حرت بين السهم والجود
09-08-2012, 07:36 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
من قال بأن زيارة القبور والتبرك بمراقد الأولياء غير جائز؟!
بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) تناقل المسلمون أحاديثه وسيرته وعملوا بها وبسيرة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فظهرت مدرستان كبيرتان في نقل الأحاديث والسيرة ينطوي تحت راية كل منهما رواة عديدون، ولما كان تدوين الحديث ممنوعا بعد رحيله (صلى الله عليه وآله) حتى مجيء عمر بن عبد العزيز الذي رفع الحظر عنه، تدافع مؤيد ومدرسة أهل السنة في جمع أحاديثه وقد مضى عليها قرنان من الزمن، بينما تابعت مدرسة أهل البيت (عليهم الصلاة) والسلام تديون الأحاديث بإملاء أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وتناقلوها عن الأئمة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام).
ونتيجة الاجتهاد في فهم الأحاديث والاشتباه في الاستدلال على الأحكام منها، ظهرت آراء ورؤى مختلفة حول بعض الممارسات كالتوسل والاستغاثة بالرسول (صلى الله عليه وآله) وبالأولياء وزيارة القبور والأضرحة وبناء القباب عليها والدعاء عندها، وغير ذلك من نقاط الاختلاف، حتى أن بعض المسلمين كفر البعض الآخر واتهمه بالشرك لزيارته قبر النبي (صلى الله عليه وآله) والبكاء وطلب الحاجة عنده! واعتبر القبر وثنا من الأوثان بل الوثن الأكبر! وأنكر بعضهم البكاء على الميت بحجة أنه يتعذب ببكاء أهله عليه!
الاجتهادات سبب الخلاف:
السابر في كتب الحديث المعتبرة لدى الفريقين من المسلمين يلاحظ عدم وجود اختلاف كبير في أكثر الأحاديث المروية من حيث المتن مع اختلاف الرواة، إلا أنه يجد اختلافا جليا في الاستدلال على الأحكام منها والذي يعود إلى الاجتهادات أحيانا من قبل الصحابة والاشتباه في نقل الحديث الذي تناقله التابعون والرواة من بعدهم.
فمن استدلالهم على عدم جواز البكاء على الميت ما روي في صحيحي البخاري ومسلم في المنع عن البكاء على الميت، عن ابن عباس: (لما أصيب عمر دخل صهيب يبكى ويقول: وا أخاه واصاحباه فقال عمر: يا صهيب أتبكي على وقد قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)! فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه)، وقالت: حسبكم القرآن (ولا تزروا زرة وزر أخرى..). (صحيح البخاري، كتاب الجنائز: 155/1- 156، وصحيح مسلم كتاب الجنائز: ح 22 ص 641).
وفي صحيح مسلم: ... فقالت: وهل (أي غلط وسهي) إنما قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه).
فكلام عائشة دليل واضح على اشتباه الخليفة في نقله للحديث على الرغم من قربه منه وصحبته له (صلى الله عليه وآله).
جواز البكاء على الميت:
1 - في ترجمة جعفر من الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وخبر غزوة مؤتة في تاريخ الطبري وغيره ما ملخصه: (لما أصيب جعفر وأصحابه دخل رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم بيته وطلب بني جعفر فشمهم ودمعت عيناه فقالت زوجته أسماء: بأبي وأمي ما يبكيك؟ ابلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم أصيبوا هذا اليوم، فقالت أسماء: فقمت أصيح وأجمع النساء، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: واعماه، فقال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) على مثل جعفر فلتبك البواكي. (معالم المدرستين للسيد مرتضى العسكري ص 47).
فبكاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكاء بضعته فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، وكذلك بكاء اسماء بحضوره، دليل على جواز البكاء على الميت، أوليست السنة هي قوله وفعله وتقريره (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
2 - كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم بكى أمه عند زيارته لها، فضى سنين النسائى كتاب الجنائز، باب زيارة قبر المشرك 267/1: زار رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله.
وفي البخاري كتاب الجنائز، باب حداد المرأة على غير زوجها 154/1: (أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم عين حداد المرأة على غير زوجها ثلاثا، وعلى زوجها فكما قال الله (أربعة اشهر وعشراً).
وهذا دليل ليس على جواز البكاء على الميت فحسب؛ وإنما إعلان الحداد عليه أيضاً.
