عبد الوصي
23-08-2012, 09:06 AM
هل وظيفة المرجع الديني كتابة الرسالة العملية فقط ؟!!
مناقشة ما أثاره بعض أساتذة الحوزة العلمية في برنامج مطارحات
بما يرتبط بدور الفقيه ووظيفته في عصر الغيبة
بقلم: الشيخ جابر جوير
بسمه تعالى
تنويه:
ينبغي ابتداءً أنْ أشير إلى أنّ ما سأطرحه من خلال هذه الكلمات إنما هو مناقشة علمية، جاءت نتيجة ما أراه -بحسب نظري القاصر- أنّه مما يعوزه التعليق؛ كي لا يخفى الحق على أهله، ولم أرد إساءةً لشخص أحد، أو تنقيصاً من قدره، بل أريد التنبيه الذي يأتي في سياق النقد العلمي المحض، والذي يحفظ للجميع تمام حرمته واحترامه، والله من وراء القصد.
ذكر أحد أساتذة الحوزة العلمية (وفقه الله لخدمة المذهب) بتاريخ ( 28 شهر رمضان المُبارك 1433 هـ، الموافق: 17/8/ 2012 م) على إحدى القنوات الفضائية، وفي الحلقة الأخيرة (الحلقة 25) من الحلقات التي بُثت في شهر رمضان المُبارك من برنامجه المُخصّص للمطارحات في العقيدة، بشأن سعة وضيق دور ومسؤولية (مرجع الدين) في الأمّة خلال عصر الغيبة؛ ذكر أنّ هناك اتجاهاً في مؤسسة الحوزة العلمية أو المرجعية يتبنّى رؤية مفادها أنّ وظيفة مراجع الدين مقتصرة على كتابة الرسالة العملية فقط!، واستدل على ذلك ببعض كلمات المحقق السيد الخوئي (قده).
إلاّ أنّ ما ذكره في غير محلّه، ومما لا يُمكن الالتزام به بوجه من الوجوه، وإليك تفصيل ذلك.
أولاً: نقل نصّ كلماته
ذكر المُتحدِّث ما هذا نصّه (الدقيقة: 10:37 وما بعدها) :
(يوجد اتجاهان: الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الذي، دققوا فيما أقول، الاتجاه الذي يعتقد أنه لا يوجد دور للمراجع الدينية في عصر الغيبة الكبرى إلا أن يصدروا رسالة عملية، ليس لهم أي دور آخر، كل دورهم يتلخص ماذا؟ في الرسالة العملية، فإذا أصدروا الرسالة العملية فقد انتهى ماذا؟ فقد انتهى دورهم، تقول واقعاً يوجد هكذا اتجاه؟ أقول: نعم سأقرأ لكم، وسأقرأ لكم من أعلام ماذا؟ معاصرين لا من أعلام متقدّمين، أشير إلى بعض كلماتهم).
ثم قال بعد ذلك في (الدقيقة 29:00 وما بعدها): ( فإن كان المرجع الديني يتبنى الاتجاه الأول فيكتب رسالة عملية ويذهب إلى البيت وينام مولانا خلاص بعد ما عنده دور آخر).
ثم ذكر في (الدقيقية 29:48 ) ما اعتبره واقعاً أفرزه تبني الرؤية الوظيفية التي يطرحها الاتجاه الأول، قال: (ومن هنا أنت تجد أصحاب ذلك الاتجاه، يعني أصحاب الاتجاه الأول، الآن أحداث العراق، الآن أمامكم، أحداث شؤون العراق مولانا، شؤون العراق ماذا؟ السياسية، ما هو دور المؤسسة الدينية؟ ، في الأيام الأولى، السنة الأولى، السنة الثانية، الثالثة، حصل منهم ماذا؟ بعض الحراك، ولكنه الآن ماذا؟ غيبة تامة، بل غيبوبة عن الشؤون، شؤون الشعب العراقي).
ثانياً: الاستدلال على وجود الاتجاه المذكور في مؤسسة الحوزة العلمية والمرجعية
واستدل المُتحدِّث على وجود هكذا اتجاه في مؤسسة الحوزة بموضعين من أبحاث المحقق السيد الخوئي (قده).
الموضع الأول: قرأ هذا المقدار من كتاب (التنقيح في شرح العروة الوثقى تقرير بحث المحقق السيد الخوئي (قده)، للميرزا علي الغروي ج 1 ص 424):
(أن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليل وإنما هي مختصة بالنبي والأئمة عليهم السلام ، بل الثابت حسبما تستفاد من الروايات أمران : نفوذ قضائه وحجية فتواه).انتهى.
الموضع الثاني: وقرأ أيضاً هذا المقدار من كتاب (المستند في شرح العروة الوثقى تقرير بحث المحقق السيد الخوئي (قده) ، للشيخ مرتضى البروجردي ج 2 ص 88) :
(وملخّص الكلام في المقام أن إعطاء الإمام عليه السلام منصب القضاء للعلماء أو لغيرهم لم يثبت بأي دليل لفظي معتبر ليتمسك باطلاقه).انتهى.
ثم قال المُتحِّث مُعلّقاً: (حتى القضاء لم يثبت، إذن ينحصر دوره في الفتوى، خلاص يعني ماذا؟ يعني يكتب رسالة عملية، بعد عنده دور آخر؟ يقول أبداً لا يوجد).
