د. حامد العطية
15-08-2012, 08:48 PM
السيرة المهملة: خذلان المسلمين الأوائل للرسول الأعظم في شعب أبي طالب
د. حامد العطية
عندما يستلون من التاريخ كما دونوه سكاكين، ويشحذونها على رمال التراث المتحركة، يحاصر تاريخهم حاضرنا، ويجبرنا على زيارة التاريخ، بحثاً فيه عن فصول مهملة وأحداث متروكة وفراغات مشبوهة، عن تغافل مقصود لا غفلة من دون تعمد، هم وحدهم البادئون والظالمون والأظلمون.
تشير المصادر التاريخية المعتمدة لدى مذهب أهل السنة والجماعة إلى جملة من الوقائع التي سبقت الحصار في شعب أبي طالب. في السنة السادسة من المبعث اسلم عمر بن الخطاب ( مصدر: محمد بن عبد الوهاب مختصر سيرة الرسول، نسخة ألكترونية، ص 94)، وكان من قبل إسلامه معادياً للدين الجديد، ومشاركاً في اضطهاد وتعذيب أتباعه، وقصة إسلامه كما ترويها هذه المصادر معروفة، إذ ما أن تحول من كافر معاند إلى مسلم متحمس وفي أقل من يوم حتى دعا الرسول الأعظم وأتباعه للمجاهرة بدينهم، وتصدر المسلمين في مسيرة طافت بالكعبة، ثم جال على كبار كفار قريش ليخبرهم بذلك متباهياً ومتحدياً كما يروون.
في السنة السابعة من مبعث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تعاهد قادة كفار قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف، واتفقوا على الامتناع عن مبايعتهم ومناكحتهم ومكالمتهم ومجالستهم، حتى يسلموا لهم الرسول ليقتلوه، ودونوا ذلك في صحيفة علقوها في الكعبة.
كان حصاراً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ومكانياً، اضطر الرسول الأعظم وأهل بيته واقاربه إلى الخروج من مكة إلى شعب أبي طالب.
اسوء ما في الحصار التجويع، فقد عمد كفار قريش لمنع وصول المواد الغذائية للمحاصرين في الشعب، حتى اضطروا للتقوت بأوراق الشجر والجلود، وسمعت من خارج الشعب أصوات استغاثة النسوة والأطفال من شدة الجوع.
ماذا فعل الصحابة الأوائل؟ الكثير من المسلمين الأوائل مستضعفون، من العبيد والفقراء، فلا يتوقع منهم فعل أي شيء لمساعدة الرسول وأهل بيته المحاصرين في الشعب، كما أن بعض المسلمين هاجروا إلى الحبشة، لكن بقية الصحابة ومنهم كبارها الذين تولوا فيما بعد قيادة المسلمين، وبالتحديد عمر بن الخطاب وابي بكر بن أبي قحافة لم يهاجرا ولا يعدان من جملة المستضعفين.
استمر الحصار التجويعي الظالم ثلاث سنوات، لم تسجل المصادر التاريخية فيها أي مساعدة من المسلمين الأوائل للرسول واهل بيته وأقاربه، كان من المحتمل جداً أن يتوفى الرسول بسبب الحصار كما توفي عمه ابو طالب وزوجه الصديقة الكبرى خديجة، لكن ذلك لم يكن كافياً ليحاول هؤلاء المسلمون الأوائل الذين يشهد أنصارهم لهم بالشجاعة والجرأة كسر الحصار أو حتى الإلتفات عليه.
ثلاث سنوات كانت فيها حياة الرسول مهددة، وخاف عمه أبو طالب عليه من القتل، فكان يتوقى ذلك بتغيير مضجع الرسول، ومع ذلك لم يتطوع أحد من هؤلاء المسلمين الأوائل للدخول مع الرسول واقاربه في الشعب، تعبيراً عن التعاطف والتآزر معهم، ولو حدث ذلك لربما أعادت قريش النظر في المقاطعة.
