًا من الجنون ، فقد استطاعت هذه القلّة من المخلصين ، الذين شكلّوا النواة الأولى لجسم حزب الله ، أن تشق دروب النصر في مساحاتٍ من الصراع غير المتوازن . وبين عملية نوعية ، وعملية استشهادية ، واقتحام وهجومٍ ، لمع نجم المقاومة الإسلامية في سماء الجهاد الذي رصعوه بأرقى التضحيات ، وكان أبو حسن سلامة من أبرز الأشخاص ، الذين ساهموا في تطور أداء المقاومة في تعاطيها مع المتغيرات الميدانية والسياسية والعسكرية على أرض لبنان..
بدأت مسيرة حزب الله ، ولم يكن الالتحاق بها ، لأيٍّ من أفرادها ، فورةً فرضتها الوقائع الميدانية فاستجابت لها النفس بالموقف ، وباليسير من التضحيات ، بل عقيدةً ومبادئ تعبّد الطريق امام المرء ليكون الإنسان المتحمّل لإنسانيته ، المضحي بكل شيء حتى نفسه وولده في سبيل القضية التي آمن بها.. لقد عرف أبو حسن سلامة أن هذا الخيار هو خيار الجوع والابعاد والقهر والموت ، لكنه أيضًا خيار الله، فابتعد عن كل ما يمكن أن يلهيه ، ولو للحظةٍ ، عن هذه المسيرة ، ووضع مصلحة المقاومة الإسلامية في رأس أولوياته ، بل كانت قاعدة حياته ، حتى في منزله ، بين عائلته وأهله ، الهمّ الأكبر هو المقاومة ، فعُرف باخلاصه وتفانيه والتزامه الشديد بخط ولاية الفقيه ، وقد قٌلِّد وسامًا من الإمام الراحل الخميني (قده) على عطاءاته المميزة.. وكانت المسؤوليات الجسام التي أوكلت إليه مقرونة بتحركاتٍ أمنية عالية الدقّة ، فتعاطها معها بحسٍّ أمني حيّر جهاز الاستخبارات الصهيوني ، وبالتالي ، فإن حياة أي فردٍ ، تدور في هالة أمنية ، تُفقده ، وأسرته بعضًا ، أو كثيرًا ، من الاستقرار .. وهذا ما ي
".. وقد خضع لدورات عسكرية وأمنية عدة ، ومن مختلف المستويات ، وتولى في صفوف المقاومة مواقع عديدة ، وكان يمتلك شبكة علاقات واسعة مع الأوساط الإسلامية اللبنانية والفلسطينية " (2) ، وقد حفلت حياته بفصولٍ من الكفاح المستمر والمضني ، وبكن شيئًا لم يثنه أي شيء عن متابعة الطريق ، بالرغم من تعرضه للاعتقال ثلاث مرات ، وأصيب أربعة مراتوأصيب أربع إصابات، إحداها كانت خطيرة ، ، إلا أن الجرح الوحيد الذي لازمه طوال سني حياته ، والذي أضرم النار ففي فؤاده، أنه كان والأيام يتسابقان ، حمل الموت بين جنباته وبقي الموت بعيدًا عنه ، وكم عزّ عليه البقاء حيًا .. .. وكانت المسؤوليات الجسام التي أوكلت إليه مقرونة بتحركاتٍ أمنية عالية الدقّة ، فتعاطى معها بحسٍّ أمني حيّر جهاز الاستخبارات الصهيوني ، وبالتالي ، فإن حياة أي فردٍ ، تدور في دائرة أمنية ، تُفقده وأسرته بعضًا ، أو كثيرًا ، من الاستقرار ، ولكنّ مصلحة المقاومة بالنسبة لأبي حسن وعائلته ، هي الأهم.
وبين عمله وأهله ، كان أبو حسن سلامة ؛ القائد ، والمربي ، والمرشد، والسند والملجأ ، والأب والأخ .. وكما كان بين عائلته الرابط لهم بالحبّ والخير ، ويسعى دائمًا إلى جمعهم ، ؛ كان المجاهدون هم العائلة الثانية التي لا يوفر لخدمتهم أي فرصة( يتشرف بخدمتهم) ، بل حتى كانإن اهتمامه بهم في بعض الأحيان أكثر من اهتفاق اهتممامه بعائلته ، فتَذكر، زوجته ، أنه عندما عاد من سفر عمل ، لم يحمل معه هدايا لأحد من أولاده أو أقاربه ، إلاولكنه حمل أغراضًا للمقاومين المرابطين على الثغور .. ، أولئك الأخوة ، الذين كان يعتبرهم أبو حسن أولاده ، ويؤازرهم في كل محن الحياة ؛ كان معهم عند انطلاقتهم كمجموعاتٍ لتنفيذ العمليات العسكرية ؛، وبينهم ، وهم يجلسون في قلب المغاور الباردة يقرأون الأدعية ، ويشقون بدموعهم دروب الغائب(عج) .. ولطالما رفع بين كفيّه شبابًا تربوا امام عينيه ، وكان أول من حمّلّهم السلاح ، فسبقوه إلى حيث تعبت قدماه من السير ، وارتاحت نفوسهم ، فيما بقي يغالب أدمعه الحمراء وحرقة قلبه من بقائه حيًا ، وصاحب الكلمة الفصل في حل مشاكلهم الحياتيه ، حيث أن الأخوة كان يشكون له مشاكلهم الخاصة جدًا ..، وهذا دليل على أن الشهيد أبا حسن ، تميّز فعلاً بفرادة شخصه المختزِلَة لعدة مواقع في الحياة ..