ثالثاً: مناقشة ما ذكره المُتحدِّث
والجواب على ما ذكره المُتحدِّث أنّ النتيجة التي توصّل إليها مُبتنية على ملاحظة قسم من كلام المحقق السيد الخوئي (قده) مع الاعراض عن قسم آخر منه؛ مُكمّل له، ومتصّل بسياقه وبنحو مباشر!، مما قاد في النهاية إلى أمرين:
الأول: نسبة ما لا يصح نسبته إلى المحقق السيد الخوئي (قده).
الثاني: دعوى وجود (اتجاه) في الحوزة يتبنّى المقدار الضيّق لوظائف ومسؤوليات الفقيه أو مرجع الدين في عصر الغيبة.
وإليك بيان ذلك مُفصّلاً:
أولاً: بيان وجه الخلل في الاستشهاد الأول بكلام المحقق السيد الخوئي (قده)
أقول: أنّ المحقق السيد الخوئي (قده) ذكر قبل ذلك بصفحة واحدة فقط! (ج 1 ص 423) ما هذا نصّه: ( أنّ الأُمور المذكورة – وهي الأُمور الراجعة إلى الولاية مما لا مناص من أن تتحقق في الخارج مثلاً إذا مات أحد ولم ينصب قيّماً على صغاره ولم يوص إلى وصي ليقوم بأمورهم واحتيج إلى بيع مال من أمواله أو تزويج صغيرة من ولده ، لأن في تركه مفاسد كثيرة أو أن مالاً من أموال الغائب وقع مورد التصرف ، فإن بيع ماله أو تزويج الصغيرة أمر لا بدّ من وقوعه في الخارج- وإن كانت حتمية التحقق في الخارج وهي المعبّر عنها بالأُمور الحِسبية ، لأنها بمعنى الأُمور القربية الَّتي لا مناص من تحققها خارجاً ، كما أن الفقيه هو القدر المتيقن كما مرّ إلَّا أنه لا يستكشف بذلك أن الفقيه له الولاية المطلقة في عصر الغيبة ، كالولاية الثابتة للنبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة ( عليهم السّلام )، حتى يتمكن من التصرف في غير مورد الضرورة ، وعدم مساس الحاجة إلى وقوعها أو ينصب قيّماً أو متولياً من دون أن ينعزل عن القيمومة أو التولية بموت الفقيه ، أو يحكم بثبوت الهلال أو غير ذلك من التصرفات المترتبة على الولاية المطلقة ، بل إنما يستكشف بذلك نفوذ التصرفات المذكورة الصادرة عن الفقيه بنفسه أو بوكيله كما هو مفاد قوله ( عليه السّلام ) في الصحيحة المتقدمة : « إذا كان القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس »، فإن تلك الأُمور لا يمكن للشارع إهمالها كما لا يحتمل أن يرخّص فيها لغير الفقيه دون الفقيه ، فيستنتج بذلك أن الفقيه هو القدر المتيقن في تلك التصرفات وأما الولاية فلا ، أو لو عبّرنا بالولاية فهي ولاية جزئية تثبت في مورد خاص ، أعني الأُمور الحِسبية الَّتي لا بدّ من تحققها في الخارج ومعناها نفوذ تصرفاته فيها بنفسه أو بوكيله).انتهى.
وتمام كلام المحقق السيد الخوئي (قده) الذي نقل المتحدِّث جزءً منه فقط (ص 424): ( أن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليل وإنما هي مختصة بالنبي والأئمة ( عليهم السّلام ) ، بل الثابت حسبما تستفاد من الروايات أمران : نفوذ قضائه وحجية فتواه ، وليس له التصرف في مال القصّر أو غيره مما هو من شؤون الولاية إلَّا في الأمر الحِسبي فإن الفقيه له الولاية في ذلك لا بالمعنى المدعى ، بل بمعنى نفوذ تصرفاته بنفسه أو بوكيله وانعزال وكيله بموته ، وذلك من باب الأخذ بالقدر المتيقن لعدم جواز التصرف في مال أحد إلَّا بإذنه ، كما أن الأصل عدم نفوذ بيعه لمال القصّر أو الغيّب أو تزويجه في حق الصغير أو الصغيرة ، إلَّا أنه لما كان من الأُمور الحِسبية ولم يكن بدّ من وقوعها في الخارج كشف ذلك كشفاً قطعياً عن رضى المالك الحقيقي وهو الله ( جلَّت عظمته ) وأنه جعل ذلك التصرف نافذاً حقيقة ، والقدر المتيقن ممن رضى بتصرفاته المالك الحقيقي ، هو الفقيه الجامع للشرائط فالثابت للفقيه جواز التصرف دون الولاية .
أقول: الحاصل مّما تقدّم؛ أنّ مسلك المحقق السيد الخوئي (قده) في ولاية الفقيه؛ هو (الولاية الجزئية)، أو ما يُسمّى بـ(الولاية الحسبية)، أو (الولاية في الأمور الحسبية)، ولكن لأنّ المُتحدِّث قصر نظره فقط على المقدار الذي نقله في مقام استدلاله على مُدّعاه؛ خرج بنتيجة غير متطابقة مع واقع مسلك المحقق السيد الخوئي (قده)، فالمتُحدِّث لم يراعِ ما ذكره السيد الخوئي (قده) قبل صفحة واحدة فقط، وكذا لم يُراعِ ما ذكره السيد الخوئي (قده) مباشرة وفي نفس السياق والصفحة بعد المقدار الذي نقله المُتحدِّث واعتمد عليه لإثبات مطلوبه.