ثلاث سنوات من الحصار انقطعت فيه الصلة بين الرسول الأعظم والمسلمين الأوائل فلم يشتاقوا خلالها لرؤيته والاستماع لهديه واخذ الأحاديث الشريفة من لدنه، واقتصر المستفيدون من هدي الرسول في تلك السنوات الثلاث على ابن عمه الأمام علي عليه السلام وبقية المؤمنين من أهل بيته، وهذه ميزة عظيمة للإمام ينفرد بها من دون جميع المسلمين الأوائل، ولكنهم عند تدوين السيرة والأحاديث أهملوها.
لم يخرق المسلمون الأوائل الحصار، بالرغم من كل ما يروى عن شجاعتهم وبذلهم المال في سبيل العقيدة، فانبرى لذلك اقارب زوج النبي الصديقة خديجة بنت خويلد، وتروي مصادر التاريخ بأن ابن اخيها كان ينقل الطعام للمحاصرين تحت جنح الظلام.
قبيل انقضاء سنوات الحصار الثلاث بادر خمسة من قريش للإحتجاج على الصحيفة ودعوا إلى انهاء المقاطعة، وكلهم كانوا من كفار قريش، ولم يكن أحد منهم من بني هاشم، تصادف ذلك مع إرادة ربانية سلطت الأرضة على الصحيفة فأكلتها باستثناء عبارة باسمك اللهم، فانتهى الحصار.
إذا كان اعتراض خمسة من الكفار على المقاطعة لدوافع قبلية وإنسانية كافياً لإلغاء المقاطعة فلماذا أحجم الصحابة الأوائل وهم لا يقلون مكانة وجاهاً بين قريش عن ذلك أو على الأقل يتضامنون مع الخمسة؟
كانت كلفة الحصار باهضة جداً بالنسبة للرسول والرسالة، ضياع ثلاث سنوات من عمر الدعوة، ووفاة حامي وسند الرسول عمه أبي طالب وزوجته الصديقة الكبرى خديجة رضي الله عنهما.
الحقيقة التاريخية الناصعة هي أن بعض المسلمين الأوائل خذلوا الرسول الأعظم وأهل بيته ثلاث سنوات وتركوهم عرضة للمجاعة والهلاك ولم يقدموا أي عون لهم، والاقبح من ذلك أن يتخذ بعض المعاصرين من اسمائهم عناوين ورايات للتحريض على الإرهاب واضطهاد وذبح الأبرياء من المخالفين لمذهبهم.
15 اب 2012م
د. حامد العطية
عندما يستلون من التاريخ كما دونوه سكاكين، ويشحذونها على رمال التراث المتحركة، يحاصر تاريخهم حاضرنا، ويجبرنا على زيارة التاريخ، بحثاً فيه عن فصول مهملة وأحداث متروكة وفراغات مشبوهة، عن تغافل مقصود لا غفلة من دون تعمد، هم وحدهم البادئون والظالمون والأظلمون.
تشير المصادر التاريخية المعتمدة لدى مذهب أهل السنة والجماعة إلى جملة من الوقائع التي سبقت الحصار في شعب أبي طالب. في السنة السادسة من المبعث اسلم عمر بن الخطاب ( مصدر: محمد بن عبد الوهاب مختصر سيرة الرسول، نسخة ألكترونية، ص 94)، وكان من قبل إسلامه معادياً للدين الجديد، ومشاركاً في اضطهاد وتعذيب أتباعه، وقصة إسلامه كما ترويها هذه المصادر معروفة، إذ ما أن تحول من كافر معاند إلى مسلم متحمس وفي أقل من يوم حتى دعا الرسول الأعظم وأتباعه للمجاهرة بدينهم، وتصدر المسلمين في مسيرة طافت بالكعبة، ثم جال على كبار كفار قريش ليخبرهم بذلك متباهياً ومتحدياً كما يروون.
في السنة السابعة من مبعث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تعاهد قادة كفار قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف، واتفقوا على الامتناع عن مبايعتهم ومناكحتهم ومكالمتهم ومجالستهم، حتى يسلموا لهم الرسول ليقتلوه، ودونوا ذلك في صحيفة علقوها في الكعبة.
كان حصاراً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ومكانياً، اضطر الرسول الأعظم وأهل بيته واقاربه إلى الخروج من مكة إلى شعب أبي طالب.
اسوء ما في الحصار التجويع، فقد عمد كفار قريش لمنع وصول المواد الغذائية للمحاصرين في الشعب، حتى اضطروا للتقوت بأوراق الشجر والجلود، وسمعت من خارج الشعب أصوات استغاثة النسوة والأطفال من شدة الجوع.