بعد عمرٍ مديد من الجهاد المستمر ، أُعتبر " أبو حسن سلامة " على رأس قائمة المطلوبين لإسرائيل في جنوب لبنان ، ورجلاً مسؤولاً عن اهراق الكثير من دماء الاسرائيلين في جنوب لبنان "(3) ، وقد تعرّض للعديد من محاولات الاغتيال ، أبرزها كان خلال حرب " عناقيد الغضب " ، عندما قصفت الطائرات الاسرائيلية سيارته، ما ادى إلى استشهاد قريبته (...)، أضف إلى أن جهاز المقاومة الإسلامية فكك العديد من العبوات التي زُرعت على طرقاتٍ يسلكها في الجنوب..
لقد حيّرت تحركاته الأمنية استخبارات العدو ، وإصراره على التنقل وحيدًا دون مرافقة ، يقلق الأخوة في المقاومة ، أما هو، فقد كان المودع دائمًا ، المستشهد قبل أعوامٍ طويلة من إنفجار العبوة الأخيرة التي زرعت له على طريق عبرا - صيدا من قبل اليهود.. فكيفما تحرّك يسأل أهله وعائلته ورفاقه ، أن يدعوا له " بالشهادة التي تأخرت [ عمليًا ] عنه "..
عندما استشهد ابنه حسين أثناء تأدية واجبه في منطقة الغازية في بداية العام 1999 ، شعر انه فقد جزءًا من نفسه ، خصوصًا وانه في الفترة الأخيرة ، كانت صداقته مع ولديه " حسن " و " حسين " اللذين أصبحا شابين توطدت وتميزت ، وتحولت أيضًا إلى علاقة قائد مع مجاهديَن من مجاهدي المقاومة الإسلامية .. وكان قبل أن يخرج من منزله متوجهًا إلى العمل ينظر إلى صورة ولده حسين ، ويقبل يده ، ويسأله أن يرسل بطلبه ، وانامله، التي ما تعودت إلاّ على تذخير السلاح بالرصاص، تسبّح بهمس على سبحة ولده التي أعتبرها إرثًا له.
وكان ذاك النهار من آب ، هيأ أبو حسن سلامة نفسه للذهاب إلى الجنوب كعادته ، وطلب إلى زوجته مرافقته ، ولكنها اعتذرت إليه لأنها كانت مريضة جدًا ، انجز بعض الأعمال في بيروت ، وعاد وسألها مرافقته ، فكررت اعتذارها .. عصر ذاك اليوم ، طلبت زوجة الشهيد أبي حسن سلامة رقم زوجها أكثر من مرة .. لكنّ المجيب الصوتي في كل مرة كان يرد عليها، فأبو حسن سلامة ، وضع أخيرًا ، وبعد طول انتظار ، نقطة الختام الجميلة لحياته المليئة بالتضحية والجهاد والايثار والعطاء ، وانفجر جسده إثر عبوة ناسفه بعد أن أنهك الصهاينة باستنزافهم الدائم .. وما تبقّى من رفاته يدٌ حضنت برفق سبحة "حسين" بين أصابعها ..
http://upload.qawem.org//uploads/images/qawem.org-0d2a015476.jpg
بعد أقل من عام على رحيل أبي حسن سلامة ، دخل المجاهدون حاملين رايات حزب الله المنتصرة ، إلى كونين .. كونين التي غاب عنها علي ديب فتىً صغيرًا ، ولم يعد إلها إلا ذكرى مجيدة واغنية نصرٍ على شفاه المقاومين .. آهٍ ،
قم يا أبا حسن ،
هذه كونين قد خلعت نقاب الاحتلال ،
ومدّت اشتياقها معابر للعائدين ..
اأنظر إليها ؛
عروسًا فكّت جدائلها
سنابل خير لغدٍ ٍّ حرّ..
ارمقها ؛ امًا تزغرد في عرس الشهادة..
تعال إليها يا أبا حسن
فانها تبحث عن وجهك بين الوافدين
تناديك.. تغنيك..
تركض حافية على طرقات الشوك لملاقاتك
وشمس الحرية تلفح وجهها الجنوبي المقاوم
؛ لطالما انتظرنك كونين يا أبا حسن،
انتظرتك ان تأتي وابنك حسين
ليكون أول من يصعد على العامود
يضع راية حزب الله
لترفرف عاليًا؛
آهٍ يا أبا حسن
لو أن عشقك انتظر قليلاً ..
لو أن موعد سفرك تأخر..
لكنتَ الآن تصلي على التراب
الذي أفنيت عمرك لأجله
وكنا نأتم بك ،
ايها أيها القائد والأب والمربي،
سلام عليك يا أبا حسن .. من كونين
سلام عليك يا أبا حسن
من كلماته :
" عبرتُ ذكريات الماضي الأليم بشوقي إليك سيدي.. ولمستُ دقائق ولحظات اللقاء بنشوة المتألم ، الفرح بك مولاي .. كم تؤلمني وتسعدني الذكريات ، وكم استعيد مواقف عزيزة على قلبي وروحي .. آه يا نور عيني وضياء عمري وبلسم جراحاتي النازفة على مرّ الليالي الطوال.، سيدي: كم يعتريني الشوق إليك ، وكم يعصر فؤادي الحنين لما وعدت من أطاعك وأحبّك وعمل جاهدًا في سبيلك .. لعلني سيدي ضللتُ الطريق، فمشيت ومشيت حتى أصل ، والدرب على العاشقين درب طويل طويل ! يا من أحب وأهوى : أعطني سؤلي وحقق أمنيتي بشهادةٍ مباركة برضاك وحمتك يا سيدي ويا كل أملي الكبير والعظيــم ... "
موقع مؤسسة الشهید
الفاتحة لروحه الطاهرة
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)}