ماهي الأمور الحسبية؟
الأمور الحسبية هي جملة الأمور الضرورية التي من المقطوع بكونها لا مجال من أنْ تترك بأي حال من الأحوال لعدم رضا الشارع بفواتها وإنْ تُركت لحالها، ومن تلك الموارد على سبيل المثال: الجهاد، والحقوق الشرعية، والأموال العامّة – بحسب مبنى المحقق السيد الخوئي (قده) وبعض الفقهاء- وشؤون الأوقاف، والقصّر، وغير ذلك.
سعة نطاق الأمور الحسبية عند المحقق السيد الخوئي (قده)
ولمعرفة سعة الأمور الحسبية بنحو مفصّل عند المحقق السيد الخوئي (قده)، لا بأس بنقل بعض الكلمات.
قال (قده) في (صراط النجاة ج 1 ص 10) : (أما الولاية على الأمور الحسبية كحفظ أموال الغائب واليتيم إذا لم يكن من يتصدى لحفظها كالولي أو نحوه ، فهي ثابتة للفقيه الجامع للشرائط وكذا الموقوفات التي ليس لها متولي من قبل الواقف والمرافعات ، فإن فصل الخصومة فيها بيد الفقيه وأمثال ذلك ، وأما الزائد على ذلك فالمشهور بين الفقهاء على عدم الثبوت ، والله العالم).
قال الميرزا جواد التبريزي (قده) في (صراط النجاة ج 1 ص10 السؤال 1) : (والذي نقول به هو أن الولاية على الأمور الحسبية بنطاقها الواسع ، وهي كل ما علم أن الشارع يطلبه ولم يعين له مكلفاً خاصاً ، ومنها بل أهمها إدارة نظام البلاد وتهيئة المعدات والاستعدادات للدفاع عنها ، فإنها ثابتة للفقيه الجامع للشرائط ، يرجع في تفصيله إلى كتابنا ( إرشاد الطالب ) وكذا للفقيه القضاء في المرافعات وفصل الخصومات ، والله العالم).
وقال –الميرزا التبريزي (قده) - أيضاً في (صراط النجاة ج 2 ص 462 السؤال 1438) : (الولاية الثابتة للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام هي ولايتهم على الأمر و النهي فيما يرجع إلى أموال الناس وأعراضهم ، لا أن لهم ولاية في التصرف مباشرة في أموال الناس وأعراضهم ، وهذه الولاية ثابتة للفقيه الجامع للشرائط المتصدي للأمر من باب الحسبة ، أعني الأمور التي لا بد من تحققها في الخارج ، ويتوقف عليها نظام معيشة العباد ، وحفظ الأمن للبلاد ، وتمكين المؤمنين لقطع أيادي الأعداء ، ودفع المتجاوزين من أراضيهم).
وقال –الميرزا التبريزي (قده)- في (إيصال الطالب ج 3 ص 26) في مقام بيان معنى الأمور الحسبية وسعتها : (المصالح المطلوبة للشارع الغير المأخوذة على شخص معين المعبر عنها بالأمور الحسبية هي التي علم من الشرع العمل بها وعدم جواز تركها وان التكليف بها لم يتوجه إلى الشخص معين ولا تكون من الواجب الكفائي لتكون مطلوبة على كل أحد كالتصرف في أموال القصر من الذين ليس لهم أولياء والموقوفات العامة التي لم يعين المتولي لها من قبل الواقفين أو قام الدليل على كونها بيد ولى أمر المسلمين والحاكمين كإقامة الحدود والتعزيرات والتصديق لجميع الحقوق الشرعية وصرفها لمواردها والتصدي لتنظيم أمر جوامع المسلمين وبلادهم).
لا فرق بين مبنى الميرزا التبريزي (قده) ومبنى أستاذه السيد الخوئي (قده):
وسُئل الميرزا التبريزي (قده) كما في (صراط النجاة ج 3 ص 358 السؤال 1097) :
(ما رأيكم - دام ظلكم - أن ولاية الفقيه إنما هي على الأمور الحسبية بنطاقها الواسع ، وهي كل ما علم أن الشارع يطلبه ، ولم يعين له مكلفاً خاصاً ، ومنها بل أهمها إدارة نظام البلاد ، وتهيئة المعدات والاستعدادات للدفاع عنها [ صراط النجاة - 1 - سؤال 1 ] .
والسؤال : ما هو الفرق إذن بين مختاركم ومختار السيد الخوئي ( قدس سره )
ما دام المناط هو علمنا بأن الشارع يطلبه ؟
فأجاب (قده): لا فرق ، ولكن السيد ( قدس سره ) لم يصرح بأن نطاقها الواسع من الأمور الحسبية ، والله العالم).انتهى.