أدلة جواز زيارة القبور:
روى مسلم في صحيحه: (زار النبي قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله.. وقال: استأذنت ربي في أن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت) (صحيح مسلم ج 3 ص 65).
وقالت عائشة: (إن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) رخص في زيارة القبور). (صحيح أبي داود ج 2 ص 195).
وقالت: إن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: فأمرني ربي أن آتي البقيع فاستغفر لهم، قلت: كيف اقول يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المتقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون). (صحيح مسلم ج 3 ص 64 باب ما يقال عن دخول القبور، السنن للنسائي ج 3 ص 76).
وفي أحاديث أخرى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم متواعدون غداً ومواكلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد). (السنن للنسائي ج 4 ص 76 - 77).
والعجب من المتجرئين على الله ورسوله الذين يصفون قبور وأضرحه الأنبياء والأولياء بالأصنام والأوثان، ويفتون بهدمها بحجة أنها أوثان تعبد من دون الله!
ففي كتاب (زاد المعاد في هدى خير العباد) ص 661 لابن القيم ما حاصله أنه: (يجب هدم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله، ولا يجوز إبقاؤها بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا، فإنها بمنزلة اللات والعزى أو أعظم شركا)! (كشف الارتياب ص 358).
فلو كان هذا صحيحا فلم بقي قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقبابه وقبري الخليفتين معه، ألم تكن هناك قدرة على هدمها؟! أم أنها أمنية ابن القيم وحمله المنتظر لمن ينجزه؟!
والدليل القرآني واضح: ففي قصة أصحاب الكهف قال تعالى عن لسان المؤمنين: (للتخذن عليهم مسجداً، وهو دليل على جواز البناء على قبورهم.
الآثار المعنوية لزيارة القبور:
إذا اطلعنا على أحوال الأمم والشعوب نرى أنها تحترم قادتها و رجالاتها العظام، وتبجّل وتكرم شخصياتها وعلماءها، فتراهم يقيمون الاحتفالات بذكراهم ويقصدون أضرحتهم ومراقدهم ويكللون قبورهم بالزهور والورود.
فأي قبور يزور المسلمون يا ترى؟! أليست هي قبور وأضرحة الأنبياء والأولياء والصالحين والعلماء؟!
ألا يستحق الأنبياء تعظيمهم والاحتفال بذكراهم والدعاء عندهم تحت قببهم؟! ألا يستحق الأولياء والصالحون التكريم والشكر على ما بذلوه في سبيل الحفاظ على الرسالات السماوية؟! ألا يستحق ذلك العلماء الذين بذلوا مهجهم في سبيل إضاءة الطريق لغيرهم؟!
إن في زيارتنا لقبورهم أثار معنوية عظيمة هي:
1 - تعظيم وتبجيل وتقديم الشكر والتقدير على تضحياتهم وتحملهم المشاق من أجلنا.
2 - تجديد العهد بالمواصلة على نهجهم المقدس.
3 - إحياء ذكراهم وتعريف الناس على معتقداتهم السامية والتحدث عن مواقفهم وبطولاتهم في تاريخ البشرية، كحضورنا بمحضرهم لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من أحد يسلّم على إلا رد الله على روحي حتى أرد (عليه السلام). (سنن أبي داود: ج 1 كتاب الحج وزيارة القبور ص 470 - 471).
4 - تترك الدروس والعبر والتأمل في حال الأموات الذين تركوا دار الفناء بأموالها ومناصبها ولم يأخذوا منها إلا أعمالهم.
5 - تشعر الإنسان بإعادة النظر في سلوكه وحياته وشعوره بالمسؤولية الكبيرة أمام خالقه والناس.
6 - تضع الأخرة بأهوالها نصب عين الإنسان لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة). (صحيح ابن ماجة ج 1 ص 113).
وعلى هذا فقد أباحت الشريعة على لسان صاحبها الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) زيارة القبور، بل رتبت عليها آثارا دنيوية وأخروية، ففيها الاعتبار وفيها التواب، وفيها التوسل وفيها الشافعة، وكتاب الله تعالى بين جواز ذلك، في قصة أهل الكهف التي ذكرناها، فمن يقول بأن زيارة قبور الأئمة والصالحين والتبرك بها والدعاء عندها أمر غير جائز؟!
بقلم سمير الكرخي / مجلة المنبر.
والله ولي التوفيق وبهِ نستعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
من قال بأن زيارة القبور والتبرك بمراقد الأولياء غير جائز؟!
بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) تناقل المسلمون أحاديثه وسيرته وعملوا بها وبسيرة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فظهرت مدرستان كبيرتان في نقل الأحاديث والسيرة ينطوي تحت راية كل منهما رواة عديدون، ولما كان تدوين الحديث ممنوعا بعد رحيله (صلى الله عليه وآله) حتى مجيء عمر بن عبد العزيز الذي رفع الحظر عنه، تدافع مؤيد ومدرسة أهل السنة في جمع أحاديثه وقد مضى عليها قرنان من الزمن، بينما تابعت مدرسة أهل البيت (عليهم الصلاة) والسلام تديون الأحاديث بإملاء أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وتناقلوها عن الأئمة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام).
ونتيجة الاجتهاد في فهم الأحاديث والاشتباه في الاستدلال على الأحكام منها، ظهرت آراء ورؤى مختلفة حول بعض الممارسات كالتوسل والاستغاثة بالرسول (صلى الله عليه وآله) وبالأولياء وزيارة القبور والأضرحة وبناء القباب عليها والدعاء عندها، وغير ذلك من نقاط الاختلاف، حتى أن بعض المسلمين كفر البعض الآخر واتهمه بالشرك لزيارته قبر النبي (صلى الله عليه وآله) والبكاء وطلب الحاجة عنده! واعتبر القبر وثنا من الأوثان بل الوثن الأكبر! وأنكر بعضهم البكاء على الميت بحجة أنه يتعذب ببكاء أهله عليه!
الاجتهادات سبب الخلاف:
السابر في كتب الحديث المعتبرة لدى الفريقين من المسلمين يلاحظ عدم وجود اختلاف كبير في أكثر الأحاديث المروية من حيث المتن مع اختلاف الرواة، إلا أنه يجد اختلافا جليا في الاستدلال على الأحكام منها والذي يعود إلى الاجتهادات أحيانا من قبل الصحابة والاشتباه في نقل الحديث الذي تناقله التابعون والرواة من بعدهم.
فمن استدلالهم على عدم جواز البكاء على الميت ما روي في صحيحي البخاري ومسلم في المنع عن البكاء على الميت، عن ابن عباس: (لما أصيب عمر دخل صهيب يبكى ويقول: وا أخاه واصاحباه فقال عمر: يا صهيب أتبكي على وقد قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)! فقال ابن عباس: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه)، وقالت: حسبكم القرآن (ولا تزروا زرة وزر أخرى..). (صحيح البخاري، كتاب الجنائز: 155/1- 156، وصحيح مسلم كتاب الجنائز: ح 22 ص 641).
وفي صحيح مسلم: ... فقالت: وهل (أي غلط وسهي) إنما قال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم): إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه).
فكلام عائشة دليل واضح على اشتباه الخليفة في نقله للحديث على الرغم من قربه منه وصحبته له (صلى الله عليه وآله).
جواز البكاء على الميت:
1 - في ترجمة جعفر من الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وخبر غزوة مؤتة في تاريخ الطبري وغيره ما ملخصه: (لما أصيب جعفر وأصحابه دخل رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم بيته وطلب بني جعفر فشمهم ودمعت عيناه فقالت زوجته أسماء: بأبي وأمي ما يبكيك؟ ابلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: نعم أصيبوا هذا اليوم، فقالت أسماء: فقمت أصيح وأجمع النساء، ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: واعماه، فقال رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) على مثل جعفر فلتبك البواكي. (معالم المدرستين للسيد مرتضى العسكري ص 47).
فبكاؤه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكاء بضعته فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، وكذلك بكاء اسماء بحضوره، دليل على جواز البكاء على الميت، أوليست السنة هي قوله وفعله وتقريره (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
2 - كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم بكى أمه عند زيارته لها، فضى سنين النسائى كتاب الجنائز، باب زيارة قبر المشرك 267/1: زار رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله.
وفي البخاري كتاب الجنائز، باب حداد المرأة على غير زوجها 154/1: (أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم عين حداد المرأة على غير زوجها ثلاثا، وعلى زوجها فكما قال الله (أربعة اشهر وعشراً).
وهذا دليل ليس على جواز البكاء على الميت فحسب؛ وإنما إعلان الحداد عليه أيضاً.