ماذا فعل الصحابة الأوائل؟ الكثير من المسلمين الأوائل مستضعفون، من العبيد والفقراء، فلا يتوقع منهم فعل أي شيء لمساعدة الرسول وأهل بيته المحاصرين في الشعب، كما أن بعض المسلمين هاجروا إلى الحبشة، لكن بقية الصحابة ومنهم كبارها الذين تولوا فيما بعد قيادة المسلمين، وبالتحديد عمر بن الخطاب وابي بكر بن أبي قحافة لم يهاجرا ولا يعدان من جملة المستضعفين.
استمر الحصار التجويعي الظالم ثلاث سنوات، لم تسجل المصادر التاريخية فيها أي مساعدة من المسلمين الأوائل للرسول واهل بيته وأقاربه، كان من المحتمل جداً أن يتوفى الرسول بسبب الحصار كما توفي عمه ابو طالب وزوجه الصديقة الكبرى خديجة، لكن ذلك لم يكن كافياً ليحاول هؤلاء المسلمون الأوائل الذين يشهد أنصارهم لهم بالشجاعة والجرأة كسر الحصار أو حتى الإلتفات عليه.
ثلاث سنوات كانت فيها حياة الرسول مهددة، وخاف عمه أبو طالب عليه من القتل، فكان يتوقى ذلك بتغيير مضجع الرسول، ومع ذلك لم يتطوع أحد من هؤلاء المسلمين الأوائل للدخول مع الرسول واقاربه في الشعب، تعبيراً عن التعاطف والتآزر معهم، ولو حدث ذلك لربما أعادت قريش النظر في المقاطعة.
ثلاث سنوات من الحصار انقطعت فيه الصلة بين الرسول الأعظم والمسلمين الأوائل فلم يشتاقوا خلالها لرؤيته والاستماع لهديه واخذ الأحاديث الشريفة من لدنه، واقتصر المستفيدون من هدي الرسول في تلك السنوات الثلاث على ابن عمه الأمام علي عليه السلام وبقية المؤمنين من أهل بيته، وهذه ميزة عظيمة للإمام ينفرد بها من دون جميع المسلمين الأوائل، ولكنهم عند تدوين السيرة والأحاديث أهملوها.
لم يخرق المسلمون الأوائل الحصار، بالرغم من كل ما يروى عن شجاعتهم وبذلهم المال في سبيل العقيدة، فانبرى لذلك اقارب زوج النبي الصديقة خديجة بنت خويلد، وتروي مصادر التاريخ بأن ابن اخيها كان ينقل الطعام للمحاصرين تحت جنح الظلام.
قبيل انقضاء سنوات الحصار الثلاث بادر خمسة من قريش للإحتجاج على الصحيفة ودعوا إلى انهاء المقاطعة، وكلهم كانوا من كفار قريش، ولم يكن أحد منهم من بني هاشم، تصادف ذلك مع إرادة ربانية سلطت الأرضة على الصحيفة فأكلتها باستثناء عبارة باسمك اللهم، فانتهى الحصار.
إذا كان اعتراض خمسة من الكفار على المقاطعة لدوافع قبلية وإنسانية كافياً لإلغاء المقاطعة فلماذا أحجم الصحابة الأوائل وهم لا يقلون مكانة وجاهاً بين قريش عن ذلك أو على الأقل يتضامنون مع الخمسة؟
كانت كلفة الحصار باهضة جداً بالنسبة للرسول والرسالة، ضياع ثلاث سنوات من عمر الدعوة، ووفاة حامي وسند الرسول عمه أبي طالب وزوجته الصديقة الكبرى خديجة رضي الله عنهما.
الحقيقة التاريخية الناصعة هي أن بعض المسلمين الأوائل خذلوا الرسول الأعظم وأهل بيته ثلاث سنوات وتركوهم عرضة للمجاعة والهلاك ولم يقدموا أي عون لهم، والاقبح من ذلك أن يتخذ بعض المعاصرين من اسمائهم عناوين ورايات للتحريض على الإرهاب واضطهاد وذبح الأبرياء من المخالفين لمذهبهم.
15 اب 2012م