أقول: فانظر إلى سعة الولاية التي تثبت للفقيه (مرجع الدين) في نظر المحقق السيد الخوئي (قده) بشهادة كلماته، وبشهادة تلميذه المحقق الميرزا جواد التبريزي (قده)، الذي نفى أنْ يكون هناك فرق بين ما أفاده في سعة الولاية، وبين مُختار أستاذه المحقق السيد الخوئي (قده) بقوله أولاً: (والذي نقول به هو أن الولاية على الأمور الحسبية بنطاقها الواسع ، وهي كل ما علم أن الشارع يطلبه ولم يعين له مكلفاً خاصاً)، وبقوله (قده) ثانياً : (لا فرق ، ولكن السيد ( قدس سره ) لم يصرح بأن نطاقها الواسع من الأمور الحسبية).
فأين هذا من دعوى المتحدّث أنّ المحقق السيد الخوئي (قده) ممن يتبنّى ما عنونه بـ(الاتجاه الأول)، والذي مؤدّاه أنْ لا وظيفة للفقيه سوى كتابة الرسالة العملية؟!
ومما لا يكاد ينقضي منه العجب؛ أنّه في (الدقيقة 27:10 وما بعدها)، قال مُقدِّم البرنامج (المُضيف) عن المحقق السيد الخوئي (قده): (يؤمن في الولاية بالأمور الحسبية).
فقاطعه المتحدِّث: (في الأمور الحسبية، هسّة ما أريد أدخل في التفاصيل!).
مع أنّ هذا الذي أسماه بـ(التفاصيل) هو بمثابة الرد على نفس الدعوى التي نسبها المتحدِّث إلى المحقق السيد الخوئي (قده)!!
وهي ليست بتفاصيل في حقيقتها، بل هي عبارة عن خمس كلمات تختزل المبنى والإتجاه الصحيح للمحقق السيد الخوئي (قده)، لا الاتجاه الذي نسبه المُتحدِّث إليه.
ثانياً: بيان الخلل في الاستشهاد الثاني بكلام المحقق السيد الخوئي (قده)
أقول: أنّ المحقق السيد الخوئي (قده) كان في مقام نفي (خصوص) الدليل اللفظي على ثبوت منصب القضاء للعلماء أو غيرهم، لا أنّه في مقام نفي (أي) دليل على ذلك، ولذا قال (قده) : (لم يثبت بأيّ دليل لفظي معتبر)، ثم استدل بعد ذلك مباشرة وفي نفس الصفحة بكون ثبوت هذا المنصب للفقيه (مرجع الدين) إنّما هو بناءً على التمسّك بالقدر المتيقن.
وإليك تمام كلامه الذي اقتطع المُتحدِّث جزءً منه وأسّس عليه دعواه (ج2 ص 88): (وملخّص الكلام في المقام : أنّ إعطاء الإمام ( عليه السلام ) منصب القضاء للعلماء أو لغيرهم لم يثبت بأيّ دليل لفظي معتبر ليتمسّك بإطلاقه .
نعم ، بما أنّا نقطع بوجوبه الكفائي ، لتوقّف حفظ النظام المادّي والمعنوي عليه ، ولولاه لاختلَّت نظم الاجتماع ، لكثرة التنازع والترافع في الأموال وشبهها من الزواج والطلاق والمواريث ونحوها ، والقدر المتيقّن ممّن ثبت له الوجوب المزبور هو المجتهد الجامع للشرائط . فلا جرم يُقطع بكونه منصوباً من قبل الشارع المقدّس).
إلى أنْ قال (قده) في ج1 ص 89:
(والمتحصّل: من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن : أنّه لم ينهض لدينا دليل لفظي معتبر يدلّ على نصب القاضي ابتداءً ، وإنّما نلتزم به من باب القطع الخارجي المستلزم للاقتصار على المقدار المتيقّن).انتهى.
أقول: فأين هذا من قول المتحدِّث : (حتى القضاء لم يثبت، إذن ينحصر دوره في الفتوى، خلاص يعني ماذا؟ يعني يكتب رسالة عملية، بعد عنده دور آخر؟ يقول أبداً لا يوجد) ؟!!
والحاصل: إنّ ما ذكره من وجود اتجاه في مؤسسة الحوزة والمرجعية يؤسّس للسلبية التي صوّرها المُتحدِّث، والمتمثلة بعزوف مرجع الدين وانكفائه على نفسه، وممارسته للعزلة التامّة عن المشهد العام، والواقع الشيعي بل وغير الشيعي، وتقلّص دوره ووظيفته وانحسارها بمستوى الاكتفاء بإصدار الرسالة العملية؛ مما لا دليل عليه، أو على الأقل أن ما استدل به لإثبات ذلك غير تام، ومما لا يُمكن قبوله.
وفي الختام أرفع يدي الضراعة سائلاً من الله تبارك وتعالى أنْ يحفظ الله تبارك وتعالى مراجعنا العظام ويديم عزّهم وظلّهم الشريف على رؤوس الأشهاد، وأنْ يصون الحوزة العلمية الأصيّلة من طوارق الزمان، وأن يُديمها ذُخراً وحصناً وملجأ ًللأمة.
وصلّى الله على سيدنا ونبينا خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، والحمد لله أولاً وآخراً.
جابر جوير
يوم السبت، 29 شهر رمضان المُبارك 1433 هـ، الموافق: 18/8/ 2012م.