أدلة جواز زيارة القبور:
روى مسلم في صحيحه: (زار النبي قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله.. وقال: استأذنت ربي في أن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت) (صحيح مسلم ج 3 ص 65).
وقالت عائشة: (إن رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) رخص في زيارة القبور). (صحيح أبي داود ج 2 ص 195).
وقالت: إن النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال: فأمرني ربي أن آتي البقيع فاستغفر لهم، قلت: كيف اقول يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين يرحم الله المتقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون). (صحيح مسلم ج 3 ص 64 باب ما يقال عن دخول القبور، السنن للنسائي ج 3 ص 76).
وفي أحاديث أخرى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم متواعدون غداً ومواكلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد). (السنن للنسائي ج 4 ص 76 - 77).
والعجب من المتجرئين على الله ورسوله الذين يصفون قبور وأضرحه الأنبياء والأولياء بالأصنام والأوثان، ويفتون بهدمها بحجة أنها أوثان تعبد من دون الله!
ففي كتاب (زاد المعاد في هدى خير العباد) ص 661 لابن القيم ما حاصله أنه: (يجب هدم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتخذت أوثانا وطواغيت تعبد من دون الله، ولا يجوز إبقاؤها بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوما واحدا، فإنها بمنزلة اللات والعزى أو أعظم شركا)! (كشف الارتياب ص 358).
فلو كان هذا صحيحا فلم بقي قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقبابه وقبري الخليفتين معه، ألم تكن هناك قدرة على هدمها؟! أم أنها أمنية ابن القيم وحمله المنتظر لمن ينجزه؟!
والدليل القرآني واضح: ففي قصة أصحاب الكهف قال تعالى عن لسان المؤمنين: (للتخذن عليهم مسجداً، وهو دليل على جواز البناء على قبورهم.
الآثار المعنوية لزيارة القبور:
إذا اطلعنا على أحوال الأمم والشعوب نرى أنها تحترم قادتها و رجالاتها العظام، وتبجّل وتكرم شخصياتها وعلماءها، فتراهم يقيمون الاحتفالات بذكراهم ويقصدون أضرحتهم ومراقدهم ويكللون قبورهم بالزهور والورود.
فأي قبور يزور المسلمون يا ترى؟! أليست هي قبور وأضرحة الأنبياء والأولياء والصالحين والعلماء؟!
ألا يستحق الأنبياء تعظيمهم والاحتفال بذكراهم والدعاء عندهم تحت قببهم؟! ألا يستحق الأولياء والصالحون التكريم والشكر على ما بذلوه في سبيل الحفاظ على الرسالات السماوية؟! ألا يستحق ذلك العلماء الذين بذلوا مهجهم في سبيل إضاءة الطريق لغيرهم؟!
إن في زيارتنا لقبورهم أثار معنوية عظيمة هي:
1 - تعظيم وتبجيل وتقديم الشكر والتقدير على تضحياتهم وتحملهم المشاق من أجلنا.
2 - تجديد العهد بالمواصلة على نهجهم المقدس.
3 - إحياء ذكراهم وتعريف الناس على معتقداتهم السامية والتحدث عن مواقفهم وبطولاتهم في تاريخ البشرية، كحضورنا بمحضرهم لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من أحد يسلّم على إلا رد الله على روحي حتى أرد (عليه السلام). (سنن أبي داود: ج 1 كتاب الحج وزيارة القبور ص 470 - 471).
4 - تترك الدروس والعبر والتأمل في حال الأموات الذين تركوا دار الفناء بأموالها ومناصبها ولم يأخذوا منها إلا أعمالهم.
5 - تشعر الإنسان بإعادة النظر في سلوكه وحياته وشعوره بالمسؤولية الكبيرة أمام خالقه والناس.
6 - تضع الأخرة بأهوالها نصب عين الإنسان لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة). (صحيح ابن ماجة ج 1 ص 113).
وعلى هذا فقد أباحت الشريعة على لسان صاحبها الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) زيارة القبور، بل رتبت عليها آثارا دنيوية وأخروية، ففيها الاعتبار وفيها التواب، وفيها التوسل وفيها الشافعة، وكتاب الله تعالى بين جواز ذلك، في قصة أهل الكهف التي ذكرناها، فمن يقول بأن زيارة قبور الأئمة والصالحين والتبرك بها والدعاء عندها أمر غير جائز؟!
بقلم سمير الكرخي / مجلة المنبر.
والله ولي التوفيق وبهِ نستعين.