مصدر البحث: http://jaberjuwair.blogspot.com/
مناقشة ما أثاره بعض أساتذة الحوزة العلمية في برنامج مطارحات
بما يرتبط بدور الفقيه ووظيفته في عصر الغيبة
بقلم: الشيخ جابر جوير
بسمه تعالى
تنويه:
ينبغي ابتداءً أنْ أشير إلى أنّ ما سأطرحه من خلال هذه الكلمات إنما هو مناقشة علمية، جاءت نتيجة ما أراه -بحسب نظري القاصر- أنّه مما يعوزه التعليق؛ كي لا يخفى الحق على أهله، ولم أرد إساءةً لشخص أحد، أو تنقيصاً من قدره، بل أريد التنبيه الذي يأتي في سياق النقد العلمي المحض، والذي يحفظ للجميع تمام حرمته واحترامه، والله من وراء القصد.
ذكر أحد أساتذة الحوزة العلمية (وفقه الله لخدمة المذهب) بتاريخ ( 28 شهر رمضان المُبارك 1433 هـ، الموافق: 17/8/ 2012 م) على إحدى القنوات الفضائية، وفي الحلقة الأخيرة (الحلقة 25) من الحلقات التي بُثت في شهر رمضان المُبارك من برنامجه المُخصّص للمطارحات في العقيدة، بشأن سعة وضيق دور ومسؤولية (مرجع الدين) في الأمّة خلال عصر الغيبة؛ ذكر أنّ هناك اتجاهاً في مؤسسة الحوزة العلمية أو المرجعية يتبنّى رؤية مفادها أنّ وظيفة مراجع الدين مقتصرة على كتابة الرسالة العملية فقط!، واستدل على ذلك ببعض كلمات المحقق السيد الخوئي (قده).
إلاّ أنّ ما ذكره في غير محلّه، ومما لا يُمكن الالتزام به بوجه من الوجوه، وإليك تفصيل ذلك.
أولاً: نقل نصّ كلماته
ذكر المُتحدِّث ما هذا نصّه (الدقيقة: 10:37 وما بعدها) :
(يوجد اتجاهان: الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الذي، دققوا فيما أقول، الاتجاه الذي يعتقد أنه لا يوجد دور للمراجع الدينية في عصر الغيبة الكبرى إلا أن يصدروا رسالة عملية، ليس لهم أي دور آخر، كل دورهم يتلخص ماذا؟ في الرسالة العملية، فإذا أصدروا الرسالة العملية فقد انتهى ماذا؟ فقد انتهى دورهم، تقول واقعاً يوجد هكذا اتجاه؟ أقول: نعم سأقرأ لكم، وسأقرأ لكم من أعلام ماذا؟ معاصرين لا من أعلام متقدّمين، أشير إلى بعض كلماتهم).
ثم قال بعد ذلك في (الدقيقة 29:00 وما بعدها): ( فإن كان المرجع الديني يتبنى الاتجاه الأول فيكتب رسالة عملية ويذهب إلى البيت وينام مولانا خلاص بعد ما عنده دور آخر).
ثم ذكر في (الدقيقية 29:48 ) ما اعتبره واقعاً أفرزه تبني الرؤية الوظيفية التي يطرحها الاتجاه الأول، قال: (ومن هنا أنت تجد أصحاب ذلك الاتجاه، يعني أصحاب الاتجاه الأول، الآن أحداث العراق، الآن أمامكم، أحداث شؤون العراق مولانا، شؤون العراق ماذا؟ السياسية، ما هو دور المؤسسة الدينية؟ ، في الأيام الأولى، السنة الأولى، السنة الثانية، الثالثة، حصل منهم ماذا؟ بعض الحراك، ولكنه الآن ماذا؟ غيبة تامة، بل غيبوبة عن الشؤون، شؤون الشعب العراقي).
ثانياً: الاستدلال على وجود الاتجاه المذكور في مؤسسة الحوزة العلمية والمرجعية
واستدل المُتحدِّث على وجود هكذا اتجاه في مؤسسة الحوزة بموضعين من أبحاث المحقق السيد الخوئي (قده).
الموضع الأول: قرأ هذا المقدار من كتاب (التنقيح في شرح العروة الوثقى تقرير بحث المحقق السيد الخوئي (قده)، للميرزا علي الغروي ج 1 ص 424):
(أن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليل وإنما هي مختصة بالنبي والأئمة عليهم السلام ، بل الثابت حسبما تستفاد من الروايات أمران : نفوذ قضائه وحجية فتواه).انتهى.
الموضع الثاني: وقرأ أيضاً هذا المقدار من كتاب (المستند في شرح العروة الوثقى تقرير بحث المحقق السيد الخوئي (قده) ، للشيخ مرتضى البروجردي ج 2 ص 88) :
(وملخّص الكلام في المقام أن إعطاء الإمام عليه السلام منصب القضاء للعلماء أو لغيرهم لم يثبت بأي دليل لفظي معتبر ليتمسك باطلاقه).انتهى.
ثم قال المُتحِّث مُعلّقاً: (حتى القضاء لم يثبت، إذن ينحصر دوره في الفتوى، خلاص يعني ماذا؟ يعني يكتب رسالة عملية، بعد عنده دور آخر؟ يقول أبداً لا يوجد).
ثالثاً: مناقشة ما ذكره المُتحدِّث
والجواب على ما ذكره المُتحدِّث أنّ النتيجة التي توصّل إليها مُبتنية على ملاحظة قسم من كلام المحقق السيد الخوئي (قده) مع الاعراض عن قسم آخر منه؛ مُكمّل له، ومتصّل بسياقه وبنحو مباشر!، مما قاد في النهاية إلى أمرين:
الأول: نسبة ما لا يصح نسبته إلى المحقق السيد الخوئي (قده).
الثاني: دعوى وجود (اتجاه) في الحوزة يتبنّى المقدار الضيّق لوظائف ومسؤوليات الفقيه أو مرجع الدين في عصر الغيبة.
وإليك بيان ذلك مُفصّلاً:
أولاً: بيان وجه الخلل في الاستشهاد الأول بكلام المحقق السيد الخوئي (قده)
أقول: أنّ المحقق السيد الخوئي (قده) ذكر قبل ذلك بصفحة واحدة فقط! (ج 1 ص 423) ما هذا نصّه: ( أنّ الأُمور المذكورة – وهي الأُمور الراجعة إلى الولاية مما لا مناص من أن تتحقق في الخارج مثلاً إذا مات أحد ولم ينصب قيّماً على صغاره ولم يوص إلى وصي ليقوم بأمورهم واحتيج إلى بيع مال من أمواله أو تزويج صغيرة من ولده ، لأن في تركه مفاسد كثيرة أو أن مالاً من أموال الغائب وقع مورد التصرف ، فإن بيع ماله أو تزويج الصغيرة أمر لا بدّ من وقوعه في الخارج- وإن كانت حتمية التحقق في الخارج وهي المعبّر عنها بالأُمور الحِسبية ، لأنها بمعنى الأُمور القربية الَّتي لا مناص من تحققها خارجاً ، كما أن الفقيه هو القدر المتيقن كما مرّ إلَّا أنه لا يستكشف بذلك أن الفقيه له الولاية المطلقة في عصر الغيبة ، كالولاية الثابتة للنبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة ( عليهم السّلام )، حتى يتمكن من التصرف في غير مورد الضرورة ، وعدم مساس الحاجة إلى وقوعها أو ينصب قيّماً أو متولياً من دون أن ينعزل عن القيمومة أو التولية بموت الفقيه ، أو يحكم بثبوت الهلال أو غير ذلك من التصرفات المترتبة على الولاية المطلقة ، بل إنما يستكشف بذلك نفوذ التصرفات المذكورة الصادرة عن الفقيه بنفسه أو بوكيله كما هو مفاد قوله ( عليه السّلام ) في الصحيحة المتقدمة : « إذا كان القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس »، فإن تلك الأُمور لا يمكن للشارع إهمالها كما لا يحتمل أن يرخّص فيها لغير الفقيه دون الفقيه ، فيستنتج بذلك أن الفقيه هو القدر المتيقن في تلك التصرفات وأما الولاية فلا ، أو لو عبّرنا بالولاية فهي ولاية جزئية تثبت في مورد خاص ، أعني الأُمور الحِسبية الَّتي لا بدّ من تحققها في الخارج ومعناها نفوذ تصرفاته فيها بنفسه أو بوكيله).انتهى.
وتمام كلام المحقق السيد الخوئي (قده) الذي نقل المتحدِّث جزءً منه فقط (ص 424): ( أن الولاية لم تثبت للفقيه في عصر الغيبة بدليل وإنما هي مختصة بالنبي والأئمة ( عليهم السّلام ) ، بل الثابت حسبما تستفاد من الروايات أمران : نفوذ قضائه وحجية فتواه ، وليس له التصرف في مال القصّر أو غيره مما هو من شؤون الولاية إلَّا في الأمر الحِسبي فإن الفقيه له الولاية في ذلك لا بالمعنى المدعى ، بل بمعنى نفوذ تصرفاته بنفسه أو بوكيله وانعزال وكيله بموته ، وذلك من باب الأخذ بالقدر المتيقن لعدم جواز التصرف في مال أحد إلَّا بإذنه ، كما أن الأصل عدم نفوذ بيعه لمال القصّر أو الغيّب أو تزويجه في حق الصغير أو الصغيرة ، إلَّا أنه لما كان من الأُمور الحِسبية ولم يكن بدّ من وقوعها في الخارج كشف ذلك كشفاً قطعياً عن رضى المالك الحقيقي وهو الله ( جلَّت عظمته ) وأنه جعل ذلك التصرف نافذاً حقيقة ، والقدر المتيقن ممن رضى بتصرفاته المالك الحقيقي ، هو الفقيه الجامع للشرائط فالثابت للفقيه جواز التصرف دون الولاية .
أقول: الحاصل مّما تقدّم؛ أنّ مسلك المحقق السيد الخوئي (قده) في ولاية الفقيه؛ هو (الولاية الجزئية)، أو ما يُسمّى بـ(الولاية الحسبية)، أو (الولاية في الأمور الحسبية)، ولكن لأنّ المُتحدِّث قصر نظره فقط على المقدار الذي نقله في مقام استدلاله على مُدّعاه؛ خرج بنتيجة غير متطابقة مع واقع مسلك المحقق السيد الخوئي (قده)، فالمتُحدِّث لم يراعِ ما ذكره السيد الخوئي (قده) قبل صفحة واحدة فقط، وكذا لم يُراعِ ما ذكره السيد الخوئي (قده) مباشرة وفي نفس السياق والصفحة بعد المقدار الذي نقله المُتحدِّث واعتمد عليه لإثبات مطلوبه.
ماهي الأمور الحسبية؟
الأمور الحسبية هي جملة الأمور الضرورية التي من المقطوع بكونها لا مجال من أنْ تترك بأي حال من الأحوال لعدم رضا الشارع بفواتها وإنْ تُركت لحالها، ومن تلك الموارد على سبيل المثال: الجهاد، والحقوق الشرعية، والأموال العامّة – بحسب مبنى المحقق السيد الخوئي (قده) وبعض الفقهاء- وشؤون الأوقاف، والقصّر، وغير ذلك.
سعة نطاق الأمور الحسبية عند المحقق السيد الخوئي (قده)
ولمعرفة سعة الأمور الحسبية بنحو مفصّل عند المحقق السيد الخوئي (قده)، لا بأس بنقل بعض الكلمات.
قال (قده) في (صراط النجاة ج 1 ص 10) : (أما الولاية على الأمور الحسبية كحفظ أموال الغائب واليتيم إذا لم يكن من يتصدى لحفظها كالولي أو نحوه ، فهي ثابتة للفقيه الجامع للشرائط وكذا الموقوفات التي ليس لها متولي من قبل الواقف والمرافعات ، فإن فصل الخصومة فيها بيد الفقيه وأمثال ذلك ، وأما الزائد على ذلك فالمشهور بين الفقهاء على عدم الثبوت ، والله العالم).
قال الميرزا جواد التبريزي (قده) في (صراط النجاة ج 1 ص10 السؤال 1) : (والذي نقول به هو أن الولاية على الأمور الحسبية بنطاقها الواسع ، وهي كل ما علم أن الشارع يطلبه ولم يعين له مكلفاً خاصاً ، ومنها بل أهمها إدارة نظام البلاد وتهيئة المعدات والاستعدادات للدفاع عنها ، فإنها ثابتة للفقيه الجامع للشرائط ، يرجع في تفصيله إلى كتابنا ( إرشاد الطالب ) وكذا للفقيه القضاء في المرافعات وفصل الخصومات ، والله العالم).
وقال –الميرزا التبريزي (قده) - أيضاً في (صراط النجاة ج 2 ص 462 السؤال 1438) : (الولاية الثابتة للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام هي ولايتهم على الأمر و النهي فيما يرجع إلى أموال الناس وأعراضهم ، لا أن لهم ولاية في التصرف مباشرة في أموال الناس وأعراضهم ، وهذه الولاية ثابتة للفقيه الجامع للشرائط المتصدي للأمر من باب الحسبة ، أعني الأمور التي لا بد من تحققها في الخارج ، ويتوقف عليها نظام معيشة العباد ، وحفظ الأمن للبلاد ، وتمكين المؤمنين لقطع أيادي الأعداء ، ودفع المتجاوزين من أراضيهم).
وقال –الميرزا التبريزي (قده)- في (إيصال الطالب ج 3 ص 26) في مقام بيان معنى الأمور الحسبية وسعتها : (المصالح المطلوبة للشارع الغير المأخوذة على شخص معين المعبر عنها بالأمور الحسبية هي التي علم من الشرع العمل بها وعدم جواز تركها وان التكليف بها لم يتوجه إلى الشخص معين ولا تكون من الواجب الكفائي لتكون مطلوبة على كل أحد كالتصرف في أموال القصر من الذين ليس لهم أولياء والموقوفات العامة التي لم يعين المتولي لها من قبل الواقفين أو قام الدليل على كونها بيد ولى أمر المسلمين والحاكمين كإقامة الحدود والتعزيرات والتصديق لجميع الحقوق الشرعية وصرفها لمواردها والتصدي لتنظيم أمر جوامع المسلمين وبلادهم).
لا فرق بين مبنى الميرزا التبريزي (قده) ومبنى أستاذه السيد الخوئي (قده):
وسُئل الميرزا التبريزي (قده) كما في (صراط النجاة ج 3 ص 358 السؤال 1097) :
(ما رأيكم - دام ظلكم - أن ولاية الفقيه إنما هي على الأمور الحسبية بنطاقها الواسع ، وهي كل ما علم أن الشارع يطلبه ، ولم يعين له مكلفاً خاصاً ، ومنها بل أهمها إدارة نظام البلاد ، وتهيئة المعدات والاستعدادات للدفاع عنها [ صراط النجاة - 1 - سؤال 1 ] .
والسؤال : ما هو الفرق إذن بين مختاركم ومختار السيد الخوئي ( قدس سره )
ما دام المناط هو علمنا بأن الشارع يطلبه ؟
فأجاب (قده): لا فرق ، ولكن السيد ( قدس سره ) لم يصرح بأن نطاقها الواسع من الأمور الحسبية ، والله العالم).انتهى.
أقول: فانظر إلى سعة الولاية التي تثبت للفقيه (مرجع الدين) في نظر المحقق السيد الخوئي (قده) بشهادة كلماته، وبشهادة تلميذه المحقق الميرزا جواد التبريزي (قده)، الذي نفى أنْ يكون هناك فرق بين ما أفاده في سعة الولاية، وبين مُختار أستاذه المحقق السيد الخوئي (قده) بقوله أولاً: (والذي نقول به هو أن الولاية على الأمور الحسبية بنطاقها الواسع ، وهي كل ما علم أن الشارع يطلبه ولم يعين له مكلفاً خاصاً)، وبقوله (قده) ثانياً : (لا فرق ، ولكن السيد ( قدس سره ) لم يصرح بأن نطاقها الواسع من الأمور الحسبية).
فأين هذا من دعوى المتحدّث أنّ المحقق السيد الخوئي (قده) ممن يتبنّى ما عنونه بـ(الاتجاه الأول)، والذي مؤدّاه أنْ لا وظيفة للفقيه سوى كتابة الرسالة العملية؟!
ومما لا يكاد ينقضي منه العجب؛ أنّه في (الدقيقة 27:10 وما بعدها)، قال مُقدِّم البرنامج (المُضيف) عن المحقق السيد الخوئي (قده): (يؤمن في الولاية بالأمور الحسبية).
فقاطعه المتحدِّث: (في الأمور الحسبية، هسّة ما أريد أدخل في التفاصيل!).
مع أنّ هذا الذي أسماه بـ(التفاصيل) هو بمثابة الرد على نفس الدعوى التي نسبها المتحدِّث إلى المحقق السيد الخوئي (قده)!!
وهي ليست بتفاصيل في حقيقتها، بل هي عبارة عن خمس كلمات تختزل المبنى والإتجاه الصحيح للمحقق السيد الخوئي (قده)، لا الاتجاه الذي نسبه المُتحدِّث إليه.
ثانياً: بيان الخلل في الاستشهاد الثاني بكلام المحقق السيد الخوئي (قده)
أقول: أنّ المحقق السيد الخوئي (قده) كان في مقام نفي (خصوص) الدليل اللفظي على ثبوت منصب القضاء للعلماء أو غيرهم، لا أنّه في مقام نفي (أي) دليل على ذلك، ولذا قال (قده) : (لم يثبت بأيّ دليل لفظي معتبر)، ثم استدل بعد ذلك مباشرة وفي نفس الصفحة بكون ثبوت هذا المنصب للفقيه (مرجع الدين) إنّما هو بناءً على التمسّك بالقدر المتيقن.
وإليك تمام كلامه الذي اقتطع المُتحدِّث جزءً منه وأسّس عليه دعواه (ج2 ص 88): (وملخّص الكلام في المقام : أنّ إعطاء الإمام ( عليه السلام ) منصب القضاء للعلماء أو لغيرهم لم يثبت بأيّ دليل لفظي معتبر ليتمسّك بإطلاقه .
نعم ، بما أنّا نقطع بوجوبه الكفائي ، لتوقّف حفظ النظام المادّي والمعنوي عليه ، ولولاه لاختلَّت نظم الاجتماع ، لكثرة التنازع والترافع في الأموال وشبهها من الزواج والطلاق والمواريث ونحوها ، والقدر المتيقّن ممّن ثبت له الوجوب المزبور هو المجتهد الجامع للشرائط . فلا جرم يُقطع بكونه منصوباً من قبل الشارع المقدّس).
إلى أنْ قال (قده) في ج1 ص 89:
(والمتحصّل: من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن : أنّه لم ينهض لدينا دليل لفظي معتبر يدلّ على نصب القاضي ابتداءً ، وإنّما نلتزم به من باب القطع الخارجي المستلزم للاقتصار على المقدار المتيقّن).انتهى.
أقول: فأين هذا من قول المتحدِّث : (حتى القضاء لم يثبت، إذن ينحصر دوره في الفتوى، خلاص يعني ماذا؟ يعني يكتب رسالة عملية، بعد عنده دور آخر؟ يقول أبداً لا يوجد) ؟!!
والحاصل: إنّ ما ذكره من وجود اتجاه في مؤسسة الحوزة والمرجعية يؤسّس للسلبية التي صوّرها المُتحدِّث، والمتمثلة بعزوف مرجع الدين وانكفائه على نفسه، وممارسته للعزلة التامّة عن المشهد العام، والواقع الشيعي بل وغير الشيعي، وتقلّص دوره ووظيفته وانحسارها بمستوى الاكتفاء بإصدار الرسالة العملية؛ مما لا دليل عليه، أو على الأقل أن ما استدل به لإثبات ذلك غير تام، ومما لا يُمكن قبوله.
وفي الختام أرفع يدي الضراعة سائلاً من الله تبارك وتعالى أنْ يحفظ الله تبارك وتعالى مراجعنا العظام ويديم عزّهم وظلّهم الشريف على رؤوس الأشهاد، وأنْ يصون الحوزة العلمية الأصيّلة من طوارق الزمان، وأن يُديمها ذُخراً وحصناً وملجأ ًللأمة.
وصلّى الله على سيدنا ونبينا خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، والحمد لله أولاً وآخراً.
جابر جوير
يوم السبت، 29 شهر رمضان المُبارك 1433 هـ، الموافق: 18/8/ 2012م.
مصدر البحث: http://jaberjuwair.blogspot.com/